الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتأييد الشعبى الجارف لثورة الفاتح من سبتمبر، فإن هذه الثورة ظلت من شئون الجيش. وكان قد خطط لقيام الثورة وتنفيذها عدد من الضباط الأحرار منتهجين أسلوب وفلسفة الثورة الناصرية فى مصر (1952 م). وبعد قيام الثورة تولى شئون البلاد مجلس لقيادة الثورة يضم اثنى عشر ضابطا بقيادة العقيد معمر القذافى. وكمحاولة من قيادة الثورة لتوسيع القاعدة السياسية فقد تم تشكيل تنظيم سياسى عرف باسم الاتحاد الاشتراكى العربى وذلك فى عام 1972 م. وبسبب نقص الكوادر السياسية المدربة وعدم تأييد القيادات التقليدية الليبية لهذا التنظيم، فإنه لم يحقق نجاحا يذكر. وفى عام 1973 م شكلت حكومة الثورة الليبية لجانا سياسية عرفت باللجان الشعبية، ووضع أيديولوجيتها قائد الثورة العقيد معمر القذافى فى الكتاب الأخضر والذى دعا فيه إلى تبنى نظرية سياسية - اقتصادية جديدة أطلق عليها اسم نظرية العالم الثالث.
وتدار دفة الحكم فى ليبيا من خلال مجالس شعبية تسمى المؤتمرات الشعبية، ولجان شعبية. وفى 2 مارس 1977 م تم نقل سلطات الحكم إلى الشعب وسميت الدولة باسم الجماهيرية الشعبية الليبية.
وفى مجال السياسة البترولية فقد انتهجت ليبيا سياسة وطنية أدت إلى رفع أسعار البترول، ومن ثم زيادة دخل البلاد من جراء ذلك.
الوضع الأثنوجرافى والديموجرافى
(1):
بدأ المجتمع الليبى يشهد تغيرات عميقة ومتسارعة فى بنيته الاقتصادية والاجتماعية منذ بدأ استخراج وتصدير البترول الليبى على نطاق عالمى واسع مند بداية ستينيات القرن العشرين (2).
وقد تأثرت ثقافة المجتمع الليبى ونظمه ومؤسساته السياسية
(1)[الانثروجرافيا تعنى علم وصف السلالات البشرية أو الشعوب وعاداتها. . الخ، أما الديموجرافيا فهى علم السكان - المترجم].
(2)
فى المتن الأصلى 1860 s. وهذأ خطأ -المترجم! .
والاقتصادية، والعلاقات الاجتماعية بين أفراده، والإجراءات القانونية والمعتقدات الدينية وغيرها بالاعتبارات الجغرافية والتاريخية للبلاد.
أما الأقاليم الثلاثة الرئيسية فى ليبيا فهى طرابلس وبرقة وفزان.
ويمتد الشريط الساحلى الخصب إلى نحو 1200 ميل وقد يزيد اتساعه عن خمسين ميلا فى بعض الأحيان، ويكون خليج سرت أهم معالم هذا الشريط الساحلى.
وتتمتع المناطق الساحلية بمناخ البحر الأبيض المتوسط وبوفرة المياه نسبيا وتقع فيها المدن الرئيسية فى ليبيا مثل طرابلس الغرب ومصراتة وبنغازى والبيضا وطبرق ودرنة وسرت والزاوية وترهونة والسلطان والعقيلة والبريقة وغميس وغيرها. ويتركز معظم السكان فى هذه المدن والقرى المرتبطة بها. وتعتبر طرابلس وجبل نفوسة أهم المواقع فى النطاق الساحلى الغربى فى ليبيا وتسقط على هذه المناطق كميات كبيرة من الأمطار وتقوم عليها بعض الزراعات مثل الزيتون الذى اشتهرت به هذه المنطقة منذ القدم. وفى هذه المنطقة بعض المدن التى يتحدث أهلها بلغة البربر.
ويقع بين الساحل الخصب والتلال سهوب الجفرة الجافة. ويضم القطاع الشرقى من الساحل الليبى ثانية أكبر المدن الليبية وهى بنغازى ثم سلسلة مرتفعات الجبل الأخضر والتى تشكل قوسا يحاذى خط الساحل من درنة حتى جنوب بنغازى. ويصل ارتفاع بعض قمم هذه السلسلة إلى 2000 قدم فوق سطح البحر، وتستقبل مرتفعات الجبل الأخضر والمناطق المحيطة بها كميات وفيرة من الأمطار سنويا.
ويقع جنوب النطاق الساحلى نطاق صحراوى جاف حتى أنه كان غير مناسب للإقامة الدائمة فيه فى الماضى (1).
ويلى هذا النطاق إلى الجنوب نطاق صحراوى أكثر جفافا من النطاق
(1) من المشروعات المهمة التى استحدثتها قيادة الجماهيرية منذ بضع سنوات "النهر العظيم". [التحرير]
السابق، وتتأثر فى هذا النطاق العديد من الواحات مثل جغبوب وجالو، مراده، الكفره بالإضافة إلى نحو ست واحات أخرى فى منطقة فزان. ويقدر عدد السكان فى هذه المناطق الصحراوية الجافة بنحو 5 % من سكان ليبيا. وقد ساعدت أمور كثيرة على تغلب الليبيين على الأحوال الجغرافية المتباينة فى البلاد.
وقبل الغزو الأوروبى لموانى إفريقيا الغربية فى القرن التاسع عشر، كانت معظم تجارة إفريقيا مع أوروبا تمر عبر الأراضى الليبية.
وحتى منتصف القرن العشرين كان يعيش أكثر من نصف السكان فى إقليم طرابلس والمناطق المجاورة، على الزراعة وتربية الماشية. وتميز سكان برقة Cyrenaica بطابع خاص غلبت عليه حياة البداوة والترحال ورعى الأغنام مع ممارسة الزراعة الموسمية المحدودة التى تعتمد على الأمطار الموسمية. . .، وطبع كل ذلك بقية المناطق بطابع القبلية والعصبية كما هو الحال فى بقية المناطق الصحراوية فى العالم العربى وشمال إفريقيا وغيرها.
وفى القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى تعرضت ليبيا ودول شمال غرب إفريقيا والتى كان يقطنها البربر للغزو من قبائل بنى هلال وبنى سليم الآتية من جنوب الجزيزة العربية. واستقرت بطون من قبائل بنى هلال فى منطقة طرابلس، واستقرت أخرى فى برقة. وقد عجلت هذه الهجرات العربية فى تعريب المناطق البربرية فى شمال إفريقيا، ونشر الإسلام وامتزاج الدماء العربية بالدماء الإفريقية من خلال التزاوج. ورغم ذلك فقد حافظت بعض الجيوب البربرية على استقلالها ولم تختلط بالعرب. ويوجد فى إقليم طرابلس وعلى طول الأجزاء الشمالية من جبل نفوسة بين يفرن ونالوت وعلى الساحل فى زوارة مجتمعات زراعية رعوية ويتحدثون باللغة البربرية. ويشكلون حوالى 4 % من مجموع السكان فى إقليم طرابلس، وهم يتبعون فرقة الإباضية (1).
(1) نسبة إلى مؤسس هذه الفرقة وهو عبد اللَّه بن أباض المتوفى عام 85 هـ/ 704 م -وهى إحدى فرق الخوارج المشهورة فى تاريخ الإسلام. [المترجم].
ويوجد فى واحة غدامس [على الحدود الليبية - التونسية - الجزائرية] وواحة غات [فى أقصى الجنوب العربى - قرب مرتفعات تسيلى] قبائل الطوارق الذين يتحدثون اللغة البربرية. وفى فزان وجنوب برقة تعيش قبائل تتحدث اللغة البربرية بالإضافة إلى لغة التيبو Tebu وهى لهجة سودانية. وعاش يهود ليبيا فى إقليم طرابلس بصفة رئيسية وكانوا يتحدثون اللغة العربية ويعملون فى التجارة واتسم مجتمعهم بطابع خاص هو طابع حارة اليهود [الجيتو].
والغالبية العظمى من الليبيين مسلمين ويتبعون أهل السنة على مذهب الإمام مالك رضى اللَّه عنه. وعرف الليبيون الطرق الصوفية والتى تركت بصمة واضحة فى تاريخ ليبيا من خلال حركة الإحياء التى قام بها وقادها السنوسيون، وهى طريقة صوفية أسسها محمد على السنوسى (1787 - 1859 م) وقد انتشرت هذه الطريقة الصوفية فى الواحات من إقليم طرابلس حتى السودان. وكان لأتباع هذه الطريقة دور كبير فى مقاومة الاحتلال الإيطالى. وفى النهاية حكم أتباعها ليبيا تحت قيادة الملك إدريس السنوسى. وهو سليل مؤسس هذه الفرقة الدينية السياسية التى أيقظت الحماس الوطنى الليبى ووحدتهم لمقاومة الاستعمار الإيطالى. وخلال فترة الاحتلال الإيطالى لليبيا أنشأ الإيطاليون عددًا من المشاريع الزراعية وكونوا شركات تتولى إدارة تلك المشاريع وذلك فى عشرينيات القرن العشرين. وتطورت هذه المشاريع لتصبح مستعمرات زراعية يمتلكها الإيطاليون وعائلاتهم. وقد غير الاحتلال الإيطالى كثيرا من الأحوال الاقتصادية والاجتماعية فى المجتمع الليبى، فقد استقر عدد من البدو الرحل للعمل فى المشاريع الزراعية وتفككت الروابط الاجتماعية، وانتشر التعليم، وزادت هجرة أهل الصحراء والقرى إلى المدن الكبيرة ليعملوا كأجراء وأرباب مهن وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية. وبعد استقلال ليبيا تكونت طبقة جديدة من الفلاحين الذين وزعت عليهم الحكومة الليبية مساحات من الأراضى
الزراعية التى كان يمتلكها المستعمر الإيطالى، ثم قامت الحكومة بتأميم الأراضى الزراعية فى سنة 1971 م وأنشأت هيئة للإصلاح الزراعى ونظمت عمليات الرى وتوطين البدو. ومنذ ثورة 1969 م وضعت عددا من خطط التنمية فى كل أرجاء ليبيا مثل سهل الجفرة، والجبل الأخضر، والكفرة، والسرير، وفزان. . . الخ وعملت الحكومة على زيادة دور القطاع الزراعى فى تنمية الاقتصاد الليبى.
وبدأت ليبيا فى إنتاج وتصدير البترول على نطاق عالمى واسع منذ سنة 1964 م، ومنذ ذلك الوقت تحولت ليبيا من دولة زراعية فقيرة يغلب عليها الطابع الصحراوى إلى دولة بترولية غنية، بل ومن أكبر الدول المصدرة للبترول. وبلغ الدخل السنوى من البترول فى سنة 1978 م ثمانية آلاف مليون دولار أمريكى، وأصبحت ليبيا أغنى دولة فى إفريقيا، والدولة رقم 15 فى قائمة الدول الغنية فى العالم فى سنة 1977 م كما أشار إلى ذلك تقرير البنك الدولى. واعتمد الاقتصاد الليبى على تصدير البترول بصفة رئيسية. وفى سنة 1973 م غيرت الحكومة اسم الدولة إلى الجماهيرية الليبية العربية الشعبية.
وركزت الحكومة الليبية فى الخطة الخمسية (1976 - 1980 م) على توفير الكهرباء والمياه والصرف الصحى والإسكان والصناعات من خلال بناء ثلاثة مجمعات صناعية عملاقة. وبدأت الحكومة فى تحديث المجتمع الليبى والرقى به. وفى سنة 1978 م كان يعيش نصف السكان فى ليبيا (البالغ عددهم نحو 3.014.100 نسمة، منهم 2.597.600 ليبى) فى المدن (تضم كل مدينة نحو 20.000 أو أكثر). وزاد سكان المدن بسبب الهجرة الداخلية إليها من القرى والمناطق الزراعية، بالإضافة إلى الوافدين من العمالة الأجنبية إلى تلك المدن. وما بين عامى 1966، 1973 م زادت الهجرة إلى المدن الليبية زيادة كبيرة بلغت نحو 20 %. وهى أعلى معدل زيادة فى تعداد المدن فى العالم (متوسط الزيادة العالمية فى تعداد المدن نحو 4.2 %).