المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فى كتابه مثنوى قدان السعدين، وينسب برانى المؤرخ إلى الأب - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٢٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌كنانة

- ‌تاريخ كنانة:

- ‌المصادر:

- ‌كناية

- ‌كندة

- ‌المصادر:

- ‌الكندى

- ‌المصادر:

- ‌الكندى (مؤرخ)

- ‌المصادر

- ‌الكنز، قبيلة

- ‌المصادر:

- ‌كوتاكوتا

- ‌كوتوكو

- ‌كوتونو

- ‌الكوثر

- ‌المصادر:

- ‌الكورانى

- ‌المصادر:

- ‌كوش

- ‌المصادر:

- ‌كوكبان

- ‌الكويت

- ‌1 - جغرافية واقتصاد

- ‌2 - التاريخ

- ‌المصادر:

- ‌كيقباد

- ‌كيقباد (سلطان دهلى)

- ‌الكيمياء

- ‌المصادر:

- ‌كينيا

- ‌المصادر:

- ‌الكيا

- ‌المصادر:

- ‌ل

- ‌لؤلؤ الجارحى

- ‌المصادر:

- ‌لؤلؤ (جوهر)

- ‌المصادر:

- ‌المنصور لاجين (لاشين)

- ‌المصادر:

- ‌لالى ديفرى

- ‌الاتجاه إلى الغرب:

- ‌سياسات التقدم والبناء والابتكار:

- ‌نهاية الاحتفالات:

- ‌المصادر:

- ‌لباس

- ‌ بلدان العالم العربى الوسطى والشرقية:

- ‌1 - ملابس العرب قبل الإسلام:

- ‌2 - عصر النبى محمد عليه الصلاة والسلام وفجر الإسلام:

- ‌3 - القوانين والأعراف المتعلقة بالملابس فى صدر الإسلام:

- ‌4 - الأمويون والعباسيون وأسلوب الطراز:

- ‌5 - الفاطميون:

- ‌6 - الجنيزا كمصدر للملابس الإسلامية فى العصور الوسطى:

- ‌7 - الدويلات التركية المبكرة: السلاجقة، الأيوبيون، المماليك

- ‌8 - العصر العثمانى إلى أوائل العصر الحديث:

- ‌9 - المائة سنة الأخيرة: تأثير الغرب على الملابس الشرق أوسطية

- ‌الغرب الإسلامى

- ‌1 - نشأة الأزياء المغربيّة فى فترة ما قبل الإسلام:

- ‌2 - الأزياء المغربية خلال العصور الوسطى المبكرة والمتأخرة:

- ‌3 - إمبراطوريات البربر وما تلاها من دويلات:

- ‌4 - من نهاية العصور الوسطى إلى العصر الحديث:

- ‌إيران

- ‌1 - العصران الأموى والعباسى:

- ‌2 - العصران الايلخانى والتيمورى:

- ‌3 - العصر الصّفوى

- ‌4 - العصر القاجارى:

- ‌5 - السنوات القليلة الماضية:

- ‌تركيا

- ‌1 - الأزياء التركية القديمة من القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى إلى القرن الثالث عشر الهجرى/ التاسع عشر الميلادى

- ‌لباس الرأس:

- ‌أ- عمامات الرجال:

- ‌(ب) الـ كُولَاه (قبعة. طاقية)

- ‌(ج) القَلْبَك:

- ‌(د) أغطية الرأس الخاصة بالسيدات:

- ‌الملابس الفوقانية:

- ‌أما ألبسة الدراويش:

- ‌الملابس التحتانية:

- ‌الأحذية:

- ‌معدات الزينة:

- ‌2 - العصر الحديث

- ‌المصادر:

- ‌لبنان

- ‌المصادر:

- ‌لبيد بن ربيعة

- ‌المصادر:

- ‌لثام

- ‌المصادر:

- ‌لحن العامة

- ‌المصادر:

- ‌لحيان

- ‌لحيان فى العصر الإسلامى: تعتبر المصادر الإسلامية التاريخية وكتب الأنساب أن قبيلة لحيان العربية فرع من الهذليين، وينسبونها إلى لحيان بن

- ‌المصادر:

- ‌لخم

- ‌1 - التاريخ:

- ‌2 - الثقافة:

- ‌المصادر:

- ‌لطفى السيد

- ‌المصادر:

- ‌لعقة الدم

- ‌المصادر:

- ‌لغز

- ‌المصادر:

- ‌لغة

- ‌المصادر:

- ‌لقب

- ‌1 - الجاهلية والعصور الإسلامية الأولى

- ‌2 - عصر الخلفاء:

- ‌3 - الغرب الإسلامى:

- ‌4 - فترة ما بعد الخلافة

- ‌5 - فترة الإمبراطوريات العظمى:

- ‌المصادر:

- ‌لقيط الإيادى

- ‌المصادر:

- ‌لقيط بن زرارة

- ‌المصادر:

- ‌لواء

- ‌‌‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌لوط

- ‌لون

- ‌دراسة صَرْفية لأسماء الألوان:

- ‌دراسة الدلالة:

- ‌الدرجات اللونية والنصاعة والتشبع:

- ‌اللون فى رأى المعتزلة:

- ‌اللون فى رأى الفلاسفة:

- ‌رؤية صوفية للون:

- ‌رمزية اللون:

- ‌المصادر:

- ‌ليبيا

- ‌النقوش - البربرية:

- ‌التاريخ الحديث:

- ‌الوضع الأثنوجرافى والديموجرافى

- ‌الليث بن سعد

- ‌المصادر:

- ‌الليث بن المظفر

- ‌المصادر:

- ‌ليلى الأخيلية

- ‌ المصادر

- ‌ليو الأفريقى

- ‌المصادر:

- ‌م

- ‌مأرب

- ‌المصادر:

- ‌المأمون

- ‌المصادر:

- ‌مؤنس المظفر

- ‌المصادر:

- ‌مؤيد الدولة

- ‌الماء

- ‌نظام الرى فى مصر قبل القرن العشرين

- ‌الآبار وآلات رفع الماء:

- ‌الرى فى شمال إفريقيا والأندلس

- ‌الرى فى الامبراطورية العثمانية

- ‌الرى فى الهند الإسلامية قبل القرن العشرين

- ‌الوجهة الاقتصادية للرى الحديث

- ‌الإبداعات المعمارية والزخرفية فى المنشأت المائية فى الهند الإسلامية

الفصل: فى كتابه مثنوى قدان السعدين، وينسب برانى المؤرخ إلى الأب

فى كتابه مثنوى قدان السعدين، وينسب برانى المؤرخ إلى الأب أنه فى هذه المناسبة أجرى مشاورات مع ولده ونصحه فأطال النصح، لكن لم يؤد ذلك إلى تحسن دائم فى أخلاقيات السلطان الصغير وسلوكه إلا أنها شجعته على التخلص من وزيره نظام الدين بدسّه السم له، وقد حدث هذا بعد بضعة أشهر من رجوعه إلى دهلى.

أن نفور السلطان من الحكم أدى إلى ظهور فرق قائمة على عصبيات عرقية تفشت بين أمراء بلاطه وملوكه.

وقد حدثت فى مستهل حكمه هجمة ترتب عليها وقوع مذبحة بين صفوف الأمراء المغول الذى أسلموا منذ قريب، وهم المغول المسمون "نَوْ مسلمان" كما أن التنازع على السلطة أصبح بين الجماعة القديمة الأصول التى تسمى بالملوك وبين الطائفة الخلجية التى يتزعمها "تاج الممالك جلال الدين فيروز"(الذى صار سلطانًا من سنة 689 هـ حتى 695 هـ)، ولقد مرض كيقباد وأصيب بالشلل الذى يرجح أنه كان بسبب إسرافه فى شهواته، أو حينذاك نصب الترك ابنه الطفل شمس الدين سلطانًا وأجلسوه على العرش، غير أن جلال الدين فيروز تمكن من السيطرة على كل من السلطان الصغير والعاصمة معًا وما لبث إلا قليلا حتى استحوذ على العرش لنفسه، وكان كيقباد فى هذه الأثناء وهو يصارع الأيام قد هاجمه أولا أمير تركى كان قد أمر بقتل أبيهم فقتل ثأرًا لأبيهم ودثَّروه فى دثار خشن وألقوا به فى مياه نهر جَمُنا فغرق.

بدرية الدخاخنى [التحرير]

‌الكيمياء

اشتقت الكلمة من الكلمة السريانية "كيميا" والتى ترجع بدورها إلى المصطلح اليونانى "خوميا خيميا" التى تعنى "صب المعادن وسبكها" وثمة كلمات كانت تستخدم كمرادف للكيمياء منها "الصنعة"، "الصنعة الإلهية" و"علم الصناعة".

ولقد عرّف العرب الكيمياء عدة تعريفات، فهم يرون أن مهمتها صناعة الذهب والفضة من غير خاماتها كما

ص: 8676

يقول ابن النديم. ومهمتها إضفاء الألوان على المعادن التى تخلو منها أصلا كما يرى جابر بن حيان، وأن تعمل على تغيير خواص المعادن بحيث يمكن الحصول على الذهب والفضة من خلال حيل (الغزالى). وبفضل الكيمياء يمكن تجنب الأذى والفقر (إخوان الصفا). ولذلك كان موضوع الكيمياء هو تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن ثمينة. ومن هنا لابد من رسم حدود لا تتعداها: فعلم المعادن لا يدخل فى نطاق الكيمياء بمعناها الدقيق وإن كان يتحتم على الكيميائى -بطبيعة الحال- أن يكون على معرفة وثيقة بالمعادن (معرفة أيضًا بالحيوان والنبات)، ولا يدخل فى نطاقها صناعة الزجاج وتزييف الأحجار الكريمة كما لا تدخل فيها الأنشطة التعدينية مثل استخراج الحديد والذهب والفضة من خاماتها على نحو ما وصفه الهمدانى (كتاب الجوهرتين) بدقة تدعو للإعجاب، ولا يدخل فى مجالها المواد الكيماوية التى يستخدمها الصناع والحرفيون فى صناعة الأصباغ والألوان والعطور. أما عنوان "كيمياء العطر" الذى وصفه الكندى لكتاب له عن دحض العطور فهو ذو معنى مجازى شأنه شأن "كيمياء السعادة" التى يطلقها الصوفية على كتاباتهم. وأخيرًا ينبغى ملاحظة أن فكرة "كيمياء المستحضرات الطبية" لم يكن لها وجود فى العصور الوسطى الإسلامية. أما الأدوية المركبة فكان يعدها الطبيب أو الصيدلى طبقا لما جاء فى كتاب جالينوس "تركيب الأدوية" أو طبقًا للأقرباذينيات التى وضعها العرب. ولاشك أنه كانت توجد نقاط التقاء بين المهن المختلفة؛ فخبراء المعادن وصانعو العطور يعملون بنفس الأدوات والأجهزة التى يستخدمها الكيميائيون، بل إن بعض الكيميائيين قد مهر فى العلوم المتعلقة بها مثل محمد بن زكريا الرازى الذى صنف المعادن. ومهما يكن من أمر فإن فن تحويل المعادن يجب إخراجه من دائرة تلك المهن التى تعد أقرب ما تكون إلى الطابع العملى وذلك نظرًا لما تنطوى عليه من أسس نظرية.

لقد بدأت الكيمياء عند الإغريق. ولابد من ملاحظة أن الكتاب الرابع من "الآثار العلوية" لأرسطو -المشكوك فى

ص: 8677

صحته- لا يعد كتابا عن الكيمياء بمعناها الحديث ولا يعد بداية للكيمياء القديمة. بل هو يتناول الكيفيات الأولى بوصفها عللا لكل تغيير يحدث فى الطبيعة. وفى حوالى عام 220 ق. م عرف بولس المندى بعض الطرائق الفنية للتلوين، ويبدو أن مثل هذه الطرائق إلى جانب أفكار الأفلاطونية الجديدة والغنوصية والسحر قد هيأت للكيمياء القديمة أن تؤكد وجودها فى مصر القديمة. وهناك عدد من الكتابات المتناثرة يرجع تاريخها إلى ما بين القرن الثانى والقرن الثالث الميلاديين وتحمل أسماء هرمس وتوت وغيرهما، وفى بداية القرن الرابع الميلادى انضمت إليها كتابات ذوسيموس [من "بانوبوليس" (أخميم)]، وفى القرن السادس الميلادى كانت للفيلسوف الأفلاطونى الجديد "أليميودوروس" والإمبراطور هيراقليوس كتابات أيضًا عن الكيمياء. . وقد ترجم إلى العربية عدد كبير من هذه الكتابات. ويبدو أن أول ما ترجم منها كان فى نهاية القرن الثانى الهجرى/ الثامن الميلادى. أما الجزء الأكبر فقد تمت ترجمته إلى العربية فى القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى. وهناك احتمال أن تكون ثمة ترجمات وسيطة باللغة السريانية ولكن ليس من الواضح ما إذا كان حنين بن اسحق وتلامذته قد شاركوا فى هذه الترجمات.

وكثير جدًا من المخطوطات العربية فى الكيمياء قد حفظت لنا من عوادى الزمن. ولكن لم يكشف النقاب إلا عن جزء صغير للغاية من محتوياتها سواء فى صورة فهارس أو قوائم منشورة. وبالتالى فمن غير الممكن حتى الآن وضع تاريخ للكيمياء العربية. فلا زالت بدايات هذا العلم -وبصفة خاصة- فى القرنين الثانى والثالث الهجريين (الثامن والتاسع الميلاديين) يلفها الظلام إلى حد بعيد. إلا أنه يمكن القول إن الفترة ما بين (نهاية القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى وبداية القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى) -حيث جمعت الكتابات الرئيسية لكل من جابر بن حيان ومحمد بن زكريا الرازى- هذه الفترة لابد أنها شهدت ظهور مكتبة هامة عن الكيمياء قوامها كتابات كتبها يونانيون

ص: 8678

ومصريون ويهود ومسيحيون وفرس وهنود وحكماء وفلاسفة.

وبذلك أصبح فى حوزتنا عدد كبير من الكتابات العربية والشذرات والاقتباسات تظهر فيها أسماء تلفت نظرنا مثل: فيثاغورس وأرخيلاوس وسقراط وأفلاطون وأرسطو وبورفيريوس وجالينوس وديمقريطس وذوسيموس وآخرون كثيرون. لقد شكلت الكتابات والمذاهب المنسوبة لهذه الشخصيات الأساس الذى تقوم عليه مجموعتان كبيرتان ورئيسيتان من الكتابات الكيميائية ظهرتا فى (نهاية القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى وبداية الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى)، وهما كتابات كل من جابر بن حيان، والرازى. ويعد جابر بن حيان (ولعله توفى حوالى 196 هـ/ 812 م) صاحب أول مؤلف فى الكيمياء. وفى (القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى) كان محمد بن أُمَيْل مبرزا بكتاباته ذات الطابع السحرى المجازى، وتبعه فى ذلك محمد بن عبد الملك الكاثى الملقب بالمجريطى فى (القرن الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى) بكتاب "رتبة الحكيم"، ومحمد بن يشْرون. وكان أهم الكيميائيين فى (القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى) الشاعر ورجل الدولة حسين على الطُّغرائى، وواعظ فاس على بن موسى والملقب بابن أرفع رأس. وحول (منتصف القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى أبو القاسم السيماوى الذى عمل فى العراق، وفى (القرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى) ألّف المصرى أيدمر بن على الجِلْدكى عددًا لم يسبق له مثيل من الكتب تناول فيها بالتلخيص أو الشرح كل ما كتب قبله فى الكيمياء والسحر، وفى الفترة التالية على ذلك توالى ظهور عدد من المؤلفين على جانب من الأهمية إما لأنهم جامعو معلومات أو لأنهم ألفوا كتابات موجزة من نتاجهم، وفى النصف الثانى من القرن (الحادى عشر الهجرى/ السابع عشر الميلادى) حاول صالح بن نصر اللَّه بن سلّوم وهو طبيب لدى بلاط السلطان محمد الرابع (1058 - 1099 هـ/ 1648 - 1687 م) أن يُدخل إلى الطب العربى المفاهيم الكيميائية التى وضعها باراسيلسوس وهى

ص: 8679

المفاهيم التى منحت الكيميائيين القدامى فرصة الشروع فى نهج أساليب جديدة إلا أنهم لم يستفيدوا من هذه المفاهيم بل على العكس من ذلك واصلوا بحثهم العقيم -وحتى وقت قريب- عن حجر الفلاسفة.

لقد تُرْجِمَتْ المؤلفات العربية إلى اللاتينية فى العصور الوسطى. ولم تكن المؤلفات اليونانية -بل هذه المؤلفات العربية- هى التى مهدت الطريق نحو قيام كيمياء غربية -وهكذا أدخلت قدرا من التطور مرَّ عبر "أرنالد الفيلانوفى" -جابر اللاتينى- وبارسلوس إلى أن وصل إلى روبرت بويل (1627 - 1691 م) وجوزيف بلاك (1728 - 1799 م). وجوزيف بريستلى (1743 - 1794 م) ولافوازييه (1743 - 1794 م)، كما أدى فى نهاية المطاف إلى معجزة الكيمياء الحديثة. بل إن هذه المؤلفات العربية أعطت دفعة هامة للتاريخ الثقافى الأوربى، ويكفى أن نذكر "ياكوب بومة" وجمعية الروزيكروش ونوفاليس وجوته.

يوضح هذا المسح التاريخى الموجز أن الكيمياء العربية تحتل موقعًا رئيسيًا فى تطور الفكر الكيميائى ككل -إلا أنها- وعلى النقيض الصارخ من أهميتها- ظلت للأسف مهملة من الباحثين. ومعظم ما كتبه مؤرخو العلم عن الكيميائيين العرب يعد من الكتابات التى لا تستند إلى المصادر الأصلية، بل تقوم على كتابات عفى عليها الزمن وشوهتها الأخطاء الفادحة. إن هناك مجالًا ضخمًا أمام البحث وإن كان الولوج إليه ليس بالسهل الميسور. إن الكيمياء ظاهرة معقدة تعقيدًا غير عادى إذ تضم اتجاهات عديدة ومختلفة. كما أدخل المؤلفون العرب فى نسيج فكرهم تأملات فى السحر والحساب والتنجيم والبيولوجيا. وتميزت الكتابات السحرية وكتابات ابن أُمَيل بالغنوصية، بينما تميزت كتابات أخرى بصوفية عميقة. ومن هنا نفهم ما يعنيه ابن العربى (فى الفتوحات) حين يشير إلى الكيمياء بوصفها "علم طبيعى روحانى إلهى" وبصفة عامة لم تكن المهمة الملقاة على عاتق الفلسفة الطبيعية مقصورة على

ص: 8680

معرفة كيفية تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن ثمينة بل تهدف أيضًا إلى إقامة الصلة الشاملة مع العالم؛ ففى رأى كثير من العلماء أن عملية تنقية المادة لا تنفصل عن تنقية الروح، ولقد كشف الكيميائيون القدامى عن نفاذ بصيرتهم فى المقالات النظرية، والقصص المجازية، والأساطير والرؤى والقصائد. ولكى يحموا أنفسهم ضد اتهامات المتشددين أو المنافسين، كانوا يستخدمون أسماء مستعارة وعملوا على الاستفادة من التعابير الملتبسة والرمزية. وكل هذا جعل كتاباتهم مبهمة ويصعب فهمها، لذلك كان طبيعيا أن يرى "التنويرى" فى تاريخ الكيمياء جزءًا من "تاريخ الحماقة الإنسانية"، بل إن فى الطبعة الأولى من دائرة المعارف الإسلامية أبدى أ. فيدمان ملحوظة مؤداها أنه "لا يمكن تصور أن كائنات عاقلة قد كتبت مثل هذه الأشياء"، ولم يمهد الطريق نحو تفسير ذى دلالة وله ما يبرره للكيمياء القديمة سوى علم دراسة الدين وعلم دراسة أعماق النفس. (إن ج. إيفولا، ك. ج. يونج، م. إلياد) هؤلاء بصفة خاصة، قد أوضحوا -بحق- كيف هيمنت على الكيمياء القديمة طرائق فى التفكير أسطورية وصوفية وغنوصية. وهنا تكمن مهمة فك رموز النصوص العربية من خلال دراسات دقيقة تستعين بالتاريخ وفقه اللغة، وبذلك يتم إرساء الأسس التى تمنع الانزلاق نحو إصدار أحكام متسرعة أو اقتراحات تقريبية.

حتى الآن لم يكن بوسعنا قول الكثير عن الأسس النظرية للكيمياء العربية، بل إن هذا القليل الذى قلناه قد جاء عرضًا. فطريقة بناء النظريات تختلف اختلافا بينا من مؤلف لآخر بل إن الأعمال الكاملة التى تحمل اسم "جابر بن حيان" -وبالتالى فثمة افتراض بوجود وحدة فيما بينها- هذه الأعمال تكشف عن مفاهيم تختلف فيما بينها اختلافًا شديدًا، ومن ثم [حسبما يرى البعض] فلن تقدم هنا سوى عدد قليل من المفاهيم الأساسية وهى لا تحمل صفة العمومية فى التطبيق.

فتحويل المعادن الخسيسة إلى معادن ثمينة أمر ممكن لأن أنواع

ص: 8681

المعادن تشكل جنسًا واحدا، ولا يختلف أحدها عن الآخر سوى فى الأعراض وهذه الأعراض قد تكون ذاتية (جوهرية) أو عرضية. إلا أن الأعراض ليست ثابتة بل متغيرة وهو ما نشاهده فى الطبيعة. والواقع أن المعادن تنمو فى باطن الأرض عبر فترات طويلة.

وهى تتغير -من خلال عملية تعد نوعا من الإنضاج- من معادن خسيسة إلى معادن ثمينة ثم إلى ذهب فى نهاية الأمر. وهذا التحول كما يراه بعض العلماء يحدث تحت تأثير النجوم. وفى مقدور الكيميائى القديم أن يسرع بهذه العملية بواسطة أنابيقه، وبوسعه -بفضل مهارته- أن ينجز فى يوم واحد ما تتطلب الطبيعة لإتمامه آلاف السنين. وتقدم لنا الكتابات الكيميائية مئات بل آلاف الوصفات لعمل الذهب، من هذه توجد ثلاث طرق رئيسية:

1 -

تقوم الطريقة الأولى على نظرية الزئبق - الكبريت؛ فالزئبق يحتوى على الماء والأرض، والكبريت يحتوى على النار والهواء، وبذلك تكون المادتان معا قد احتوتا على العناصر الأربعة. فإذا تمازجت واختلطت اتحدت أجزاء الكبريت والزئبق، والحرارة دائمة فى نضجها وطبخها فتنعقد عند ذلك ضروب الجواهر المعدنية المختلفة، فإذا كان الزئبق صافيا والكبريت نقيا، وكانت مقاديرهما على النسبة الأفضل، والحرارة فى درجة الاعتدال فعندئذ ينعقد الذهب الإبريز. وإن عَرَض لحرارة المعدن -فى طبخها- البرد قبل النضج انعقدت وصارت فضة بيضاء، وإن عَرَض لها اليبس من فرط الحرارة وزيادة الأجزاء الأرضية، انعقدت فصارت نحاسًا أحمر يابسًا، وإن عرض لها البرد قبل أن تتحد أجزاء الكبريت والزئبق قبل النضج انعقد منها رصاص قَلْعى (أى قصدير شديد البياض) وإن عرض لها البرد قبل النضج وكانت الأجزاء الترابية أكثر، صارت حديدًا أسود، وإن كان الزئبق أكثر والكبريت أقل، والحرارة ضعيفة انعقد منها الأُسْرُب (الرصاص الأسود الردئُ) وإن انفرطت الحرارة فأحرقته صار كُحْلًا، وعلى هذا القياس تختلف الجواهر المعدنية بأسباب عارضة خارجة عن الاعتدال وعن النسبة

ص: 8682

الأفضل، وزيادة الكبريت والزئبق ونقصانهما، وإفراط الحرارة أو نقصانها، أو برد المعدن قبل نضجها أو خروجها من الاعتدال، فعلى هذا القياس حُكْم الجواهر المعدنية الترابية. (إخوان الصفاء، جزء ثان، القزوينى: عجائب). كان الكيميائى إذن يحاول أن يحاكى الطبيعة، فهو يحاول أن يكتشف مقدار الكبريت ومقدار الزئبق اللذين يحتويهما الذهب، وأى درجة من الحرارة تلزم لاتمام عملية الإنضاج. فإذا نجح فى توفير هذه الظروف يكون فى مقدوره عندئذ الوصول إلى مركب الذهب. وربما كان علينا أن نضيف إلى ذلك أن "الزئبق" و"الكبريت" لا يعنيان بالضرورة ما يقصده الكيميائيون حاليًا بهذين العنصرين، بل يفهم من هذين المصطلحين المبادئ الأساسية للسيولة والاحتراق (فهم يتحدثون عن "الزئبق الرجراج" و"الكبريت المحترق").

2 -

والطريقة الثانية تقوم على "علم الموازين" الذى نادت به "أعمال جابر بن حيان" فالكيميائى يحاول إقامة علاقة متبادلة بين المعادن حسب الحجم والوزن. وأن يؤسس بناء على هذه المعلومات جسمًا له حجم ووزن متجاوبان.

3 -

إلا أن أهم طريقة يوصون باتباعها هى تعريض الاكسير. ويتكون الاكسير من مواد معدنية ونباتية وحيوانية. يوضع هذا الاكسير على معدن خسيس ثم ينقل ليوضع فى ظروف خالية عن آية كيفية، فالاكسير يتخلل هذا المعدن كما تتخلل الخميرة العجين، ويحوله إلى ذهب وهو أعلى قيمة من معدن الذهب.

لقد أقيمت كل هذه النظريات بناء على مقدمات لا يمكن البرهنة عليها أو تكذيبها. ومن هنا لم يكن جدال العلماء المسلمين حول إمكانات الكيمياء ليحقق أى تقدم حقيقى. واعترف الكيميائيون بصعوبة مهمتهم ولكنهم يؤكدون أنه لابد وأن يكون فى الإمكان الكشف من جديد عن سر صناعة الذهب التى كان يعرفها ولا شك الحكماء القدامى. لقد كان الجدال يجرى بينهم على المستوى

ص: 8683

النظرى أساسا. إذ تُطْرَحْ الأدلة الفلسفية والكلامية ومنها تستنبط -فى أغلب الأحوال- النتائج بناء على مقارنة بين الحالات.

وموقف الجاحظ إزاء الكيمياء لم يكن واضحا تمامًا؛ فهو يتشكك فى جدواها، ولكنه يطرح سؤالًا عما إذا كان من الممكن خلال خمسة آلاف عام صنع الذهب عندما تتوافق العوامل المختلفة من نوعية العناصر والفترة الزمنية المناسبة والوضع الصحيح للنجوم. . إلخ (كتاب الحيوان). وكان يرى أنه من المفارقات أن يكون فى الإمكان صنع الزجاج من الرمال. فى حين أنه من غير الممكن تحويل النحاس والزئبق إلى ذهب وفضة على الرغم من أن حالة الشبه بين الزئبق والفضة الذاتية أشد منها بين الرمل والزجاج الفرعونى. وقد ألّف يعقوب بن إسحق الكندى كتاب "إبطال دعوى المدَّعين صناعة الذهب والفضة من غير معادنها". وهو بمثابة تكذيب لأولئك الذين يدّعون قدرتهم على الحصول على الذهب والفضة من غير خاماتهما. إذ يقول إن البشرية غير قادرة على القيام بأعمال هى مقصورة على الطبيعة. وقد رد على هذا الكتاب على الفور محمد بن زكريا الرازى.

وكان الفارابى (توفى 339 هـ/ 950 م) يرى أن تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب أو فضة أمر ممكن طبقا لرأى أرسطو عن الأحجار، ذلك أن أنواع المعادن تنتمى إلى جنس واحد. ولكن من الصعب بمكان تحقيق هذا التحويل، إذ أنه يستلزم دراسة شاملة للمنطق والرياضيات والعلوم الطبيعية.

وكانت نصوص الكيمياء تتخفى وراء أسماء مستعارة ورموز، لأنه لو لم يكن الأمر كذلك لكان فى مقدور أى شخص أن يكتشف سر صناعة الذهب، وبذلك يصبح الذهب بلا فائدة كوسيلة لتسديد المستحقات. وهذه الحجة الاقتصادية كان يكررها المرة تلو المرة المؤلفون اللاحقون.

ولقد عمل الجغرافى الهمدانى (توفى 334 هـ/ 945 م) بطريقة مشابهة ومستمدة من علم المعادن حيث كان

ص: 8684

على معرفة تامة بهذا العلم. فكما أن الحديد والصلب يمكن أن يصلا إلى درجات من الجودة والنقاء باستخدام علم المعادن -أى باستخدام مهارة الإنسان، فكذلك فى مقدور المرء أن يصطنع طرقا لصناعة الذهب ذلك المعدن الذى يتم إنضاجه بطريقة طبيعية فى باطن الأرض. غير أن الادعاء بقدرة الإنسان على محاكاة الطبيعة، هذا الادعاء ذاته كان موضع تفنيد شديد من أبى حيان التوحيدى وأبى على بن سينا. فالكيميائيون لا يستطيعون سوى عمل شئ يشبه فى الظاهر المعادن الثمينة، غير أن الحواس لا تدرك الفصول (الفروق النوعية) فى المعادن بعد إجراء العمليات الكيميائية، بل تدرك اللوازم والعوارض فحسب. أما جوهر المعدن الخسيس فيظل كما هو دون تغيير. وظل ابن سينا -بسبب أقواله هذه- هدفًا لمجادلات كل الكيميائيين الذين جاءوا بعده ولا سيما الحسين بن على الطُّغرائى وأيْدَمِرْ بن على الجِلْدَكى. ففى كتاب "حقائق الاستشهاد" الذى ألَّفه الطغرائى عام 505 هـ/ 1112 م كتب أهم دفاع عن الكيمياء؛ فهو يرد على اعتراض ابن سينا بقوله إن العمليات الكيميائية لا تخلق على الإطلاق فصلًا جديدًا (فَرْقا نوعيا) بل إن كل ما تفعله هو إعداد المادة لكى تتلقى هذا الفصل أو الفرق النوعى الذى يمنحه إياها اللَّه الخالق. والطُّغرائى بذلك يضع فى اعتباره جبهة علماء الكلام ونقدياتهم، وقد وجد هذا النقد لسان حال له فى كل من ابن حزم الأندلسى وابن تيمية وتلميذه ابن القيِّم الجوزية (ت 750 هـ/ 1349 م). فقد تضمن كتاب ابن القيِّم الجوزية "مفتاح دار السعادة" هجومًا -استغرق مائتى صفحة- ضد كل العلوم السرية وبوجه خاص التنجيم؛ فهو يرى -شأنه شأن ابن سينا- أن الكيميائيين لا يفلحون إلا فى إضفاء المظهر، ولكنهم غير قادرون على صنع ذهب حقيقى أو فضة حقيقية. وكذلك ابن خلدون كان خصما للكيمياء، ورأيه فيها أنها نوع من السحر. ولقد كانت الشروح النظرية

ص: 8685

للكيميائيين وتأملاتهم كاملة فى حد ذاتها من ناحية، ومكتملة بالتجارب المعملية من ناحية أخرى، ذلك أن الخبرة التى اكتسبت عبر هذه التجارب قد أدت بدورها إلى ظهور نوع جديد من الكتابة والنظريات.

وأغلب الظن أن للكيمياء دورًا أكبر فى تقدم العلم التجريبى منه فى الطب أو العقاقير أو الفيزياء أو الفلك. ولقد تم إنجاز تجريبى هام يتمثل فى أكسدة الزئبق حيث عرض هذا الزئبق لنيران هادئة جدا لمدة تزيد على أربعين يوما. وقد أورد "المجريطى" -وهذا اسم مستعار- وصفا لهذه العملية فى كتابه "رتبة الحكيم"، وأكد أن وزن المادة ظل كما هو -دون تغيير- قبل التجربة وبعدها. وصور لنا ابن شُهَيْد (382 - 426 هـ/ 922 - 1035 م) تجهيزات المعمل فى صورة تدعو للإعجاب. إذ كانت به أجهزة عديدة:"أُثَال" للتقطير والتصعيد، و"قَرْع" يوضع فوقه الأنبيق، وبوتقة لصهر المعادن وتنور (موقد كبير) لتوليد درجة حرارة عالية، وقنينة وقِدْر أو "طِنْجَر" و"سُكُرُّجة" وهاون. وكثير من الأجهزة أطلقت عليها أسماء من يقال أنهم مخترعوها، مثل "أتون فيثاغورس" و"بئر زوسم" و"حمام ماريا". وكانت التدابير -أى العمليات الكيميائية- تتم بواسطة مثل هذه الأجهزة والأوعية والأفران.

وكان إجراء هذه العمليات يسلك طرقا -هى فى جوهرها- نفس الطرق التى استخدمتها الكيمياء اليونانية. ومعظم المصطلحات الفنية العربية مترجم عن مفاهيم يونانية. وكان تحليل أى مادة يتم بالماء أو الأحماض أو القلويات، أما التعفين فهى عملية تفتيت الجزئيات مع الاستعانة بالماء. وهناك عمليات التقطير والتصعيد والتكليس، وهناك أيضًا التجميد والتعقيد لتقوية وتثبيت مادة ما. وعملية التبييض تعنى صنع الفضة، والتحمير صنع الذهب. إلا أن كثيرًا من الكيميائيين لا يستخدمون هذه المصطلحات أو غيرها من التعبيرات إلا استخدامًا رمزيا فحسب، أو بمعان مختلفة تمام الاختلاف خشية أن ينكشف سرهم، ولذلك كان فهم

ص: 8686