المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: قرينة الترجيح بالأقوى والأثبت في الشيوخ: - منهج الإمام الدارقطني في نقد الحديث في كتاب العلل

[يوسف بن جودة الداودي]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌مقدمة

- ‌أهداف البحث:

- ‌منهج البحث:

- ‌خطة البحث:

- ‌عقبات البحث:

- ‌تمهيد

- ‌ تعريف العلة لغةً واصطلاحاً

- ‌العلة في اللغة:

- ‌العلة في الاصطلاح:

- ‌ملخص الخلاف في تعريف العلة في الاصطلاح:

- ‌العلاقة بين المدلول اللغوي والاصطلاحي:

- ‌أهمية بيان علة الأحاديث والأخبار:

- ‌الباب الأولالإمام الدارقطني وكتابه العلل

- ‌الفصل الأولترجمة موجزة للإمام الدَّارَقُطْني رحمه الله

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده

- ‌المبحث الثاني: نشأته وبداية طلبه للعلم

- ‌المبحث الثالث: رحلاته العلمية و‌‌شيوخهوتلامذته

- ‌شيوخه

- ‌تلامذته:

- ‌المبحث الرابع: منزلته العلمية

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌المبحث الخامس: وفاته

- ‌المبحث السادس: آثاره العلمية

- ‌أولاً المخطوطات:

- ‌ثانياً المطبوعات:

- ‌المبحث السابع: دراسات علمية حول بعض مؤلفاته

- ‌الفصل الثانيالتعريف بكتاب العلل للإمام الدَّارَقُطْني

- ‌المبحث الأول:‌‌ اسم الكتابومؤلفه:

- ‌ اسم الكتاب

- ‌مؤلف الكتاب:

- ‌المبحث الثاني: قيمة الكتاب العلمية:

- ‌المبحث الثالث: محتوى الكتاب:

- ‌المبحث الرابع: مصادر الإمام الدارقطني في الكلام على العلل والرواة:

- ‌أولاً: المصادر التي صرح بها الدارقطني في كتابه:

- ‌ثانياً: المصادر التي لم يصرح بها الدارقطني في كتابه:

- ‌المبحث الخامس: الطريقة التي كان يسلكها الدارقطني في بيان العلل:

- ‌أولاً: الطريقة التي كان يسلكها الدارقطني غالباً في بيان العلة:

- ‌ثانياً: الطريقة التي كان الدارقطني أحياناً ما يسلكها في بيان العلة:

- ‌ثالثاً: الطريقة التي كان الدارقطني نادراً ما يسلكها في بيان العلة:

- ‌المبحث السادس: الأحاديث التي انتقدها الدارقطني في العلل على أحد الصحيحين:

- ‌أولا: الأحاديث التي انتقدها في كتاب العلل وقد أخرجها البخاري في أصل صحيحه:

- ‌ثانياً: الأحاديث التي انتقدها في كتاب العلل وقد أخرجها مسلم في أصل صحيحهٍ:

- ‌الباب الثانيالعلة وأجناسها عند الإمام الدارقطني

- ‌الفصل الأولمفهوم العلة عند الإمام الدارقطني

- ‌المبحث الأول: مفهوم العلة من جهة الإسناد

- ‌المبحث الثاني: مفهوم العلة من جهة المتن

- ‌أمثلة نقد الدارقطني لمتون الأحاديث:

- ‌نتائج هامة:

- ‌الفصل الثانيأجناس العلل الخفية والظاهرة في الإسناد والمتون

- ‌المبحث الأول: أجناس العلل التي ذكرها الحاكم وأمثلتها عند الدارقطني:

- ‌الأجناس التي ذكرها الحاكم وأمثلتها عند الدارقطني في كتاب العلل

- ‌المبحث الثاني: الأجناس التي لم يذكرها الحاكم وأمثلتها عند الدارقطني في كتاب العلل

- ‌المبحث الثالث: أجناس العلل الخفية في المتون:

- ‌المبحث الرابع: أجناس العلل الظاهرة

- ‌الباب الثالثألفاظ التعليل ومدلولاتها عند الإمام الدارقطني

- ‌الفصل الأولالألفاظ الدالة على ضعف الخبر أو عدم ثبوته

- ‌المبحث الأول: ألفاظ التضعيف ومدلولاتها عند الإمام الدارقطني

- ‌المطلب الأول: تعريف‌‌ الضعف لغةًواصطلاحاً

- ‌ الضعف لغةً

- ‌الضعيف في الاصطلاح:

- ‌علاقة الحديث الضعيف بالحديث المعلول:

- ‌المطلب الثاني: أهمية كتابة الحديث الضعيف

- ‌المطلب الثالث: ألفاظ التضعيف عند الدارقطني في العلل

- ‌المبحث الثاني: ألفاظ الوضع والبطلان ومدلولاتهما عند الإمام الدارقطني

- ‌المطلب الأول: تعريف الوضع والبطلان لغة واصطلاحاً

- ‌أولاً: تعريف الوضع لغةً:

- ‌ثانياً: تعريف الموضوع في الاصطلاح:

- ‌ثالثاً: تعريف البطلان لغةً:

- ‌رابعاً: تعريف الباطل في الاصطلاح:

- ‌المطلب الثاني: ألفاظ الوضع والبطلان عند الإمام الدارقطني

- ‌أولاً: لفظة: " كان يضع أو يكذب

- ‌ثانياً: لفظة: " قال ما لم يقله أحد من أهل العلم

- ‌ثالثاً: لفظة: " ليس هذا بشيء

- ‌رابعاً: لفظة: " وهذا الحديث باطل بهذا الإسناد

- ‌خامساً: لفظة: " هذا باطل عن فلان

- ‌سادساً: لفظة: " وكلها باطلة

- ‌ويتضح مما سبق:

- ‌نستنج أنَّ:

- ‌الفصل الثانيالألفاظ الدالة على الخطأ والوهم والاختلاف

- ‌المبحث الأول: ألفاظ الخطأ والوهم ومدلولهما عند الإمام الدارقطني

- ‌المطلب الأول: تعريف الخطأ والوهم لغةً

- ‌أولاً: تعريف الخطأ لغةً

- ‌ثانياً: تعريف الوهم لغةً

- ‌المطلب الثاني: ألفاظ الخطأ والوهم عند الدارقطني في العلل

- ‌أولاً: لفظتا " الخطأ والوهم مجتمعة

- ‌ثانياً: لفظة " الخطأ

- ‌ثالثاً: لفظة " الوهم

- ‌المبحث الثاني: ألفاظ المخالفة والنَّكارة ومدلولهما عند المحدثين والإمام الدارقطني

- ‌المطلب الأول: تعريف المخالفة لغة

- ‌المطلب الثاني: مفهوم المخالفة عند المحدثين والإمام الدارقطني

- ‌المطلب الثالث: ألفاظ المخالفة التي استعملها الإمام الدارقطني لبيان العلل

- ‌أولاً: لفظة " خالفه الثقات الحفاظ في إسناده

- ‌ثانياً: لفظة " خالفه فأدرج في متن الحديث

- ‌ثالثاً: لفظة " اختلف عنه: ووهم في ذلك إنَّما أراد كذا، بدل كذا

- ‌رابعاً: لفظة " خالفه فزاد زيادة الثقة

- ‌المطلب الرابع: تعريف النَّكارة لغة

- ‌المطلب الخامس: مفهوم النَّكارة وألفاظها عند المحدثين والإمام الدارقطني

- ‌الفصل الثالثالألفاظ الدالة على الغرابة والتفرد والترجيح

- ‌المبحث الأول: الغرابة والتفرد ومدلولهما عند النُّقاد والإمام الدارقطني

- ‌المطلب الأول: تعريف الغرابة والتفرد لغةً

- ‌أولاً: تعريف الغرابة لغةً

- ‌ثانياً: تعريف التفرد لغةً

- ‌المطلب الثاني: لفظا الغرابة والتفرد عند النُّقاد والدارقطني في العلل

- ‌أولا: لفظة " تفرد به فلان

- ‌ثانيا: لفظة " غريب

- ‌المبحث الثاني: ألفاظ الترجيح ومدلولاتها عند النُّقاد والإمام الدارقطني

- ‌المطلب الأول: تعريف الترجيح لغةً

- ‌المطلب الثاني: ألفاظ الترجيح عند النُّقاد والدارقطني في العلل

- ‌أولاً: ألفاظ: "وهو الصحيح" أو "والصحيح من ذلك " أو"والصحيح قول فلان

- ‌ثانياً: لفظة " وهو الصواب

- ‌ثالثاً: لفظة " فلان أثبت من فلان

- ‌رابعاً: لفظة " وهو الأشبه بالصواب

- ‌خامساً: لفظة " أحسنها إسناداً

- ‌الباب الرابعقرائن التعليل والترجيح عند الإمام الدارقطني

- ‌الفصل الأولقرائن التعليل عند الإمام الدارقطني

- ‌تمهيد: أهمية معرفة قرائن التعليل

- ‌المبحث الأول: دلائل العلة

- ‌المطلب الأول: التفرد ودلالته كقرينة عند النُّقاد والدارقطني

- ‌المطلب الثاني: المخالفة ودلالتها كقرينة عند النُّقاد والدارقطني

- ‌المبحث الثاني: قرائن التعليل الإسنادية

- ‌المطلب الأول: قرينة ضعف الثقة في بعض شيوخه الثقات

- ‌المطلب الثاني: قرينة ضعف الثقة في بعض البلدان

- ‌المطلب الثالث: قرينة ضعف الثقة في بعض الأحوال

- ‌المبحث الثالث: قرائن التعليل المتنية

- ‌المطلب الأول: قرينة مخالفة الحديث للسُنّة الثابتة المشهورة

- ‌المطلب الثاني: قرينة أنَّ الحديثَ لا يشبه كلام النبوة

- ‌المطلب الثالث: قرينة أنَّ الحديثَ لا يشبه حديث فلان

- ‌الفصل الثانيالمتابعات والقرائن وأثرهما في الترجيح عند الإمام الدارقطني

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: المتابعات وأثرها في الترجيح

- ‌المطلب الأول: تعريف المتابعات لغةً واصطلاحاً وحكمها:

- ‌أولاً: تعريف المتابعة لغة:

- ‌ثانياً: تعريف المتابعة اصطلاحاً وحكمها:

- ‌المطلب الثاني: أثر المتابعات في الترجيح عند النُّقاد والإمام الدرقطني:

- ‌المبحث الثاني: القرائن وأثرها في الترجيح

- ‌المطلب الأول: قرائن الترجيح بالأحفظ:

- ‌المطلب الثاني: قرينة الترجيح بالأقوى والأثبت في الشيوخ:

- ‌المطلب الثالث: قرائن الترجيح بتحديد التاريخ:

- ‌الخَاتِمة

- ‌النتائج الهامة في الدراسة:

- ‌التوصيات والمقترحات الهامة في الدراسة:

- ‌الفَهَارِسُ العِلْميَةُ

- ‌ثبَتُ المصَادر والمرَاجِع

الفصل: ‌المطلب الثاني: قرينة الترجيح بالأقوى والأثبت في الشيوخ:

يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ، وروى هذا الحديث سفيان الثوري عن الزبير بن عدي به ولم يذكر فيه: لَمْ يَعُدْ، ثم رواه الحاكم وعنه البيهقي بسنده عن سفيان عن الزبير بن عدي عن إبراهيم عن الأسود أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرِ، انْتَهَى. " (1).

فقول أبي حاتم وأبي زُرْعَةَ: " سفيان أحفظ "، يدل على أنَّهما رجحا رواية سفيان الثوري عن الزبير بن عدي به ولم يذكر فيه:" لَمْ يَعُدْ "، واعتبرت هذه اللفظة معلولة كما أشار إلي شذوذها الحاكم في النص السابق، مما يظهر كيف كان الأئمة النُّقاد يستدلون بقرينة الأحفظ للرواية من غيره، وقد تكلف قوم الجمع والرواية خطأ في الأصل فلا يصح الجمع بين ما هو ثابت صحيح، وبين رواية لم تثبت، والله أعلم.

‌المطلب الثاني: قرينة الترجيح بالأقوى والأثبت في الشيوخ:

تعتبر قرينة الترجيح بالأقوى في الشيخ من أهم وأشهر القرائن التي اعتمد عليها الدارقطني والنُّقاد المتقدمين في الترجيح بين المرويَّات؛ وذلك لأنَّ الرواة ليسوا على مرتبة واحدة في الضبط والإتقان عن الشيخ ولاسيما إذا كان الشيخ مكثراً، فالرواةُ يتفاوتون في ملازمة الشيخ، فمنهم من يلازم الشيخ مدة طويلة، وقد سمع الحديث مرراً واستوعب حديثه، ومنهم من لم يسمع الحديث إلا مرة واحدة، ولم يلازم الشيخ إلا مدة يسيرة، لذا اهتم النُّقاد بهذه القرينة في الترجيح وأثبتوا طبقات الرواة عن الشيوخ والمفاضلة بينهم.

وقد قَسَّم النُّقاد الرواة عن الزهري مثلاً إلي خمسِ طبقاتٍ، قال الحافظ أبو بكر الحازمي: " وهو أن نعلم مثلا أنَّ أصحاب الزهري على خمس طبقات، ولكل طبقة منها مزية على التي تليها، فمن كان في الطبقة الأولى فهو الغاية في الصحة وهو مقصد البخاري، والطبقة الثانية شاركت الأولى في التثبت إلا أن الأولى جمعت بين الحفظ والإتقان، وبين طول الملازمة

(1) عبدالله بن يوسف أبو محمد الحنفي الزيلعي (ت: 707): نصب الراية لأحاديث الهداية، طبعة دار الحديث، مصر، سنة 1357هـ، تحقيق: محمد يوسف البنوري، (ج1/ص294).

ص: 366

للزهري حتى كان فيهم من يزامله في السفر ويلازمه في الحضر، والطبقة الثانية لم تلازم الزهري إلا مدة يسيرة فلم تمارس حديثه، وكانوا في الإتقان دون الأولى وهم شرط مسلم. ثُمَّ ذكر الثالثة والرابعة والخامسة وهي ضعيفة.

ثم مثل لطبقات الرواة فقال:

الطبقة الأولى: بيونس بن يزيد، وعقيل بن خالد الأيليين، ومالك بن أنس، وسفيان ابن عيينة، وشعيب بن أبي حمزة. والطبقة الثانية بالأوزاعي، والليث بن سعد، وعبدالرحمن بن خالد بن مسافر، وابن أبي ذئب. والطبقة الثالثة نحو جعفر بن برقان، وسفيان بن حسين، وإسحاق بن يحيى الكلبي. والطبقة الرابعة نحو زمعة بن صالح، ومعاوية بن يحيى الصدفي، والمثنى بن الصباح. والطبقة الخامسة نحو عبدالقدوس بن حبيب، والحكم بن عبدالله الأيلي، ومحمد بن سعيد المصلوب " (1).

وقال ابن رجب في شرح العلل للترمذي: " أصحاب ثابت البُناني: وفيهم كثرة، وهم ثلاث طبقات:

الطبقة الأولى: الثقات: كشعبة، وحماد بن زيد، وسليمان بن المغيرة، وحماد بن سلمة ومعمر. وأثبت هؤلاء كلهم في ثابت حماد بن سلمة، كذا قال أحمد في رواية ابن هانئ:" ما أحد روى عن ثابت أثبت من حماد بن سلمة ".

وقال ابن معين: " حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت البناني ".

وقال أيضاً: " حماد بن سلمة أعلم الناس بثابت، ومن خالف حماد بن سلمة في ثابت فالقول قول حماد ".

(1) محمد بن موسى أبي بكر الحازمي: شروط الأئمة الخمسة، طبعة مكتبة القدس، القاهرة، (ص43)، وابن حجر العسقلاني: هدي الساري (ص12).

ص: 367

وقال ابن المديني: " لم يكن في أصحاب ثابت أثبت من حماد بن سلمة، ثم من بعده سليمان بن المغيرة، ثم من بعده حماد بن زيد، وهي صحاح "، يعني أحاديث هؤلاء الثلاثة عن ثابت.

وقال أبو حاتم الرَّزاي: " حماد بن سلمة في ثابت وعلي بن زيد أحب إلىّ من همام، وهو أحفظ الناس، وأعلم بحديثهما، بيَّن خطأ الناس ". يعني أن من خالف حماداً في حديث ثابت وعلي بن زيد قدم قول حماد عليه، وحكم بالخطأ على مخالفه.

وحكى مسلم في كتاب التمييز: " إجماع أهل المعرفة على أنَّ حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت، وحكى ذلك عن يحيى القطان، وابن معين وأحمد وغيرهم من أهل المعرفة.

وقال الدارقطني: " حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت ".

الطبقة الثانية: الشيوخ:

مثل الحكم بن عطية وقد ذكر أحمد الحكم بن عطية فقال: " هؤلاء الشيوخ يخطئون على ثابت "، وذكر للحكم بن عطية عن ثابت عن أنس أحاديث مناكير.

وقال أيضاً: " سهيل ابن حزم يروي عن ثابت منكرات ".

وقال في عمارة بن زاذان: " يروي عن ثابت أحاديث مناكير، ثم قال: هؤلاء الشيوخ رووا عن ثابت، وكان ثابت جل حديثه عن أنس، فحملوا أحاديثه عن أنس، قال: ويوسف بن عبدة يروي عن حميد وثابت أحاديث مناكير بالتوهم، ليس هي عندي من حديث حميد ولا ثابت " انتهى.

ومنهم حماد بن يحيى الأبح: له أوهام عن ثابت، منها حديثه عنه وعن أنس مرفوعاً حديث:" مثل أمتي مثل المطر ". والصواب عن ثابت عن الحسن مرسلاً، كذا رواه حماد بن سلمة عن ثابت، وقد تقدم هذا الحديث في كتاب الأمثال.

الطبقة الثالثة: الضعفاء والمتركون:

وفيهم كثرة، كيوسف بن عطية الصفّار.

قال ابن هاني: قال أحمد: " كان حماد ثبتاً في حديث ثابت البناني، وبعده سليمان بن المغيرة،

ص: 368

وكان ثابت يحيلون عليه في حديث أنس، وكل شيء لثابت روي عنه يقولون: ثابت عن أنس ".

وقال أحمد في رواية أبي طالب: " أهل المدينة إذا كان الحديث غلطاً يقولون: ابن المنكدر عن جابر، وأهل البصرة يقولون: ثابت عن أنس، يحيلون عليهما ".

ومراد أحمد بهذا كثرة من يروي عن ابن المنكدر من ضعفاء أهل المدينة، وكثرة من يروي عن ثابت من ضعفاء أهل البصرة، وسيء الحفظ والمجهولين منهم، فإنَّه كثرت الرواية عن ثابت من هذا الضرب فوقعت المنكرات في حديثه، وإنَّما أتي من جهة من روى عنه من هؤلاء، وذكر هذا المعنى ابن عدي وغيره " (1).

قلتُ: قد ذكرت هذه النصوص على طولها لما لها من أهمية بالغة في فهم مراتب وطبقات الرواة وتفاضلهم في شيوخهم، وبيان أنَّ الدارقطني والنُّقاد المتقدمين كانت نظرتهم فاحصة ودقيقة للرواة والمرويَّات، وقامت على أسس قوية بنوا عليها أحكامهم في الترجيح بين الروايات التي يطرأ عليها الخلاف أو التفرد وغيرهما، ولم يكن مجرد تخرص أو اتباع للأهواء، ولا شك أنَّ هذه النصوص قد أظهرت لك أهمية قرينة الأثبت في الشيوخ من غيره.

ولقد استعمل الدارقطني هذه القرينة في جملة أحاديث، وسوف نضرب نموذجاً تطبيقياً منها لتوضيح منهجه:

المثال: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني -: " عن حديث الأسود بن يزيد عن عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ: ((لا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ بِقَوْلِ امْرَأَةٍ - يعني فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ- فَجَعَلَ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ)) (2).

(1) ابن رجب: شرح علل الترمذي (ص358 - 361).

(2)

أخرجه عبدالله بن عبدالرحمن أبو محمد الدارمي (ت: 255هـ): في السنن، طبعة دارالكتب العلمية، بيروت سنة 1996م، تحقيق محمد بن عبدالعزيز الخالدي، كتاب الطلاق، باب فى المطلقة ثلاثا ألها السكنى والنفقة أم لا؟، (ج2/ص81)، برقم (2329).

ص: 369

فقال - الدارقطني -: رواه أشعث بن سوار عن الحكم، وحماد، عن إبراهيم، عن الأسود. ورواه الْمُحَارِبِيُّ عن الأَعْمَشِ عن إبراهيم عن الأسود. ورواه أبو أحمد الزُّبَيْرِيُّ عن عمار بن رزيق عن أبي إسحاق عن الأسود، وليست هذه اللفظة التي ذكرت فيه محفوظة وهي قوله:" وَسَنَّةَ نَبِيِّنَا "؛ لأنَّ جماعة من الثقات رووه عن الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود أنَّ عمر قال:((لَا نُجِيزُ فِي دِينِنَا قَوْلَ امْرَأَةٍ))، وَلَمْ يَقُولُوا فِيهِ وَسَنَّةَ نَبِيِّنَا.

وكذلك رواه يحيى بن آدم وهو أحفظ من أبي أحمد الزُّبَيْرِيُّ وأثبت منه عن عمار بن رزيق، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عمر لم يقل فيه " وَسَنَّةَ نَبِيِّنَا "، وهو الصواب.

وكذلك رواه أبو كريب ومحمد بن عبد الله بن نُمَيرٍ، عن حفص بن غياث، عن الأعمش. وخالفهم طلق بن غنام فرواه عن حفص، عن الأعمش فقال فِيهِ:" وَسَنَّةَ نَبِيِّنَا "، ووهم على حفص في ذلك؛ لأنَّ محمد بن عبدالله بن نُمَيرٍ، وأبا كريب أحفظ منه وأثبت، روياه عن حفص عن الأعمش ولم يذكرا ذلك والله أعلم " (1).

قلتُ: هذا الأثر مداره على الأَعْمَشِ وأبي إسْحَاقٍ، واختلف في متنه علي وجهين:

الوجه الأول: من قال لفظة: " وَسَنَّةَ نَبِيِّنَا ".

1.

رواه من طريق الأَعْمَشِ جماعة منهم: الْمُحَارِبِيُّ (2)، وطلق بن غنام (3)، عن حفص بن غياث عنه.

(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج2/ص140 - 141)، سؤال رقم (164).

(2)

وهو عبدالرحمن بن محمد بن زياد الْمُحَارِبِيُّ، أبو محمد الكوفي (ت: 195 هـ)، لا بأس به وكان يدلس قاله أحمد، من الطبقة التاسعة، أخرج له الستة، تهذيب التهذيب (ج6/ص 238).

(3)

طلق بن غنام بن طلق بن معاوية النخعي، أبو محمد الكوفي (ت: 211 هـ)، ثقة، من الطبقة العاشرة، أخرج له الستة إلا مسلم، تهذيب التهذيب (ج5/ص 29).

ص: 370

2.

ورواه من طريق أبي إسحاق السبيعي: أبو أحمد الزُّبَيْرِيُّ (1)، عن عمار بن رزيق، عن أبي إسحاق السبيعي.

الوجه الثاني: من لم يقل لفظة: " وَسَنَّةَ نَبِيِّنَا ".

1.

رواه من طريق الأعمش جماعة منهم: أبو كريب (2)، ومحمد بن عبد الله بن نُمَيرٍ عن حفص بن غياث عنه.

2.

ورواه من طريق أبي إسحاق السبيعي: يحيى بن آدم (3)، عن عمار بن رزيق (4)، عن أبي إسحاق السبيعي.

ثُمَّ صرح الدارقطني بترجيح الوجه الثاني؛ لأنَّ من رواه من طريق الأعمش هما: أبو

كريب، وابن نُمَيرٍ وهما أثبت في حفص بن غياث من طلق بن غنام، وأما من رواه

من طريق أبي إسحاق: يحيى بن آدم وهو أثبت وأقوى في عمار بن رزيق من أبي أحمد الزُّبَيْرِيُّ، وبهذا رجح الدارقطني شذوذ لفظة:" وَسَنَّةَ نَبِيِّنَا "، وأنها زيادة معلولة؛ لأنَّ من لم يرو اللفظة أوثق وأقوى في شيخه ممن روى اللفظة، والله الموفق.

ولقد استعمل النُّقاد المتقدمون هذه القرينة كذلك في جملة أحاديث، وسوف نضرب نموذجاً تطبيقياً منها لتوضيح منهجهم:

(1) وهو محمد بن عبدالله بن الزبير بن عمر بن درهم، أبو أحمد الزُّبَيْرِيُّ الكوفي (ت:203 هـ) ثقة ثبت، إلا أنه قد يخطىء فى حديث الثوري، أخرج له الستة، تهذيب التهذيب (ج9/ص 227).

(2)

وهو محمد بن العلاء بن كريب الهمداني، أبو كريب الكوفي (ت: 247 هـ)، ثقة حافظ، من الطبقة العاشرة، أخرج له الستة، تهذيب التهذيب (ج9/ص 342).

(3)

يحيى بن آدم بن سليمان القرشي الأموي، أبو زكريا الكوفي (ت: 203 هـ)، ثقة حافظ فاضل، من الطبقة التاسعة، أخرج له الستة، تهذيب التهذيب (ج11/ص 154).

(4)

عمار بن رزيق، الضبي ويقال التميمي، أبو الأحوص الكوفي (ت: 159 هـ)، لا بأس به، من الطبقة الثامنة، أخرج له (مسلم، أبو داود، النسائي، ابن ماجه)، تهذيب التهذيب (ج7/ص 350).

ص: 371

قال البخاري في التاريخ الكبير: " سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ البصري سمع، منه شعبة، وحماد ابن زيد، قال ابن أبي الأسود حدثنا ابن عيينة: كان سَلَمَةُ أحفظ لحديث محمد (1) من خالد (2)، وكان ابن عون يزيد اللفظ فيغلب، يقال التميمي أبو بشر "(3).

قلتُ: ولهذا أخرج البخاري في صحيحه حديثاً واحداً في الأصول (4) من طريق خالد الحذاء عن محمد بن سيرين، وأخرج من طريق سَلَمَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ عن ابن سيرين أحاديث عدة في الأصول، مما يوضح أثر قرينة ترجيح أحاديث سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ في ابن سيرين، عند البخاري في اختياره الصحيح، والله تعالى أعلى وأعلم.

وقال ابن أبي حاتم في العلل: " وَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِاللهِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ حَارِثَةَ بْنَ النُّعْمَانِ مَرَّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُنَاجِي جِبْرِيلَ

، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ (5).

قَالَ أَبِي - أبو حاتم -: وَرَوَى الزُّبَيْدِيُّ، فَقَالَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، أَنَّ حَارِثَةَ مَرَّ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

مُرْسَلٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، الزُّبَيْدِيُّ (6) أَحْفَظُ مِنْ مَعْمَرٍ، فَقِيلَ لأَبِي: الزُّبَيْدِيُّ أَحْفَظُ مِنْ مَعْمَرٍ؟

قَالَ: أَتْقَنُ مِنْ مَعْمَرٍ فِي الزُّهْرِيِّ وَحْدَهُ، فَإِنَّهُ سَمِعَ مِنَ الزُّهْرِيِّ إِمْلاءً، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الرَّصَافَةِ فَسَمِعَ أَيْضًا مِنْهُ " (7).

(1) محمد بن سيرين، أبو بكر البصري (ت:110هـ) ثقة ثبت، تهذيب التهذيب (ج9/ص 190).

(2)

خالد بن مهران الحذاء، أبو المنازل البصري، ثقة يرسل، تهذيب التهذيب (ج3/ص 104).

(3)

الإمام البخاري: التاريخ الكبير، (ج4/ص82)، في ترجمة رقم (2034)

(4)

أخرجه البخاري: في الجامع الصحيح (مع الفتح)، كتاب بدء الخلق، باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، (ج6/ص394)، رقم (3305).

(5)

أخرجه الإمام أحمد على وجه آخر صحيح: في المسند، (ج4/ص17)، برقم (16264).

(6)

سبق ترجمته: (ص355)، رقم (3) في الهامش.

(7)

ابن أبي حاتم: كتاب العلل، (ص1707)، سؤال رقم (2609).

ص: 372