الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لون
من السمات المميزة للغة العربية ثراؤها الشديد بالمفردات الدالة على الدرجات اللونية، فكانه قد رؤى أن كل تفصيله مهما دقت، وكل درجة لونية مهما ضؤلت تتطلب اسما هو وقف عليها وحدها. وسوف نتناول بالتحليل فى الجزء الأول من هذا المقال أسماء الألوان من حيث الصرف والدلالة. وبالتالى نستطيع أن نرى كيف تسنى للمفكرين المسلمين من علماء كلام وفلاسفة تحليل الإدراك الحسى للألوان. أما الجزء الأخير من المقال فسوف يخصص للبعد الرمزى الذى تنطوى عليه الألوان. إلا أنه لابد من تقديم بعض الإيضاحات والتعريفات حتى يمكن فهم الموضوع فهما سليما. ذلك أن لون أى شئ -من حيث الإدراك الحسى البحت- إنما نلاحظه أو نرصده بمتغيراته الحسية الثلاثة متمثلة فى درجته (أو قيمته) اللونية، ومدى نصاعته ومدى تشعبه. والأبيض لا يعد لونا، شأنه فى ذلك شأن الأسود. ففى عالم الفيزياء نجد أن الجسم الأبيض يوزع كل الإشعاعات المرئية الساقطة عليه بالتساوى، وكذلك الجسم الأسود يمتص كل الإشعاعات امتصاصا تاما ولا يعكس منها أى شعاع. فالألوان غير اللونية هى على درجة الصفر من التشبع. والألوان المكملة هى تلك الألوان التى تجعل من بعضها البعض ألوانا محايدة، وإذا مزجت أنتجت لونا أبيض: النيلى/ الأصفر، الأزرق/ البرتقالى، البنفسجى/ الأخضر - الأصفر، الأحمر/ الأزرق - الأخضر. وأخيرا فإن ألوان الطيف السبعة منها ثلاثة فقط -الأزرق، الأصفر، الأحمر- هى الأساسية: إذ تخرج منها باقى الألوان.
دراسة صَرْفية لأسماء الألوان:
تتميز الصفات المشتقة من الألوان بأنها -فى معظمها- على وزن "أفعل" للمذكر و"فعلاء" للمؤنث، وصيغة أفعل هى الصيغة التفضيلية، وظاهر الأمر أن اشتراك الصفة التفضيلية والصفة اللونية ليس وليد صدفة، فثمة افتراض ينظر إلى الصفة اللونية بوصفها صفة تفضيلية فى مرحلة ما من مراحل تطور اللغة: فالذى نصفه بأنه أحمر، لعله فى
الأصل كان يعنى "أشد حمرة من. . . " وقد أدى تطور اللغة إلى حذف الكلمة التى تدل على المقارنة أو التفضيل: فمن حقائق اللغات السامية أن الفرق يتضاءل بين أسماء الألوان وصيغة أفعل التفضيل. ففى اللغة الآرامية تصاغ أسماء الألوان -بوجه خاص- على وزن "فعّل"(فععل) وكذلك الأمر فى العبرية توجد مجموعة من أسماء الألوان صيغت صياغة تفضيلية وذلك بازدواج الجزءين الأخيرين (فعلعل). . . " وإلى جانب صيغة "أفعل - فعلاء" التى لا تصاغ على وزنها معظم أسماء الألوان فحسب بل وتصاغ على وزنها أيضا أسماء كل الألوان الأساسية، توجد صيغ أخرى -وإن كانت نادرة- لم نوجه لها عنايتنا، وإن كان علينا أن نتذكر أن بعض هذه الصفات عبارة عن ازدواج لصيغة أفعل، أو ازدواج لصيغتها هى نفسها. نذكر من هذه الصيغ: على وزن فاعل (حانِط)، على وزن مُفعّل (مُجزع)، فَعْل (جَوْنَ)، فَعيل (فَقِيع)، فَعل أو فَعِل (شَهَب، لَحِق)، مُفعِل (مُقْرِف)، وأقل من هذه شيوعا تلك الصفات اللونية التى تأتى على وزن: فَعلول، فُعال، فُعالى، فُعَيْل، فِعال، فَعَالى، فاعِلى، فعولى، فُعِلّ. ولا شك أن هناك علاقة ما تربط بين بعض هذه الصيغ ودرجة لونية بعينها: فهناك رابطة بين صفة فاعل ودرجة التشبع، ومُفعّل والمزج، وفعيل والخلط. وبعض هذه الصيغ ينتهى بالياء وهى طريقة غير مباشرة تلجأ إليها اللغة العربية فى كثير من الأحيان للدلالة على الاصطباغ بلون ما. وبعض الصفات اللونية (مأخوذة من لغات أخرى غالبا) قد تحددت بناء على علاقة ربطت بينها وبين شئ يمثل هذا اللون، وبالتالى فهو بمثابة ستار لها. فالصفة "وردى" مشتقة من كلمة "ورد" و"بنفسجى" مشتقة من بنفسج و"كحلى" من كُحل. وأغلب الظن أن هناك صلة بين صيغة الصفة اللونية ومعناها. ومن هنا نجد أن الجِذْر ف - ق - ع اشتقت منه الصفات اللونية الآتية: فَقع (أصفر باهت)، فُقَاع (أى
شديد الحمرة، وهو وصف لبشرة الإنسان)، فقيع (أحمر أو أبيض)، أفقع (شديد البياض)، أما اسم اللون فهو مصدر على وزن فُعْلة. وهذا هو العنصر المجرد الوحيد ضمن المصطلحات اللونية. فالعربى حين يقول حُمْرة أو صُفْرة، فهو يعبر عن "حالة كون الشئ أحمر أو أصفر". وأسماء الألوان دمان كانت مصادر، إلا أنه من الجائز أن تستعير صيغا أخرى مثل: فَعَل، فَعْل، فَعَال، وهذا الوزن الأخير -كما يبدو- مقصور على الأبيض والأسود، حيث أن جذر كل منهما أجوف [معتل الوسط]، فِعْل، تفعيل، فِعْلة. ويبدو أن أسماء الألوان التى على وَزن فُعْلة -هذه الفئة بالذات- لا يمكن أن نسميها "أسماء أفعال" لأن الأفعال التى اشتقت منها هذه المصادر هى فى الأصل أسماء.
ومن الصيغ المشتقة من الفعل فى اللغة العربية توجد صيغتان -على وزن إفعلّة وإفعالّة- تتسمان بسمة خاصة: ذلك أنهما يعبران عن أحوال (إما حالة لون أو حالة تشويه) ولم يشتقا من الصيغة البسيطة "فَعَل"، بل هما فى الأصل من الأسماء، إذ تم تشكلهما من صفات على وزن أفعل لتعبر عن الحالات المشار إليها آنفا. وينطويان على بُعد تفضيلى يظهر لنا من ازدواج الجذر الأخير. أما صيغة "إفعالة". وهو أقل شيوعا من صيغة "إفْعلة" فيبدو أنه تضعيف له ومن هنا كان لدينا إلى جانب "إبْيَضّ" و"إسْوَدّ" بمعنى أصبح أبيض اللون، وأصبح أسود اللون "إبْياضه" و"أسْوادّة" أى أصبح ناصع البياض، وأصبح شديد (حالك) السواد كالأبنوس. وأخيرا ينبغى أن نولى عناية للصيغ غير الثلاثية والكلمات المستعارة من لغات أخرى. فنحن نصادف أمثلة مثل: فَعْلل، فعلال، فُعْلُل، فَعْلَلى، فِعْلِل. أما عن الكلمات المستعارة فأكثرها شيوعا: أرجوان أى أحمر قان، زِرْياب "أى أصفر"، "زَرْجون" أى أحمر وذهبى، فِرْفير "أى بنفسجى"، سمانغونى "أى أزرق سماوى" نيلَجْ "أى أزرق نيلى"، وهى صفات مشتقة من الفارسية واليونانية.