المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الإيمان بالقدر وعلاقته بالإرادة الإنسانية: - منهج علماء الحديث والسنة في أصول الدين

[مصطفى حلمي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول

- ‌الفصل الأول:عصر الصحابة رضي الله عنهم

- ‌أصول الدين في عصر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة:

- ‌رد الرسول صلى الله عليه وسلم على وفد نجران:

- ‌القرآن كلام الله تعالى:

- ‌الإيمان بالقدر وفهمه على الوجه الصحيح:

- ‌الملائكة:

- ‌الفصل الثاني:مكانة الصحابة رضي الله عنهم في الأمة

- ‌منهج الصحابة في النظر والتدبر:

- ‌أولا: الأدلة النقلية:

- ‌ثانيًا الدليل العقلي:

- ‌الباب الثانيأحداث الردة والفتن

- ‌الافتراق عن مذهب الصحابة في أصول الدين:

- ‌موقف التابعين إزاء المخالفين:

- ‌أحوال أهل الجنة:

- ‌ظهور الجدل في أصول الدين

- ‌مذهب أهل السنة والجماعة:

- ‌الباب الثالثنشأة الكلام في الدين وعوامل ظهوره

- ‌الفصل الأول:

- ‌مراحل ظهور الكلام في الدين:

- ‌ عوامل نشأة المشكلات الكلامية

- ‌ذم السلف للكلام المبتدع:

- ‌ أسباب ذم علم الكلام

- ‌علم الكلام بين الأصالة والابتداع:

- ‌الفصل الثاني:علم الكلام:

- ‌أهم موضوعات علم الكلام:

- ‌حجج المتكلمين في الدفاع عن منهجهم:

- ‌رأي علماء الحديث في هذه الحجج:

- ‌الباب الرابعموقف أهل الحديث والسنة من المعتزلة

- ‌الفصل الأول:

- ‌التعريف بعلماء الحديث ومنهجهم:

- ‌سلاسل الإسناد:

- ‌منهج علماء الحديث في أصول الدين:

- ‌موقف أهل الحديث والسنة من المعتزلة

- ‌الأصول الخمسة عند المعتزلة:

- ‌كلمة عن الصفات الإلهية وأثر الإيمان بها:

- ‌ الإيمان بالقدر وعلاقته بالإرادة الإنسانية:

- ‌دوافع علماء الحديث لمجابهة المتكلمين:

- ‌علم الكلام لدى علماء الحديث والسنة:

- ‌الفصل الثاني:

- ‌محاورات علماء أهل الحديث والسنة مع المعتزلة:

- ‌1 - الإمام أحمد بن حنبل وابن أبي دؤاد

- ‌حياته وعصره:

- ‌منهجه مع المتكلمين:

- ‌المحنة:

- ‌2- عبد العزيز المكي. وبشر المريسي:

- ‌المنهج:

- ‌صفات الله عز وجل:

- ‌إثبات أن كلام الله تعالى ليس مخلوقًا

- ‌الفرق بين الجعل والخلق

- ‌إقامة الحجة بالتنزيل

- ‌إقامة الحجة بالنظر والقياس

- ‌إثبات علم الله - تعالى - بنص التنزيل:

- ‌إثبات الفعل والقدرة بالنظر والقياس

- ‌أولا: بالنظر والمعقول:

- ‌ثانيًا: إثبات أن القرآن كلام الله بمنهج القياس:

- ‌الاستواء على العرش:

- ‌الفصل الثالث:

- ‌صلة العقل بالشرع

- ‌تعريف الشرع:

- ‌تعريف العقل بين فلاسفة اليونان ولغة عدنان:

- ‌أدلة الشرع عقلية:

- ‌تعقيب:

- ‌الباب الخامس

- ‌علم الكلام على مفترق الطرق

- ‌السلف والأشاعرة:

- ‌محنة خلق القرآن ونتائجها المنهجية:

- ‌التعريف بابن كلاب:

- ‌إثبات صفة العلو لله تعالى شرعًا وعقلاً:

- ‌الإمام أبو الحسن الأشعري والمنهج السلفي:

- ‌ مدى التمايز بين المنهجين

- ‌ صفات الله سبحانه وتعالى:

- ‌ نظرية الكسب الأشعرية وتفسير أفعال الإنسان:

- ‌عدل الله تعالى وحكمته:

- ‌نظرية الجوهر الفرد وتفسير الخلق والبعث:

- ‌توافق أدلة الكتاب والسنة مع الواقع المشاهد:

- ‌صعوبات أمام النظرية في تفسير البعث:

- ‌تحول أئمة الأشعرية إلى طريقة السلف:

- ‌تقييم ابن تيمية لشيوخ الأشاعرة:

- ‌طريقة السلف أعلم وأحكم:

- ‌الباب السادس

- ‌موقف ابن تيمية من القضايا الكلامية:

- ‌مقدمة:

- ‌حياته وعصره:

- ‌خلقه:

- ‌منهجه:

- ‌هدم المنطق الأرسططاليسي وإعلاء الميزان القرآني:

- ‌الفطرة الإنسانية وطرق المعرفة:

- ‌الهدى والبينات:

- ‌مواقفه إزاء القضايا الكلامية

- ‌الصفات الإلهية:

- ‌إثبات صفات الله تعالى وأفعاله بالأدلة العقلية:

- ‌ طرق البراهين القرآنية

- ‌ الميزان القرآني:

- ‌ قياس الأولى:

- ‌ اللزوم والاعتبار:

- ‌الباب السابع

- ‌القضايا الكلامية في العصر االحاضر

- ‌المشكلات الكلامية في ضوء التفسير التاريخي:

- ‌مسائل الإجماع في العقيدة والعبادات:

- ‌الالتقاء بالغرب وآثاره على القضايا الكلامية:

- ‌ما هي الحضارة

- ‌صلة العلم بالدين في العصر الحديث:

- ‌المشكلات الكلامية الطارئة في العصر الحديث:

- ‌ملامح الفكر الإسلامي المعاصر:

- ‌الباب الثامندراسة في الفكر الإسلامي المعاصر

- ‌حياته وعصره

- ‌موقف محمد إقبال من الحضارة الغربية:

- ‌إقبال بين الغرب والشرق:

- ‌أهم آرائه:

- ‌الإنسان في القرآن:

- ‌الحقيقة بين التجربة العلمية والتجربة الدينية:

- ‌المراجع

الفصل: ‌ الإيمان بالقدر وعلاقته بالإرادة الإنسانية:

من الكافر الإيمان وإن لم يقع إلا الكفر، إن وقع، وكذا أراد من الفاسق الطاعة لا الفسق، حتى زعموا أن أكثر ما يقع من عباده على خلاف مراد الله، تعالى عن ذلك.

وظاهر عقيدتهم إرادة تنزيه الله تعالى، ولكننا سنعرف عندما نعرض لآراء أهل السنة، كم أخطأوا وشذوا، لأنهم لم ينتبهوا إلى التمييز بين الأمر والرضا والمحبة إذ الأخيرة لا تكون إلا في الخير، ولكن الإرادة قد تكون في غيره فهي تتعلق بكل ممكن كما يذكر ابن تيمية. قال الله تعالى:(وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ)[الزمر، الآية: 7] ، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ)[الأعراف، الآية: 28] فإن قيل، قد قال الله تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[البقرة، الآية: 185] وقال: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا)[الإسراء، الآية: 16] ، فالمقصود هنا أن الإرادة التي تعنيها هي الإرادة الكونية المتصلة بالحكمة من خلق العالمين.

وأما الإرادة الدينية المتصلة بالأوامر الشرعية فهي ترادف الرضا والمحبة.

وربما يلخص لنا موقف المعتزلة عبارة القاضي عبد الجبار في قوله: (سبحان من تنزه عن الفحشاء)، بينما يعبر عن اتجاه أهل السنة والجماعة رد أبي إسحاق السفاريني "سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء) (1) وللقارئ مزيد إيضاح:

‌ الإيمان بالقدر وعلاقته بالإرادة الإنسانية:

من أفضل ما نستهل به هذا الموضوع، هو إجابة السؤال الذي وجه إلى جعفر الصادق رضي الله عنه عندما سئل عن قول الله تعالى:(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)[المؤمنون، الآية: 115] لم خلق الله الخلق؟

فأجاب: لأن الله كان محسنًا بما لم يزل فيما لم يزل، فأراد الله أن يفيض إحسانه إلى خلقه وكان غنيًا عنهم، لم يخلقهم لجر منفعة ولا لدفع مضرة، ولكن خلقهم وأحسن إليهم فأرسل إليهم الرسل ليفصلوا بين الحق والباطل فمن أحسن كافأه الجنة ومن عصى كافأه النار (2) .

ويشرح "ابن القيم" أنواع الابتلاءات التي يتعرض لها الإنسان أثناء حياته في

(1) شرح عقيدة السفاريني ص 231: 232.

(2)

ابن تيمية: شرح حديث النزول ص 159 منشورات المكتب الإسلامي 1389 هـ / 1969 م.

ص: 97

الدنيا، محصيًا الآيات القرآنية الدالة عليها.

ويذكر أن الله سبحانه وتعالى ابتلى العباد بالنعم كما ابتلاهم بالمصائب، وأن ذلك كله ابتلاء فقال:(وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)[الأنبياء، الآية: 35] .

وقال: (أَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ)(15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) [الفجر، الآية: 15 - 16](1) .

وقال: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)[الملك، الآية: 2]

فأخبر سبحانه أنه خلق العالم العلوي والسفلي وقدر أجل الخلق وخلق ما على الأرض للابتلاء والاختبار، وهذا الابتلاء إنما هو ابتلاء صبر العباد وشكرهم في الخير والشر والسراء والضراء (2) .

كذلك وردت الأحاديث الكثيرة في بيان ما يقابله المؤمن في حياته من ابتلاءات طوال عمره، منها:

عن صهيب الرومي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له" رواه مسلم.

وعن "مصعب بن سعد" عن أبيه قلت يا رسول الله: أي الناس أشد بلاءً أي: محنة وشدائد؟ قال: "الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلاه الله على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة" رواه ابن ماجه وابن أبي الدنيا والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

والعبد المؤمن أمام شكره على النعم وصبره على البلاء حتى يجتاز طريق الدنيا ويعود إلى الجنة - موطنه الأصلي - كوعد الله تعالى إياه (فإنه ما حرمه عز وجل إلا ليعطيه، ولا أمرضه إلا ليشفيه، ولا أفقره إلا ليغنيه، ولا أماته إلا ليحييه، وما

(1) في تفسير ابن القيم الآية: قال الله تعالى: (كلا) أي: ليس الأمر كما يقول الإنسان، بل قد أبتلي بنعمتي وأنعم ببلائي.

(2)

ابن القيم: عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين ص 125 مطبعة الإمام.

ص: 98

أخرج أبويه من الجنة إلا ليعيدهما إليها على أكمل وجه. كما قيل: يا آدم لا تجزع من قولي لك: اخرج منها فلك خلقتها وسأعيدك إليها) (1) .

موقف الإنسان:

الإنسان إذن أمام هذه الحقيقة لا يملك فراراً، فهو بين أمر يجب عليه امتثاله وتنفيذه، ونهي يجب عليه اجتنابه وتركه، والصبر مع هذين الطرفين لازم لا يخلو من نوعين:

أحدهما: يوافق هواه ومراده كالصحة والسلامة والجاه والمال.

والآخر: المخالف للهوى وهو على شكلين؟

أ - يرتبط باختياره كالطاعات والمعاصي، وعليه يترتب الأجر.

ب - لا يرتبط باختياره كالمصائب، وبها تمحى السيئات وترفع الدرجات (2) .

ولكن الثابت أن الإنسان لا يملك منح نفسه القدرات والمزايا الجبلية كالذكاء والصحة والأنوثة أو الذكورة، ولا يملك اختيار أبويه يرث عنهما مواهب وسمات معينة دون الأخرى، ولا انتخاب الزمان الصالح ليعيش فيه، ولا البيئة الصالحة ليمضي فيها طفولته. هذه كلها أمور لا يملكها الإنسان وخارجة عن نطاق اختياره وليس مسؤولاً عنها (3) .

ولكن المتعللين بالقدر على أفعالهم الإنسانية يحتجون بآيات قرآنية يختارونها وفق أهوائهم، كقول الله تعالى:(فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)[فاطر، الآية: 8] .

وهذا الاحتجاج سرعان ما يدحض أمام النظرة القرآنية لآيات أخرى تخير الإنسان بين فعلين، كقوله عز وجل:(إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)[الإنسان، الآية: 3] .

وقوله سبحانه وتعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) [الشمس، الآية: 7، 8] .

(1) ابن القيم: عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين ص 47.

(2)

نفسه ص 51: 69.

(3)

علي الطنطاوي: تعريف عامر [[كذا في المطبوع، والصواب "عام"]] بدين الإسلام ج 1 ص 131 / 132 دار الرائد 1395 هـ 1975 م.

ص: 99

والقرآن يفسّر بعضه بعضًا، وهذا التفسير هو أدق التفاسير الذي يلجأ إليه العلماء لأن القرآن ميسر لكل ذي بصر وبصيرة.

(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)[القمر، الآية: 17]

وبهذا الفهم يصبح تفسير الآية الأولى واضحًا لا لبس فيه، إذ معناه أن إضلال الله لشخص أنه آثر الغي على الرشاد فأقره الله على مراده وتم له ما يبغي لنفسه قال تعالى:(فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)[الصف، الآية: 5] .

إذن، فمعنى قوله تعالى (يُضِلُّ مَن يَشَاءُ) لا يتعارض وقوله:(وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ) [البقرة، الآيتان: 26 و 27] وكذلك الحال في قوله تعالى: (يَهْدِي مَن يَشَاءُ) وللنظر إلى دور الإرادة الإنسانية في قول الله تعالى وهو يتكلم عن إرادته: (قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد، الآيتان: 27، 28] .

ثم يأتي دور مناقشة المحتجين بالأحاديث النبوية وربما يقع أكثرهم على الحديث الآتي - ويفسرونه خطأ بأنه يدل على الجبر ونفي حرية الإرادة الإنسانية.

والحديث: "ما منكم من أحد وما من نفس منفوسة إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة"، فقالوا يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال:"اعملوا فكل ميسر لما خلق له. أما من كان من أهل السعادة فيصير لعمل أهل السعادة وأما من كان من أهل الشقاوة فيصير لعمل أهل الشقاوة" ثم قرأ: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) [الليل، الآيتان: 5 - 10] .

وروى أبو بكر الضحاك بن مخلد الشيباني في كتابه "السنة" بسنده عن عمر رضي الله عنه أنه قال قلت: يا رسول الله، أرأيت عملنا هذا على أمر قد فرغ منه، أم على أمر نستقبله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بل أمر قد فرغ منه"، فقال عمر: ففيم العمل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلا، لا ينال إلا بعمل" فقال عمر: إذا نجتهد (1) .

والحديث - للبصر النافذ - لا لبس فيه (2) .

(1) ص 71 بتحقيق الألباني - المكتب الإسلامي (1413 هـ - 1993 م) .

(2)

الشيخ محمد الغزالي: عقيدة المسلم ص 140 - والحديث رواه البخاري بألفاظ متقاربة.

ص: 100

أما سبق علم الله تعالى فإنه ليس حجة أيضًا للمحتجين بالقدر على معاصيهم. قال تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ)[البقرة، الآية: 143] .

وقال: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)[آل عمران، الآية: 142] .

وقوله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)[محمد، الآية: 31] .

فروي عن ابن عباس في قوله: (إِلَّا لِنَعلَمَ) أي: (لنَرَى) وروي لنميز.

وكذلك قال عامة المفسرين: (إلا لنرى ونميز) وكذلك قال جماعة من أهل العلم، قالوا: لنعلمه موجوداً واقعًا بعد أن كان قد علم أنه سيكون. ولفظ بعضهم، قال: العلم على منزلتين - علم بالشيء قبل وجوده، وعلم به بعد وجوده. والحكم للعلم به بعد وجوده لأنه يوجب الثواب والعقاب.

قال: فمعنى قوله (لِنَعْلَمَ) أي: لنعلم العلم الذي يستحق به العامل الثواب والعقاب ولا ريب أنه كان عالمًا سبحانه بأنه سيكون، لكن لم يكن المعلوم قد وجد (1) .

(3)

الوعد والوعيد:

ويتصل الأصل الثالث بالوعد والوعيد ومضمونه كما يعبر عنه الشهرستاني أن المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة استحق الثواب والعوض، وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة ارتكبها استحق الخلود في النار، ولكن عقابه يكون أخف من عقاب الكفار (2) .

وانسياق المعتزلة في هذا الأصل يتصل بدفاعهم عن الحرية الإنسانية واحتكامهم إلى العقل إذ أصبح الثواب والعقاب عندهم ينصب على أفعال الإنسان نفسها والتي يقتضيها العقل ومعنى هذا اعتقادهم أن إثابة المطيع ومعاقبة العاصي إن لم يتب - أمر محتوم أي: يجب على الله تعالى أن يفعله، فخلطوا بين الوعد والوعيد،

(1) ابن تيمية: الرد على المنطقيين ص 446 ط لاهور 1396 هـ 1976 م.

(2)

الملل والنحل ج 1 ص 59.

ص: 101

بينما يعتقد أهل الحديث والسنة أنه يجوز على الله تعالى إخلاف الوعيد لا إخلاف الوعد، والفرق بينهما أن الوعيد حقه فخلافه عفو وهبة، وإسقاط ذلك موجب كرمه وجوده وإحسانه والوعد على نفسه بوعده، والله لا يخلف الميعاد.

ويعتقد أهل السنة والجماعة أنه من موانع وقوع الوعيد التوبة والتوحيد والحسنات العظيمة والمصائب المكفرة وإقامة الحدود في الدنيا وأضعاف أضعافها.

(4)

المنزلة بين المنزلتين:

ويأتي أصلهم في (المنزلة بين المنزلتين) الذي فارقوا به الجماعة ليرتبوا عليه اعتقاد أن مرتكب الكبيرة فاسق، وهو في منزلة بين منزلتي الكفر والإيمان ولكنهم لم يكفروه كما فعل الخوارج، كما لم يستحلوا الدماء والأموال في الدنيا.

(5)

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

ولا ينفرد المعتزلة بالأصل الأخير - أي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه مبدأ إسلامي اعتنقته كل الفرق، وهو يقضي بأمر المسلمين وتكليفهم بالجهاد في سبيل الله بأمر الآية:(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[آل عمران، الآية: 104] . إلى جانب اعتقادات أخرى اختلفوا فيها تزيد عن هذه مثل قولهم بأن العلم بالله تعالى يحصل بالنظر والاستدلال أي: ترتيب الأقيسة العقلية، فخالفوا جماهير الفقهاء والصوفية وأهل الحديث والعامة وغيرهم، لأن سلف الأمة وأئمتها اتفقوا على أن معرفة الله تعالى والإقرار به لا يقف على الطرق التي يذكرها أهل طريقة النظر، لأن الأصل المعرفة والإقرار بالصانع يحصل بديهة وضرورة ولا يتوقف على النظر والاستدلال، ويدلل ابن تيمية على ذلك بأن جميع الأمم تقر بالصانع مع عظيم شركهم وكفرهم (ولهذا يوجد له عند كل أمة اسم يسمونه، والتسمية مسبوقة بالتصور. فلا يسمي أحدًا إلا ما عرفه، ثم المستمع لذلك الاسم يقبل بفطرته ثبوت المسمى به من غير طلب حجة على وجوده ويكون قبوله لأسماء سائرها ما أدركه بحسه وعقله مثل الشمس والقمر والواحد والاثنين بل هذا أكمل وأشرف) .

ص: 102