الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولا:
صفات الله سبحانه وتعالى:
فرق الأشاعرة بعامة بين صفات الذات وصفات الأفعال الإلهية قال الآمدي: (مذهب أهل الحق: أن الواجب بذاته مريد بإرادة، عالم بعلم، قادر بقدرة، حي بحياة، سميع بسمع، بصير ببصر، متكلم بكلام، وهذه كلها معان وجودية أزلية زائدة على الذات)(1) .
ولقد تعرض هذا الموقف للنقد بواسطة شيخ الإسلام ابن تيمية لأنهم اقتصروا على هذه الصفات وحدها، مؤكدًا أن تضمن الأسماء والصفات التامة الكاملة لله سبحانه وتعالى، مثل قوله سبحانه:(وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)[البقرة، الآية: 163] وقوله عز وجل: (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) [غافر، الآيتان: 15، 16] . وقال تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)[البقرة، الآية: 255] وقوله: (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ)[طه، الآية: 111] .
ومما يدل على دقة الشيخ في النقد أنه مع إقراره بالمعنى الصحيح لصفتي مريد متكلم إلا أنه بإحصاء الآيات القرآنية يتبين أن هذين الاسمين لم يردا في القرآن الكريم ولا في الأسماء الحسنى المعروفة، ولكن معناهما حق.
ويقرر ابن تيمية أن صفات الله عز وجل ثابتة بالشرع والعقل، ويعجب من موقف الأشاعرة وغيرهم من الصفاتية الذين أثبتوا الصفات السبع لأنها عندهم قد دل عليها العقل، ويرى أن وجه القصور في هذا المنهج يرجع إلى أنهم لم ينتبهوا إلى أن هناك من الأسماء والصفات المقدسة ما هو ثابت بالشرع - ولكن لا يلزم من عدم الدليل المعين المدلول فلا يلزم نفي ما سوى هذه الصفات إذ إن السمع قد أثبت صفات أخرى، واستطرد مثبتًا الأسماء والصفات التي تدل على الرحمة والمحبة وغيرهما، ثم يميز بين نوعي الفعل: المتعدّي واللازم، واتخذ من آيات الله تعالى أدلة على الجمع بين صفات الأفعال بمثل قوله سبحانه: (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا
(1) سيف الدين الآمدي (551 - 631 هـ) : غاية المرام في علم الكلام تحقيق د. حسن عبد اللطيف ص 38 المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة 1391 هـ - 1971 م.
بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) وأخذ في تدبر الآيات الأخرى وإحصائها مثبتًا أن هذا الأصل ورد في القرآن في أكثر من مائة موضع.
كذلك لا يرى سببًا يدعو إلى إنكار صفات الأفعال مستندًا إلى دليل عقلي مقتضاه (أن دلالة السمع على علم الله تعالى وقدرته وإرادته وسمعه وبصره، كدلالته على رضاه ومحبته وغضبه واستوائه على عرشه ونحو ذلك) .
ويصبح التساؤل هنا في موضعه تمامًا، إذ أين الصفات السبعة التي اقتصر عليها الأشاعرة من الأسماء والصفات التي أثبتها الله تعالى لنفسه؟ لقد أخبرنا في كتابه أنه حي، قيوم، حكيم، غفور، رحيم، سميع، بصير، عظيم، خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش، وكلم موسى، وتجلى للجبل فجعله دكًّا، يرضى عن المؤمنين، ويغضب على الكافرين، إلى أمثال ذلك من الأسماء والصفات.
هذا من حيث إثبات الصفات والأفعال.
أما من حيث النفي، فإن الله - تعالى - يصف نفسه بأنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)[الشورى، الآية: 11](وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)[الإخلاص، الآية: 4](هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)[مريم، الآية: 65] ؟ (فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا)[البقرة، الآية: 22] فنفى بذلك أن تكون صفاته كصفات المخلوقين.
وبعد هذه المقارنة التي عقدها الشيخ، لفت نظره اختلاف طريقة الأنبياء والرسل وطريقة المتكلمين في التحدث عن صفات الله تعالى وبيانها، إن القارئ للقرآن يتضح له أن الله سبحانه وتعالى بعث أنبياءه ورسله بإثبات مفصل لأسمائه وصفاته ونفي مجمل لها أي: نفوا عنه مماثلة المخلوقات كقوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)[الشورى، الآية: 11] ولكن جاء النظار (أي أهل النظر من المتكلمين النفاة والفلاسفة وغيرهم) فعكسوا القضية فجاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل، أي يقولون:(ليس كذا.. ليس كذا) والقارئ الذي يراجع هذا الحكم يجده صحيحًا تمامًا، خير شاهد على ذلك عقيدة المعتزلة في صفات الله تعالى (1) .
أما الرسل صلوات الله عليهم، فطريقتهم طريقة القرآن، وطريقة القرآن النفي
(1) ينظر مقالات الإسلاميين ج 1 ص 235 - 236 وكلها تتضمن النفي في وصف الله تعالى.
المجمل والإثبات المفصل، وقد رد الله تعالى على كل المخالفين لهذه الطريقة بقوله:(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات، الآيات: 180 - 182](1) .
ويلح ابن تيمية دائمًا في مؤلفاته على قاعدة أصلية يجب الاستناد إليها في توضيح أصول الدين، وهي أن الأولى بيان الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مستخدمًا الأقيسة العقلية والأمثال المضروبة، لأنها طريقة الكتاب والسنة وسلف الأمة. والآيات القرآنية كثيرة تدل على ضرب الأمثال كما قال تعالى:(وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا)[الفرقان، الآية: 33] كما بين سبحانه بالبراهين العقلية توحيده وصدق رسله والبعث وغيرها من قضايا أصول الدين مجيباً بها على معارضة المشركين، إذ لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن إحياء الموتى ضرب له المثل بإحياء النبات كما في سورة (يس) وغيرها.
والأحاديث مملوءة أيضًا بذكر صفات الله تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما منكم من أحد إلا سيخلو به ربه، كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر"، فسأله أبو رزين العقيلي: كيف يا رسول الله وهو ونحن كثير؟ فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم ضاربًا المثل، قال:(سأنبئك بمثل ذلك في آلاء الله، هذا القمر من آيات الله كلكم يراه مخليًا به، فالله أعظم) .
ولكن التشبيه هنا تشبيه للرؤية لا للمرئي بالمرئي فإن الله تعالى ليس كمثله شيء. وكانت طريقة الصحابة أيضًا، فقد روي عن ابن عباس أنه لما أخبر بالرؤية عارضه السائل بقوله:(لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ)[الأنعام، الآية: 103]، فقال له:(ألست ترى السماء؟) فقال: بلى فسأله مرة ثانية: تراها كلها؟، أجاب: لا، وبهذا بين ابن عباس للسائل أن نفي الإدراك لا يقتضي نفي الرؤية (2) .
ومضى أئمة الحديث والسنة على نفس الطريقة، إذ عندما أثيرت صفات الله تعالى أيام المحنة، ومنها صفة العلو لله عز وجل، بين الإمام أحمد دلالة القرآن على
(1) ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم فى مخالفة أصحاب الجحيم ص 466 - 467.
(2)
ابن تيمية: موافقة صحيح المنقول ج 1 ص 142 - 152.