الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على بن أبى طالب
ابن عم الرسول [صلى الله عليه وسلم] وزوج ابنته، ورابع الخلفاء، وهو من أوائل من آمنوا برسالة محمد [صلى الله عليه وسلم]، والجدل يدور بين الشيعة والسنة فيما إذا كان هو ثانى من آمنوا بعد خديجة أو الثالث بعد خديجة وأبى بكر، وكان فى ذلك الوقت فى نحو العاشرة أو الحادية عشرة على أقصى تقدير، وقد أخذه محمد [صلى الله عليه وسلم] فى بيته ليخفف العبء عن أبيه أبى طالب الذى كان يعاني الفقر. وفى كتب السيرة أنه نام فى مكان الرسول [صلى الله عليه وسلم] فى الليلة التى هاجر فيها الرسول [صلى الله عليه وسلم] من مكة إلى المدينة حتى أن المتآمرين على قتل النبى [صلى الله عليه وسلم] أصابتهم الدهشة عندما رأوا ابن عمه ينام فى موضعه. وبعد ذلك انضم على إلى الرسول [صلى الله عليه وسلم] فى قباء، وبعد ذلك بعدة شهور تزوج ابنته فاطمة، وأثمر زواجهما الحسن والحسين؛ ولم يتزوج علىّ أية امرأة أخرى فى حياة فاطمة. واشترك على فى حياة الرسول [صلى الله عليه وسلم] فى كل الغزوات تقريبًا، كحامل للراية فى كثير من الأحيان وكقائد فى حالتين فقط (فى فَدَك - 6 هـ/ 628 م وفى اليمن فى 10 هـ/ 632 م). ودائما ما كان يظهر شجاعة أصبحت مضرب الأمثال، وقد قتل فى بدر عددا كبيرا من القرشيين، وفى خيبر استخدم بابا كبيرًا ثقيلا كدرع، كما كان انتصار المسلمين على اليهود يعود إلى حماسته وغيرته، وكان فى حُنين 8 هـ/ 630 م واحدا من الذين دافعوا ببسالة وقوة عن الرسول [صلى الله عليه وسلم]، وبعد موت الرسول لم يشترك فى أية حملة عسكرية لأسباب غير معروفة، ويقال إن عمر قد منع القرشيين من الذهاب إلى الأمصار ولكن عثمان أزال جميع القيود على تحركاتهم، وربما لم يكن على يرغب فى ترك المدينة لحالته الصحية التى حالت بينه وبين القتال؛ بالرغم من أن أعمالا عظيمة عديدة نسبت إليه فى موقعة الجمل (36 هـ/ 656 م) وموقعة صفين (37 هـ/ 657 م) وكان عمره ستين عاما.
وقد قام بأعمال كثيرة أخرى للنبى [صلى الله عليه وسلم] فكان واحدا من معاونيه، وكان الرسول [صلى الله عليه وسلم] يكلفه بمهام يمكن أن
نطلق عليها دبلوماسية، وقد حصل -فى مناسبتين- على تفويض بتحطيم الأصنام. ونفذ بيديه إعدام أعداء حكم عليهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] بالموت، كما أشرف -مع الزبير، على الانتقام من يهود بنى قريظة (5 هـ/ 627 م)، وفى عام 9 هـ/ 631 م قرأ على الحجيج المجتمعين فى منى الآيات السبع الأولى من سورة "براءة". وفى أثناء اختيار أبى بكر، كخليفة لرسول اللَّه [صلى الله عليه وسلم] ظل على وطلحة والزبير وعدد من الصحابة فى بيت الرسول [صلى الله عليه وسلم] للإعداد لدفنه. وبالرغم من أن العباس -وقيل أبو سفيان أيضا- نصحه بأن يبقى على الخلافة فى أيدى الهاشميين إلا أنه لم يبذل أى جهد فى سبيل ذلك. وعندما أقر هؤلاء الذين امتنعوا عن الاعتراف بأبى بكر باختياره تدريجيا، بقى على رفضه لمدة ستة شهور، ولكن موقفه تعقد بسبب موضوع الوراثة، فقد أكدت فاطمة مطالبتها بالأراضى التى امتلكها والدها، الأمر الذى رفضه أبو بكر على أساس قول محمد [صلى الله عليه وسلم](نحن معاشر الأنبياء لا نورث) - ونحن نشك فى أن عليا كان يأمل فى أن يخلف محمدًا [صلى الله عليه وسلم]، فالقاعدة العامة عند العرب أن يختاروا رؤساءهم ممن قد اكتمل نموهم وكان علىّ فى عام 11 هـ/ 633 م لا يتعدى الثلاثين إلا قليلًا، ولم يبد أى ميل للمطالبة بأحقيته فى الخلافة. ولكن الشيعة بتفسيرهم حسب معتقداتهم بعض الكلمات التى يقال إن النبى [صلى الله عليه وسلم] قالها فى حق على، يوْكدون دائما أن النبى [صلى الله عليه وسلم] كان ينوى أن ينقل الخلافة إلى على، ولكن المؤكد على أية حال أن النبى [صلى الله عليه وسلم] لم يعرب عن رغبته هذه فى أثناء مرضه الأخير.
ويقول الكتاب المسلمون إن عليًا كان مستشارا له قيمته لدى الخلفاء الذين سبقوه، ولكن المحتمل أنهم كانوا يسألونه المشورة حول المسائل الشرعية فى ضوء معرفته الوثيقة الكبيرة بالقرآن والسنة، ولذلك نشك فى تقبل عمر لمشورته فى القضايا السياسية، فبالنسبة "للديوان" المشهور -على الأقل- كان على يرى ما يخالف رأى الخليفة تماما، فعندما سأله عمر عن هذا الموضوع أوصى بتوزيع الموارد كلها دون الاحتفاظ بأى احتياطى
(البلاذرى)، ولم يتقلد علىّ أى منصب فى عهد عمر (وعثمان) عسكريا كان أو سياسيا، باستثناء حكم المدينة بالنيابة فى أثناء رحلة عمر إلى فلسطين وسوريا (الطبرى)، وقد اختلف أيضا مع عثمان، بل إنه -ومعه طلحة والزبير- كثيرا ما اختلفوا مع عثمان رضى اللَّه عنه وخصوصا فى تطبيق الحدود، فقد أصر علىّ على ضرورة تطبيق الشرع الإلهى، وكان من بين هؤلاء الذين طالبوا بتوقيع العقوبة الشرعية على شرب الخمر على الوليد ابن عقبة، والى الكوفة، وتقول بعض الروايات إن عليا نفذ فيه الجلد بيديه. ثم إنه -مع عبد الرحمن بن عوف- وجه اللوم إلى عثمان لتأديته أربع ركعات فى عرفات ومنى بدل ركعتين. وحول المسائل السياسية إيضا كان يعتبر من خصوم عثمان. ومن أمثلة ذلك:
1 -
عندما نفى أبو ذر الغفارى من المدينة -وكان يهاجم تجاوزات صاحب السلطة- ذهب على وبنوه لتوديعه بالرغم من اعتراض عثمان ونشأ عن ذلك نزاع عنيف مع عثمان.
2 -
عندما جاء المتمردون (الثوار) من مصر وبدأوا مفاوضات مع عثمان كان على وسيطا لهم أو واحدًا من وسطائهم.
3 -
عندما عاد هؤلاء المتمردون بعد ذلك إلى المدينة وحاصروا "بيت الخلافة" طلبوا من على أن يكون على رأسهم، وبالرغم من أنه رفض إلا أنه مع ذلك -فيما تذكر بعض الروايات- شجع المتمردين فى أثناء الحصار.
4 -
عندما تولى الخلافة كان أنصاره من بين هؤلاء الذين كانوا يعادون الحكومة فيما يتعلق بالمسائل الاقتصادية مثل الأشتر وصعصعة وغيرهم، والمعروف أنه عندما تولى الخلافة قام بتوزيع جميع المبالغ التى وجدها فى بيت المال فى المدينة والبصرة والكوفة، وكل المؤن والتموين المخزونة فى بيت الطعام.
وليس هناك ما يدل على أنه متطرف، بل على العكس من ذلك فقد كان يعادى السبئيّة أتباع عبد اللَّه بن سبأ، وعندما امتدحوه بما يتجاوز الحدود أمر بقتلهم. وقد عارض المبدأ الذى يدعو إلى امتداد حق البيت الهاشمى فى الخلافة إلى قبيلة محمد [صلى الله عليه وسلم] كلها -ومن ثم أثار قريشا عليه
وإن يكن هو من قريش ذاتها، ولكنه حظى بتأييد معظم الأنصار والعرب غير القرشيين فى الولايات والطبقات الفقيرة بشكل عام.
وعندما قتل عثمان، هرب الأمويون من المدينة وظلت المعارضة سيدة الموقف، ولأن عليا هو الشخص الذى يحظى باحترامهم فقد دعى إلى تولى الخلافة (فى 18 ذو الحجة 35 هـ/ 17 يونيه 656 م) وكان أنصاره على استعداد لاستخدام العنف فى مواجهة هؤلاء الذين رفضوا بيعته (ومن بينهم طلحة، والزبير)، وكان هناك البعض الذين لم يرضخوا، ومن ثم تركوا المدينة، مثل عبد اللَّه بن عمر، وسعد بن أبى وقاص، والمغيرة بن شعبة ومحمد بن سلمة الأنصارى وأسامة بن زيد، كذلك أعلن معاوية أن تولية على باطلة لأنها اعتمدت على الأقلية، وأجاب على بأن اختيار الخليفة حق للأنصار والمهاجرين ومقاتلى بدر الذين كانوا موجودين فى المدينة فى ذلك الوقت. والشئ المؤكد أن عليا سمح بأن يقوم بتوليته هؤلاء الذين يتهمون بقتل عثمان. وأقدم علىّ على إجراءات طلبتها المعارضة من عثمان فاستبعد الحكام الذين عينهم عثمان واستبدل بهم حكاما من حزبه، وأرضى الجماهير بالهبات التى وزعها بالعدل والمساواة. وقد أثار مقتل عثمان وما قيل من حماية علىّ لمن ارتكنوا هذا العمل ردود فعل قوية فى مكة والشام ومصر، واتهم معاوية (والى الشام وابن عم عثمان) باشتراك على مع القتلة ورفض أن يبايعه، وسرعان ما جمع على قواته لإجبار معاوية على الطاعة ولكن تمردا آخر أجبره على تأجيل زحفه إلى الشام. واحتفظ معاوية بسياسة الانتظار، فالذى حدث هو أن السيدة عائشة -رغم معارضتها من قبل لعثمان- نشطت فى دعايتها ضد الخليفة الجديد (على)، وبعد أربعة شهور انضم إليها طلحة والزبير، وعلم علىّ أن الثلاثة -ومعهم عدة مئات من الجند- يزحفون إلى العراق من طرق جانبية -فتعقبهم. ولكنه لم يلحق بهم واحتل الثوار البصرة، وذبحوا كثيرا من النفار، وأرسل علىّ أعوانه إلى أهل الكوفة ليقفوا بجانبه، وبعد أن جمع قوة
مناسبة زحف إلى البصرة وقد استطاع الجانبان أن يصلا إلى تسوية يتخلى علىّ بمقتضاها عن النفَّار (على حين يضمن سلامتهم). ولكن لم تكن هذه هى النهاية التى كان يريد أن يصل إليها المتطرفون فى حزبه، فأثاروا شجارًا تطور إلى معركة عرفت باسم موقعة الجمل (15 جمادى الآخرة سنة 36 هـ/ 9 ديسمبر 656 م) قتل فيها طلحة والزبير، وأصدر علىّ أوامره بأن تعود السيدة عائشة فى حراسة إلى المدينة.
وبعد هذا النجاح استشعر علىّ الأمل فى استعادة ولاء حاكم الشام ببدء مفاوضات معهم ولكن بلا جدوى. وطالب معاوية باستسلام قتلة عثمان -الذى قتل "مظلوما"- للولى أى لأقرب أقربائه، وأصر على عدم إعطاء علىّ البيعة، ومن ثم لجأ علىّ إلى الهجوم، وواجه كل من الجيشين الآخر فى صفين (وكان كل جيش يتألف من عشرات الآلاف من الرجال) وبعد مناوشات تخللتها هدنة فى محرم عام 37 هـ/ يونية - يولية 657 م، التحم الجيشان، وكانت هناك معارك لمدة أسبوع بين الفرسان والمشاة، أعقبها قتال عنيف عام 37 هـ/ 28 يولية 657 م). وبدا أن نجم معاوية على وشك الأفول، حين نصحه عمرو بن العاص بأن يرفع جنوده المصاحف على أسنة الرماح، ولم يكن هذا يعنى الاستسلام، بل التحكيم للقرآن، وكان أن صيغت اتفاقية فى صفين (صفر عام 37 هـ/ 657 م)، يلتقى بمقتضاها طرفا التحكيم -أبو موسى الأشعرى عن علىّ وعمرو بن العاص عن معاوية- فى مكان وسط بين سوريا والعراق بحضور شهود يختارونهما، وذلك لاعلان قرارهما. وعادت الجيوش إلى قواعدها لانتظار قرار التحكيم ولكن بعض الأشخاص فى صفين احتجوا على التحكيم وهتفوا "لا حكم إلا للَّه"، وليس من حق الإنسان أن يقرر شيئا، وهناك نص قرآنى واضح فى ذلك وهو قوله عز وجل {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (الحجرات - 9).
ورأى المنشقون -وهم من حزب السيدة عائشة وطلحة والزبير- أن من واجبه أن يواصل القتال مع معاوية -ولكنه نجح فى التصالح معهم بتقديم بعض التنازلات، ولكنه بعد عودته إلى الكوفة من حروراء (بالقرب من الكوفة) حيث كانت المصالحة، أعلن أنه لن ينقض اتفاقية صفين، وعندما سرت الأنباء بأنه أرسل موسى إلى الاجتماع مع عمرو، ترك ما بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف رجل الكوفة سرًا، وترك مئات آخرون البصرة، وكانت نقطة اللقاء بين هؤلاء المنشقين -الذين أطلق عليهم اسم الخوارج- عند "النهروان" على القناة التى تحمل نفس الاسم وتتفرع من نهر دجلة.
وكان معاوية أول من وصل إلى مكان اجتماع لجنة التحكيم (رمضان 37 هـ/ فبراير 658 م) واعتذر علىّ بسبب المتاعب التى فجرها الخوارج ولم يفعل أكثر من أن بعث بأبى موسى ومعه مرافق، بالإضافة إلى ابن عمه ابن عباس كممثل له. ويقول البعض إن الاجتماع كان فى دومة الجندل وهى فى منتصف الطريق بين سوريا والعراق. وهناك ما يؤكد أن الاجتماع الأول كان فى دومة الجندل (الجوف الآن) والثانى فى أذرح فى شعبان عام 38 هـ. وفى هذه الأثناء بايع أهل الشام معاوية (ذو القعدة عام 37 هـ/ أبريل 658 م) واعترض علىّ على الحكم الذى عرفته الأطراف، وإن يكن لم يعلن، إذ اتفق الحكمان على ألا يقولا شيئا، وعلى ذلك جمع قواته وخرج لمقابلة معاوية. وعند الأنبار اتجه إلى "النهروان"، معتقدا أنه من الضرورى أولا القضاء على مركز التمرد، وفى الشهر نفسه الذى انشغل فيه علىّ مع الخوارج، استولى معاوية على مصر (صفر عام 38 هـ).
وحاول علىّ أن يستميل الخوارج إلى قواته بإعلانه أنه سيقاتل معاوية مرة أخرى ولكن محاولته باءت بالفشل واتهموه بأنه ارتكب عملا من أعمال الكفر؛ الأمر الذى رفضه بشدة، وبعد وعد بالأمان لهؤلاء الذين سوف يستسلمون -وكان هناك بعض منهم- هاجم المتمردين (9 صفر 38 هـ/ 17 يوليو 658 م) وكانت مذبحة أكثر منها معركة، ويبدو أن عليا كان أول من
أسف لذلك وتخلى عنه الكثيرون واضطر أن يعود إلى الكوفة ويوقف الحرب ضد معاوية.
وفى هذا الوقت اجتمع الحكمان، وبعض الأشخاص البارزين (باستثناء علىّ وربما ممثله أيضا) فى أذْرح فى شعبان عا م 38 هـ/ يناير 659 م، وتم إعلان قرار التحكيم (وتقول مصادر عديدة إن أبا موسى اعترف بأن عثمان قتل ظلما) وجرت مناقشة اختيار خليفة جديد. أيد عمرو بن العاص معاوية معارضا تفضيل أبى موسى لعبد اللَّه ابن عمر الذى رفض أن يتولى منصب الخلافة. وحينئذ اقترح أبو موسى خلع معاوية وعلىّ وإعادة عرض الاختيار على لجنة، وقد وافقه عمرو على ذلك، وأعاد أبو موسى الأشعرى تفضيله لابن عمر، وهنا أعلن عمرو بن العاص خلع علىّ وتنصيب معاوية، وقد وصف المؤرخون بعد ذلك هذا الإعلان بأنه خدعة غادرة وخيانة، وعلى أية حال لم يكن للمؤتمر غير النتائج السلبية ذلك لأن المشتركين تفرقوا دون أن يصلوا إلى قرار بشأن الخلافة. واستمر أنصار علىّ -الذين كانوا يتناقصون- يعتبرونه الخليفة، وفى عام 39 هـ/ 659 م، كان الموقف لا يزال مضطربا، وظل علىّ -الذى كان حبيس الكوفة- سلبيا حتى عندما كان معاوية يقوم ببعض الحملات فى قلب العراق، وفى الجزيرة العربية.
وفى خراسان والشرق، انتهى الحكم العربى، وفى عام 40 هـ/ 660 م، لم يكن لعلىّ أية سلطة فى المدينتين المقدستين، ولم يستطع أن يوقف هجوم معاوية على اليمن، وأخيرًا تمكن أحد الخوارج وهو عبد الرحمن بن ملجم المرادى، أن يضربه بسيف مسموم أمام باب مسجد الكوفة؛ وذلك انتقامًا للذين قتلوا فى النهروان، ومات علىّ بعد يومين وكان فى الثانية أو الثالثة والستين، وتقول إحدى الروايات إن عبد الرحمن بن ملجم كان واحدا من جماعة من المتطرفين اتفقوا على تخليص الإسلام من هؤلاء الثلاثة الذين تسببوا فى الحرب الأهلية، وكان المفروض أن يقتل معاوية وعمرو فى الوقت نفسه، وظل مكان دفنه غير
معروف حتى كان عهد هارون الرشيد عندما أعلن عن قبره فى موقع على بعد بضعة أميال من الكوفة حيث أنشئت مدينة النجف هناك.
وقد كان علىّ قويًا متين البنية بدينًا، عريض المنكبين، ذا جسم مشعر، ولحية بيضاء طويلة تغطى صدره، ولم يكن اجتماعيًا، وكان له أربعة عشر ولدًا، وتسع عشرة بنتًا من تسع زوجات وعدد من الجوارى.
ومن بين أبنائه كان هناك ثلاثة فقط لعبوا دورا تاريخيًا هم الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وخمسة من هؤلاء جميعًا هم الذين خلفوا ذرية. ويعرف عن علىّ معرفته العميقة بالقرآن الذى كان واحدا من أفضل قرائه. وقد نسبت إليه الكثير من المواعظ والرسائل والأقوال الحكيمة جُمعت فى كتاب نهج البلاغة، وكانت مواهبه كخطيب غير عادية. ثم هناك الكثير الذى يدل على تقشفه، والتزامه الصارم بالقواعد الدينية، وبعده عن متاع الدنيا، وتقواه فيما يتعلق بالغنائم والثأر. ولاشك أنه اشتبك فى حروب مع المسلمين "العصاة" كواجب مفروض عليه حتى تقوى العقيدة وينتصر الهدى. فبعد أن انتصر فى موقعة الجمل، حاول أن يخفف من آلام المهزومين وعندما انتهت المعارك أبدى حزنه، وبكى على الموتى بل إنه صلى على أعدائه. وربما يرجع غموض سياسته تجاه الحروريين إلى الخوف من عصيان اللَّه. وبالرغم من أنهم أقنعوه أن التحكيم خطيئة، فإنه اعترف أيضًا بأن انتهاك معاهدة صفين خطيئة كذلك ومن ثم مضى بالتحكيم إلى غايته. وقد كانت الطاعة والتسليم بالشرع الإلهى هو مفتاح سلوكه. ولكن كانت تحكم آراءه صرامة شديدة حتى أن أعداءه وصفوه بالتشدد ولكنه لم يستطع بسبب تمسكه الشديد بالقواعد الدينية، أن يتكيف مع ضرورات المواقف التى كانت تختلف تماما عما كانت عليه أيام محمد [صلى الله عليه وسلم] ولذلك كان أقل مرونة من معاوية. فقد كان برنامجه مفرطًا فى المثالية، ويمكن أن يكون قد اكتشف ذلك عندما أصبحت السلطة فى يده. وقد يفسر -هذا مع الأحداث الخارجية- ظروفه فى سنواته الأخيرة.