الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد لاحظنا عموما أن الكثير من أنواع الملابس فى صدر الإسلام كان يرتديها الرجال والنساء وخاصة العباءات والدثر.
إن الملابس دائما فى منطقة الشرق الأوسط كانت من الأشياء ذات القيمة المادية الهامة. وكانت تعتبر من المنح والعطايا الغالية، وكانت تعتبر من غنائم الحرب الهامة. وكانت الملابس تستخدم أيضا فى دفع قيمة الزكاة. وكان الرسول [صلى الله عليه وسلم] يغدق على رجاله من الصحابة العطايا من الملابس الغالية كنوع من التكريم.
إن الكثير من العادات كانت مرتبطة بشكل ونوع الملابس. فتقديم التهانى والتمنيات فى المناسبات الدينية كان مرتبطا بالملابس الجديدة. ويروى أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] قدم خميصة من القماش الأسود إلى أم خالد قائلا: "أبليه ثم أبدليه" أى البسيه حتى يبلى ثم غيريه. وكان الرسول [صلى الله عليه وسلم] يلبس رداءه مقلوبا عند قيامه بأداء صلاة الاستسقاء ولكنه لم يكن يقلب رداءه عند أداء هذه الصلاة فى يوم الجمعة -ومن الواضح أن عادة قلب الملابس كان أساسها الرغبة فى تغيير حالة الطقس. وقد ظلت هذه العادة مستخدمة حتى نهاية القرن 19 م فى تونس. وربما ترجع عادة تعرية الرأس عند أداء صلاة الاستسقاء إلى العصر الجاهلى أيضًا.
إن الكثير من عادات ارتداء الملابس ترجع جذورها إلى بلدان الشرق الأوسط القديم والتى توجد أيضا فى التلمود واستمرت حتى صدر الإسلام ومنها على سبيل المثال أن المسلمين يجب عليهم ارتداء حذاء القدم اليمنى أولا قبل اليسرى كما يجب عليهم عدم قلب الحذاء بحيث يكون نعله إلى أعلا.
4 - الأمويون والعباسيون وأسلوب الطراز:
حسب ما ورد فى المصادر استمر استخدام معظم ملابس فترة صدر الإسلام خلال العصر الأموى بالرغم من أن بعض أنواع الملابس انحسر استخدامها واقتصر على البدو فقط مثل المِرْط.
إن التغير ذو الأهمية العظمى والذى واكب قيام الامبراطورية الإسلامية هو استخدام ملابس مصنوعة من أقمشة فاخرة بواسطة خلفاء الدولة الأموية ورجال البلاط. وقد ذكر المقريزى أن الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان كان يرتدى الملابس المطرزة. وورد فى مروج الذهب للمسعودى أن الخليفة الأموى سليمان بن عبد الملك ورجال حاشيته كانوا يرتدون ملابس من الحرير المدبج (الموَشَّى) منها الجبة، الرداء، السروال، والعمامة، والقلنسوة. وقد ورد فى كتاب الأغانى للأصفهانى ذكر "ملابس الخليفة". وكانت ملابس الخليفة بيضاء.
وفى العصر العباسى كان الخليفة يرتدى ملابس رسمية خاصة بحواشى مطرزة. وكانت الملابس الرسمية للخلفاء العباسيين عادة لونها أسود. وقد ورد فى تاريخ الأمم والملوك للطبرى أن الخليفة العباسى المنصور هو الذى أستن ارتداء الملابس السوداء فى المناسبات الرسمية، وقد توقفت هذه العادة لفترة قصيرة فى عصر المأمون. إن اثنتين من أهم ظواهر الأزياء الإسلامية نشأت خلال العصر الأموى وهما قوانين الإنفاق المتعلقة بتخصيص ملابس متميزة لرعايا الدولة الإسلامية من غير المسلمين، وإنتاج ملابس ملكية من أقمشة مطرزة.
وقوانين التفرقة فى الملابس من المحتمل جدا أنها لا ترجع إلى خلافة عمر بن الخطاب حيث إنه فى تلك الفترة المبكرة من الإسلام كان العرب وأهل الذمة لا يرتدون نفس الملابس. إن هذه القوانين يمكن تناولها بشكل أكثر دقة فى القرون التى تلت صدر الإسلام فهى على الأقل ترجع عموما فى الشكل العام والروح إلى ولاية الخليفة عمر بن عبد العزيز. ففى هذا العصر حُرّم على أهل الذمة ارتداء لباس الرأس العربى ومنها العمامة، العصب، والطيلسان، والملابس العسكرية العربية، والأردية الخاصة مثل القبعة، وكان عليهم أن يرتدوا حزاما متميزًا يسمى المنْطَق وأحيانا الزُنّار. وهذه التشريعات كانت تطبق فى أول الأمر على المسيحيين
فقط. وفى خلافة هارون الرشيد عدلت التشريعات المنظمة لملابس أهل الذمة، كما ورد فى كتاب الخراج لأبى يوسف. ولمزيد من المعلومات عن قوانين ملابس أهل الذمة فى الإسلام يمكن الرجوع إلى كتاب A. S. Tritton بعنوان: الخلفاء والرعايا غير المسلمين.
إن إنتاج ملابس خاصة من أقمشة مطرزة فى المناسج الملكية بدأ فى عصر الدولة الأموية، وأصبح ذلك من خصائص الفن الإسلامى فى العصور الوسطى. وأصبحت الأقمشة تُعْرف باسم "الطراز" وهى تعنى فى مفهومها الضيق فن التطريز فى أشرطة زخرفية تحتوى على كتابات، أما فى مفهومها العام فكانت تشير إلى الأثواب المطرزة بأسلوب دقيق والخاصة بالخليفة ورجال بلاطه. وكانت الملابس المطرزة تمنح كعطية من الخليفة كدليل على الحظوة الملكية، وكانت أيضا تمنح للسفارات الأجنبية والحكام الأجانب لتدعيم السياسة الخارجية. وقد ذكر كل من أرنست كونل وبيللينجر فى كتاب بعنوان: Catalogue of Dated tiraz Fabrics أنهم أخذوا هذه الصناعة عن البيزنطيين وطوروها بحيث تلائم احتياجاتهم وأذواقهم. ويعتقد معظم المؤرخين العرب فى العصور الوسطى أن إنتاج ملابس الطراز مستمد فى الأصل من بلاد فارس وأن هناك أدلة على أن الأزياء ذات الرنوك الملكية كانت للبس فى العصر الساسانى. والحقيقة تؤكد أن أصل أسلوب ملابس الطراز يرجع إلى كل من الفن البيزنطى والفن الساسانى.
وكما ورد فى كتاب الوزراء والكتاب للجهشيارى فإن أول خليفة أموى أسس مصانع نسيج الطراز هو هشام ابن عبد الملك. وعلى كل حال، فإنه من المؤكد أنه بنهاية العصر الأموى انتشر أسلوب ملابس الطراز وازدهر فى العصر العباسى وتحت حكم البويهيين والسلاجقه. ولقد كان إنتاج هذا النوع من الملابس الفاخرة صناعة مربحة جدًا وكانت خاضعة لرقابة الخليفة بشكل دقيق ومباشر.
لقد كانت ملابس الطراز بالنسبة للطبقة المتوسطة فى الشرق فى العصور الوسطى رمزا للمركز الاجتماعى كما كانت تعد من الممتلكات الثمينة ومن مكونات ثروة كل أسرة يتوارثها الأبناء عن الآباء، كما كان يمكن بيعها والاستفادة من ثمنها النقدى عند الضرورة. وكانت الملابس عنصر هام فى ثروة البلاد. وقد ذكر الجهشيارى فى كتابه الوزراء والكتاب أن آلاف من قطع الملابس كانت تسجل فى قوائم سنوية أيام الخليفة هارون الرشيد. وإلى جانب الأهمية الاجتماعية والاقتصادية لملابس الطراز فقد كان لها أهمية اجتماعية سياسية، وكان خلفاء الدولة العباسية ومن أتى بعدهم من الحكام المسلمين يقومون بمنح ما يعرف "بخلعة الشرف" من الملابس إلى رعاياهم من المسلمين وغير المسلمين من الرجال والنساء الذين يقدمون خدمات هامة للخليفة. ولم تكن الخلعة ثوبا واحدًا وإنما كانت طاقما كاملا من الملابس. وكانت تتألف من حليتين أو أكثر. وذكر هلال الصابى فى كتابه تاريخ الوزراء إن الوزير حامد بن العباس المتوفى سنة 311 هـ/ 923 م تلقى طاقمين من ملابس الطراز كل منهما يتألف من معطف مبطن، ودرّاعة بأكمام، وقميص، وسروال، وعمامة.
ومع نمو الطبقة المتوسطة فى العصر العباسى، وظهور طبقة الكتاب الفرس ظهرت أنواع كثيرة من الملابس، واختفت الكراهية لاستخدام قماش الحرير والساتان، وصار الجميع يستخدمونهما باستثناء القليل من المتقشفين والفقراء الذين كانوا يرتدون رداء من الصوف الخشن يعرف باسم الخرقة. وكان الفقراء جدا من الناس يلبسون رداء من الصوف بأكمام طويلة يسمى المدرعة. ومن ناحية أخرى، كان علية القوم من الرجال والنساء يهتمون كثيرا بمظهرهم. وكان الرجل العصرى فى ملابسه يرتدى عدة طبقات من الملابس تبدأ بقميص تحتانى دقيق يسمى الغلالة وفوقه رداء أثقل وهو قميص مبطن. وكل من الغلالة والمبطن يجب أن يكونا من قماش الكتان الرقيق مثل قماش الدبيقى أو الجنّابى وكان
ينسج فى مصر وفارس. وفوق القميصين يلبس رداء يسمى الدراعه أو الجبة من الكتان أو الحرير، أو قماش المُلْحَم وهو نوع من القماش كانت السداة فيه تنسج من الحرير، واللحمة من خيوط أخرى متنوعة، وعند الخروج إلى مكان عام كان الرجل يرتدى فوق الملابس السابقة الرداء أو معطفا يسمى المُطْرف أطراف حواشيه مزخرفة، ويغطى رأسه بالطيلسان الذى كان فى ذلك الوقت يشبه القلنسوة، وكان حسن المظهر يقضى بعدم ارتداء ملابس متنافرة الألوان، أو غير نظيفة، وعدم استخدام عطور من نوع عطور الإماء.
أما الأحذية والصنادل فكانت تصنع من أنواع عديدة من الجلود ذات ألوان وأشكال مختلفة، فكان يمكن ارتداء أحذية بالألوان الأسود والأحمر، والأسود والأصفر. وقد عُرف أيضا استخدام الجوارب وهى من أصل فارسى.
وليس لدينا تفاصيل كافية عن ملابس النساء فى هذه الفترة، وكانت الملابس الداخلية للمرأة العصرية تتألف من غلالة وسروال. وكانت الملابس البيضاء فيما عدا السروال تعتبر من ملابس الرجال فقط لا ترتديها النساء. وليس من المعروف على وجه الدقة أنواع الملابس التى كانت تلبس فوق الملابس التحتانية فى هذا العصر. وتذكر بعض المصادر أنها قد تكون ملابس بأكمام واسعة (أكمام مفتوحة) وأن ياقة الرقبة كان لها خيط يسحب لغلقها. وكانت امرأة ترتدى لباسا يلف جسدها من النوع الرشيدى أو الطبرى نسبة إلى رشيد وطبرستان. وكانت تلف نفسها تماما فى إزار خراسانى أو مُلْحَم، وتغطى رأسها بغطاء رأس أسود يسمى معجر وهو بالنسبة للمرأة يشبه عمامة الرجل فى الشكل والاستخدام. وكان اللون الأسود من الألوان الأنيقة والعصرية فى ذلك الوقت. وكان المعجر يلبس مع لثام الوجه وكان يعرف باسم المِقْنع. والمعجر أصله فارسى من نيسابور.
وفى العصر العباسى ازدادت تأثيرات الثقافة الواردة من فارس،
فبالإضافة إلى الألبسة ذات الأصل الفارسى والتى سبق أن ذكرناها وعلى الأخص السروال والجورب، انتشر استخدام غطاء الرأس الفارسى المتميز بطوله وشكله المخروطى والذى عرف باسم "القلنسوة الطويلة"، أو "الطويلة" فقط. وهذه القلنسوة عرفت أيضا باسم دنيَّة وذلك لأنها تشبه فى شكلها إناء الخمر الدن. وذكر المسعودى فى مروج الذهب أن قمة القلنسوة الطويلة كانت مدببة، وأشير إليها أيضا بأنها "المحدودة". وتتألف هذه القلنسوة من إطار من الأغصان المجدولة أو الخشب المغطى بقماش من الحرير. ويعتقد د. ليفى أنها كانت على شكل مخروط ناقص من أعلى. وهذا الاعتقاد لم يستمده ليفى من المخطوطات المصورة. وفى مقامات الحريرى نجد أن "أبو زيد" يظهر أحيانا مرتديا القلنسوة الطويلة المدببة. ويذكر الطبرى فى تاريخ الأمم والملوك أن الخليفة العباسى هارون الرشيد كان يرتدى مثل هذه القلنسوة وكان مكتوبا على أحد جانبيها كلمة حج وعلى الجانب الآخر كلمة غازٍ دلالة على فرائض الحج التى أداها وحروبه ضد بيزنطة.
ومن الأزياء ذات الأصل الفارسى والتى شاع استخدامها جدا فى ذلك العصر فى العالم العربى: القفطان وهو رداء رقيق باكمام وأزرار فى المقدمة من أسفل. ويذكر دوزى فى قاموسه أن الخليفة العباسى المقتدر ارتدى قفطانا من الحرير إلى تُسْتُرى المطرز بالفضة عندما خرج فى حربه المصيرية ضد أحد الخارجين عليه وهو مؤنس سنة 320 هـ/ 932 م. وفى العصور التالية شاع استخدام القفطان فى معظم البلاد العربية على يد الأتراك.
وفى العصر العباسى جلبت الأزياء الجميلة إلى بغداد من كل بلدان العالم الإسلامى وأيضا من البلدان الخارجية. فمن الهند جلبت الفوطة وهى مقطع طويل من القماش يشبه السارى الهندى وكان لها استخدامات عديدة، فكانت تلف حول الوسط، وتستخدم على شكل مريله وغطاء يلف به الرأس. ويذكر الثعالبى فى كتابه لطايف المعارف أن