الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني
أحداث الردة والفتن
- الافتراق عن مذهب الصحابة رضي الله عنهم
- موقف التابعين إزاء المخالفين
- ظهور الجدل في أصول الدين.
- مذهب أهل السنة والجماعة.
تمهيد:
تبين لنا مما تقدم أن المسلمين في الصدر الأول من الصحابة وأوائل عصر التابعين تقيدوا بالمنهج الإسلامي الصحيح.
فإن أفضل الخلق بعد الأنبياء هم الصحابة، فلا ينتصر لشخص انتصارًا مطلقًا عامًا إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا لطائفة انتصاراً مطلقًا إلا للصحابة رضي الله عنهم (1) .
وإن ارتد ناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فليسوا من الفرقة الناجية هم:
أولاً: خصوم أبي بكر رضي الله عنه كمسيلمة الكذاب.
ثانيًا: السبئية أتباع عبد الله بن سبأ.
ثالثًا: المختار بن أبي عبيد.
وشرح حديث الفرق الناجية يقتضي أنه كل من خرج عن الجماعة فينطق عليه وصف الرسول صلى الله عليه وسلم، قال ابن تيمية: وكذلك يدل الحديث على مفارقة الاثنين والسبعين في أصول العقائد، بل ليس في ظاهر الحديث إلا مباينة الثلاث والسبعين كل طائفة للأخرى، وحينئذ فمعلوم أن جهة الافتراق جهة ذم لا جهة مدح، فإن الله تعالى أمر بالجماعة والائتلاف وذم التفريق والخلاف، فقال تعالى:(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)[آل عمران، الآية: 103] .
وقال تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) [آل عمران، الآية: 105، 106]
قال ابن عباس وغيره: (تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة) . وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام، الآية: 159] (2) .
(1) ابن تيمية: منهاج السنة ج 3 ص 66.
(2)
ابن تيمية: منهاج السنة ج 2 ص 104.
وقال: (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ)[البقرة، الآية: 213]
وقال: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ [البينة، الآية: 4] وإذا كان كذلك فأعظم الطوائف مفارقة للجماعة وافتراقًا في نفسها أولى الطوائف بالذم وأقلها افتراقًا ومفارقة للجماعة أقربها إلى الحق (1) .
والحديث نفسه ليس في الصحيحين بل قد طعن فيه بعض أهل الحديث كابن حزم وغيره، ولكن قد رواه أهل السنن كأبي داود والترمذي وابن ماجه ورواه أهل الأسانيد كالإمام أحمد.
وعلى أية حال فإن الحديث يصف حال الجماعة، فقد رواه في حديث آخر:(هم الجماعة) .
وفي رواية: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) .
السنة: ما كان صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه عليها في عهده مما أمرهم به أو أقرهم عليه أو فعله.
أما الجماعة: فهم المجتمعون الذين ما فرقوا دينهم وكانوا شيعًا، وهم أقل اختلافًا في أصول دينهم من سائر الطوائف (2) وأهل الجماعة أقل اختلافًا في أصول دينهم من سائر الطوائف.
فإن الحق مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن كان أعلم بسننه وأتبع لها كان الصواب معه وهؤلاء هم الذين لا ينتصرون إلا لقوله ولا يضافون إلا إليه، وهم أعلم الناس بسننه وأتبع لها وأكثر سلف الأمة كذلك، لكن التفرق والاختلاف كثير في المتأخرين (3) .
وقد سار أهل الحديث والسنة والجماعة بمنهج اتباعهم الكتاب والسنة الثابتة عن نبيهم صلى الله عليه وسلم في الأصول والفروع وما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بخلاف المنشقين عن هذا المنهج - كما سيتضح لنا تباعًا - فإنهم خالفوا هذه القاعدة الأصولية
(1) ابن تيمية: منهاج السنة ج 2 ص 104.
(2)
ابن تيمية: منهاج السنة ج 2 ص 02 1، ج 3 ص 62.
(3)
منهاج السنة ج 3 ص 46 ج 3 ص 46.