المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وأرسلته إلى السد فشاهد فأرا عملاقًا يوشك أن يدحرج جلمود - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٢٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌كنانة

- ‌تاريخ كنانة:

- ‌المصادر:

- ‌كناية

- ‌كندة

- ‌المصادر:

- ‌الكندى

- ‌المصادر:

- ‌الكندى (مؤرخ)

- ‌المصادر

- ‌الكنز، قبيلة

- ‌المصادر:

- ‌كوتاكوتا

- ‌كوتوكو

- ‌كوتونو

- ‌الكوثر

- ‌المصادر:

- ‌الكورانى

- ‌المصادر:

- ‌كوش

- ‌المصادر:

- ‌كوكبان

- ‌الكويت

- ‌1 - جغرافية واقتصاد

- ‌2 - التاريخ

- ‌المصادر:

- ‌كيقباد

- ‌كيقباد (سلطان دهلى)

- ‌الكيمياء

- ‌المصادر:

- ‌كينيا

- ‌المصادر:

- ‌الكيا

- ‌المصادر:

- ‌ل

- ‌لؤلؤ الجارحى

- ‌المصادر:

- ‌لؤلؤ (جوهر)

- ‌المصادر:

- ‌المنصور لاجين (لاشين)

- ‌المصادر:

- ‌لالى ديفرى

- ‌الاتجاه إلى الغرب:

- ‌سياسات التقدم والبناء والابتكار:

- ‌نهاية الاحتفالات:

- ‌المصادر:

- ‌لباس

- ‌ بلدان العالم العربى الوسطى والشرقية:

- ‌1 - ملابس العرب قبل الإسلام:

- ‌2 - عصر النبى محمد عليه الصلاة والسلام وفجر الإسلام:

- ‌3 - القوانين والأعراف المتعلقة بالملابس فى صدر الإسلام:

- ‌4 - الأمويون والعباسيون وأسلوب الطراز:

- ‌5 - الفاطميون:

- ‌6 - الجنيزا كمصدر للملابس الإسلامية فى العصور الوسطى:

- ‌7 - الدويلات التركية المبكرة: السلاجقة، الأيوبيون، المماليك

- ‌8 - العصر العثمانى إلى أوائل العصر الحديث:

- ‌9 - المائة سنة الأخيرة: تأثير الغرب على الملابس الشرق أوسطية

- ‌الغرب الإسلامى

- ‌1 - نشأة الأزياء المغربيّة فى فترة ما قبل الإسلام:

- ‌2 - الأزياء المغربية خلال العصور الوسطى المبكرة والمتأخرة:

- ‌3 - إمبراطوريات البربر وما تلاها من دويلات:

- ‌4 - من نهاية العصور الوسطى إلى العصر الحديث:

- ‌إيران

- ‌1 - العصران الأموى والعباسى:

- ‌2 - العصران الايلخانى والتيمورى:

- ‌3 - العصر الصّفوى

- ‌4 - العصر القاجارى:

- ‌5 - السنوات القليلة الماضية:

- ‌تركيا

- ‌1 - الأزياء التركية القديمة من القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى إلى القرن الثالث عشر الهجرى/ التاسع عشر الميلادى

- ‌لباس الرأس:

- ‌أ- عمامات الرجال:

- ‌(ب) الـ كُولَاه (قبعة. طاقية)

- ‌(ج) القَلْبَك:

- ‌(د) أغطية الرأس الخاصة بالسيدات:

- ‌الملابس الفوقانية:

- ‌أما ألبسة الدراويش:

- ‌الملابس التحتانية:

- ‌الأحذية:

- ‌معدات الزينة:

- ‌2 - العصر الحديث

- ‌المصادر:

- ‌لبنان

- ‌المصادر:

- ‌لبيد بن ربيعة

- ‌المصادر:

- ‌لثام

- ‌المصادر:

- ‌لحن العامة

- ‌المصادر:

- ‌لحيان

- ‌لحيان فى العصر الإسلامى: تعتبر المصادر الإسلامية التاريخية وكتب الأنساب أن قبيلة لحيان العربية فرع من الهذليين، وينسبونها إلى لحيان بن

- ‌المصادر:

- ‌لخم

- ‌1 - التاريخ:

- ‌2 - الثقافة:

- ‌المصادر:

- ‌لطفى السيد

- ‌المصادر:

- ‌لعقة الدم

- ‌المصادر:

- ‌لغز

- ‌المصادر:

- ‌لغة

- ‌المصادر:

- ‌لقب

- ‌1 - الجاهلية والعصور الإسلامية الأولى

- ‌2 - عصر الخلفاء:

- ‌3 - الغرب الإسلامى:

- ‌4 - فترة ما بعد الخلافة

- ‌5 - فترة الإمبراطوريات العظمى:

- ‌المصادر:

- ‌لقيط الإيادى

- ‌المصادر:

- ‌لقيط بن زرارة

- ‌المصادر:

- ‌لواء

- ‌‌‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌لوط

- ‌لون

- ‌دراسة صَرْفية لأسماء الألوان:

- ‌دراسة الدلالة:

- ‌الدرجات اللونية والنصاعة والتشبع:

- ‌اللون فى رأى المعتزلة:

- ‌اللون فى رأى الفلاسفة:

- ‌رؤية صوفية للون:

- ‌رمزية اللون:

- ‌المصادر:

- ‌ليبيا

- ‌النقوش - البربرية:

- ‌التاريخ الحديث:

- ‌الوضع الأثنوجرافى والديموجرافى

- ‌الليث بن سعد

- ‌المصادر:

- ‌الليث بن المظفر

- ‌المصادر:

- ‌ليلى الأخيلية

- ‌ المصادر

- ‌ليو الأفريقى

- ‌المصادر:

- ‌م

- ‌مأرب

- ‌المصادر:

- ‌المأمون

- ‌المصادر:

- ‌مؤنس المظفر

- ‌المصادر:

- ‌مؤيد الدولة

- ‌الماء

- ‌نظام الرى فى مصر قبل القرن العشرين

- ‌الآبار وآلات رفع الماء:

- ‌الرى فى شمال إفريقيا والأندلس

- ‌الرى فى الامبراطورية العثمانية

- ‌الرى فى الهند الإسلامية قبل القرن العشرين

- ‌الوجهة الاقتصادية للرى الحديث

- ‌الإبداعات المعمارية والزخرفية فى المنشأت المائية فى الهند الإسلامية

الفصل: وأرسلته إلى السد فشاهد فأرا عملاقًا يوشك أن يدحرج جلمود

وأرسلته إلى السد فشاهد فأرا عملاقًا يوشك أن يدحرج جلمود القيوض السد، فقدر عمرو الوحيل، واصطنع شجارًا مع ولده الذى صنعه على الملأ فتعلل بذلك عمرو وباع ما يملك ورحل ومعه أتباع كثيرون.

‌المصادر:

(1)

وهب بن مَنْبَه: كتاب التيمان فى بلوك حمير، صنعاء 1979 م.

(2)

الهمذانى: صفة جزيرة العرب، طبعة د. إتش ميلر، لايدن 1884 م - 91.

(3)

الهمذانى: الإكليل، ح، طبعة محمد الأكوع الحوالى، دمشق 1979 م، 95 - 107.

(4)

ابن رسته: كتاب الأعلاق النفيسة.

(5)

المسعودى: مروج الذهب، 8، 365 - 93.

(6)

ياقوت: معجم البلدان.

(7)

الرازى الصنعانى: تاريخ مدينة صنعاء، دمشق 1974 م.

(8)

نشوان الحميرى: القصيدة الحميرية؛ بن مجاور: تاريخ المتبصر؛ الاميرى: حياة الحيوان.

(10)

على بن الحسن الخزرجى: العقود اللؤلؤية فى تاريخ.

محمد صبرى الصاوى بدر [و. مولر W. Mulle]

‌المأمون

هو أبو العباس عبد اللَّه بن هارون بن الرشيد، الخليفة العباسى السابع، ولد فى 15 ربيع الأول سنة 170 هـ/ 14 سبتمبر 786 م. "ليلة الخلفاء الثلاثة:(وفاة الهادى وتولى الرشيد وميلاد المأمون خليفة المستقبل)، وهو أكبر أبناء الرشيد الأحد عشر. كانت أمه "مراجل" محظية من "باذغيس"، توفيت بعد ميلاده بقليل فربته "زبيدة" حفيدة "المنصور" وزوجة أبيه الرشيد أم محمد (أصبح "الأمين" فيما بعد). تلقى تعليمًا تقليديا باللغة العربية على أيدى الكسائى فى الأدب كما درس الموسيقى والشعر (كان تقليدى النزعة). أما فى العلوم الدينية فقد تعلم "الحديث"(وأصبح من رواته) والفقه (تعلم على

ص: 8908

يد الحسن اللؤلؤى) وقد برع فى الفقه الحنفى وتميز بحبه للمعرفة مما جعله أنضج خلفاء الأسرة العباسية فكرا وهو ما يفسر الأسلوب الذى تطورت به خلافته.

وفى 177 هـ/ 794 م، ونزولًا على رغبة أسرته سمى "الرشيد" محمد الأمين كولى عهد أول، وهو الخليفة الوحيد لأبوين عباسيين، وكان الإعلان مبدئيا فى"خراسان" من خلال الفضل ابن يحيى البرمكى وتلقى الأمين البيعة فيما بعد فى بغداد. أما عبد اللَّه "المأمون" فكان عليه أن يصبر حتى سن البلوغ ليعلن أنه يتولى بعد الأمين. وكان هذا الأعلان سنة 183 هـ/ 899 م. تحت رعاية "جعفر بن يحيى البرمكى" المقرب للخليفة. ورغم إحياء الرشيد للتقليد "المروانى" بتعيين وريثيين للعرش ضمانًا لاستقرار النظام ومستقبل الأسرة، إلا أنه أدخل تجديدًا بقبوله تعيين وريث ثالث، هو القاسم "المؤتمن"، وهو ابنه من إحدى جواريه، برعاية "عبد الملك بن صالح".

أعلن هذا النظام خلال فترة الحج عام 186 هـ/ 802 م فى مكة، وأعيد تأكيد وحدة الدولة بوجود ولى عهد معين واحد، محمد الأمين يعيش فى بغداد مدعوما باثنين سيخلفانه على التوالى وقد منح المأمون والمؤتمن الولاية على أقاليم مهمة: فخراسان الكبرى، قلب النظام العباسى منذ نجاح الدعوة الهاشمية 132 هـ/ 750 م أصبحت من نصيب عبد اللَّه (المأمون) أما جبهة القتال فى الصراع ضد الأمبراطورية البيزنطية (الجزيرة وشمال الشام)، فقد تولى المؤتمن أحد المشاغل الرئيسية لدى "الرشيد" وقد أدى اعتماد كل مجموعة فى الدولة على المجموعة الأخرى إلى نجاح الحكم الذاتى فى أفريقية والإعتراف بسلطة "الأغالبة" فى عام 184 هـ/ 800 م بغرض احتواء الـ "الخوارج"، و"العلويون" و"الأمويون" الذين كانوا قد نجحوا فى تأسيس الإمارات فى المغرب والأندلس فى النصف الثانى من القرن الثانى الهجرى/ الثامن الميلادى.

وبعد عودة الرشيد من الحج تخلص من هيمنة "البرامكة" وأمر

ص: 8909

بإعدام "جعفر بن يحيى" فى ليلة غرة صفر 187 هـ/ 29 يناير 803 م، وألقى القبض على الفضل واخوانه. ومنذ ذلك التاريخ أصبح الفضل بن سهل السرخسى الوصى على عبد اللَّه "المأمون"، وكان أبو الفضل زرادشيتا من قرية قرب الكوفة عمل فى خدمة البرامكة ثم اعتنق الإسلام فى 190 هـ/ 806 م ولعب دور الكاتب - المعلم وبذلك أصبح مؤهلا لمنصب الوزير عند ولاية المأمون.

فى سن الثامنة عشرة، تزوج "المأمون" من ابنة عمه "أم عيسى" ابنه "موسى الهادى" وأنجب منها ولدين (محمد الأصغر وعبد اللَّه) وكان له عدد كبير من المحظيات (الجوارى)، وفى عام 192 هـ/ 808 م -وبعد أن تمكن الرشيد من تهدئة الوضع على الجبهة مع الامبراطورية البيزنطية- تولى "الرشيد" بنفسه مسئولية الوضع فى خراسان وكان مضطربا بفعل تمرد، "رافع بن ليث" حفيد "نصر بن سيار"(آخر الولاه الأهويين فى خراسان)، على السياسة المركزية للوالى "على بن عيسى بن ماهان" الذى كان يمثل فئة "ابناء الدولة"(وهم الخراسانيون المقيمون بالعراق) وخرج لهم الرشيد وبصحبته المأمون والفضل بن سهل وأيضا الحاجب الوزير الفضل بن الربيع الذى خلف البرامكة على قمة الإدارة المركزية، لكن الرشيد توفى فى طوس فى 3 جمادى الأخرة 193 هـ/ 24 مارس 809 م بينما كان "المأمون" قد تقدم إلى "مرو" مع جانب من الجيش. وعلى الفور بدأ الخليفة الجديد فى بغداد (الأمين) فى تعزيز وضع السلطة المركزية فى مواجهة طموحات انصار الحكم الذاتى فى خراسان الكبرى وكان ذلك استمرارًا لسياسة طبقت لخمسين عامًا. فأمر بإعادة الجيش والخزانة إلى بغداد مما حرم المأمون (الأمير - الوالى) من الوسائل الضرورية لتهدئة المناطق المضطربة تماما وبسرعة. ولكن المأمون لم تكن تعوزه الحنكة لتعزيز موقفه فى مواجهة الخليفة، واحتذاء بمثال أبيه أحال مسئولياته "للسهليين" ومنحهم كل السلطات لإدارة الأمور وحفظ حقوقه فى تولى منصب الخلافة بعد الأمين والتى توثقت فى الكعبة. وبالفعل تمكن السهليون من تهدئة

ص: 8910

الوضع وتعبئة قوات الأقاليم الشرقية من خلال الإعتراف بالحكم الذاتى لشيوخ القبائل المحليين بدعم من الأثرياء الذين رأوا فى إمكانيات الدولة فرصة لتحقيق مكاسب غير مسبوقة فى الثروة والمكانة وزيادة رواتب الجند، وتخفيض الخراج بمقدار الربع واستعادة كفاءة الإدارة واعادة ديوان المظالم الذى ترأسه المأمون بانتظام.

وبذلت جهود خاصة لاحتواء الفقهاء وتقريب المتكلمين (المعتزلة).

ليس بالامكان تفسير الخصومة بين الأمين والمأمون بإختلاف موطن الأم (فأم الأمين عربية وأم المأمون ايرانية) وإنما هناك أسباب أعمق فقد حاول الأمين تغيير نظام وراثة الخلافة الذى أقره والده، وإبعاد شقيقيه (المأمون والمؤتمن) بتأييد من فئة موالى الخليفة وفئة "أبناء الدولة" فى العراق والذين تهددت امتيازاتهم بفعل تصاعد الحكم الذاتى الاقليمى الذى بدأ فى المغرب وامتد إلى خراسان الكبرى عماد النظام العباسى. فى مثل هذه الظروف، لم يكن مستغربا أن نجد الأقاليم الشرقية تدعم من يدافع عن طموحاتها وأحلامها. وكانت تلك هى المرة الأولى التى يتحدد فيها وضعها رسميا فى وثائق مكية وأن يمثلها ليس مجرد أمير عباسى ولكنه أيضا وريث للخلافة وبكلمات أخرى فإنهم، إذا انتصروا، يظفر الخراسانيون بالحكم الذاتى مع ضمان مواقع مهمة فى جهاز الدولة. أما بالنسبة للمأمون فكان من حسن طالعه أن يكون خارج دائرة نفوذ الخليفة الحاكم وبذلك تفادى المصير الذى لقيه قبل ذلك "عيسى بن موسى"(أجبر على التنازل لصالح أبناء المهدى)، أو ما عاناه الرشيد قبل ذلك (سجنه أخوه الهادى).

وقد بدأ النزاع فى عام 194 هـ/ 810 م. عندما اضيف اسم "موسى" الابن الاصغر للأمين إلى قائمة ورثة الخلافة (المأمون والمؤتمن) وأرسلت بعثة إلى "مرو" لإقناع المأمون بالعودة إلى بغداد ليقوم بدور مستشار الخليفة. وكرد على عدم قبوله العرض حاول الأمين اعادة فرض سيطرته على كامل الدولة، وأمر بأن

ص: 8911

يؤتى بفائض الإيرادات من أقاليم معينة (الرَّى وقومس وغرب خراسان) ثم تسمية مسئولين ماليين وفى النهاية تعيين مسئول استخبارات فى "مرو" عاصمة المأمون الذى تمكن بفضل دهاء الفضل بن سهل، وتصميم الخراسانيين على الدفاع عن حكمهم الذاتى الذى اكتسبوه أخيرًا، من رفض أى تعديلات على خطاب "الوثيقة المكية" التى أصدرها والدهما الرشيد وبذلك تفادى أى تورط فى التحرك الجارى على أيدى مستشارى الأمين بهدف تهديد وضعه (كولى عهد) واتسع الخلاف فى 195 هـ/ 811 م بمحو اسم الخليفة من العملة طراز خراسان. واستفادة من قوة موقفه لجأ "الأمين" إلى حسم قضية العلاقات بين السلطة المركزية وخراسان. فأعلن ابنه موسى (من أحدى الجوارى) وريثا أول للخلافة على حساب المأمون، وعبد اللَّه بن محظية أخرى وريثا ثانيا على حساب المؤتمن فى انتهاك صارخ للوثائق المكية وقد رد المأمون بتسمية نفسه (الأمام) جريا على مثال الأمام إبراهيم بن محمد بن على وريث أبى هاشم (ابن محمد بن الحنفية). وتأكدت هذه العودة لمبادئ الدعوة الهاشمية الأولى فى "مرو" بالنداءات التى أرسلت لمختلف الفرقاء القبليين العرب فى خراسان مشيدة بدور "النقباء" إضافة إلى أن لسلطة الإمام طبيعة دينية تفوق ما للقب "أمير المؤمنين" وهى تبين السياسة الإمبراطورية البابوية دولة يرأسها حاكم له سلطات دنيوية ودينية للمأمون. وقطعت الاتصالات بين العراق وخراسان وشددت الحراسة على الحدود لمنع ارسال الاستخبارات إلى بغداد بينما كانت للمأمون عيون داخل قصر الخليفة نفسه.

وبذلك انتهت "الوثائق المكية" التى أصدرت برعاية الرشيد ثم تعدلت لصالح الأمين الذى أمر أخاه بأن يعترف بسلطته الكاملة على خراسان. وأصبحت القطيعة نهائية بتعيين على ابن عيسى بن ماهان، حاكم خراسان السابق المخلوع، حاكما للجبال فى ولايات (قم، نهاوند، همدان واصفهان) بهدف استعادة سلطة الخليفة على خراسان (جمادى الأخرة

ص: 8912

195 هـ/ مارس 811 م). ووقعت المواجهة مع جيش الخليفة قرب الرى وبدا كما لو أن النتيجة معروفة سلفا ولكن "طاهر بن الحسين" نجح فى قتل علىّ بن عيسى بن ماهان (7 شوال 195 هـ/ 3 يوليو 811 م). وكان لهذا النصر المفاجئ الفضل فى أن يميل الموقف لصالح المأمون، وعبأ الأمين جيشين جديدين ولكن طاهر تمكن من ضربهما عندما نجح فى ضرب كل منهما بالآخر باستغلال الخصومات بينهما. واضطر الأمين لزيادة الجباية فى الشام، برغم ثورة "السفيانيين" فى (195 هـ/ 811 م) ثم أرسل "حسين بن علىّ بن عيسى بن ماهان" فى مهمة فى الشام لكن الإنقسامات بين القيسيين والكلبيين لم تمثل مناخًا توفيقيًا، وعندما تبين استحالة مهمته دبر انقلابا فى بغداد فى رجب 196 هـ/ مارس 812 م وأمر بالقبض على الأمين وأعلن تنصيب المأمون خليفة للمسلمين وكان الانقلاب المضاد الذى اعاد الخلافة للأمين أبلغ تعبير عن الإنقسامات بين "الأبناء".

وفى نفس التاريخ أعلن المأمون خليفة رسميا فى "مرو" ومنح الفضل بن سهل لقب "ذو الرئاستين" وتعنى القيادة المدنية والعسكرية واعترفت الولايات الواقعة إلى الغرب من العراق بخلافة المأمون فى 197 هـ/ 813 م: وفى الحجاز كان الحج تحت إشراف العباس بن موسى وهو حليف قديم للمأمون وفى مصر كان الأبناء منقسمين بين الأمين والمأمون وكانت أفريقية تحت الحكم الذاتى للاغالبة أما شمال الشام والجزيرة فقد استغلتا الموقف لإعلان الحكم الذاتى وتبعتهما أذربيجان وأرمينيا.

وقد اضطر "المأمون" بعد العديد من القلاقل والأعمال العدائية من جانب العلويين العباسيين، الذين اتهموا بنقض حقوق الخلافة لأبناء "على" و"فاطمة" إلى عقد تسوية بارعة بين فرعى عائلة النبى [صلى الله عليه وسلم] من خلال العودة إلى المبادئ الآولية للدعوة الهاشمية والتى تمنع بحال اختيار إمام من العلويين.

وبذلك أنقذ العلويون الذين اعتبروا اعداء للخلفاء العباسيين، والآهم من

ص: 8913

ذلك أن زاد على جده "المهدى" بإختياره أحد أبناء موسى الكاظم خليفه له. وكانت هذه البادره من "المأمون" مناقضه لسياسة دامت قرنا كاملا، وتحديدا منذ بداية دعم أهل خراسان للفرع العباسى. وكان على "السهليين" الذين سيطروا على أجهزة الدولة أن يخضعوا لهذه السياسة الحديثة لتفادى المهانة إلى تعرض لها البرامكة (عندما لم يشاركوا فى سياسة الرشيد المعاديه للعلويين).

ولقد أتاح الصراع على السلطة فى بغداد ومحاولات فرض "على الرضا" خليفة فسحه زمنيه لدعاه انفصال (الإستقلال الذاتى)"لاذربيجان" و"ارمنيا" و"العواصم" فى شمال الجزيرة والشام ومصر.

وقد أجبرت مقاومة "الابناء" الحسن بن سهل على ترك بغداد وفيها تشكلت سلطة ثلاثية بتعيين المنصور بن المهدى، (من جارية فارسيه)، مبعوثا "للمأمون" منذ 25 جمادى الأخرى 201 هـ/ 18 يناير 817 م. بالإضافة إلى تعاطف الطبقات الدنيا من الحضر مع حركة "سهل بن سلامة الأنصارى" وهو من أهل خراسان فى حى الحربية، وارتبطت قيادة "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر" بالإستقلال السياسى والحكم الذاتى للأقليات الإجتماعية وفى ذات الوقت كان "أبو الهدايل" و"النظام " (بتشديد النون والظاء وفتحهما الذى أدخل "المعتزلة" إلى بلاط المأمون) يعملان فى اتجاه معاكس من أجل سياسة ممالئه للسلطة العباسية. أى أن عملية استعاده النصف الثانى من ولاية المأمون قد بدأت: فى 2 رمضان 201 هـ/ 24 مارس 817 م حين أعلن الأمون "على بن موسى الكاظم" خليفه له (على حساب اخيه المؤتمن) ولقبه "الرضا من المحمد" وتخلى عن اللون الأسود المميز للعباسين واختار اللون الأخضر (الكتيبه الخضراء لمحمد [صلى الله عليه وسلم]) ومنذ ذلك الحين أصبح يمكن اختيار الخليفة الإمام من بين نسل هاشم السلف المشترك للنبى [صلى الله عليه وسلم] واعمامه "العباس" و"أبو طالب". وعندما بلغت هذه الأنباء العراق، بعد أربعه أشهر، كان للعباسيين وأعوانهم رد فعل حيال هذا العدوان على (حقوقهم المكتسبة)،

ص: 8914

فرفض والى البصرة "إسماعيل بن جعفر بن سليمان" ارتداء اللون الأخضر، وفى بغداد قاد ابناء "المهدى" المعارضة. وعندما رفض "المنصور" الخلافة قبل أخوه إبراهيم المهدى (من أم أخرى) المنصب فى 28 ذو الحجة 201 هـ/ 17 يوليو 817 م واختار ابن اخته "اسحق بن موسى الهادى"(شقيق زوجه "المأمون") كوريث للخلافة وقد عضده الأمراء العباسيون، وبكلمات أخرى كانت تلك عودة للحرب بين الجانبين والتى ظلت هادئة منذ 198 هـ/ 813 م. أما حقيقة أن الأمين ولد لزوجه عربيه بينما كان إبراهيم بن المهدى من أم محظية فارسية كحال المأمون، فلم تؤثر على مسار الصراع المحتدم فيما يتعلق بالعلاقات بين العراق وعاصمتها "بغداد " وخراسان وعاصمتها "مرو" ونجح الخليفة الجديد "إبراهيم بن المهدى" فى بسط سلطته على العاصمة بوضع حد لنشاط "سهل بن سلامه الأنصارى" فى حى "الحربية" وبعدها سعى لغرض سيطرته على "الكوفة" وطرد منها العباس أخو على الرَّضا" (202 هـ/ 817 م) وأصبحت"واسط" مركز قيادة "الحسن بن سهل" الذى استعاد سيطرته على البصرة. أما والى مصر "عبد العزيز بن عبد الرحمن الازدى" فقد دعا للإعتراف بالخليفة "إبراهيم المهدى" أمّا أمير أفريقية ذات الحكم الذاتى فقد ظل محايدا كما كان من قبل وقد أخفى "الفضل بن سهل" خطورة الوضع عن "المأمون" حتى أخبره "على الرضا" بأن إبراهيم بن المهدى" قد أعلن نفسه خليفة، (وليس أميرًا)، فى بغداد. وعندها قرر "المأمون" -وكان فى الحادية والثلاثين من عمره- أن يتولى الأمر بنفسه شخصيا وقد أدرك خطورة الوضع.

وقدم تنازله الأول لطبقة الأثرياء فى العراق بإعلانه العوده إلى "بغداد" وبهذا تأكد دورها كعاصمة للدولة. وفى 10 رجب 202 هـ/ 22 يناير 818 م غادر المأمور "مرو" مصطحبا رجال بلاطه والإداره والجيش. وفى سرخس لقى الفضل بن سهل، الذى كان يحاول إغتصاب سلطة الخليفة، نفس مصير البرامكة عندما تعرض

ص: 8915

للاغتيال بايعاز من "المأمون" فى 2 شعبان 202 هـ/ 13 فبراير 818 م وبعكس البرامكة لم يتعرض بقية "السهليين" للمصير نفسه فبالإضافة إلى سيطرتهم على "خراسان" وجنوب العراق فقد تقلدوا مناصب مهمة فى الإدارة المركزية. ولتعزيز موقفه تزوج "المأمون من "بوران" (ابنه "الحسن سهلا") فى رمضان 210 هـ/ ديسمبر 825 م أما إبراهيم المهدى فقد عانى من نقص الموارد المالية وكان مجبرا على قتال الحركات المناوئة. وعندما تنبه للمؤامرات التى تحاك من حوله عاد إلى بغداد فى (14 صفر 203 هـ/ 21 أغسطس 818 م) وفى الوقت نفسه تمكن جيش "الحسن بن سهل" من الاستيلاء على "المدائن"، "ونهر ديالا" بينما لقى "على الرضا" مصرعه فى خراسان فى 29 صفر 203 هـ/ 5 سبتمبر 818 م ويعتقد الشيعة، أنه مات مسمومًا بتديير من "المأمون" وفى بغداد تآمر بعض "الأبناء ضد إبراهيم بن المهدى وكان مخططا أن يلقى "عيسى بن أبى خالد" القبض عليه يوم الجمعة 29 شوال 203 هـ/ 29 إبريل 819 م ولكن خطته انكشفت وسجن. ولإطلاق سراحه تدخلت عائلة "بنو خالد" فى الصراع مع إبراهيم بن المهدى "لصالح""المأمون"(ذو القعدة 203 هـ/ مايو 819 م) وكان عندئذ فى جرجان" (استغرقت الرحلة من مرو إلى خرجان ستة عشر شهرًا فى عشرين مرحلة) وعندما شعر الحاجب "الفضل بن الربيع" بسوء الموقف هجر خليفته ومنصبه واختفى مجددا أما إبراهيم المهدى فقد وجد نفسه مضطر، لاستخدام منافسة "سهل بن سلامة الأنصارى" فى محاولة لتعبئة الطبقات الشعبية فى بغداد. وبعد أن ظل خليفة لعامين قرر "إبراهيم" أن يترك الساحة السياسة هروبًا فى ذات الوقت من مؤامرة حاكها من حوله بعض قواده العسكريين الذين خططو لتسليمه إلى الحسن بن السهل (16 محرم 204 هـ/ 13 يوليو 819 م) واستعاد "المأمون" سيطرته على بغداد وانسحب "الحسن ابن سهل" من الحياة السياسية بدعوى المرض. واستقبل المأمون استقبال الفاتحين فى 17 صفر 204 هـ/ اغسطس 819 م (بعد غياب دام عشر

ص: 8916

سنوات). وبعد شهر واحد أعاد استخدام اللون الأسود واستعاد لقب "الإماما"(حملة كل خلفائه من بعده) بهدف تعظيم دوره كدليل وقائد للأمة جريا على نهج الأئمة العلويين.

بذلك أصبحت السيطرة على الدولة وقيادة الأمة المسئولية الشخصية "للمأمون" بمشوره من "المعتزلة" والقاضى "أحمد بن أبى داود" ولتطبيق السياسات الجديدة "للإمام" أعفى كتاب الإدارة السابقة ثم أعيد تعيينهم كمستشارين لأفراد الإدارة الذين استدعوا من "خراسان" وكان "أحمد ابن أبى خالد"(من أقارب "الأبناء فى العراق) السكرتير الشخصى "للمأمون" ومستشاره الرئيسى والوسيط القادر على حشد دعم "الأبناء" فى بغداد حتى توفى (211 هـ/ 826 م). أما كبار مسئولى الديوان، ومعظهم ممن تربوا على أيدى البرامكة، فكانوا تحت الإشراف المباشر للخليفة الذى كان مسئولا بشكل شخصى عن الفصل فى "المظالم" وعهد إلى "الطاهر بن الحسين" بمسئولية حفظ النظام والإشراف على الشرطة. وعفا المأمون عن خصوم الأمس لتعزيز السلام الاجتماعى (شمل حلم المأمون الكثير ولم يعدم سوى المتمرد إبراهيم بن عائشة") وتكون الجيش المركزى من جنود من أصول عديده، من بينهم أعوان المأمون بامتيازات خاصة على حساب الأبناء "الذين هزموا مرتين (فى 198 هـ/ 813 م) وبعدها فى 204 هـ/ 819 م). ولأن الدول كانت خارجة لتوها من حرب أهلية دامت عشر سنوات. فقد اقتصر "المأمون" على دعم ثورة "توماس السلافى" فى أسيا الصغرى (820 - 823 م) انتظارا للفرصة المناسبة لتجديد الحملة ضد الامبراطورية البيزنطية (وهو ما نفذه بالفعل فى 215 هـ/ 830 م وما بعدها). أما فيما يتعلق بحكم الأقاليم فقد عهد بالولاية على المدن المقدسة فى الحجاز لأحد "العلويين" أما فى "الجزيرة" المضطربة فقد ولى المخضرم "يحيى بن مسلم".

وقد استغل المأمون فكر المعتزلة كحل وسط يرضى العلويين والموالى،

ص: 8917

بل وبعض السنة أيضا، وليضيف للتراث الأدبى والفكرى العربى بالعودة إلى الفلسفة اليونانية بدلا من الخضوع للتراث الفارسى.

وفى بغداد (217 هـ/ 832 م) جاء تأسيسه "لبيت الحكمة"، تأكيدا لاهتمامه بتطوير ثقافة جديده عربية التعبير، إسلامية الأمال والطموحات، تجمع وتكامل إسهامات مختلف شعوب الشرق، سواء كانوا شركاء التجارة (الهند)، أو أعداء السياسة (بيزنطة)، أو طلاب علم من كل الديانات (الإسلام، المسيحية، اليهودية، الصائبة) ومن مختلف أقاليم الأمه (خوارزم، فرغانه، خراسان، طبرستان، الجزيرة، والعراق) وتسهم فى تقدم العلم العربى وريث علوم الأقدمين ومكيفا وفقا لمتطلبات الحضارة العربية الإسلامية. والتزم "المأمون" بتشجيع الاختلافات السياسية بين ممثلى الديانات المختلفة من ناحية والأهم من ذلك بين "العلماء على مختلف الاتجاهات فيما شعلق بتفسير الإسلام من ناحية أخرى وكان "المأمون" واعيا بالخلاف بين مفاهيم "المعتزلة" (وكانت حتى حينه من الزندقة) والفقهاء والمحدثين الذين يعارضون فكرة خلق القرآن وعمل المأمون، لسنوات، على نشر أفكار "المعتزلة" بما لها من تداعيات سياسية واضحة: على الإمام أن يسعى لتصحيح أثار النظام الجائر المفروض (خصوصا فيما يتعلق بالضرائب) بأن يستعير من فكر "المعتزلة" كل ما يراه ضروريا لخدمة أغراضه وعلى ذلك يقوم مبدأ خلق القرآن (اللَّه فقط غير المخلوق وأبدى خالد)، وقد أمكنه استخدام ذلك فى تصحيح النظام بنفسه بحكم معارفه (العلم) وقد قربته حده ذهنه من مثال "على بن أبى طالب" أول من أدرك من صحابة محمد [صلى الله عليه وسلم] ضرورة التفسير العلمى للإسلام فى أعقاب الهزات الناتجة عن نجاح واتساع الفتوحات العربية (634 - 644 هـ) والأكثر من ذلك، وبهدف استماله الأنصار من الشيعة، تم الإعلان عن أن على ابن أبى طالب "أفضل الصحابة بعد النبى" (فى 211 هـ/ 826 م) وأعيد تأكيد ذلك فى (212 هـ/ 827 م).

ص: 8918

وكانت هناك أعمال أخرى خاصة فى مجالات الفلك والرياضيات والمخططات الجغرافية تجرى إلى جانب المناقشات الدينية بدءا من العقد الثانى من القرن التاسع للميلاد وتزامنت مع استعادة سلطة الخليفة على الأقاليم المحكومة ذاتيا والمناطق الواقعة إلى شمال العراق. وأمكن سحق حركة التمرد فى الجزيرة وإنهاء الحكم الذاتى لشيوخ القبائل فى المدن الرئيسية ولكنه لم يستطع إخضاع منطقة الجبال وكانت تحت سيطرة بابك ولم تتمكن الحملات المختلفة من إخضاعها وكانت لها حصانتها وفعاليتها بشكل خاص حيال الجيش النظامى وقد كلف ذلك الفشل المتكرر الخلافه غاليًا ولكنه لم يحل دون اتساع سيطرة الخلافة على المناطق الجبلية الأخرى، وعين الخليفة عليها عددا من الأمراء المحليين المواليين له واعتنق جميعهم الإسلام وأنعم عليهم بلقب (موالى أمير المؤمنين) مكافأة على دعمهم لسياساته. أما اليمن، فكانت مسرحًا لاندلاع ثورة علوية سنة 207 هـ/ 822 م جديدة بقيادة "عبد الرحمن بن أحمد" ولكن المأمون أجبره على الاستسلام وبهذا أمكن تحقيق السلام الاجتماعى كذلك قمعت ثورة مواطنى "قم" الذين ثاروا لرفضه تخفيض "الخراج"(فى 210 هـ/ 825 م ثم فى 216 هـ/ 831 م).

بمجرد أن تحقق الهدوء والسلام فى الدولة، مع عودة مصر تحت سيطرة الخلافة (210 - 211 هـ/ 825 - 826 م) وتأكيد الوضعية الاستقلالية للأغالبة فى أفريقية، أحس المأمون بقدرته على إعلان "المعتزلة" مذهبا رسميا (فى 212 هـ/ 827 م) وأعلن سياسة يلتزم الإمام بموجبها بإعادة تنظيم الجيش المركزى ليجهز نفسه بقوة ضاربة قوية فعالة تعمل تحت قيادته. وسيطر على القوات المسلحة ف 213 هـ/ 828 م وقسمها إلى ثلاثة جيوش رئيسية (يتكون كل منها من مجموعة من "الأبناء" وقوات من "العواصم" ومجندين من المناطق الشرقية للإمبراطورية): الأولى بقيادة: "إسحق ابن إبراهيم" ومهمته حفظ النظام فى العراق والجبال وفارس المتصلة

ص: 8919

بخراسان الكبرى. والثانية تحت إمرة العباس بن "المأمون" وهو مسئول عن جبهه القتال فى الصراع مع الإمبراطورية البيزنطية فى الجزيرة وشمال سوريا والثالثة عهد بقيادتها لأبى إسحق محمد المعتصم خليفة المأمون وكلف بحكم مصر حيث كان الوضع متفجرًا منذ أن قام المسلمون والمسيحيون فى 214 هـ/ 829 م بعصيان ضد نظام الضرائب وأنزلوا الهزيمة بجيش المعتصم. واضطر المأمون حيال تفاقم الوضع فى شمال أذربيجان إلى أن يعهد إلى المخضرم عبد اللَّه بن طاهر بسجله السابق (فى الجزيرة وبعدها مصر) بمهمة قمع حركة العصيان هناك ولكنه لم ينجح فى ذلك ولم يفلح من خلفه فى تلك المهمة فى تغيير الوضع القائم.

كانت سياسة استعاد وحدة الدولة لها الأولوية على مواصلة الحرب ضد بيزنطة والتى كانت جارية بالفعل مع استقرار الأندلسيين فى كريت (منذ، 210 هـ/ 826 م) وفتح صقلية على يد "الأغالبه" من أفريقية (حمله 211 هـ/ 827 م) مما أدى إلى تجمع البيزنطيين فى مواقع حدودية.

بدأت الحملة الأولى فى 215 هـ/ 830 م تحت قيادة "المأمون" شخصيا وقد أراد بذلك إثبات جدارته بلقب الإمام وفقا للتعريف "الزيدى" بمعنى أنه هو المرشد الذى وهب "العلم" والشجاعة والحنكة السياسة. وفى طريقه اكتشف صابئة فى "حران" وأجبر بعضهم على اعتناق الإسلام وصدرت الفتوى باتفاق رسمى بين الإسلام وهذه الجماعة الدينية التى أفرزت العديد من طلاب العلم والمترجمين الذين نقلوا تراث اليونانية إلى العربية. وكان من نتائج هذه الحملة الاستيلاء على عدد من الحصون فى (Cappadocia) وتعرف فى العربية بالمطامير حيال ذلك هاجم الإمبراطور البيزنطى ثيوفيلوس "حصون" المصيصة و"اطرسوس" مما أدى إلى الحملة الثانية "للمأمون"(216 هـ/ 813 م) وفيها اصطحب ابنه "العسباس"(قاهر "ثيوفيلوس" فيما بعد) وكذلك أخاه وخليفته أبو اسحق (المعتصم).

ص: 8920

وبعد سلسلة من الانتصارات فى آسيا الصغرى رفض المأمون اقتراحا بتبادل الأسرى والهدنة لمدة خمس سنوات وانسحب الخليفة إلى دمشق ومنها اضطر للتحرك شخصيا إلى مصر لإخماد ثوره المسلمين والقبط ضد عبء الضرائب الزائده وبعد ما تحقق ذلك أدخل "المأمون" إصلاحا ماليا أحل نظام القباله محل الطريقة السابقة لتحصيل الضرائب وبذلك أظهرت الدولة استعدادها للتعاطف فى الظروف الصعبة وعند الضرورة وإضافة إلى ذلك تحسنت العلاقات مع أهل النوبة مما مكن المسلمين من تعزيز سيطرتهم على أرض النيل.

بعد تهدئة الوضع فى مصر، عاد المأمون إلى الجبهة مع "بيزنطة" فى 217 هـ/ 832 م بهدف تحقيق السيطرة فيما وراء "طوروس" انتهى حصار حصن "لؤلؤة باستسلامها وطلب الأمبراطور "ثيوفيلوس" مجددا بوقف القتال وتبادل الأسرى بلا جدوى.

ورغم انشغال المأمون بجبهة الحرب مع "بيزنطه" والمصاعب السياسة التى أثارتها حركات العصيان المستمرة: "الرنج" فى جنوب العراق و"حركة بابك الخزمى" فى شمال اذربيجان) إلا أن المأمون "لم يهمل الشئون الثقافية (إنشاء بيت الحكمة فى 217 هـ/ 832 م) ولم يفقد وضوح الرؤية فيما يتعلق بتحقيق سياسته والتى اعترف بها علماء السنة، وخلال الإعداد لحملته الرئيسية فى 218/ 833 (استهدفت "عموريه" مسقط رأس الأسرة الحاكمة البيزنطية وقلب الإمبراطورية) انشغل "المأمون" بنزاع معه فتسبب فيما عرف بمحنة خلق القرآن فى ربيع أول سنة 218 هـ/ 833 م وكان ذلك قبل وفاته بأربعة أشهر ومنذ حينه تبنى كل "العلماء "فكر" المعتزلة" سواء فى خدمة الدولة أو بشكل مستقل عن السلطة العباسية.

وقبل وفاته بقليل لم يختر المأمون ابنه المسئول عن "العواصم" خليفه له وإنما اختار لذلك أخاه "المعتصم" وكان مسئولا عن الجند الجدد من (بلاد ما وراء النهر) وأشار فى وصيته السياسية بالسير على نهج أعماله

ص: 8921