الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وشرح ذلك يحتاج إلى مزيد من الإيضاح، نذكره فيما يلي:
منهج الصحابة في النظر والتدبر:
لقد خاطب الإسلام العقل كما رأينا ودعا الإنسان إلى النظر في آثار مخلوقات الله تعالى، وقد مضى عصر الصحابة في الصدر الأول على هذا المنهج القرآني الواضح كان قدوتهم الرسول صلى الله عليه وسلم وحده في النظر والسلوك، حيث عاشوا معه وشاهدوا التنزيل وسألوا واستفسروا عما يعنُّ لهم من قضايا تحتاج إلى شرح وإيضاح.
وهكذا استمدوا من كتاب الله تعالى معرفة وحدانية الله تعالى، وإثبات صفاته، وعرفوا الأنبياء والرسل عليهم السلام وقصصهم مع أممهم، ووقفوا منه على أصل خلق آدم عليه السلام وعداوة إبليس له ولبنيه وعرفوا مكانة الملائكة وأدوارهم من بين مخلوقات الله تعالى، واستمدوا معلوماتهم عن اليوم الآخر وحساب الله تعالى وجنته وناره والقدر خيره وشره إلى ذلك من القضايا التي تشكل أركانًا رئيسية وأصولاً في الإيمان. وكلها جمعها القرآن الكريم - كما يرى الزركشي - في أقسام ثلاثة: توحيد وتذكير وأحكام. (فالتوحيد تدخل فيه معرفة المخلوقات ومعرفة الخالق بأسمائه وصفاته وأفعاله، والتذكير ومنه الوعد والوعيد والجنة والنار وتصفية الظاهر والباطن، والأحكام ومنها التكاليف كلها وتبيين النافع والضار والأمر والنهي والندب. فالأول: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)[البقرة، الآية: 163] فيه التوحيد كله في الذات والصفات والأفعال، والثاني:(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات، الآية: 55] . والثالث: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ)[المائدة، الآية: 49](1) .
وقد خط لهم القرآن الكريم الاستدلال بمخلوقات الله تعالى على وحدانيته سبحانه وعلمه وحكمته، فإنها جميعًا تبرهن على أن لها صانعًا حكيماً خبيراً تام القدرة بالغ الحكمة، كما دعاهم إلى آثار الصنعة في أنفسهم أيضًا (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [الذاريات، الآية: 21] إشارة إلى ما فيها من آثار الصنعة ولطيف الحكمة
(1) الزركشي: البرهان في علوم القرآن ج 1 ص 17 ط الحلبي 1957 م.
الدالين على وجود الصانع الحكيم (1) .
ونهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن التفكر في الخالق جل شأنه، فجاء في الأثر "تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق) ، وتعليل النهي أنه سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء (فالتفكر والذي مبناه على القياس ممتنع في حقه، وإنما هو معلوم بالفطرة، فيذكره العبد)(2) كذلك جاء الرسول صلى الله عليه وسلم بسنته كمصدر ثان للإسلام ولذلك أصبح المنهج الصحيح يقتضي معرفة سنته وتنفيذها، فمن كان أعلم بسنته وأتبع لها كان الصواب معه، وهذه الأوصاف تنطق على الصحابة رضي الله عنهم ثم الأجيال التالية من أهل الحديث والسنة (وهؤلاء هم الذين لا ينتصرون إلا لقوله، ولا يضافون إلا إليه، وهم أعلم الناس بسنته وأتبع لها لكن التفرق والاختلاف كثير في المتأخرين)(3) .
وبهذه الطريقة وضعوا الأسس السليمة للمنهج الصحيح في معرفة أصول الدين وفروعه، فمن أراد إذن معرفة شيء من الدين والكلام فيه، نظر فيما قاله الله والرسول صلى الله عليه وسلم، فمنه يتعلم وبه يتكلم وفيه ينظر ويتفكر وبه يستدل، هذا أصل منهج أهل الحديث والسنة.
أما المخالفون لهذا المنهج، فلم يراعوا قاعدته ويلتزموا بخطواته، إذ أنهم بدلاً من البدء بالنظر فيما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، بدأوا بما رأوه بعقولهم كما فعل المتكلمون، أو بما ذاقوه بوجدانهم - كما فعل الصوفية - فإذا وجدوا السنة توافقه وإلا لم يبالوا بذلك، فإذا وجدوها تخالفه، أعرضوا عنها تفويضًا أو حرفوها تأويلاً (4) .
وهذه الصورة المخالفة للمنهج الإسلامي الصحيح كثيرًا ما نراها في عصرنا أيضًا، بسبب ضغوط ثقافة الغرب وحضارته، وعلى أثر انتصاره العسكري والسياسي وتفوقه العلمي ونفوذه الثقافي، وتأثيره الساحر على العقول والنفوس، في مقابل ضآلة
(1) السيوطي: صون المنطق ج 1 ص 143.
(2)
ابن تيمية: نقض المنطق ص 35.
(3)
ابن تيمية: منهاج السنة ج 3 ص 46.
(4)
ابن تيمية: الفرقان بين الحق والباطل ص 47.
المعرفة بالإسلام بأصوله وفروعه، نجم عنه أن أصبح الكثيرون يتبنون الأفكار والفلسفات الغربية ويعطونها شكلاً إسلاميًا، ظانين بذلك أنهم يدافعون عنه ويقدمونه إلى الأجيال الشابة في ثوب عصري!! (1) .
(1) كالقول مثلاً بديمقراطية النظام الإسلامي أو اشتراكيته وتحرر نظمه وقابليته للتطور وغيرها من المصطلحات اللصيقة بفلسفة الغرب وحضارته وتاريخه، ولها مدلولاتها ومعانيها المختلفة تمامًا عن مقابلها في الإسلام بعقيدته وشريعته وتاريخه وحضارته.