المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المشكلات الكلامية في ضوء التفسير التاريخي: - منهج علماء الحديث والسنة في أصول الدين

[مصطفى حلمي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول

- ‌الفصل الأول:عصر الصحابة رضي الله عنهم

- ‌أصول الدين في عصر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة:

- ‌رد الرسول صلى الله عليه وسلم على وفد نجران:

- ‌القرآن كلام الله تعالى:

- ‌الإيمان بالقدر وفهمه على الوجه الصحيح:

- ‌الملائكة:

- ‌الفصل الثاني:مكانة الصحابة رضي الله عنهم في الأمة

- ‌منهج الصحابة في النظر والتدبر:

- ‌أولا: الأدلة النقلية:

- ‌ثانيًا الدليل العقلي:

- ‌الباب الثانيأحداث الردة والفتن

- ‌الافتراق عن مذهب الصحابة في أصول الدين:

- ‌موقف التابعين إزاء المخالفين:

- ‌أحوال أهل الجنة:

- ‌ظهور الجدل في أصول الدين

- ‌مذهب أهل السنة والجماعة:

- ‌الباب الثالثنشأة الكلام في الدين وعوامل ظهوره

- ‌الفصل الأول:

- ‌مراحل ظهور الكلام في الدين:

- ‌ عوامل نشأة المشكلات الكلامية

- ‌ذم السلف للكلام المبتدع:

- ‌ أسباب ذم علم الكلام

- ‌علم الكلام بين الأصالة والابتداع:

- ‌الفصل الثاني:علم الكلام:

- ‌أهم موضوعات علم الكلام:

- ‌حجج المتكلمين في الدفاع عن منهجهم:

- ‌رأي علماء الحديث في هذه الحجج:

- ‌الباب الرابعموقف أهل الحديث والسنة من المعتزلة

- ‌الفصل الأول:

- ‌التعريف بعلماء الحديث ومنهجهم:

- ‌سلاسل الإسناد:

- ‌منهج علماء الحديث في أصول الدين:

- ‌موقف أهل الحديث والسنة من المعتزلة

- ‌الأصول الخمسة عند المعتزلة:

- ‌كلمة عن الصفات الإلهية وأثر الإيمان بها:

- ‌ الإيمان بالقدر وعلاقته بالإرادة الإنسانية:

- ‌دوافع علماء الحديث لمجابهة المتكلمين:

- ‌علم الكلام لدى علماء الحديث والسنة:

- ‌الفصل الثاني:

- ‌محاورات علماء أهل الحديث والسنة مع المعتزلة:

- ‌1 - الإمام أحمد بن حنبل وابن أبي دؤاد

- ‌حياته وعصره:

- ‌منهجه مع المتكلمين:

- ‌المحنة:

- ‌2- عبد العزيز المكي. وبشر المريسي:

- ‌المنهج:

- ‌صفات الله عز وجل:

- ‌إثبات أن كلام الله تعالى ليس مخلوقًا

- ‌الفرق بين الجعل والخلق

- ‌إقامة الحجة بالتنزيل

- ‌إقامة الحجة بالنظر والقياس

- ‌إثبات علم الله - تعالى - بنص التنزيل:

- ‌إثبات الفعل والقدرة بالنظر والقياس

- ‌أولا: بالنظر والمعقول:

- ‌ثانيًا: إثبات أن القرآن كلام الله بمنهج القياس:

- ‌الاستواء على العرش:

- ‌الفصل الثالث:

- ‌صلة العقل بالشرع

- ‌تعريف الشرع:

- ‌تعريف العقل بين فلاسفة اليونان ولغة عدنان:

- ‌أدلة الشرع عقلية:

- ‌تعقيب:

- ‌الباب الخامس

- ‌علم الكلام على مفترق الطرق

- ‌السلف والأشاعرة:

- ‌محنة خلق القرآن ونتائجها المنهجية:

- ‌التعريف بابن كلاب:

- ‌إثبات صفة العلو لله تعالى شرعًا وعقلاً:

- ‌الإمام أبو الحسن الأشعري والمنهج السلفي:

- ‌ مدى التمايز بين المنهجين

- ‌ صفات الله سبحانه وتعالى:

- ‌ نظرية الكسب الأشعرية وتفسير أفعال الإنسان:

- ‌عدل الله تعالى وحكمته:

- ‌نظرية الجوهر الفرد وتفسير الخلق والبعث:

- ‌توافق أدلة الكتاب والسنة مع الواقع المشاهد:

- ‌صعوبات أمام النظرية في تفسير البعث:

- ‌تحول أئمة الأشعرية إلى طريقة السلف:

- ‌تقييم ابن تيمية لشيوخ الأشاعرة:

- ‌طريقة السلف أعلم وأحكم:

- ‌الباب السادس

- ‌موقف ابن تيمية من القضايا الكلامية:

- ‌مقدمة:

- ‌حياته وعصره:

- ‌خلقه:

- ‌منهجه:

- ‌هدم المنطق الأرسططاليسي وإعلاء الميزان القرآني:

- ‌الفطرة الإنسانية وطرق المعرفة:

- ‌الهدى والبينات:

- ‌مواقفه إزاء القضايا الكلامية

- ‌الصفات الإلهية:

- ‌إثبات صفات الله تعالى وأفعاله بالأدلة العقلية:

- ‌ طرق البراهين القرآنية

- ‌ الميزان القرآني:

- ‌ قياس الأولى:

- ‌ اللزوم والاعتبار:

- ‌الباب السابع

- ‌القضايا الكلامية في العصر االحاضر

- ‌المشكلات الكلامية في ضوء التفسير التاريخي:

- ‌مسائل الإجماع في العقيدة والعبادات:

- ‌الالتقاء بالغرب وآثاره على القضايا الكلامية:

- ‌ما هي الحضارة

- ‌صلة العلم بالدين في العصر الحديث:

- ‌المشكلات الكلامية الطارئة في العصر الحديث:

- ‌ملامح الفكر الإسلامي المعاصر:

- ‌الباب الثامندراسة في الفكر الإسلامي المعاصر

- ‌حياته وعصره

- ‌موقف محمد إقبال من الحضارة الغربية:

- ‌إقبال بين الغرب والشرق:

- ‌أهم آرائه:

- ‌الإنسان في القرآن:

- ‌الحقيقة بين التجربة العلمية والتجربة الدينية:

- ‌المراجع

الفصل: ‌المشكلات الكلامية في ضوء التفسير التاريخي:

‌القضايا الكلامية في العصر االحاضر

‌المشكلات الكلامية في ضوء التفسير التاريخي:

كانت الموضوعات الآنفة من هذه الدراسة بمثابة إيضاح للمنهج الذي استخدمه الأوائل والسائرون على طريقهم، وقد رأينا كيف اتخذ علماء السلف من القرآن والسنة سلاحًا لحماية العقيدة، وأثبتوا أن هذا المنهج أفضل وأحكم من منهج المتكلمين.

ولكن بعد انقضاء القرون، وابتلاء الأمة الإسلامية بمحن وتجارب استهلكت طاقات ضخمة من قواها البشرية والاقتصادية والعسكرية، وتراوحت خلالها مكانتها الحضارية - التي احتلتها عن جدارة طيلة عدة قرون بين مد وجزر، ثم تحطم أخيرًا في بداية القرن الحالي فقط كيان دولتها بإلغاء الخلافة، وأصبحنا الآن، ربما أكثر اقتناعًا من أي وقت مضى بمخاطر الخلافات وتصارع الفرق الإسلامية وتشتت الجهود وبعثرة القدرات.

وبسبب الثغرات الخلافية الجسيمة ضاعت الأندلس وتسللت الشيعة الباطنية إلى حكم مصر والمغرب والشام والبحرين، وسقطت بغداد تحت سنابك خيل التتار عام 656 هـ ثم كانت الخاتمة - لهذا السبب ولغيره من الأسباب - نجاح الاستعمار الغربي في أواخر القرن السادس عشر في عقد الأنشوطة حول المسلمين - كما يذكر أرنولد توينبي - وذلك بفضل غزوه للمحيط، وبعدها ضيق الغرب الأنشوطة في القرن التاسع عشر (1) فإذا أنصتنا إلى صوت آخر، ارتفع من وراء القرن الثامن الهجري وهو ابن تيمية - وجدناه يبرهن في إيجاز على العقيدة المتلقاة عن الأوائل في شمولها وكمالها، أنتجت أجيالا مؤمنة دافعت عنها وعضت عليها بالنواجذ وظهر السر في استمساك أهل السنة والجماعة بها أنهم عرفوا أنها المعبرة عن صدق العقيدة المتلقاة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكل انحراف عنها أو ميل بها ذات اليمين أو ذات اليسار، سيفقدها قوتها في القلوب والصدور، فضلا عن انحرافها عن أصول الإيمان والإسلام

(1) أرنولد توينبي: الإسلام

والغرب.. والمستقبل ص 19 دار العربية - بيروت 1389 هـ

ص: 247

الصحيح.

والتطبيق التاريخي لهذه القاعدة يوضح انتصار المسلمين عندما كانت غالبيتهم مستمسكة بهذه الأصول، وبالعكس انهزامهم وانحدار حضارتهم عندما تفشت العقائد الزائغة.

ولتقريب المعنى إلى أجيالنا الشابة، فإن العقيدة هي حجر الزاوية وقطب الرحى لحضارة الإسلام، شأنها في ذلك شأن الأيدولوجية في العصر الحديث، فإن عقيدة المسلمين هي (أيدولوجيتهم بالاصطلاح الغربي) الثابتة الدائمة، بها سادوا، وبها أقاموا حضارة أنارت العالم، وسارت معهم أينما كانوا في عصور مجدهم وانتصاراتهم، وعندما انحرفوا عنها وتركوها وراء ظهورهم انطفأ نور الحضارة، وتقهقروا إلى الوراء، وذلوا أمام غيرهم.

وكانت هذه الظاهرة تتدرج على مراحل للمتتبع لتاريخ المسلمين.

يقول ابن تيمية: (ونجد الإسلام والإيمان كلما ظهر وقوي كانت السنة وأهلها أظهر وأقوى، وإن ظهر شيء من الكفر والنفاق ظهرت البدع بحسب ذلك، مثل دولة الهادي والرشيد ونحوهما مما كان يعظم الإسلام والإيمان ويغزو أعداءه من الكفار والمنافقين، كان أهل السنة في تلك الأيام أقوى وأكثر وأهل البدع أذل وأقل)(1) .

وبمثل هذه القاعدة ينتقل إلى النظر إلى تاريخ المسلمين بعامة، فيبرهن ابن تيمية على أن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم أدعى للعلم والتوحيد والسعادة. ويعني المقارنة بين الصحابة والتابعين لهم، وبين المتكلمين وفلاسفة المسلمين، ويقف أمام الأحداث التاريخية فيعللها بسبب مخالفة الأصول الإسلامية في القرآن والحديث، فيرى أن انقراض دولة بني أمية كان بسبب الجعد بن درهم والجهم بن صفوان، إلى جانب أسباب أخرى أوجبت إدبارها.

ويعني بذلك أن العقيدة عندما خمدت في النفوس وفقدت فاعليتها عما كانت

(1) ابن تيمية: نقض المنطق ص 18 - 19 وفي منهاج السنة ج 2 ص 149 - يقول: (فإن الكفار بالشام وخراسان طمعوا وقت الفتنة فى بلاد المسلمين لاشتغال المسلمين بعضهم ببعض) . وينظر تفسيره التاريخي بكتابنا (قواعد المنهج السلفي فى الفكر الإسلامي ص 125 (ط. دار الأنصار 1396 هـ - 1976 م.

ص: 248

لدى المسلمين الأوائل، ظهر الضعف في الأمة، إذ تحولت العقيدة الراسخة من قوة محركة ناجمة عن اقتناع عقلي ويقين قلبي إلى أفكار جدلية تتطاول إلى الحديث عن الذات الإلهية ففقدت القلوب الهيبة.

ولما تضاءلت العقيدة في النفوس وأصابها الوهن، تحولت إلى مناقشات وجدل كلامي وفلسفي، وظهر النفاق والبدع والفجور، هان المسلمون على أعدائهم، فغزا الصليبيون أراضي الإسلام، واستولوا على بيت المقدس في أواخر المائة الرابعة (1) وكذلك الأمر بالنسبة لحروب التتار، حتى إن البعض رأى أن هولاكو ملك التتار بمثابة بخت نصر لبني إسرائيل، مستندين إلى تفسير سورة بني إسرائيل التي توعدهم فيها الله تعالى إذا أفسدوا في الأرض (2) .

ويمضي شيخ الإسلام في تفسير الأحداث التاريخية وفقاً لهذه القاعدة فيذكر أن محنة خلق القرآن كانت بداية لتشجيع القرامطة الباطنية في إظهار آرائهم، بعد ترجمة كتب الفلسفة، ولما رأت الفلاسفة أن المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل بيته هو هذا القول الذي يقوله المتكلمون الجهمية ومن اتبعهم، ورأوا أن هذا القول الذي يقولونه فاسد من جهة العقل، طمعوا في تغيير الملة، فمنهم من أظهر إنكار الصانع وأظهر الكفر الصريح وقاتلوا المسلمين، وأخذ قرامطة البحرين الحجر الأسود (3) ولم يقتصر الأمر على انتصار الخصوم في مجال الحروب فحسب، بل امتد الخطب إلى مجال الفكر والعقيدة، لأن فتح باب القياس الفاسد في العقليات بواسطة المتكلمين، شجع الزنادقة على المضي في تنفيذ مخططاتهم، فانتهى بالقرامطة إلى إبطال الشرائع المعلومة كلها، كما قال لهم رئيسهم بالشام: قد أسقطنا عنكم العبادات فلا صوم ولا صلاة ولا حج ولا زكاة (4) .

وقبل الانتهاء من هذه اللمحة لموقف ابن تيمية من التاريخ، فإننا نعجب من تفاؤله، بينما كان في وسط ظروف حالكة الظلام، ومع هذا فإنه يقدم تفسيرًا

(1) الفرقان بين الحق والباطل 120 - 122.

(2)

ومن ثم الأمثال السائرة (إياك أعني واسمعي يا جارة) ن. ص 120- 121.

(3)

شرح حديث النزول ص 173.

(4)

نفس المصدر ص 169 (وينظر أيضًا ص 163 و 165) .

ص: 249