الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَيَتَبَادَرُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ (وَلَمَّا كَانَ) وَضْعُ اللَّفْظِ لِنَفْسِهِ (غَيْرَ قَصْدِيٍّ) أَيْ غَيْرَ مَقْصُودِ بِالذَّاتِ (لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ) أَيْ وَضْعَ اللَّفْظِ لِنَفْسِهِ (لَيْسَ إلَّا تَجْوِيزُ اسْتِعْمَالِهِ لِيَحْكُمَ عَلَيْهِ نَفْسُهُ) بِمَا يُسَوِّغُ الْحُكْمَ بِهِ عَلَيْهِ حَتَّى كَأَنَّ هَذَا الْوَضْعَ فِي الْمَعْنَى هُوَ قَوْلُ الْوَاضِعِ جَوَّزْت أَنْ تَذْكُرَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لِيُحْكَمَ عَلَى ذَوَاتِهَا بِمَا يَصِحُّ عَلَيْهَا مُهْمَلَةً كَانَتْ أَوْ مُسْتَعْمَلَةً فَوَضْعُهَا لِنَفْسِهَا هُوَ هَذَا التَّجْوِيزُ فَقَطْ بِخِلَافِ وَضْعِهَا لِغَيْرِهَا فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ إفَادَةُ الْأَحْكَامِ الْكَائِنَةِ لَهَا فِي مَوَاقِعِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا.
(لَمْ يُوضَعْ) لِلَّفْظِ كَائِنًا مَا كَانَ (الْأَلْقَابُ الِاصْطِلَاحِيَّةُ) أَيْ الْمَنْسُوبَةُ إلَى اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ (بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ هَذَا الْوَضْعِ لِانْتِفَاءِ مُقْتَضَيَاتِهَا الِاصْطِلَاحِيَّةِ حِينَئِذٍ (فَلَمْ يَكُنْ كُلُّ مَوْضُوعٍ لِلْمُغَايِرِ مُشْتَرَكًا) مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ وَضْعَيْنِ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ (وَلَمْ يُسَمَّ بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ هَذَا الْوَضْعِ (عَلَمًا وَلَا اسْمَ جِنْسٍ وَلَا دَالًّا بِالْمُطَابَقَةِ) وَلَا بِالتَّضَمُّنِ وَلَا بِالِالْتِزَامِ لَكِنْ يَطْرُقُ عُمُومَ هَذَا الْمَنْعِ الْمَنْعُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَوْضُوعِ لِغَيْرِهِ إذَا اُسْتُعْمِلَ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِمَجَازِيَّتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ الْعَلَمَ كَمَا سَتَسْمَعُهُ عَلَى الْأَثَرِ مِنْ هَذَا.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا تَصَدَّى الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ لِتَحْقِيقِ مَعَانِي الْأَفْعَالِ عَلَى وَجْهٍ أَفَادَ التَّصْرِيحَ بِانْقِسَامِ الْوَضْعِ إلَى لِغَيْرِهِ وَلِنَفْسِهِ ثُمَّ تَعَقَّبَهُ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْكَشَّافِ أَيْضًا بِأَنَّ دَلَالَةَ الْأَلْفَاظِ عَلَى أَنْفُسِهَا لَيْسَتْ مُسْتَنِدَةً إلَى وَضْعٍ أَصْلًا لِوُجُودِهَا فِي الْأَلْفَاظِ الْمُهْمَلَةِ بِلَا تَفَاوُتٍ وَجَعْلُهَا مَحْكُومًا عَلَيْهَا لَا يَقْتَضِي كَوْنَهَا أَسْمَاءً؛ لِأَنَّ الْكَلِمَاتِ بِأَسْرِهَا مُتَسَاوِيَةُ الْأَقْدَامِ فِي جَوَازِ الْإِخْبَارِ عَنْ لَفْظِهَا بَلْ هُوَ جَارٍ فِي الْمُهْمَلَاتِ كَقَوْلِك جَسَقٌ مُرَكَّبٌ مِنْ حُرُوفٍ ثَلَاثَةٍ وَدَعْوِي كَوْنِهَا مَوْضُوعَةَ بِإِزَاءِ نَفْسِهَا وَضْعًا قَصْدِيًّا أَوْ غَيْرَ قَصْدِيٍّ مُكَابَرَةٌ فِي قَوَاعِدِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ إثْبَاتَ وَضْعٍ غَيْرَ قَصْدِيٍّ لَا يُسَاعِدُهُ نَقْلٌ وَلَا عَقْلٌ، وَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ مِنْ أَنَّ ضَرَبَ وَمِنْ أَخَوَاتِهِمَا أَسْمَاءٌ لِأَلْفَاظِهَا الدَّالَّةِ عَلَى مَعَانِيهَا، وَأَعْلَامٌ لَهَا فَكَلَامٌ تَقْرِيبِيٌّ قَالُوا ذَلِكَ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْأَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ فِي تَحْصِيلِ الْمَرَامِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ إجْرَاءُ حُكْمٍ عَلَى لَفْظٍ مَخْصُوصٍ فَإِنْ تَلَفَّظَ بِهِ نَفْسُهُ لَمْ يَحْتَجْ هُنَاكَ إلَى وَضْعٍ وَلَا إلَى دَالٍّ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لِلِاسْتِغْنَاءِ بِتَلَفُّظِهِ وَحُضُورِهِ بِذَلِكَ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ عَمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَيَحْضُرهُ فِيهِ فَالْأَلْفَاظُ كُلُّهَا مُتَشَارِكَةٌ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ عَلَيْهَا عِنْدَ التَّلَفُّظِ بِهَا أَنْفُسِهَا، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ لَفْظًا أَوْ كَانَ وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ فَيَنْصِبُ هُنَاكَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لِيَتَوَجَّهَ الْحُكْمُ إلَيْهِ اهـ.
وَكَانَ كَشْفُ الْغِطَاءِ عَنْ الْمُرَادِ بِوَضْعِهِ لِنَفْسِهِ كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ، وَأَوْضَحْنَاهُ رَافِعًا لِلْخِلَافِ فِي الْمَعْنَى أَشَارَ أَوَّلًا إلَى التَّعَقُّبِ الْمَذْكُورِ مَعَ زِيَادَةٍ فِي تَوْجِيهِهِ ثُمَّ ثَانِيًا إلَى الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهِ فَقَالَ:(وَالِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهُ) أَيْ وَضْعَ اللَّفْظِ لِنَفْسِهِ (مُكَابَرَةٌ لِلْعَقْلِ بَلْ وَلَا وَضْعَ) لِلَّفْظِ لِنَفْسِهِ (لِاسْتِدْعَائِهِ) أَيْ الْوَضْعِ (التَّعَدُّدَ) ضَرُورَةَ اسْتِلْزَامِهِ مَوْضُوعًا، وَمَوْضُوعًا لَهُ وَلَا تَعَدُّدَ عَلَى تَقْدِيرِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِنَفْسِهِ بَلْ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ نَفْسُهُ مَدْلُولَهُ وَالدَّالَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْمَدْلُولِ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الْوَضْعَ (لِلْحَاجَةِ) إلَى إفَادَةِ الْمَعَانِي الْقَائِمَةِ بِالنَّفْسِ وَغَيْرِهَا (وَهِيَ) أَيْ الْحَاجَةُ الْمَذْكُورَةُ إنَّمَا تَحْصُلُ (فِي الْمُغَايِرِ) أَيْ اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لِغَيْرِهِ لَا لِنَفْسِهِ (مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ) أَيْ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ الْوَضْعِ اصْطِلَاحًا كَمَا يُعْطِيهِ قُوَّةَ كَلَامٍ الْمُعْتَرِضِ (وَمَا قُلْنَا) مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِوَضْعِهِ لِنَفْسِهِ إنَّمَا هُوَ الْإِذْنُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ ذَاتِهِ (مُخْلَصٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ إذْ هَذَا الْمُرَادُ لَا يَنْفِيهِ عَقْلٌ وَلَا نَقْلٌ وَلَا الْمُعْتَرِضُ أَيْضًا كَمَا رَأَيْت. وَأُجِيبَ عَنْ اسْتِدْعَائِهِ التَّعَدُّدَ بِأَنَّ تَغَايُرَ الِاعْتِبَارِ كَافٍ فِي كَوْنِ الشَّيْءِ دَالًّا وَمَدْلُولًا، وَيُجَابُ عَنْ انْحِصَارِ الْحَاجَةِ فِي الْمُغَايَرَةِ بِالْمَنْعِ ثُمَّ قُصَارَى الْمُعْتَرِضِ أَنَّهُ يَمْنَعَ تَسْمِيَةَ هَذَا الْمُرَادِ بِالْوَضْعِ نَظَرًا إلَى مَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ، وَمِثْلُهُ مُشَاحَّةٌ لَفْظِيَّةٌ يَدْفَعُهَا أَنَّهُ لَا مُنَاقَشَةَ فِي مِثْلِهِ مِنْ الْأُمُورِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِسْمَةِ الْأُولَى لِلَّفْظِ.
[بَيَانِ الْأَقْسَامِ اللَّاحِقَةِ لِلَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ]
وَلْنَشْرَعْ مِنْ
هُنَا فِي بَيَانِ الْأَقْسَامِ اللَّاحِقَةِ لِلَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ مِنْ حَيْثِيَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَنَقُولُ (وَالْمُسْتَعْمَلُ) مِنْ حَيْثُ الْإِفْرَادُ وَالتَّرْكِيبُ (مُفْرَدٌ، وَمُرَكَّبٌ) لِمَا يُعْلَمُ مِنْ تَعْرِيفِهِمَا ثُمَّ تَعْرِيفِهِمَا لُغَةً هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ، وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْته رَأَيْت عَلَى اعْتِبَارِهِ تَقْدِيمَ الْمُفْرَدِ أَوْلَى فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (فَالْمُفْرَدُ مَا لَهُ دَلَالَةٌ) عَلَى مَعْنًى (لِاسْتِقْلَالِهِ بِوَضْعٍ) أَيْ لِاسْتِبْدَادِ مَا لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى مَعْنًى، وَهُوَ اللَّفْظُ بِوَضْعِهِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى (وَلَا جُزْءَ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا لَهُ هَذِهِ الدَّلَالَةُ كَائِنٌ (لَهُ) أَيْ لِلْجُزْءِ الْمَذْكُورِ دَلَالَةً (مِثْلَهَا) أَيْ الدَّلَالَةِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنْ يَدُلَّ بِالِاسْتِقْلَالِ عَلَى مَعْنًى لِوَضْعِ ذَلِكَ الْجُزْءِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى (وَالْمُرَكَّبُ مَاله ذَلِكَ وَلِجُزْئِهِ) أَيْ مَا لَهُ دَلَالَةٌ بِالِاسْتِقْلَالِ عَلَى مَعْنًى بِالْوَضْعِ لَهُ وَلِجُزْئِهِ أَيْضًا دَلَالَةٌ بِالِاسْتِقْلَالِ عَلَى مَعْنًى بِالْوَضْعِ لَهُ ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ فِي دَلَالَةِ الْجُزْءِ عَلَى الْمَعْنَى أَنْ تَكُونَ ثَابِتَةٌ لَهُ عَلَى الدَّوَامِ بَلْ يَكْفِي ثُبُوتُهَا لَهُ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ (وَلَمْ نَشْرُطْ كَوْنَهُ عَلَى جُزْءِ الْمُسَمَّى) أَيْ وَلَمْ نَشْرُطْ فِي الْمُفْرَدِ بَدَلًا وَلَا جُزْءًا مِنْهُ لَهُ مِثْلُهَا قَوْلُنَا وَلَا جُزْءًا مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى جُزْءِ الْمُسَمَّى وَلَا فِي الْمُرَكَّبِ بَدَلٌ وَلِجُزْئِهِ مِثْلُهَا قَوْلُنَا وَلِجُزْئِهِ دَلَالَةٌ وَضْعِيَّةٌ عَلَى جُزْءِ الْمُسَمَّى كَمَا شَرْطَهُ الْمَنْطِقِيُّونَ لِاخْتِلَافِ الِاصْطِلَاحَيْنِ (فَدَخَلَ نَحْوُ عَبْدِ اللَّهِ) حَالَ كَوْنِهِ (عَلَمًا فِي الْمُرَكَّبِ) لِكَوْنِهِ دَالًّا عَلَى مَعْنَاهُ الْعِلْمِيِّ بِوَضْعٍ مُسْتَقِلٍّ وَدَلَالَةُ كُلٍّ مِنْ جُزْأَيْهِ اللَّذَيْنِ هُمَا عَبْدُ وَالِاسْمُ الشَّرِيفُ عَلَى مَعْنًى بِوَضْعٍ مُسْتَقِلٍّ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الدَّلَالَةُ مُرَادَةً لَهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَكَمَا دَخَلَ فِي الْمُرَكَّبِ الْمُرَكَّبُ الْإِضَافِيُّ عَلَمًا دَخَلَ فِيهِ سَائِرُ الْمُرَكَّبَاتِ مِنْ الْمَزْجِيِّ وَالتَّوْصِيفِيِّ وَالْعَدَدِيِّ وَالْإِسْنَادِيِّ أَعْلَامًا وَلَعَلَّهُ إنَّمَا قَالَ نَحْوُ عَبْدِ اللَّهِ إشَارَةً إلَى هَذِهِ، وَقَالَ عَلَمًا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَمًا كَانَ مُرَكَّبًا اتِّفَاقًا.
(وَخَرَجَ) أَيْ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْمُرَكَّبِ (يَضْرِبُ، وَأَخَوَاتُهُ) بَلْ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْمُفْرَدِ قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: قَوْلُهُ وَأَخَوَاتُهُ يَشْمَلُ الْمَبْدُوءَ بِالْهَمْزَةِ وَالنُّونِ وَالْيَاءِ، وَالْمَذَاهِبُ فِيهِ ثَلَاثَةٌ الْمَذْكُورُ هُنَا، وَهُوَ الْحَقُّ أَنَّ الْكُلَّ مُفْرَدٌ، وَمُقَابِلُهُ كَوْنُ الْكُلِّ مُرَكَّبًا وَنُسِبَ إلَى الْحُكَمَاءِ. وَالتَّفْصِيلُ قَوْل ابْنِ سِينَا إنَّ الْمَبْدُوءَ بِالْيَاءِ مُفْرَدٌ وَغَيْرُهُ مُرَكَّبٌ وَجْهُ الْحُكَمَاءِ أَنَّهُ يَدُلُّ جُزْؤُهُ، وَهُوَ حَرْفُ الْمُضَارَعَةِ عَلَى مَوْضُوعٍ مُعَيَّنٍ فِي غَيْرِ ذِي الْيَاءِ وَغَيْرِ مُعَيَّنٍ فِي ذِي الْيَاءِ، وَجَوَابُهُ مَا سَنَذْكُرُ مِنْ مَنْعِ دَلَالَةِ الْجُزْءِ أَعْنِي حَرْفَ الْمُضَارَعَةِ بِانْفِرَادِهِ عَلَى شَيْءٍ بَلْ الْمَجْمُوعُ دَالٌّ عَلَى الْمَجْمُوعِ وَلَيْسَ لِحَرْفِ الْمُضَارَعَةِ وَضْعٌ عَلَى حِدَتِهِ وَلَا وَجْهَ لِلتَّفْصِيلِ اهـ. يَعْنِي مُوجِبًا لَهُ ثُمَّ إنَّمَا لَمْ يَدْخُلْ الْمُضَارِعُ مُطْلَقًا (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُضَارِعُ مَوْضُوعٌ (لِمُجَرَّدِ فِعْلِ الْحَالِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ) أَوْ لَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَقْوَالِ فِيهِ (لِمَوْضُوعٍ خَاصٍّ) يَعْنِي لِفِعْلِ الْمُتَكَلِّمِ وَحْدَهُ إنْ كَانَ بِالْهَمْزَةِ وَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ إنْ كَانَ بِالنُّونِ وَلِفِعْلِ الْمُخَاطَبِ إنْ كَانَ بِالتَّاءِ وَلِفِعْلِ الْغَائِبِ إنْ كَانَ بِالْيَاءِ وَضْعًا تَضَمُّنِيًّا فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا كَلِمَتَيْنِ بِوَضْعَيْنِ فَهِيَ مُفْرَدَاتٌ (بِخِلَافِ ضَرَبْت) بِتَثْلِيثِ التَّاءِ فَإِنَّهُ مُرَكَّبٌ لِدَلَالَتِهِ عَلَى إسْنَادِ الْفِعْلِ إلَى الْمُتَكَلِّمِ أَوْ الْمُخَاطَبِ أَوْ الْمُخَاطَبَةِ بِوَضْعٍ مُسْتَقِلٍّ وَدَلَالَةِ جُزْئِهِ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ عَلَى حَدَثٍ مُقْتَرِنٍ بِزَمَانٍ قَبْلَ زَمَانِ الْإِخْبَارِ بِوَضْعٍ مُسْتَقِلٍّ وَدَلَالَةِ جُزْئِهِ الَّذِي هُوَ التَّاءُ عَلَى مُتَكَلِّمٍ أَوْ مُخَاطَبٍ أَوْ مُخَاطَبَةٍ مُسْنَدٍ إلَيْهِ بِوَضْعٍ عَلَى حِدَةٍ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (لِاسْتِقْلَالِ تَائِهِ بِالْإِسْنَادِ) ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَقِلَّةً فِي اللَّفْظِ (بِخِلَافِ تَاءِ تَضْرِبُ) سَوَاءٌ كَانَتْ لِلْمُخَاطَبَةِ أَوْ لِلْغَائِبَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِدَالَّةٍ عَلَى مُسْنَدٍ إلَيْهِ بِوَضْعٍ عَلَى حِدَةٍ بَلْ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَعَانِي عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ فَيَكُونُ مُفْرَدًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِجُزْئِهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَعْنًى بِوَضْعٍ مُسْتَقِلٍّ وَسَيَأْتِي الرَّدُّ عَلَى جَعْلِهِ مُرَكَّبًا.
(وَقَيَّدَ الْمَنْطِقِيُّونَ) فِي كِلَا تَعْرِيفَيْ الْمُفْرَدِ وَالْمُرَكَّبِ (دَلَالَةَ الْجُزْءِ بِجُزْءِ الْمَعْنَى، وَقَصْدِهَا) فَالْمُفْرَدُ عِنْدَهُمْ مَا لَيْسَ لِلَفْظِهِ جُزْءٌ دَالٌّ عَلَى جُزْءٍ مَعْنَاهُ الْمَقْصُودُ وَالْمَشْهُورُ صِدْقُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مَا لَا جُزْءَ لِلَفْظِهِ كَهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَمَا لِلَفْظِهِ جُزْءٌ لَكِنْ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى مَعْنًى أَصْلًا كَزَيْدٍ، وَمَا لِلَفْظِهِ جُزْءٌ دَالٌّ عَلَى مَعْنًى لَكِنَّ الْمَعْنَى لَيْسَ جُزْءًا الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ مِنْ اللَّفْظِ حَالَ الْإِطْلَاقِ الْخَاصِّ لَهُ كَعَبْدِ اللَّهِ عَلَمًا فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عَبْدِ، وَإِنْ دَلَّ عَلَى الْعُبُودِيَّةِ، وَمِنْ الِاسْمِ الشَّرِيفِ، وَإِنْ دَلَّ عَلَى الْأُلُوهِيَّةِ لَيْسَ
جُزْءَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ مِنْ جُمْلَةِ اللَّفْظِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهُوَ الذَّاتُ الْمُشَخِّصَةُ، وَمَا لِلَفْظِهِ جُزْءٌ دَالٌّ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ إلَّا أَنَّ دَلَالَتَهُ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ كَالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ عَلَمًا عَلَى شَخْصٍ إنْسَانِيٍّ فَإِنَّ مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ الْمَاهِيَّةُ الْإِنْسَانِيَّةُ مَعَ التَّشَخُّصِ، وَالْمَاهِيَّةُ الْإِنْسَانِيَّةُ مَجْمُوعٌ مَفْهُومَيْ الْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ فَالْحَيَوَانُ مَثَلًا دَالٌّ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى مَفْهُومِهِ، وَمَفْهُومُهُ جُزْءُ الْمَاهِيَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَهِيَ جُزْءُ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الشَّخْصُ الْإِنْسَانِيُّ فَيَكُونُ مَفْهُومُهُ أَيْضًا الشَّخْصُ الْإِنْسَانِيُّ؛ لِأَنَّ جُزْءَ الْجُزْءِ جُزْءٌ لَكِنَّ دَلَالَةَ الْحَيَوَانِ عَلَى مَفْهُومِهِ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً حَالَ الْعَلَمِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ اللَّفْظِ عَلَمًا الْمَعْنَى الْعِلْمِيُّ، وَإِنَّمَا خَصَّ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ بِالذِّكْرِ حَيْثُ قَالَ (فَعَبْدُ اللَّهِ مُفْرَدٌ، وَالْحَيَوَانُ النَّاطِقُ لِإِنْسَانِ) أَيْ اسْمًا لِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ مُفْرَدٌ أَيْضًا حَالَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَمًا كَمَا ذَكَرْنَا وَصَرَّحَ بِهِ سَالِفًا فِي عَبْدِ اللَّهِ فَيُعْلَمُ بِهِ تَقْيِيدُهُمَا بِهِ أَيْضًا هُنَا، وَإِلَّا كَانَا مُرَكَّبَيْنِ عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ مِمَّا عَسَى أَنْ يُتَوَهَّمَ كَوْنُهُمَا مُرَكَّبَيْنِ، وَفِيهِمَا أَيْضًا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ اخْتِلَافِ الِاصْطِلَاحَيْنِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِينَ.
وَالْمُرَكَّبُ عِنْدَهُمْ مَا دَلَّ جُزْؤُهُ عَلَى جُزْءِ مَعْنَاهُ الْمَقْصُودِ وَصِدْقُهُ عَلَى مَا عَدَا مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْمُفْرَدُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَإِلْزَامُهُمْ) أَيْ الْمَنْطِقِيِّينَ (بِتَرْكِيبِ نَحْوِ مُخْرِجٍ) وَضَارِبٍ وَسَكْرَانَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبُ (غَيْرُ لَازِمٍ) لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِهَذَا الْإِلْزَامِ إمَّا ظَنُّ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى وَكُلًّا مِنْ جَوْهَرِهَا، وَمِنْ الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ وَتَقْدِيمِ بَعْضِ الْحُرُوفِ عَلَى بَعْضٍ يَدُلُّ عَلَى جُزْءِ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَوْ كُلًّا مِنْ الْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ مِنْهَا، وَمِنْ الْحُرُوفِ الزَّوَائِدِ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى جُزْءِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَإِنْ كَانَ الْمُقْتَضِي لِهَذَا هُوَ الْأَوَّلَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَعَلَى اعْتِبَارِ الْجُزْءِ الْهَيْئَةَ) أَيْ فَأَمَّا عَدَمُ لُزُومِ هَذَا الْإِلْزَامِ لَهُمْ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارَ الْمُلْزِمِ الْجُزْءَ الْمَنْسُوبَ إلَيْهِ الدَّلَالَةُ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى (لِتَصْرِيحِهِمْ بِالْمَسْمُوعِ بِالِاسْتِقْلَالِ) أَيْ لِذِكْرِهِمْ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْأَجْزَاءِ الْأَلْفَاظُ الْمُرَتَّبَةُ فِي السَّمْعِ الْمُسْتَقِلَّةُ بِذَلِكَ أَيْ الَّتِي بِحَيْثُ يُسْمَعُ بَعْضُهَا قَبْلُ وَبَعْضُهَا بَعْدُ، وَإِنْ نُوقِشُوا فِي هَذِهِ الْإِدَارَةِ مِنْ الْحَدِّ (وَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِي تَرْكِيبِ اللَّفْظِ) أَيْ فِي تَرْكِيبِ لَفْظٍ مَعَ لَفْظٍ (ظَاهِرٌ) ؛ لِأَنَّ الْهَيْئَةَ مَعَ الْمَادَّةِ لَيْسَتْ بِأَلْفَاظٍ مُرَتَّبَةٍ فِي السَّمْعِ مُسْتَقِلَّةٍ بِذَلِكَ، وَلَا يُتَصَوَّرُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَادَّةِ بَلْ هُمَا مَسْمُوعَانِ مَعًا، وَهِيَ صِفَةٌ عَارِضَةٌ لِلَّفْظِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَضِي لَهُ الثَّانِيَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَعَلَى اعْتِبَارِهِ) أَيْ، وَأَمَّا عَدَمُ لُزُومِ هَذَا الْإِلْزَامِ لَهُمْ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الْمُلْزِمِ الْجُزْءَ الْمَنْسُوبَ إلَيْهِ الدَّلَالَةُ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى (الْمِيمُ) فِي مُخْرِجٍ (وَنَحْوِهِ) أَيْ وَنَحْوِ الْمِيمِ كَالْأَلِفِ فِي ضَارِبٍ (فَلِمَنْعِ دَلَالَتِهِ) أَيْ الْجُزْءِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ (بَلْ) الدَّالُّ عَلَى مَجْمُوعِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ هُوَ (الْمَجْمُوعُ) مِنْ الْحُرُوفِ الْأُصُولِ وَالزَّوَائِدِ مِنْ غَيْرِ وَضْعِ الْجُزْءِ بِإِزَاءِ الْجُزْءِ إلَّا أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَلْزَمُهُمْ الْقَوْلُ بِتَرْكِيبٍ مُخْرِجٍ وَنَحْوِهِ إذَا كَانَ الْمُوجِبُ لِقَوْلِهِمْ بِتَرْكِيبِ أَضْرِبُ وَنَحْوِهِ مَا فِيهِ مِنْ الزَّوَائِدِ مَعَ بَاقِي الْحُرُوفِ كَمَا هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لَهُمْ فِي تَرْكِيبِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ؛ لِأَنَّ الْمِيمَ فِي مُخْرِجٍ وَالْأَلِفَ فِي ضَارِبٍ مِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمَعْنَى الزَّائِدِ عَلَى الْمَصْدَرِ لَيْسَا بِأَقَلَّ مِنْ كُلٍّ مِنْ حُرُوفِ الْمُضَارَعَةِ فِي دَلَالَتِهَا عَلَى مَعَانٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ وَغَيْرِهِ عِنْدَهُمْ، وَقَدْ قَالُوا بِتَرْكِيبِ أَمْثِلَةِ الْمُضَارِعِ فَكَذَا هَذِهِ إذْ لَا فَارِقَ مُؤَثِّرَ بَيْنَ الْقَبِيلَيْنِ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ.
كَمَا يُمْكِنُ أَنْ يُقْلَبُ هَذَا بِأَنْ يُقَالَ يَلْزَمُهُمْ الْقَوْلُ بِإِفْرَادِ أَمْثِلَةِ الْمُضَارِعِ حَيْثُ قَالُوا إنَّ مُخْرِجًا وَضَارِبًا وَنَحْوَهُمَا مُفْرَدَاتٌ؛ لِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ فِي هَذِهِ مَجْمُوعُهَا وَلَا جُزْءٌ مِنْهَا يَدُلُّ عَلَى جُزْءِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَكَذَا فِي أَمْثِلَةِ الْمُضَارِعِ الْمَذْكُورَةِ. (وَجَعَلَ تَضْرِبُ) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ لِلْمُخَاطَبِ أَوْ الْغَائِبَةِ (مُرَكَّبًا إنْ كَانَ لِلْإِسْنَادِ) أَيْ إنْ كَانَ هَذَا الْجَعْلُ لِعِلَّةِ إسْنَادِ مَعْنَاهُ (إلَى تَائِهِ فَخِلَافُ أَهْلِ اللُّغَةِ) لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنْ لَا إسْنَادَ إلَى حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْمُضَارَعَةِ، وَكَيْفَ لَا وَكَوْنُ الشَّيْءِ مُسْنَدًا إلَيْهِ مِنْ خَوَاصِّ الْأَسْمَاءِ، وَحُرُوفُ الْمُضَارَعَةِ حُرُوفِ مَبَانٍ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ حُرُوفَ مَعَانٍ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ