الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: محتوى الكتاب:
ويحتوي كتاب العلل للدارقطني الذي بين أيدينا الآن على حوالي: " 177"، مسنداً تقريباً، تضم أكثر من " 4128 "، سؤالاً (1)، وقد اشتملت السؤالات على جميع أنواع العلل المختلفة الخفية والظاهرة، فكان منها المتفق والمفترق، والمدرج، والمضطرب والْمُصَحَّف، الْمُدَلَّس، وما فيه الإرسال والانقطاع والضعف وغيره، وقد رتب مادة الكتاب الحافظ البرقاني على المسانيد بعد موافقة الدارقطني على ذلك كما سبق ذكره، وأن السؤالات التي صُدَّرت بها نصوص الدارقطني في العلل من وضع الحافظ البرقاني، وقد ضمَّ الكتاب السؤالات عن تراجم الرواة، كما ضمَّ السؤالات عن الأحاديث إلا أن الأحاديث كانت الغالب من أصل السؤالات.
وكتاب العلل إلى اليوم لم يكتمل بعدُ، حيث إنَّ المصادر التي اعتمد عليها الدكتور محفوظ الرحمن رحمه الله تدل على النقص في أصل الكتاب، فقد أفاد د. محفوظ الرحمن زين الله (2) أنَّه:" اعتمد على عشرة نسخ خطية لكن معظمها غير كاملة فبعضها ينقص مجلداً وبعضها ينقص أكثر، وقد يكون المجلد نفسه ناقصاً من أوله أو أثناءه أو آخره، وأكمل هذه الكتب نسخة دار الكتب المصرية التي تقع في خمس مجلدات، ولكنها لم تسلم أيضاً من النقص أو الاضطراب في ترتيبها، فأما المجلدات الأول والثاني والثالث فقد دخلت فيما طبع من الكتاب، وأما المجلد الرابع فقد طبع بعضه، وذكر المحقق أنه اكتفى فيه بالمقابلة على نسختين فقط مما سبق وهما نسخة دار الكتب المصرية، ونسخة " خدا بخش بتنه " القديمة، لأن بقية النسخ إما منقولة عنهما أو لأن النقص كان بعد المجلدين الأول والثاني، وأما المجلد الرابع
(1) فقد ذكر الدكتور محفوظ الرحمن رحمه الله، أن كتاب العلل للدارقطني يحتوي - مع نقصه - على "170 " مسندا تضم أكثر من " 3987 " سؤال في مقدمة تحقيق العلل (ج1/ ص5)، وما أثبته هنا، تعقيب عليه بعد التحقيق والدراسة لجميع الكتاب بعد التكملة.
(2)
الدكتور عبدالله بن محمد بن حسن دمفو، مرويات الإمام الزهري المعلة (ج1 / ص 107).
من النسخة المصرية فلا يقابله إلا نسخة المكتبة الناصرية " بلكنو "، وأما المجلد الخامس فتنفرد به النسخة المصرية ".
والكتاب طبع في أحد عشر مجلداً، وهو القسم الذي طبعه الدكتور محفوظ الرحمن رحمه الله، ثم قام الشيخ محمد بن صالح الدَّباسي مشكوراً بإتمام بقية التحقيق للمخطوطات المذكورة آنفاً، فخرجت التكملة في خمسة مجلدات مع الفهارس، فيكون إجمالي أجزاء الكتاب ستة عشر جزءاً مع الفهارس.
وأخيراً سؤال يطرح نفسه، هل هذا الكتاب الذي بين أيدينا اليوم هو الذي جمعه البرقاني في حياة الدارقطني أم اعتراه النقص!؟
والجواب: باستقراء النصوص التي وردت في هذه المسألة نجدها تنقسم على قولين:
القول الأول:
ذهب إليه ابن القطان ومن تبعه، أن الدارقطني لم يكمل الكتاب أصلاً، فقال:" فأما كتاب العلل له - يعني الدارقطني - فإنه لم يذكر فيه ابن عباس، وكذلك جماعة من الصحابة، أراه لم يبلغهم عمله "(1).
وقال أيضاً: " وذلك أن الدارقطني لم يجعل في كتاب العلل لابن عباس رسماً، ولا ذكر من حديثه إلا ما عرض في باب غيره من الصحابة، إما لم يبلغه عمله وإما لم يتحصل عنده ما يضع في الكتاب المذكور (2).
واحتج بعضهم بأن كتاب الدارقطني مبني على أصول أبي منصور الكرخي - وهو شيخه
- الذي مات ولم يتمه كما ذكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (3).
(1) الحافظ علي بن محمد بن عبد الملك أبو الحسن، ابن القطان الفاسي (ت: 628)، بيان الوهم والإيهام طبعة دار طيبة، الرياض، تحقيق د. الحسين آيت سعيد، (ج1/ ص181).
(2)
المصدر السابق، (ج1/ ص192).
(3)
الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد (ج5 / ص249).
القول الثاني:
وهو أنَّ الكتاب قد اعتراه النقص في النسخ المخطوطة التي وصلت إلينا، ولم يكن الكتاب على أصول الكرخي فحسب، وإنما ضم إليه سؤالات البرقاني من أمثلة ذلك ما ورد من حديث الرضراض بن أسعد عن ابن مسعود ، كما حكى البرقاني قصة سؤاله للدارقطني عنه كما نقله الخطيب عنه في تاريخه أنه قال: كنت أكثر ذكر الدارقطني والثناء عليه بحضرة أبي مسلم بن مهران الحافظ ، فقال لي أبو مسلم: أراك تفرط فى وصفه بالحفظ فتسأله عن حديث الرضراض عن ابن مسعود؟ فجئت الى أبى الحسن وسألته عنه فقال: ليس هذا من مسائلك
…
" (1).
القول الراجح:
وهو القول الثاني: أن الكتاب قد اعتراه النقص في النسخ المخطوطة التي وصلت إلينا، ويرجع ذلك إما لخطأ النساخ أو فقدان أجزاء منه، ومن القرائن والشواهد التي تؤيد ذلك عدة نصوص في كتاب العلل للدارقطني، ومنها على سبيل المثال، لا الحصر:
القرينة الأولى:
ورد في حديث ((إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً)) (2)، سؤال رقم (3485) قول الدارقطني:" وحديث أبي بن كعب يجئ في مسنده إن شاء الله. "(3)، ومعلوم أنَّه ليس هناك مسند لأُبي بن كعب في نسخ الكتاب الذي بين أيدينا، مما يدل على النقصان في النسخة المخطوطة التي وصلت إلينا، وكلام أهل العلم ممن كان له دراسة بهذا المصنف الجليل يدل على ما ذهبنا إليه.
(1) المصدر السابق (ج15/ ص260).
(2)
البخاري، الجامع الصحيح (ج10/ ص605)،كتاب الأدب، باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يُكره منه، رقم (6145). والترمذي، السنن (ج5/ص137)، كتاب، باب ما جاء إنَّ من الشعر حكمة، رقم (2844).
(3)
أبو الحسن الدارقطني، علل الدارقطني، تكملة الدَّباسي (ج14 / ص146).
القرينة الثانية:
ورد في حديث ((أَلا أَخَذُوا إِهَابَهَا فَدَبَغُوهُ فَانْتَفَعُوا بِهِ؟)) (1)، سؤال رقم (4009) قول الدارقطني:" وقد بينا الخلاف في حديث ابن عباس "(2)، وليس في النسخ الموجودة لدينا أثر لمسند ابن عباس منفرداً، ولم نحصل على الخلاف المشار إليه في كتاب العلل بعد طول تفتيش، وقال الدكتور محفوظ الرحمن:" وكما أن مسند ابن عباس لا يوجد في العلل للدارقطني كذلك لا يوجد مسند عبدالله بن عمرو بن العاص مع أنَّه أيضاً من المكثرين، وغاية ما في الأمر أنَّ الدارقطني لم يفرد مسنداً لابن عباس كما عمل لعبدالله بن عمر بن الخطاب وأنس بن مالك وغيرهما، ولكنه يذكر أحاديث ابن عباس في مسانيد أخرى. "(3)، وأما قول القائل: ربما كان الخلاف المذكور في حديث ابن عباس مما أُدخل في بعض المسانيد الأخرى، فاحتمال ظاهر البطلان، لأن أحاديث ابن عباس التي وقعت في كتاب العلل الذي بين أيدينا حوالي (116) ستة عشر ومائة حديثٍ تقريباً، وبعد سبر هذه الأحاديث لم نجد الخلاف المذكور آنفاً في الحديث.
ومما سبق يتضح لنا عدة أمور ونتائج:
1 -
أنَّ النسخ المخطوطة الموجودة بين أيدينا الآن من كتاب العلل وقع بها النقص إجمالاً
2 -
وأنَّ مسانيد أبي بن كعب، وعبد الله بن عمرو بن العاص لا وجود لهما في الكتاب.
3 -
وأنَّ مسند ابن عباس لا يوجد منفرداً بل ذكر في مسانيد أخري تبعاً لا أصلاً.
4 -
وأنَّ قول قائل أن الدارقطني لم يكمل الكتاب أصلاً، بعيد من واقع الحجة والبرهان.
5 -
أنَّ كتاب العلل للدارقطني كتاب حافل كثير الفائدة في بابه.
(1) مسلم، صحيح مسلم (مع شرح النووي)،كتاب الحيض، باب طهارة جلود الميتة بالدباغ (ج2 / ص288)، رقم (102).
(2)
أبو الحسن الدارقطني، علل الدارقطني، تكملة الدَّباسي (ج15/ ص 260).
(3)
محفوظ الرحمن، مقدمة العلل للدارقطني (ج1/ ص 84).