المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌لبنان (*) تنتمى لبنان إلى عالم الثقافة العربية والحضارة الإسلامية، ومع - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٢٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌كنانة

- ‌تاريخ كنانة:

- ‌المصادر:

- ‌كناية

- ‌كندة

- ‌المصادر:

- ‌الكندى

- ‌المصادر:

- ‌الكندى (مؤرخ)

- ‌المصادر

- ‌الكنز، قبيلة

- ‌المصادر:

- ‌كوتاكوتا

- ‌كوتوكو

- ‌كوتونو

- ‌الكوثر

- ‌المصادر:

- ‌الكورانى

- ‌المصادر:

- ‌كوش

- ‌المصادر:

- ‌كوكبان

- ‌الكويت

- ‌1 - جغرافية واقتصاد

- ‌2 - التاريخ

- ‌المصادر:

- ‌كيقباد

- ‌كيقباد (سلطان دهلى)

- ‌الكيمياء

- ‌المصادر:

- ‌كينيا

- ‌المصادر:

- ‌الكيا

- ‌المصادر:

- ‌ل

- ‌لؤلؤ الجارحى

- ‌المصادر:

- ‌لؤلؤ (جوهر)

- ‌المصادر:

- ‌المنصور لاجين (لاشين)

- ‌المصادر:

- ‌لالى ديفرى

- ‌الاتجاه إلى الغرب:

- ‌سياسات التقدم والبناء والابتكار:

- ‌نهاية الاحتفالات:

- ‌المصادر:

- ‌لباس

- ‌ بلدان العالم العربى الوسطى والشرقية:

- ‌1 - ملابس العرب قبل الإسلام:

- ‌2 - عصر النبى محمد عليه الصلاة والسلام وفجر الإسلام:

- ‌3 - القوانين والأعراف المتعلقة بالملابس فى صدر الإسلام:

- ‌4 - الأمويون والعباسيون وأسلوب الطراز:

- ‌5 - الفاطميون:

- ‌6 - الجنيزا كمصدر للملابس الإسلامية فى العصور الوسطى:

- ‌7 - الدويلات التركية المبكرة: السلاجقة، الأيوبيون، المماليك

- ‌8 - العصر العثمانى إلى أوائل العصر الحديث:

- ‌9 - المائة سنة الأخيرة: تأثير الغرب على الملابس الشرق أوسطية

- ‌الغرب الإسلامى

- ‌1 - نشأة الأزياء المغربيّة فى فترة ما قبل الإسلام:

- ‌2 - الأزياء المغربية خلال العصور الوسطى المبكرة والمتأخرة:

- ‌3 - إمبراطوريات البربر وما تلاها من دويلات:

- ‌4 - من نهاية العصور الوسطى إلى العصر الحديث:

- ‌إيران

- ‌1 - العصران الأموى والعباسى:

- ‌2 - العصران الايلخانى والتيمورى:

- ‌3 - العصر الصّفوى

- ‌4 - العصر القاجارى:

- ‌5 - السنوات القليلة الماضية:

- ‌تركيا

- ‌1 - الأزياء التركية القديمة من القرن السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى إلى القرن الثالث عشر الهجرى/ التاسع عشر الميلادى

- ‌لباس الرأس:

- ‌أ- عمامات الرجال:

- ‌(ب) الـ كُولَاه (قبعة. طاقية)

- ‌(ج) القَلْبَك:

- ‌(د) أغطية الرأس الخاصة بالسيدات:

- ‌الملابس الفوقانية:

- ‌أما ألبسة الدراويش:

- ‌الملابس التحتانية:

- ‌الأحذية:

- ‌معدات الزينة:

- ‌2 - العصر الحديث

- ‌المصادر:

- ‌لبنان

- ‌المصادر:

- ‌لبيد بن ربيعة

- ‌المصادر:

- ‌لثام

- ‌المصادر:

- ‌لحن العامة

- ‌المصادر:

- ‌لحيان

- ‌لحيان فى العصر الإسلامى: تعتبر المصادر الإسلامية التاريخية وكتب الأنساب أن قبيلة لحيان العربية فرع من الهذليين، وينسبونها إلى لحيان بن

- ‌المصادر:

- ‌لخم

- ‌1 - التاريخ:

- ‌2 - الثقافة:

- ‌المصادر:

- ‌لطفى السيد

- ‌المصادر:

- ‌لعقة الدم

- ‌المصادر:

- ‌لغز

- ‌المصادر:

- ‌لغة

- ‌المصادر:

- ‌لقب

- ‌1 - الجاهلية والعصور الإسلامية الأولى

- ‌2 - عصر الخلفاء:

- ‌3 - الغرب الإسلامى:

- ‌4 - فترة ما بعد الخلافة

- ‌5 - فترة الإمبراطوريات العظمى:

- ‌المصادر:

- ‌لقيط الإيادى

- ‌المصادر:

- ‌لقيط بن زرارة

- ‌المصادر:

- ‌لواء

- ‌‌‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌لوط

- ‌لون

- ‌دراسة صَرْفية لأسماء الألوان:

- ‌دراسة الدلالة:

- ‌الدرجات اللونية والنصاعة والتشبع:

- ‌اللون فى رأى المعتزلة:

- ‌اللون فى رأى الفلاسفة:

- ‌رؤية صوفية للون:

- ‌رمزية اللون:

- ‌المصادر:

- ‌ليبيا

- ‌النقوش - البربرية:

- ‌التاريخ الحديث:

- ‌الوضع الأثنوجرافى والديموجرافى

- ‌الليث بن سعد

- ‌المصادر:

- ‌الليث بن المظفر

- ‌المصادر:

- ‌ليلى الأخيلية

- ‌ المصادر

- ‌ليو الأفريقى

- ‌المصادر:

- ‌م

- ‌مأرب

- ‌المصادر:

- ‌المأمون

- ‌المصادر:

- ‌مؤنس المظفر

- ‌المصادر:

- ‌مؤيد الدولة

- ‌الماء

- ‌نظام الرى فى مصر قبل القرن العشرين

- ‌الآبار وآلات رفع الماء:

- ‌الرى فى شمال إفريقيا والأندلس

- ‌الرى فى الامبراطورية العثمانية

- ‌الرى فى الهند الإسلامية قبل القرن العشرين

- ‌الوجهة الاقتصادية للرى الحديث

- ‌الإبداعات المعمارية والزخرفية فى المنشأت المائية فى الهند الإسلامية

الفصل: ‌ ‌لبنان (*) تنتمى لبنان إلى عالم الثقافة العربية والحضارة الإسلامية، ومع

‌لبنان

(*)

تنتمى لبنان إلى عالم الثقافة العربية والحضارة الإسلامية، ومع هذا فكثير من اللبنانيين يجيدون الفرنسية وبعضهم يدين بالمسيحية. وبمجرد ظهور لبنان كدولة عام 1920 م، أخذت تبحث عن تأصيل هويتها، مثل كل دول الشرق الأدنى المعاصرة، من خلال الغوص فى أعماق التاريخ. ولم يكن رمز شجرة الأرز -بدلالتها فى العهد القديم- على علم لبنان ولا ثراء تجارها ومهارتهم، بل ولا حربها الأهلية التى اندلعت سنة 1975 م، إلا تأصيلا لهذه الهوية. ويعتبر اللبنانيون جزءا من الشعوب، التى أسست حضارتها من البحر المتوسط إلى بلاد الرافدين، والتى كان من خصائصها العائلة الأبوية (الأنتماء الأبوى) والزراعة والمدنية والإيمان باللَّه.

لقد أعلن الجنرال جورو Gauraud، المفوض السامى للجمهورية الفرنسية فى بلاد الشرق الأدنى، قيام دولة لبنان الحديثة فى سبتمبر عام 1920 م. ومن خلال الحدود التى خصصت لها، والتى أطلق عليها فى ذلك الوقت اسم "لبنان الكبرى"، فقد شغلت مساحة تقدر اليوم بما يقرب من 10450 كيلو مترا مربعا، ولم يكن امتدادها من الشمال إلى الجنوب يزيد على 210 كيلو مترا، وكان عرضها يتراوح من الشرق إلى الغرب ما بين 40 إلى 75 كيلو مترا. لقد أخذ مفهوم لبنان يتسع باضطراد ليشمل كل سلسلة الجبال التى تمتد من النهر الكبير شمالا إلى نهر الليطانى جنوبا، وهى نفس حدود متصرفية جبل لبنان العثمانية منذ سنة 1861، بل واتسع مفهوم لبنان ليشمل أكثر من هذا: جزءا من الجليل الأعلى فى الجنوب وسهل البقاع الأوسط والسفوح الغربية للجبال المطلة على لبنان بمفهومه السابق وجبل الشيخ.

وتنفيذا للمادة 22 من معاهدة فرساى، التى أنشأت نظام الانتداب،

(*) يبلغ إجمالى عدد السكان 3.776.517 نسمة حسب إحصاء 1997، المسلمون 70 %، المسيحيون 30 %. الكثافة السكانية 536 نسمة فى الميل المربع، المساحة الجغرافية: 3950 ميلا مربعا. المناطق الحضرية 86 %.

الحكومة: جمهورية ويرأسها الياس الهراوى المولود 1926 وشغل منصبه فى 24 نوفمبر 1989، رئيس الوزارة رفيق الحريرى المولود 1944، وشغل منصبه 31 أكتوبر 1992.

التحرير

ص: 8776

ومعاهدتى سان ريمون (25 أبريل 1920) ولوزان (24 يوليو 1923 م) التى أنهت الإمبراطورية العثمانية من الناحية الرسمية، فإن مجلس عصبة الأمم بقراراته فى 24/ 7/ 1923، و 29/ 9/ 1923، وضع لبنان تحت الانتداب الفرنسى. وفى 26/ 11/ 1941 م، اعترف الجنرال كارو Carreaux بتفويض من فرنسا الحرة، بأن لبنان "دولة مستقلة ذات سيادة" وفى أكتوبر 1943 م، عقب انتخابات بشارة الخورى المسيحى المارونى لرئاسة الجمهورية، وتعيين رياض الصلح السنى المسلم، رئيسا لمجلس الوزراء، ظهر التشكيل الوزارى للحكومة الجديدة، وأصبحت لبنان عضوا بالجامعة العربية بعد تأسيسها عام 1945 م.

وكان اسم لبنان الكبرى قد تغير ليصبح الجمهورية اللبنانية عام 1926 م، وأنشأ الدستور نظاما برلمانيا وليبراليًا. وعندما اجتمعت للحكومة اللبنانية مقدراتها، أكدت على هذه النظم من خلال الميثاق الوطنى، وعلى ذلك عهد برئاسة الجمهورية للمسيحيين المارونيين، ورئاسة مجلس الوزراء إلى المسلمين السنيين، ورئاسة مجلس النواب للمسلمين الشيعة. وهنا يكمن لب المشكلة ففى ظل الأخذ بنظام تشريعى، حثت عليه الجمهورية الفرنسية الثالثة، جرى تنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية اللبنانية، تبعا للتقسيم الطائفى.

وتفرض الثقافة الاجتماعية على لبنان مبادئها، وهى تضرب بجذورها فى الماضى البعيد؛ فالمسيحيون يقدمون مبررات تاريخية كثيرة. أنهم يوظفون التاريخ الفينيقى وغيره لتأصيل الوجه المسيحى للبنان، أما المسلمون فيتحدثون دائما عن حضارة واحدة.

كان الساحل اللبنانى الذى احتضن الموانى النشطة، مأهولا بالسكان منذ فجر التاريخ، والذى وردت أسماء موانئه بشكل مضطرب فى نصوص العهد القديم، والتى كشف عنها علم الآثار المعاصر، عن مراحل ومستويات السكنى، كتلك التى امتدت لأكثر من ثلاثة آلاف سنة، من الانتصارات والكوارث، فى موقع جبيل الفريد. وفى ظل السيادة الرومانية، وظهور حركة النقل عبر البحر المتوسط المصاحبة لها، أنشئ المضمار (ميدان السباق الكبير)

ص: 8777

فى صور، وكان يتسع لـ 30000 مشاهد، والذى كشفت عنه عمليات التنقيب التى بدأت فى الستينيات.

وقد شهدت أيضا جبال لبنان التى تكسوها الغابات، وتمتد صخورها فوق الشريط الساحلى الضيق، ظهور الإنسان فى مرحلة مبكرة جدا، كما تدل عليه أسماؤها الكنعانية والآرامية؛ ويحتمل أن كان سكانه مشتتين حتى نهاية الفترة القديمة، وكان يتمثل نشاطهم فى استغلال الأخشاب ونقلها، واجتذبت مدن الساحل أيضا، التى كانت مثوى للآلهة، حجاجا لزيارة الأضرحة المجاورة لآثار المعابد، التى شيدت فى العصر الرومانى.

وقد أدى الفتح العربى -بتغييره لطبيعة القوى وموازينها- إلى ظهور طرائق مختلفة عن ذى قبل -لاستثمار موارد لبنان، ففى حين كانت سهوله الساحلية الضيقة المؤدية للبحر عاملا مسهلا ومشجعا لكل المغامرين القادمين من الغرب مما جعلها -أى هذه السهول- غير ملائمة تماما لحياة الاستقرار والرخاء فإن سلسلة جباله أصبحت ساحات للمواجهات بين البيزنطيين والمسلمين، وربما كانت تتم هذه المواجهات من خلال السكان النزاعين للقتال وعلاوة على ذلك، كان الاستقلال الذاتى الفعلى الذى تمتع به هؤلاء السكان، مشجعا على استمرار ونمو الهرطقة، وعلى ظهور نزعات الأقليات الدينية.

وفى المنحدر الغربى من جبل شديد التحذر، بين جرفه الأول الذى تجزئه الاختناقات العميقة وسهوله الجيرية فى الشمال، أو تلاله الجنوبية، كانت الظروف ملائمة للزراعة والاستقرار البشرى فوق المرتفعات الواقعة ما بين 900 و 1500 متر، حيث كشفت عوامل التعرية عن تربة خصبة. وشكلت الأحجار الرملية والرمل والطين وصخر البازلت تضاريس مفتوحة، وتوفر فيها المناخ المعتدل والهواء صحى والمياه الغزيرة. وبلغ معدل سقوط الأمطار السنوى عند هذا الارتفاع ما بين 1000 و 1500 مم، وكانت معظم الأمطار تسقط فى الفترة من نوفمبر إلى مارس، وأثناء فصل الصيف، تحتفظ التربة بالمياه التى تمتصها فى فصل

ص: 8778

الشتاء فى صورة ثلوج. وتروى سلسلة الجبال اللبنانية عند ارتفاع تندر فيه المياه، لأنها تمنع تيارات الهواء الرطب القادمة من الغرب، وتكون حاجزا بين البحر والسهل. وخلف الواجهة الشرقية الشديدة الانحدار، يصبح منخفض سهل البقاع الداخلى اكثر جفافا؛ فالتغيرات المناخية واضحة تماما؛ وتحل محل منطقة البحر المتوسط الساحلية، السهول السورية الممتدة وراء الجبال الشرقية. وكان وادى البقاع من مناطق زراعة القمح، وقد قدم إليه مواطنو الجبل من أجل البحث عن احتياجاتهم من الحبوب.

وعندما انتهت المخاطر التى فرضها الفرنجة والمغول، كان الغزو العثمانى لسوريا فى عام 1516 م لحظة فاصلة لهذا الإقليم الجبلى فلم يعد منطقة متنازع عليها؛ حيث أصبح مركزا للانطلاق، نظرا لأنه، كان واقعا فى نقطة تلاقى اتصالات الطرق الملاحية والبرية الواسعة فى الدولة العثمانية الشاسعة. واستطاع سكانه أن يطوروا أنشطتهم، ويؤكدوا أصالتهم. وشجع النظام العثمانى على توسيع الشبكة الاقليمية لنقل التجارة للمسافات البعيدة؛ وعلى ذلك أصبح فى مقدور سكان الجبل الحصول على فائدة متميزة من مصاطبهم المزروعة، التى تنتج العنب والزيت وخصوصا الحرير فى المناطق الوسطى، والقطن والتبغ فى الجنوب. وكانت أسواقهم فى البداية، مراكز محلية للصناعة والاستهلاك، وكانت دمشق وحلب من عملائها الرئيسيين. وانتشرت تجارة ضخمة فى أطراف هذه المناطق الداخلية وعلى كل الطرق الداخلية والموانئ الساحلية بطرابلس وبيروت وصيدا، وجعلتهم حلقة اتصال بطرق مرور الملاحة الساحلية، التى تذرع جيئة وذهابا بين فلسطين والأناضول ومع مصر، والمغرب وموانئ أوروبا المسيحية، مرسيليا على وجه الخصوص، التى اتصل تجارها وعملاؤها وقناصلها، لممارسة أنشطتهم التجارية فى ظل نظام الامتيازات.

وكتدعيم لنفوذ السلطان الذى تأكد من خلال سيطرته على المدن والسهول،

ص: 8779

وضع المجتمع السنى جذوره الأولى، من خلال الإشعاع الدينى، والعدل، والسلطة. وفى المنطقة المدروسة هنا، كان يقيم السنيون أساسا فى الموانئ، والسهول الساحلية ووادى البقاع، وأقام أصحاب المقام الرفيع فى صيدا مع نظرائهم المقيمين بدمشق مبادلات كثيرة فى صورة بضائع، وزيجات وأخوة روحية، بينما كان للمغاربة سجل من الأنساب مع العائلات البيروتية. وشاركت الجماعات المسيحية فى تطوير لبنان العثمانى وبين جبل لبنان فى الشمال وجبل الشوف فى الجنوب، حولت حركة السكان المارونيين نحو جنوب الجبل، هذه المنطقة إلى بؤرة دينية بشكل فعال، وجعلت منها منطقة زراعية منفتحة للتجارة، وأنشأت مقاطعات حكمتها عائلات الشيوخ المارونيين واهتم المسيحيون اللبنانيون باللغة العربية وأصبحت أديرة الرهبان مراكز للتعمق فى علوم العربية تماما كما هى مراكز لدراسة الطقوس الدينية.

وارتقى بعض أعيان العرق المارونى القديم، فى درجات التسلسل الهرمى الأكليركى، بينما اكتسب البعض الآخر لقب القنصل الفخرى فى تعاملاتهم مع ممثلى فرنسا، لكنهم استمدوا احتفاظهم بقوتهم من خلال دورهم الفعال فى النظام العثمانى وبعد غزو العثمانيين لسوريا فى عام 1516 م، أبقوا على التقسيمات الإدارية لمنطقة الجبل، متبعين فى ذلك نهج أسلافهم المماليك على أساس التوزيع العرقى حيث خضع الشمال لولاية طرابلس وخضع الوسط والجنوب لدمشق حيث كانت تهيمن على المنطقة حكومة الدروز. وفى عام 1660 م، وعلى أثر الحملات العسكرية التى قام بها الباب العالى، من أجل قمع حركات تمرد الأمراء الدروز من عائلة معن. قاموا بإنشاء بشلق جديد وأقام حاكمه عند صيدا للسيطرة على الدروز والمارونيين. وكان يضم البشلق الذى انفصل عن دمشق، الجزء الأوسط والجنوبى من سلسلة الجبال اللبنانية وشمالى فلسطين؛ ومع ذلك

ص: 8780

فقد احتفظ الباشا فى دمشق بالسيادة على طرابلس وصيدا. ولم تبد الأخيرة أية محاولة فى ممارسة السلطة المباشرة على نطاق الجبل، الذى كان من الصعب الوصول إليه، وكانت تقيم فيه جماعات منظمة تنظيما جيدا وعلى غرار الممارسة المعتادة للحكم العثمانى، اعتمد الباشا على الزعماء المحليين فى جباية الضرائب وفرض الأتاوة، وهى من أكثر المظاهر الدالة على قوة السلطان.

كانت الضريبة الأساسية، الميرى مرتبطة بأهمية الانتاج الزراعى؛ وعلى ذلك كانت تحصل عند جمع المحصول. وكانت الأراضى تؤجر، وكان المستأجر يقدم إيجارا سنويا، وكان الأمير (أو أحيانا اثنان أو ثلاثة أمراء فى آن واحد) يتعهد بهذا الدور الذى ارتبط بعائلة معن منذ زمن الغزو العثمانى وحتى الربع الأخير من القرن السابع عشر، ثم انتقل بعد ذلك لعائلة شهاب. وكان منح هذه السلطة يؤدى بالتالى إلى تفوق إحدى العائلات على الأخرى، وإلى تفوق أحد الأمراء على أقرانه؛ وكان توريد الأمير لما التزم بجمعه للباب العالى هو طريقه للاحتفاظ بمنصبه وتبعا للمبالغ الكلية التى يحددها الباب العالى والتى يطلبها الباشا، فقد كان لزاما عليه كل سنة أن يقسم المبالغ التى جباها بين المقاطعجية المسئولين عن جمع الضريبة من المقاطعة الخاضعة له. كان الأمير الكبير، يلقب أيضا بالحارم، لتأكيد سلطته على حرم جبل الشوف وكسروان. وعلى غرار العائلة الحاكمة، كان أفراد العائلات الكبيرة التى مارست السلطة على العائلات الأخرى، من ملاك الأراضى المهمين، الذين تعهدوا بمسئولية جمع الايجارات فى المقاطعة، وبذلك كانوا يضمنون سيطرتهم الاجتماعية والاقطاعية، بينما كان المقاطعجية يرهقون أنفسهم بالمنافسات الداخلية، فى محاولة فرضهم واحتفاظهم بسيطرتهم، والتى كان من أحد نتائجها المباشرة، تقسيم المجتمع إلى مجموعات متجاورة ومجموعات معارضة، والتى ساعد على إحياء مكائدها وطموحاتها، ممثلو السلطان ونتيجة لذلك، ففى عام 1711 م، بالقرب

ص: 8781

من قرية عين دارا، حطم جماعة الكيسى التابعين للأمير حيدر شهاب جماعة اليمنى؛ ومن أجل تأكيد تفوق الشهابيين، بدأ الأمير حيدر، فى ذلك الوقت فى إجراء تقسيم جديد للمقاطعات بين العائلات القوية، مقويا بعضهم ومضعفا البعض الآخر. وكان الباب العالى قادرا دائما على طرد الأمراء.

والكتب المدرسية اللبنانية تتحدث عن تاريخ شخصيتين على قدر كبير من الأهمية وهما الأمير فخر الدين المعن الثانى، والأمير بشير شهاب الثانى، اللذين كانت لهما رؤية موحدة نحو استقلال بلادهم، تسمو على الانقسامات والمصالح الأقليمية فكلاهما -أولهما فى بداية القرن السابع عشر، وثانيها فى بداية القرن التاسع عشر- قد مارسا سلطة واسعة، ففى حين استغلا ضعف وتنافس الحكام الأتراك، فقد بحثا أيضا عن دعم من الدول الواقعة فى حوض البحر المتوسط، واستعانا بالقوى الجديدة فى أوروبا. ولكن فى كل مرة، كان الباب العالى ينجح فى إجهاض طموحاتهما. فعندما أقدم فخر الدين وابنه على خطوات لتوسيع إمارته، واستعادة استقلالها الذاتى، قاومه العثمانيون بنفس الإصرار الذى أظهروه للشيعة عند رفضهم الدخول فى امبراطوريتهم، وفى محاربة الصفويين الفرس فى جبهتهم الشرقية واضطر فخر الدين للجوء إلى بلاط دوق توسكاتيا فى عام 1612 م، ثم عاد فى عام 1618 م، لكنه أسر فى النهاية وأرسل إلى استانبول حيث حكم عليه بالاعدام فى عام 1635 م. وفى ظروف تاريخية أخرى، مات الأمير بشير الثانى شهاب أيضا فى استانبول فى عام 1850 م، بسبب كبر سنه، بعد أن أجبر على التنازل عن سلطته عام 1840 م، عندما قامت الحكومة العثمانية باتباع برنامج للاصلاح السياسى، ودفعت بالقوات المصرية من سوريا، ورفضت تجديد تعيينه.

ما الموقف الذى اكتشفه الباب العالى، عندما أعاد تنظيم سلطته بمساعدة التجريدة العسكرية

ص: 8782

البريطانية، وأعاد تشكيلها من خلال سياسة التنظيمات؟ منذ بداية الحكم العثمانى، انتقل المركز النشط لسوريا، من الشرق إلى الغرب، ثم انفتح اللبنانيون على أوربا البحر المتوسط، ونجح النمو الديموجرافى الذى ساعد المارونيين على الانتشار من الشمال إلى جنوب الجبل فى تحقيق هذا التوجه وقد استفادوا منه ومع ذلك، فإن الإطار الدينى والبشرى، وزراعة الأشجار، وإنتاج الأخشاب بكميات ضخمة، قد تطور بدرجة كبيرة على حساب إنتاج الحبوب، وفى بداية القرن التاسع عشر، كانت الحبوب التى يزرعها سكان الجبل فى أراضيهم لا تكفيهم لبضعة أشهر فى السنة، وكان عليهم شراء الباقى وعلى ذلك اضطروا إلى الاعتماد على الحكام الأتراك الذين كانوا يسيطرون على السهول الخصبة، وبالرغم من أن الأمراء حاولوا معالجة هذه المشكلة، من خلال توسيع نفوذهم على البقاع، إلا أن جهودهم ذهبت سدى ومن ناحية أخرى، حولت المبادلات التجارية منطقة الجبل إلى منطقة للتدوال النقدى، وقد أثر تطورها الاقتصادى بدرجة إيجابية على نمو سكانها، ولكن فى نهاية القرن الثامن عشر وخلال الأربعة عقود الأولى من القرن التاسع عشر.

وفرض الباب العالى نظاما إداريا جديدا، من خلال قوانين، عامى 1842 و 1845 م، حيث منح شروطا تفضيلية للسكان المسيحيين، بينما احتفظ بتقسيم الجبل، وعهد بالجزء الشمالى لقائمقام مسيحى والجزء الجنوبى لقائمقام درزى ووضع كلا الموظفين تحت سلطة الحاكم التركى، الذى كان يقيم فى ذلك الوقت فى بيروت، وكان يساعده فى مهمته مستشار. وكان التجديد الذى فرضته التغيرات فى أوربا، واضحا وراء هذه التعديلات، ووراء الصور الجديدة من تدخل ممثلى القوى الأوربية فى لبنان، خصوصا وراء أنشطة قناصل فرنسا وبريطانيا، الذين تمركزوا فى بيروت وكانت المراكب البخارية تزور هذا الميناء بانتظام بعد عام 1835 م، بالرغم من أن المدن الرئيسية فى الداخل واجهت أزمات فى أنشطتها، إلا أنها كانت المستفيدة الرئيسية من التوسع فى

ص: 8783

التجارة، خصوصا بعد عام 1850 م، عندما نهجت شئونها التجارية نمط اتجاهات الاقتصاد الغربى، كما أن التغييرات فى قوانين الملكية التى أدخلت فى الإمبراطورية العثمانية، حفزت على تطوير المشروعات التجارية والمالية. وقد تزايد سكانها وتنوعوا، خصوصا عناصرها المسيحية وقام الفرنسيون فى منطقة الجبل، بمبادرات صناعية، وأنشأوا نظما جديدة لغزل الحرير؛ وامتنعوا عن تسليم الشرانق من أجل مصلحة مؤسساتهم، وبذلك كسروا الحلقات بين صغار الملاك والعائلات الكبيرة، وساهموا بالتالى إلى حد كبير فى تدهورها. فى حين ساعدت هذه التغييرات الاقتصادية على انعاش السكان الذين قاموا بدور الوساطة، وكان من بينهم الكثير من المسلمين، إلا أن هذه السياسة الاقتصادية جاءت بتأثير سيئ على الجماعات المتضررة، وأدت إلى تفاقم التوترات الاجتماعية والدينية. وفى عام 1859 م، كان هناك تمرد متعلق بالأرض الزراعية، وشهد صراع الفلاحين مع الشيوخ فى كسروان المارونية. وعلى الرغم من ذلك، فقد استفاد المسيحيون جميعا من هذه التحولات، بينما حرم المسلمون والدروز جميعهم من أن يلعبوا أية أدوار؛ وعندما طالبوا "بالتساوى" الذى وعدت به الاصلاحات، أدى ذلك إلى تقوية وضع المسيحيين بتأييد من فرنسا وكنيسة روما، واستفادوا من التوسع الأوربى، الذى كان منافسا ومسيطرا على الاقتصاد التقليدى للشرق الأدنى وكان المسلمون يعتبرون كل هذه الأنشطة من جانب المسيحيين، جرائم ارتكبها أناس لم يتوقفوا أبدا عن الاستخفاف بهم، مخالفين بذلك تفوقهم فى الماضى ووجودهم الحالى. وقد وقعت حادثة فى مايو 1860 م، فجرت الصراع بين الدروز والمسيحيين، وتبعتها اضطرابات فى "المناطق المختلطة" وفى دمشق ولتحجيم تدخل القوى الأوربية، أعاد الأتراك النظام بطريقة غاية فى الوحشية؛ وبرغم ذلك، فلم يمنع هذا من وصول قوة عسكرية فرنسية.

كانت نتائج هذه الأحداث، ووجود القوات الفرنسية حتى يونيو 1861.

ص: 8784

والمفاوضات التى عقدت بين الباب العالى وفرنسا وبريطانيا العظمى والنمسا وبروسيا وروسيا، من أجل خلق إقليم جبل لبنان أن فرضت الوحدة الإدارية بالقانون وأقرت المعاهدة التى وقعت فى بيرة فى التاسع من يونيو عام 1861 م، بأن لبنان سوف يحكمه حاكم مسيحى، يعينه الباب العالى ويكون مسئولا مباشرة عنها وأكد الباب العالى على شرط أن الحاكم المسيحى، يجب أن يختار من بين غير اللبنانيين التابعين للسلطان وكان يتم حفظ النظام بواسطة قوة شرطته الخاصة، وكان المسيحيون هم المستفيدون من نظام أميرى خاص؛ ولم تنضم بيروت ولا طرابلس، ولا صيدا لهذا الإقليم، فى حين تطورت روابطه مع بيروت بشكل مستمر بسبب غناها المتبادل فى الأوضاع الاقتصادية والبشرية وبالرغم من وضع جبل لبنان المستقل ذاتيا نسبيا، فقد كان مضمونا من خلال توقيع خمس دول أوربية وكان الانفتاح الاقتصادى الذى أدخله الغرب بارزا، من خلال تطور إنتاج الحرير الخام تحت إدارة مدينة ليون، الفرنسية وكانت فرنسا تساهم مع الشركات التى تكونت من أجل إنشاء طريق للنقل من بيروت إلى دمشق (1863 م)، والذى أصبح فيما بعد خط سكة حديد (1895 م)، وتوسيع ميناء بيروت، والتحسين المعمارى لهذه المدينة، وتأسيس البنوك وبيوت التجارة وأدت الزيادة السكانية والضغط الاجتماعى، إلى موجات من الهجرة إلى مصر والأمريكتين وعبرت النهضة الأدبية العربية عن نفسها فى هذه الظروف؛ فبجانب التعليم الذى قدمته الكلية البروتستنتية السورية، كانت هناك جامعة يسوع (1881 م)، والأنشطة الأدبية. وقاد العديد من الكتاب الآخرين، والصحفيون والعلماء حركات فكرية تهدف إلى بلورة الوعى وتأكيد الهوية اللبنانية.

قدمت الحرب وهزيمة العثمانيين فى عام 1918 م، دافعا للتطور اللبنانى. وحضر ثلاثة من المفاوضين اللبنانيين، أحدهم من قبل البطريرك المارونى، مؤتمر السلام، وطالبوا من خلاله بالحفاظ على أراضيهم وتوسيعها وأدى

ص: 8785

تدخل الجيش الفرنسى فى عام 1920 م، ضد الحكومة العربية بقيادة الأمير فيصل، إلى إنشاء دولة لبنان الكبرى، والتى وضعت تحت الانتداب الفرنسى وتأسست هذه الدولة من نواة مسيحية أساسها المارونيين، على الرغم من أن كل المناطق الأخرى ذات الثقافة العربية، كان أغلب سكانها من المسلمين فى حين أن الإقليم السابق لجبل لبنان قد اتسع بالإضافة إلى بيروت وصيدا وطرابلس وعاكار والبقاع ووادى التيم وجبل عميل، حيث وجد المسلمون الشيعة والسنة بأعداد كبيرة. ونشأ من هذا الوضع موقفان أساسيان: من ناحية، لم يكن لدى المسيحيين استعداد لقبول دخلاء فى جمهورية اعتبروا أنفسهم منشئوها؛ ومن ناحية أخرى فكر المسلمون فيما يصير إليه وضعهم فى كيان سياسى لا يتوافق مع طموحاتهم. ولعبت عوامل عديدة دورها فى هذا السياق، على وجه الخصوص: طبيعة المجموعات والعلاقات داخل إطار الجماعة أو الأحزاب السياسية؛ حيث كان المسلمون يتزايدون بشكل أكبر، لذا فقد أحسوا أن حقوقهم مهضومة فحدث تمرد عام 1925 م. ومع ذلك، فقد ابتكرت تسوية، كان أحد مدبريها الأساسيين، رياض الصلح؛ ففى 1936 م، تم الاتفاق بعد المفاوضات الفرنسية السورية اللبنانية على أن لبنان ستستمر فى وجودها داخل حدودها الحالية، وسوف تحتفظ بتمثيل الجماعات، الذى أقره دستورها النيابى.

وفى مارس 1945 م، أصبحت لبنان من بين الدول المؤسسة للجامعة العربية.

وفى ظل كل رؤساء الجمهوريات الذين تعاقبوا الواحد تلو الآخر، منذ الاستقلال، كانت كل أزمة خطيرة، تجدد من انقسام الجماعات، فى حين أنها كشفت أيضا، عن نمو الوعى اللبنانى بين غالبية السكان، الذين أصبحوا متكيفين فى المعيشة فى إطار الدولة اللبنانية. وفى فبراير 1958 م، رحب العديد من المسلمين بحماس بالغ بأخبار تأسيس الجمهورية العربية المتحدة؛ ولكن أثناء الاضطراب الدموى المدنى، الذى ساد البلاد فى الفترة من مايو إلى سبتمبر من نفس العام، والذى

ص: 8786

ساعدت عليه البيئة العربية والدولية، ونزول القوات الأمريكية فى السابع عشر من يوليو، تطبيقا لمبدأ ايزنهاور، فإن برنامج الإصلاحات السياسية الذى أعد تحت رئاسة الجنرال فؤاد شهاب، كان يصاحبه حركة لبنانية إسلامية متفتحة. وفى نفس الوقت، راقت لكمال جنبلاط كدزى ارستقراطى فى منطقة الشوف، له دوره كقائد لحركة اجتماعية، فكرة وطنية لبنانية أساسية فى ظل جهوده لوضع البلاد فى قلب التضامن العربى. وأدى اختلال التركيب الديموجرافى المعروف إلى مزيد من الاضطراب، خاصة فى مجتمع يتكون من جماعات دينية، فقد زاد عدد الشيعة وأحسّوا بالتضرر، بالإضافة إلى الهجرة الداخلية من شرق وجنوب لبنان إلى بيروت للبحث عن عمل. وقد انعكس هذا على تصرفات الأحزاب السياسية اليسارية، التى بحثت أيضا بطريقة مشابهة، فى تصريف استياء فلاحى الشمال، الذين كانوا يوجهون ثورتهم منذ عام 1970 م، ضد ملاك الأراضى الكبار، وأبدوا تشككهم فى سلطة الدولة. واكتسبوا أيضًا من خلال وضعهم القتالى الجديد، "مظهر المسلم" الأقوى.

حدث هذا التطور فى فترة من النمو الاقتصادى، الذى لم يكن يحظى الجميع على قدم المساواة بفوائده. فمنذ عام 1967 م، اتبع المنحنى الصاعد للاقتصاد اللبنانى، منحنى الثراء المتزايد للشرق الأدنى بصفة عامة؛ فقد تم استثمار أصول أموال البترول الدولارية "العربية"، التى كانت ملكا للمسلمين، فى البنوك اللبنانية، التى يملكها مسيحيون وفى نفس الوقت، لم تعتمد لبنان على الثروات التى تحصل عليها من "الخدمات" فقط، لكنها اعتمدت أيضا على الثروات التى تحصل عليها من الصناعة، التى شهدت نشاطا كبيرا فى ضواحى بيروت وطرابلس، حيث صدرت 80 % من إنتاجها إلى الأسواق العربية بينما أخذ الفنيون اللبنانيون ورجال الأعمال، الذين يضمون مسيحيين على درجة عالية من التنظيم، فرصتهم فى العمل فى الدول العربية النامية، فإن العمالة المتعاقدة فى صناعة الإنشاءات فى بيروت كانت من

ص: 8787