الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما بعد أن كتب النصر لمحمد (صلى الله عليه وسلم) وفى العصور التالية لهذا النصر فلا يوجد بين أيدينا أية إشارات إلى رجال بارزين من اللحيانيين إلّا لبضعة منهم أمثال اللغوى اللحيانى على بن حازم (أو خازم) أو ابن المبارك المتوفى سنة 222 هـ (837 م)، انظر فى ذلك طبقات النحاة للزبيدى.
المصادر:
(1)
كتاب المعارف، طبعة Wustenfeld، ص 31.
(2)
ابن دريد: كتاب الاشتقاق، طبعة Wustenfeld، ص 109.
(3)
ابن هشام: السيرة النبوية طبعة Wustenfeld، ص 638، 642.
مها سعيد [ليفى دى لافيدا G.Levi Della Vida]
لخم
اللخميون أسرة عربية ظهرت قبل الإسلام، فى العراق واتخذت "الحيرة" عاصمة لها وحكمتها لأكثر من ثلاثة قرون - 300 - 600 بعد الميلاد) والأصح أن يقال لهم "النّصْريون" نسبة إلى "نصر لخم" وهى القبيلة التى ينتمون إليها وكان ملوكها شبه مستقلين كأتباع للساسانيين كما كانوا القوة المهمينة فى تاريخ العرب، سياسيًا وعسكريًا وثقافيًا خلال تلك القرون الثلاثة.
1 - التاريخ:
كان مؤسس الأسرة التى تعود إلى الربع الأخير من القرن الثالث، هو "عمرو بن عدى" ابن أخت الملك التنوخى "جذيمة" وهو الذى جعل الحيرة عاصمة "اللخمين" واتخذها مركزًا ليتوسع فى كثير من رحاب شبه الجزيرة العربية. وتقول الأخبار العربية إنه انتصر على "زنوبيا" العربية ملكة "تدمر" وخلفه ابنه امرؤ القيس المنعوت بملك العرب قاطبة وكان بدوره ملكًا محاربًا ثم انتقل امرؤ القيس ونزل بين الروم بعد غزوات عديدة فى الجزيرة العربية، وتوفى عام 328 قبل الميلاد وأدى انشقاق امرؤ القيس ولجوؤه إلى الرومان إلى خلو العرش اللخمى للمرة الأولى، ولكن من المؤكد أن فترة (خلو العرش) هذه بدأت قبل ذلك بوقت طويل لأن الغساسنة كان لهم تأثير كبير على مجرى الأمور فى الحيرة خاصة بعد أن
تكشف مؤخر، الكثير عن بواكير تاريخهم.
ويعتبر القرن الخامس أفضل توثيقًا، خاصة لكثرة ما يوجد عنه من المصادر اليونانية والسريانية، التى تمدّنا ببيانات هامة عن ثلاثة من ملوك بنى لخم، الأول هو "النعمان" ويلقب بالأعور "السائح" لأنه باين الناس وأخذ يتجول فى الأرض عزوفا منه عن الدنيا، وليس هذا بمستبعد فقد عرف عنه أنه زار سيمون القديس الشامى بين عامى 413، 420 م ويرتبط اسمه بتشييد قصر "الخورنق" الشهير وتكوينه فرقتين حربيتين هما الشهباء والدوسر، وخلفه "ابنه المنذر"، ويقال إنه حكم لأربعة وأربعين عامًا (يحتمل بين 418 - 452 م) وشارك فى الحروب البيزنطية الفارسية عام (421 - 422 م) بل ولعب دورًا أكثر أهمية فى الشئون الداخلية لفارس بتأييده "بهرام جور" فى اعتلاء العرش، ولا تتوفر معلومات كافية عن الملكين اللخميين التاليين له وهما (الأسود والمنذر الثانى) لكنها تتوافر عن الملك المحارب "النعمان الثانى" فقد اشترك فى الحرب البيزنطية الفارسية فى تلك الفترة. وفى عام 498 م هزمه القائد البيزنطى يوجينيوس فى (وقعة بيترالبسوس)، وفى عام 502 م زحف على "حران" حيث هزمه الرومان أول الأمر، ثم عاد فانتصر عليهم، ولكنه مات بعد ذلك بقليل متأثرًا بجراحه خلال المعركة ثم أعقبت ذلك فترة قصيرة خلا منها العرش من جالس عليه.
من بين القرون الثلاثة التى حكم خلالها اللخميون "الحيرة" نجد أن القرن الأخير منها هو الأفضل توثيقًا والأكثر أهمية. فقد برز فيه المنذر الثالث الذى حكم خمسين عاما (503 - 554 م) وشهدت الجزيرة العربية، لأول مرة خلال فترة حكمه، إعادة فرض السيطرة الفارسية، وكان المنذر فاعلًا ومؤثر، كملك عربى تابع "لخسرو أنوشروان" الذى اختصه بالإشراف على مجال النفوذ الفارسى. فى الجزيرة العربية، وكان على الدوام فى حرب مع ملوك جنوب الجزيرة، ففى عام 520 م استقبل وفدًا من قبل ملك جنوب
الجزيرة العربية "يوسف ذو نواس" كما أنه عام 540 م أرسل مبعوثًا لملك جنوب الجزيرة الجديد وهو "أبرهة الحبشى" وشهدت فترة حكمه -حتى إذا كانت- العشرينيات من ذلك القرن- خلو العرش للمرة الثالثة وهى كذلك كانت، خلال الصراع البيزنطى - الفارسى، رأس الحربة فى الحملات ضد المقاطعات الحدودية واكتسب خلال عام 520 م شهرة عالمية عندما استقبل وفدًا من قبل الإمبراطور البيزنطى جاستين فلما كان عام 531 م خطط وشارك جزئيًا فى الحملة الفارسية التى انتهت بانتصار كبير على البيزنطيين فى (كالينكوم) على نهر الفرات. ثم جدّ نزاع بينه وبين "الحارث الغسَّانى" وكان ذلك من أسباب اندلاع الحرب البيزنطية - الفارسية فى (539 - 544 م) وحارب الغساسنة فى الأربعينيات من ذلك القرن (الخامس) ولكنه قتل فى اشتباك مع الحارث قرب "قنسرين" وهو المعروف فى الأخبار العربية باسم "يوم الحيار" ثم خلفه ابنه "عمرو"(544 - 569 م) وكانت أمه "هند"(بنت "الحارث" حاكم الحيرة) أميرة - كندية وهى التى يعرَّف بها فى المصادر العربية، برغم أنه ابن أعظم ملوك "بنى لخم" ويرد ذكر اللخميين وخصومهم الغساسنة فى معاهدة عام 561 م بين الفرس والبيزنطيين وينص أحد بنودها صراحة على حظر القتال بين الجانبين. لكن "عمرو" استمر فى شن الهجمات على الحدود البيزنطية خلال الستينيات، وكذلك كان شأن أخيه "قابوس" الذى كان من قواده. وفى عام 569 لقى "عمرو" ميتة بشعة على يد الشاعر "عمرو بن كلثوم" وخلفه أخوه "قابوس" الذى حكم قرابة أربع سنوات (569 - 573 م). وخلال فترة حكمه حقق "المنذر الغسانى" انتصارا فى إحدى المناطق اللخمية بالقرب من "الحيرة" نفسها فى معركة (عين أُباغ) وخلال فترة حكمه أيضًا كان الاحتلال الفارسى لجنوب الجزيرة فى عام 572 م وبهذا تحول الموقف لغير صالح البيزنطيين، ورجحت كفة الفرس مما يمكن تسميته بالصراع حول امتلاك الجزيرة العربية.
تميزت الفترة القصيرة فيما بين وفاة "قابوس" فى عام 573 م وتولى آخر ملوك اللخميين من بعده بفترتين خلا فيهما العرش من جالس عليه، وقد ساد فى الأولى "سوهراب" الفارسى فى الفترة (573 - 574 م). أما الثانية فقد سيطر فيها قبيصة وهو عربى من قبيلة "طى" ودامت لعدة شهور قلائل خلال عام 580 م قبل أن يتولى "النعمان" وفيما بين الفترتين تولى الحكم "المنذر الرابع" وكان مكروها، وخلال ذلك حقق سميه "المنذر الغسانى" انتصارًا حاسمًا على "اللخميين" واستطاع احتلال الحيرة نفسها وأشعلها ضرامًا فى عام 578 م.
كان "النعمان بن المنذر الرابع" آخر ملوك اللخميين قد حكم بضعًا وعشرين سنة (من 580 حتى 602 م) وقد ذاع صيته بين العرب بما نظمه فيه "النابغة الذبيانى" وما كان من أحداث له مع عدى بن زيد وهو أكثر ملوك بنى لخم المعروفين للعرب المسلمين. وبعكس فترة "حكم المنذر الثالث" لم يكن عهده كعهد المنذر الثالث إذ لم تكن له علاقات مع عرب الجزيرة وسادة "الساسانيين" وقد لازمه سوء الحظ فى حروبه فى شبه الجزيرة العربية فهزم فى الموقعة المعروفة بيوم تحفة (بالحاء) أمام بنى جربوع من تميم وقد تباينت علاقاته مع الساسانيين، فقد منحه "هرمز" تاجًا رائعًا ولكنه اختلف مع خسرو برويز لمعارضته استقلال اللخميين حتى تشرد بين القبائل العربية بحثًا عن ملجأ ومأوى ثم استسلم فى النهاية لبرويز الذى أمر بقتله عام 602 م وبموته انتهت فترة حكم اللخميين للحيرة.
بذلك دمر "برويز" الدرع التى كانت تحمى الجبهة الفارسية فى وجه عرب الجزيرة. وبعد قرابة العامين من وفاة النعمان فى موقعة ذى قار (وهى معركة استطاعت فيها قبيلة "بنى بكر" العربية تحقيق انتصار لها على الفرس، وتلاه العديد من الانتصارات الأكثر أهمية فى الثلاثينيات على أيدى العرب المسلمين. وذو قار لا تقل أهمية عن القادسية فكل منهما كانت عنوانًا على أن اللخميين كانوا فى الحيرة درعًا يحمى الفرس من عرب الجزيرة.