الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زُنَّار: حزام من القماش يرتديه الرجال والنساء فى فلسطين.
الغرب الإسلامى
إن الغرب الإسلامى الذى كان يضم فى العصور الوسطى الأندلس وصقلية بالإضافة إلى شمال أفريقيا ينتمى بصفة عامة فيما يتعلق بطرز الأزياء إلى شعوب منطقة البحر المتوسط، وكانت عناصر الملبس التى تربط بين هذه الشعوب هى الملابس المستطيلة والعباءات الخارجية الفضفاضة. وفى نطاق هذا الأسلوب الموحد كان هناك بالطبع وبشكل دائم قدر كبير من التنوع الإقليمى حسب الأجناس والظروف الاجتماعية الاقتصادية. ولقد عُرف المغرب منذ الفتح العربى فى منتصف القرن الأول الهجرى (السابع الميلادى) بطرزه الخاصة فى الملابس كما هى الحال فى المظاهر الثقافية والمادية الأخرى.
وأسباب هذا التفرد يمكن تلخيصها كالآتى:
1 -
بُعد المغرب الجغرافى عن قلب العالم العربى المسلم.
2 -
عنصر البربر المحلى الذى ظل قويا بشكل دائم.
3 -
وفى الأندلس؛ غلبة العنصر الأيبيرى وقربها من المناطق المسيحية.
4 -
غياب طبقة الكُتَّاب الفرس.
5 -
وصول الأتراك المتأخر إلى تونس والجزائر وعدم دخولهم المغرب.
وحيث إن معظم المعلومات المتوفرة عن الأزياء العربية فى العصور الوسطى: تسمياتها، أساليبها، العادات والتقاليد - تنطبق على المراكز الثقافية الحَضَريّة المغربية فى العصور الوسطى فإن بحثنا هذا سوف يتناول هذه الفترة باختصار مع التركيز على مظاهر تاريخ الأزياء المغربية المتفردة. ومعظم هذا البحث سوف يتناول الفترة الممتدة من العصر الوسيط المتأخر إلى العصر الحديث وبالتحديد الـ 700 سنة الأخيرة.
1 - نشأة الأزياء المغربيّة فى فترة ما قبل الإسلام:
عندما فتح العرب شمال أفريقيا كانت التأثيرات البونية والبيزنطية ما زالت قوية فى المدن والبلدان. وكانت توجد بعض العناصر البونية فى الريف مع غلبة العنصر البربرى. لقد كانت شمال أفريقيا حتى فى العصر الكلاسيكى تتميز بطرازها المتميز فى الملابس. ومن وجهة نظر المؤرخين اليونان والرومان فإنهم يعتبرون السكان المحليين من البربر لأنهم يرتدون فقط جلود الحيوانات بحيث تلقى على الكتف الأيسر وتتدلى لتغطى الصدر والظهر. ويذكرنا جلد الملابس الناعم بالـ فيلالى وهو جلد الماعز الذى يُعرف فى اللغات الأوربية باسم morocco أو maroquin (جلد السختيان). وهذا الأسلوب البسيط فى ارتداء واستخدام الملابس الجلدية مارسه البربر حتى العصر الحديث.
وفى نظر المؤرخين الرومان كانت أكثر ملامح ملابس شمال أفريقيا جذبا للانتباه هو رداء أو معطف فضفاض بدون حزام. وتذكر المصادر الرومانية والبيزنطية هذه العباءة من آن لآخر كما تذكر أيضا بنطلون البربر فى أوربا وآسيا، وتطابق الأوصاف التى أوردتها هذه المصادر الثياب المغربية الفضفاضة مثل الـ قمجه التونسية، والعباية الجزائرية والـ جندورا المغربية. وبالرغم من أن هذه العباءات كانت واسعة فيبدو أنها فى فترة ما قبل الإسلام كانت قصيرة لا تصل إلى ما تحت الأفخاذ. وفى أوائل القرن العشرين كان من الملابس القصيرة المشابهة المنتشرة فى مناطق البربر هى الـ ريف المغربى، الـ مَذَاب الجزائرى.
ومن الملابس المتميزة فى شمال أفريقيا والتى استمرت لتصبح من سمات الطراز المغربى فى العصر الإسلامى رداء بطاقية يسمى "بُرنُس" فى ليبيا وتونس والجزائر، ويسمى سِلْهَم وأَخْنيف وأحيانا قليلة بُرْنس فى المغرب. ويرى جيزل أن أصل البرنس هو السَجُوم وهو رداء بسيط من الصوف يلبسه العسكريون الرومان. ويشير E. F. Gauthier فى كتابه الذى طبع فى باريس سنة 1952 م إلى رداء مشابه ويسمى الـ باينولا ويلبس عند
السفر وله طاقيه تُشبك فيه من أعلى. ومن الناحية الفيلولوجية فربما تكون كلمة بُرنْس مشتقة من الكلمة اليونانية اللاتينية Birrus. وقد وجُد مصطلح برنس منذ الفترة المبكرة للإسلام فى الحجاز حيث كان يدل على لباس الرأس الذى يعرف باسم البونيه. أما البرنس الرداء فى شمال أفريقيا فكان من الواضح أنه مختلف. وعندما فتح العرب بلاد المغرب فإنهم فرقوا بين مجموعتين كبيرتين من البربر وأطلقوا عليهما البرانس والـ بُوتْر. ويعتقد W. Marcais أن هذه الأسماء لا تعكس فقط تسلسل الأنساب والأجناس بل أيضا الشكل البدنى العام. فنرى بربر البرانس يرتدون البرنس ذا الطاقية، والآخرين يلبسون ملابس البوتر وهى بدون طاقية. إن انتشار البرنس فى المغرب ربما يرجع فى الأصل إلى حقيقة أن البربر فى القرون القليلة الأولى للإسلام لم يرتدوا أى ألبسة للرأس أو طواقى. وعلاوة على ذلك فإن بعض البربر كما ذكر ابن خلدون كانوا يحلقون رؤوسهم كلها أو جزءا منها.
وهناك خاصية مميزة أخيرة يمكن إرجاعها إلى فترة ما قبل الإسلام وهى ملاءات اللف الكبيرة التى كانت تستخدم كرداء خارجى للرجال والنساء من ليبيا إلى بلاد المغرب. وهذه الملاءة التى كان يطلق عليها أسماء مختلفة وأكثرها شيوعا فى اللغة العربية الـ حايك، الـ كساء، والـ بَرَكَانْ، وفى لغة البربر أعْبان، أخوشى، أنَاجْجُو، تحْيكْت وأسماء أخرى كثيرة. ويعتقد جيزل أن هذا الرداء البدائى ترجع أصوله إلى ملابس كانت مستخدمة فى المغرب تحت الحكم الرومانى فى شمال أفريقيا. ومنها الـ لودكس والـ ستراجولا. ويتحدث الشاعر الرومانى فى أشعاره عن العباءة الخشنة التى يرتديها الأهالى ويلقون بطرفها على الكتف وتغطى الأذرع. ويذكر ابن خلدون أيضا أن الأهالى من البربر يلفون أنفسهم بالكِسَاء وكانوا يلقون بطرفها على الكتف. وذكر الرحالة الأوربيون فيما بعد هذا الرداء غير المريح. وفى العصر الإسلامى استخدمت ملاءة البربر القديمة جنبا إلى جنب مع الإزار العربى والملحفة.