الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منتظمة. وكان "إزدواج الطوسى the Tusi Couple" الذى توصل إليه نصير الدين فى تذكرته قد وفر المقاربة الأساسية للحلول التى اقترحها فيما بعد تلميذه "قطب الدين الشيرازى" عامى 680 هـ/ 1281 م و 683 هـ/ 1284 م، ومن بعده "ابن الشاطر" الدمشقى حوالى عام 750 هـ/ 1350 م، وإن كان كل منهما قد اقترح أعدادا وأبعادا وترتيبات لأفلاك الدوران مختلفة عن بعضها البعض. وكان ابن الشاطر دون غيره هو الذى توصل أخيرا إلى حل مقنع لأصعب كوكبين وهما عطارد والقمر؛ لكن علم الفلك الإسلامى توصل -بحلول منتصف القرن الثامن الهجرى (14 م) - إلى نمادج كوكبية تعتمد فقط على اتحادات بين الحركات الدائرية المنتظمة، مسقطا بذلك مراكز الحركة المنتظمة من نماذج الكواكب النجمية الخمسة، ومسقطا "ميكانيكية ذراع الدوران" و"النقطة المقابلة" من نموذج القمر.
وهذا الإنجاز الذى حققه ابن الشاطر يشترك فى الكثير من الملامح مع النمادج التى اقترحها "كوبرنيكس Kopericus" بعد ذلك بقرنين من الزمان، حتى إننا نجد إنمادجهما الخاصة بالقمر وعطارد متطابقة؛ فكلاهما يستخدم "ازدواج الطوسى"، وكلاهما يسقط مراكز الحركة المنتطمة بنفس الطريقة أساسا. ومن ثم فهناك القليل من الشك فى أن كوبرتيكس كان على علم بإنجازات ابن الشاطر، ومع ذلك تظل تفاصيل انتقالها غامضة. وصحيح أن مخطوطات الترجمات اليونانية التى أنجزها" جريجورى كيونيادس" لمختلف الأزياج العربية حوالى 1300 م -عقب عودته إلى القسطنطينية بعد دراسته فى مرصد تبريز- كانت موجودة فى إيطاليا بحلول منتصف القرن 15 م، وأنها كانت تحتوى على أشكال توضيحية من الجلى أنها تشرح ازدواج الطوسى؛ لكنها لا تتضمن أية تفاصيل حول عمل (إنجاز) قطب الدين، كما أنها بالطبع كانت أبكر من أن تتأثر بابن الشاطر، ولابد أن كانت هناك بعض الأعمال الوسيطة.
المراصد المتأخرة:
إن مرصد مراغة -وكذلك الزيج الذى تمخض عنه وهو "زيجى إيلخانى"
استعمل- كنموذج لجهود المسلمين المتأخرة فى علم الفلك، وهذا برغم أن التحويرات التى ادخلت على نظرية بطلميوس التى وصفناها حالا لم يعرف عنها أنها كانت ذات تأثير قوى على الفلك عند المسلمين بعد القرن الثامن هـ/ الرابع عشر م. وأشهر مرصد بنى على نمط مرصد مراغة هو المرصد الذى أسسه "أولغو بك" فى سمرقند عام 823 هـ/ 1420 م وفيه قام عدد من الفلكيين برئاسة "الكاشى" و"قاضى زاده" بإعداد الزيج المسمى "زيجى سلطانى" حوالى 844 هـ (= 1440 م) كما نشر الكاشى أيضا زيجا من وضعه هو يعرف "بزيجى خاقانى". وكل هذه الأزياج الثلاثة كانت بطلميوسية أساسا بالرغم من التحسينات التى أدخلت على القيم العددية وعلى تركيب بعض الجداول، وبالرغم من إضافة مادة عن التقويم الصينى - الأويغورى Chinese-Uyghur Calender إلى المعلومات الخاصة بالتقاويم الأخرى الشائعة فى كل الجداول الفلكية.
وآخر مرصد هام فى الإسلام بنى من أجل "تقى الدين" فى استانبول بين عامى 983 هـ/ 1575 م - 985 هـ/ 1577 م. وهع ذلك فالمراصد الخمسة التى بنيت على نمط مرصد سمرقند على يد "جاياسمها Djayasimha" مهراجا عنبر -فيما بين عامى 1693 - 1743 م فى"جايابورا" و"أوجييغى" و"دلهى" و"ماثورا" و"فاراناسى"، لهى جديرة بالذكر لكونها تمثل محاولة -وإن كانت غير ناجحة- لتحيل الفلك الهندى متفقا مع التراث البطلميوسى الإسلامى.
والتأثير الأعظم ثمارا للمراصد الإسلامية المتأخرة على جيران المسلمين هو ذلك الذى مارسته مراصد مراغة وسمرقند واستانبول على الفلك الأوربى، فالعديد من الآلات والأدوات وكذلك بعض الملامح التنظيمية لتلك المؤسسات قد ظهرت فى المراصد التى أسسها "تيكوبر Tycho Brahe" فى "أورانيبورج" عام 1576 م و"سترنبورج" عام 1584 م. ذلك أن تطور المرصد الفلكى، وإنجازات مدرسة مراغة، وخطى التقدم التى تحققت فى حساب المثلثات وفى تركيب الجداول، والمحاولات المتواصلة لتصحيح القيم