المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: الأحاديث التي انتقدها في كتاب العلل وقد أخرجها مسلم في أصل صحيحه: - منهج الإمام الدارقطني في نقد الحديث في كتاب العلل

[يوسف بن جودة الداودي]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌مقدمة

- ‌أهداف البحث:

- ‌منهج البحث:

- ‌خطة البحث:

- ‌عقبات البحث:

- ‌تمهيد

- ‌ تعريف العلة لغةً واصطلاحاً

- ‌العلة في اللغة:

- ‌العلة في الاصطلاح:

- ‌ملخص الخلاف في تعريف العلة في الاصطلاح:

- ‌العلاقة بين المدلول اللغوي والاصطلاحي:

- ‌أهمية بيان علة الأحاديث والأخبار:

- ‌الباب الأولالإمام الدارقطني وكتابه العلل

- ‌الفصل الأولترجمة موجزة للإمام الدَّارَقُطْني رحمه الله

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده

- ‌المبحث الثاني: نشأته وبداية طلبه للعلم

- ‌المبحث الثالث: رحلاته العلمية و‌‌شيوخهوتلامذته

- ‌شيوخه

- ‌تلامذته:

- ‌المبحث الرابع: منزلته العلمية

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌المبحث الخامس: وفاته

- ‌المبحث السادس: آثاره العلمية

- ‌أولاً المخطوطات:

- ‌ثانياً المطبوعات:

- ‌المبحث السابع: دراسات علمية حول بعض مؤلفاته

- ‌الفصل الثانيالتعريف بكتاب العلل للإمام الدَّارَقُطْني

- ‌المبحث الأول:‌‌ اسم الكتابومؤلفه:

- ‌ اسم الكتاب

- ‌مؤلف الكتاب:

- ‌المبحث الثاني: قيمة الكتاب العلمية:

- ‌المبحث الثالث: محتوى الكتاب:

- ‌المبحث الرابع: مصادر الإمام الدارقطني في الكلام على العلل والرواة:

- ‌أولاً: المصادر التي صرح بها الدارقطني في كتابه:

- ‌ثانياً: المصادر التي لم يصرح بها الدارقطني في كتابه:

- ‌المبحث الخامس: الطريقة التي كان يسلكها الدارقطني في بيان العلل:

- ‌أولاً: الطريقة التي كان يسلكها الدارقطني غالباً في بيان العلة:

- ‌ثانياً: الطريقة التي كان الدارقطني أحياناً ما يسلكها في بيان العلة:

- ‌ثالثاً: الطريقة التي كان الدارقطني نادراً ما يسلكها في بيان العلة:

- ‌المبحث السادس: الأحاديث التي انتقدها الدارقطني في العلل على أحد الصحيحين:

- ‌أولا: الأحاديث التي انتقدها في كتاب العلل وقد أخرجها البخاري في أصل صحيحه:

- ‌ثانياً: الأحاديث التي انتقدها في كتاب العلل وقد أخرجها مسلم في أصل صحيحهٍ:

- ‌الباب الثانيالعلة وأجناسها عند الإمام الدارقطني

- ‌الفصل الأولمفهوم العلة عند الإمام الدارقطني

- ‌المبحث الأول: مفهوم العلة من جهة الإسناد

- ‌المبحث الثاني: مفهوم العلة من جهة المتن

- ‌أمثلة نقد الدارقطني لمتون الأحاديث:

- ‌نتائج هامة:

- ‌الفصل الثانيأجناس العلل الخفية والظاهرة في الإسناد والمتون

- ‌المبحث الأول: أجناس العلل التي ذكرها الحاكم وأمثلتها عند الدارقطني:

- ‌الأجناس التي ذكرها الحاكم وأمثلتها عند الدارقطني في كتاب العلل

- ‌المبحث الثاني: الأجناس التي لم يذكرها الحاكم وأمثلتها عند الدارقطني في كتاب العلل

- ‌المبحث الثالث: أجناس العلل الخفية في المتون:

- ‌المبحث الرابع: أجناس العلل الظاهرة

- ‌الباب الثالثألفاظ التعليل ومدلولاتها عند الإمام الدارقطني

- ‌الفصل الأولالألفاظ الدالة على ضعف الخبر أو عدم ثبوته

- ‌المبحث الأول: ألفاظ التضعيف ومدلولاتها عند الإمام الدارقطني

- ‌المطلب الأول: تعريف‌‌ الضعف لغةًواصطلاحاً

- ‌ الضعف لغةً

- ‌الضعيف في الاصطلاح:

- ‌علاقة الحديث الضعيف بالحديث المعلول:

- ‌المطلب الثاني: أهمية كتابة الحديث الضعيف

- ‌المطلب الثالث: ألفاظ التضعيف عند الدارقطني في العلل

- ‌المبحث الثاني: ألفاظ الوضع والبطلان ومدلولاتهما عند الإمام الدارقطني

- ‌المطلب الأول: تعريف الوضع والبطلان لغة واصطلاحاً

- ‌أولاً: تعريف الوضع لغةً:

- ‌ثانياً: تعريف الموضوع في الاصطلاح:

- ‌ثالثاً: تعريف البطلان لغةً:

- ‌رابعاً: تعريف الباطل في الاصطلاح:

- ‌المطلب الثاني: ألفاظ الوضع والبطلان عند الإمام الدارقطني

- ‌أولاً: لفظة: " كان يضع أو يكذب

- ‌ثانياً: لفظة: " قال ما لم يقله أحد من أهل العلم

- ‌ثالثاً: لفظة: " ليس هذا بشيء

- ‌رابعاً: لفظة: " وهذا الحديث باطل بهذا الإسناد

- ‌خامساً: لفظة: " هذا باطل عن فلان

- ‌سادساً: لفظة: " وكلها باطلة

- ‌ويتضح مما سبق:

- ‌نستنج أنَّ:

- ‌الفصل الثانيالألفاظ الدالة على الخطأ والوهم والاختلاف

- ‌المبحث الأول: ألفاظ الخطأ والوهم ومدلولهما عند الإمام الدارقطني

- ‌المطلب الأول: تعريف الخطأ والوهم لغةً

- ‌أولاً: تعريف الخطأ لغةً

- ‌ثانياً: تعريف الوهم لغةً

- ‌المطلب الثاني: ألفاظ الخطأ والوهم عند الدارقطني في العلل

- ‌أولاً: لفظتا " الخطأ والوهم مجتمعة

- ‌ثانياً: لفظة " الخطأ

- ‌ثالثاً: لفظة " الوهم

- ‌المبحث الثاني: ألفاظ المخالفة والنَّكارة ومدلولهما عند المحدثين والإمام الدارقطني

- ‌المطلب الأول: تعريف المخالفة لغة

- ‌المطلب الثاني: مفهوم المخالفة عند المحدثين والإمام الدارقطني

- ‌المطلب الثالث: ألفاظ المخالفة التي استعملها الإمام الدارقطني لبيان العلل

- ‌أولاً: لفظة " خالفه الثقات الحفاظ في إسناده

- ‌ثانياً: لفظة " خالفه فأدرج في متن الحديث

- ‌ثالثاً: لفظة " اختلف عنه: ووهم في ذلك إنَّما أراد كذا، بدل كذا

- ‌رابعاً: لفظة " خالفه فزاد زيادة الثقة

- ‌المطلب الرابع: تعريف النَّكارة لغة

- ‌المطلب الخامس: مفهوم النَّكارة وألفاظها عند المحدثين والإمام الدارقطني

- ‌الفصل الثالثالألفاظ الدالة على الغرابة والتفرد والترجيح

- ‌المبحث الأول: الغرابة والتفرد ومدلولهما عند النُّقاد والإمام الدارقطني

- ‌المطلب الأول: تعريف الغرابة والتفرد لغةً

- ‌أولاً: تعريف الغرابة لغةً

- ‌ثانياً: تعريف التفرد لغةً

- ‌المطلب الثاني: لفظا الغرابة والتفرد عند النُّقاد والدارقطني في العلل

- ‌أولا: لفظة " تفرد به فلان

- ‌ثانيا: لفظة " غريب

- ‌المبحث الثاني: ألفاظ الترجيح ومدلولاتها عند النُّقاد والإمام الدارقطني

- ‌المطلب الأول: تعريف الترجيح لغةً

- ‌المطلب الثاني: ألفاظ الترجيح عند النُّقاد والدارقطني في العلل

- ‌أولاً: ألفاظ: "وهو الصحيح" أو "والصحيح من ذلك " أو"والصحيح قول فلان

- ‌ثانياً: لفظة " وهو الصواب

- ‌ثالثاً: لفظة " فلان أثبت من فلان

- ‌رابعاً: لفظة " وهو الأشبه بالصواب

- ‌خامساً: لفظة " أحسنها إسناداً

- ‌الباب الرابعقرائن التعليل والترجيح عند الإمام الدارقطني

- ‌الفصل الأولقرائن التعليل عند الإمام الدارقطني

- ‌تمهيد: أهمية معرفة قرائن التعليل

- ‌المبحث الأول: دلائل العلة

- ‌المطلب الأول: التفرد ودلالته كقرينة عند النُّقاد والدارقطني

- ‌المطلب الثاني: المخالفة ودلالتها كقرينة عند النُّقاد والدارقطني

- ‌المبحث الثاني: قرائن التعليل الإسنادية

- ‌المطلب الأول: قرينة ضعف الثقة في بعض شيوخه الثقات

- ‌المطلب الثاني: قرينة ضعف الثقة في بعض البلدان

- ‌المطلب الثالث: قرينة ضعف الثقة في بعض الأحوال

- ‌المبحث الثالث: قرائن التعليل المتنية

- ‌المطلب الأول: قرينة مخالفة الحديث للسُنّة الثابتة المشهورة

- ‌المطلب الثاني: قرينة أنَّ الحديثَ لا يشبه كلام النبوة

- ‌المطلب الثالث: قرينة أنَّ الحديثَ لا يشبه حديث فلان

- ‌الفصل الثانيالمتابعات والقرائن وأثرهما في الترجيح عند الإمام الدارقطني

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: المتابعات وأثرها في الترجيح

- ‌المطلب الأول: تعريف المتابعات لغةً واصطلاحاً وحكمها:

- ‌أولاً: تعريف المتابعة لغة:

- ‌ثانياً: تعريف المتابعة اصطلاحاً وحكمها:

- ‌المطلب الثاني: أثر المتابعات في الترجيح عند النُّقاد والإمام الدرقطني:

- ‌المبحث الثاني: القرائن وأثرها في الترجيح

- ‌المطلب الأول: قرائن الترجيح بالأحفظ:

- ‌المطلب الثاني: قرينة الترجيح بالأقوى والأثبت في الشيوخ:

- ‌المطلب الثالث: قرائن الترجيح بتحديد التاريخ:

- ‌الخَاتِمة

- ‌النتائج الهامة في الدراسة:

- ‌التوصيات والمقترحات الهامة في الدراسة:

- ‌الفَهَارِسُ العِلْميَةُ

- ‌ثبَتُ المصَادر والمرَاجِع

الفصل: ‌ثانيا: الأحاديث التي انتقدها في كتاب العلل وقد أخرجها مسلم في أصل صحيحه:

وقال الإمام الدارقطني في الإلزامات والتتبع: " وأخرجا جميعاً حديث ابن أبي ذئب، عَن سعيد، عَن أبيه، عَن أبي هريرة، عَن النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُسَافُرُ وَلَيسَ مَعَهَا مَحْرَمٍ)) الحديث. وزاد مسلم، عَن ليث، عَن سعيد مثله فقال: وقد رواه مالك ويحيى بن أبي كثير وسهيل، عَن سعيد، عَن أبي هريرة "(1).

قلتُ: وخلاصة العلة التي أشار إليها الإمام الدارقطني، أن سعيد المقبري رواه مرة عن أبيه عن أبي هريرة، ومرة عن أبي هريرة ولم يدخل أبيه، فأشكل أن سعيداً لم يحفظ الحديث.

الجواب: قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في هدي الساري: "لم يهمل البخاري حكاية هذا الاختلاف بل ذكره عقب حديث بن أبي ذئب، والجواب عن هذا الاختلاف كالجواب في الحديث الثاني فإنَّ سعيداً المقبري سمع من أبيه عن أبي هريرة وسمع من أبي هريرة فلا يكون هذا الاختلاف قادحاً، وقد اختلف فيه على مالك فرواه ابن خزيمة في صحيحه من حديث بشر بن عمر عنه عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة. وقال بعده: لم يقل أحد من أصحاب مالك في هذا الحديث عن سعيد عن أبيه غير بشر بن عمر انتهى. وقد أخرجه أبو عوانة في صحيحه من حديث بشر بن عمر أيضاً وصحح ابن حبان الطريقين معاً، والله أعلم "(2).

‌ثانياً: الأحاديث التي انتقدها في كتاب العلل وقد أخرجها مسلم في أصل صحيحهٍ:

الحديث الأول: قال الإمام مسلم في صحيحه كتاب الصيام: " وحَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ يَعْنِي الْجُعْفِيَّ، عَنْ زَائِدَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ)) "(3).

(1) أبو الحسن الدارقطني، الإلزامات والتتبع (ج1/ص134).

(2)

الحافظ ابن حجر العسقلاني، هدي الساري مقدمة فتح الباري (ص478).

(3)

مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم مع شرح النووي، كتاب الصيام باب كراهية صيام يوم الجمعة منفرداً حديث رقم (148)(ج4/ص 274).

ص: 86

قال الإمام البرقاني في العلل: " وسئل عن حديث ابن سيرين عن أبي هريرة: ((نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُفْرَد يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصَوْمٍ)).

فقال - يعني الدارقطني -: يرويه عوفٌ الأعرابي، عن ابن سيرين عن أبي هريرة، قاله هوذة بن خليفة عنه، واختلف عن أيوب السختياني، فرواه الحسن بن عيسى الحربي عن ابن عيينة عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم.

وخالفه عبد الله بن محمد المسور الزهري، فرواه عن ابن عيينة عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي الدرداء عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، وخالفه الحميدي، فرواه: عن ابن عيينة عن أيوب، عن ابن سيرين مرسلاً عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، واختلف عن ابن عون فرواه المسيب بن شريك عن ابن عون عن ابن سيرين عن أبي الدرداء عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، وغيره يرويه عن ابن عون عن ابن سيرين مرسلاً.

أخرجه مسلم في صحيحه ولا يصح، والصواب عن ابن سيرين عن أبي الدرداء وسلمان

وهو مرسل عنهما؛ لأنَّ ابن سيرين لم يسمع من واحد منهما " (1).

قلتُ: ووجه العلة التي أشار إليها الدارقطني من جهة الإسناد: أنَّ الإمام مسلم أورد الحديث من طريق هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضى الله عنه، والصحيح ما رواه غيره عن ابن سيرين عن أبي الدرداء وسلمان وهو مرسل عنهما، فصار معلولاً بالإرسال.

والجواب: قال أبو مسعود الدمشقي: " وحسين الجعفي من الأثبات الحفاظ، وقول معاوية عن زائدة، عن هشام، عن محمد، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومما يقوي حديث حسين، وحديث الصوم فله أصل عن أبي هريرة، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أخرجه مسلم والبخاري من حديث أبي صالح، عن أبي هريرة.

وقد أخرجا حديث النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن صوم يوم الجمعة من حديث جابر، وهذا ما يبين أن الحديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن له أصلاً وإنَّما أراد مسلم إخراج حديث هشام عن

(1) أبو الحسن الدارقطني، كتاب العلل (ج10/ 42 - 43)، سؤال رقم (1843).

ص: 87

محمد بن سيرين لتكثر طرق الحديث (1).

الحديث الثاني: قال الإمام مسلم في كتاب الأيمان: " وحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَخَلَاصُهُ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ وحَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالَا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ وَفِي حَدِيثِ عِيسَى ثُمَّ يُسْتَسْعَى فِي نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ"(1). (2)

قال الإمام البرقاني في العلل: " وسُئل - الدارقطني - عن حديث بشير بن نهيك عن أبي هريرة قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصَاً لَهُ مِنْ عَبْدٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي ثَمَنٍ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ)).

فقال - يعني الدارقطني -: يرويه قتادة، واختلف عنه في إسناده ومتنه، فأما الخلاف في إسناده: فإن سعيد بن أبي عروبة، وحجاج بن حجاج، وجرير بن حازم، وأبان العطار، وهماما، وشعبة رووه: عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة، وخالفهم الحجاج بن أرطاة رواه: عن قتادة عن موسى بن أنس مكان النضر بن أنس ووهم. وأما هشام الدستوائي فرواه: عن قتادة عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة ولم يذكر بينهما أحدا، وأما الخلاف في متنه: فإن سعيد بن أبي عروبة، وحجاج ابن حجاج وأبان العطار، وجرير بن

(1) أبو مسعود الدمشقي: محمد بن عبيد (ت: 401هـ)، الأجوبة عما أشكل الشيخ الدارقطني على صحيح مسلم بن الحجاج طبعة دار الوراق، بيروت سنة 1998م، تحقيق: إبراهيم بن علي بن محمد آل كليب، الحديث الثالث (ص13).

(2)

مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم مع شرح النووي، كتاب الأيمان باب من أعتق شركاً له في عبد حديث رقم (1504)(ج6/ ص 153).

ص: 88

حازم، وحجاج بن أرطاة اتفقوا في متنه، وجعلوا الاستسعاء مدرجاً في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما شعبة وهشام فلم يذكرا فيه الاستسعاء بوجه، وأما همام فتابع شعبة وهشاما على متنه، وجعل الاستسعاء من قول قتادة، وفصل بين كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ويشبه أن يكون همام قد حفظه قال ذلك أبو عبد الرحمن المقرئ وهو من الثقات عن همام، ورواه محمد بن كثير وعمرو بن عاصم عن همام فتابعه شعبة على إسناده ومتنه، ولم يذكر فيه الاستسعاء بوجه " (1).

قلتُ: ووجه العلة التي أشار إليها الدارقطني من جهة الإسناد: أن الإمام مسلم أورد الحديث من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة، وخالفه هشام الدستوائي فرواه عن قتادة عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة ولم يذكر النضر بن أنس فيه، والجوابُ عن ذلك: فأما ذكرهُ خلاف حجاج بن أرطاة الفقيه فليس بشيء لأنه وصف بقلة الحفظ، والضعف، قال الذهبي في السير:" كان من بحُورِ العلمِ، تُكُلِّمَ فِيْهِ لِبَاوٍ فِيْهِ، وَلتَدليسِه، ولِنَقصٍ قَلِيلٍ فِي حِفْظِه، ولم يُترك "(2). وقال الحافظ ابن حجر " قال أبو حاتم: إذا قال حدثنا فهو صالح وليس بالقوي "(3). وأما مخالفة هشام الدستوائي فمرجوحة لمخالفته سعيد بن أبي عروبة وهو أوثق الناس في قتادة، قال يحيى بن معين:" سعيد بن أبي عروبة أثبت الناس في قتادة "(4)، فتبين أن إخراج مسلم الحديث من طريق سعيد بن أبي عروبة أرجح من غيره وأصوب، فعلم تقدم الإمام مسلم على غيره في معرفة العلل.

(1) أبو الحسن الدارقطني، كتاب العلل، (ج10/ ص 313 - 317)، سؤال رقم (2031).

(2)

الذهبي، سير أعلام النبلاء (ج13/ص81)، والبَاو: الكبر والتَّعظيم، في النهاية (ج1/ص92).

(3)

ابن حجر العسقلاني، تعريف اهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس، طبعة مكتبة المنار، عمان، تحقيق: د. عاصم بن عبدالله القريوتي (ص49).

(4)

ابن رجب الحنبلي، شرح علل الترمذي (ص 361).

ص: 89

وأما من جهة المتن: فقد اعتبر الدارقطني لفظة " الاستسعاء "(1) هذه زيادة مدرجة في المتن من قول قتادة، وما قاله هو الصواب، فقد قال الإمام النووي في شرح مسلم:" قال القاضي عياض: وقال الأصيلى وابن القصار وغيرهما: من أسقط السعاية من الحديث أولى ممن ذكرها ، لأنها ليست في الأحاديث الأُخر من رواية ابن عمر وقال ابن عبد البر: الذين لم يذكروا السعاية أثبت ممن ذكروها ، وقال غيره: وقد اختلف فيها عن سعيد بن أبى عروبة عن قتاده فتارة ذكرها وتارة لم يذكرها، فدل على أنها ليست عنده من متن الحديث كما قال غيره ، وهذا آخر كلام القاضى والله أعلم "(2).

الحديث الثالث: قال الإمام مسلم في صحيحه كتاب الجمعة: " وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ ح وحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا مَخْرَمَةُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ لِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَسَمِعْتَ أَبَاكَ ((يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَانِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ)) "(1). (3)

قال الإمام البرقاني في العلل: " وسئل - الدارقطني -: عن حديث أبي بردة عن أبي موسى عن النَّبي صلى الله عليه وسلم ((فِي السَّاعَةِ الَتِي فِي يَومِ الْجُمُعَةِ، وَأَنَّهَا مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الإمَامِ إِلِى أَنْ تَنْقَضِي الصَّلَاةَ)).

(1) قال الإمام النووي قال العلماء: " ومعنى الاستسعاء فى هذا الحديث أن العبد يكلف الاكتساب والطلب حتى تحصل قيمة نصيب الشريك الآخر ، فإذا دفعها إليه عتق ، هكذا فسره جمهور القائلين بالاستسعاء، وقال بعضهم: هو أن يخدم سيده الذي لم يعتق بقدر ما له فيه من الرق ، فعلى هذا تتفق الأحاديث ".

(2)

النووي: محيي الدين بن شرف، شرح صحيح مسلم، باب ذكر سعاية العبد (ج5/ص395).

(3)

مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم مع شرح النووي، كتاب الجمعة، باب الساعة التي في يوم الجمعة (ج3 /ص404).

ص: 90

فقال - الدارقطني -: يرويه مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن أبي بردة، عن أبي موسى عن النَّبي صلى الله عليه وسلم تفرد به عبد الله بن وهب عنه، وهو صحيح عنه. ورواه أبو إسحاق السبيعي، عن أبي بردة، واختلف عنه: فرواه إسماعيل بن عمرو، عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبيه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم.

وخالفه النعمان بن عبد السلام فرواه: عن الثوري بهذا الاسناد موقوفا، وخالفهما يحيى القطان، فرواه عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة قوله، وتابعه عمار بن رزيق فرواه: عن أبي إسحاق، عن أبي بردة قوله.

وكذلك رواه معاوية بن قرة، ومجالد، عن أبي بردة من قوله، وحديث مخرمة بن بكير أخرجه مسلم في الصحيح والمحفوظ من رواية الآخرين عن أبي بردة قوله غير مرفوع حدثنا أحمد بن محمد بن مسعد الفزاري، قال ثنا عبدالله بن محمد بن زكريا، ثنا إسماعيل ابن عمرو ثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((السَّاعَةُ الَتِي يُرْجَى فَيَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَندَ نُزُولِ الإِمَامِ))، حدثنا أحمد بن محمد بن مسعدة قال: ثنا محمد بن عبد الله بن الحسن الأصبهاني، قال حدثنا أبو سفيان صالح بن مهران، ثنا النعمان، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: الساعة التي تذكر في الجمعة ما بين نزول الإمام عن منبره إلى دخوله في الصلاة موقوف" (1).

الجواب: قال الإمام محي الدين النووي في الشرح: " قوله عن مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن أبي بردة، عن أبيه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال: لم يسنده غير مخرمة، عن أبيه، عن أبي بردة.

ورواه جماعة: عن أبي بردة من قوله، ومنهم من بلغ به أبا موسى ولم يرفعه، قال: والصواب أنَّه من قول أبي بردة كذلك. رواه يحيى القطان، عن الثوري، عن أبي إسحاق عن أبي بردة، وتابعه واصل الأحدب، ومجالد روياه، عن أبي بردة من قوله.

(1) أبو الحسن الدارقطني، كتاب العلل، (ج7/ 212 - 213)، سؤال رقم (1297).

ص: 91

وقال النعمان بن عبدالسلام، عن الثوري عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبيه موقوفاً، ولا يثبت قوله عن أبيه، وقال أحمد بن حنبل، عن حماد بن خالد قلتُ لمخرمة: سمعت من أبيك شيئا؟ قال: لا، هذا كلام الدارقطني.

وهذا الذي استدركه بناه على القاعدة المعروفة له ولأكثر المحدثين أنَّه إذا تعارض في رواية الحديث وقف ورفع أو إرسال واتصال حكموا بالوقف والإرسال، وهي قاعدة ضعيفة ممنوعة، والصحيح طريقة الأصوليين والفقهاء والبخاري ومسلم ومحققي المحدثين أنَّه يحكم بالرفع والاتصال لأنها زيادة ثقة، وقد سبق بيان هذه المسألة واضحا في الفصول السابقة في مقدمة الكتاب وسبق التنبيه على مثل هذا في مواضع أخر بعدها، وقد روينا في سنن البيهقي، عن أحمد بن سلمة قال: ذاكرت مسلم بن الحجاج حديث مخرمة هذا فقال مسلم: هو أجود حديث وأصحه في بيان ساعة الجمعة " (1).

قلتُ: وما أشار إليه الإمام النووي من أنَّ الدارقطني يتبع القاعدة المعروفة له، ولأكثر المحدثين أنَّه إذا تعارض في رواية الحديث وقف ورفع أو إرسال واتصال حكموا بالوقف والإرسال، ليس ذلك على الإطلاق، وليست هي قاعدة مطردة عنده، وإنَّما كان الدارقطني يتبع قرائن ترجح الموقوف أو المرسل، ويرجح أو يُعل تبعاً للمتابعات والشواهد والقرائن، وسوف نفرد له فصلاً كاملاً إن شاء الله لبيان منهجه في قرائن الترجيح.

(1) النووي: محيي الدين بن شرف، شرح صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب الساعة التي في يوم الجمعة (ج3 /ص 404).

ص: 92

وأختم هذا المبحث المبارك إن شاء الله بكلام الحافظ ابن حجر العسقلاني في رده على الأحاديث التي انتقدها الدارقطني فقال: " ينبغي لكل منصف أن يعلم أن هذه الأحاديث وإن كان أكثرها لا يقدح في أصل موضوع الكتاب، فإن جميعها وارد من جهة أخرى وهي ما ادعاه الإمام أبو عمر بن الصلاح وغيره من الإجماع على تلقي هذا الكتاب بالقبول والتسليم لصحة جميع ما فيه فإن هذه المواضع متنازع في صحتها فلم يحصل لها من التلقي ما حصل لمعظم الكتاب، وقد تعرض لذلك ابن الصلاح في قوله إلا مواضع يسيرة انتقدها عليه الدارقطني وغيره، وقال في مقدمة شرح مسلم له مآخذ عليهما يعني على البخاري ومسلم وقدح فيه معتمد من الحفاظ فهو مستثنى مما ذكرناه لعدم الإجماع على تلقيه بالقبول انتهى وهو احتراز حسن"(1).

(1) الحافظ ابن حجر العسقلاني، هدي الساري مقدمة فتح الباري (ص469).

ص: 93