الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومقصود النُّقاد منها، فإنَّ كل لفظ يشير إلى مفهوم معين قصده الناقد، ولقد تنوعت ألفاظ الترجيح عند النُّقاد والدارقطني بطريقة كبيرة في مصنفات العلل، وسوف نضرب بعض الأمثلة لتوضيح ذلك:
أولاً: ألفاظ: "وهو الصحيح" أو "والصحيح من ذلك " أو"والصحيح قول فلان
".
لقد أطلق الدارقطني هذه الألفاظ على مرويَّات كثيرة في كتابه العلل بلغت حوالي مئة وعشر (110) موضعاً للفظة "وهو الصحيح"، وبلغت ثلاثةً وعشرين (23) موضعاً للفظة "الصحيح من ذلك"، وبلغت تسعةً وخمسين (59) موضعاً للفظة "والصحيح قول فلان"، وقصده فيها إثبات صحة الرواية المذكورة، وضعف أو إعلال الرواية الثانية المقابلة لها، وسوف نضرب بعض الأمثلة:
المثال الأول: قال البرقاني في العلل: "وسئل - الدارقطني - عن حديث عمرو بن حريث، عن عمر رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم:((لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا)) (1).
فقال - الدارقطني - يرويه إسماعيل بن أبي خالد عنه أسنده خلاد بن يحيى، عن الثوري عن إسماعيل رفعه إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، ووقفه غيره عن الثوري، وكذلك رواه يحيى القطان، وأبو معاوية، وأبو أسامة وغيرهم، عن إسماعيل موقوفاً وهو الصحيح.
حدثنا يعقوب بن إبراهيم البزاز، وأحمد بن عبدالله الوكيل، قالا: ثنا عمر بن شبة، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا إسماعيل، قال: ثنا عمرو بن حريث، قال: قال عمر رضي الله عنه لرجل وسمعه ينشد يا فلان لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ الرَّجُلَ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا " (2).
(1) أخرجه البزار بالوجه المعلول: في المسند (البحر الزَّخار)، (ج1/ص323) برقم (250)، من طريق خلاد بن يحيى قال: نا سفيان الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عمرو بن حريث، عن عمر بن الخطاب به، وقال البزار:" وهذا الحديث قد رواه غير واحد عن إسماعيل، عن عمرو بن حريث، عن عمر موقوفاً، ولا نعلم أسنده إلا خلاد بن يحيى".
(2)
أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج2/ص 189)، سؤال رقم (210).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني في هذا الحديث أنَّ خلاد بن يحيى أخطأ فرفع حديث عمر بن خطاب رضي الله عنه، وغيره رواه عن الثوري موقوفاً من قوله، ومتن الحديث المرفوع صحيح متفق عليه من مسند أبي هريرة، وسعد بن أبي وقاص، وأبي سعيد الْخُدْري رضى الله عنهم مرفوعاً، والحديث الموقوف هو الصحيح الذي قصده الدارقطني، ولذا لم يخرج أحد من أصحاب الكتب الحديث من هذا الوجه.
المثال الثاني: قال البرقاني في العلل: "وسئل - الدارقطني - عن حديث محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم:((مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى)) (1).
فقال - الدارقطني -: هو حديث يرويه عبدالله بن المختار (2)، عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم. إنَّهُ وهم فيه، والصحيح من ذلك ما رواه أصحاب ابن سيرين الحفاظ عنه منهم: أيوب السختياني، وهشام، وقتادة، ويحيى ابن عتيق وغيرهم، عن محمد بن سيرين، عن سلمان بن عامر الضبي، عن النبي صلى الله عليه وسلم " (3).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني في هذا الحديث أنَّ عبدالله بن المختار وهو البصري أخطأ في حديث أبي هريرة فسلك الجادة فيه (عن ابن سيرين عن أبي هريرة)، فخالف الأثبات من أصحاب ابن سيرين، فإنهم رووه عن سلمان بن عامر الضبي وليس عن أبي هريرة، وبهذا يُعلم سر عدم إخراج أصحاب الكتب الستة لهذا الحديث من مسند أبي هريرة، وإخراج الجميع له من مسند سلمان بن عامر الضبي.
(1) أخرجه على الوجه المعلول الحاكم: في المستدرك (ج4/ص 266)، برقم (7593)، من طريق جرير بن حازم، عن عبدالله بن المختار، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه به، وقال الحاكم:" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي، قلتُ: ولا يخفى أنَّ حديث أبي هريرة معلول بحديث سلمان بن عامر الضبي كما أشار إليه الدارقطني هنا.
(2)
هو عبدالله بن المختار البصري (ت:؟)، ثقة، من الطبقة السابعة، من كبار أتباع التابعين، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، تهذيب التهذيب (ج6/ص21).
(3)
أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج8/ص127)، سؤال رقم (1452).
المثال الثالث: قال البرقاني في العلل: "وسئل - الدارقطني - عن حديث حفصة، عن عمر رضي الله عنه أنَّه كان يقول: اللَّهُمَّ قَتْلاً فِي سَبِيلِكَ، وَوَفَاةً فِي بَلَدِ نَبِيكَ، قَالَتْ: فَقُلْتُ أنَّى يَكُونُ هَذَا؟، فَقَالَ: يَاتِي اللهُ بِهِ إِذَا شَاءَ)) (1).
فقال - الدارقطني -: يرويه زيد بن أسلم واختلف عنه: فرواه روح بن القاسم، وحفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن أمه، عن حفصة. ورواه هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن حفصة. والصحيح قول من قال: عن أمه " (2).
وقد استعمل النُّقاد المتقدمون لفظ "وهو الصحيح " للدلالة على المعني السابق نفسه، على أحاديث قليلة، مثل الإمام أحمد في العلل لم يذكر اللفظة إلا في موضعين هما:
الموضع الأول: قال عبدالله - ابن أحمد بن حنبل -: " حدثني أبو سعيد قال سمعت أبا أسامة يقول: قال عبيدالله، عن نافع قتل عمر وله سبع وخمسون، قال: أبو عبدالرحمن هذا الصحيح في قتل عمر "(3).
الموضع الثاني: قال عبدالله - ابن أحمد بن حنبل -: سئل عن حديث الفريابي عن إسرائيل عن زيد بن جبير الجشمي قال: حدثني عروة بن جميل، عن أبيه. قال أبي: هو خطأ إنَّما هو جروة بن جميل، وقال وكيع، قال إسرائيل: جروة بن جميل، قال وكيع، وقال شريك جروة بن جميل، وهو الصحيح " (4).
وقد استعمل هذه الألفاظ كذلك الإمام أبو حاتم في العلل؛ للدلالة على المعني السابق نفسه، ولكنه أطلقها بكثرة حتي بلغت لفظة " وهو الصحيح " تسعةً وسبعين (79) موضعاً،
(1) أخرجه الطبراني على الوجه الصحيح: في المعجم الأوسط (ج6/ص358)، برقم (2902)، من طريق عن زيد بن أسلم، عن أمه، عن حفصة ابنة عمر قالت: سمعت عمر به.
(2)
أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج2/ص140)، سؤال رقم (163).
(3)
الإمام أحمد بن حنبل: العلل ومعرفة الرجال، (ج3/ص 493)، مسألة رقم (6115).
(4)
المصدر السابق، (ج3/ص58)، مسألة رقم (4155).