الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نتائج هامة:
- بمقارنة منهج الدارقطني في التعليل بالتفرد، بمنهج النُّقاد المتقدمين نجد أنَّ الدارقطني كان ينهج الأسلوب والمسلك الذي سلكه القوم، إلا أنه كان أوسع في جمع الطرق والشواهد والمتابعات، وكان لا يخرج عن منهج النُّقاد المتقدمين.
- من الملاحظ أنَّ غالب التفردات الْمُعلّة وقعت في الطبقات المتأخرة، كأصحاب الطبقة الثامنة: كعبدالوهاب بن الصلت الثقفي وغيره، وأصحاب الطبقة التاسعة كروح بن عبادة وغيره، والتفردات في الطبقات المتقدمة قليلة بالنسبة للمتأخرة.
المطلب الثاني: المخالفة ودلالتها كقرينة عند النُّقاد والدارقطني
.
المخالفة من أهم الدلائل القوية على العلة عند النُّقاد المتقدمين وعلى رأسهم الدارقطني، ولقد أكثر النُّقاد من استعمال المخالفة للدلالة على الخلل الذي طرأ على المرويَّات، ولا شك أن لها ضابطاً وصوراً مختلفة، وسوف أجتهد لتوضيح ضابطها وصورها المختلفة، والمخالفة تكثر كلما كان المروي عنه مكثر، والعكس صحيح، تقل عندما تقل الرواية.
ضابط المخالفة:
وضابط المخالفة هو اتحاد المخرج في إسناد الحديث، أي أنَّ مدار الحديث واحد، قال ابن الصلاح:" وينبغي في التعارض أن يكون المخرج واحداً، وإلا فتعدد الوجوه المختلفة طرقاً مستقلة "(1).
وقال الحافظ في الفتح بعد حديث: " ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَعِدَ أُحُدًا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ فَقَالَ اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ)).
قَوْله: (صَعِدَ أُحُدًا). هُوَ الْجَبَل الْمَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ وَلأَبِي يَعْلَى مِنْ وَجْه آخَر عَنْ سَعِيد " حِرَاء " وَالأَوَّل أَصَحّ، وَلَوْلا اِتِّحَاد الْمَخْرَج لَجَوَّزْتُ تَعَدُّد الْقِصَّة، ثُمَّ ظَهَرَ
(1) الحافظ العراقي: التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، (ص117).
لِي أَنَّ الاخْتِلَاف فِيهِ مِنْ سَعِيد، فَإِنِّي وَجَدْته فِي مُسْنَد الْحَارِث ابْن أَبِي أُسَامَة عَنْ رَوْح بْن عُبَادَة عَنْ سَعِيد فَقَالَ فِيهِ:" أُحُدًا أَوْ حِرَاء " بِالشَّكِّ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَد مِنْ حَدِيث بُرَيْدَةَ بِلَفْظِ " حِرَاء " وَإِسْنَاده صَحِيح " (1).
صور المخالفة عند النقاد المتقدمين وعلى رأسهم الدارقطني:
وصور المخالفة تقع على أشكال متعددة وليس لها شكل محدد، فمنها ما يؤثر في صحة الخبر، ومنها لا يؤثر فيه، ولقد أجمل الإمام مسلم في كتابه التمييز صور المخالفة التي قد تطرأ على الأخبار، فقال: " فاعلم - أرشدك الله - إن الذي يدور به معرفة الخطأ في رواية ناقل الحديث، إذا هم اختلفوا فيه، من جهتين:
أحدهما: أن ينقل الناقل حديثاً بإسناد، فينسب رجلاً مشهوراً بنسب في إسناد خبره خلاف نسبته التي هي نسبته، أو يسميه باسم سوى اسمه، فيكون خطأ ذلك غير خفي على أهل العلم حين يرد عليهم كنعمان بن راشد حيث حدث عن الزهري، فقال: عن أبي الطفيل عمرو بن واثلة.
ومعلوم عند عوام أهل العلم أن اسم أبي الطفيل: عامر لا عمرو. وكما حدث مالك ابن أنس عن الزهري فقال: عن عباد - وهو من ولد المغيرة بن شعبة- وإنَّما هو عباد ابن زياد بن أبي سفيان. معروف النسب عند أهل النسب وليس من المغيرة بسبيل.
وكرواية معمر حين قال: عن عمر بن محمد بن عمرو بن مطعم، وإنَّما هو عمر بن محمد بن جبير بن مطعم، خطأ لا شك عند نساب قريش وغيرهم ممن عرف أنسابهم. ولم يكن لجبير أخ يعرف بعمرو. وكنحو ما وصفت من هذه الجهة من خطأ الأسانيد فموجود في متون الأحاديث مما يعرف خطأه السامع الفهم حين يرد على سمعه.
(1) الحافظ ابن حجر العسقلاني: فتح الباري (ج7/ص44)، تحت رقم (3675).
وكذلك نحو رواية بعضهم حيث صحّف، فقال:((نَهَى النَّبي صلى الله عليه وسلم عَنْ التَحّير، أَرَادَ النَّجَشْ)). وكما روى آخر، فقال:((إنَّ أَبْغَضَ النَّاسِ إِلَى اللهِ عز وجل ثَلَاثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الْحِرْفَةِ وَكَذَا وَكَذَا، أَرَادَ: مُلْحِداً فِي الْحَرَامِ)).
وكرواية الآخر، إذ قال: ((نَهَى رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُتَخَذْ الرُّوحَ عَرَضَاً أراد: الرُّوحَ غَرَضَاً. فهذه الجهة التي وصفنا من خطأ الإسناد، ومتن الحديث هي أظهر الجهتين خطأ، وعارفوه في الناس أكثر.
والجهة الأخرى: أن يروي نفر من حفاظ الناس حديثاً عن مثل الزهري، أو غيره من الأئمة بإسناد واحد ومتن واحد مجتمعون على روايته في الإسناد والمتن، لا يختلفون فيه في معنى، فيرويه آخر سواهم عمن حدث عنه النفر الذين وصفناهم بعينه، فيخالفهم في الإسناد أو يقلب المتن فيجعله بخلاف ما حكى مَنْ وصفنا من الحفاظ، دون الواحد المنفرد وإن كان حافظاً، على هذا المذهب رأينا أهل العلم بالحديث يحكمون في الحديث مثل شعبة وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد وعبدالرحمن بن مهدي، وغيرهم من أئمة أهل العلم. وسنذكر من مذاهبهم وأقوالهم في حفظ الحفاظ، وخطأ المحدثين في الروايات ما يستدل به على تحقيق ما فسرت لك إن شاء الله " (1).
قلتُ: فوضح لنا صور المخالفة بين الواحد والجماعة، لا سيما الزيادة والنقص، فليس كل مخالفة تَدُلُ على علةٍ في الحديث، فقد تكون هناك مسوغات مقبولة للمخالفة كحدوث الاختلاف بالزيادة أو النقصان: كالاختلاف بين الوصل والإرسال، أو بين الرفع والوقف، ثم تساوي الفريقين في الرواية من جهة الضبط والعدد، وكان هذا الراوي الْمُختلف عليه إمامٌ واسع الرواية، فيُحتمل أن يكون هذا الحديث عنده من جميع هذه الوجوه؛ لأنَّهُ حافظ وشيوخه كثيرون فتكون هذه الروايَّات كلها صحيحة عنه.
(1) الإمام مسلم: التمييز، (170 - 172).
وقال الحافظ ابن حجر: "واشتهر عن جمع من العلماء القول بقبول الزيادة مطلقاً من غير تفصيل، ولا يتأتى ذلك على طريق المحدثين الذين يشترطون في الصحيح والحسن أن لا يكون شاذاً ثم يفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه، والمنقول عن أئمة المحدثين المتقدمين: كابن مهدي ويحيى القطان وأحمد وابن معين وابن المديني والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم والنسائي والدارقطني وغيرهم، اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها ولا يعرف عن أحد منهم إطلاق قبول الزيادة، وأعجب من ذلك إطلاق كثير من الشافعية القول بقبول زيادة الثقة مع أن نص الشافعي يدل على غير ذلك "(1).
قلتُ: وقصد الحافظ ابن حجر أنَّ حكم قبول زيادة الثقة عند النُّقاد المتقدمين ليست مطلقةٌ، كما فعل بعض المتأخرين، بل تكون تبعاً للقرائن التي تؤيد قبولها أو ردها، فيعتبر النُّقاد اختلاف الوجوه عن الشيخ دليل على اضطراب حفظه، إلا إذا قامت قرينة من غير الروايات عنه تُرَجِحُ أحد هذه الوجوه، فإذا وجدنا ما يدل على صحة أحد هذه الوجوه من دليل خارجي، غير روايات هذا الرجل حكمنا به، وإن لم نجد: نحكم بالاضطراب على هذه الرواية، وقد دل على خطئه هو مخالفته للرواة الثقات.
وقال العلامة المعلمي اليماني في التنكيل: " فالاضطراب الضار أن يكون الحديث حجة على أحد الوجهين مثلاً دون الآخر، ولا يتجه الجمع ولا الترجيح، أو يكثر الاضطراب ويشتد بحيث يدل أن الراوي مضطرب، الذي مدار الحديث عليه لم يضبط "(2).
أولاً: نموذج المخالفة التي لا تؤثر على صحة الحديث ولا تُعِلَّه:
وكما ذكرنا من قبل أنَّ بعض الخلاف قد لا يؤثر على صحة الحديث، وبرهان ذلك ما قرره الدارقطني في حكمه على حديث عَلِيٍّ في حكم بول الغلام والجارية.
(1) الحافظ ابن حجر العسقلاني: نزهة النظر شرح نخبة الفكر (ص49 - 50).
(2)
المعلمي: التنكيل (ج2/ص7).
قَالَ البرقاني في العلل وسئل - الدارقطني -: عن حديث أبي الأسود الدؤلي عن علي رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم:((يُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ، وَيُصَبُّ عَلَى بَوْلِ الْغُلَامِ)) (1).
فقال - الدارقطني -: يرويه قتادة، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه رفعه هشام بن أبي عبدالله من رواية ابنه معاذ، وعبدالصمد بن عبدالوارث، عن هشام ووقفه غيرهما، عن هشام. وكذلك رواه سعيد بن أبي عروبة، وهمام، عن قتادة موقوفا، والله أعلم " (2).
وقال الإمام التِّرْمِذِي: " رفع هشام الدستوائي هَذَا الحَدِيْث عن قتادة وأوقفه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، وَلَمْ يرفعه "(3).
قال البزار: " هَذَا الحَدِيْث لا نعلمه يروى عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، إلا من هَذَا الوجه بهذا الإسناد، وإنَّما أسنده معاذ بن هشام، عن أبيه، وَقَدْ رَواهُ غَيْر معاذ بن هشام عن قتادة، عن أبي حرب، عن أبيه، عن عَلِيّ رضي الله عنه، موقوفاً "(4).
قلتُ: وقول البزار تفرد معاذ بن هشام بالرفع لَيْسَ بصَحِيْحٍ، فقَدْ تُوبِعَ معاذٌ رضي الله عنه على رفعه، تابعه عَبْدالصمد بن عَبْدالوارث عِنْدَ الإمام أحمد في المسند (5)، وبهذا يتبين لك دقة الدَّارَقُطْنِيّ حِيْنَ قال: يرويه قتادة، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، رفعه هشام بن أبي عَبْدالله من رِوَايَة ابنه معاذ وعبدالصمد بن عَبْدالوارث، عن هشام، ووقفه غيرهما عن هشام " (6).
(1) أخرجه الترمذي: في السنن، كتاب الجمعة، باب ما ذكر في نضح بول الغلام الرضيع، (ج2/ص 509)، برقم (610)، ابن ماجه: في السنن، كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في بول الصبي الذي لم يطعم، (ج1/ص 174)، برقم (525)، كلاهما من الطريق نفسه.
(2)
أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج4/ص 184 - 185)، سؤال رقم (495).
(3)
الترمذي: السنن، (ج2/ص 509)، برقم (610).
(4)
البزار: في مسنده (البحر الزَّخار)، (ج2/ 295).
(5)
الإمام أحمد: في المسند (ج1/ص137)، برقم (1149).
(6)
أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج4/ص 184 - 185)، سؤال رقم (495).
ولا شك أنَّ الدَّارَقُطْنِيّ كان أجمع لطرق الخلاف في علل الحديث من غيره من الأئمة، وعلى الرغم من ذلك لمَّا نظَرَ في علل حديث الزّهري للذُّهْلِيّ قَالَ:" من أحبَّ أن ينظرَ ويعرفَ قصورَ علمهِ عن علم السلف فلينظرْ في علل حديث الزهري لمحمد بن يحيى "(1)
ونقل صاحب عون المعبود عن المنذري قَالَ: " قَالَ البُخَارِيّ: سعيد بن أبي عروبة لا يرفعه وهشام يرفعه، وَهُوَ حافظ "(2).
وقَالَ الحافظ ابن حجر في التلخيص: " إسناده صَحِيْح إلا أَنَّهُ اختلف في رفعه ووقفه، وَفِي وصله وإرساله، وَقَدْ رجح البُخَارِيّ صحته، وكذا الدَّارَقُطْنِيّ "(3).
قلتُ: فهذه الرِّوَايَة الموقوفة (4) قد صَحّحها الأئمة، ونقل الحافظ ابن حجر عن البُخَارِيّ والدارقطني كما سبق، أنَّ الرِّوَايَةَ المرفوعة صحيحة أيضاً، وهذا يدل عَلَى أن الحَدِيْث إذا صَحَّ رفعه ووقفه، فإن الحكم عندهم للرفع، وَلَا تضر الرِّوَايَة الموقوفة إلا إذا قامت قرائن تدل عَلَى أن الرفع خطأ، والله تعالى أعلى وأعلم.
ثانياً: نموذج المخالفة التي تؤثر على صحة الحديث وتُعِلَّه:
قَالَ البرقاني في العلل وسئل - الدارقطني -: عن حديث القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبى بردة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((اشْرَبُوا فِي الظُّرُوفِ وَلَا تَسْكَرُوا)) (5).
(1) الدارقطني: سؤالات أبي عبدالرحمن السلمي، طبعة دار العلوم، الرياض، تحقيق: سليمان آتش، (ص 28)، سؤال رقم (352).
(2)
محمد شمس الحق العظيم آبادي أبو الطيب (ت:1329هـ): عون المعبود شرح سنن أبي داود، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1415هـ، (ج2/ص28).
(3)
الحافظ ابن حجر العسقلاني: التلخيص الحبير، طبعة المكتبة العلمية، الرياض (ج1/ص187).
(4)
أخرجها عَبْدالرزاق: في المصنف (ج1/ص381)، (1488)، من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب قال: يغسل بول الجارية وينضح بول الغلام ما لم يطعم.
(5)
أخرجه النَّسائي: في السنن، كتاب الأشربة، ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب السكر، (ج8/ص 722)، برقم (5693).
فقال - الدارقطني -: يرويه أَبُو الأَحْوَصِ، عن سِمَاكٍ، عن القاسم، عن أبيه، عن أَبِي بُرْدَةَ، واختلف عن أَبِي الأَحْوَصِ، فقال عنه سعيد بن سليمان، عن سماك عن أبي بردة عن أبيه، ووهم فيه على أبي الأحوص (1)، ووهم فيه أبو الأحوص على سِمَاكٍ أيضاً وإنَّما روى هذا الحديث سماك عن القاسم عن ابن بردة عن أبيه، ووهم أيضا في متنه، في قوله ولا تسكروا، والمحفوظ عن سِمَاكٍ أنَّه قال: وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ " (2).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هي خطأ أَبِي الأَحْوَصِ - وهو ثقة من رجال الشيخين - في سند ومتن الحديث؛ لأن الحديث غير معروف عن سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ بهذا الإسناد والمتن، والمحفوظ عن سِمَاك خلافه، ولم يتفرد الدارقطني بإعلال الحديث بل أعلَّه جمع من النُّقاد المتقدمين بالعلةِ نفسها منهم: أَبَو زُرْعَةَ، والنسائي، وبرهان ذلك:
قَالَ عبدالرَّحمن بن أبي حاتم: وَسَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ: أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((اشْرَبُوا فِي الظُّرُوفِ، وَلا تَسْكَرُوا)).
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: فوَهِمَ أَبُو الأَحْوَصِ، فَقَالَ: عَنْ سِمَاكٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَلَبَ مِنَ الإِسْنَادِ مَوْضِعًا، وَصَحَّفَ فِي مَوْضِعٍ أَمَّا الْقَلْبُ: فَقَوْلُهُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، أَرَادَ: عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، ثُمَّ احْتَاجَ أَنْ يَقُولَ: ابْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، فَقَلَبَ الإِسْنَادَ بِأَسْرِهِ وَأَفْحَشَ فِي الْخَطَأ، وَأَفْحَشُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَشْنَعُ تَصْحِيفُهُ فِي مَتْنِهِ:((اشْرَبُوا فِي الظُّرُوفِ وَلا تَسْكَرُوا)).
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَبُو سِنَانٍ ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ، وَزُبَيْدٌ الْيَامِيُّ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، وَسِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ سُبَيْعٍ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وسلمة بن كهيل كلهم عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ((نَهَيْتُكُمْ عَنْ
(1) هو سلام بن سليم الحنفى مولاهم، أبو الأحوص الكوفي (ت: 179 هـ)، ثقة متقن، من الطبقة السابعة من كبار أتباع التابعين، أخرج له الستة، تهذيب التهذيب (ج4/ص 248).
(2)
أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج6/ص26)، سؤال رقم (955).
زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِي فَوْقَ ثَلاثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلا فِي سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا فِي الأَسْقِيَةِ، وَلا تَشْرَبُوا مُسْكِراً)).
وَفِي حَدِيثِ بَعْضِهِمْ، قَالَ:((وَاجْتَنِبُوا كُلَّ مُسْكِرٍ وَلَمْ يَقُلْ أَحُدٌ مِنْهُمْ: وَلا تَسْكَرُوا)). وَقَدْ بَانَ وَهْمُ حَدِيثِ أَبِي الأَحْوَصِ، مِنَ اتِّفَاقِ هَؤُلاءِ الْمُسَمَّى عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ خِلافِهِ " (1).
وقال النَّسائي بعد هذا الحديث: " وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ غَلِطَ فِيهِ أَبُو الأَحْوَصِ سَلَاّمُ بْنُ سُلَيْمٍ لَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا تَابَعَهُ عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ وَسِمَاكٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَكَانَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ.
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: كَانَ أَبُو الأَحْوَصِ يُخْطِئُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ خَالَفَهُ شَرِيكٌ فِي إِسْنَادِهِ وَفِي لَفْظِهِ " (2).
قلتُ: وواضح أنَّ الإمامين أَبَا زُرْعَةَ والنَّسائي حكما نفس حكم الإمام الدارقطني على الحديث لم يتغير من إمام إلى غيره، وهو الإعلال بعلة مخالفة أبي الأَحْوَصِ جمعاً ممن رواه عن سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، منهم شَرِيك بن عبدالله كما أشار إليها الإمام أحمد، والله الموفق.
نتيجة هامة:
- بمقارنة منهج الدارقطني في التعليل بالمخالفة، بمنهج النُّقاد المتقدمين نجد أنَّ الدارقطني كان ينهج الأسلوب والمسلك الذي سلكه النُّقاد المتقدمون، إلا أنَّه كان أوسع في جمع الطرق، وبيان العلة والترجيح بين المرويَّات من غيره.
(1) ابن أبي حاتم: كتاب العلل، (ص1094)، برقم (1549).
(2)
النَّسائي: في السنن، كتاب الأشربة، ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب السكر، (ج8/ص 722)، بعد حديث رقم (5693).