المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - عصر الخلفاء: - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٢٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌كنانة

- ‌تاريخ كنانة:

- ‌المصادر:

- ‌كناية

- ‌كندة

- ‌المصادر:

- ‌الكندى

- ‌المصادر:

- ‌الكندى (مؤرخ)

- ‌المصادر

- ‌الكنز، قبيلة

- ‌المصادر:

- ‌كوتاكوتا

- ‌كوتوكو

- ‌كوتونو

- ‌الكوثر

- ‌المصادر:

- ‌الكورانى

- ‌المصادر:

- ‌كوش

- ‌المصادر:

- ‌كوكبان

- ‌الكويت

- ‌1 - جغرافية واقتصاد

- ‌2 - التاريخ

- ‌المصادر:

- ‌كيقباد

- ‌كيقباد (سلطان دهلى)

- ‌الكيمياء

- ‌المصادر:

- ‌كينيا

- ‌المصادر:

- ‌الكيا

- ‌المصادر:

- ‌ل

- ‌لؤلؤ الجارحى

- ‌المصادر:

- ‌لؤلؤ (جوهر)

- ‌المصادر:

- ‌المنصور لاجين (لاشين)

- ‌المصادر:

- ‌لالى ديفرى

- ‌الاتجاه إلى الغرب:

- ‌سياسات التقدم والبناء والابتكار:

- ‌نهاية الاحتفالات:

- ‌المصادر:

- ‌لباس

- ‌ بلدان العالم العربى الوسطى والشرقية:

- ‌1 - ملابس العرب قبل الإسلام:

- ‌2 - عصر النبى محمد عليه الصلاة والسلام وفجر الإسلام:

- ‌3 - القوانين والأعراف المتعلقة بالملابس فى صدر الإسلام:

- ‌4 - الأمويون والعباسيون وأسلوب الطراز:

- ‌5 - الفاطميون:

- ‌6 - الجنيزا كمصدر للملابس الإسلامية فى العصور الوسطى:

- ‌7 - الدويلات التركية المبكرة: السلاجقة، الأيوبيون، المماليك

- ‌8 - العصر العثمانى إلى أوائل العصر الحديث:

- ‌9 - المائة سنة الأخيرة: تأثير الغرب على الملابس الشرق أوسطية

- ‌الغرب الإسلامى

- ‌1 - نشأة الأزياء المغربيّة فى فترة ما قبل الإسلام:

- ‌2 - الأزياء المغربية خلال العصور الوسطى المبكرة والمتأخرة:

- ‌3 - إمبراطوريات البربر وما تلاها من دويلات:

- ‌4 - من نهاية العصور الوسطى إلى العصر الحديث:

- ‌إيران

- ‌1 - العصران الأموى والعباسى:

- ‌2 - العصران الايلخانى والتيمورى:

- ‌3 - العصر الصّفوى

- ‌4 - العصر القاجارى:

- ‌5 - السنوات القليلة الماضية:

- ‌تركيا

- ‌1 - الأزياء التركية القديمة من القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى إلى القرن الثالث عشر الهجرى/ التاسع عشر الميلادى

- ‌لباس الرأس:

- ‌أ- عمامات الرجال:

- ‌(ب) الـ كُولَاه (قبعة. طاقية)

- ‌(ج) القَلْبَك:

- ‌(د) أغطية الرأس الخاصة بالسيدات:

- ‌الملابس الفوقانية:

- ‌أما ألبسة الدراويش:

- ‌الملابس التحتانية:

- ‌الأحذية:

- ‌معدات الزينة:

- ‌2 - العصر الحديث

- ‌المصادر:

- ‌لبنان

- ‌المصادر:

- ‌لبيد بن ربيعة

- ‌المصادر:

- ‌لثام

- ‌المصادر:

- ‌لحن العامة

- ‌المصادر:

- ‌لحيان

- ‌لحيان فى العصر الإسلامى: تعتبر المصادر الإسلامية التاريخية وكتب الأنساب أن قبيلة لحيان العربية فرع من الهذليين، وينسبونها إلى لحيان بن

- ‌المصادر:

- ‌لخم

- ‌1 - التاريخ:

- ‌2 - الثقافة:

- ‌المصادر:

- ‌لطفى السيد

- ‌المصادر:

- ‌لعقة الدم

- ‌المصادر:

- ‌لغز

- ‌المصادر:

- ‌لغة

- ‌المصادر:

- ‌لقب

- ‌1 - الجاهلية والعصور الإسلامية الأولى

- ‌2 - عصر الخلفاء:

- ‌3 - الغرب الإسلامى:

- ‌4 - فترة ما بعد الخلافة

- ‌5 - فترة الإمبراطوريات العظمى:

- ‌المصادر:

- ‌لقيط الإيادى

- ‌المصادر:

- ‌لقيط بن زرارة

- ‌المصادر:

- ‌لواء

- ‌‌‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌لوط

- ‌لون

- ‌دراسة صَرْفية لأسماء الألوان:

- ‌دراسة الدلالة:

- ‌الدرجات اللونية والنصاعة والتشبع:

- ‌اللون فى رأى المعتزلة:

- ‌اللون فى رأى الفلاسفة:

- ‌رؤية صوفية للون:

- ‌رمزية اللون:

- ‌المصادر:

- ‌ليبيا

- ‌النقوش - البربرية:

- ‌التاريخ الحديث:

- ‌الوضع الأثنوجرافى والديموجرافى

- ‌الليث بن سعد

- ‌المصادر:

- ‌الليث بن المظفر

- ‌المصادر:

- ‌ليلى الأخيلية

- ‌ المصادر

- ‌ليو الأفريقى

- ‌المصادر:

- ‌م

- ‌مأرب

- ‌المصادر:

- ‌المأمون

- ‌المصادر:

- ‌مؤنس المظفر

- ‌المصادر:

- ‌مؤيد الدولة

- ‌الماء

- ‌نظام الرى فى مصر قبل القرن العشرين

- ‌الآبار وآلات رفع الماء:

- ‌الرى فى شمال إفريقيا والأندلس

- ‌الرى فى الامبراطورية العثمانية

- ‌الرى فى الهند الإسلامية قبل القرن العشرين

- ‌الوجهة الاقتصادية للرى الحديث

- ‌الإبداعات المعمارية والزخرفية فى المنشأت المائية فى الهند الإسلامية

الفصل: ‌2 - عصر الخلفاء:

ولكن الاتجاه الأهم هو تحول اللقب من التعبير عن المديح أو الإعجاب (مثل ملاعب الأسنة الذى أطلق على الشاعر الجاهلى عامر بن مالك الذى عرف ببسالته فى المعارك) إلى لقب يدل على الاحترام والتبجيل لصلته الوثيقة بالحكم أو الدين أو لاستخدامه كمكافأة على أعمال تتسم بالشجاعة أو أدت إلى نفع للدولة؛ لهذا فقد عاشت الألقاب زمنا طويلا فى العالم الإسلامى، وبصفة خاصة المنطقة التى تقع بين مصر والهند. وإن وجدت بدرجة أقل فى الأندلس وشمال أفريقيا، واستمر وجودها حتى بداية القرن العشرين.

وقد أورد القلقشندى فى كتابه صبح الأعشى أن ألقاب ونعوت المديح كانت معروفة منذ زمان إبراهيم الخليل وموسى الكليم ويونس ذى النون عليهم السلام.

عرف العرب الأوائل ألقاب التبجيل والاحترام من البيزنطيين والرومان، كما وجدت ألقاب الأبهة والفخامة فى عهد الدولة الأكمينية (الهخامنشية) منذ أيام هيرودوت، وكذلك أطلق الساسانيون ألقابا على رجال الدولة المدنيين والعسكريين مثل بُزرج فرامدار (رئيس الحاشية) وهَزَارمَرْد (له قوة 1000 رجل) على القادة العسكريين. وكانت هذه الألقاب يصاحبها عادة لبس رداء الشرف الذى عرف فى الإسلام باسم الخلعة.

‌2 - عصر الخلفاء:

بدأ استخدام الألقاب الشرفية فى العالم الإسلامى من القمة، وذلك باتخاذ الخلفاء الأمويين ألقابا ملكية، ويرجع المؤرخون بداية ذلك إلى عصر الأمويين ويقول المسعودى فى كتاب "التنبيه" إن الأمويين اتخذوا ألقابا دينية صارت بعد قرنين من الزمان أمرا مألوفا فى العصر العباسى مثل الناصر لحق اللَّه لمعاوية، والقاهر بعون اللَّه لمسلمة بن عبد الملك، والمتعزز باللَّه لإبراهيم بن الوليد بن عبد الملك، ولكنه عاد فرفض هذه الأخبار على أساس أنها ضعيفة ولم يؤيدها المؤرخون وكتاب السير. ومن قبل الأمويين عرف أبو بكر بالصديق، وعمر بالفاروق، وعثمان بذى النورين.

ص: 8822

تعتبر الألقاب ذات الطبيعة الدينية التى تعبر عن الاعتماد على اللَّه والتوكل عليه والاستعانة به على مهام الحكم بحق بدعة من بدع العصر العباسى الأول. ويؤكد ب. لويس B. Lewis على أهمية الشعور العام الذى ساد فى زمان الحركة العباسية فى انتظار حكم عادل مؤيد من اللَّه، وساعد هذا الشعور على اتخاذ المنصور وخلفائه ألقابا دينية. ولم يتخذ أبو العباس السفاح أول الخلفاء العباسيين أى ألقاب ملكية، ولكن خليفته أبو جعفر اتخذ رسميا لقب المنصور باللَّه، ثم اتخذ خلفاؤه ألقاب المهدى باللَّه والهادى إلى الحق.

يلاحظ أن ألقاب الحكام العباسيين حتى أواخر القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى وفترة حكم بنى بويه فى بغداد كانت تتكون أساسًا من اسم فاعل أو صفة مؤكدة عظمة اللَّه عز وجل فى حكمه وأهمية ضمان تأييده فى حمل أعباء الحكم طبقا للشريعة ويلاحظ أ. آبل A. Abel أن الفاطميين، وقد كانوا أكبر المنافسين للحكم العباسى فى شمال إفريقيا ومصر، قد استخدموا ألقابا أكثر وضوحا وتأثيرا لتأكيد دعوتهم للخلافة والإمامة مثل الحاكم بأمر اللَّه الذى أطلق على أبى القاسم محمد خليفة المهدى عبيد اللَّه، ومنذ حكم المعز (341 هـ/ 953 م). أخذت ألقاب الفاطميين صورة اسم الفاعل أو صفة تؤكد دور الحاكم الحاسم فى تنفيذ أمر اللَّه مثل الحاكم، الآمر، الظافر. . . يضاف إليه عادة تعبير مثل لدين اللَّه أو بأمر اللَّه.

وردا على ذلك، بدأ العباسيون مع نهاية القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى، فى اتخاذ ألقاب مشابهة لتأكيد وضعهم كحماة للسنة، مثل الحاكم بأمر اللَّه والناصر لدين اللَّه والظاهر بأمر اللَّه. وكان اللقب يطلق على الخليفة عند توليه الحكم، ولكن بدأ ولى العهد أيضا يتخذ لقبا بمجرد إعلانه وريثا للحكم، وكانت كنيته أو لقبه يظهر على النقود جنبا إلى جنب مع لقب الخليفة أو كنيته. وكان هذا اللقب عادة يظل مع ولى العهد بعد توليه الحكم، ولكن كان يحدث أحيانا أن يستبدل بغيره. أكثر تعظما، فالمتوكل

ص: 8823

مثلا، كان لقبه اثناء ولايته للعهد المنتصر، ثم غيره قاضى القضاة أبو داود إلى المتوكل فى اليوم التالى لتوليه الخلافة (232 هـ/ 847 م).

وكان الخلفاء العباسيون يطلقون الألقاب على عمالهم ومعاونيهم، فأطلق المأمون على وزيره الفارسى الأصل الفضل بن سهل لقب ذى الرياستين لأنه كان يقوم بأعباء الوزارة وقيادة الجيش، كما أطلق على طاهر بن الحسين مؤسس أسرة الطاهريين فى خراسان والعراق لقب ذى اليمينين وعلى على بن أبى سعد ابن خال الفضل بن سهل لقب ذى القلمين، ربما لأنه كان يكتب بالعربية والفارسية، وفى عام 629 هـ/ 885 م، أطلق الموفق على وزيره سعد بن مخلد لقب ذى الوزارتين.

عرف هذا النوع من الألقاب التى تشير لممارسة مهمتين أو التحلى بصفتين قبل ذلك الزمن بكثير، فقد أطلق لقب ذى النورين على الخليفة عثمان رضى اللَّه عنه وذى الشهادتين على خزيمة بن ثابت الأنصارى (لأن الرسول عليه الصلاة والسلام وعده بضعف ثواب الشهيد)، وقد استمر هذا النوع من الألقاب فترة طويلة فى التاريخ الإسلامى كما كان الحال مع الأسماء الثنائية (محمدين والحسنين) حتى أنه لا زال موجودا إلى يومنا هذا، واستمر بنو بويه. وهم نواب العباسيين فى غرب فارس والعراق فى إطلاق الألقاب على وزرائهم، فأطلق ركن الدولة على وزيره العظيم أبو الفتح بن العمير لقب ذى الكنايتين (السيف والقلم). وفى العصر السلجوقى، ظهر تعبير الحضرتين فى الألقاب، ويقصد به بلاط الخلفاء العباسيين وبلاط السلاطين السلاجقة، مثل ثقة الحضرتين ونظام الحضرتين وهو لقب على بن طَرَّاد الزينبى نقيب النقباء فى بغداد فى العقود الأخيرة من القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى.

عرف الدعاء بعد ذكر الأسماء منذ بداية الإسلام وذلك فى الصلاة على النبى [صلى الله عليه وسلم] بعد ذكره والتسليم بعد ذكر أسماء الأنبياء السابقين والترضية

ص: 8824

بعد ذكر أسماء الخلفاء والأوائل. . . إلخ ومنذ زمان الخليفة الأموى اليزيد ابن عبد الملك (101 - 105 هـ/ 720 - 724 م) و (يزيد الثانى) كان الدعاء مثل أصلحه اللَّه، وأبقاه اللَّه، وأكرمه اللَّه يذكر دائما بعد اسم الخليفة وكبار رجال الدولة والولاة، وكانت الصيغة المختارة تظل مرتبطة باسم الوالى أو المسئول طيلة حياته إلا إذا مُنح صيغة أعلى منزلة. ولهذا يمكن اعتبار هذه الأدعية ألقابا من حيث إنها تعبر عن شرف خاص منحه الحاكم لموظف مخلص.

وفى القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى، بدأ ظهور ألقاب مركبة، المقطع الثانى منها كلمة "الدين" أو "الدولة" أو "المُلك"، كما استخدمت كلمتا "الأمة" و"الملة" ولكن بدرجة أقل انتشارا. وقد تناول عدد من الباحثين هذه الألقاب بالدراسة الدقيقة وجمعوها فى قوائم مطولة وذلك لأن هذا النوع من الألقاب استمر لما يقرب من ألف عام، وبلغ عدد الألقاب التى تحتوى على كلمة الدين التى جمعها ديتريش Dietrich وكرامر Al Kramer لقبا. وكانت الألقاب التى تنتهى بكلمة الدولة هى الأسبق فى الظهور، ولكنها كانت فى البداية ألقابا عظيمة لا يمنحها إلا الخليفة وفى حالات استثنائية؛ لهذا عندما شرف المكتفى وزيره القاسم بن عبيد اللَّه (تولى الوزارة من عام 289 - 291 هـ/ 902 - 904) بتزويجه إحدى بناته، أطلق عليه أيضا لقب ولى الدولة كدلالة على الصداقة الحميمة التى تربط بينهما. وكذلك منح الخليفة المتقى عام 330 هـ/ 941 - 942 أبا محمد الحسن بن حمدان نائب الموصل لقب ناصر الدولة مكافأة على خدماته فى مواجهة أمير الأمراء محمد بن رائق، كما منح أخاه أبا الحسن على نائب حلب لقب سيف الدولة. وفى عام 334 هـ/ 945 م، دخل ابن بويه الديلمى بغداد وتولى منصب أمير الأمراء ومنح الخليفة الإخوة أحمد وعلى وحسن من بنى بويه ألقاب معز الدولة، وعماد الدولة، وركن الدولة،

ص: 8825

وقد حصل جميع أمراء بنى بويه على ألقاب مشابهة مع زيادة فى التعظيم أحيانا مثل عضد الدولة وتاج الملة، أو شرف الدولة وزين الملة، أو بهاء الدولة، وضياء الملة، وغياث الأمة.

ويلاحظ، عند ذكر ابن رائق أن منصب أمير الأمراء ظهر بصفة رسمية فى النصف الأول من ذلك القرن نتيجة لتدهور الخلافة، وقد ظهر هذا اللقب أو ما يشبهه مثل كبير الأمراء فى القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى كلقب لقائد جيوش الخليفة، ولكن فى زمان الخليفة الراضى (322 - 329 هـ/ 934 - 940 م) اكتسب حامل لقب إمارة الأمراء سلطات فى شئون الدولة، لهذا كان من الطبيعى أن يتقلد بنو بويه المنصب بعد سنوات قليلة.

ومن الأمور ذات الأهمية الخاصة، أن فى محاولة بنى بويه إحياء مملكة فارس القديمة فى صورة إسلامية، استخدم عضد الدولة لقب شاهان شاه (إمبراطور الأباطرة) القديم فى التخاطب معه وفى مراسلاته، وقد ارتبط هذا اللقب ببنى بويه حتى أن البيهقى، كان يشير إليهم باسم الشاهان شاهانيين، ولكن من المحتمل أن يرجع أستخدام هذا اللقب إلى بداية حكم بنى بويه فى فارس والعراق. وأن يكون أول من استخدمه عضد الدولة أبو ركن الدولة، أو حتى عمه عماد الدولة من قبلهما. ويدل استخدام اللقب بدون إذن الخليفة على استقلال سلطة بنى بويه استقلالا حقيقيا عن الخليفة بصرف النظر عن التبعيه الأسمّية أو الشكلية ولكن بعد وفاة عضد الدولة، اضطر خلفاؤه الذين كانوا أضعف بالإضافة إلى وقوع النزاع بينهم -إلى السعى للحصول على تأييد الخليفة وبالتالى الحصول على موافقة العباسيين على لقب شاهان شاه. وفى البداية وافق الخليفة القائم عندما طلب جلال الدولة ذلك، ولكن عندما ذكر هذا اللقب فى خطبة الجمعة فى بغداد عام 429 هـ/ 1038 م حدث شغب بين المصلين، فكان لزاما الحصول على موافقة فقهاء الحنفية والحنابلة والشافعية قبل ذكر هذا اللقب الذى يتضمن كفرا (فى نظر المتدينين) على المنابر. وظل هذا اللقب مستخدما إلى قبيل غزو المغول، فمثلا

ص: 8826

أطلق على علاء الدين محمد الثالث الإسماعيلى، سيد قلعة الموت (618 - 653 هـ/ 1221 - 1255) فى إحدى الكتابات لقب المولى الأعظم شاهان شاه المعظم. وبعد ذلك تحول من لقب إلى مجرد اسم يطلق على الأمراء الفرس والأتراك الذين كانوا يطلقون على أنفسهم فى ذلك الوقت أسماء فارسية. وكما حمل بنو بويه ألقابا مزدوجة كما رأينا، فقد منحوا بدورهم ألقابا جليلة لوزرائهم وكبار مساعديهم وكان تعبير "كافى" يتردد فيها كثيرا وقد وصف البيرونى الألقاب مثل "كافى الكفاة" أو "الكافى الأوحد" أو "أوحد الكفاة" بأنها لم تكن إلا أكذوبة كبرى.

لم يسرف السامانيون فى بلاد ما وراء النهر وخراسان فى استخدام الألقاب مما دعا البيرونى لمدحهم فى ذلك. ويبدو أن صفات السعيد والسديد والحميد والرضا كانت تطلق عليهم بعد وفاتهم، والحالة الوحيدة التى أطلق فيها لقب على أحد السامانيين فى حياته كانت مع آخرهم اسماعيل بن نوح (المتوفى عام 395 هـ/ 1005 م). حيث أطلق على نفسه لقب المنتصر، ربما أملا فى استرداد ثرواته، ولكن ذهب أمله هباء وفى النصف الثانى من القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى بدأ السامانيون فى إطلاق ألقاب على قادتهم العظماء، فأطلقوا لقب ناصر الدولة على نوح بن منصور (365 - 387 هـ/ 976 - 997 م) قائد غزاة بخارى، كما أطلقت ألقاب مشابهة على القادة الأتراك للجيوش السامانية فى خراسان فأطلق لقب حسام الدولة على تاش Tash حاجب.

اختلف الغزنويون الذين خلفوا السامانيين على شرق فارس وأفغانستان مع أسلافهم السامانيين فى موقفهم من الألقاب، ومنذ أن تولى سبكتكين مؤسس الأسرة الغزنوية الحكم سعى الغزنويون للحصول على ألقاب متعددة من الخلفاء فحصل سبكتكين على ألقاب معين الدولة وناصر الدولة أو ناصر الدين والدولة الذى كان يختصر إلى ناصر الدين. وفى زمان إبراهيم بن مسعود (451 - 492 هـ/ 1059 - 1099 م) كان

ص: 8827

السلاطين يحملون مجموعة متألقة من الألقاب، فحمل إبراهيم بن مسعود لقب ظهير الدولة وحوالى 12 لقبًا آخر بالإضافة إلى اللقب الرسمى (الذى تسك العملات به) وهو السلطان المعظم أو الأعظم الذى ربما حمله بتأثير السلاجقة.

ظهرت الألقاب المركبة التى فيها "الدين" قبل تلك التى فيها "الدولة" بقليل، لهذا ربما يكون لقب ناصر الدين والدولة الذى منح لسبكتكين أول ما ظهر من ألقاب الدين، كما أنه بالتأكيد اللقب الوحيد من هذا النوع الذى سجله البيرونى تحت عنوان "من منحهم الخليفة ألقابا"، أما باقى الألقاب فتحتوى على الدولة والملَّة والأمة.

وفى القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى، كانت الألقاب تتردد بين استخدام كلمة "الدولة" أو استخدام كلمة "الدين"، ولكن مع قدوم السلاجقة، انتشر استخدام الألقاب التى بها كلمة "الدين"، وطبقا للمصادر التاريخية السلجوقية، منح الخليفة القائم طغرل السلجوقى Toghril عندما عاد إلى بغداد للمرة الثانية عام 449 هـ/ 1058 م لقب ركن الدولة وملك الشرق والغرب، ولكن كان يشار إلى طغرل فى الفترة القصيرة التى تبقّت من حياته وبعد أن توفى بلقب ركن الدين، ويبدو أن السلاجقة لم يكونوا راضين عن ألقاب "الدولة"، فقد فضل سلاطينهم فى القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى الألقاب التى فيها "الدين" أو التى فيها "الدين والدنيا"، فحمل ملكشاه لقب جلال الدولة ومعز الدين والدنيا، وحمل ابنه محمد لقب غياث الدين والدنيا، ولكن مع تقلص استخدام كلمة الدولة فى الألقاب، أطلق السلاجقة ألقابا مركبة فيها كلمة (المُلك) على وزرائهم وقادة الجيوش الكبار (مثل لقب عميد المُلك الذى أطلق على أبى نصر كندرى Kunduri ونظام الملك الذى أطلق على أبى على الطوسى)، وقلدهم العباسيون فى حمل ألقاب تعبر عن القوة الدنيوية، فأطلق الخليفة المقتفى لقب سلطان العراق وملك الجيوش على وزيره عون الدين بن هبيرة عام 549 هـ/ 1154 م مكافأة له على طرد التركمان من واسط.

ص: 8828

كما سار على منوالهم شاهات خوارزم فى القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى، أوائل القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى.

لم يعترض الفاطميون الشيعة، أكبر خصوم السلاجقة فى الصراع على النفوذ فى منطقة الصحراء السورية والحجاز، على إطلاق ألقاب فيها كلمة الدولة على الوزراء والموظفين. وكانت الصيغة التقليدية بالنسبة للوزراء هى "الوزير الأجل"، وقد منح الخليفة المعز هذا اللقب لوزيره يعقوب بن كِلّس عام 368 هـ/ 979 م، وفى نفس الفترة منح بعض الوزراء الفاطميين ألقابا مركبة فيها كلمة الدولة وألقابا أخرى مثل أمين الملة الذى أطلق على أبى محمد بن عمار وسيف الدولة الذى أطلق على يوسف بُلُجين عام 361 هـ/ 972 م، كما منح باديس والمعز بن باديس خلفاء يوسف ألقابا مشابهة، (عندما أعلن المعز عام 433 هـ/ 1041 م ولاءه للعباسيين، منح الخليفة الفاطمى المستنصر لقب شرف الدولة الذى كان يحمله المعز لأحد أقربائه، وكذلك منح القائد الحمدانى لؤلؤ بن منصور لقب مرتضى الدولة عام 399 هـ/ 1008 م. وقد انفرد الفاطميون بإطلاق ألقاب مركبة تدخل فيها التعبير "أمير المؤمنين" على وزرائهم، فأطلق لقب صفى أمير المؤمنين وخالصته على أبى القاسم أحمد الجَرْجَرائى، ومصطفى أمير المؤمنين على أبى منصور صدقة إبن يوسف الفلاحى.

وسرعان ما صارت ألقاب رجال الدولة الفاطميين منمقة وفخمة إلى درجة كبيرة، ممهدة لألقاب العصر المملوكى متعدد الألفاظ التى ظهرت فى مصر بعد ذلك، فحمل الوزير أبو محمد الحسن اليازورى ألقاب الوزير الأجل الأوحد المكين سيد الوزراء وتاج الأصفياء وقاضى القضاة وداعى الدعاة علم المجد خالصة أمير المؤمنين، ثم أضيف إليها بعد ذلك ناصر الدين وغياث المسلمين، وتدل هذه المجموعة من الألقاب على مدى سعة سلطاته، ليس كوزير فحسب، بل أيضا كقاضى القضاة وداعية كبير.

ص: 8829

عموما، كان أسلوب الفاطميين فى منح الألقاب يشبه أسلوب العباسيين، وكتقليد ثابت، كان يصاحب منح اللقب منحة أخرى مثل إهداء لواء أو سيف مع درع فخم، وكان الفاطميون، وكذلك السنيون، يعلنون عن منح الألقاب إما أمام قصر الخليفة فى القاهرة أو على منابر المساجد.

وبعد حكم السلاجقة، أى بعد القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى، تأكدت سيادة الألقاب التى فيها كلمة الدين، ليس فقط بالنسبة للحكام ورجال الدولة، بل أيضا فى الجماعات الدينية والزعماء الروحيين البارزين ومشايخ الصوفية. . . إلخ، مثل نجم الدين كبرا Kubra ومحيى الدين بن العربى وجلال الدين الرومى ومعين الدين تشيشتى، ولم يعد الخليفة فى ذلك الوقت هو المانح الوحيد للألقاب، ونتيجة لذلك صارت الألقاب تمنح بشكل يتلاءم إلى حد ما مع اسم الشخص الأصلى. (وللقلقشندى فصل عن هذه العادة فى كتابه صبح الأعشى جزء 5 صفحة 488 - 490 بعنوان: فى الألقاب المفرعة على الأسماء)، ويعود هذا الأسلوب إلى أيام المماليك الأولى أو حتى قبلها، فنجد عند المماليك الأتراك لقب علم الدين قد ارتبط باسم سَنْجَر وجمال الدين بأق قوش وحسام الدين بحسن أو حسين وعلاء الدين بعلى وتاج الدين بإبراهيم. . . إلخ حتى الخصيان كانت لهم ألقاب مرتبطة بالأسماء مثل شجاع الدين مع عنبر، كذلك كان لرجال الدولة من الأقباط المصريين ألقابا مرتبطة بالأسماء، مثل تقى الدين مع وهبة.

انتقل هذا النوع من التلقيب إلى الدولة العثمانية وبالذات مع العلماء والفقهاء، فارتبط لقب بدر الدين باسم محمود بالإضافة إلى الألقاب التى دكرناها مرتبطة بأسماء حسن وحسين وعلى وإبراهيم.

وحتى غزو التتار لبغداد عام 656 هـ/ 1258 م، كان منح الألقاب امتيازًا خاصًا بالخلفاء. وكان الولاة ونواب الخليفة فى الأقاليم المحافظون على مفهوم الخلافة بمفهومه الذى يعنى أن جميع السلطات التنفيذية تنبع

ص: 8830

أساسًا من الخليفة- يحرصون على الحصول على ألقاب منذ بداية توليهم المناصب، وكانوا يبحثون عن الألقاب التى تدل على القرب من الخليفة أو على علاقة خاصة به مثل مولى أمير المؤمنين وولى أمير المؤمنين وقسيم أمير المؤمنين.

وقد يحسم اعتراف الخليفة مصحوبا بوثيقة تقليد منصب (عهد أو منشور) ومظاهر القوة الأخرى مثل لقب أو حصان مطهم أو لواء وقد يحسم اللقب الصراع على السلطة لصالح أحد الخصمين. ففى عام 421 هـ/ 1030 م أسرع الأمير الغزنوى مسعود بن محمود لمواجهة أخيه محمد الذى بايعه الجيش سلطانًا على غزنة، وعندما وصل إلى نيسابور تلقى من الخليفة القادر عهدا بولاية الدولة الغزنوية بالإضافة إلى مجموعة قوية من الألقاب أو "نعوت سلطانية" كما سماها البيهقى هى: ناصر دين اللَّه حافظ عَباد (أو عُبَّاد) اللَّه المنتقم من أعداء اللَّه ظهير خليفة اللَّه أمير المؤمنين، وعلى الفور أمر مسعود بإعلان هذه المنحة ونشرها فى جميع مدن خراسان، وقد ثبت أنها كانت سلاحا دعائيا قيما فى انتزاعه السلطنة من أخيه محمد فى ذلك العام.

واحتفظ العباسيون بحقهم فى منح الألقاب فى العالم السنى لزمن طويل، وكان الخليفة شخصيا هو الذى يمنح اللقب، وصاروا يلتزمون بكل دقة بالصيغة التى منحها الخليفة، ويقول الكاتب المملوكى ابن فضل اللَّه العمرى. إن القاعدة التى لم يكن يسمح بمخالفتها فى العصور القديمة أنه لا يجوز أن يخاطب أى ملك بغير الألقاب التى منحها له ديوان الخليفة "بالنص من غير زيادة ولا نقص". ومن هذا المنطق كان اتخاذ أى لقب من غير إجازة الخليفة يعد عيبا فى الذات ويعد كأنه تمرد "ضد الخليفة أو الملك، ونضرب مثلا لذلك ما حدث فى خراسان فى أواخر القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى عندما ثار أبو على السيمجورى Simdjuri القائد العسكرى السامانى على مولاه نوح ابن منصور واستولى على خراج خراسان وتلقب بأمير الأمراء المؤيد من السماء.

ص: 8831

ولما كانت الألقاب ومظاهر التشريف تعطى حاملها وضعا ومقاما خاصين، فقد كان من الطبيعى أن ينتظر العباسيون مقابلا لها خاصة فى فترة الفقر المدقع التى مرت بهم فى بداية القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى، وصارت تلك التجارة فى مظاهر التشريف فى مقابل الهدايا أهم شئ عندهم خاصة فى زمان بنى بويه عندما آل بهم الحال إلى أن صاروا فى عيشة ضنكا عالة على بنى بويه. وبمضى الزمن صار لهذه المنح ما يشبه التسعيرة المحددة، وقد ذكر البيهقى فى كتاب تاريخى مسعودى Torikh-i Masudi صفحة 293 بالتفصيل المناقشة التى دارت فى بلاط مسعود الغزنوى عام 422 هـ/ 1031 م حول الهدايا المطلوب إرسالها إلى الخليفة الجديد القائم بأمر اللَّه الذى كان السلطان ينتظر منه أن يقره على ملكه ويمنحه المزيد من الألقاب ومظاهر النبل، وقد دارت معظم هذه المناقشة حول الرسم المعتاد فى مثل هذه الأحوال.

كان لزاما، والأمر هكذا، أن ترتفع أصوات تعترض على هذا التفريط [. . . . .](*) فى منح الألقاب ومظاهر التشريف الذى أدى إلى انخفاض قيمتها.

كما كتب هلال الصابئ (المتوفى عام 448 هـ/ 1056 م) فقرة طويلة فى كتابه "كتاب الوزراء تحقيق عبد الستار فرج، القاهرة 1958 صفحة 166 وما بعدها يندب فيه التغير الذى حدث فى الفترة بين الوزيرين ابن الفرات وعلىّ بن عيسى (الذى رفض منح أحد النواب لقبا أكثر من الدعاء البسيط "شرفه اللَّه" بالرغم من تعرضه للتهديد بسبب عناده)، وكذلك فى الفترة بين الوزيرين عضد الدولة وصمصام الدولة والحالة التى آل إليها الوضع فى أيامه.

وكان مدار شكواه استحالة التمييز الاجتماعى والوظيفى إذا فقدت الألقاب معناها الحقيقى وكانت النتيجة التى وصل إليها أن المناصب الرسمية قد فقدت منزلتها عندما أصبحت كلها فى مستوى واحد ورخصت عندما تساوت، ولم تعد تمثل أى مجد يثير الإعجاب أو امتياز يستحق المكافأة، ولقد سمعت

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: مسح بالمطبوع

ص: 8832