الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البدع المنهي عنها.
ثم ظهر على مر الأعصار المتكلمون في الفرق المختلفة فصاغوا كل هذا الكلام وشرحوه في أبواب وفصول نقلته إلينا مصادرهم، وجاء الباحثون لمحاولة استقصاء هذه المسائل في صيغها التقليدية بعينها، فلم يعثروا لها على أثر، فظنوا أن الصحابة لم يعرفوها، ولم يتطرقوا إليها، بينما الحق أنهم عرفوها وفهموا دقائقها، كما ينبغي أن تفهم وتعرف. ولا شك أن الأدلة تدعم اتجاهنا في اتخاذ عصر الصحابة نقطة البدء في البحث؛ لأن دراسة التاريخ الإسلامي ترشدنا إلى معرفة أسبقية الأوائل في العلم والعمل، في العقيدة والسلوك. وسنتخذ هذا المنهج في البحث لمحاولة شجب النتائج التي توصل إليها أمثال جولد تسيهر وغيره من المستشرقين الذين يطبقون على الإسلام - في العقائد والعبادات - آثار فكرة التطور، فيتصورون أنه بدأ بسيطًا ثم تطور على يد المسلمين فكانت أكبر زلاتهم.
ولما كانوا غير مسلمين معنا بالدليل القطعي الثابت في قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة، الآية: 3] فإن استقراء الأحداث بأناة وصبر وجهد - مع توافر الصدق وحسن الطوية - ليثبت أن الإسلام في حياة الرسول اكتمل في عقائده وعباداته وأخلاقه وأحكامه ونصوصه وقواعده وأن الرسول صلوات الله عليه انتقل إلى الرفيق الأعلى، وترك الإسلام على هذا النحو وأن المسلمين من القرن الأول يرفضون من أي مخلوق، ومن أي جماعة، أن يضعوا في هذا الدين جديدًا إلى يوم الناس هذا، ويعتبرون أي تزيد على هذا الدين بدعة تحارب.
وسنحاول على قدر الاستطاعة، وبقدر ما تسمح به هذه الدراسة، الالتفات إلى عصر الصحابة والتابعين للبحث عن مواقفهم إزاء المسائل التي أثارها المتكلمون في العصور التالية.
أصول الدين في عصر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة:
تتعدد المواقف التي توضح اتجاه الصحابة في تلقي الآيات القرآنية والنظر إليها، فإذا بدأنا في دراسة تلك المواقف لمنهج استقرائي، استطعنا الوقوف على استنباطهم
للنصوص الشرعية من الكتاب والسنة، فيتضح لنا كيف بدأ التنازع، وأسباب حدوث الانشقاقات عن القواعد الإسلامية بعدهم. وكيف جوبهت الفرق المنشقة عن صف الجماعة، كالخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية وغيرها، وظل علماء السلف من أهل الحديث والسنة يحملون على أعناقهم هذه المهمة يفندون مزاعم المنشقين، موضحين أسباب انحرافاتهم، مبينين القواعد الإسلامية الصحيحة المتلقاة عن الأوائل.
وتجتمع عناصر بحثنا في رأينا من قواعد عامة تجمع مواقف الصحابة منها أنهم تكلموا في أصول الدين جميعًا، كما أنهم يتفقون في المنهج فيفسرون بالقرآن مستندين إلى طرق الاستدلالات العقلية التي أشار إليها وحض على استخدامها.
ونستطيع أن نستدل من الأحداث التاريخية على أن الرسول صلى الله عليه وسلم شرح لهم الأصول الإسلامية كلها أو ما يسميه المتكلمون بـ (أصول الدين)، والأمثلة كثيرة نقتطف بعضًا منها فيما يلي:
بدء الخلق:
روى مسلم في صحيحه في باب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الناس يسألونك عن العلم حتى يقولوا هذا الله خلقنا فمن خلق الله؟ " قال أبو هريرة جاءني ناس من الأعراب فقالوا: يا أبا هريرة هذا الله خلقنا فمن خلق الله؟ فأخذ حصى بكفه فرماهم به ثم قال: قوموا صدق خليلي صلى الله عليه وسلم وهناك عدة روايات لمسلم بهذا المعنى، جاء في إحداها قول الرسول صلوات الله عليه:"فمن وجد من ذلك شيئًا فليقل آمنت بالله " وقوله: "فمن بلغ ذلك فليستعذ بالله " فأرجع الرسول صلى الله عليه وسلم هذا السؤال إلى وسوسة الشيطان.
وروى البخاري في صحيحه في كتاب (بدء الخلق) عن عمران بن حصين قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعقلت ناقتي بالباب، فأتاه ناس من بني تميم فقال: اقبلوا البشرى يا بني تميم. قالوا: قد بشرتنا فأعطنا مرتين، ثم دخل ناس من أهل اليمن فقال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم. قالوا: قد قبلنا يا رسول الله: قالوا: جئناك نسألك عن أول هذا الأمر. قال: (كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء وخلق