الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس: مفهوم النَّكارة وألفاظها عند المحدثين والإمام الدارقطني
.
ومفهوم المنكر في مصطلح المحدثين هو المفهوم نفسه في اللغة، إذ يعني كل خبر غير معروف عند الحفاظ الأثبات، مستنكر ومستقبح لديهم، وهذا قد يكون لعدة أسباب في الخبر مثل: كونه خطأ غير صواب، أو أنَّه وهم، أو كذب مختلق كل ذلك منكر عندهم، ولكن لفظة المنكر من الألفاظ التي أطلقت على أنواع عديدة من العلل منها ما رواه الضعيف، وما أخطأ فيه الثقة، وغير ذلك مثل علة الشذوذ، فهل هذا يصح، ويدخل في معناه أم لا؟.
وللجواب عن ذلك سوف نذكر أقوال أهل الحديث ومناقشة أقوالهم، وبيان الراجح منه. نقول بعون الله: أنّه قد فرَّق قوم بين المنكر والشاذ، فقد قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في نزهة النظر: " فإِنْ خُولِفَ أي الراوي بأرْجَحَ منهُ؛ لمزيدِ ضَبْطٍ أَوْ كثرةِ عدَدٍ أَو غيرِ ذلك مِن وُجوهِ التَّرجيحاتِ، فالرَّاجِحُ يقالُ لهُ: المَحْفوظُ. ومُقابِلُهُ - وهو المرجوحُ - يُقالُ لهُ: الشَّاذُّ.
مثالُ ذلك: ما رواهُ التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ، وابنُ ماجَه مِن طريقِ ابنِ عُيَيْنَةَ عن عَمْرو بنِ دينارٍ، عن عَوْسَجة، عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنه: أَنَّ رجُلاً تُوُفِّي في عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يَدَعْ وارِثاً إِلَاّ مولىً هو أَعتقَهُ
…
الحديثَ.
وتابَعَ ابنَ عُيَيْنَةَ على وَصْلِهِ ابنُ جُريجٍ وغيرُه. وخالفَهُم حمَّادُ بنُ زَيْدٍ، فرواهُ عَنْ عَمْرو ابنِ دينارٍ، عَن عَوْسَجَةَ ولم يَذْكُرِ حديث ابنَ عباسٍ.
قال أبو حاتمٍ: المَحفوظُ حديثُ ابنِ عُيَيْنَةَ. أهـ كلامُه.
حمَّادُ بنُ زيدٍ مِن أَهلِ العدالةِ والضَّبطِ، ومعَ ذلك رجَّحَ أبو حاتمٍ روايةَ مَن هُم أَكثرُ عدداً منهُ. وعُرِفَ مِن هذا التَّقريرِ أَنَّ: الشَّاذَّ: ما رواهُ المقْبولُ مُخالِفاً لِمَنْ هُو أَوْلَى مِنهُ.
وهذا هُو المُعْتَمَدُ في تعريفِ الشاذِّ بحَسَبِ الاصْطِلاحِ.
وَإِنْ وَقَعَتِ المُخالفةُ لهُ معَ الضَّعْفِ؛ فالرَّاجِحُ يُقالُ لهُ: المَعْروفُ، ومُقابِلُهُ يُقالُ لهُ: المُنْكَرُ. مثالُه: ما رواهُ ابنُ أَبي حاتمٍ مِن طريقِ حُبَيِّبِ بنِ حَبيبٍ - وهو أَخو حَمزَةَ بنِ حَبيبٍ الزَّيَّاتِ المُقرئِ - عن أَبي إِسحاقَ، عن العَيْزارِ بنِ حُريثٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم،
قالَ: ((مَن أَقامَ الصَّلاةَ وآتى الزَّكاةَ وحَجَّ البيتَ وصامَ وقَرَى الضَّيْفَ؛ دَخَلَ الجنَّةَ)).
قالَ أَبو حاتمٍ: وهُو مُنْكَرٌ؛ لأَنَّ غيرَه مِن الثِّقاتِ رواهُ عن أَبي إِسحاقَ مَوقوفاً، وهُو المَعروفُ.
وعُرِفَ بهذا أَنَّ بينَ الشَّاذِّ والمُنْكَرِ عُموماً وخُصوصاً مِن وَجْهٍ؛ لأنَّ بينَهُما اجْتِماعاً في اشْتِراطِ المُخالفَةِ، وافْتراقاً في أَنَّ الشَّاذَّ راويهِ ثقةٌ أو صدوقٌ، والمُنْكَرَ رَاويهِ ضعيفٌ. وقد غَفَلَ مَن سَوَّى بينَهُما، واللهُ أَعلمُ " (1).
وقال السيوطي في تدريب الراوي: " قد علم مما تقدم بل من تصريح كلام ابن الصلاح أن الشاذ والمنكر بمعنى، وقال شيخ الإسلام: إنَّ الشاذ والمنكر يجتمعان في اشتراط المخالفة، ويفترقان في أن الشاذ راويه ثقة أو صدوق والمنكر راويه ضعيف، قال: وقد غفل من سَوَّى بينهما.
ثم مثل المنكر بما رواه ابن أبي حاتم من طريق حُبَيّبٍ (بضم الحاء المهملة وتشديد التحتية بين موحدتين أولاهما مفتوحة)، ابن حَبِيب (بفتح المهملة بوزن كَرِيم) أخى حمزة الزَّيات عن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث، عن ابن عباس، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:((مَنْ أَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَحَّجَ، وَصَامَ وَقَرَى الْضَيفَ دَخَلَ الْجَنَّةَ)).
قال أبو حاتم: هو منكر؛ لأنَّ غيره من الثقات رواه عن أبي إسحاق موقوفاً. وهو المعروف فحينئذ فالحديث لا مخالفة فيه، وراويه متهم بالكذب بأن لا يروي إلا من جهته وهو مخالف للقواعد المعلومة أو عرف به في غير الحديث النَّبوي " (2).
قلتُ: ونرى أنَّ المنكر عند المتقدمين يطلق على كل ما هو مستنكر من الأخبار سواء كانت من رواية ضعيف، أو من رواية متروك الحديث فيما يرويه من الأحاديث الواهية،
كما أنَّهم أحياناً يطلقون ذلك على المستنكر من الخطأ أو الوهم مما قد يقع فيه الثقات.
(1) ابن حجر العسقلاني: نُزْهَةِ النَّظَر في تَوْضِيحِ نُخْبَةِ الفِكَر في مُصْطَلحِ أَهلِ الأثَر، (ص51 - 53).
(2)
السيوطي: تدريب الراوي (ج1/ص 240).
نماذج من الضعفاء الذين استنكر النُّقاد والإمام الدارقطني رواياتهم:
المثال الأول: قال عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ: " وَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((الْحُجَّاجُ، وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللهِ، إِنْ سَأَلُوا أُعْطُوا، وَإِنْ دَعَوْا أُجِيبُوا وَإِنْ أَنْفَقُوا أُخْلِفَ عَلَيْهِمْ، وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي الْقَاسِمِ بِيَدِهِ مَا أَهَلَّ مِنْ مُهِلٍّ، وَلا كَبَّرَ مِنْ مُكَبِّرٍ عَلَى شَرَفٍ مِنَ الأَرْضِ، إِلا أَهَلَّ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَبَّرَ بِتَكْبِيرِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ مِنْهُمَا الصَّوْتُ))، فَسَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ "(1).
قلتُ: قد أنكر الإمام أبي حاتم هذا الحديث وهو من رواية مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ (2) وقد ضعفه الأئمة، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:" قال عبدالله بن أحمد عن أبيه: "أحاديثه مناكير"، وقال الدُّوري عن ابن معين: "ضعيف ليس حديثه بشيء"، وقال الجوزجاني: "واهي الحديث ضعيف"، وقال البخاري: "منكر الحديث"، وقال النَّسائي:
"ليس بثقة"، وقال أبو زرعة:"ضعيف الحديث"(3)، ولذا أُطلق عليه حديث منكر.
المثال الثاني: قال عبدالله - ابن أحمد بن حنبل -: " سمعت أبي يقول حدثنا بحديث الشُّفعة حديث عبدالملك عن عطاء عن جابر عن النَّبي صلى الله عليه وسلم. وقال هذا حديث منكر "(4).
قلتُ: قد أنكر الإمام أحمد بن حنبل هذا الحديث، كما أنكره شعبة بن الحجاج بن الورد، وهو من رواية عبدالملك وهو ابن أبي سليمان العَرْزمي ضعيف، وقد ترجمنا له من قبل (5)،
(1) ابن أبي حاتم: كتاب العلل (ص716)، سؤال رقم (894).
(2)
هو محمد بن أبى حميد إبراهيم الأنصاري الزرقي، أبو إبراهيم المدنى (ت:؟)، ضعيف من كبار أتباع التابعين، أخرج له الترمذي وابن ماجه، تهذيب التهذيب (ج9/ص116).
(3)
ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب (ج9/ص116).
(4)
الإمام أحمد بن حنبل: العلل ومعرفة الرجال، (ج2/ص281)، مسألة رقم (2256).
(5)
سبق تخريجه في صفحة (213) من الدراسة.
والحديث خطأ؛ لذا حكم الإمام أحمد بن حنبل عليه بالنَّكارة.
المثال الثالث: قال البرقاني في العلل: " وسئل - الدارقطني - عن حديث أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم:((لَا يُؤَذِّنْ لَكُمْ مَنْ يُدْغِمُ الهَا)).
فقال - الدارقطني -: يرويه علي بن جميل، عن عيسى بن يونس، عن الأعمش كذلك قال: وعلي بن جميل ضعيف، ويقال إنَّ الصحيح من ذلك أنَّه من قول الأعمش، حدثناه عبدالله بن سليمان بن الاشعث، ثنا علي بن جميل الرقي، قال: كنا نمشي مع عيسى بن يونس فجاء رجل ظننت أنَّه كان حايكاً، فأذن فقال:" الا أكبر"، فقال عيسى بن يونس، ثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤذّن لكم من يدغمُ الها، قلنا فكيف يقول؟ قال يقول أشهد أن لا إله إلا اللا أشهد أنَّ محمدا رسول" اللا "))، قال أبو بكر بن أبي داود: هذا حديث منكر، وإنَّما مر الأعمش برجل يؤذن يدغم الها، فقال: لا يؤذّن لكم من يدغمُ الها " (1).
نماذج من الثقات الذين استنكر النُّقاد والإمام الدارقطني رواياتهم:
المثال الأول: قال عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ: " وَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ؛ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو (2)، عَنِ ابْن شِهَابٍ الزُّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ رضي الله عنها:((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: إِذَا رَأَيْتِ الدَّمَ الأَسْوَدَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلاةِ، وَإِذَا كَانَ الأَحْمَرَ فَتَوَضَّئِي)) (3).
(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج8/ص175)، سؤال رقم (1492).
(2)
وهو محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي المدني (ت:؟)، ثقة من الطبقة السادسة من الذين عاصروا صغارالتابعين، أخرج له الشيخان وأبو داود والنّسائي، تهذيب التهذيب (ج9/ص 330).
(3)
أخرجه أبو داود على الوجه المعلول: في السنن، كتاب الطهارة، باب من قال إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، (ج1 /ص 125) برقم (286)، من طريق محمد بن أبي عدي عن محمد يعني ابن عمرو قال حدثني ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش به بتمامه.
فَقَالَ أَبِي: لَمْ يُتَابَعْ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ مُنْكَرٌ " (1).
قلتُ: قد أنكر الإمام أبي حاتم هذا الحديث على مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو وهو ابن حلحلة الديلي، ثقة قد أخرج له الشيخان، وعلى الرغم من ذلك، فقد وُصِفَت روايته بأنها مُنكرة، أي أنَّه أخطأ في هذه الرواية ولم يُتَابعه أحدٌ عليها فصارت مُنكرة.
المثال الثاني: قال عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ: " وَسَأَلْتُ أَبِي، وَأَبَا زُرْعَةَ، عَنْ حَدِيثٍ؛ رَوَاهُ يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ (2)، عَنْ عَثَّامٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: ((كَانَ إِذَا تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ)).
قَالا: هَذَا خَطَأٌ، إِنَّمَا هُوَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ هَذَا رَوَاهُ جَرِيرٌ هَكَذَا
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ هَذَا الْحَدِيثَ وَهُوَ مُنْكَرٌ (3).
قلتُ: قد أنكر الإمام أبو زُرْعَةَ هذا الحديث، وهو من رواية يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، ثقة أخرج له البخاري في صحيحه، وعلى الرغم من ذلك فقد وُصِفَت روايته بأنها منكرة، أي إنها غلط فحكم عليها بالضعف والنَّكارة لذلك، والله أعلم.
المثال الثالث: قال عبدالله - ابن أحمد بن حنبل -: " حدثني أبي قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا ابن أبي ذئب عن الزهري قال: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ يَومَ الفِطْرِ فَيُكَبِّرَ مِنْ حِينِ يَخْرُجَ مِنْ بَيتِهِ حَتَى يَاتِي الْمُصَلَّى، فَإِذَا قَضَى الصَّلَاةَ قَطَعَ التَّكْبِيرَ، قَالَ: وَأَمَّا الأضْحَى فَكَانَ
(1) ابن أبي حاتم: كتاب العلل (ص266)، سؤال رقم (117).
(2)
وهو يوسف بن عدي بن زريق بن إسماعيل ويقال ابن الصلت بن بسطام التيمي، ثقة من الطبقة العاشرة الآخذين عن تبع الأتباع، أخرج له البخاري والنَّسائي، تهذيب التهذيب (ج11/ص 367).
(3)
ابن أبي حاتم: كتاب العلل (ص317)، سؤال رقم (197).
يُكَبِّرَ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوَمَ عَرَفَةَ إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ)) (1).
قال أبي هذا حديث منكر، ثم قال: دخل شعبة على ابن أبي ذئب فنهاه أن يحدث به وقال: لا تحدث بهذا وأنكره شعبة " (2).
قلتُ: قد أنكر الإمام أحمد بن حنبل هذا الحديث من رواية ابن أبي ذئب وهو محمد ابن عبدالرحمن بن المغيرة (3)، وهو ثقة أحد الأعلام، تبعاً لإنكار شعبة عليه هذا الحديث، ونهي ابن أبي ذئب عن أن يحدث به؛ لأنَّه خطأ، وهذا الحديث لم يخرجه أحد من الكتب الستة، فدل ذلك على أنَّ القوم كانوا يطلقون لفظة المنكر على الأحاديث التي أخطأ فيها الثقات كذلك.
(1) أخرجه ابن أبي شيبة على الوجه المعلول: في المصنف (ج2/ص71)، من طريق يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب عن الزهري به، ولاشك أنَّه ضعيف مقطوع، وذكره الإمام مالك مختصراً في الموطأ (رواية يَحْيَى بْنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ)(ج1/ص 329)، برقم (1204)، فقال:"الأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ دُبُرَ الصَّلَوَاتِ وَأَوَّلُ ذَلِكَ تَكْبِيرُ الإِمَامِ وَالنَّاسُ مَعَهُ دُبُرَ صَلاةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَآخِرُ ذَلِكَ تَكْبِيرُ الْإِمَامِ وَالنَّاسُ مَعَهُ دُبُرَ صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثُمَّ يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ ".
(2)
الإمام أحمد بن حنبل: العلل ومعرفة الرجال، (ج2/ص 310)، مسألة رقم (2376).
(3)
محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبى ذئب القرشي العامري، أبو الحارث المدني (ت: 158 هـ)، ثقة فقيه فاضل، من الطبقة السابعة من كبار أتباع التابعين، أخرج له الستة، تهذيب التهذيب (ج9/ص 270).
نتائج هامة:
- أنَّ أئمة النقد قد يتبين لهم في الحديث من رواية الثقة الثبت المتفق عليه أنَّه ضعيف وفي الحديث من رواية من هو ضعيف عندهم أنَّه صحيح.
- استعمل النُّقادُ المحدِّثون غير الدارقطني لفظة المخالفة في مصنفات العلل، للدلالة على نفس المعنى الذي قصده الدارقطني، إلا أنَّ الدارقطني كان أكثر استعمالاً لها.
- أنَّ لفظة المنكر عند النُّقاد المتقدمين من الألفاظ التي أطلقت على أنواع عديدة من العلل منها ما رواه الضعيف، وما أخطأ فيه الثقة، وغير ذلك من علل المخالفة.
- يوجد فرق واضح بين قول النُّقاد والدارقطني في الراوي أنه: " روى المناكير " وبين قولهم " أحاديثه مناكير "، فإنَّ اللفظ الأول لا يعني أنَّ صاحبه ضعيف بل قد يكون ثقة وروى عن الضعفاء، والثاني يعني أنَّ صاحبه قد يكون ضعيفاً.
- أنَّ مفهوم النَّكارة عند المتقدمين يختلف عن المتأخرين، فإنَّهم يعتبرون الحديث المنكر هو الذي رواه الضعيف مخالفاً للثقة، وأمَّا إذا خالف الثقة غيره من الثقات فهو شاذ عندهم، وهذا بخلاف النُّقاد المتقدمين، فإنهم يطلقون النَّكارة على كل ما هو مستنكر من الأخبار سواء كانت من رواية ضعيف، أو متروك الحديث فيما يرويه من الأحاديث الواهية، كما أنَّهم أحياناً يطلقون ذلك على المستنكر من الخطأ أو الوهم مما قد يقع فيه الثقات.
الفصل الثالث
الألفاظ الدالة على الغرابة والتفرد والترجيح
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: الغرابة والتفرد ومدلولهما عند النُّقاد والإمام الدارقطني.
المطلب الأول: تعريف الغرابة والتفرد لغةً.
المطلب الثاني: لفظا الغرابة والتفرد عند النُّقاد والدارقطني في العلل.
المبحث الثاني: ألفاظ الترجيح ومدلولاتها عند النُّقاد والإمام الدارقطني.
المطلب الأول: تعريف الترجيح لغةً.
المطلب الثاني: ألفاظ الترجيح عند النُّقاد والدارقطني في العلل.