الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَانِعُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَابْنُ سُرَيْجٍ يَقُولُ عَدَمُهُ شَرْطٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهِ انْتَهَى وَالشَّأْنُ فِي التَّرْجِيحِ
الْأَمْرُ الرَّابِعُ قَالَ السُّبْكِيُّ أَيْضًا: وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَكَذَا كُلُّ دَلِيلٍ مَعَ مُعَارِضِهِ فَهِيَ طَرِيقَةُ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ وَعَلَيْهَا جَرَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ حَيْثُ قَالَ: وَهَكَذَا الْخِلَافُ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي لَفْظِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ إذَا وَرَدَا مُطْلَقَيْنِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا وَمِنْهُمْ مَنْ نَقَلَ فِيهِ الْإِجْمَاعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عِنْدَ سَمَاعِ الْحَقِيقَةِ طَلَبُ الْمَجَازِ، وَإِنْ وَجَبَ عِنْدَ سَمَاعِ الْعَامِّ الْبَحْثُ عَنْ الْخَاصِّ؛ لِأَنَّ تَطَرُّقَ التَّخْصِيصِ إلَى الْعُمُومَاتِ أَكْثَرُ، وَأَيَّدَهُ بِتَوْجِيهٍ عَنْ أَبِيهِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ شَبَّهَ الْعَامَّ بِالْحَقِيقَةِ فَقَدْ أَتَى بِسَاقِطٍ مِنْ الْقَوْلِ
الْأَمْرُ الْخَامِسُ: حَكَى الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ الِاتِّفَاقَ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْعَامِّ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ لِتَأَكُّدِ انْتِفَاءِ احْتِمَالِ الْمُخَصِّصِ ثَمَّةَ؛ لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْعَامِّ إذْ ذَاكَ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ فِيمَا وَرَدَ لِأَجْلِهِ مِنْ الْوَقَائِعِ وَهُوَ قَطْعِيُّ الدُّخُولِ عَنْ الْأَكْثَرِ ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْبَحْثِ قَبْلَ الْعَمَلِ: (وَالْخِلَافُ فِي قَدْرِ الْبَحْثِ، وَالْأَكْثَرُ) أَنَّهُ يَبْحَثُ (إلَى أَنْ يَغْلِبَ ظَنُّ عَدَمِهِ) أَيْ الْمُخَصِّصِ (وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ إلَى الْقَطْعِ بِهِ) أَيْ بِعَدَمِهِ (لَنَا لَوْ شُرِطَ) الْقَطْعُ بِهِ (بَطَلَ) الْعَمَلُ بِأَكْثَرِ الْعُمُومَاتِ الْمَعْمُولِ بِهَا اتِّفَاقًا؛ إذْ الْقَطْعُ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَالْغَايَةُ عَدَمُ الْوِجْدَانِ عِنْدَ الْبَحْثِ وَالنَّظَرِ، وَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُودِ
(قَالُوا) أَيْ الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ (إذَا كَثُرَ بَحْثُ الْمُجْتَهِدِ) عَنْ الْمُخَصِّصِ (وَلَمْ يَجِدْ قَضَتْ الْعَادَةُ بِعَدَمِ الْوُجُودِ أُجِيبَ بِالْمَنْعِ فَقَدْ يَجِدُ) الْمُجْتَهِدُ الْمُخَصِّصَ (بَعْدَ الْكَثْرَةِ) أَيْ كَثْرَةِ بَحْثِهِ عَنْهُ وَحُكْمِهِ بِالْعُمُومِ (ثُمَّ يَزِيدُ) فِي الْبَحْثِ اسْتِظْهَارًا فِي أَمْرِهِ فَيَظْهَرُ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ (فَيَرْجِعُ) عَنْ الْحُكْمِ بِالْعُمُومِ ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ أَقِفْ فِيمَا وَصَلَ النَّاظِرُ الْقَاصِرُ إلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى صَرِيحٍ لَهُمْ فِيهَا نَعَمْ أُصُولُهُمْ تُوَافِقُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الصَّيْرَفِيُّ وَلَا سِيَّمَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُعْظَمُهُمْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ مُوجِبَهُ قَطْعِيٌّ كَمُوجِبِ الْخَاصِّ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ
[مَسْأَلَةُ صِيغَةِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ هَلْ يَشْمَلُ النِّسَاءَ وَضْعًا]
(مَسْأَلَةُ صِيغَةِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ) السَّالِمِ وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيَّدْ بِهِ كَغَيْرِهِ مَعَ كَوْنِهِ الْمُرَادَ؛ لِأَنَّهُ اُخْتُصَّ فِي الْعُرْفِ بِهِ مِنْ إطْلَاقِهِ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا لُغَةً عَلَى نَحْوِ: قَوْمٌ قِيَامٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الصِّيغَةُ الَّتِي يَصِحُّ إطْلَاقُهَا عَلَى الذُّكُورِ خَاصَّةً الْمَوْضُوعَةُ بِحَسَبِ الْمَادَّةِ لَهُمْ وَلِلْإِنَاثِ كَمَا سَنُنَبِّهُك عَلَيْهِ (وَنَحْوُ الْوَاوِ فِي فَعَلُوا) وَيَفْعَلُونَ وَافْعَلُوا (هَلْ يَشْمَلُ النِّسَاءَ وَضْعًا نَفَاهُ الْأَكْثَرُ إلَّا فِي تَغْلِيبٍ) وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ (خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ) وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ صِيغَةَ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ الْمَوْضُوعَةَ بِحَسَبِ الْمَادَّةِ لِلذُّكُورِ خَاصَّةً كَالرِّجَالِ لَا تَتَنَاوَلُ النِّسَاءَ، وَجَمْعُ الْمُؤَنَّثِ لَا يَتَنَاوَلُ الْمُذَكَّرَ كَالْإِنَاثِ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَنَّ الصِّيغَةَ الْمَوْضُوعَةَ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الذُّكُورِ كَالنَّاسِ تَتَنَاوَلُهُمَا. (لِلْأَكْثَرِ {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] إذْ لَوْ كَانَ مَدْلُولُ الْمُسْلِمَاتِ دَاخِلًا فِي مَدْلُولِ الْمُسْلِمِينَ لَمَا حَسُنَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ تَكْرَارٌ بِلَا فَائِدَةٍ فَإِنْ قِيلَ: بَلْ لَهُ فَائِدَةٌ وَهِيَ التَّنْصِيصُ وَالتَّأْكِيدُ؛ كَعَطْفِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى عَلَى الصَّلَوَاتِ، قُلْنَا: يُعَارِضُهَا فَائِدَةُ الِابْتِدَاءِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ أَعْنِي التَّأْسِيسَ ثُمَّ تَقَدَّمَ عَلَى فَائِدَةِ التَّكْرَارِ كَمَا قَالَ:
(وَفَائِدَةُ الِابْتِدَاءِ أَوْلَى مِنْ النُّصُوصِيَّةِ بَعْدَ التَّنَاوُلِ ظَاهِرًا) ؛ إذْ الْإِفَادَةُ خَيْرٌ مِنْ الْإِعَادَةِ، وَلَا يُقَالُ: الْإِفَادَةُ بِطَرِيقِ النُّصُوصِيَّةِ دُونَ الظُّهُورِ تَأْسِيسٌ لَا تَأْكِيدٌ لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ هَذَا إلَّا تَقْوِيَةً لِمَدْلُولِ الْأَوَّلِ تَدْفَعُ تَوَهُّمَ التَّجَوُّزِ وَعَدَمِ الشُّمُولِ وَهُوَ مَعْنَى التَّأْكِيدِ (وَسَبَبُهُ) أَيْ وَلِلْأَكْثَرِ أَيْضًا سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ (وَهُوَ «قَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ النِّسَاءَ قُلْنَ مَا نَرَى اللَّهَ ذَكَرَ إلَّا
الرِّجَالَ» فَأُنْزِلَتْ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ أُمِّ سَلَمَةَ وَمِنْ طَرِيقِ أُمِّ عِمَارَةَ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ) إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ هَاتَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ وَأَنَّ التِّرْمِذِيَّ حَسَّنَهُ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِي فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ «عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قُلْت لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَا لَنَا لَا نُذْكَرُ فِي الْقُرْآنِ كَمَا يُذْكَرُ الرِّجَالُ قَالَتْ فَلَمْ يَرُعْنِي مِنْهُ ذَاتَ يَوْمٍ إلَّا وَنِدَاؤُهُ عَلَى الْمِنْبَرِ أَيُّهَا النَّاسُ قَالَتْ: وَأَنَا أُسَرِّحُ رَأْسِي فَلَفَفْت شَعْرِي ثُمَّ دَنَوْت مِنْ الْبَابِ فَجَعَلْت سَمْعِي عِنْدَ الْجَرِيدِ فَسَمِعْته يَقُولُ إنَّ اللَّهَ عز وجل يَقُولُ {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 35] » هَذِهِ الْآيَةَ بَلْ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ جَاءَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ لَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَوَّلَهُ هَكَذَا انْتَهَى وَلَا ذِكْرَ لَهُ مِنْ طَرِيقِ أُمِّ عُمَارَةَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ نَعَمْ هُوَ فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِهَا بِلَفْظِ «أَنَّهَا أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ مَا أَرَى كُلَّ شَيْءٍ إلَّا لِلرِّجَالِ، وَمَا أَرَى النِّسَاءَ يُذْكَرْنَ بِشَيْءٍ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 35] » الْآيَةَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ حُصَيْنٍ مُرْسَلًا، وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ يَعْنِي الرَّاوِيَ لَهُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مَرْفُوعًا وَذَكَرَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ سَأَلَتْ أَيْضًا عَنْ ذَلِكَ نَحْوَ سُؤَالِ أُمِّ عُمَارَةَ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا ضَيْرَ فَإِنَّ الْحَاصِلَ أَنَّهُنَّ نَفَيْنَ ذِكْرَهُنَّ مُطْلَقًا (فَقَرَّرَ) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (النَّفْيَ) وَلَوْ كُنَّ دَاخِلَاتٍ لَمْ يُصَدِّقْ نَفْيَهُنَّ وَلَمْ يُقْرِرْهُنَّ عَلَيْهِ بَلْ مَنَعَهُنَّ مِنْهُ (وَهُنَّ أَيْضًا مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ) نَعَمْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ «دَخَلَ نِسَاءٌ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَ قَدْ ذَكَرَكُنَّ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ نُذْكَرْ بِشَيْءٍ أَمَا فِينَا مَا يُذْكَرُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - تَعَالَى {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] » الْآيَةَ وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنْهُ نَحْوَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا تَقَدَّمَ رَاجِحًا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ مُعَكِّرٌ لِلْمَطْلُوبِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(قَالُوا) أَيْ الْحَنَابِلَةُ (صَحَّ) إطْلَاقَهُ (لِلْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ) ك: {اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا} [البقرة: 38] خِطَابًا لِآدَمَ وَحَوَّاءَ وَإِبْلِيسَ (كَمَا لِلْمُذَكَّرِ فَقَطْ، وَالْأَصْلُ) فِي الْإِطْلَاقِ (الْحَقِيقَةُ أُجِيبَ يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ) اللَّفْظِيُّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ (وَالْمَجَازُ خَيْرٌ) مِنْهُ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَلِلْخَصْمِ أَنْ يَمْنَعَ أَنَّهُ لِلرِّجَالِ وَحْدَهُمْ حَقِيقَةً بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْكُلِّ (وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ) ، وَهُوَ ابْنُ الْحَاجِبِ (مَنْ يُورِدُ دَلِيلَهُمْ) أَيْ الْحَنَابِلَةِ (هَكَذَا الْمَعْرُوفُ) مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ (تَغْلِيبُ الذُّكُورِ) عَلَى الْإِنَاثِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا بِاتِّفَاقٍ، وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بِدُخُولِ النِّسَاءِ فِيهِ (وَيُجِيبُ بِكَوْنِهِ إذًا مَجَازًا وَأَنَّهُ خَيْرٌ إلَى آخِرِهِ وَهُوَ) أَيْ إيرَادُ دَلِيلِهِمْ هَكَذَا (بَعِيدٌ) مِنْهُمْ (إذْ اعْتِرَافُهُمْ بِالتَّغْلِيبِ اعْتِرَافٌ بِالْمَجَازِ) لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهُ (وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ) مِنْ إيرَادِ دَلِيلِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَمِنْ إيرَادِهِ عَلَى مَا قَالَهُ هَذَا الْمُحَقِّقُ (فَالِانْفِصَالُ) عَنْ دَلِيلِهِمْ (بِكَوْنِ الْمَجَازِ خَيْرًا إنَّمَا هُوَ فِي اللَّفْظِيِّ وَيُمْكِنُ ادِّعَاؤُهُمْ الْمَعْنَوِيَّ أَيْ هُوَ) أَيْ جَمْعُ الْمُذَكَّرِ (لِلْأَحَدِ الدَّائِرِ فِي عُقَلَاءِ الْمُذَكَّرِينَ مُنْفَرِدِينَ أَوْ مَعَ الْإِنَاثِ فَلَا يَتِمُّ) الِانْفِصَالُ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَوِيَّ خَيْرٌ مِنْ الْمَجَازِ
(وَيَدُلُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّ الصِّيغَةَ لِلْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ (شُمُولُ الْأَحْكَامِ الْمُعَلَّقَةِ بِالصِّيغَةِ) لَهُنَّ أَيْضًا كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ الثَّابِتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 83] وَقَوْلِهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183](فَإِنْ قِيلَ) شُمُولُهَا لَهُنَّ (بِخَارِجٍ) كَالْحَدِيثِ الْحَسَنِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ «إنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» وَالْإِجْمَاعُ (مَنَعَ)
كَوْنَ شُمُولِهَا لَهُنَّ بِخَارِجٍ؛ إذْ لَا مُعَيِّنَ لِذَلِكَ (فَإِنْ اُسْتُدِلَّ بِعَدَمِ دُخُولِهِنَّ فِي الْجِهَادِ وَالْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِمَا) كَحِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78]{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5]{إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6](لِعَدَمِهِ) أَيْ دُخُولِهِنَّ فِي أَحْكَامٍ أُخَرَ حَتَّى إنَّهُ يَحْتَاجُ ثُبُوتُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَنَحْوِهَا فِي حَقِّهِنَّ إلَى دَلِيلٍ غَيْرِ الصِّيَغِ الْمَذْكُورَةِ (فَقَدْ يُقَالُ بَلْ ذَلِكَ) أَيْ عَدَمُ دُخُولِهِنَّ فِيمَا لَمْ يَدْخُلْنَ فِيهِ مِنْ أَحْكَامِ الصِّيَغِ الْمَذْكُورَةِ (بِخَارِجٍ) عَنْهَا.
(وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ دُخُولِهِنَّ فِيمَا لَمْ يَدْخُلْنَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ بِخَارِجٍ (أَوْلَى مِنْ دُخُولِهِنَّ) فِيمَا دَخَلْنَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ (بِهِ) أَيْ بِخَارِجٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ عَدَمَ دُخُولِهِنَّ الْمَذْكُورِ (أَقَلُّ) مِنْ دُخُولِهِنَّ الْمَذْكُورِ (وَإِسْنَادُ الْأَقَلِّ إلَى الْخَارِجِ أَوْلَى) مِنْ إسْنَادِ الْأَكْثَرِ إلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ خِلَافِ الظَّاهِرِ (خُصُوصًا بَعْدَ تَرْجِيحِ الْمَعْنَوِيِّ) عَلَى اللَّفْظِيِّ وَالْمَجَازِ. ثُمَّ الْخَارِجُ الْمُخْرِجُ لَهُنَّ مِنْ الْجِهَادِ وَالْجُمُعَةِ وَحِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ الْإِجْمَاعُ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا أَرْبَعَةً: مَمْلُوكٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيضٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. .
وَقَالَ النَّوَوِيُّ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «عَنْ عَائِشَةَ اسْتَأْذَنْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجِهَادِ فَقَالَ جِهَادُكُنَّ الْحَجُّ» وَمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ عَنْهَا «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ قَالَ نَعَمْ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَلَا حَاجَةَ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ كَوْنِ جَمْعِ الْوَاحِدِ الْمَعْنَوِيَّ (إلَى الِاسْتِدْلَالِ) لِدُخُولِهِنَّ حَقِيقَةً (بِالْإِيصَاءِ لِنِسَاءٍ وَرِجَالٍ) بِشَيْءٍ (ثُمَّ قَوْلِهِ أَوْصَيْت لَهُمْ) بِكَذَا حَيْثُ يَدْخُلُ النِّسَاءُ فِي لَهُمْ ثُمَّ يُدْفَعُ بِأَنَّ تَقَدُّمَ الْجَمْعَيْنِ الْخَاصَّيْنِ قَرِينَةُ إرَادَةِ الْكُلِّ مَجَازًا كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَوِيِّ مَعَ أَنَّهُ أَقْوَى (وَحِينَئِذٍ) أَيْ وَحِينَ تَرَجَّحَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ (فَقَوْلُهَا) أَيْ أُمِّ سَلَمَةَ نَقْلًا عَنْهُنَّ بِنَاءً عَلَى اللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَا مَعْنَاهُ (مَا نَرَى اللَّهَ ذَكَرَهُنَّ) فَإِنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِنَّ مَا ذَكَرَ إلَّا الرِّجَالَ (أَيْ) مَا ذَكَرَهُنَّ (بِاسْتِقْلَالٍ) وَقَوْلُهَا نَفْسِهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا لَنَا لَا نُذْكَرُ أَيْ مُسْتَقِلَّاتٍ، وَقَوْلُ أُمِّ عُمَارَةَ وَمَا أَرَى النِّسَاءَ يُذْكَرْنَ بِشَيْءٍ أَيْ مُسْتَقِلَّاتٍ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ (وَلَا يَخْفَى عَدَمُ تَحَقُّقِ الْخِلَافِ فِي نَحْوِ: زَيْدُونَ) لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ بِحَسَبِ الْمَادَّةِ لِلذُّكُورِ خَاصَّةً.
وَهَذَا مَا تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ (إلَّا بِفَرْضِ امْرَأَةٍ مُسَمَّاةٍ بِزَيْدٍ) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِحَسَبِ الْمَادَّةِ بِالذُّكُورِ (وَأَمَّا أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ كَ: مُسْلِمُونَ فَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ) لِلْأَكْثَرِ (لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ الْمُذَكَّرِ وَالْجَمْعُ لِتَضْعِيفِ الْوَاحِدِ وَهُوَ مُسْلِمٌ) وَمُسْلِمٌ غَيْرُ مُسْلِمَةٍ (وَلَهُمْ) أَيْ الْحَنَابِلَةِ (دَفْعُهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ (بِأَنَّ الْجَمْعَ لِلتَّضْعِيفِ) لِلْوَاحِدِ (لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي كَوْنِهِ) أَيْ الْوَاحِدِ الْمُضَعَّفِ (الْوَاحِدَ الْمُذَكَّرَ لَيْسَ غَيْرُ) أَوْ وَالْمُؤَنَّثَ أَيْضًا (وَتَسْمِيَتُهُ) أَيْ هَذَا الْجَمْعِ (بِجَمْعِ الْمُذَكَّرِ اصْطِلَاحٌ) لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ لَا لِلْعَرَبِ فَلَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ.
(فَإِنْ قِيلَ) : لَوْ كَانَ مُسْلِمُونَ جَمْعًا لِمُسْلِمَةٍ أَيْضًا لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ فِيهِ الْوَاحِدُ فَلَمْ يَكُنْ جَمْعَ تَصْحِيحٍ ثُمَّ يُقَالُ اسْتِبْعَادًا (فَأَيْنَ تَذْهَبُ التَّاءُ فِي مُسْلِمَةٍ الَّتِي هِيَ مِنْ آحَادِهِ قِيلَ مَذْهَبُهَا فِي صَوَاحِبَ أَوْ طَلَحُونَ عَلَى رَأْيِ أَئِمَّةِ الْكُوفَةِ) وَابْنِ كَيْسَانَ إلَّا أَنَّهُ فَتَحَ اللَّامَ فِي طَلَحُونَ قِيَاسًا عَلَى أَرَضُونَ، وَإِنْ مَنَعَهُ الْبَصْرِيُّونَ، وَقَالُوا: إنَّمَا يُجْمَعُ عَلَى طَلْحَاتٍ كَمَا هُوَ الْمَسْمُوعُ وَالْحَرْفُ أَنَّ الْخُلُوَّ مِنْ تَاءِ التَّأْنِيثِ الْمُغَايِرَةِ لِمَا فِي عِدَةٍ وَثُبَةٍ عَلَمَيْنِ شَرْطٌ لِهَذَا الْجَمْعِ فَقَالَ