الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في مقدورها، ولا لشيء من الأجسام طبيعة، ولا غريزة بل يقولون:(فعل عنده لا به) . وخالفوا بذلك الكتاب والسنة، وإجماع السلف والأئمة، وصرائح العقول (1) .
وسنلخص فيما يلي الأدلة التي قدمها ابن تيمية وهي مستمدة من الكتاب والسنة ومن آراء العلماء والفلاسفة نتيجة التجارب والنظر والمعقول:
توافق أدلة الكتاب والسنة مع الواقع المشاهد:
اختار ابن تيمية من النصوص ما يبرهن به على إثبات الأسباب، مثل قوله تعالى:(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[البقرة، الآية: 164] وقال سبحانه: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[الأعراف، الآية: 57] .
وقال عز وجل: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ)[ق، الآية: 9] .
وهناك آيات كثيرة أخرى في كتاب الله تعالى حيث يذكر سبحانه أنه فعل هذا بها، كما ذكر أنه أنزل الماء بالسحاب، وأنه أحيا الأرض بالماء.
أما ما ورد في السنة، فكثير أيضًا، فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تنكسفان لموت أحد ولا لحياته. ولكنهما آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده. فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة".
وأمر صلى الله عليه وسلم عند الكسوف بالصلاة والذكر، والدعاء، والصدقة، والعتاقة، والاستغفار، وكذلك عند سائر الآيات التي يخوف الله بها عباده.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تنكسفان لموت أحد ولا لحياته" رد لما كان قد توهمه بعض
(1) ابن تيمية: الرد على المنطقيين ص 270.
الناس من أن كسوف الشمس كان لأجل موت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد مات وكسفت الشمس، فتوهم بعض الجهال من المسلمين أن الكسوف كان لأجل هذا، فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الكسوف لا يكون سببه موت أحد من أهل الأرض، نفى بذلك أن يكون الكسوف معلولاً عن ذلك
…
وبين أن ذلك من آيات الله التي يخوف بها عباده (1) .
وما يثبت أيضًا أن التخويف إنما يكون سبباً للشر وعلة له، ما قاله تعالى في سورة الإسراء:(وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا)[الإسراء، الآية: 59] وقياسًا على ذلك فلو كان الكسوف وجوده كعدمه بالنسبة إلى الحوادث، لم يكن سببًا لشر، وهو خلاف نص الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويدعم ذلك ما ورد في سنن - الترمذي والنسائي وأحمد - أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر وقال لعائشة: "يا عائشة، تعوذي بالله من شر هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب". وتفسير الحديث أيضًا يدل على أن الاستعاذة إنما تكون مما يحدث عنه شر.
أضف إلى ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أمر عند انعقاد أسباب الشر بما يدفع موجبها بمشيئة الله تعالى وقدرته من الصلاة والدعاء، والذكر، والاستغفار، والتوبة، والإحسان بالصدقة والعتاقة فإن هذه الأعمال الصالحة تعارض الشر الذي انعقد سببه، كما في الحديث "إن الدعاء والبلاء ليلتقيان بين السماء والأرض فيعتلجان" ومثل ذلك مثلما جاء عدو فإنه يدفع بالدعاء، وفعل الخير، وبالجهاد له، ومثلما يفعله المرء إذا هجم البرد، يدفعه باتخاذ الدفء فكذلك الأعمال الصالحة والدعاء.
وإذا كانت الحكمة ضالة المؤمن، فإن ابن تيمية لا يكتفي بهذه الأدلة فيضيف إليها اتفاق أهل الملل وأساطين الفلاسفة، مؤيدًا ذلك لهما ذكر عن بطليموس أنه قال (واعلم أن ضجيج الأصوات في هياكل العبادات بفنون اللغات يحلل ما عقدته الأفلاك الدائرات)(2) .
(1) ابن تيمية: الرد على المنطقيين ص 270- 271.
(2)
الرد على المنطقيين ص 272 ويرى أن ذلك مخالف للحس والعقل والخلق عندهم الموجود في زماننا إنما هو جمع وتفريق لا ابتداع عين وجوهر قائم بنفسه، ولا خلق لشيء قائم لا إنسان ولا غيره وإنما يخلق أعراضًا.