الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا استطاع ابن تيمية باستخدامه لمنهج (المعادلة والموازنة) أن يحدد مدى الاقتراب والابتعاد عن طريقة السلف، محاولاً البرهنة على أن المحدثين الذين تنسحب الشروط السالف الإشارة إليها عليهم - هم الممثلون الحقيقيون لشيوخ السلف لأنهم (اعتمدوا في دينهم على استنباط النصوص، لا على خيال فلسفي، ولا رأي قياسي ولا غير ذلك من الآراء المبتدعات)(1) .
أما سبب ذيوع المذهب الأشعري في رأي شيخ الإسلام فيرجع إلى العوامل
الآتية:
أولاً: كثرة الحق الذي يقولونه وظهور الآثار النبوية عندهم.
ثانيًا: لبسهم ذلك لمقاييس عقلية ظنوا أنها صحيحة بينما هي في الواقع موروثة عن تيار خارجي من الفلسفة وغيرها، وظنوا أيضًا أنه لم يمكن التمسك بالآثار النبوية في مواجهة المعتزلة بهذا الوجه.
ثالثًا: ضعف الآثار النبوية في عصورهم الموضحة لسبيل الهدى.
رابعا: تقصير المنتسبين للسنة. ويحملهم ابن تيمية مسؤولية ما حدث ناقدًا لبعضهم بقوله: (إنهم تارة يروون ما لا يعلمون صحته وتارة يكونون كالأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، ويعرضون عن بيان دلالة الكتاب والسنة على حقائق الأمور)(2) .
طريقة السلف أعلم وأحكم:
وبعد، فإن الغالب على القضايا المتنازع عليها أصبحت لها الصبغة التاريخية لأن الاهتمامات الثقافية والعلمية والدينية حينذاك هي الدافعة لجعلها الأولى بالبحث والمناقشة، ولكن لهذه القضايا نفسها جانبٌ ما زال يستحق الاهتمام والدراسة باعتباره يلقي الضوء على الصلة بين الاتجاهين النصي والعقلي، ولا يمكن تجاهل النقاش الدائر بينهما، فإن الإنسان بمكوناته العقلية والنفسية وثقافته المصطبغة أحيانًا بصبغة العصر الذي يعيش فيه، كل ذلك قد يؤثر عليه تأثيرًا كبيرًا عند تطلعه في
(1) نفس المصدر 81.
(2)
ابن تيمية: فتاوى ج 12 ص 23.
البحث عن الحقيقة التي ينشدها. وإذا خصصنا المسلم المعاصر بالحديث، فإننا نراه يقف أمام القرآن الحكيم والسنة النبوية أحد موقفين:
الأول: التأثر بالفلسفات السائدة والمناهج التي تجعل للعقل المكانة الأولى في نظرية المعرفة، ومن ثم يميل إلى المنهج الاعتزالي، وإن توسط في موقفه اختار المنهج الأشعري.
الثاني: وإما البحث عن المنهج الصحيح للعقيدة موقنًا بأنه من الخطأ العلمي والديني الانصراف عن الأصل الثاني للإسلام وهو الأحاديث النبوية الصحيحة في مصادرها، وما أكثرها وأوثقها.
وهنا ينبغي أيضًا الاسترشاد بطريقة علماء الحديث والسنة ومعرفة منهجهم في النظر والاستدلال لإثبات صحة أصول الدين.
وفي بحث كهذا محدود الهدف وموحد المنهج، رأينا توضيح التباين والتمايز بين الاتجاهين: المعتزلي والأشعري من ناحية، والسلفي من ناحية أخرى.
وقد تبين لنا أن المعتزلة اعتزلوا السنة والجماعة ووضعوا لأنفسهم أصولاً خمسة.
أما الأشاعرة فإنهم دافعوا عن عقيدة أهل السنة والجماعة وأعلنوا الانتماء إليهم. ولكنهم التزموا في منهجهم بصفة عامة بالمنهج الكلامي، بحجة التوفيق بين النصوص الشرعية والأحكام العقلية، وغلب عليهم تأويل النصوص الشرعية لتطويعها للأصول التي وضعها أهل الكلام قبلهم.
وإذا كانت دراستنا قد أوصلتنا إلى انتهاء أغلب أئمة الأشاعرة سلفيين، فإن ذلك يدل على اكتشافهم أن طريقة السلف هي الأعلم والأحكم، وعلينا الاستفادة من تجاربهم التي أمضوا فيها السنوات الطوال بحثًا وتفكيرًا وتأملاً ودراسةً، ويصبح من السرف أيضًا في الوقت والجهد، اتباع طريقتهم الكلامية قبل رجوعهم عنها، لا سيما ولدينا مؤلفات علماء الحديث والسنة بعدهم، أخلصوا في إظهار المنهج السلفي والدفاع عنه وبيان أنه يستند إلى الأدلة الشرعية العقلية.
وفي مقدمة هؤلاء يقف شيخ الإسلام ابن تيمية، وسنحاول عرض منهجه بإيجاز في الباب التالي.