المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: أجناس العلل الخفية في المتون: - منهج الإمام الدارقطني في نقد الحديث في كتاب العلل

[يوسف بن جودة الداودي]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌مقدمة

- ‌أهداف البحث:

- ‌منهج البحث:

- ‌خطة البحث:

- ‌عقبات البحث:

- ‌تمهيد

- ‌ تعريف العلة لغةً واصطلاحاً

- ‌العلة في اللغة:

- ‌العلة في الاصطلاح:

- ‌ملخص الخلاف في تعريف العلة في الاصطلاح:

- ‌العلاقة بين المدلول اللغوي والاصطلاحي:

- ‌أهمية بيان علة الأحاديث والأخبار:

- ‌الباب الأولالإمام الدارقطني وكتابه العلل

- ‌الفصل الأولترجمة موجزة للإمام الدَّارَقُطْني رحمه الله

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده

- ‌المبحث الثاني: نشأته وبداية طلبه للعلم

- ‌المبحث الثالث: رحلاته العلمية و‌‌شيوخهوتلامذته

- ‌شيوخه

- ‌تلامذته:

- ‌المبحث الرابع: منزلته العلمية

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌المبحث الخامس: وفاته

- ‌المبحث السادس: آثاره العلمية

- ‌أولاً المخطوطات:

- ‌ثانياً المطبوعات:

- ‌المبحث السابع: دراسات علمية حول بعض مؤلفاته

- ‌الفصل الثانيالتعريف بكتاب العلل للإمام الدَّارَقُطْني

- ‌المبحث الأول:‌‌ اسم الكتابومؤلفه:

- ‌ اسم الكتاب

- ‌مؤلف الكتاب:

- ‌المبحث الثاني: قيمة الكتاب العلمية:

- ‌المبحث الثالث: محتوى الكتاب:

- ‌المبحث الرابع: مصادر الإمام الدارقطني في الكلام على العلل والرواة:

- ‌أولاً: المصادر التي صرح بها الدارقطني في كتابه:

- ‌ثانياً: المصادر التي لم يصرح بها الدارقطني في كتابه:

- ‌المبحث الخامس: الطريقة التي كان يسلكها الدارقطني في بيان العلل:

- ‌أولاً: الطريقة التي كان يسلكها الدارقطني غالباً في بيان العلة:

- ‌ثانياً: الطريقة التي كان الدارقطني أحياناً ما يسلكها في بيان العلة:

- ‌ثالثاً: الطريقة التي كان الدارقطني نادراً ما يسلكها في بيان العلة:

- ‌المبحث السادس: الأحاديث التي انتقدها الدارقطني في العلل على أحد الصحيحين:

- ‌أولا: الأحاديث التي انتقدها في كتاب العلل وقد أخرجها البخاري في أصل صحيحه:

- ‌ثانياً: الأحاديث التي انتقدها في كتاب العلل وقد أخرجها مسلم في أصل صحيحهٍ:

- ‌الباب الثانيالعلة وأجناسها عند الإمام الدارقطني

- ‌الفصل الأولمفهوم العلة عند الإمام الدارقطني

- ‌المبحث الأول: مفهوم العلة من جهة الإسناد

- ‌المبحث الثاني: مفهوم العلة من جهة المتن

- ‌أمثلة نقد الدارقطني لمتون الأحاديث:

- ‌نتائج هامة:

- ‌الفصل الثانيأجناس العلل الخفية والظاهرة في الإسناد والمتون

- ‌المبحث الأول: أجناس العلل التي ذكرها الحاكم وأمثلتها عند الدارقطني:

- ‌الأجناس التي ذكرها الحاكم وأمثلتها عند الدارقطني في كتاب العلل

- ‌المبحث الثاني: الأجناس التي لم يذكرها الحاكم وأمثلتها عند الدارقطني في كتاب العلل

- ‌المبحث الثالث: أجناس العلل الخفية في المتون:

- ‌المبحث الرابع: أجناس العلل الظاهرة

- ‌الباب الثالثألفاظ التعليل ومدلولاتها عند الإمام الدارقطني

- ‌الفصل الأولالألفاظ الدالة على ضعف الخبر أو عدم ثبوته

- ‌المبحث الأول: ألفاظ التضعيف ومدلولاتها عند الإمام الدارقطني

- ‌المطلب الأول: تعريف‌‌ الضعف لغةًواصطلاحاً

- ‌ الضعف لغةً

- ‌الضعيف في الاصطلاح:

- ‌علاقة الحديث الضعيف بالحديث المعلول:

- ‌المطلب الثاني: أهمية كتابة الحديث الضعيف

- ‌المطلب الثالث: ألفاظ التضعيف عند الدارقطني في العلل

- ‌المبحث الثاني: ألفاظ الوضع والبطلان ومدلولاتهما عند الإمام الدارقطني

- ‌المطلب الأول: تعريف الوضع والبطلان لغة واصطلاحاً

- ‌أولاً: تعريف الوضع لغةً:

- ‌ثانياً: تعريف الموضوع في الاصطلاح:

- ‌ثالثاً: تعريف البطلان لغةً:

- ‌رابعاً: تعريف الباطل في الاصطلاح:

- ‌المطلب الثاني: ألفاظ الوضع والبطلان عند الإمام الدارقطني

- ‌أولاً: لفظة: " كان يضع أو يكذب

- ‌ثانياً: لفظة: " قال ما لم يقله أحد من أهل العلم

- ‌ثالثاً: لفظة: " ليس هذا بشيء

- ‌رابعاً: لفظة: " وهذا الحديث باطل بهذا الإسناد

- ‌خامساً: لفظة: " هذا باطل عن فلان

- ‌سادساً: لفظة: " وكلها باطلة

- ‌ويتضح مما سبق:

- ‌نستنج أنَّ:

- ‌الفصل الثانيالألفاظ الدالة على الخطأ والوهم والاختلاف

- ‌المبحث الأول: ألفاظ الخطأ والوهم ومدلولهما عند الإمام الدارقطني

- ‌المطلب الأول: تعريف الخطأ والوهم لغةً

- ‌أولاً: تعريف الخطأ لغةً

- ‌ثانياً: تعريف الوهم لغةً

- ‌المطلب الثاني: ألفاظ الخطأ والوهم عند الدارقطني في العلل

- ‌أولاً: لفظتا " الخطأ والوهم مجتمعة

- ‌ثانياً: لفظة " الخطأ

- ‌ثالثاً: لفظة " الوهم

- ‌المبحث الثاني: ألفاظ المخالفة والنَّكارة ومدلولهما عند المحدثين والإمام الدارقطني

- ‌المطلب الأول: تعريف المخالفة لغة

- ‌المطلب الثاني: مفهوم المخالفة عند المحدثين والإمام الدارقطني

- ‌المطلب الثالث: ألفاظ المخالفة التي استعملها الإمام الدارقطني لبيان العلل

- ‌أولاً: لفظة " خالفه الثقات الحفاظ في إسناده

- ‌ثانياً: لفظة " خالفه فأدرج في متن الحديث

- ‌ثالثاً: لفظة " اختلف عنه: ووهم في ذلك إنَّما أراد كذا، بدل كذا

- ‌رابعاً: لفظة " خالفه فزاد زيادة الثقة

- ‌المطلب الرابع: تعريف النَّكارة لغة

- ‌المطلب الخامس: مفهوم النَّكارة وألفاظها عند المحدثين والإمام الدارقطني

- ‌الفصل الثالثالألفاظ الدالة على الغرابة والتفرد والترجيح

- ‌المبحث الأول: الغرابة والتفرد ومدلولهما عند النُّقاد والإمام الدارقطني

- ‌المطلب الأول: تعريف الغرابة والتفرد لغةً

- ‌أولاً: تعريف الغرابة لغةً

- ‌ثانياً: تعريف التفرد لغةً

- ‌المطلب الثاني: لفظا الغرابة والتفرد عند النُّقاد والدارقطني في العلل

- ‌أولا: لفظة " تفرد به فلان

- ‌ثانيا: لفظة " غريب

- ‌المبحث الثاني: ألفاظ الترجيح ومدلولاتها عند النُّقاد والإمام الدارقطني

- ‌المطلب الأول: تعريف الترجيح لغةً

- ‌المطلب الثاني: ألفاظ الترجيح عند النُّقاد والدارقطني في العلل

- ‌أولاً: ألفاظ: "وهو الصحيح" أو "والصحيح من ذلك " أو"والصحيح قول فلان

- ‌ثانياً: لفظة " وهو الصواب

- ‌ثالثاً: لفظة " فلان أثبت من فلان

- ‌رابعاً: لفظة " وهو الأشبه بالصواب

- ‌خامساً: لفظة " أحسنها إسناداً

- ‌الباب الرابعقرائن التعليل والترجيح عند الإمام الدارقطني

- ‌الفصل الأولقرائن التعليل عند الإمام الدارقطني

- ‌تمهيد: أهمية معرفة قرائن التعليل

- ‌المبحث الأول: دلائل العلة

- ‌المطلب الأول: التفرد ودلالته كقرينة عند النُّقاد والدارقطني

- ‌المطلب الثاني: المخالفة ودلالتها كقرينة عند النُّقاد والدارقطني

- ‌المبحث الثاني: قرائن التعليل الإسنادية

- ‌المطلب الأول: قرينة ضعف الثقة في بعض شيوخه الثقات

- ‌المطلب الثاني: قرينة ضعف الثقة في بعض البلدان

- ‌المطلب الثالث: قرينة ضعف الثقة في بعض الأحوال

- ‌المبحث الثالث: قرائن التعليل المتنية

- ‌المطلب الأول: قرينة مخالفة الحديث للسُنّة الثابتة المشهورة

- ‌المطلب الثاني: قرينة أنَّ الحديثَ لا يشبه كلام النبوة

- ‌المطلب الثالث: قرينة أنَّ الحديثَ لا يشبه حديث فلان

- ‌الفصل الثانيالمتابعات والقرائن وأثرهما في الترجيح عند الإمام الدارقطني

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: المتابعات وأثرها في الترجيح

- ‌المطلب الأول: تعريف المتابعات لغةً واصطلاحاً وحكمها:

- ‌أولاً: تعريف المتابعة لغة:

- ‌ثانياً: تعريف المتابعة اصطلاحاً وحكمها:

- ‌المطلب الثاني: أثر المتابعات في الترجيح عند النُّقاد والإمام الدرقطني:

- ‌المبحث الثاني: القرائن وأثرها في الترجيح

- ‌المطلب الأول: قرائن الترجيح بالأحفظ:

- ‌المطلب الثاني: قرينة الترجيح بالأقوى والأثبت في الشيوخ:

- ‌المطلب الثالث: قرائن الترجيح بتحديد التاريخ:

- ‌الخَاتِمة

- ‌النتائج الهامة في الدراسة:

- ‌التوصيات والمقترحات الهامة في الدراسة:

- ‌الفَهَارِسُ العِلْميَةُ

- ‌ثبَتُ المصَادر والمرَاجِع

الفصل: ‌المبحث الثالث: أجناس العلل الخفية في المتون:

‌المبحث الثالث: أجناس العلل الخفية في المتون:

سنتعرض في هذا المبحث لأجناس العلل الخفية في المتون عند الإمام الدارقطني في كتابه العلل، وكان كل ما سبق ذكره من قبيل أجناس العلل التي تخص الإسناد دون المتن، وأما في هذا المبحث فسوف نقوم إن شاء الله بدراسة مجموعة من أجناس العلل الخاصة بالمتون ثم نضرب لها أمثلة تُبيّنها وتظهر المقصود من العلة، ومنهج الدارقطني فيها.

الجنس الأول: التصحيف والتحريف في متن الحديث.

المثال الأول: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((النَّارُ جُبَارٌ)) (1).

فقال - الدارقطني -: يرويه عبدالرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة، قال إسحاق بن إبراهيم بن هاني: عن أحمد بن حنبل إنما هو البئر جبار، وأهل صنعاء يكتبون النار بالباء على الإمالة للفظهم، فصحفوا على عبدالرزاق البئر بالنار، والصحيح الْبِئْرُ.

قال الشيخ: إسحاق هذا له عن أحمد مسائل وكان ألزم لأحمد من أبيه " (2).

قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هي: التصحيف في متن الحديث حيث صحَّفه أهل صنعاء من البئر إلى النار، والرِّوايات كلها تخالف هذا اللفظ، واستدل الدارقطني بقول الإمام أحمد بن حنبل: على أنَّ الصحيح في هذه اللفظة " الْبِئْرُ ".

(1) وهو جزء من حديث متفق عليه على الوجه الصحيح بتمامه: البخاري في الجامع الصحيح (مع الفتح)،كتاب الزكاة، باب في الركائز الخمس، (ج3/ص414)، برقم (1499)، ومسلم في الجامع الصحيح (مع شرح النووي)، كتاب الحدود، باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار، (ج6/ ص241)، برقم (1710)،كلاهما من طريق ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة مثله.

(2)

أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج11/ص164 - 165)، سؤال رقم (2197).

ص: 189

الجنس الثاني: ما كان علته أنَّه لا يشبه كلام النَّبي صلى الله عليه وسلم.

وهذه العلة من أغمض العلل وأصعبها، ولا يطلع على حقيقتها إلا أهل الحذق والمعرفة الدقيقة بهذا العلم الشريف، وقد تكلم عليها ابن القيم في المنار المنيف فقال:" ومنها أن يكون كلامه لا يشبه كلام الأنبياء فضلا عن كلام رسول الله الذي هو وحي يوحى كما قال الله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى} (1)، أي وما نطقه إلا وحي يوحى، فيكون الحديث مما لا يشبه الوحي، بل لا يشبه كلام الصحابة "(2) وسوف نضرب بعض الأمثلة لتوضيح هذه العلة.

المثال الأول: قال الإمام البرقاني: "وسئل - الدارقطني - عن حديث أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:((المعِدَةُ حَوْضُ البَدَنِ وَالْعُرُوقُ إِليهَا وَارِدَةٌ)) (3)

فقال - الدارقطني - يرويه يحيى بن عبدالله بن الضحاك البابلتي الحراني، عن إبراهيم بن جريج الرهاوي، عن زيد بن أبي أنيسة، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.

واختلف عنه فرواه أبو فروة الرهاوي عنه، فقال: عن الزهري، عن عروة عن عائشة. وكلاهما وهم لا يصح ولا يعرف هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو من كلام عبدالملك بن سعيد بن أبجر، قيل لأبي الحسن الدارقطني هل سمع زيد بن أبي أنيسة من الزهري فقال: نعم ولم يرو هذا مسندا غير إبراهيم بن جريج، وكان طبيبا فجعل له إسنادا ولم يُسْنِد غير هذا الحديث " (4).

المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني -: " عن حديث ابن المسيّب عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم:((الإحْصَانُ إِحْصَانَانِ إِحْصَانُ عَفَافٍ، وَإحْصَانُ نِكَاحٍ))، فقال

(1) سورة النَّجم: الآيات (3، 4).

(2)

ابن القيم: محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي (ت: 751هـ)، المنار المنيف في الصحيح والضعيف، طبع مكتبة المطبوعات الإسلامية، بيروت، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، (ص 61 - 62).

(3)

أخرجه الطبراني: في المعجم الأوسط (ج10/ص48)، برقم (4494)، وفيه عبدالله بن الضحاك البابلتي (ت: 218هـ)، ضعيف أخرج له النسائي، تهذيب التهذيب (ج12/ص 286).

(4)

أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج8/ص42 - 43)، سؤال رقم (1401).

ص: 190

- الدارقطني -: يرويه مبشر بن عبيد، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة مرفوعا، ومبشر متروك الحديث يشبه أن يكون من كلام الزهري، بل هو محفوظ عن عقيل، ومعمر، عن الزهري قوله ورأيه " (1).

قلتُ: وواضح من العلة التي أشار إليها الدارقطني في المثالين السابقين أنّ المتن في كليهما لا يشبه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عليه نور الوحي، وحجته في الأول أنَّ هذا الكلام ثابت من كلام عبدالملك بن سعيد بن أبجر، وفي حجته في الثاني أنَّه محفوظ من كلام الزهري كما رواه عنه عقيل، ومعمر أنَّه مجرد رأيه وقوله، والله الهادي.

الجنس الثالث: ما كان فيه كلام مدرج، ليس من كلام النَّبي صلى الله عليه وسلم:

المثال الأول: قال الإمام البرقاني: "وسئل - الدارقطني -: عن حديث جابر بن عبدالله عن عمر رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنْ عِشْتُ لأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ)) (2).

فقال -الدارقطني-: يرويه أبو الزبير ووهب بن منبه عن جابر واختلف عن الزهري فرواه إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن موسى بن عقبة عن الزهري قال: حدثني ابن تدرس وهو أبو الزبير عن جابر عن عمر. وخالفه محمد بن فليح رواه عن موسى بن عقبة عن الزهري قال: قال جابر عن عمر مرسلاً، ورواه أبو أحمد الزبيري عن الثوري عن أبي الزبير عن جابر عن عمر هذا الحديث وألحق به كلاما آخر أدرجه فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنهين أن يسمى رباحاً ونجيحاً، ووهم في إدراجه هذا الكلام عن عمر" (3).

قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني في هذا المتن هي إدراج لفظة: " لأنهين أن يسمى رباحاً ونجيحاً " في آخر الحديث، ولم تثبت من كلام النَّبي صلى الله عليه وسلم، ورجح الدارقطني أنها من قول عمر رضى الله عنه، وحجته في ذلك أنَّ الثقات رووه بغير هذه اللفظة، وإنما ثبتت من قول عمر رضى الله عنه، والله أعلم.

(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج9/ص133)، سؤال رقم (1677).

(2)

أخرجه أحمد على الوجه الصحيح على شرط مسلم: في المسند، (ج1/ص29)، برقم (201).

(3)

أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج2/ص95 - 96)، سؤال رقم (137).

ص: 191

المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: "وسئل - الدارقطني -: عن حديث أبي عبدالرحمن السلمي عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)) (1).

فقال - الدارقطني -: هو حديث يرويه علقمة بن مرثد وسعد بن عبيدة، وعبد الملك ابن عمير وسلمة بن كهيل، وعاصم بن بهدلة، والحسن بن عبيدالله، وعبدالكريم وعطاء ابن السائب، واختلف عنه عن أبي عبد الرحمن السلمي، واختلف عن علقمة بن مرثد: فرواه موسى بن قيس الفراء من رواية أبي نعيم عنه، وعمرو بن قيس الملائي

ورواه الجراح بن الضحاك الكندي، عن علقمة بن مرثد، عن أبي عبدالرحمن، عن عثمان، وقد اختلف عن إسحاق بن سليمان (2) فيه: فقال يعلى بن المنهال، عن إسحاق بن سليمان عن الجراح: " وفضل كلام الله على سائر خلقه

"، أدرجه في كلام النَّبي صلى الله عليه وسلم، وإنَّما هُو من كلام أبي عبدالرحمن السُلَمِي، وبين ذلك إسحاق بن راهويه وغيره في روايتهم عن إسحاق بن سليمان "(3).

قلتُ: ورجح الدارقطني هنا أنّ لفظة " وفضل كلام الله على سائر خلقه

"، مدرجة على كلام النّبي صلى الله عليه وسلم، وإنَّما هي ثابتة من قول أبي عبدالرحمن السُّلَمِي، وحجته ما رواه إسحاق بن راهويه وغيره في روايتهم عن إسحاق بن سليمان، من عدم إدارج هذه اللفظة في الحديث.

الجنس الرابع: ما كانت علته من تغير بزيادة على المتن المحفوظ.

وتنشأ هذه العلة عند الوهم أو الخطأ في متن الحديث بزيادة تدخل عليه، ليست من أصل الرواية، بخلاف المحفوظ من مرويَّات الثقات، ولا شك أنَّ هذا النوع مختلف عن

(1) أخرجه على الوجه الصحيح: البخاري في الجامع الصحيح (مع الفتح)،كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، (ج9/ص85)، برقم (5027)، بغير اللفظة المدرجة.

(2)

هو إسحاق بن سليمان الرازى، أبو يحيى العبدى الكوفي، (ت: 200 هـ وقيل قبلها)، ثقة فاضل، من الطبقة التاسعة صغار أتباع التابعين، أخرج له الستة، تهذيب التهذيب (ج12/ص 286).

(3)

أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج3/ص53 - 57)، سؤال رقم (283).

ص: 192

النوع الذي قبله وهو المدرج، فإنَّ المدرج قد يكون من أصل الرواية، ولكنه ليس من كلام النَّبي صلى الله عليه وسلم، وإنَّما يكون من قول بعض الرواة، وقد أعلَّ الدارقطني بهذه العلة بعض الأحاديث نذكر منها على سبيل المثال:

المثال الأول: قال الإمام البرقاني: "وسئل - الدارقطني -: عن حديث حُصَيْنٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه عَلَى الْمِنْبَرِ أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ((لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ إِلَاّ الْحَدَثُ لَا أَسْتَحْيِيكُمْ مِمَّا لَا يَسْتَحْيِي مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَالْحَدَثُ أَنْ يَفْسُوَ أَوْ يَضْرِطَ)) (1).

فقال - الدارقطني -: هو حديث يرويه أبو سنان ضرار بن مرة (2)، واختلف عنه فرواه حبان ومندل ابنا علي، عن أبي سنان، عن حصين المزني، عن علي.

وخالفهما أبو بكر بن عياش فرواه: عن أبي سنان، عن الحكم بن عتيبة، عن شريح بن هانئ، عن علي وفي متن الحديث زيادة: إذا توضأ الرجل فهو في صلاة ما لم يحدث ويشبه أن يكون الصحيح قول مندل وحبان والله أعلم، وقال أبو مسعود أحمد بن الفرات في هذا الحديث عن شيخ له عن أبي بكر بن عياش عن أبي سنان عن الحكم عن القاسم بن مخيمرة عن شريح عن علي ولم يتابع عليه " (3).

قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هي: أنّ أبو بكر بن عياش وهم فزاد في المتن لفظة " إذا توضأ الرجل فهو في صلاة ما لم يحدث "، وهي زيادة ليست من أصل الحديث ولا

(1) أخرجه أحمد: في المسند، (ج1/ص138)، برقم (1164) بسندٍ ضعيفٍ لضعف حبان بن علي لكنَّه حسن لغيره لما له من شواهد صحيحة، حديث أبي هريرة، وحديث أبي سعيد الخدري غيرهما.

(2)

هو ضرار بن مرة الكوفى، أبو سنان الشيبانى الأكبر (ت: 132 هـ)، ثقة ثبت من العباد الثقات، من الطبقة السادسة من الذين عاصروا صغار التابعين، أخرج له مسلم والترمذي والنسائي تهذيب التهذيب (ج4/ص 400 - 401).

(3)

أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج3/ص189 - 190)، سؤال رقم (352).

ص: 193

الرِّواية، وإنَّما هي مجرد خطأ وقع من الرَّاوي، وقد رجح الدارقطني أن هذه الزيادة معلولة، وحجة الدارقطني في ذلك مقارنة المرويَّات الأخرى من نفس مخرج الحديث وهو أبو سنان ضرار بن مرة، ثم إنَّ أبا بكر بن عياش لم يُتابع على هذه الزيادة، وهو ثقة فيه كلامٌ يسير (1).

المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: "وسئل - الدارقطني -: عن حديث مسروق، عن علي رضي الله عنه:((وَمَا نُبْعِدُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ رضي الله عنه)(2).

فقال - الدارقطني -: يرويه الشعبي واختلف عنه: فرواه يوسف بن أسباط، عن سفيان الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن علي. وخالفه عبدالرحمن بن مهدي وغيره ورووه، عن الثوري، عن إسماعيل، عن الشعبي، عن علي لم يذكروا بينهما أحدا، وكذلك رواه أبو شهاب الحناط وعبيدالله الأشجعي، وعبدالله ابن إدريس وابن عيينة وداود بن الزبرقان، عن إسماعيل، عن الشعبي، عن علي. ورواه هُريم بن سفيان، عن إسماعيل، عن الشعبي، عن علي وزاد فيه ألفاظ لم يأت بها غيره،

عن علي رضي الله عنه قال: ((إنْ كُنَّا لَنَرَى أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلى لِسَانِ عُمَر، وإِنْ كُنَّا لَنَرَى أَنَّ شَيطَانَهُ يَخَافُه أَنْ يَجُرَهُ إِلَى مَعْصِيةِ اللهِ تَعَالَى)) " (3).

قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هي: أنَّ هُريم بن سفيان (4) روي الأثر من طريق إسماعيل، عن الشعبي، عن علي رضي الله عنه، وزاد زيادة ليست من أصل الرواية ولا تصح عن

(1) قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: " ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه وكتابه صحيح "، تقريب التهذيب، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية سنة 1415هـ، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، (ج2/ص 366).

(2)

أخرجه أحمد على الوجه الصحيح: في المسند، (ج1/ص106)، برقم (834)، من طريق يحيى بن أيوب الْبَجَلِيُّ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ وَهْبٍ السُّوَائِيِّ قَالَ خَطَبَنَا عَلِيٌّ رضي الله عنه، نحواً منه وبسند صحيح بدون الزيادة المعلولة التي أشار إليها الدارقطني.

(3)

أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج4/ص136 - 139)، سؤال رقم (471).

(4)

هو هُريم بن سفيان البجلي، أبو محمد الكوفى (ت:؟)، من الطبقة التاسعة من صغار أتباع التابعين، صدوق ثقة، أخرج له الستة، تهذيب التهذيب (ج11/ص 29).

ص: 194

الشعبي، ورجح الدارقطني أنها زيادة معلولة وحجته في ذلك أنَّ هُريم بن سفيان خالف جماعة من الأثبات الثقات بهذه الزيادة، والله سبحانه الموفق.

الجنس الخامس: ما كانت علَّته دخول متن حديث على متنِ حديثٍ آخر:

وهذه العلة تقع عند دخول متن حديث على متن حديث آخر بإسناد معروف عند الثقات ويكون المرجوح في الخلاف هو الحديث المعلول، وهذه علة مشهورة في كتب العلل، وقد أعل الدارقطني أحاديث بهذه العلة نذكر منها مثالاً:

المثال: قال الإمام البرقاني: "وسئل - الدارقطني - عن حديث عامر الشعبي عن أبي هريرة رضي الله عنه: أقبل أبو بكر وعمر رضي الله عنهم ((فقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ)) (1). الحديث

قال - الدارقطني -: يرويه يونس بن أبي إسحاق، عن الشعبي حدث به عنه أبو قتيبة واختلف عنه في متنه: فرواه إبراهيم بن عبدالله بن بشار الواسطي، عن أبي قتيبة بهذا الإسناد، وهذه الألفاظ.

وخالفه غير واحد ممن رواه عن أبي قتيبة بهذا الإسناد أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى)) (2). وكذلك رواه إسرائيل بن يونس عن أبيه يونس عن الشعبي عن أبي هريرة، وهو أصح من الأول " (3).

(1) أخرجه أحمد على الوجه الصحيح: في المسند، (ج1/ص80)، برقم (602)، من طريق عبدالله بن عمر اليمامي عن الحسن بن زيد بن حسن حدثني أبي عن أبيه عن على رضي الله عنه.

(2)

أخرجه أحمد: في المسند، في مواضع من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، كلها ضعيفة لا تخلو من مقال، (ج3/ص26،27،72،93،98)، بأرقام:(11222)، (11229)، (11708)، (11900)، (11958) من طرق عن الأعمش عن عطية بن سعد عن أبي سعيد الخدري بلفظ:((قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى يَرَاهُمْ مَنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ كَمَا يُرَى الْكَوْكَبُ الطَّالِعُ فِي الْأُفُقِ مِنْ آفَاقِ السَّمَاءِ وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ وَأَنْعَمَا)).

(3)

أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج11/ص113 - 114)، سؤال رقم (2156).

ص: 195

قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هي: أنَّ لفظ الحديث: ((إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى)) جاء بإسناد معروف عند الثقات وهو: " عن الشعبي حدث به عنه أبو قتيبة "، فأدخل إبراهيم بن عبدالله بن بشار الواسطي متناً آخر على نفس الإسناد فقال:((هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ))، فأوهم، وقد رجح الدارقطني أنَّ هذا الإسناد متنه هو:((إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى))، واستدل الدارقطني بمتابعة إسرائيل بن يونس عن أبيه يونس عن الشعبي عن أبي هريرة: فذكر نفس المتن، والله أعلم.

الجنس السادس: ما كان علته أنّه لم يثبت في متنه شيء صحيح مرفوع.

وهذه العلة يحكم بها النقاد عند عدم ثبوت صحة متن وإن كثرت رواياته، مثل قولهم:" أصح شيء في هذا الباب "، يعني أنَّ كل ما شابه هذا المتن ضعيف لا يثبت منه شيء، أو قولهم:" لا يثبت فيه شيء "، وقد أعل الدارقطني بعض الأحاديث نذكر منها أمثلة:

المثال الأول: قال الإمام البرقاني: "وسئل - الدارقطني - عن حديث مصعب بن سعد عن سعد رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم:((أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ)) (1).

فقال - الدارقطني - يرويه محمد بن جحادة واختلف عنه فرواه: إسماعيل بن عبدالله ابن زرارة، عن داود بن الزبرقان، عن ابن جحادة، عن يونس بن أبي الحصيب، عن مصعب بن سعد، عن سعد، وخالفه الحسن بن عمر بن شقيق رواه، عن داود بن الزبرقان، عن محمد بن جحاد، عن عبدالأعلى، عن مصعب بن سعد، عن سعد، وجميعاً لا يصح " (2).

(1) أخرجه الترمذي: في السنن، كتاب الصيام، باب ما جاء في كراهية الحجامة للصائم (ح3/ص 144)، برقم (774)، وقال أبو عيسى الترمذي:" قال الشافعي: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه احتجم وهو صائم وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: أفطر الحاجم والمحجوم، ولا أعلم واحداً من هذين الحديثين ثابتا، ولو تَوَقَّى رَجُلٌ الْحِجَامَةَ وهو صائم كان أحب إِلَيَّ ولو احتجم صائم لم أَرَ أن ذلك يفطره ".

(2)

أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج4 /ص324)، سؤال رقم (595).

ص: 196

قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني أنَّ هذا المتن لا يصح فيه شيء، وقد ذكر ذلك جمع من أئمة النقاد، منهم الإمام أحمد، قال الترمذي:" وذكر عن أحمد بن حنبل أنَّه قال: أصح شيء في هذا الباب حديث رافع بن خديج، وذكر عن علي بن عبدالله - ابن المديني- أنَّه قال: أصح شيء في هذا الباب حديث ثوبان وشداد بن أوس"(1).

المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: "وسئل - الدارقطني - عن حديث أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:((فَضْلُ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ فَضْلِ الْعِبَادَةِ، وَخَيْرُ دِينِكُمْ الْوَرَعُ)) (2).

فقال - الدارقطني -: يرويه الأعمش، واختلف عنه، فرواه مالك بن وابض عن أبي مطيع البلخي، عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة، وخالفه عبدالله بن عبدالقدوس، ورواه عن الأعمش عن مطرف بن عبدالله بن الشخير عن حذيفة.

وخالفه حمزة الزيات، واختلف عنه:

فرواه سعيد بن زكريا المدائني، عن حمزة، عن الأعمش، عن مصعب بن سعد، وقال غيره، عن حمزة، عن الأعمش، عن رجل، عن مصعب بن سعد، عن سعد، وقال المسيب بن شريك، عن الأعمش عن سالم بن [أبي] الجعد عن ثوبان، ولا يصح منها شئ.

ثنا عبدالباقي بن قانع قال: ثنا أبو نعيم عبدالرحمن بن قريش ثنا مالك بن وابض ثنا أبو مطيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:((فَضْلُ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ فَضْلِ الْعِبَادَةِ، وَخَيْرُ دِينِكُمْ الْوَرَعُ))، والصحيح أنَّه من قول مطرف بن عبدالله بن الشخير " (3).

(1) الترمذي: في السنن، (ح3/ص 144)، بعد حديث رقم (774).

(2)

أخرجه الطبراني: في المعجم الأوسط (ج9/ص160)، برقم (4107)، وقال الطبراني:" لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا عبدالله بن عبدالقدوس"، قلتُ: بل قد رواه جمعٌ كما ذكر الدارقطني.

(3)

أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج10/ص145 - 146)، سؤال رقم (1935).

ص: 197

قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هي: أنَّ هذا الحديث لا يثبت متنه ولا يصح مرفوع، بل ثبت أنَّهُ من قول مطرف بن عبدالله بن الشخير رضي الله عنه، وحُجَة الدارقطني في ذلك ضعف كل رواية مرفوعة في هذا المتن، وثبوتها موقوفة.

الجنس السابع: ما كان علته تغير بنقص في المتن بخلاف المحفوظ.

وتنشأ هذه العلة عندما يقع النقص في الرواية من الراوي بسبب الخطأ أو الوهم، وهي من أدق العلل، ولا يمكن أن يكتشف ذلك النقص إلا بمقارنة المرويَّات المختلفة في الحديث من طرق كثيرة حتى يتمكن الناظر فيها من إدراك النقص الذي حدث في هذه الرواية من عدمه والراجح فيه، وهي علة مشهورة في كتب العلل لا يكاد يخلو منها كتاب، وقد أعل الدارقطني بهذه العلة بعض الأحاديث نذكر بعضها على سبيل المثال:

المثال الأول: قال الإمام البرقاني: "وسئل - الدارقطني - عن حديث حميد عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((أَنَّ رَجُلاً أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ، وَقَالَ: هَلَكْتُ

)) (1). الحديث

فقال - الدارقطني -: يرويه الزهري، واختلف عنه، فرواه مالك بن أنس، واختلف عنه في متنه:

فرواه القعنبي، ومعن، وأصحاب الموطأ عن مالك، وقالوا فيه: أنَّ رجلاً أفطر في رمضان مبهماً. رواه حماد بن مسعدة، والوليد بن مسلم عن مالك فقالا فيه: أفطر بجماع، وكذلك رواه إبراهيم بن طهمان عن مالك، ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري، وابن جريج وأبو أويس، وفليح بن سليمان، وعمر بن عثمان المخزومي، وعبدالله بن أبي بكر ويزيد بن عياض، وشبل بن عباد بهذا الإسناد.

(1) أخرجه الإمام أحمد على الوجه الناقص: في المسند، (ج2/ص273)، برقم (7678)، من طريق عبدالرزاق أنا بن جريج وبن بكر قال أنا بن جريج حدثني بن شهاب عن حميد بن عبدالرحمن أن أبا هريرة حدثه:((أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا))، وهو حديث صحيح على شرط الشيحين.

ص: 198

وقالوا فيه: أن رجلا أفطر في رمضان، كما قال أصحاب الموطأ عن مالك، وكذلك قال عمار بن مطر عن إبراهيم بن سعد، وكذلك قال أشهب بن عبد العزيز: عن الليث ابن سعد، ومالك عن الزهري، وقالوا كلهم في أحاديثهم: إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم خيره بين العتق، أو الصيام، أو الإطعام ورواه نعيم بن حماد عن ابن عيينة، فتابعهم على أن فطره كان مبهما وخالفهم في التخيير.

ورواه عن الزهري أكثر منهم عددا بهذا الإسناد، وقالوا فيه: أن فطره كان بجماع، وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يعتق، فإن لم يجد صام، فإن لم يستطع أطعم " (1)

قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هي: أنَّ جماعة من الرواة رووا هذا الحديث بلفظ: " أنَّ رجلاً أفطر في رمضان "، بدون بيان سبب الفطر، وهم من الثقات الأثبات

ورواه آخرون بلفظ: " أنَّ رجلاً أفطر في رمضان بجماع "، بزيادة سبب الفطر، ثم رجح الدارقطني الرواية التي فيها ذكر سبب الفطر، وحُجَّته في ذلك أنَّ الذين رووا الزيادة أكثر ممن رووا النقص، وهذه العلة لا تؤثر على الحديث الذي حدث به النَّقص، وإنِّما يكون هناك زيادة لم تذكر به، وقد يُرجح النقص على الزيادة وذلك تبعاً للقرائن والأدلة على صحة الزيادة أو النقص، والله أعلم.

المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني -: عن حديث أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَا يَدْرِي أَصَلّى أَرْبَعَاً أَمْ ثَلَاثاً فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ يُسَلِّمَ)) (2).

(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج10/ص223 - 225)، سؤال رقم (1988).

(2)

أخرجه الإمام أحمد على الوجه الناقص: في المسند، (ج2/ص 241)، برقم (7284)، من طريق سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم:((يَاتِي أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانُ فَيَلْبِسُ عَلَيْهِ فِي صَلَاتِهِ فَلَا يَدْرِي أَزَادَ أَمْ نَقَصَ فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ))، وهو حديث صحيح على شرط الشيحين.

ص: 199

فقال - الدارقطني -: يرويه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة واختلف في متنه:

فرواه عمر بن يونس، عن عكرمة بن عمار، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة وقال فيه:" وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمَ ".

ورواه شيبان وعلي بن المبارك وهشام والأوزاعي وغيرهم عن يحيى، ولم يذكروا فيه التسليم قبل ولا بعد، وكذلك قال الزهري، عن أبي سلمة، ورواه محمد بن إسحاق عن سلمة بن صفوان، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وقال فيه:" ثُمَّ يُسَلّمَ " كما قال عكرمة بن عمار، عن يحيى.

وهما ثقتان وزيادة الثقة مقبولة، ورواه فليح بن سليمان عن سلمة بن صفوان، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وقال فيه:" وَلِيُسَلِّمَ ثُمَّ لِيَسْجُدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ " وهذا خلاف ما رواه ابن إسحاق " (1).

الجنس الثامن: ما كان علته تغير في بعض ألفاظه مع بقاء السياق:

وتنشأ هذه العلة عند تغير في بعض ألفاظ الرواية مع بقاء سياق الحديث كما هو، وقد لا تؤثر هذه العلة على الحكم بصحة الحديث، وإنّما يُبَيّن النقاد اللفظة الراجحة من الغير راجحة، فتكون الراجحة لها الحكم بالصحة على غيرها، وهذه العلة تدل على مدى دقة علماء الحديث واهتمامهم بمتون الحديث إلى هذه الدرجة من الإتقان والدقة، ولقد أعل الدارقطني بعض الأحاديث نذكر منها على سبيل المثال:

المثال الأول: قال الإمام البرقاني: "وسئل - الدارقطني -: عن حديث الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم:((مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِلنَّبِيِّ أَنْ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ)) (2).

(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج9/ص279 - 281)، سؤال رقم (1761).

(2)

متفق عليه على الوجه الصحيح: البخاري في الجامع الصحيح (مع الفتح)،كتاب فضائل القرآن باب من لم يتغن بالقرآن، (ج9/ص79)، برقم (5023)، ومسلم في الجامع الصحيح (مع شرح النووي)، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن، (ج3/ ص336)، برقم (792)،كلاهما من طريق ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة نحواً منه.

ص: 200

فقال - الدارقطني -: يرويه يحيى بن أبي كثير، والزهري، وعمرو بن دينار، ومحمد ابن إبراهيم، ومحمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.

فرواه الأوزاعي واختلف عنه: فقال: هقل بن زياد، والوليد بن مزيد، وأيوب بن خالد ومحمد بن يوسف الفريابي، ومحمد بن شعيب، وابن أبي العشرين، وبشر بن بكر، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.

وقال: رواه عن الأوزاعي، عن الزهري، وقال ابن أبي العشرين، والوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، ويحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة

واختلف عن ابن جريج: فرواه أبو أمية الطرسوسي، عن أبي عاصم، عن ابن جريج عن الزهري، عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة:((أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ))، ووقع في إسناده وهم من ابن أمية، وهو قوله سعيد بن المسيب مع أبي سلمة، وفي متنه وهم يقال إنه من أبي عاصم لكثير من رواه عنه كذلك والمحفوظ عن الزهري بهذا الإسناد ما أذن الله لشيء " (1).

قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هي: أنَّ الحديث رواه جماعة من الرواة بلفظ: " مَا أَذِنَ الله لِلنَّبِيِّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ

"، ثم رواه أبي عاصم وهو الضحاك ابن مخلد الشيباني النبيل وهو من الثقات الأثبات (2)، فأخطأ فيه فقال في أول الحديث: " لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ " بدلاً من المحفوظ " مَا أَذِنَ لِلنَّبِيِّ "، وليس هذا من حديث الزهري، وحجة الدارقطني في ذلك مقارنة مرويَّات الزهري من طرق أخرى للحديث، ومخالفة الثقات له.

(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج9/ص238 - 244)، سؤال رقم (1734).

(2)

ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب (ج12/ص 128).

ص: 201

المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: "وسئل - الدارقطني - عن حديث زرارة بن أوفى عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:((لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ وَلَا جَرَسٌ)) (1).

فقال- الدارقطني -: يرويه قتادة، واختلف عنه، فرواه عمران القطان، عن قتادة، عن زرارة عن أبي هريرة موقوفا.

وخالفه سعيد بن بشير فرواه، عن قتادة، عن زرارة، عن سعد بن هشام، عن عائشة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم.

واختلف عن سعيد بن بشير في متنه: فقيل عنه: ((لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً [فِيهَا] جِلْدُ نَمِرٍ)) قاله الوليد بن المسلم (2)، ولا يصح القولان " (3).

قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هي: أنَّ الحديث رواه جماعة من الرواة بلفظ: " لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ وَلَا جَرَسٌ "، وهم أثبات ثقات، ثم رواه الوليد ابن المسلم فانقلب عليه اللفظ فقال:" لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا جِلْدُ نَمِرٍ"، فأخطأ واستدل على خطأه بمخالفة الثقات له، وأنَّ الرواية المحفوظة هي الأولى.

الجنس التاسع: ما كان في متنه قلب في لفظة مما يغير المعنى.

وهذه العلة تنشأ بسبب قلب أحد الرواة كلمة في الحديث فتغير المعنى، ولا تكون هذه اللفظة محفوظةً عند الثقات، وهي من أدق الأسباب التي تؤدي إلى وجود العلة، وقد أعلّ الدارقطني قليلاً من هذا النوع نذكر مثالاً عليه:

(1) أخرجه مسلم على الوجه الصحيح في الجامع الصحيح (مع شرح النووي)، كتاب اللباس والزينة، باب كراهة الكلب والجرس في السفر، (ج7/ ص346)، برقم (2113) من طريق بشر يعني ابن مُفَضَّلٍ حدثنا سهيل عن أبيه عن أبي هريرة به.

(2)

هو الوليد بن مسلم القرشي مولاهم أبو العباس الدمشقي (ت: 194 أو 195 هـ)، ثقة لكنَّه كثير التدليس، من الطبقة الثامنة، الوسطى من أتباع التابعين، أخرج له الستة، تهذيب التهذيب (ج11/ص 133).

(3)

أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج10/ص328 - 329)، سؤال رقم (2039).

ص: 202

المثال: قال الإمام البرقاني: "وسئل - الدارقطني-: عن حديث أبي سلمة وأبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي هريرة:((أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، فَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ يَقُولُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا. الحديث، ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَنْصَرِفُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم)(1).

فقال - الدارقطني -: يرويه الزهري واختلف عنه: فرواه محمد بن أبي عتيق، وشعيب وعبيد الله بن أبي زياد، وإسحاق بن راشد والنعمان بن راشد، والموقري، عن الزهري عن أبي بكر وأبي سلمة، عن أبي هريرة واختلف عن معمر: فرواه عبدالأعلى، عن معمر عن الزهري، عنهما عن أبي هريرة

ورواه مالك في الموطأ، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. وقال محمد بن مصعب القرقساني (2)، عن مالك، عن الزهري، عن أبى سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه:((أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ يَدَهُ إِذَا افْتَتَحَ الْصَلاةَ))، ووهم في هذا القول وإنَّما أراد أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر" (3).

قلتُ: والعلة المشار إليها أنَّ محمد بن مصعب القرقساني أخطأ فانقلب عليه اللفظ، فقال:" كَانَ يَرْفَعُ يَدَهُ "، بدلاً من لفظة " يُكَبر "، واستدل على خطئه بمخالفة الثقات له في لفظ الحديث، وأنَّ حديث أبي هريرة ليس محفوظ عنهم بهذه اللفظة، والله أعلم.

الجنس العاشر: ما كانت علته الشك في ثبوت المتن عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الاضطراب فيه.

وتقع هذه العلة عند شك الراوي في متن الحديث سواء كان في كل المتن، أو في جزء من

(1) أخرجه على الوجه الصحيح: البخاري في الجامع الصحيح (مع الفتح)،كتاب الأذان، باب باب يهوي بالتكبير حين يسجد، (ج2/ص336)، برقم (803) من نفس الطريق المذكورة.

(2)

هو محمد بن مصعب بن صدقة القرقساني، أبو عبدالله (ت: 208 هـ)، صدوق من الطبقة التاسعة من صغار أتباع التابعين، أخرج له الترمذي وابن ماجه، تهذيب التهذيب (ج9/ص 405).

(3)

أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج9/ص257 - 259)، سؤال رقم (1745).

ص: 203

المتن، مما يدل على عدم تثبت الراوي من الحديث، ونضرب هنا بعض الأمثلة:

المثال الأول: قال الإمام البرقاني: "وسئل - الدارقطني -: عن حديث محمد بن المنكدر عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم:((إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيلِ فَلْيُوقِظِ امْرَأَتَهُ فِإنَّ لمَ تَسْتَيْقِظْ فَلْيَنْضَّحْ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ)) (1).

فقال - الدارقطني -: يرويه الثوري واختلف عنه: فرواه أبو عامر العقدي، عن الثوري، عن ابن المنكدر، عن أبي هريرة، وخالفه عبدالرحمن بن مهدي، رواه عن ابن المنكدر، عمَّن سمع أبا هريرة، وكذلك قال وكيع، وعبد الله بن الوليد العدني، وإبراهيم بن خالد الصنعاني، عن الثوري، وكلهم قال عن الثوري إنَّهُ في شك في رفعه بغير شك، حدثنا أحمد بن عيسى بن السكين، قال ثنا إسحاق بن زريق، قال ثنا إبراهيم بن خالد، قال ثنا الثوري، عن محمد بن المنكدر، قال حدثني من سمع أبا هريرة يقول ولا أراه إلا رفعه يقول:((إِذَا قَامَ أَحَدُكُم مِنَ اللَّيلِ فَلْيُوقِظْ أَهْلَهُ فِإنَّ لَمْ تَسْتَيْقِظْ فَلْيَنْضَّحْ وَجْهَهَا بِالْمَاءِ)) (2).

قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هي الشك في متن الحديث، هل هو مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم أنَّهُ ليس كذلك، وهذه العلة تدل على عدم تثبت الراوي أحياناً من الحديث، ولم يُخَرج أحدٌ من الكتب الستة، ولا التسعة هذا الحديث، وهذه العلَّة بخلاف علَّة اختلاف المرويَّات في الوقف والرفع والترجيح بينهما كما ذكرنا في المبحث السابق، وإنَّما تَخْتَص بالشك في كون المتن مرفوعاً أم لا؟، والله أعلم.

(1) أخرجه عبدالرزاق بن همام بن نافع، أبو بكر الصنعاني (ت: 211هـ): في المصنف طبعة إحياء التراث العربي، بيروت، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، (ج3/ص48)، برقم (4739)

(2)

أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج9/ص13 - 14)، سؤال رقم (1615).

ص: 204

المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني -: عن حديث عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ وَالإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْرِّقِ

)) (1)، حديث طويل.

فقال - الدارقطني -: يرويه أبو إسحاق واختلف عنه: فرفعه أبو أحمد الزبيري عن الثوري، عن أبي إسحاق علي شك منه في رفعه، ووقفه غيره عن الثوري، ورواه عبدالمجيد عن معمر عن أبي إسحاق مرفوعاً، ورواه زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن عاصم والحارث، عن علي، وشك زهير في رفعه كذلك، قال الحسن بن موسى الأشيب، عن زهير، ورواه أبو بدر شجاع بن الوليد، عن أبي إسحاق، عن عاصم والحارث، عن علي فرفعه بغير شك إلا أنَّهُ لم يذكر في حديثه إلا زكاة البقر فقط" (2)

قلتُ: والعلة المشار إليها هنا هي الشك في متن الحديث، هل هو مرفوع كله أو جزء منه؟، كما رواه زهير وهو ابن معاوية بن حديج الجعفي من الثقات الأثبات (3)، فمرة شك في رفع كل المتن، ثم رواه بغير شك في رفعه ولكنَّه لم يذكر فيه إلا جزء زكاة البقر فقط، وتعرف هذه العلة بالتصريح بالشك غالباً كقول الراوي أحسبه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أو لفظة تدل على الشك أو الاضطراب في ثبوت الحديث مرفوعاً.

ويتضح مما سبق:

- أنَّ الدارقطني كان غالباً ما يذكر الإسناد الراجح عنده، أو الأقرب للصواب في بداية إجابته للسؤال، ثم يذكر بعد ذلك من خالف في هذا الإسناد، ثم يُبّين الصحيح الراجح عنده من المرويّات في الحديث، ويلتزم هذا الترتيب غالباً.

(1) أخرجه أبو داود: في السنن، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، (ج1/ص 492) برقم (1572)، من طريق زهير حدثنا أبو إسحق عن عاصم بن ضمرة وعن الحارث الأعور عن علي رضي الله عنه، وفيه شك زهير المذكور هنا في العلل بقوله:" قال زهير أحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم ".

(2)

أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج4/ص73 - 74)، سؤال رقم (438).

(3)

ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب (ج3/ص 303).

ص: 205

- أنَّ الدارقطني كان يجزم في بعض الأحيان بعلة الحديث، ثم يرجح الصحيح المحفوظ من المرويَّات، وأحياناً يأتي بالبرهان والحجة، وأحياناً أخرى لا يذكره.

- أنَّ الدارقطني كان أحياناً يذكر الخلاف في الحديث المعلول، ثم يذكر احتمال أن تكون أحد المرويَّات أقرب للصواب بقولهِ أنَّ هذا الطريق:" هو الأشبه ".

- أنَّه كان أحياناً يصرح ويحدد مصدر الوهم أو الخطأ، أو من كان سبباً في الوهم ويذكر القرينة على ذلك الوهم أو الخطأ، وترجيح الرواية الصحيحة.

- أنَّه كان أحياناً يذكر بعض ما حضر له من الشواهد والمتابعات، كبراهين لما ذهب إليه من الترجيح بين المرويَّات المختلف فيها، ويثبت الصحيح منها.

- أنَّه كان يذكر علة المتن مع علة الإسناد إن وجد، وأحياناً يذكر علة المتون بدون التعليق على الأسانيد وهو قليل.

- أنّه كان أحياناً يبرهن على صحة ما ذهب إليه من المرويَّات عن طريق سوق ما سمعه من شيوخه بإسناده إلى مصنف الكتاب، أو إسناد الحديث عن شيوخه.

- أنَّه كان يهتم بالعلل التي قد تطرأ على متون الأحاديث، ويرجح الصحيح منها.

ص: 206