الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: قرائن التعليل الإسنادية
.
وقرائن التعليل الإسنادية هي الأدلة والبراهين التي يستند إليها أئمة النُّقاد في تعليل الأحاديث من جهة الإسناد، من حيث أحوال رجاله الخاصة والعامة، وما يطرأ على الإسناد من أنواع الخلل، كالانقطاع، والتدليس، والضعف وغيرها من أسباب الطعن في الإسناد، وسوف أجتهد في هذا المبحث لتوضيح بعض هذه الأدلة والبراهين التي كان الدارقطني والنُّقاد يستندون عليها في كلامهم على الأحاديث المعلولة.
المطلب الأول: قرينة ضعف الثقة في بعض شيوخه الثقات
.
وهذه القرينة من أدق الأدلة التي كان الدارقطني يستند عليها، وكذلك الأئمة النُّقاد في تعليلهم للأحاديث، وتظهر هذه القرينة عندما يروي أحد الثقات أحاديث عن شيوخه الثقات كذلك ولكنها تكون ضعيفة من هذا الطريق؛ لأسباب قد تكون في الراوي أو في شيخه، وسوف نضرب بعد الأمثلة التي تُظْهِر وتُوضح هذه الأدلة:
المثال الأول: قَالَ البرقاني في العلل وسئل - الدارقطني -: " عن حديث المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى مَجْلِسٍ فَلْيُسَلِّمْ فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسْ ثُمَّ إِذَا قَامَ فَلْيُسَلِّمْ فَلَيْسَتِ الأُولَى بِأَحَقَّ مِنَ الآخِرَةِ)) (1).
فقال - الدارقطني -: يرويه محمد بن عجلان، واختلف عنه، فرواه روح بن القاسم والليث بن سعد، وأبو عاصم النبيل، والمفضل بن فضالة، وبشر بن المفضل، وجرير، وابن جريج عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة.
وخالفهم الوليد بن مسلم، وصفوان بن عيسى روياه، عن محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبيه عن أبي هريرة.
(1) أخرجه الترمذي: في السنن، كتاب الاستئذان والآداب، باب التسليم عند القيام وعند القعود (ج5/ص 62)، برقم (2706)، وأبو داود: في السنن، كتاب الأدب، باب في السلام إذا قام، (ج2/ص 774)، برقم (5208) من طريق ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة نحواً منه.
ورواه هشام بن حسان، عن محمد بن عجلان (1) عن أبيه، عن أبي هريرة، والصواب قول من قال: عن سعيد المقبري عن أبي هريرة.
وكذلك رواه يعقوب بن زيد الأنصاري، عن المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه " (2).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هي خطأ الوليد بن مسلم، وصفوان بن عيسى فقد رويا الحديث عن ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبيه عن أبي هريرة. والصحيح الراجح كما رواه الحفاظ عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة. وأصل قرينة العلة هنا أنَّ ابن عجلان اختلط عليه أحاديث أبي هريرة التي سمعها من سعيد المقبري.
قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: " قال أبي: بلغني عن يحيى بن سعيد قال لم يقف ابن عجلان يعني على حديث سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة فتركها فكان يقول سعيد المقبري، عن أبي هريرة ترك أباه "(3).
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال: " قال البخاري في ترجمة ابن عجلان في الضعفاء: قال لي علي بن أبي الوزير، عن مالك: إنه ذكر ابن عجلان، فذكر خبراً.
وقال البخاري: قال يحيي القطان: لا أعلم إلا أني سمعت ابن عجلان يقول: كان سعيد المقبرى يحدث عن أبيه، عن أبي هريرة، وعن رجل، عن أبي هريرة، فاختلط فجعلهما عن أبي هريرة. كذا في نسختي بالضعفاء للبخاري " (4).
(1) هو محمد بن عجلان القرشي، أبو عبد الله المدني (ت: 148 هـ)، صدوق، من الطبقة الخامسة من صغار التابعين، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم في الشواهد، والأربعة في السنن، تهذيب التهذيب (ج9/ص 303)، قال الحافظ ابن حجر:" اختلطت عليه أحاديث أبى هريرة ".
(2)
أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج10/ص389 - 390)، سؤال رقم (2074).
(3)
الإمام أحمد: العلل ومعرفة الرجال (ج1/ص350)، (658).
(4)
الذهبي: ميزان الاعتدال (ج3/ص645).
قال ابن رجب: " قال أبو عيسى- يعني الترمذي -: وإنما تكلم يحيى بن سعيد القطان عندنا في رواية محمد بن عجلان عن سعيد المقبري:
حدثنا أبوبكر، عن علي بن عبد الله قال: قال يحيى بن سعيد، قال محمد بن عجلان: أحاديث سعيد المقبري بعضها عن سعيد عن أبي هريرة، وبعضها عن سعيد عن رجل عن أبي هريرة، فاختلطت عليَّ فصّيرتها عن سعيد عن أبي هريرة.
وإنما تكلم يحيى بن سعيد عندنا في ابن عجلان لهذا. وقد روى يحيى عن ابن عجلان الكثير " (1).
وقال أيضاً: "قال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: كان يحيى بن سعيد لا يرضى محمد بن عجلان. قال: وسمعت يحيى بن سعيد يقول: لو جرّبت من أروى عنه لم أرو إلا عن قليل!. قال: وفي كتاب علي بن المديني قال يحيى بن سعيد: قال ابن عجلان: كان سعيد المقبري يحدث عن أبيه عن أبي هريرة، وعن رجل عن أبي هريرة، فاختلط عليّ فجعلته عن أبي هريرة، قال يحيى: سمعته منه أو حدثته عنه، ولا أعلم إلا أني سمعته منه. وقال أحمد: كان ثقة إلا أنه اختلط عليه حديث المقبري: كان عن رجل جعل يصيره عن أبي هريرة "(2).
قلتُ: ولم يقتصر الاختلاط الذي حدث في حديث ابن عجلان على أحاديث سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة، بل تجاوز ذلك إلى أحاديث سعيد المقبري عن شيوخه الأخرين عن أبي هريرة، وبرهان ذلك:
ما رواه النَّسائي من طريق محمد بن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُرْفَع)) (3).
(1) ابن رجب: شرح العلل للترمذي (ص131 - 132).
(2)
المصدر السابق: (ص133).
(3)
أخرجه النَّسائي: في السنن، كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من دعاء لا يسمع، (ج8/ص 680)، برقم (5551)، من طريق ابن عجلان، عن سعيد المقبري، أبي هريرة به.
قال النَّسائي عقب هذا الحديث: " سَعِيدٌ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَلْ سَمِعَهُ مِنْ أَخِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ "(1).
المثال الثاني: قَالَ البرقاني في العلل وسئل - الدارقطني -: " عن حديث ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الرِّجْلُ جُبَارٌ)) (2).
فقال - الدارقطني -: يرويه الزهري واختلف عنه من رواية سفيان بن حسين عن الزهري عنه، فرواه محمد بن يزيد الواسطي وعباد بن العوام، عن سفيان بن حسين، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، ورواه أبو أمية الطرسوسي، عن بشر بن آدم عن عبَّاد بن العوام، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة جمع بينهما.
وليس أبو سلمة بمحفوظ في هذا الحديث، حدثنا عبدالله بن محمد البغوي، قال: ثنا داود بن رشيد ثنا عبَّاد بن العوام، ثنا سفيان بن حسين، عن الزهري عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الرِّجْلُ جُبَارٌ)) " (3).
قلتُ: وأصلُ قرينة العلة التي استند عليها الدارقطني في هذا الحديث هي أنَّ سفيان بن حسين (4) روى هذا الحديث من طريق الزهري وهو ضعيف فيه، ثقة فيما عداه، وقال الدارقطني في السنن:" لم يتابع سفيان بن حسين على قوله: "الرِّجْلُ جُبَارٌ " وهو وهم؛
لأنَّ الثقات الذين قدمنا أحاديثهم خالفوه، ولم يَذكُروا ذلك " (5).
(1) النَّسائي: في السنن، (ج8/ص 680)، بعد حديث رقم (5551).
(2)
أخرجه أبو داود في السنن، كتاب الديات، باب في الدابة تَنْفَحُ بِرِجْلِهَا (ج2/ ص606)، برقم (4592)، والحديث ضعيف للعلة التي أشرنا إليها، والرَّجْلُ: الدابة تَنْفَحُ بِرِجْلِهَا.
(3)
أبو الحسن الدارقطني، كناب العلل (ج9 / ص 120 - 121)، سؤال رقم (1670).
(4)
هو سفيان بن حسين بن الحسن، أبو محمد، ويقال: أبو الحسن، الواسطي (ت:153هـ)، ثقة في غير الزهري، أخرج له الستة إلا البخاري في التعاليق، تهذيب التهذيب (ج4/ 96).
(5)
أبو الحسن الدارقطني: السنن، طبعة دار المحاسن، القاهرة، سنة1386هـ تحقيق: السيد عبدالله هاشم يماني المدني، (ج3/ص 152).