المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: أثر المتابعات في الترجيح عند النقاد والإمام الدرقطني: - منهج الإمام الدارقطني في نقد الحديث في كتاب العلل

[يوسف بن جودة الداودي]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌مقدمة

- ‌أهداف البحث:

- ‌منهج البحث:

- ‌خطة البحث:

- ‌عقبات البحث:

- ‌تمهيد

- ‌ تعريف العلة لغةً واصطلاحاً

- ‌العلة في اللغة:

- ‌العلة في الاصطلاح:

- ‌ملخص الخلاف في تعريف العلة في الاصطلاح:

- ‌العلاقة بين المدلول اللغوي والاصطلاحي:

- ‌أهمية بيان علة الأحاديث والأخبار:

- ‌الباب الأولالإمام الدارقطني وكتابه العلل

- ‌الفصل الأولترجمة موجزة للإمام الدَّارَقُطْني رحمه الله

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده

- ‌المبحث الثاني: نشأته وبداية طلبه للعلم

- ‌المبحث الثالث: رحلاته العلمية و‌‌شيوخهوتلامذته

- ‌شيوخه

- ‌تلامذته:

- ‌المبحث الرابع: منزلته العلمية

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌المبحث الخامس: وفاته

- ‌المبحث السادس: آثاره العلمية

- ‌أولاً المخطوطات:

- ‌ثانياً المطبوعات:

- ‌المبحث السابع: دراسات علمية حول بعض مؤلفاته

- ‌الفصل الثانيالتعريف بكتاب العلل للإمام الدَّارَقُطْني

- ‌المبحث الأول:‌‌ اسم الكتابومؤلفه:

- ‌ اسم الكتاب

- ‌مؤلف الكتاب:

- ‌المبحث الثاني: قيمة الكتاب العلمية:

- ‌المبحث الثالث: محتوى الكتاب:

- ‌المبحث الرابع: مصادر الإمام الدارقطني في الكلام على العلل والرواة:

- ‌أولاً: المصادر التي صرح بها الدارقطني في كتابه:

- ‌ثانياً: المصادر التي لم يصرح بها الدارقطني في كتابه:

- ‌المبحث الخامس: الطريقة التي كان يسلكها الدارقطني في بيان العلل:

- ‌أولاً: الطريقة التي كان يسلكها الدارقطني غالباً في بيان العلة:

- ‌ثانياً: الطريقة التي كان الدارقطني أحياناً ما يسلكها في بيان العلة:

- ‌ثالثاً: الطريقة التي كان الدارقطني نادراً ما يسلكها في بيان العلة:

- ‌المبحث السادس: الأحاديث التي انتقدها الدارقطني في العلل على أحد الصحيحين:

- ‌أولا: الأحاديث التي انتقدها في كتاب العلل وقد أخرجها البخاري في أصل صحيحه:

- ‌ثانياً: الأحاديث التي انتقدها في كتاب العلل وقد أخرجها مسلم في أصل صحيحهٍ:

- ‌الباب الثانيالعلة وأجناسها عند الإمام الدارقطني

- ‌الفصل الأولمفهوم العلة عند الإمام الدارقطني

- ‌المبحث الأول: مفهوم العلة من جهة الإسناد

- ‌المبحث الثاني: مفهوم العلة من جهة المتن

- ‌أمثلة نقد الدارقطني لمتون الأحاديث:

- ‌نتائج هامة:

- ‌الفصل الثانيأجناس العلل الخفية والظاهرة في الإسناد والمتون

- ‌المبحث الأول: أجناس العلل التي ذكرها الحاكم وأمثلتها عند الدارقطني:

- ‌الأجناس التي ذكرها الحاكم وأمثلتها عند الدارقطني في كتاب العلل

- ‌المبحث الثاني: الأجناس التي لم يذكرها الحاكم وأمثلتها عند الدارقطني في كتاب العلل

- ‌المبحث الثالث: أجناس العلل الخفية في المتون:

- ‌المبحث الرابع: أجناس العلل الظاهرة

- ‌الباب الثالثألفاظ التعليل ومدلولاتها عند الإمام الدارقطني

- ‌الفصل الأولالألفاظ الدالة على ضعف الخبر أو عدم ثبوته

- ‌المبحث الأول: ألفاظ التضعيف ومدلولاتها عند الإمام الدارقطني

- ‌المطلب الأول: تعريف‌‌ الضعف لغةًواصطلاحاً

- ‌ الضعف لغةً

- ‌الضعيف في الاصطلاح:

- ‌علاقة الحديث الضعيف بالحديث المعلول:

- ‌المطلب الثاني: أهمية كتابة الحديث الضعيف

- ‌المطلب الثالث: ألفاظ التضعيف عند الدارقطني في العلل

- ‌المبحث الثاني: ألفاظ الوضع والبطلان ومدلولاتهما عند الإمام الدارقطني

- ‌المطلب الأول: تعريف الوضع والبطلان لغة واصطلاحاً

- ‌أولاً: تعريف الوضع لغةً:

- ‌ثانياً: تعريف الموضوع في الاصطلاح:

- ‌ثالثاً: تعريف البطلان لغةً:

- ‌رابعاً: تعريف الباطل في الاصطلاح:

- ‌المطلب الثاني: ألفاظ الوضع والبطلان عند الإمام الدارقطني

- ‌أولاً: لفظة: " كان يضع أو يكذب

- ‌ثانياً: لفظة: " قال ما لم يقله أحد من أهل العلم

- ‌ثالثاً: لفظة: " ليس هذا بشيء

- ‌رابعاً: لفظة: " وهذا الحديث باطل بهذا الإسناد

- ‌خامساً: لفظة: " هذا باطل عن فلان

- ‌سادساً: لفظة: " وكلها باطلة

- ‌ويتضح مما سبق:

- ‌نستنج أنَّ:

- ‌الفصل الثانيالألفاظ الدالة على الخطأ والوهم والاختلاف

- ‌المبحث الأول: ألفاظ الخطأ والوهم ومدلولهما عند الإمام الدارقطني

- ‌المطلب الأول: تعريف الخطأ والوهم لغةً

- ‌أولاً: تعريف الخطأ لغةً

- ‌ثانياً: تعريف الوهم لغةً

- ‌المطلب الثاني: ألفاظ الخطأ والوهم عند الدارقطني في العلل

- ‌أولاً: لفظتا " الخطأ والوهم مجتمعة

- ‌ثانياً: لفظة " الخطأ

- ‌ثالثاً: لفظة " الوهم

- ‌المبحث الثاني: ألفاظ المخالفة والنَّكارة ومدلولهما عند المحدثين والإمام الدارقطني

- ‌المطلب الأول: تعريف المخالفة لغة

- ‌المطلب الثاني: مفهوم المخالفة عند المحدثين والإمام الدارقطني

- ‌المطلب الثالث: ألفاظ المخالفة التي استعملها الإمام الدارقطني لبيان العلل

- ‌أولاً: لفظة " خالفه الثقات الحفاظ في إسناده

- ‌ثانياً: لفظة " خالفه فأدرج في متن الحديث

- ‌ثالثاً: لفظة " اختلف عنه: ووهم في ذلك إنَّما أراد كذا، بدل كذا

- ‌رابعاً: لفظة " خالفه فزاد زيادة الثقة

- ‌المطلب الرابع: تعريف النَّكارة لغة

- ‌المطلب الخامس: مفهوم النَّكارة وألفاظها عند المحدثين والإمام الدارقطني

- ‌الفصل الثالثالألفاظ الدالة على الغرابة والتفرد والترجيح

- ‌المبحث الأول: الغرابة والتفرد ومدلولهما عند النُّقاد والإمام الدارقطني

- ‌المطلب الأول: تعريف الغرابة والتفرد لغةً

- ‌أولاً: تعريف الغرابة لغةً

- ‌ثانياً: تعريف التفرد لغةً

- ‌المطلب الثاني: لفظا الغرابة والتفرد عند النُّقاد والدارقطني في العلل

- ‌أولا: لفظة " تفرد به فلان

- ‌ثانيا: لفظة " غريب

- ‌المبحث الثاني: ألفاظ الترجيح ومدلولاتها عند النُّقاد والإمام الدارقطني

- ‌المطلب الأول: تعريف الترجيح لغةً

- ‌المطلب الثاني: ألفاظ الترجيح عند النُّقاد والدارقطني في العلل

- ‌أولاً: ألفاظ: "وهو الصحيح" أو "والصحيح من ذلك " أو"والصحيح قول فلان

- ‌ثانياً: لفظة " وهو الصواب

- ‌ثالثاً: لفظة " فلان أثبت من فلان

- ‌رابعاً: لفظة " وهو الأشبه بالصواب

- ‌خامساً: لفظة " أحسنها إسناداً

- ‌الباب الرابعقرائن التعليل والترجيح عند الإمام الدارقطني

- ‌الفصل الأولقرائن التعليل عند الإمام الدارقطني

- ‌تمهيد: أهمية معرفة قرائن التعليل

- ‌المبحث الأول: دلائل العلة

- ‌المطلب الأول: التفرد ودلالته كقرينة عند النُّقاد والدارقطني

- ‌المطلب الثاني: المخالفة ودلالتها كقرينة عند النُّقاد والدارقطني

- ‌المبحث الثاني: قرائن التعليل الإسنادية

- ‌المطلب الأول: قرينة ضعف الثقة في بعض شيوخه الثقات

- ‌المطلب الثاني: قرينة ضعف الثقة في بعض البلدان

- ‌المطلب الثالث: قرينة ضعف الثقة في بعض الأحوال

- ‌المبحث الثالث: قرائن التعليل المتنية

- ‌المطلب الأول: قرينة مخالفة الحديث للسُنّة الثابتة المشهورة

- ‌المطلب الثاني: قرينة أنَّ الحديثَ لا يشبه كلام النبوة

- ‌المطلب الثالث: قرينة أنَّ الحديثَ لا يشبه حديث فلان

- ‌الفصل الثانيالمتابعات والقرائن وأثرهما في الترجيح عند الإمام الدارقطني

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: المتابعات وأثرها في الترجيح

- ‌المطلب الأول: تعريف المتابعات لغةً واصطلاحاً وحكمها:

- ‌أولاً: تعريف المتابعة لغة:

- ‌ثانياً: تعريف المتابعة اصطلاحاً وحكمها:

- ‌المطلب الثاني: أثر المتابعات في الترجيح عند النُّقاد والإمام الدرقطني:

- ‌المبحث الثاني: القرائن وأثرها في الترجيح

- ‌المطلب الأول: قرائن الترجيح بالأحفظ:

- ‌المطلب الثاني: قرينة الترجيح بالأقوى والأثبت في الشيوخ:

- ‌المطلب الثالث: قرائن الترجيح بتحديد التاريخ:

- ‌الخَاتِمة

- ‌النتائج الهامة في الدراسة:

- ‌التوصيات والمقترحات الهامة في الدراسة:

- ‌الفَهَارِسُ العِلْميَةُ

- ‌ثبَتُ المصَادر والمرَاجِع

الفصل: ‌المطلب الثاني: أثر المتابعات في الترجيح عند النقاد والإمام الدرقطني:

‌المطلب الثاني: أثر المتابعات في الترجيح عند النُّقاد والإمام الدرقطني:

لا يخفى على مشتغلٍ بهذا الفن فضلاً على الباحث في علوم الحديث الأهمية البالغة للمتابعات والشواهد في الترجيح بين الروايات المختلفة، ولقد كان أهل الحديث وجهابذة النُّقاد يتهافتون على تلك المتابعات والشواهد؛ وكأنها اللؤلؤ والمرجان، حيث يتقوى بها الحديث المحتمل الضعف، أو تفرد راوٍ عن شيخه لا يحتمل، وخلافه من الأسباب التي قد يحتاج إليها النَّاقد للترجيح، ومعرفة الصواب في هذه المرويَّات، فلا يحتاج إليها إلا عند الحاجة.

ولقد بذل أهل الحديث كل غالٍ ونفيسٍ للحصول على تلك المتابعة أو ذلك الشاهد الذي يترجح به كفة رواية على رواية، أو زوال شبهة الخطأ والوهم عن رواية راوٍ، أو ترجيح زيادة متن على نقصانه، وغيرها من أساليب الترجيح بين المرويَّات المختلفة وسوف نضرب بعض الأمثلة التي توضح استعمالهم للمتابعة في الترجيح، والله الموفق.

المثال الأول: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني -: " عن حديث نعيم بن ربيعة، عن عمر رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((حين جاءه رجل يسأله عن قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} ، فقال عليه السلام: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ فَأَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ

)) (1)

فقال - الدارقطني -: يرويه زيد بن أبي أنيسة عن عبدالحميد بن عبدالرحمن بن زيد ابن الخطاب، عن مسلم بن يسار، عن نعيم بن ربيعة، عن عمر. حدث عنه كذلك يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي وجود إسناده ووصله. وخالفه مالك بن أنس فرواه، عن زيد بن أبي أنيسة،

(1) أخرجه الترمذي: في السنن، كتاب تفسير القرآن، باب سورة الأعراف، (ج5/ص266)، برقم (3075)، وأبو داود: في السنن، كتاب السنة، باب في القدر، (ج2/ص639)، برقم (4703)، كلاهما من طريق زيد بن أبي أنيسة أنَّ عبدالحميد بن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب أخبره عن مسلم بن يسار الجهني أنَّ عمر بن الخطاب به تاماً، الآية في سورة الأعراف رقم (172).

ص: 355

ولم يذكر في الإسناد نعيم بن ربيعة وأرسله، عن مسلم بن يسار عن عمر. وحديث يزيد بن سنان متصل وهو أولى بالصواب والله أعلم، وقد تابعه عمر بن جعثم فرواه عن زيد بن أبي أنيسة كذلك قاله بقية بن الوليد عنه " (1).

قلتُ: هذا الحديث يرويه زيد بن أبي أنيسة، واختلف عليه في الإسناد على وجهين:

1.

رواه عنه يزيد بن سنان (2) مسنداً موصولاً، أي: عن مسلم بن يسار، عن نعيم ابن ربيعة، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

2.

ورواه عنه مالك بن أنس لم يذكر في الإسناد نعيم بن ربيعة بين مسلم بن يسار،

وعمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ثم رجح الدارقطني أنَّ الأولى بالصواب الوجه الثاني من رواية يزيد بن سنان، بسبب متابعة عُمر بن جُعْثُم وهو القرشي الحمصي (3) ليزيد بن سنان في شيخه زيد بن أبي أنيسة متابعة تامة (4).

وبهذا الترجيح أعلَّ الدارقطني الحديث، حيث إنَّ الوجه الأول فيه علتان: ضَعْف يزيد ابن سنان، والانقطاع بين مسلم بن يسار، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد أشار إلى ذلك الإمام الترمذي فقال: " هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ ومسلم بن يسار لَمْ يَسْمَعْ من عمر وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ

(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج2/ص221 - 223)، سؤال رقم (235).

(2)

هو يزيد بن سنان بن يزيد التميمي الجزري، أبو فروة الرهاوي (ت:155هـ)، ضعفه أحمد، وقال: أبو حاتم محله الصدق، وقال البخاري: مقارب الحديث، أخرج له الترمذي وابن ماجه، تهذيب التهذيب (ج11/ص 293)، قلتُ: ومثلُ هذا ضعفه محتمل يتقوى بمتابعة غيره له.

(3)

قال الحافظ ابن حجر: مقبول تقريب التهذيب (ج1/ص713)، قلتُ: يعني عند المتابعة.

(4)

أخرج هذه المتابعة أبو داود: في السنن كتاب السنة، باب في القدر، (ج2/ص639)، برقم (4703)، من طريق بقية قال: حدثني عُمر بن جُعْثُم القُرشي قال: حدثني زيد بن أبي أنيسة عن عبدالحميد بن عبدالرحمن عن مسلم بن يسار عن نعيم بن ربيعة قال كنت عند عمر بن الخطاب به.

ص: 356

في هذا الإسناد بين مسلم بن يسار وبين عمر رَجُلاً مَجْهُولاً " (1).

وأما الوجه الثاني الموصول ففيه نعيم بن ربيعة (2) مجهول لم يرو عنه إلا مسلم بن يسار الجهني، ولم يوثقه إلا ابن حبان، فظهر صنيع الدارقطني بهذه المتابعة كقرينة ترجيح لإثبات صواب الوجه الثاني وبالتالي علة الحديث، والله الموفق سبحانه.

المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني -: " عن حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:((لَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ حَزَنٍ وَلَا نَصَبٍ إِلا كَفَّرَ اللَّهُ عَنهُ مِنْ خَطَايَاهُ)) (3).

فقال - الدارقطني -: يرويه محمد بن عمرو عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد، حدث به عنه الوليد بن كثير ومحمد بن إسحاق وأسامة بن زيد، واختلف عنه، فرواه يحيى القطان ووكيع وعبيد الله بن موسى وغيرهم عن أسامة عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري.

رواه عبدالله بن وهب عن أسامة فقال: عن محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو بن عطاء، زاد في الإسناد محمد بن عمرو بن حلحلة.

ووهم فيه، والصحيح قول يحيى القطان ومن تابعه.

وكذلك رواه إسماعيل بن جعفر وعقيل بن خالد، وعيسى بن عبد الله العدوي، وليث

ابن أبي سليم عن محمد بن عمرو عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد، وهو الصواب.

(1) الترمذي: في السنن، كتاب تفسير القرآن، باب سورة الأعراف، (ج5/ص266)، بعد حديث رقم (3075).

(2)

هو نعيم بن ربيعة الأزدي (ت:؟)، من الطبقة الثانية من كبار التابعين، أخرج له أبو داود هذا الحديث، روى عنه مسلم بن يسار، ولم يوثقه إلا ابن حبان، تهذيب التهذيب (ج 10/ص 413).

(3)

متفق عليه: أخرجه البخاري على الوجه الصحيح في الجامع الصحيح (مع الفتح)، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض (ج10/ص120)، برقم (5641،5642)، ومسلم في الجامع الصحيح (بشرح النووي)، كتاب البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه، (ج8/ص372)، برقم (2573)، نحواً منه.

ص: 357

وفي حديث الوليد بن كثير عن أبي هريرة وأبي سعيد جميعاً " (1).

قلتُ: هذا الحديث يرويه مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، واختلف عليه علي وجهين:

1.

رواه عنه جماعة منهم يحيى القطان ووكيع وعبيدالله بن موسى، فقالوا: عن أُسَامَةَ ابْنِ زَيْدٍ عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري.

2.

ورواه عنه عبدالله بن وهب، فقال: عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عن محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو بن عطاء، زاد في الإسناد محمد بن عمرو بن حلحلة.

ثُمَّ رَجَّح الدارقطني الوجه الأول، حيث فيه جمع كثير تابع بعضهم بعضاً، وعلى رأسهم يحيى القطان وهو إمام ثبت، وقد تابعه جمع منهم وكيع، وعبيدالله بن موسى وغيرهم، فصارت زيادة محمد بن عمرو بن حلحلة في الإسناد هذا خطأ من عبدالله بن وهب، وأصل هذا الوهم أنَّ الحديث له إسناد أخر صحيح فيه رواية مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أخرجه البخاري كما أشرنا سالفاً، فاختلط ذلك على عبدالله بن وهب، والله أعلم، وعلى كلٍّ فقد ظهر كيف استفاد الدارقطني بالمتابعات في ترجيح الرواية الصحيحة.

وقد استعمل الأئمة النُّقاد المتابعات في ترجيح المرويَّات وسنضرب هنا بعض الأمثلة منها:

قال ابن أبي حاتم في العلل: " وَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ، رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَسَّانٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو:((أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، حَدَّثَهُم ذَاتَ لَيْلَةٍ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمْ يَقُمْ فِيهَا إِلَا إِلَى عُظْمِ صَلَاةٍ)) (2).

(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج11/ص251 - 252)، سؤال رقم (2268).

(2)

أخرجه الإمام أحمد: في المسند، (ج4/ص437)، برقم (19938)، وهي متابعة هشام الدستوائي من طريق معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أبي حسان عن عبد الله بن عمرو به.

ص: 358

قَالَ أَبِي: يروي هَذَا الحديث أَبُو هلال (1)، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حسان (2)، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حصين عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وحديث عَبْدِاللهِ ابْنِ عَمْرو أشبه؛ لأنّهُ قد تابعه هشام الدستوائي، وعمرو بن الحرث " (3).

قلتُ: وأصلُ العلةِ التي أشار إليها أبو حاتم هي: أنَّ أبا هلال روى الحديث من طريق حَسَنِ بْنُ مُوسَى، وَعَفَّانَ قَالَا: أَنْبَأَنَا أَبُو هِلَالٍ، قَالَ عَفَّانُ، أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ، وَقَالَ حَسَنٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَن أَبِي حَسَّانَ الأَعْرَجِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ:((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُنَا عَامَّةَ لَيْلِهِ عَنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ لَا يَقُومُ إِلَا لِعُظْمِ صَلَاةٍ)) (4).

وقد خالفه سَعِيدُ بْنِ بَشِيرٍ (5) في الإسناد فقال: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَسَّانٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو عن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.

ومعلوم أنَّ أبا هلال صدوق فيه لين، وسَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ قد ضعفه أحمد ووثقه آخرون، فكأنَّ الوجهين متساويان في الدرجة والمرتبة، فلا يمكن ترجيح أحد الأوجه إلا أنَّ يأتي متابع لأحدٍ منهما، ثُمَّ جاء هشام الدستوائي (6) فتابع سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حسان عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو أخرجه الإمام أحمد كذلك كما ذكرنا سالفاً، فظهر أنَّ الوجه الأول مرجوح، والثاني راجح، وهو ما رجحه أبو حاتم بقوله:

" وحديث عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو أشبه؛ لأنّهُ قد

(1) وهو محمد بن سليم، أبو هلال الرَّاسبي البصري (ت: 167 هـ)، صدوق فيه لين، من الطبقة السادسة، أخرج له الأربعة في السنن والبخاري تعليقاً، تهذيب التهذيب (ج 9/ص 173).

(2)

وهو مسلم بن عبدالله، أبو حسان الأعرج الأحرد، البصري (ت: 130 هـ)، صدوق رمى برأي الخوارج، أخرج له الستة إلا البخاري تعليقاً، تهذيب التهذيب (ج 12/ص 63).

(3)

ابن أبي حاتم: كتاب العلل، (ص467)، سؤال رقم (451).

(4)

أخرجه الإمام أحمد: في المسند، (ج4/ص554)، برقم (20004).

(5)

سبق ترجمته، تهذيب التهذيب (ج 4/ص 8).

(6)

وهو هشام بن أبى عبد الله: سنبر الدستوائي، أبو بكر البصري، الربعي وقيل الجحدري (ت: 154 هـ)، ثقة ثبت من الطبقة السابعة، أخرج له الستة، تهذيب التهذيب (ج 11/ص 40).

ص: 359

تابعه هشام الدستوائي، وعمرو بن الحرث".

وذلك؛ لأنَّ هشام الدستوائي أوثق من أبي هلال.

المثال الثاني: قال البخاري في الجامع الصحيح: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ حَدَّثَنَا شَاذَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا، ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ، ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ. تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِالْعَزِيزِ.

قال الحافظ في الفتح: " وَكَأَنَّ البُخَارِي أَرَادَ بِهَذِهِ الْمُتَابَعَة إثبات الطريق إلى عبدالعزيز ابن أبي سلمة؛ لأَنَّ عَبَّاسًا الدَّوْرِيّ رَوَى هذا الحديث عن شَاذَان فَقَالَ: " عَنْ الْفَرَج بْن فَضَالَة عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ نَافِع " فَكَأَنَّ لِشَاذَان فِيهِ شَيْخَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ "(1).

قلتُ: وهذا دأب البخاري في جامعه كله، فإنَّهُ يأتي بالرواية التي قد تكون فيها شبهة عدم السماع مثلاً، ثم يأتي بمتابعة ليثبت السماع على مذهبه المشهور، وقد أخذ البخاري هذا عن شيوخه منهم شيخ شيوخه يحيى بن سعيد القطان، فإنَّه كان ينكر على همام بن يحيى العَوْذِي حديثه فلمَّا تابعه معاذ بن هشام الدستوائي سكت عنه، نقل هذا ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل فقال:" قال: عمر بن شبة قال: سمعت عفان يقول: كان يحيى بن سعيد يعترض على همام في كثير من حديثه، فلمَّا قدم معاذ بن هشام نظرنا في كتبه فوجدناه يوافق هماما في كثير مما كان يحيى ينكره عليه فكف يحيى بعد عنه "(2) فظهر لك كيف كان منهج الأئمة النُّقاد في استعمال المتابعة وأثرها في ترجيح المرويَّات، لم يختلف فيهم أحد في طريقة الترجيح بالمتابعات، والله أعلم.

(1) البخاري: في الجامع الصحيح (مع الفتح)، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عثمان بن عفان (ج7/ص67 - 68)، بعد حديث برقم (3697).

(2)

ابن أبي حاتم: الجرح والتعديل (ج9/ 108).

ص: 360

المثال الثالث: قال الحافظ ابن حجر في النكت: " ومن ذلك ما رواه من طريق هشيم عن يزيد بن أبي زياد عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلْيَمَسَّ أَحَدُهُمْ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَالْمَاءُ لَهُ طِيبٌ)) (1).

قال - يعني الترمذي -: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

قلتُ - ابن حجر -: وهشيم موصوف بالتدليس، لكن تابعه عنده أبو يحيى التيمي. وللمتن شواهد من حديث أبي سعيد الخدري وغيره رضي الله تعالى عنهم " (2).

قلتُ: وهكذا قوى الحافظ ابن حجر الحديث الضعيف بسبب عنعنة هشيم وهو ابن بشير أبو معاوية السُلمي (3)، وهو ثقة ثبت كثير التدليس، بمتابعة أبي يحيى التيمي (4) وهو ضعيف، فظهر لك أثر المتابعة في تقوية الحديث عند النُّقاد وهو مسلك اتخذه أهل الحديث على اختلاف مذاهبهم.

وبنهاية هذا المطلب ينتهي مبحث المتابعات وأثرها في الترجيح، وقد ظهر جلياً أثر المتابعات في الترجيح عند الدارقطني والنُّقاد المتقدمين، وأنَّ منهج النُّقاد في تقوية الحديث بالمتابعات والشواهد واحد لم يختلف من إمام لغيره، وقد ظهر لك أنَّ الدارقطني وغيره من النُّقاد كانت نظرتهم للحديث في النقد شمولية من جهتي السند والمتن على السواء، وليس من جانب الإسناد ورجاله فحسب.

(1) أخرجه الترمذي: في السنن، كتاب الجمعة، باب ما جاء في السواك والطيب يوم الجمعة (ج2/ص 407)، برقم (528) قال الترمذي:" حديث البراء حَدِيثٌ حَسَنٌ ورواية هشيم أحسن من رواية إسمعيل بن إبراهيم التيمي وإسمعيل بن إبراهيم التيمي يضعف في الحديث ".

(2)

الحافظ ابن حجر العسقلاني: النكت الظراف، (ج1/ص77).

(3)

هشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي أبو معاوية (ت: 183 هـ)، ثقة ثبت كثير التدليس من الطبقة السابعة من كبار أتباع التابعين، أخرج له الستة، تهذيب التهذيب (ج11 /ص 53).

(4)

إسماعيل بن إبراهيم الأحول، أبو يحيى التيمي الكوفي (ت:؟)، ضعيف من الطبقة الثامنة من الوسطى من أتباع التابعين، أخرج له الترمذي وابن ماجه، تهذيب التهذيب (ج1/ص 245 - 246).

ص: 361