الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حضارة الشعوب المسلمة. وقد طبع الكتاب فى القاهرة فى مجلدين فى عام 1299 - 1300.
المصادر:
وردت فى صلب المادة
بهجت عبد الفتاح [س. بروكلمان C. Brockelmann]
غسان (غساسنة)
فرع من مجموعة قبائل الأزد الكبيرة التى هاجرت من جنوب الجزيرة العربية، وارتحلت فى شبه الجزيرة إلى أن استقرت أخيرا فى داخل نطاق الإمبراطورية الرومانية فى عام 490 م. وقبلت بالمسيحية ووافقت على أن تدفع الجزية.
وبعد فترة تعايش قصيرة كدافعين للجزية، استطاعوا أن يتغلبوا على هذه الجماعة الأخيرة (قبائل صالح) وحلت محلها كحلفاء عرب جدد لبيزنطة وكان ذلك فى عام 502 - 503 م. وقد نظمت علاقاتهم مع الإمبراطورية معاهدة كانوا يتلقون طبقا لها إعانات سنوية، يقدمون فى مقابلها فرقا محمولة (مزودة بما تحتاجه القوات) للجيش البيزنطى. وكان يطلق على رؤسائهم فى الأقاليم المختلفة أسماء رومانية تعنى رؤساء العشائر، كما كانوا يوضعون فى مصاف الكبار والمتميزين -بل إن زعيمهم الذى كان مقعده فى جابية فى إقليم الجزيرة العربية حصل على أعلى تكريم وأعظم الألقاب حتى أنه كان يضع على رأسه التاج كملك تابع، ورغم هذه الاتجاهات التى تشربوها من الرومان فى كثير من النواحى ورغم ارتباطهم العاطفى بفكرة "الطبيعة الواحدة" للمسيح، فقد ظل الغساسنة عربا فى أعماقهم، وقد زار بعض الشعراء من شبه الجزيرة مثل حسان بن ثابت والنابغة زاروا بلاطهم وأنشأوا فيهم قصائد المديح التى تشى بحياتهم من الداخل، والتى تعتبر وثائق لتاريخهم لثلاثة عقود.
وقد أدى الغساسنة، سياسيا وعسكريا أعظم المهام لبيزنطة:(أ) فقد زودوا جيشى المشرق بالفوق ذات الكفاءة العالية والقدرة على التحرك، وذلك فى حرب "الروم" ضد الفرس
التى كانت أبرز الإسهامات السياسية والعسكرية فى عهد الحارث بن حبلة فى الفترة من عام 529 م إلى عام 569 م، وقبل أن تؤدى الخلافات مع أباطرة الرومان جوستين الثانى، وتبيربوس Tiberins وموريس إلى الحد من جهودهم العسكرية وإحباطها. وقد اشترك الحارث على نحو منتظم فى الحربين اللتين خاضهما الرومان ضد الفرس فى عصر جوستنيان (527 - 565 م)، وحارب ببراعة فى "كالينيكوم" Callinicum (531 م) وفى حملة بيليزاريوس Belisurius الأشورية (541 م). (ب) تواصلت الحرب بنجاح مع اللخميين. وقد انتصر الحارث بمفرده على منذر اللخمى فى يم حليمة Yamm Haliam فى عام 554 م بالقرب من قنسرين وانتصر ابنه على قابوس فى عين أوباغ Ayn Ubagh فى عام 570 م واستولى على الحيرة وأحرقها -وقد كان تفوق الغساسنة العسكرى على اللخميين خلاصا لبيزنطة من أخطر مشكلة عربية تواجهها (جـ) استطاع الغساسنة من قاعدتهم الرئيسية فى الجزيرة العربية وفلسطين أن يضيقوا الخناق على البدو الرجل، والقيام بحملات عسكرية ضد اليهود فى الحجاز. وقد تضمن الجانب العربى لمهمتهم حماية المصالح التجارية والسياسية لبيزنطة على طول طريق التوابل، وقد انعكست أهميتهم فى هذا الجانب فى الاشتراك فى البعثة الدبلوماسية إلى أبرهة الحاكم الحبشى لـ Arabia Felix.
وقد كان الغساسنة عنصرا حاسما فى تاريخ الإيمان بالطبيعة الواحدة للمسيح فى سوريا، فقد أدت جهود ملكهم الحارث بن حبلة إلى إحياء الكنيسة التى تأخذ بهذه العقيدة (الإيمان بالطبيعة الواحدة للمسيح) بعد أن كانت غير معترف بها فى عصر الإمبراطور الخلقيدونى (1) جوستين الأول فيما بين 518 - 527 م.
(1) نسبة إلى خلقيدونية وهى مدينة قديمة بآسيا الصغرى على البوسفور وقد عقد فيها عام 451 م "المجمع المسكوفى الذى حرم القول بالطبيعة الواحدة للمسيح. المترجم
وفى عام 540 م تقريبًا وبمساعدة الإمبراطورة تيودورا، حصل الحارث على رسامة اثنين من الأساقفة الذين يعتقدون فى الطبيعة الواحدة للمسيح وهما اتيودوراس Thendnnic والأسقف الشهير جاكوب (يعقوب) برادايوس Jacob Baradaeus والذى سميت باسمه كنيسة الطبيعة الواحدة للمسيح فى سوريا فأصبحت تسمى بالكنيسة "اليعقوبية" -وقد عملت الجهود المضنية لهذين الرجلين على إعادة النشاط لهذه الكنيسة مرة أخرى. واستمر ملوك الغساسنة، الحارث وابنه منذر فى حماية هذه الكنيسة لا من عداء الخلقيدونيين فحسب بل أيضا من الحركات الانقسامية فى الداخل "هرطقة التثليث" التى قال بها إيوجينيوس Eugenius وكونون Conon، والخلاف الذى نشب بين جالوب برادايوس وبين بول الأسود، وكذلك الصراع على كرسى البطريركية بين أساقفة أنطاكية والاسكندرية -ولكن الغساسنة لم يهملوا أبدا شبه الجزيرة العربية فقد كان نشاطهم التبشيرى- وخصوصا فى نجران ذا أثر مهم فى نشر المسيحية فى تلك الأجزاء الجنوبية. وبالرغم من أن تأييدهم القوى لحركة الطبيعة الواحدة للمسيح قد كدرت علاقاتهم بالأباطرة الارثوذكس، وأدت إلى سقوط ملكهم منذر (569 - 582 م)، وولده نعمان، إلا أن تاريخ هؤلاء القادة العسكريين قد اختار من خلال هذه الحركة هذا الصفاء الروحى الذى جعل منها أنضج تعبير عن الثقافة العربية المسيحية.
وقد قام الغساسنة بإسهامات مهمة فى تمدن سوريا وفى حياتها المعمارية فى القرن السادس فأنشأوا أعدادًا من المدن مثل جلق، وكذلك الأشغال العامة مثل الصراع فى الرصافة (سيرجيوبوليس Sergio polis) - كما بنوا الكنائس والأديرة- وسبقوا الأمويين عندما شيدوا فى الصحراء وبالقرب منها مساكن فخمة كانت فى بعض الأحيان منشآت عسكرية.
ولم تكن العلاقات بين بيزنطة والغساسنة طيبة بسبب نزعة الاستقلالية وبسبب تأييد الغساسنة لحركة الطبيعة الواحدة للمسيح. . وفى