الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - العمارة فى العصر العباسى:
كان لتأسيس بغداد تأثير بعيد المدى مشابه للتأثير الذى حدث عندما انتقلت عاصمة الامبراطورية الرومانية من روما إلى القسطنطينية وترتب على ذلك تغير مركز الثقل فى الامبراطورية.
كانت العاصمة [أى دمشق] حتى ذلك الوقت، تقع فى منطقة خاضعة لتأثير الحضارة الهيلنستية منذ عصر الإسكندر، ولكن ترتب على انتقال مركز الخلافة إلى بغداد أن ضعف هذا التأثير وحل محله التأثير الساسانى الفارسى، وإلى هذه المنطقة تنتمى العراق مما كان له أثره فى تصميم المدينة الجديدة التى توجد عنها بيانات مفصلة فى اليعقوبى والخطيب يمكن على هديها إعادة بنائها على الرغم من أنه لا يوجد أى أثر لبغداد المنصور التى شرع فى وضع أساسها فى عام 145 هـ/ 763 م وتم الفراغ من بنائها عام 149 هـ/ 766 م، وكانت المدينة ذات تصميم دائرى، (شكل 13).
(شكل 13) مسقط أفقى لمدينة بغداد.
ويحيط بها سوران أحدهما خارجى والآخر داخلى بينهما فصيل يبلغ عرضه حوالى 35.40 م، ويبلغ ارتفاع السور الخارجى حوالى 14 م وسمكه 4 م، بينما يبلغ ارتفاع السور الداخلى هو والشرفات التى تعلوه حوالى 17 م وسمكه 5 م.
وكان يوجد بين كل باب والآخر برج وعددها ثمانية وعشرون برجًا ويبلغ ارتفاع كل برج منها ما يقرب من مترين ونصف المتر [إلا أنه كان يوجد برج إضافى بين كل من بابى البصرة والكوفة وعلى ذلك كان عدد الأبراج فى هذا الجانب 29 برجا]
وكان للمدينة أربعة أبواب محورية [وهى باب خراسان فى الشمال الشرقى وباب الشام فى الشمال الغربى وباب البصرة فى الجنوب الشرقى وباب الكوفة فى الجنوب الغربى].
ويذكر الخطيب البغدادى (تاريخ
(شكل 14) مسقط أفقى لأحد مداخل بغداد.
بغداد - ص 66 - 67) أن "لكل باب منها بابين: باب دونه باب بينهما دهليز ورحبة، يدخل إلى الفصيل الدائر بين السورين فالأول باب الفصيل والثانى باب المدينة، فإذا دخل الداخل من باب خراسان الأول عطف على يساره فى دهليز أزج معقود بالآجر والجص: عرضه عشرون ذراعا وطوله ثلاثون ذراعا، المدخل إليه فى عَرْضَيْه والمخرج منه من طوله، يخرج إلى رحبة ممتدّة إلى الباب الثانى طولها ستون ذراعا وعرضها أربعون ذراعا ولها فى جنبتيها حائطان من الباب الأول إلى الباب الثانى، وفى صدر هذه الرحبة فى طولها الباب الثانى وهو باب المدينة. . . والأبواب الأربعة على صورة واحدة فى الأبواب والفصلان والرِّحاب والطاقات".
ويتضح من كلمات الخطيب البغدادى التى يقول فيها "إنه إذا دخل الداخل من باب خراسان الأول عطف على يساره فى دهليز. ." إن المدخل الخارجى كان مدخلا منكسرا [وهو ما يعرف فى المصادر العربية باسم الباشورة]، ويضيف الخطيب (نفسه - ص 67) فيذكر أن الباب الثانى أو الباب الداخلى يؤدى إلى دهليز أزج مقبى بالآجر والجص طوله 20 ذراعًا وعرضه 12 ذراعًا [وكذلك فى سائر الأبواب الأربعة ويعلوه مجلس على رأسه قبة عظيمة مزخرفة سمكها 50 ذراعًا. أما بالنسبة إلى شكل المدينة الدائرى فإن المؤرخين المسلمين يصرون على أنه [لا يعرف من أقطار الدنيا مدينة مدوَّرة سواها] وواقع الأمر أن هذا القول بعيد عن الصواب إذ أن هذا التخطيط كان معروفا فى العديد من المدن قبل العصر الإسلامى ومنها كل من: مدينة سنجرلى الحبشية، ومدينة عبره [شرق نصيبين] ومدينة اجبتانا [هاجمتانا] ومن العصر الفارثى [أو البارثى] كل من مدينة اكتسيفون [المدائن] ومدينة تخت سليمان ومدينة دارا بجرد فى فارس وأيضا فيروزآباد [مدينة جور الساسانية] أما عن المسجد فقد بنى فى وسط المدينة الجديدة. (شكل 15).
(شكل 15) مسقط أفقى لمسجد مدينة بغداد.
وكان المسجد، حسب رواية الخطيب، يشغل مساحة مربعة يبلغ طول ضلعها مائتى ذراع (أى حوالى 100 م) وسقفت هذه المساحة بسقف خشبى محمول على أعمدة خشبية، ومن المحتمل أن حرم المسجد [أى المقدم] كان يتكون من خمسة أروقة [بلاطات] مثل جامعى الكوفة وواسط [وبكل بائكة سبعة عشر عقدا [تسير من اليمين إلى اليسار [أى أنها تتجه موازية لجدار القبلة] أما الجوانب الثلاثة الأخرى المحيطه بالصحن [أى المؤخر والمجنبتان] فبكل منها رواقان فقط.
هذا وقد أعيد بناء الجامع بالآجر والجص وخشب الساج بأمر الخليفة
هارون الرشيد فيما بين عامى 192 - 193 هـ/ 807 - 808 م.
وكان قصر المنصور مربعا يبلغ طول ضلعه 400 ذراع ويقع فى وسط المدينة ملاصقا للجامع من جهة جدار القبلة (شكل 15) كما هو الحال فى القصور الإسلامية السابقة مثل دمشق حوالى عام 30 هـ/ 630 م والبصرة 50 هـ/ 665 م والقيروان 55 هـ/ 670 م وواسط 83 هـ/ 702 م أو 84 هـ/ 703 م ومرو 132 - 138 هـ/ 750 - 756 م وجامع أحمد بن طولون (إذا اعتبرنا دار الإمارة التى خلف جدار القبلة قصرا) 265 هـ/ 878 م.
وقد اندثر المسجد والقصر منذ فترة طويلة، إلا أنه لحسن الحظ بقى لدينا قصر عباسى من هذه الفترة [أى الربع الثالث من القرن 2 هـ/ 8 م] فى حالة جيدة من الحفظ وهو قصر الأخيضر ويقع فى وادى عبيد على بعد 30 ميلًا غربى كربلاء. (شكل 16)
(شكل 16) مسقط أفقى لقصر الأخيضر
ويتكون هذا القصر من مساحة خارجية مستطيلة محصنة تبلغ 175 × 169 م ويتوسط كل واجهة من واجهاته الأربع باب، وتوجد أربعة أبراج مستديرة [والصواب على هيئة ثلاثة أرباع الدائرة] فى الأركان، بينها عشرة أبراج نصف دائرية عدا الأبراج الفريدة على جانبى كل مدخل من المداخل الأربعة.
وداخل هذه المساحة الخارجية المسورة يوجد القصر نفسه وقد بنى ملاحقًا لواجهة سوره الشمالى من الداخل، وتبلغ مساحته 111 م من
الشمال إلى الجنوب و 82 م من الشرق إلى الغرب، وهو مزود أيضًا بأبراج نصف دائرية ويقع مدخله الرئيسى على محور المدخل الشمالى للسور الخارجى الرئيسى، وكان ارتفاع الجدران الأصلى بالدروة التى تعلوها حوالى 19 م، وهى مبنية بالحجر الجيرى على هيئة لوحات غير مستوية [أى أنها خشنة الملمس] ولحاماتها مكونة من مونة من الجص. ويتكون داخل القصر من فناء كبير [ساحة الشرف] فى الجانب الجنوبى منه إيوان كان بمثابة قاعة الاستقبالات العامة وتوجد خلف هذا الإيوان حجرة مربعة من المفروض أنها قاعة الاستقبالات الخاصة ويحيط بكل منهما [أى الإيوان والحجرة المربعة] حجرات قصبية.
ويوجد دهليز كبير قصبى يبلغ عرضه حوالى 3.5 م يدور بكامله حول هذه المجموعة من الحجرات وساحة الشرف، كما توجد فى جانبيه الشرقى والغربى أربع مجموعات من البيوت منعزلة ومستقلة تمامًا، وكل بيت مكون من حجرات قصبية يتوسطها فناء خاص وكانت هذه البيوت الأربعة تخص الزوجات الشرعيات الأربع للأمير المسلم الذى بنى هذا القصر من أجله كما هو الحال فى قصر المشتى. (شكل 16).
فى هذه البيوت الأربعة نجد أنه يتخلل الضلع المجاور للدهليز الكبير [ويقصد به الضلع الشرقى لفناء البيوت الغربية والضلع الغربى لفناء البيوت الشرقية] بائكة صماء ذات خمسة عقود يشغل العقد الأوسط منها باب [وهو باب الدخول لفناء البيوت الأربعة من الدهليز]، وتوجد فى الجانب المقابل [أى الضلع الغربى لفناء البيوت الغربية والضلع الشرقى لفناء البيوت الشرقية] سقيفة يبلغ عمقها 2.80 م ذات خمسة عقود محمولة على أربع دعامات مستديرة، ويسقف هذه السقيفة قبو برميلى، أما الضلعان الشمالى والجنوبى لفناء كل من البيتين الشماليين [B - H] فيشغل كل منهما سقيفة ذات ثلاثة عقود تمتد خلفها ثلاث حجرات [الصواب إيوان أوسط وحجرتان على جانبيه] مستعرضة مسقفة باقبية برميلية، ويلاحظ عدم وجود السقيفة ذات العقود الثلاثة بكل من الضلعين الشمالى والجنوبى لفناء البيتين الجنوبيين [C - G].