الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال المزي في تحفة الأشراف: " وقال النَّسائي: سفيان بن حسين في الزهري ضعيف وفي غيره لا بأس به "(1).
وقال ابن حبان: "يروى عن الزهري المقلوبات وإذا روى عن غيره أشبه حديثه حديث الأثبات، وذاك أنَّ صحيفة الزهري اختلطت عليه فكان يأتي بها على التوهم، فالإنصاف في أمره تنكب ما روى عن الزهري، والاحتجاج بما روى عن غيره "(2).
وقال ابن عدي في الكامل: " هو في غير الزهري صالح الحديث كما قال ابن معين، ومن الزهري يروي عنه أشياء خالف فيها الناس من باب المتون ومن الأسانيد (3).
وقال الحافظ ابن حجر: " قال ابن أبي خيثمة، عن يحيى: ثقة في غير الزهري "(4).
قلتُ: فظهر أنَّ قرينة ضعف الثقة في بعض شيوخه الثقات من أهم القرائن التي كان يعتمد عليها النُّقاد في كلامهم على الأحاديث وتعليلها، مما قد يفيد الباحث في تتبع هذه القرائن ومعرفة الأسباب والمعايير التي بنى عليها النُّقاد أحكامهم في الأحاديث المعلولة.
المطلب الثاني: قرينة ضعف الثقة في بعض البلدان
.
وهذه القرينة من الأدلة المهمة التي كان الدارقطني يَسْتَنِد عليها، وكذلك الأئمة النُّقاد في تعليلهم للأحاديث، وهذه القرينة تظهر عندما يروي أحد الثقات أحاديث قوم أو بلد معين، وهو غير حافظ لحديثهم، ويرجع ذلك لأسباب قد تطرأ على الراوي أو مرويَّاته، مثل إسماعيل بن عياش وهو شامي إذا حدث عن الشاميين كان صحيحاً، وإذا حدث عن غيرهم كان ضعيفاً، ومثل معمر بن راشد البصري ضعيف في أهل الكوفة والبصرة، وخالد بن مخلد
(1) يوسف بن عبدالرحمن بن الزكي المزي (ت:742هـ): تحفة الأشراف، طبعة المكتب الإسلامي، بيروت سنة 1403هـ، تحقيق: عبدالصمد شرف الدين، (ج13/ص 375).
(2)
ابن حبان: المجروحين (ج1/ص358).
(3)
ابن عدي: الكامل في الضعفاء (ج3/ص 415).
(4)
ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب (ج4/ 96).
القَطَواني صحيح في أهل المدينة، ضعيف في غيرها (1)، وهكذا تكون هذه المؤشرات دلالات واضحة لتعليل الحديث، وسوف نأخذ نموذج يوضح ذلك:
المثال: قَالَ البرقاني في العلل وسئل - الدارقطني -: " عن حديث الأسود، عن عمر رضي الله عنه:((كَانَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ)) (2).
فقال - الدارقطني -: يرويه إسماعيل بن عياش (3)، عن عبدالملك بن حميد بن أبي غنية عن أبي إسحاق السبيعي، عن الأسود، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وخالفه إبراهيم النخعي رواه، عن الأسود، عن عمر قوله غير مرفوع، وهو الصحيح" (4).
قلتُ: وقرينة العلة التي أشار إليها الدارقطني هي: أنَّ إسماعيل بن عياش روى هذا الحديث عن عبدالملك بن حميد بن أبي غنية وهو كوفي (5)، وإسماعيل بن عياش ضعيف
في غير الشاميين، كما قال جمع من أئمة النقد، وقد نقل ذلك الحافظ ابن رجب في شرح العلل فقال:" إذا حدث عن الشاميين فحديثه عنهم جيد وإذا حدث عن غيرهم فحديثه مضطرب، هذا مضمون ما قاله الأئمة فيه، منهم أحمد، ويحيى، والبخاري، وأبو زُرْعَةَ "(6).
(1) ابن رجب: شرح علل الترمذي (ص420 - 421).
(2)
هو إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي، أبو عتبة الحمصي (ت: 181 أو 182 هـ)، صدوق فى روايته عن أهل بلده، مخلط فى غيرهم، أخرج له الأربعة، تهذيب التهذيب (ج1/ص 280).
(3)
أخرجه الدارقطني: في السنن، (ج1/ص299 - 300)، من طريق الأسود عن عمر موقوفاً.
(4)
أبو الحسن الدارقطني، كناب العلل (ج2/ص141 - 142)، سؤال رقم (165).
(5)
هو عبدالملك بن حميد بن أبى غنية الخزاعي الكوفي (ت:؟)، ثقة من الطبقة السابعة، من كبار أتباع التابعين، أخرج له الستة، تهذيب التهذيب (ج6/ ص 349).
(6)
ابن رجب: شرح علل الترمذي (ص420).
وقال ابن حبان في المجروحين: " عن ابن أبى شيبة قال: سمعت يحيى بن معين وذكر عنده إسماعيل بن عياش فقال: كان ثقة فيما يروى عن أصحابه أهل الشام، وما روى عن غيرهم يخلط فيه "(1). وقال الذهبي في الميزان: " وقال البخاري: إذا حَدَّث عَنْ أَهْلِ بلده فصحيح، وإذا حدث عن غيرهم ففيه نظر "(2).
وقد أشار كذلك النُّقاد المتقدمون في مصنفاتهم لهذه القاعدة الخاصة بحديث إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عَيَّاشٍ في غير بلده، فقال عبدالرَّحمن بن أبِي حاتم: " وَسَمِعْتُ أَبِي، وَذَكَرَ حَدِيثَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:((لا يَقْرَا الْجُنُبُ وَلا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ)) (3).
فَقَالَ أَبِي: هَذَا خَطَأٌ، إِنَّمَا هُوَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَوْلَهُ (4).
قلتُ: وقرينة العلة التي أشار إليها الدارقطني هي أنَّ إسماعيل بن عياش روى هذا الحديث عن مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وهو مدني (5)، وقد سأل الترمذي البخاري عن هذا الحديث فأنكره
فقال: " سألت مُحمدًا عن حديث إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله: ((لا تَقْرَا الْحَائِضُ ولا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ))، فقال لا أعرفه من حديث ابن عقبة وإسماعيل بن عياش منكر الحديث عن أهل الحجاز وأهل العراق "(6).
(1) ابن حبان البُستي: المجروحين (ج1/ص125).
(2)
الذهبي: ميزان الاعتدال (ج1/ص241)، ترجمة رقم (923).
(3)
أخرجه ابن ماجه على الوجه المعلول: في السنن، كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة، (ج1/ص 236) برقم (131)، من الطريق نفسها.
(4)
ابن أبي حاتم: كتاب العلل (ص265)، رقم (116).
(5)
موسى بن عقبة بن أبى عياش القرشي، أبو محمد المدني (ت:141 هـ)، ثقة، من الطبقة الخامسة من صغار التابعين، أخرج له الستة، تهذيب التهذيب (ج10/ ص321).
(6)
الترمذي: ترتيب علل الترمذي الكبير (ج1/ص19).