الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً: تعريف المتابعة اصطلاحاً وحكمها:
ومعنى المتابعة في الاصطلاح مطابق لمعناها في اللغة، وهي موافقة الراوي برواية الحديث عن شيخه، أي مشاركة الراوي في شيخِهِ، بنقل الحديث نفسه أو معناه، ولا يشترط في المتابعة ثقة الْمُتَابع، بل تُقْبَل حتى ولو كان ضعيفاً ضعفاً مُحتملاً.
قال ابن الصلاح: " ثم اعلم أنه قد يدخل في باب المتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتج بحديثه وحده بل يكون معدوداً في الضعفاء. وفي كتاب البخاري ومسلم جماعة من الضعفاء ذكراهم في المتابعات والشواهد، وليس كل ضعيف يصلح لذلك، ولهذا يقول الدارقطني وغيره في الضعفاء فلان يعتبر به، وفلان لا يعتبر به "(1).
وقال الحافظ ابن حجر: " وَما تقدَّم ذِكرُه مِن الفَرْدِ النِّسْبِيِّ؛ إِنْ وُجِدَ - بعدَ ظَنِّ كونِه فَرْداً - قد وافَقَهُ غيرُهُ، فهُو المُتابِعُ، بكسرِ الباءِ الموحَّدةِ.
والمُتابَعَةُ على مراتِبَ: لأنَّها إِنْ حَصَلَتْ للرَّاوي نفسِهِ؛ فهِي التَّامَّةُ. وإِنْ حَصَلَتْ لشيخِهِ فمَنْ فوقَهُ؛ فهِيَ القاصِرةُ. ويُستفادُ منها التَّقويةُ " (2).
وقال ابن الصلاح في معرفةُ الاعتبار والمُتَابعات والشَّوَاهد: " هذه أُمور يتداولها أهل الحديث يتعرَّفُونَ بها حال الحديث ينظرون هل تفرَّد به رَاويه أم لا؟، وهل هو معروف أو لا؟.
وذكر أبو حاتم محمد بن حبان التميمي الحافظ رحمه الله أنَّ طريق الاعتبار في الأخبار مثاله أن يَرْوي حمَّاد بن سلمة حديثًا لم يُتَابع عليه ، عن أيُّوب عن ابن سيرين عن أبي هُرَيْرة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم ، فيُنْظر هل روى ذلك ثقةٌ غير أيُّوب عن ابن سِيرين فإن وجد علم أنَّ للخبر أصلاً يرجع إليه، وإن لم يُوجد ، فثقة غيرُ ابن سِيرين عن أبي هُرَيْرة ، وإلَاّ فصَحَابي غير أبي هُرَيْرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أي ذلكَ وُجِدَ عُلِمَ أنَّ لهُ أصْلاً يُرجع إليه ، وإلَاّ فلا " (3).
(1) العراقي: التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، (ص110)
(2)
ابن حجر العسقلاني: نزهة النظر، (ص53 - 54).
(3)
العراقي: التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، (ص109).
قلتُ: وما ذكره ابن الصلاح في مقدمته عن ابن حبان يُظهر منهج النُّقاد المتقدمين وكيفية اعتبارهم بالمتابعات والشواهد، مما يثبت أنَّ نظرتهم للمرويَّات كانت شاملة المتن والسند على السواء، وليس كل شاهد أو متابعة تقبل، ولكن يجب أن يتوفر بها شروط منها: صحة سند هذه المتابعة إلى المتابع، وأن لا تكون معلولة أو ثبت خطأ الراوي فيها وغيرها من الدلائل التي تبين أنَّ لهذه المتابعة أصل حتى يعتد بها، ولقد أسرف الناس في هذا العصر بالاعتداد بأي متابعة كانت، ويطيرون بها كل مطار، وظنَّ هؤلاء أنَّ قواعد هذا الفن مطردة مثل الرياضيات، فهم يطبقون القاعدة على كل أثر وخبر، فهم يحسبون كل سوادٍ تمرة، وكل بياضٍ لبن.
وليس كذلك فإنَّ لكل حديث ظروفاً خاصةً تختلف عن الآخر، ولقد سبق بيان أنَّ النُّقاد المتقدمين لم يكن لهم قاعدة مطردة في ذلك، يستعملونها دائماً في نقد المرويَّات، بل كان لهم في كل حديث فهم خاص، ونقد مختلف تبعاً لحال الرواية والمروي.
كما بيَّن ذلك الإمام مُسْلِم في التمييز، فقال:" فليس من ناقل خبر وحامل أثر من السلف الماضين إلى زماننا - وإن كَانَ من أحفظ الناس وأشدهم توقياً وإتقاناً لما يحفظ وينقل إلا الغلط والسهو ممكن في حفظه ونقله "(1).
وَقَالَ الترمذي: " وإنَّما تفاضل أهل العلم بالحفظ والإتقان والتثبت عند السماع، مع أنَّه لَمْ يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم "(2).
وكذلك قول ابن رجب: " وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضاً، ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه "(3).
(1) الإمام مسلم: التمييز، (ص 124).
(2)
الإمام الترمذي: علل الترمذي الصغير آخر جامعه، (ج6/ص240).
(3)
ابن رجب: شرح علل الترمذي، (ص272 - 273).