الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لحديث (إن الله يبعث لهذه الأمة في رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) ، فالتجديد إنما يكون بعد الدروس، وذاك هو غربة الإسلام، ثم يحاول إدخال الطمأنينة على القلوب بقوله:(وهذا الحديث يفيد المسلم أنه لا يغتم بقلة من يعرف حقيقة الإسلام، ولا يضيق صدره بذلك، ولا يكون في شك من دين الإسلام، كما كان الأمر حين بدأ قال تعالى: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ)[يونس، الآية: 94] إلى غير ذلك من الآيات والبراهين الدالة على صحة الإسلام) (1) ، ولكنه في الوقت نفسه يحذر من مخالفة الأوامر الإلهية، لأن الذنوب تورث الهزائم والكوارث للمسلمين، كالهزيمة التي أصابتهم يوم أحد. وهكذا يعود بنا إلى نفس الأصل الذي يفسر به التاريخ، ويعلل المقصود بقصص بني إسرائيل في القرآن اتخاذهم عبرة لنا، مستشهدًا ببعض السلف القائلين:(إن بني إسرائيل ذهبوا وإنما يعني أنتم) ومن الأمثال السائرة: إياك أعني واسمعي يا جارة.
مسائل الإجماع في العقيدة والعبادات:
وفي ضوء هذه التفسيرات التاريخية والعبرة مما حدث، فإن الحكمة تقتضي التخفيف من غلواء التفرق، مع تلمس مسائل الإجماع بين المسلمين؛ لأن الأحوال المعاصرة تجعل من الاستمرار في بث الفرقة لونًا من ألوان التدمير العقائدي والحضاري للمسلمين كافة.
وقد رأينا خلال البحث نتائج بارزة تثبت من ناحية ما يلي:
أولا: عودة أئمة الأشاعرة إلى المنهج السلفي بعد المعاناة الطويلة في طريق التأويل الكلامي.
ثانيًا: إجماعهم - بالاتفاق مع علماء السنة والحديث - على أن أدلة الشرع متوافقة مع قوانين العقل وموازينه، ومن ثم أصبح ضروريًا جمع المسلمين حول المادة العظمى: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن ناحية أخرى، نود في ختام هذا البحث إضافة أكثر العوامل أهمية، وإبرازه والالتفاف حوله، ونعني به عناصر الوحدة التي تجمع بين المسلمين قاطبة، لأن
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ج 18 ص 298 - 299 ط. الرياض.
تحليل عناصرها يثبت أنها تفوق أسباب الخلاف والفرقة.
أضف إلى ذلك أن المشكلات الكلامية المثارة في الماضي نشأت عن أسباب وعوامل نبعت من البيئة الثقافية حينذاك، وقد قتلت بحثًا وتحليلاً ومناقشة وظهر فيها الحق بين المذاهب والفرق، وربما كانت محتملة عندما كانت الحضارة الإسلامية سائدة، أما وقد آل الحال إلى ما نحن عليه، فلم يعد من المحتمل إثارة هذه المشكلات من جديد.
وقد سبقنا علماء الحديث والسنة إلى توجيهنا إلى هذا الأصل الجامع، منهم ابن حزم بكتابه (مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات) وعنوانه يشير إلى مضمونه، يعنينا ما سجله في باب الاعتقادات، قال:
(اتفقوا أن الله عز وجل وحده لا شريك له خالق كل شيء غيره، وأنه تعالى لم يزل وحده ولا شيء غيره معه، ثم خلق الأشياء كلها كما شاء، وأن النفس مخلوقة، والعرش مخلوق، والعالم كله مخلوق، وأن النبوة حق وأنه كان أنبياء كثير منهم من سمى الله تعالى في القرآن ومنهم من لم يسم لنا، وأن محمدَ بن عبد الله القرشي الهاشمي المبعوث بمكة المهاجر إلى المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جميع الجن والإنس إلى يوم القيامة.
وأن دين الإسلام هو الدين الذي لا دين لله في الأرض سواه، وأنه ناسخ لجميع الأديان قبله، وأنه لا ينسخه دين بعده أبدًا، وأن من خالفه ممن بلغه كافر مخلد في النار أبدًا، وأن الجنة حق وأنها دار نعيم أبداً لا تفنى ولا يفنى أهلها بلا نهاية، وأنها أعدت للمسلمين والنبيين المتقدمين وأتباعهم على حقيقة ما أتوا به قبل أن ينسخ الله تعالى أديانهم بدين الإسلام.
وأن القرآن المتلو الذي في المصاحف بأيدي الناس في شرق الأرض وغربها من أول (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) إلى آخر (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) هو كلام الله عز وجل ووحيه أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مختارًا له من بين الناس وأنه لا نبي مع محمد صلى الله عليه وسلم ولا بعده أبدًا) .
إلى أن يقول: (واتفقوا أنه منذ مات النبي صلى الله عليه وسلم فقد انقطع الوحي وكمل الدين