الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظهور الجدل في أصول الدين
استقرت العقائد في القلوب ولم يختلف الصحابة حول أصول الدين قط، بل لم يعرفوا تقسيم الدين إلى أصول وفروع، ثم بدأت تظهر الآراء المخالفة منذ النزاع الحادث بين "علي" و"معاوية" رضي الله عنهما بعد مقتل "عثمان بن عفان" رضي الله عنه.
وسنحاول أن نخط طريقنا من القاعدة المنهجية التي نراها صحيحة شرعًا وعقلاً، وتتلخص في الاعتقاد أن الصحابة كانوا هم الأعلم بلغة القرآن ومراميه، والأدق في فهم محكمه ومتشابهه، ولم تظهر في عصرهم خلافات في أصول العقيدة، إذ كان هناك إجماع عليها بين الكافة، ثم بدأت الانشقاقات رويدًا رويدًا.
وكان انحراف الخوارج ظاهرًا عندما اعتقدوا خطأ تكفير علي بن أبي طالب رضي الله عنه والنفر الذين كانوا معه من المهاجرين والأنصار.
كما رأوا منصب الإمامة أو الخلافة لا تختص بشخص من القرشيين فجوزوا إمامة أي إمام يجتمع فيه العلم والزهد ولو كان من أخلاط الناس وأوباشهم، بالإضافة إلى عقائد أخرى كتخليد مرتكب الكبيرة في النار وغيرها من الآراء التي دونتها كتب التاريخ والفرق.
وظهرت القدرية في أواخر زمن الصحابة وصار "معبد الجهني" و"غيلان الدمشقي" و"الجعد بن درهم" إلى القول بالقدر - أي: نفيه وعدم الاعتقاد به. وفي ذلك الزمان حدث سنة المرجئة (1) حين قالوا: لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة.
ثم طلعت المعتزلة مثل أبي الهذيل العلاف والنظام ومعمر والجاحظ وترجمت كتب الفلاسفة في زمن المأمون واستخرجوا منها ما خلطوه بأوضاع الشرع مثل لفظ الجوهر والعرض والزمان والمكان والكمون ونحو ذلك. وأول مسألة أظهروها القول بخلق القرآن.
وتلت هذه المسألة مسائل الصفات الإلهية مثل العلم والقدرة والحياة والسمع
(1) ينظر كتابنا "قواعد المنهج السلفي في الفكر الإسلامي" ط دار الدعوة بالإسكندرية.
والبصر (1) .
وعندما ظهرت عقائد المعتزلة التي افترقوا بها عن عقيدة أهل السنة والجماعة، اضطر علماء الحديث والفقهاء للرد عليهم وإعادة الأمور إلى نصابها.
وإننا نعثر على آراء أهل الحديث منبثة في كتبهم للرد على المتكلمين في المسائل التي أثيرت كالحديث عن الصفات والقدر والتوحيد والأسماء - وغيرها من أصول المسائل التي شغلت أذهان المسلمين -. كما حرصوا على استمداد أرائهم من أقوال الصحابة والتابعين في هذه الموضوعات إذ لا يغيب عن ذهن الباحث أن منهج المحدثين كفل لهم الاحتفاظ بالنصوص المنقولة عن السابقين جيلاً بعد جيل.
وفي الأدوار التي تضخمت فيها الخلافات كتب علماء الحديث في هذه الموضوعات التي تطرق إليها علماء الكلام، ومن بين هذه المصادر العامة كتاب (خلق أفعال العباد) للإمام البخاري، (الرد على الجهمية والمعطلة) للإمام أحمد والرد على بشر المريسي للإمام الدارمي وغيرهم، بحيث نستطيع القول بأن تيار السمع أو النقل، ارتبط بتيار العقل أو الدراية، أي بعبارة أخرى امتد اهتمام علماء الحديث والسنة إلى المسائل التي أثيرت بواسطة المتكلمين وغيرهم، ووقفوا منها موقفًا عقليا أيضًا، فالتقى عندهم النقل مع النظر، فهم وإن كانوا في الغالب أهل رواية، قد أثبتوا أيضًا بأنهم أهل دراية؛ لأن الكتاب أمر بالتفكير والتدبر، وكانوا يحرصون على الارتباط بالصحابة ومواقفهم من هذه الأصول الهامة في الإسلام، وهم ورثة الأنبياء الذين قال الله فيهم: وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ) [ص، الآية: 45] فالأيدي القوة في أمر الله، والأبصار في دين الله، فبالبصائر يدرك الحق ويعرف، وبالقوة يمكن من تبليغه وتنفيذه والدعوة إليه (2) .
ولقد استمسكوا بهذا المنهج النقلي العقلي - إن صح التعبير - وربما نجد ما يعبر عن التقاء الرواية بالدراية في كتابات ابن تيمية الذي كان يلح دائمًا على ترديد
(1) ابن الجوزي ص 92- 93 تلبيس إبليس.
(2)
ابن تيمية: نقض المنطق ص 79.