الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَصْرِيُّونَ: نَعَمْ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ لَا ثُمَّ قَدْ عَرَفْت مِنْ هَذَا أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا ذَهَبَتْ مَذْهَبَهَا فِي طَلَحُونَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جَمْعُ تَصْحِيحٍ بِخِلَافِ صَوَاحِبَ.
(وَالْوَجْهُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِتَسْمِيَةِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ مِنْ كُلِّ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ اسْتِدْلَالٌ بِإِجْمَاعِهِمْ) عَلَى ذَلِكَ فَتَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ (وَإِلَّا لَقَالُوا: جَمْعُ الْمُخْتَلِطِ) لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ كَذَلِكَ (وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّغْلِيبِ فِي التَّسْمِيَةِ بَلْ) كَانَ (يَجِبُ) أَنْ يَقُولُوا: جَمْعُ الْمُخْتَلِطِ (دَفْعًا لِمُوهِمٍ فَحَيْثُ قَالُوهُ) أَيْ جَمْعَ الْمُذَكَّرِ (كَانَ) هَذَا الْجَمْعُ (ظَاهِرًا فِي الْخُصُوصِ) بِالذُّكُورِ (وَيُدْفَعُ) هَذَا بِأَنَّهُ (لَمَّا لَزِمَهُ) أَيْ لَفْظَ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ (الذُّكُورُ حَيْثُ كَانَ) جَمْعُ الذُّكُورِ (لِلْأَعَمِّ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الذُّكُورِ (مُنْفَرِدِينَ أَوْ مُخْتَلِطِينَ كَانَ نِسْبَتُهُ) أَيْ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ (إلَيْهِمْ) أَيْ الذُّكُورِ (أَوْلَى مِنْ الْمُخْتَلِطِ؛ إذْ لَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الِاخْتِلَاطَ هَذَا الْجَمْعُ (وَحِينَئِذٍ) أَيْ وَحِينَ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا (تَرَجَّحَ الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ) أَيْضًا، وَفِي الْبَدِيعِ: وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَالْحَنَابِلَةُ يَدْخُلْنَ تَبَعًا (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْقَوْلِ بِتَنَاوُلِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ الْإِنَاثَ (فُرِّعَ أَمِّنُونِي عَلَى بَنِيَّ تَدْخُلُ بَنَاتُهُ) ثُمَّ كَرَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِ الْحَنَابِلَةِ مُرَجِّحًا لِقَوْلِ الْأَكْثَرِ فَقَالَ (وَالْأَظْهَرُ خُصُوصُهُ) أَيْ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ بِالذُّكُورِ (لِتَبَادُرِ خُصُوصِهِمْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ، وَالتَّبَادُرُ عِنْدَهُ بِدُونِهَا مِنْ أَمَارَاتِ الْحَقِيقَةِ (وَدُخُولُ الْبَنَاتِ) فِي الْأَمَانِ عَلَى الْبَنِينَ (لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْأَمَانِ حَيْثُ كَانَ مِمَّا تَصِحُّ إرَادَتُهُ) أَيْ الْأَمَانِ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْأَمَانِ عَلَيْهِمْ تَبَعًا حَقْنًا لِلدَّمِ أَوْ بِعُمُومِ الْمَجَازِ فِي الْبَنِينَ بِالْأَوْلَادِ.
[مَسْأَلَةٌ هَلْ الْمُشْتَرَكُ عَامٌّ اسْتِغْرَاقِيٌّ فِي مَفَاهِيمِهِ]
(مَسْأَلَةٌ هَلْ الْمُشْتَرَكُ عَامٌّ اسْتِغْرَاقِيٌّ فِي مَفَاهِيمِهِ فَالْحُكْمُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ (يَتَعَلَّقُ بِكُلٍّ مِنْهَا) أَيْ مَفَاهِيمِهِ (لَا الْمَجْمُوعِ) مِنْهَا مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ بِحَيْثُ لَا يُفِيدُ أَنَّ كُلًّا مِنْ مَعَانِيهِ مَنَاطُ الْحُكْمِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكُلِّ الْإِفْرَادِيِّ وَالْكُلِّ الْمَجْمُوعِيِّ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْإِفْرَادِيَّ جُزْءٌ مِنْ الْمَجْمُوعِيِّ، وَمِنْ ثَمَّةَ يَصِحُّ: كُلُّ وَاحِدٍ يُشْبِعُهُ رَغِيفٌ بِالْمَعْنَى الْإِفْرَادِيِّ دُونَ الْمَجْمُوعِيِّ، وَلَا يَصِحُّ: كُلُّ وَاحِدٍ يَحْمِلُ هَذَا الْحَجَرَ الْعَظِيمَ بِالْمَعْنَى الْإِفْرَادِيِّ دُونَ الْمَجْمُوعِيِّ فَإِنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي عَدَمِ جَوَازِهِ حَقِيقَةً وَلَا فِي جَوَازِهِ مَجَازًا إنْ وُجِدَتْ عَلَاقَةٌ مُصَحِّحَةٌ، وَلَا فِي صِحَّةِ إرَادَةِ كُلٍّ مِنْ مَعَانِيهِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ بِأَنْ يُطْلَقَ تَارَةً وَيُرَادَ مَعْنًى مِنْ مَعَانِيهِ وَيُطْلَقَ تَارَةً وَيُرَادَ مَعْنًى غَيْرُ ذَاكَ، وَلَا فِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً وَلَا فِي صِحَّةِ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَحَدُ مَعَانِيهِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَهُوَ مَا لَا يَتَجَاوَزُهَا، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فَقَالَ صَاحِبُ الْمِفْتَاحِ: حَقِيقَةٌ، وَقَالَ آخَرُونَ مَجَازٌ (فَعَنْ الشَّافِعِيِّ نَعَمْ) أَيْ يَجُوزُ حَقِيقَةً نَقَلَهُ أَمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ
(وَالْحَنَفِيَّةُ لَا) يَجُوزُ حَقِيقَةً (وَلَا مَجَازًا) وَوَافَقَهُمْ الْبَصْرِيَّانِ أَبُو الْحُسَيْنِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو هَاشِمٍ وَغَيْرُهُمْ (فَقِيلَ) : عَدَمُ الْجَوَازِ (لُغَةً كَالْغَزَالِيِّ) وَأَبِي الْحُسَيْنِ وَفَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ لَا عَقْلًا (وَقِيلَ) : عَدَمُ الْجَوَازِ (عَقْلًا) وَهُوَ مُخْتَارُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ (الْآمِدِيُّ يَصِحُّ مَجَازًا) وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلْإِسْنَوِيِّ وَتَوَقَّفَ الْآمِدِيُّ فَلَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا اهـ نَعَمْ ذَهَبَ إلَى هَذَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (وَقِيلَ) يَصِحُّ (فِي النَّفْيِ فَقَطْ حَقِيقَةً وَعَلَيْهِ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ (فَرَّعَ فِي وَصَايَا الْهِدَايَةِ) فَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَوْصَى لِمَوَالِيهِ وَلَهُ مَوَالٍ أَعْتَقَهُمْ وَمَوَالٍ أَعْتَقُوهُ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مَوْلَى النِّعْمَةِ وَالْآخَرَ مُنْعَمٌ عَلَيْهِ فَصَارَ مُشْتَرَكًا فَلَا يَنْتَظِمُهُمَا لَفْظٌ وَاحِدٌ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ مَوَالِيَ فُلَانٍ حَيْثُ يَتَنَاوَلُ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ؛ لِأَنَّهُ مَقَامُ النَّفْيِ فَلَا تَنَافِيَ فِيهِ (وَفِي الْمَبْسُوطِ: حَلَفَ لَا أُكَلِّمُ مَوْلَاك وَلَهُ أَعْلَوْنَ وَأَسْفَلُونَ
أَيَّهُمْ كَلَّمَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ فِي النَّفْيِ يَعُمُّ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ (وَالْقَاضِي وَالْمُعْتَزِلَةِ) عَلَى مَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي الْبَدِيعِ، وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ (يَصِحُّ حَقِيقَةً) وَعَلَيْهِ ظَاهِرُ مَا فِي الِاخْتِيَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ، وَتَكُونُ لِلْفَرِيقَيْنِ لِأَنَّ الِاسْمَ يَنْتَظِمُهُمَا وَمَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِلسُّبْكِيِّ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ وَلَهُ مَوَالٍ مِنْ أَعْلَى وَمَوَالٍ مِنْ أَسْفَلَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ (فَإِنْ) كَانَتْ صِحَّةُ الْإِطْلَاقِ حَقِيقَةً (لِلْعُمُومِ) أَيْ لِعُمُومِهِ فِي مَفَاهِيمِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ ذِكْرِ الْبَدِيعِ إيَّاهُمْ مَعَ الشَّافِعِيِّ (فَكَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ) بَلْ هُوَ هُوَ فَيَكُونُ الْعَامُّ عَلَى قَوْلِهِمْ قِسْمَيْنِ مُتَّفِقَ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ عُمُومُ غَيْرِ الْمُشْتَرَكِ وَمُخْتَلِفَ الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ عُمُومُ الْمُشْتَرَكِ (أَوْ لِلِاشْتِرَاكِ فِي كُلِّهَا) أَيْ مَفَاهِيمِهِ (وَكُلٍّ مِنْهَا) أَيْ مَفَاهِيمِهِ أَيْ لِوَضْعِهِ لِمَجْمُوعِهَا وَلِكُلٍّ مِنْهَا أَيْضًا وَعَلَى هَذَا مَشَى الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ (أَوْ لَيْسَ) الْمُشْتَرَكُ (كَذَلِكَ) أَيْ مُشْتَرَكًا فِي الْكُلِّ وَكُلٍّ مِنْ الْمَفَاهِيمِ بَلْ مَوْضُوعٌ لِكُلٍّ مِنْهَا لَا غَيْرُ لَا لِلْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ لِعَدَمِ النِّزَاعِ فِي عَدَمِ جَوَازِهِ حَقِيقَةً كَمَا تَقَدَّمَ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتِمُّ قَوْلُهُ (فَمُبَايِنٌ لَهُ) أَيْ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ هَذَا عَيْنُ الْأَوَّلِ فَإِنَّمَا يَتِمُّ فِيمَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا مُجْمَلٌ عِنْدَ الْقَاضِي وَمَنْ وَافَقَهُ ظَاهِرٌ فِي الْجَمِيعِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ (فَلَيْسَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَخَصَّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي (كَمَا قِيلَ) قَالَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الْمُشْتَرَكَ (حَقِيقَةٌ) فِي كُلٍّ مِنْ مَعَانِيهِ (يَتَوَقَّفُ السَّامِعُ فِي الْمُرَادِ بِهَا) أَيْ بِحَقِيقَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَعَانِيهِ (إلَى الْقَرِينَةِ) الْمُعَيِّنَةِ لَهُ لِإِجْمَالِهِ فِي مَعَانِيهِ
(وَمَذْهَبُهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ (لَا يَتَوَقَّفُ) السَّامِعُ فِي الْمُرَادِ بِهَا إلَى الْقَرِينَةِ لِظُهُورِهِ فِي مَعَانِيهِ (وَالْمَذْهَبُ هُوَ الْمَجْمُوعُ) مِنْ كَوْنِهِ حَقِيقَةً يَتَوَقَّفُ السَّامِعُ فِي الْمُرَادِ بِهَا إلَى الْقَرِينَةِ إنْ كَانَ هُوَ مَذْهَبَ الْقَاضِي أَوْ مِنْ كَوْنِهِ حَقِيقَةً لَا يَتَوَقَّفُ السَّامِعُ فِي الْمُرَادِ بِهَا إلَى الْقَرِينَةِ إنْ كَانَ هُوَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ (لَا مُجَرَّدُ كَوْنِهِ حَقِيقَةً، وَوُجُودُ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي (هُوَ صِحَّةُ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِمَا لَا يُوجِبُ الْأَخَصِّيَّةَ) لِأَحَدِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ (كَكُلِّ مُتَبَايِنَيْنِ تَحْتَ جِنْسٍ) كَالْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ الْمُنْدَرِجَيْنِ تَحْتَ الْحَيَوَانِ (وَعَنْ الشَّافِعِيِّ يُعَمَّمُ احْتِيَاطًا) نَقَلَهُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ (وَهُوَ أَوْجَهُ النَّقْلَيْنِ عَنْهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ (لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ عُمُومَ الْمُشْتَرَكِ (حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ فَصَاعِدًا (فَظُهُورُهُ) أَيْ عُمُومِهِ (فِي الْكُلِّ) أَيْ كُلٍّ مِنْ مَعَانِيهِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَاقِ الْإِفْرَادِيِّ لَهَا (فَرْعُ كَوْنِهِ) أَيْ عُمُومِهِ (حَقِيقَةً فِيهِ) أَيْ فِي الْكُلِّ (أَيْضًا وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ عُمُومِهِ حَقِيقَةً فِي الْكُلِّ (بِوَضْعِهِ) أَيْ اللَّفْظِ (لَهُ) أَيْ لِلْكُلِّ (أَيْضًا فَلَزِمَ) كَوْنُ الْكُلِّ مَدْلُولًا لِلْمُشْتَرَكِ (مَفْهُومًا آخَرَ) لَهُ أَيْضًا فَإِذَا هُوَ مُجْمَلٌ إلَّا أَنَّهُ كَمَا قَالَ (فَتَعْمِيمُهُ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ (اسْتِعْمَالٌ فِي أَحَدِ مَفَاهِيمِهِ) وَهُوَ الْكُلُّ (لِأَنَّ فِيهِ) أَيْ اسْتِعْمَالِهِ فِي هَذَا (الِاحْتِيَاطَ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ فِي عَدَمِ الْحَمْلِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا أَصْلًا تَعْطِيلُهُ وَفِي الْحَمْلِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا تَرْجِيحًا بِلَا مُرَجِّحٍ (جَعَلَهُ) أَيْ الشَّافِعِيُّ الِاحْتِيَاطَ (كَالْقَرِينَةِ) لِكَوْنِ الْكُلِّ هُوَ الْمُرَادُ فَقَالَ بِهِ السُّبْكِيُّ وَنُقِلَ عَنْ الْقَاضِي أَيْضًا
وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ التَّرَدُّدِ فِي كَوْنِهِ مُجْمَلًا أَوْ عَامًّا فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ وَلَيْسَ لَهُ مَوَالٍ إلَّا مِنْ أَعْلَى أَوْ مِنْ أَسْفَلَ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَالْوَقْفُ عَلَيْهِ قَالَ وَالِدُهُ: هَذَا إنْ جَعَلْنَاهُ مُجْمَلًا فَإِنَّ انْحِصَارَ الْأَمْرِ فِي إحْدَى الْجِهَتَيْنِ يَكُونُ قَرِينَةً، وَأَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّهُ عَامٌّ أَوْ كَالْعَامِّ فَإِذَا حَدَثَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَوَالٍ مِنْ الْجِهَةِ الْأُخْرَى يَدْخُلُونَ فِي
الْوَقْفِ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَهُ أَوْلَادٌ ثُمَّ حَدَثَ آخَرُ يُشَارِكُهُمْ اهـ.
(وَالْجَمْعُ كَالْوَاحِدِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ) أَيْ وَجَمْعُ الْمُشْتَرَكِ بِاعْتِبَارِ مَعَانِيهِ كَالْعُيُونِ لِلْبَاصِرَةِ وَالْجَارِيَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ مَعَانِي الْعَيْنِ كَالْمُفْرَدِ الْمُشْتَرَكِ فِي جَوَازِ إطْلَاقِهِ عَلَى مَعَانِيهِ دَفْعَةً، وَعَدَمُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ فَمَنْ أَجَازَ فِي الْمُفْرَدِ ذَلِكَ أَجَازَ جَمْعَهُ بِاعْتِبَارِهَا كَذَلِكَ، وَمَنْ مَنَعَ فِي الْمُفْرَدِ ذَلِكَ مَنَعَ جَمْعَهُ بِاعْتِبَارِهَا كَذَلِكَ، وَمَنْ فَصَلَ ثَمَّةَ فَصَلَ هُنَا؛ لِأَنَّ جَمْعَ الِاسْمِ جَمْعُ مَا اقْتَضَاهُ فَإِنْ كَانَ الِاسْمُ مُتَنَاوِلًا لِمَعَانِيهِ كَانَ الْجَمْعُ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يُفِيدُ سِوَى أَحَدِ مَعَانِيهِ فَكَذَا جَمْعُهُ (وَأَجَازَهُ) أَيْ جَمْعَهُ بِاعْتِبَارِ مَعَانِيهِ (آخَرُونَ مَعَ مَنْعِهِ) أَيْ إطْلَاقِهِ عَلَى مَعَانِيهِ دَفْعَةً (فِي الْمُفْرَدِ لِأَنَّهُ) أَيْ الْجَمْعَ (فِي قُوَّةِ الْمُتَعَدِّدِ بِالْعَطْفِ) فَكَأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ كُلُّ مُفْرَدٍ فِي مَعْنًى وَقَدْ يُجَابُ بِالْمَنْعِ أَوَّلًا، وَبِأَنَّهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّهُ تَعْدِيدُ الْأَفْرَادِ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ تَعْدِيدُ أَفْرَادِ نَوْعٍ وَاحِدٍ بِشَهَادَةِ الِاسْتِقْرَاءِ ثَانِيًا، وَمِنْ هَذَا يُخَرَّجُ الْجَوَابُ عَنْ جَوَازِهِ قِيَاسًا عَلَى الْعِلْمِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ عَنْ هَذَا بِلُزُومِ اللَّبْسِ عَلَى تَقْدِيرِهِ دُونَ الْعِلْمِ، وَالتَّثْنِيَةُ مُلْحَقَةٌ بِالْجَمْعِ ثُمَّ لِلنَّحْوِيَّيْنِ فِيهِمَا مَذْهَبَانِ الْجَوَازُ، وَعَلَيْهِ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ
عَيْنَانِ إحْدَاهُمَا عَارَتْ وَثَانِيَةٌ
…
غَارَتْ فَدَمْعَى عَلَى الْعَيْنَيْنِ مَسْكُوبُ
فَالْمُرَادُ بِهِمَا الْجَارِحَةُ وَهِيَ الَّتِي عَارَتْ بِالْمُهْمَلَةِ وَعَيْنُ الْمَاءِ وَهِيَ الَّتِي غَارَتْ بِالْمُعْجَمَةِ وَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْأَيْدِي ثَلَاثَةٌ فَيَدُ اللَّهِ الْعُلْيَا وَيَدُ الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا، وَيَدُ السَّائِلِ السُّفْلَى» وَالْمَنْعُ، قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ (وَشَرْطُ تَعْمِيمِهِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ فِي مُفَاهَمِيهِ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُفْرَدًا أَوْ مُثَنًّى أَوْ مَجْمُوعًا (إمْكَانُ الْجَمْعِ) بَيْنَهُمَا فَلَا تُعَمَّمُ صِيغَةُ افْعَلْ عَلَى أَنَّهَا حَقِيقَةً فِي كُلٍّ مِنْ الْإِيجَابِ وَالتَّهْدِيدِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ يَقْتَضِي الْفِعْلَ، وَالتَّهْدِيدُ يَقْتَضِي التَّرْكَ (وَالِاتِّفَاقُ عَلَى مَنْعِهِ) أَيْ التَّعْمِيمِ (فِي الْمَجْمُوعِ) مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ، وَأَشَارَ إلَى مَا أَسْلَفْنَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَحَلِّ النِّزَاعِ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ إلَّا بِهِ) أَيْ بِالْمَجْمُوعِ عَلَى تَقْدِيرِ جَرَيَانِهِ فِيهِ (عَلَى خِلَافِ الْعَامِّ) فَإِنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ فِيهِ بِكُلٍّ مِنْ أَفْرَادِهِ (وَ) الِاتِّفَاقُ أَيْضًا (عَلَى مَنْعِ كَوْنِهِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ (فِيهِمَا) أَيْ فِي مَفْهُومَيْهِ (حَقِيقَةً) فِي أَحَدِهِمَا (وَمَجَازًا) فِي الْآخَرِ (لَنَا يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ إرَادَةُ أَحَدِهِمَا) أَيْ مَعْنَيَيْ الْمُشْتَرَكِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مُشْتَرَكًا فِي مَعْنَيَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ (حَتَّى تَبَادَرَ طَلَبُ الْمُعَيِّنِ) لِأَحَدِهِمَا (وَهُوَ) أَيْ طَلَبُ الْمُعَيِّنِ (مُوجِبُ الْحُكْمِ بِأَنَّ شَرْطَ اسْتِعْمَالِهِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ (لُغَةً كَوْنُهُ فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ مَعْنَيَيْهِ (فَانْتَفَى ظُهُورُهُ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ (فِي الْكُلِّ) أَيْ مَعْنَيَيْهِ مَعًا (وَمَنْعُ سَبْقِ ذَلِكَ) أَيْ إرَادَةِ أَحَدِهِمَا لَا بِخُصُوصِهِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ (مُكَابَرَةٌ تَضْمَحِلُّ بِالْقَرْضِ) عَلَى أَهْلِ عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ فَيُسْأَلُونَ أَيَّ شَيْءٍ يَفْهَمُونَ إذَا أُطْلِقَ لَفْظُ عَيْنٍ؟ هَلْ يَفْهَمُونَ إرَادَةَ الْبَاصِرَةِ وَالْجَارِيَةِ وَكَذَا وَكَذَا؟ أَوْ يَفْهَمُونَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ أَرَادَ أَحَدَهَا وَيَتَوَقَّفُونَ فِي تَعْيِينِهِ إلَى أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ
(وَإِلْزَامُ كَوْنِهِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ (مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا) لَا لَفْظِيًّا عَلَى تَقْدِيرِ سَبْقِ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ أَيْضًا (مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ) أَيْ الْمُشْتَرَكَ اللَّفْظِيَّ (مَا) أَيْ اللَّفْظُ الَّذِي (تَعَدَّدَتْ أَوْضَاعُهُ لِلْمَفَاهِيمِ) وَهَذَا كَذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَعْنَوِيِّ (وَشَرْطُ كَوْنِ اسْتِعْمَالِهِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ (فِي الْإِثْبَاتِ فِي بَعْضِهَا) أَيْ بِحَيْثُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْإِثْبَاتِ فِي بَعْضِ الْمَفَاهِيمِ
(كَالْمَعْنَوِيِّ لِلْأَفْرَادِ فَلَزِمَ فِيهِمَا) أَيْ الْمَعْنَوِيِّ وَاللَّفْظِيِّ (تَبَادُرُ الْأَحَدِ وَالتَّوَقُّفُ إلَى الْمُعَيِّنِ فَاشْتَرَكَا) أَيْ الْمَعْنَوِيُّ وَاللَّفْظِيُّ (فِي لَازِمٍ) هُوَ التَّبَادُرُ وَالتَّوَقُّفُ الْمَذْكُورَانِ (مَعَ تَبَايُنِ الْحَقِيقَتَيْنِ) أَيْ حَقِيقَتَيْهِمَا فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَذَا اللَّازِمِ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْأَعَمَّ لَا يَدُلُّ عَلَى الْأَخَصِّ بِخُصُوصِهِ (وَأَيْضًا اتِّفَاقُ الْمَانِعِينَ لِوُجُودِهِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ (عَلَى تَعْلِيلِهِ) أَيْ الْمَنْعِ لِوُجُودِهِ (بِأَنَّهُ) أَيْ الْمُشْتَرَكَ (مُخِلٌّ بِالْفَهْمِ وَالْمُجِيبِينَ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَالَ مِمَّا يُقْصَدُ اتِّفَاقُ الْكُلِّ عَلَى نَفْيِ ظُهُورِهِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ (فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي مَعْنَيَيْهِ فَصَاعِدًا (وَأَيْضًا لَوْ عَمَّ) الْمُشْتَرَكُ فِي مَعْنَيَيْهِ فَصَاعِدًا (كَانَ مَجَازًا) فِي أَحَدِهِمَا (لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ الْمُرَادُ أَحَدَهُمَا (عَامٌّ مَخْصُوصٌ لَا يُقَالُ ذَلِكَ) أَيْ إنَّمَا يَكُونُ مَجَازًا فِي أَحَدِهِمَا إذَا عَمَّ فِيهِمَا (لَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْضُوعًا لَهُ) أَيْ لِأَحَدِهِمَا أَيْضًا (لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ مَوْضُوعًا لِأَحَدِهِمَا (مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ) لِوَضْعِهِ لِلْكُلِّ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ (فَيَلْزَمُ التَّوَقُّفُ فِي الْمُرَادِ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ (إلَى الْقَرِينَةِ) الْمُعَيِّنَةِ لِمَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْهُمَا (فَلَا يَكُونُ) الْمُشْتَرَكُ (ظَاهِرًا فِي الْكُلِّ) كَمَا عَنْ الشَّافِعِيِّ (فَلَوْ عَمَّ) الْمُشْتَرَكُ (فَلِغَيْرِهِ) أَيْ فَلِغَيْرِ كَوْنِهِ مَوْضُوعًا لِلْعُمُومِ (كَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ) أَيْ عُمُومَهُ (احْتِيَاطٌ لِلْعِلْمِ) أَيْ لِيَقَعَ الْعِلْمُ (بِفِعْلِ الْمُرَادِ) أَيْ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ بِالْمُشْتَرَكِ (قُلْنَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى أَنَّهُ عَامٌّ فِي الْكُلِّ لِلِاحْتِيَاطِ (إلَّا بِالْعِلْمِ بِشَرْعِ مَا عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ) إذْ الْمَشْرُوعُ أَنَّهُ لِوَاحِدٍ لَا لِلْكُلِّ (وَهُوَ) أَيْ شَرْعُ مَا عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ (حَرَامٌ، وَالتَّوَقُّفُ إلَى ظُهُورِ الْمُرَادِ الْإِجْمَالِيِّ وَاجِبٌ) فَبَطَلَ كَوْنُهُ عَامًّا فِي مَعْنَيَيْهِ فَصَاعِدًا حَقِيقَةً (وَأَمَّا بُطْلَانُهُ) أَيْ عُمُومِهِ فِي مَعَانِيهِ (مَجَازًا فَلِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِ مُعَانِيهِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لَهُ
وَالْمَجَازُ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ عَلَاقَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ عَدَمَهَا لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي الْجَمِيعِ بِاعْتِبَارِ إطْلَاقِ اسْمِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ (وَالْجُزْءُ فِي الْكُلِّ مَشْرُوطٌ بِالتَّرَكُّبِ الْحَقِيقِيِّ، وَكَوْنُهُ إذَا انْتَفَى الْجُزْءُ انْتَفَى الِاسْمُ عَنْ الْكُلِّ عُرْفًا كَالرَّقَبَةِ عَلَى الْكُلِّ) أَيْ كَإِطْلَاقِ الرَّقَبَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ (بِخِلَافِ الظُّفُرِ) أَيْ إطْلَاقِهِ أَوْ الْأُصْبُعِ عَلَى الْإِنْسَانِ فَإِنَّهُ لَا يَنْتَفِي الْإِنْسَانُ عُرْفًا بِانْتِفَاءِ الظُّفُرِ أَوْ الْأُصْبُعِ (وَنَحْوِ الْأَرْضِ لِمَجْمُوعِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ) أَيْ وَبِخِلَافِ إطْلَاقِهَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا قَائِلَ بِصِحَّتِهِ لِعَدَمِ التَّرَكُّبِ الْحَقِيقِيِّ (عَلَى أَنَّهُ) أَيْ تَعْمِيمَ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعَانِيهِ (لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ إطْلَاقِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُشْتَرَكَ (لَمْ يُوضَعْ لِمَجْمُوعِهَا) أَيْ الْمَفَاهِيمِ (لِيَكُونَ كُلُّ مَفْهُومٍ جُزْءَ مَا وُضِعَ) الْمُشْتَرَكُ (لَهُ خُصُوصًا عَلَى قَوْلِ الْمَجَازِ) أَيْ أَنَّهُ يَعُمُّ فِي مَفَاهِيمِهِ مَجَازًا لِانْتِفَاءِ الْوَضْعِ الْحَقِيقِيِّ فِي الْمَجَازِ (وَأَمَّا صِحَّتُهُ) أَيْ عُمُومِهِ حَقِيقَةً (فِي النَّفْيِ) كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ (فَإِنَّ الْمَنْفِيَّ مَا يُسَمَّى بِاللَّفْظِ) فَيَتَنَاوَلُ سَائِرَ مُسَمَّيَاتِهِ لَكِنَّ الْفَاضِلَ الْأَبْهَرِيَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا كَلَامَ فِي صِحَّةِ هَذَا وَمَجَازِيَّتِهِ كَمَا يُؤَوَّلُ الْعِلْمُ بِمَا يُسَمَّى بِهِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ فِيمَا يُظْهِرُ (الْمُصَحِّحُونَ حَقِيقِيَّةَ وَضْعِ الْكُلِّ) مِنْ الْمَفَاهِيمِ (فَإِذَا قُصِدَ الْكُلُّ) أَيْ جَمِيعُهَا بِهِ (كَانَ) مُسْتَعْمَلًا لَهُ (فِيمَا وُضِعَ لَهُ قُلْنَا: اسْمُ الْحَقِيقَةِ) إنَّمَا يَثْبُتُ لِلَّفْظِ (بِالِاسْتِعْمَالِ لَا بِالْوَضْعِ فَإِذَا شُرِطَ فِي الِاسْتِعْمَالِ عَدَمُ الْجَمْعِ) بَيْنَ مَفَاهِيمِهِ فِي الْإِرَادَةِ مِنْهُ دَفْعَةً لُغَةً (امْتَنَعَ) اسْتِعْمَالُهُ فِي الْجَمِيعِ (لُغَةً فَلَوْ اُسْتُعْمِلَ) فِي الْجَمِيعِ (كَانَ خَطَأً فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ حَقِيقَةً) فِيهِ وَحِينَئِذٍ (فَيَمْتَنِعُ وُجُودُهُ) أَيْ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْجَمِيعِ (فِي لِسَانِ الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ، وَدَلِيلُ الِاشْتِرَاطِ) الْمَذْكُورِ (مَا قَدَّمْنَا) مِنْ تَبَادُرِ الْأَحَدِ
مِنْ مَعَانِيهِ لَكِنْ عَلَى هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُفْرَدِ مَا سَيَأْتِي مَعَ جَوَابِهِ وَإِلَى التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ الشِّعْرِ وَالْحَدِيثِ (قَالُوا) أَيْ الْمُجَوِّزُونَ فِي دَفْعِ الِامْتِنَاعِ (وَقَعَ) اسْتِعْمَالُهُ كَذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، قَالَ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ} [الأحزاب: 56] {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ} [الحج: 18] الْآيَةَ وَهِيَ) أَيْ الصَّلَاةُ (مِنْ اللَّهِ الرَّحْمَةُ وَمِنْ غَيْرِهِ الدُّعَاءُ فَهُوَ) أَيْ لَفْظُ يُصَلُّونَ (مُشْتَرَكٌ) وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ بِكُلٍّ مِنْ مَعْنَيَيْهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ
(وَالسُّجُودُ فِي الْعُقَلَاءِ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ) عَلَى الْأَرْضِ (وَمِنْ غَيْرِهِمْ) هُوَ (الْخُضُوعُ) فَهُوَ إذًا مُشْتَرَكٌ اُسْتُعْمِلَ بِكُلٍّ مِنْ مَعْنَيَيْهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا (قُلْنَا: إذَا لَزِمَ كَوْنُهُ) أَيْ اللَّفْظِ (حَقِيقَةً فِي مَعْنَيَيْنِ وَأَمْكَنَ جَعْلُهُ) أَيْ اللَّفْظِ (لِمُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْمَعْنَيَيْنِ (لَزِمَ) كَذَلِكَ لَا مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا؛ لِأَنَّ التَّوَاطُؤَ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ، وَهُنَا كَذَلِكَ (فَالسُّجُودُ) أَيْ مَعْنَاهُ (الْمُشْتَرَكُ) بَيْنَ سُجُودِ الْعُقَلَاءِ وَغَيْرِهِمْ هُوَ (الْخُضُوعُ الشَّامِلُ) لِلِاخْتِيَارِيِّ وَالْقَهْرِيِّ (قَوْلًا وَفِعْلًا) وَهُوَ انْقِيَادُ الْمَخْلُوقِ لِأَمْرِ اللَّهِ وَتَصَرُّفِهِ فِيهِ (فَهُوَ) أَيْ الْخُضُوعُ (مُتَوَاطِئٌ فَيَسْجُدُ لَهُ يَخْضَعُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ) أَيْ الْخُضُوعُ (لِجِنْسِيَّتِهِ يَخْتَلِفُ صُورَةً فَفِي الْعُقَلَاءِ بِالْوَضْعِ، وَفِي غَيْرِهِمْ بِغَيْرِهِ) أَيْ وَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ مِمَّا يُفِيدُ مَعْنَى الْخُضُوعِ (فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهُ إذَا أُرِيدَ الْقَهْرِيُّ شَمِلَ الْكُلَّ فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ أَوْ الِاخْتِيَارِيُّ وَلَمْ يَتَأَتَّ فِي غَيْرِهِمْ) أَيْ غَيْرِ الْعُقَلَاءِ
(وَكَذَا الصَّلَاةُ مَوْضُوعَةٌ لِلِاعْتِنَاءِ) بِالْمُصَلَّى عَلَيْهِ (بِإِظْهَارِ الشَّرَفِ) وَرَفْعِ الْقَدْرِ لَهُ (وَيَتَحَقَّقُ) الِاعْتِنَاءُ الْمَذْكُورُ (مِنْهُ تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ وَمِنْ غَيْرِهِ بِدُعَائِهِ لَهُ تَقْدِيمًا لِلِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ عَلَى اللَّفْظِيِّ أَوْ يَجْعَلُ) ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ لِلَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الشَّامِلُ لِلْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ (مَجَازًا فِيهِ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْ السُّجُودِ وَالصَّلَاةِ عَلَى التَّوْزِيعِ فَالسُّجُودُ لِلْخُضُوعِ مَجَازًا وَالصَّلَاةُ لِإِظْهَارِ الِاعْتِنَاءِ مَجَازًا (فَيَعُمُّ) الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ فِيهِمَا وَهُوَ وَضْعُ الْجَبْهَةِ فِي السُّجُودِ وَالدُّعَاءُ فِي الصَّلَاةِ
(وَأَمَّا أَهْلُ التَّفْسِيرِ فَعَلَى إضْمَارِ خَبَرٍ لِلْأَوَّلِ) فِي آيَةِ الصَّلَاةِ أَيْ إنَّ اللَّهَ يُصَلِّي وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ فَحُذِفَ يُصَلِّي لِدَلَالَةِ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ
نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا
…
عِنْدَك رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفٌ
وَعَلَى هَذَا فَقَدْ كَرَّرَ اللَّفْظَ مُرَادًا بِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ فِي حُكْمِ الْمَلْفُوظِ، وَهَذَا جَائِزٌ اتِّفَاقًا (وَعَلَيْهِ) أَيْ مَنْعِ تَعْمِيمِ الْمُشْتَرَكِ (تَفَرَّعَ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ لِمَوَالِيهِ وَهُمْ لَهُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ) كَمَا قَدَّمْنَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَعُمَّهُمَا اللَّفْظُ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ بَقِيَ الْمُوصَى لَهُ مَجْهُولًا فَبَطَلَتْ وَقِيَاسُ مَا أَسْلَفْنَاهُ عَنْ السُّبْكِيّ فِي مَسْأَلَتِهِمْ فِي الْوَقْفِ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي الْوَصِيَّةِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ كَذَلِكَ أَيْضًا، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ
(مَسْأَلَةُ الْمُقْتَضَى) بِفَتْحِ الضَّادِ (مَا اسْتَدْعَاهُ صِدْقُ الْكَلَامِ كَرَفْعِ الْخَطَأِ أَوْ النِّسْيَانِ أَوْ) مَا اسْتَدْعَاهُ (حُكْمٌ) لِلْكَلَامِ (لَزِمَهُ) أَيْ الْحُكْمُ الْكَلَامَ (شَرْعًا) فَهَذَانِ مُقْتَضِيَانِ بِكَسْرِ الضَّادِ وَأَمَّا الْمُقْتَضَى فِيهِمَا فَيَذْكُرُهُ قَرِيبًا (فَإِنْ تَوَقَّفَا) أَيْ الصِّدْقُ وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورَانِ (عَلَى خَاصٍّ بِعَيْنِهِ أَوْ عَامٍّ لَزِمَ) ذَلِكَ الْخَاصُّ أَوْ الْعَامُّ (وَمُنِعَ عُمُومُهُ) أَيْ الْمُقْتَضَى بِالْفَتْحِ (هُنَا) أَيْ فِيمَا إذَا تَوَقَّفَ عَلَى عَامٍّ (لِعَدَمِ كَوْنِهِ لَفْظًا) كَمَا ذَكَرَهُ جَمْعٌ مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ (لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ كَالْمَلْفُوظِ) فِي إفَادَةِ الْمَعْنَى (وَقَدْ تَعَيَّنَ) الْمُقَدَّرُ بِصِفَةِ الْعُمُومِ بِالدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ لَهُ فَيَكُونُ عَامًّا (وَأَيْضًا هُوَ) أَيْ الْمُقَدَّرُ (ضَرُورِيٌّ لِفَرْضِ التَّوَقُّفِ) أَيْ تَوَقُّفِ
الْكَلَامِ صِدْقًا أَوْ صِحَّةً شَرْعِيَّةً (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُقَدَّرِ (وَإِلَّا) فَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَيْهِ صِدْقًا أَوْ صِحَّةً شَرْعِيَّةً (فَغَيْرُ الْمَفْرُوضِ وَلَوْ كَانَ) تَوَقُّفُ الصِّدْقِ أَوْ الْحُكْمِ شَرْعًا (عَلَى أَحَدِ أَفْرَادِهِ) أَيْ الْعَامِّ (لَا يُقَدَّرُ مَا يَعُمُّهَا) أَيْ أَفْرَادَهُ (بَلْ إنْ اخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهَا وَلَا مُعَيِّنَ) لِأَحَدِهَا (فَمُجْمَلٌ) أَيْ الْمُقَدَّرِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُجْمَلِ (أَوْ لَا) تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهَا (فَالدَّائِرُ) بَيْنَهَا أَيْ فَوَاحِدٌ مِنْهَا وَنُسِبَ إلَى الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُقَدِّرُ مَا يَعُمُّهَا (لَنَا) فِي أَنَّهُ لَا يُقَدِّرُ مَا يَعُمُّهَا أَنَّهُ (إضْمَارُ الْكُلِّ بِلَا مُقْتَضٍ) فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَا يُقَدَّرُ لِلضَّرُورَةِ يُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا (قَالُوا) أَيْ الْمُعَمِّمُونَ: إضْمَارُ مَا يَعُمُّهَا كَرَفْعِ حُكْمِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ عُمُومًا فِي أَفْرَادِهِ لِيَشْمَلَ كُلَّ حُكْمٍ لَهُمَا حَيْثُ لَمْ تَرْتَفِعْ ذَاتُهُمَا (أَقْرَبُ) مَجَازٍ (إلَى الْحَقِيقَةِ) كَرَفْعِ ذَاتِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ مِنْ سَائِرِ الْمَجَازَاتِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ فِي رَفْعِ أَحْكَامِهَا رَفْعَهَا، وَالْمَجَازُ الْأَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ (قُلْنَا إذَا لَمْ يَنْفِهِ) أَيْ الْمَجَازَ الْأَقْرَبَ كَنَفْيِ عُمُومِ أَحْكَامِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ (الدَّلِيلُ) وَلَكِنْ هُنَا نَفَاهُ، وَهُوَ إضْمَارُ الْكُلِّ بِلَا مُقْتَضٍ (وَكَوْنُ الْمُوجِبِ لِلْإِضْمَارِ فِي الْبَعْضِ) مُبْتَدَأً وَخَبَرُهُ (يَنْفِي الْكُلَّ لِمَا قُلْنَا) مِنْ كَوْنِهِ بِلَا مُقْتَضٍ أَيْضًا (فَفِي الْحَدِيثِ أُرِيدَ حُكْمُهَا) أَيْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ (وَمُطْلَقُهُ) أَيْ حُكْمِهَا (يَعُمُّ حُكْمَيْ الدَّارَيْنِ) الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (وَلَا تَلَازُمَ) بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ (إذْ يَنْتَفِي الْإِثْمُ) وَهُوَ حُكْمُ الْآخِرَةِ (وَيَلْزَمُ الضَّمَانُ) وَهُوَ حُكْمُ الدُّنْيَا كَمَا فِي إتْلَافِ مَالٍ مُحْتَرَمٍ مَمْلُوكٍ لِلْغَيْرِ خَطَأً (فَلَوْلَا الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْأُخْرَوِيَّ مُرَادٌ تَوَقَّفَ) عَنْ الْعَمَلِ بِهِ لِإِجْمَالِهِ فِيهِمَا (وَإِذْ أُجْمِعَ) عَلَى أَنَّ الْأُخْرَوِيَّ مُرَادٌ (انْتَفَى الْآخَرُ) وَهُوَ الدُّنْيَوِيُّ (فَفَسَدَتْ الصَّلَاةُ بِنِسْيَانِ الْكَلَامِ وَخَطَئِهِ) مُطْلَقًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَلِغَيْرِهِمْ تَفَاصِيلُ تُعْرَفُ فِي فُرُوعِهِمْ (وَالصَّوْمُ بِالثَّانِي) أَيْ بِالْمُفْسِدِ خَطَأً كَسَبْقِ الْمَاءِ إلَى بَطْنِهِ فِي الْمَضْمَضَةِ (لَا الْأَوَّلُ) أَيْ بِفِعْلِ الْمُفْسِدِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ نِسْيَانًا (بِالنَّصِّ) وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
(وَلَوْ صَحَّ قِيَاسُهُ) أَيْ الْخَطَأِ (عَلَيْهِ) أَيْ النِّسْيَانِ فِي عَدَمِ إفْسَادِ الصَّوْمِ بِجَامِعِ عَدَمِ الْقَصْدِ إلَى الْجِنَايَةِ كَمَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَصَحُّ لِلشَّافِعِيِّ إذَا لَمْ يُبَالِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَقَوْلُ أَحْمَدَ إذَا لَمْ يُسْرِفْ فِيهِمَا خِلَافًا لِأَصْحَابِنَا وَمَالِكٍ بَلْ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى مَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ (فَدَلِيلٌ آخَرُ) لَا مِنْ حَدِيثِ «رَفْعِ الْخَطَأِ» وَإِنَّمَا قَالَ لَوْ صَحَّ لِلنَّظَرِ فِي صِحَّتِهِ فَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ الْمُؤَثِّرِ؛ لِأَنَّهُ قَلَّ مَا يَحْصُلُ الْفَسَادُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مَعَ التَّذَكُّرِ وَعَدَمِ قَصْدِ الْجِنَايَةِ كَمَا فِي حَالَةِ الْخَطَأِ بِخِلَافِ حُصُولِهِ بِهِمَا مَعَ عَدَمِ التَّذَكُّرِ وَقِيَامِ مُطَالَبَةِ الطَّبْعِ بِالْمُفْطِرَاتِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عُذِرَ فِيمَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ مِثْلُهُ فِيمَا لَمْ يَكْثُرْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
(وَأَمَّا الصَّلَاةُ) أَيْ قِيَاسُهَا (عَلَى الصَّوْمِ) فِي عَدَمِ الْفَسَادِ بِفِعْلِ الْمُفْسِدِ نِسْيَانًا (فَبَعِيدٌ؛ لِأَنَّ عُذْرَهُ) أَيْ الْمُكَلَّفِ (وَلَا مُذَكِّرَ) لَهُ كَمَا فِي الصَّوْمِ (لَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ عُذْرَهُ (مَعَهُ) أَيْ الْمُذَكِّرِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ؛ لِانْتِفَاءِ التَّقْصِيرِ مِنْهُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي (وَلِذَا) أَيْ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْعُذْرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُذَكِّرِ ثُبُوتُهُ مَعَ الْمُذَكِّرِ (وَجَبَ الْجَزَاءُ بِقَتْلِ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ نَاسِيًا) لِوُجُودِ الْمُذَكِّرِ لَهُ وَهُوَ التَّلَبُّسُ بِهَيْئَةِ الْإِحْرَامِ.
(وَفِي الثَّانِي) أَيْ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ (لَزِمَ التَّرْكِيبَ شَرْعًا حُكْمٌ) هُوَ (صِحَّةُ الْعِتْقِ) عَنْ الْآمِرِ (وَسُقُوطُ الْكَفَّارَةِ) عَنْهُ إنْ نَوَى عِتْقَهُ عَنْهَا فَيَقْتَضِي سَبْقَ وُجُودِ الْمِلْكِ لِلْآمِرِ فِي الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَهُ عَنْهُ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الْمِلْكِ بِالنَّصِّ، وَالْمِلْكُ يَقْتَضِي
سَبَبًا، وَهُوَ هُنَا الْبَيْعُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ عَنِّي بِأَلْفٍ فَيَكُونُ الْبَيْعُ لَازِمًا مُتَقَدِّمًا لِمَعْنَى الْكَلَامِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَيَقْتَضِي) هَذَا الْحُكْمُ (سَبْقَ تَقْدِيرِ اشْتَرَيْت عَبْدَك بِأَلْفٍ فِي الْمُتَقَدِّمِ) أَيْ فِي قَوْلِ الْآمِرِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ عَلَى هَذَا (وَبِعْته فِي الْمُتَأَخِّرِ) أَيْ وَتَقْدِيرُ سَبْقِ بِعْته فِي قَوْلِ الْمَأْمُورِ أَعْتِقْهُ عَنْك عَلَى هَذَا وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَقْدِيرِهِمْ مَعَ الْأَوَّلِ بِعَيْنِهِ بَلْ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكْفِيَ فِي الْمَطْلُوبِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (أَمَّا بِعَيْنِهِ فَتَوْكِيلُ الْبَائِعِ فَقَطْ لَا يُجْزِئُ) فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ وَإِنْ اسْتَلْزَمَ قَوْلُ الْمَأْمُورِ أَعْتِقْهُ سَبْقَ بِعْته؛ لِأَنَّهُ شَطْرُ الْعَقْدِ فَلَا يَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ إذَا كَانَا صَرِيحَيْنِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ لَمَّا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (لَوْلَا أَنَّهُ ضِمْنِيٌّ) إذْ كَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا فَلَا ضَيْرَ فِي ثُبُوتِهِ بِلَا قَبُولٍ، وَإِنْ كَانَ رُكْنًا؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَقْبَلُ السُّقُوطَ كَمَا فِي بَيْعِ التَّعَاطِي، وَإِذَا صَحَّ بَيْعًا مُجَرَّدُ قَطْعِ ثَوْبٍ جَوَابًا لِقَوْلِ مَالِكِهِ بِعْتُكَهُ بِكَذَا فَاقْطَعْهُ فَلَا يَبْعُدُ صِحَّةُ هَذَا بِدُونِ ذِكْرِ الْقَبُولِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي هَذَا الْبَيْعِ مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْبَيْعِ الْقَصْدِيِّ مِنْ كَوْنِ الْمَبِيعِ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ حَتَّى صَحَّ هَذَا فِي الْآبِقِ فَيُعْتَقُ عَنْ الْآمِرِ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ بَعْضُ لَوَازِمِهِ مِنْ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِشُرُوطِ الْمُقْتَضَى، وَهُوَ الْإِعْتَاقُ فَيُعْتَبَرُ فِي الْآمِرِ أَهْلِيَّتُهُ لِلْإِعْتَاقِ حَتَّى لَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ لَا يَثْبُتُ الْبَيْعُ بِهِ.
وَلَا يُقَالُ يُشْكِلُ كَوْنُ الْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ بِطَلِّقِي نَفْسَك إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ نَوَاهَا الزَّوْجُ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى طَلِّقِي نَفْسَك طَلَاقًا وَهُوَ جِنْسٌ فَيَجُوزُ أَنْ يُعَمَّمَ بِأَنْ يُرَادَ بِهِ الثَّلَاثُ مَعَ أَنَّهُ ثَابِتٌ مُقْتَضًى؛ لِأَنَّا نَقُولُ (وَلَيْسَ مِنْ الْمُقْتَضَى) بِالْفَتْحِ مَا اقْتَضَاهُ (طَلِّقِي) نَفْسَك مِنْ الْمَصْدَرِ (لِأَنَّ الْجِنْسَ) الَّذِي هُوَ طَلَاقٌ (مَذْكُورٌ لُغَةً إذْ هُوَ) أَيْ طَلِّقِي (أَوْجِدِي طَلَاقًا) ؛ لِأَنَّهُ لِطَلَبِ الطَّلَاقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَتَوَقَّفُ إلَّا عَلَى تَصَوُّرِ وُجُودِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا مِنْ حَيْثُ الْإِيجَازُ وَالتَّطْوِيلُ، وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَّ مَعْنَاهُ افْعَلِي فِعْلَ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ ثَابِتًا لُغَةً لَا اقْتِضَاءً (فَصَحَّتْ نِيَّةُ الْعُمُومِ) فِيهِ كَمَا لَوْ كَانَ مُصَرِّحًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ، وَحَمْلُهُ عَلَى الْأَقَلِّ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ. (وَنُقِضَ) هَذَا (بِطَالِقٍ) فَإِنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ يَتَضَمَّنُ الْمَصْدَرَ كَالْفِعْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمْ يُصَحِّحُوهُ حَتَّى لَوْ نَوَى الثَّلَاثَ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ (وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ الْمَصْدَرَ (الْمَذْكُورَ) لُغَةً لَا اقْتِضَاءً فِي أَنْتِ طَالِقٌ (طَلَاقٌ هُوَ وَصْفُهَا) أَيْ الْمُطَلَّقَةِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَوْصُوفَةُ بِطَالِقٌ فِي أَنْتِ طَالِقٌ (وَتَعَدُّدُهُ) أَيْ وَصْفُهَا بِهِ (بِتَعَدُّدِ فِعْلِهِ) يَعْنِي الْمُطَلِّقَ أَيْ (تَطْلِيقَهُ) ؛ لِأَنَّ وَصْفَهَا بِهِ أَثَرُ تَطْلِيقِهِ.
(وَثُبُوتُهُ) أَيْ تَطْلِيقِهِ (مُقْتَضَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ هُوَ الْوُقُوعُ تَصْدِيقًا لَهُ) أَيْ ثَبَتَ ضَرُورَةً أَنَّ اتِّصَافَ الْمَرْأَةِ بِالطَّلَاقِ يَتَوَقَّفُ شَرْعًا عَلَى تَطْلِيقِ الزَّوْجِ إيَّاهَا سَابِقًا؛ لِيَكُونَ صَادِقًا فِي وَصْفِهِ إيَّاهَا بِهِ فَيَكُونُ ثَابِتًا اقْتِضَاءً (فَلَا يَقْبَلُ الْعُمُومَ وَيُدْفَعُ) هَذَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي التَّلْوِيحِ (بِأَنَّهُ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ (إنْشَاءٌ شَرْعًا يَقَعُ بِهِ) الطَّلَاقُ (وَلَا مُقَدِّرَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ) أَيْ التَّقْدِيرَ الْمَذْكُورَ (فَرْعُ الْخَبَرِيَّةِ الْمَحْضَةِ) الَّتِي يَثْبُتُ التَّقْدِيرُ بِاعْتِبَارِهَا (وَلَا تَصِحُّ فِيهِ) أَيْ فِي أَنْتِ طَالِقٌ (الْجِهَتَانِ) الْإِنْشَائِيَّةُ وَالْخَبَرِيَّةُ مَعًا كَمَا قِيلَ إخْبَارٌ مِنْ وَجْهٍ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ (لِتَنَافِي لَازِمَيْ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ) أَيْ احْتِمَالِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ الَّذِي هُوَ لَازِمُ الْخَبَرِ وَعَدَمُ احْتِمَالِهِمَا الَّذِي هُوَ لَازِمُ الْإِنْشَاءِ (وَالثَّابِتُ لَهُ) أَيْ لِأَنْتِ طَالِقٌ إنَّمَا هُوَ (لَازِمُ الْإِنْشَاءِ) وَهُوَ عَدَمُ احْتِمَالِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَهُوَ إنْشَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (وَقَدْ
يَلْتَزِمُ) كَوْنُهُ إنْشَاءً وَيُجَابُ عَدَمُ صِحَّةِ نِيَّةِ الثَّلَاثِ فِيهِ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْأَصْلِ إخْبَارًا ثُمَّ نُقِلَ إلَى الْإِنْشَاءِ الشَّرْعِيِّ يَجِبُ أَنْ يَبْقَى مَا عُرِفَ أَنَّهُ نُقِلَ إلَيْهِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ إنَّمَا نُقِلَ إلَى وُقُوعِ وَاحِدَةٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْهَا إلَّا بِسَمْعٍ، وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ:(غَيْرَ أَنَّ الْمُتَحَقَّقَ تَعْيِينُهُ بِرُمَّتِهِ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ بِجُمْلَتِهِ (إنْشَاءً لِوُقُوعِ وَاحِدَةٍ فَتَعَدِّيهَا) أَيْ الْوَاحِدَةِ إلَى مَا فَوْقَهَا يَكُونُ (بِلَا لَفْظٍ) مُفِيدٍ لِذَلِكَ، وَهُوَ لَا يَقَعُ بِهَذَا (بِخِلَافِ طَلِّقِي) فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ إلَى شَيْءٍ بَلْ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ (لِأَنَّهُ طَلَبٌ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ فَتَصِحُّ) نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ.
وَلَمَّا كَانَ هُنَا مَظِنَّةُ أَنْ يُقَالَ يُشْكِلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ بِنِيَّتِهَا بِطَالِقٌ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ بِنِيَّتِهَا بِطَالِقٍ طَلَاقًا فَإِنَّ طَلَاقًا مُنْتَصِبٌ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرُ طَالِقٍ أَشَارَ إلَى جَوَابِهِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: (وَفِي الثَّلَاثِ) أَيْ وَفِي وُقُوعِهَا بِنِيَّتِهَا (بِطَالِقٍ طَلَاقًا رِوَايَةٌ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (بِالْمَنْعِ) أَيْ بِمَنْعِ وُقُوعِهَا، وَإِنَّمَا يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَلَا إشْكَالَ وَثَانِيًا بِقَوْلِهِ (وَعَلَى التَّسْلِيمِ) لِوُقُوعِهَا بِهِ كَمَا هُوَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ (هُوَ) أَيْ وُقُوعُهَا بِهِ (عَلَى إرَادَةِ التَّطْلِيقِ بِطَلَاقًا مَصْدَرُ الْمَحْذُوفِ) فَإِنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهِ التَّطْلِيقُ كَالسَّلَامِ وَالْبَلَاغِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ وَالتَّبْلِيغِ فَصَحَّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الثَّلَاثُ حِينَئِذٍ مَعْمُولًا لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ طَالِقٌ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك طَلَاقًا ثَلَاثًا لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَإِنَّمَا يَتِمُّ) الْقَوْلُ بِوُقُوعِهَا بِطَلَاقًا (بِإِلْغَاءِ طَالِقٍ مَعَهُ) أَيْ مَعَ طَلَاقًا فِي حَقِّ الْإِيقَاعِ (كَمَا مَعَ الْعَدَدِ) فِي أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّ الْوَاقِعَ هُوَ الْعَدَدُ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُلْغَ فِي حَقِّهِ بَلْ (وَقَعَ بِهِ) أَيْ بِطَالِقٍ (وَاحِدَةٌ لَزِمَ ثِنْتَانِ بِالْمَصْدَرِ، وَهُوَ) أَيْ وُقُوعُ ثِنْتَيْنِ بِالْمَصْدَرِ (مُنْتَفٍ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْحُرَّةِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ مَعْنَى التَّوَحُّدِ مُرَاعًى فِيهِ، وَهُوَ بِالْفَرْدِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْجِنْسِيَّةِ وَالْمُثَنَّى بِمَعْزِلٍ عَنْهُمَا، وَهَذَا يُقَوِّي رِوَايَةَ الْمَنْعِ أَيْضًا وَيَجِبُ كَوْنُ طَالِقٍ الطَّلَاقَ مِثْلَهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا فِي الْمُنْكَرِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ) يَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ (بِتَأْوِيلٍ وَقَعَ عَلَيْك) التَّطْلِيقُ فَيَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ.
(وَمَا قِيلَ فَمَا يُمْنَعُ مِثْلُهُ فِي طَالِقٍ) بِأَنْ يُرَادَ أَنْتِ ذَاتٌ وَقَعَ عَلَيْك التَّطْلِيقُ فَتَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ أَيْضًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي التَّلْوِيحِ (وَيُجَابُ بِعَدَمِ إمْكَانِ التَّصَرُّفِ فِيهِ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ (إذَا نُقِلَ لِلْإِنْشَائِيَّةِ) أَيْ إلَيْهَا شَرْعًا كَمَا تَقَدَّمَ (فَكَانَ عَيْنُ اللَّفْظِ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ (لِعَيْنِ الْمَعْنَى الْمَعْلُومِ نَقْلُهُ إلَيْهِ، وَهُوَ) أَيْ الْمَعْنَى الْمَنْقُولُ إلَيْهِ هُوَ الطَّلْقَةُ (الْوَاحِدَةُ) عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِ الْعَدَدِ (وَالثِّنْتَانِ وَالثَّلَاثُ مَعَ الْعَدَدِ) بِخِلَافِ طَلَاقٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ.
(وَلَيْسَ مِنْ الْمُقْتَضَى الْمَفْعُولُ) بِهِ الْمَطْوِيُّ ذِكْرُهُ لِفِعْلٍ مُتَعَدٍّ وَاقِعٍ بَعْدَ نَفْيٍ أَوْ شَرْطٍ كَمَا (فِي نَحْوِ لَا آكُلُ، وَإِنْ أَكَلْت) فَعَبْدِي حُرٌّ (إذْ لَا يُحْكَمُ بِكَذِبِ مُجَرَّدِ أَكَلْت) وَلَا آكُلُ (فَلَمْ يَتَوَقَّفْ صِدْقُهُ) أَيْ أَكَلْت وَكَذَا لَا آكُلُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمَفْعُولِ بِهِ (وَلَا) يُحْكَمُ (بِعَدَمِ صِحَّةِ شَرْعِيَّةٍ) لِأَكَلْت وَلَا لِلْآكِلِ بِدُونِ الْمَفْعُولِ بِهِ (فَنَخُصُّهُ) أَيْ هَذَا الْمَفْعُولَ بِهِ (بِاسْمِ الْمَحْذُوفِ، وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَحْذُوفُ (وَإِنْ قَبِلَ الْعُمُومَ لَا يَقْبَلُ عُمُومُهُ التَّخْصِيصَ إذْ لَيْسَ) هَذَا الْمَحْذُوفُ أَمْرًا (لَفْظِيًّا وَلَا فِي حُكْمِهِ) أَيْ اللَّفْظِيِّ لِتَنَاسِيهِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ إذْ لَيْسَ الْغَرَضُ إلَّا الْإِخْبَارَ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُتَعَدِّي قَدْ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ لِهَذَا الْغَرَضِ، وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ مِنْ الْعُمُومَاتِ مَا لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ فَلْيَكُنْ هَذَا مِنْهَا لِهَذَا الْمَعْنَى.
(فَلَوْ نَوَى مَأْكُولًا دُونَ آخَرَ لَمْ تَصِحَّ) نِيَّتُهُ قَضَاءً اتِّفَاقًا وَلَا (دِيَانَةً خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ) وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اخْتَارَهَا الْخَصَّافُ (وَالِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى عَدَمِ التَّخْصِيصِ
(فِي بَاقِي الْمُتَعَلِّقَاتِ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ) حَتَّى لَوْ نَوَى لَا يَأْكُلُ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان دُونَ آخَرَ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ اتِّفَاقًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ الْفَاضِلُ الْكَرْمَانِيُّ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ عُمُومَهُمَا عَقْلِيٌّ إذْ هُمَا مَحْذُوفَانِ لَا مُقَدَّرَانِ فَلَا يَتَجَزَّآنِ وِفَاقًا (وَالْتِزَامُ الْخِلَافِ) فِي الْعُمُومِ (فِيهَا) أَيْ فِي بَقِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا بِجَامِعِ الْمَفْعُولِيَّةِ كَمَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ (غَيْرُ صَحِيحٍ) بَلْ قَالَ الْفَاضِلُ الْأَبْهَرِيُّ: الْتِزَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ عُمُومَ الْمَفْعُولِ فِيهِ فِي نَحْوِ لَا آكُلُ خِلَافُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ إذْ لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ حَذْفَ الْمَفْعُولِ فِيهِ قَدْ يَكُونُ لِلتَّعْمِيمِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى خِلَافِهِ بَلْ حَذْفُهُ إنَّمَا يَكُونُ لِلْعِلْمِ بِهِ أَوْ لِعَدَمِ إرَادَتِهِ. اهـ. لَكِنْ قَرَّرَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ الْتِزَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ بِمَا نَصَّهُ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ وَنَوَى زَمَنًا مُعَيَّنًا أَوْ مَكَانًا صَحَّتْ يَمِينُهُ هَذَا مَذْهَبُنَا، وَدَعْوَى الْإِمَامِ الرَّازِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِهِ مَمْنُوعَةٌ، وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلْإِسْنَوِيِّ وَزَادَ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ أَرَدْت التَّكْلِيمَ شَهْرًا أَنَّهُ يَصِحُّ فَعَلَى هَذَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ.
(وَالْفَرْقُ) بَيْنَ الْمَفْعُولِ بِهِ وَظَرْفَيْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ عَلَى مَا ذَكَرُوا (بِأَنَّ الْمَفْعُولَ فِي حُكْمِهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ (إذْ لَا يُعْقَلُ) مَعْنَى الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي (إلَّا بِعَقْلِيَّتِهِ) أَيْ الْمَفْعُولِ بِهِ فَجَازَ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْبَعْضُ بِخِلَافِ الظَّرْفَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَيْسَا فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ قَدْ يُعْقَلُ مَعَ الذُّهُولِ عَنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُمَا فِي الْوَاقِعِ فَلَمْ يَكُونَا دَاخِلَيْنِ تَحْتَ الْإِرَادَةِ فَلَمْ يَقْبَلَا التَّخْصِيصَ؛ لِأَنَّ قَبُولَهُمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى دُخُولِهِمَا تَحْتَ الْإِرَادَةِ (مَمْنُوعٌ وَنَقْطَعُ بِتَعَقُّلِ مَعْنَى الْمُتَعَدِّي مِنْ غَيْرِ إخْطَارِهِ) أَيْ الْمَفْعُولِ بِهِ بِالْبَالِ (فَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ الْمَفْعُولُ بِهِ (لَازِمٌ لِوُجُودِهِ) أَيْ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي (لَا مَدْلُولُ اللَّفْظِ) لِيَتَجَزَّأَ بِالْإِرَادَةِ فَلَمْ يَكُنْ كَالْمَذْكُورِ (بَقِيَ أَنْ يُقَالَ لَا آكُلُ) مَعْنَاهُ (لَا أُوجِدُ أَكْلًا) وَأَكْلًا عَامٌّ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ (فَيَقْبَلُهُ) أَيْ التَّخْصِيصَ، إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ مُصَرِّحًا بِهِ غَايَتُهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ وَقَدْ تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ:(وَالنَّظَرُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنْ لَاحَظَ الْأَكْلَ الْجُزْئِيَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالْمَأْكُولِ الْخَاصِّ) الَّذِي لَمْ يُرِدْهُ (إخْرَاجًا) لَهُ مِنْ الْأَكْلِ الْعَامِّ لَا الْمَأْكُولِ نَفْسِهِ (صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ جُزْئِيٌّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ (أَوْ) لَاحَظَ (الْمَأْكُولَ) الْخَاصَّ إخْرَاجًا مِنْ الْمَأْكُولِ الْمُطْلَقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ (فَلَا) يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُتَعَلِّقَاتِ الَّتِي يُعْقَلُ الْفِعْلُ بِدُونِهَا (غَيْرَ أَنَّا نَعْلَمُ بِالْعَادَةِ فِي مِثْلِهِ) أَيْ هَذَا الْكَلَامِ (عَدَمَ مُلَاحَظَةِ الْحَرَكَةِ الْخَاصَّةِ) الَّتِي هِيَ بَعْضُ أَفْرَادِ الْفِعْلِ الْمُطْلَقِ الَّذِي هُوَ الْأَكْلُ.
(وَإِخْرَاجُهَا) أَيْ الْحَرَكَةِ الْخَاصَّةِ مِنْ الْأَكْلِ الْمُطْلَقِ (بَلْ) الْمُرَادُ إخْرَاجُ (الْمَأْكُولِ) الْخَاصِّ مِنْ الْمَأْكُولِ الْمُطْلَقِ (وَعَلَى مِثْلِهِ) أَيْ مَا هُوَ مَعْلُومٌ عَادَةً (يُبْنَى الْفِقْهُ فَوَجَبَ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ لَاحَظَ الْمَأْكُولَ الْخَاصَّ إخْرَاجًا لَهُ مِنْ الْمَأْكُولِ الْمُطْلَقِ، وَهُوَ غَيْرُ عَامٍّ فَلَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ كَمَا تَقَدَّمَ (بِخِلَافِ الْحَلِفِ لَا يَخْرُجُ) حَالَ كَوْنِهِ (مَخْرَجًا لِلسَّفَرِ مَثَلًا) مِنْ الْخُرُوجِ بِالنِّيَّةِ (حَيْثُ يَصِحُّ) إخْرَاجُهُ مِنْهُ تَخْصِيصًا (لِأَنَّ الْخُرُوجَ مُتَنَوِّعٌ إلَى سَفَرٍ وَغَيْرِهِ قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ) بِدَلِيلِ اخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا (وَالْعَادَةُ مُلَاحَظَتُهُ) أَيْ النَّوْعِ مِنْهُ (فَنِيَّةُ بَعْضِهِ) أَيْ خُرُوجِ نَوْعٍ مِنْهُ (نِيَّةُ نَوْعٍ) فَصَحَّتْ (كَأَنْتِ بَائِنٌ يَنْوِي الثَّلَاثَ) حَيْثُ يَصِحُّ نِيَّتُهَا؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ نَوْعَيْ الْبَيْنُونَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) الْمَذْكُورُ فِي عِبَارَةِ كَثِيرِ الْفِعْلِ الْمُثْبَتِ لَيْسَ بِعَامٍّ أَوْ لَا يَعُمُّ فِي أَقْسَامِهِ وَجِهَاتِهِ فَعَمَّمَ الْمُصَنِّفُ عَدَمَ الْعُمُومِ وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ لَيْسَ مَا يُقَابِلُ الْقَوْلَ بَلْ الْفِعْلُ الْمُصْطَلَحُ، وَهُوَ اللَّفْظُ الْخَاصُّ الْمَعْرُوفُ فَقَالَ (إذَا نُقِلَ فِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم -
بِصِيغَةٍ لَا عُمُومَ لَهَا كَصَلَّى فِي الْكَعْبَةِ) ، وَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ بِلَالٍ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ (لَا يَعُمُّ) فِعْلُهُ (بِاعْتِبَارٍ) مِنْ الِاعْتِبَارَاتِ (؛ لِأَنَّهُ) أَيْ نَقْلَ فِعْلِهِ بِالصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ (إخْبَارٌ عَنْ دُخُولٍ جُزْئِيٍّ فِي الْوُجُودِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ لِشَخْصِيَّتِهِ) أَيْ الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ بِسَبَبِ دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ (وَأَمَّا نَحْوُ صَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ) كَمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِقَائِلِهِ. وَاَلَّذِي فِي الْحَدِيثِ الْحَسَنِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي إمَامَةِ جِبْرِيلَ مَا لَفْظُهُ: ثُمَّ صَلَّى بِي الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ» وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ سَائِلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ فَسَاقَهُ مَا لَفْظُهُ ثُمَّ أَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ» (فَإِنَّمَا يَعُمُّ الْحُمْرَةَ وَالْبَيَاضَ عِنْدَ مَنْ يُعَمِّمُ الْمُشْتَرَكَ وَلَا يَسْتَلْزِمُ) تَعْمِيمُهُ (تَكَرُّرَ الصَّلَاةِ بَعْدَ كُلٍّ) مِنْ الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ (كَمَا فِي تَعْمِيمِ الْمُشْتَرَكِ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ بِكُلٍّ عَلَى الِانْفِرَادِ لِخُصُوصِ الْمَادَّةِ) هُنَا (وَهُوَ كَوْنُ الْبَيَاضِ دَائِمًا بَعْدَ الْحُمْرَةِ فَصَحَّ أَنْ يُرَادَ صَلَّى بَعْدَهُمَا صَلَاةً وَاحِدَةً فَلَا تَعُمُّ فِي الصَّلَاةِ بِطَرِيقِ التَّكْرَارِ فَلَا يَلْزَمُ جَوَازُ صَلَاتِهَا بَعْدَ الْحُمْرَةِ فَقَطْ. وَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ نَحْوِ) مَا عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد
«وَكَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ» أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ (مِنْ التَّكْرَارِ) لِصَلَاتِهِ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ وَلِجَمْعِهِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ سَفَرًا، وَهَذَا آيَةُ الْعُمُومِ ثُمَّ هُوَ بَيَانٌ لِمَا يُتَوَهَّمُ (فَمِنْ إسْنَادِ الْمُضَارِعِ) لَا مِنْ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَقِيلَ مِنْ كَانَ وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ (وَقِيلَ مِنْ الْمَجْمُوعِ مِنْهُ) أَيْ إسْنَادِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ (وَمِنْ قِرَانٍ كَانَ لَكِنْ نَحْوُ بَنُو فُلَانٍ يُكْرِمُونَ الضَّيْفَ وَيَأْكُلُونَ الْحِنْطَةَ يُفِيدُ أَنَّهُ عَادَتُهُمْ) فَيَظْهَرُ أَنَّ التَّكْرَارَ مِنْ مُجَرَّدِ إسْنَادِ الْمُضَارِعِ فَلَا جُرْمَ إنْ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُفِيدَ لِلِاسْتِمْرَارِ هُوَ لَفْظُ الْمُضَارِعِ وَكَانَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مُضِيِّ ذَلِكَ الْمَعْنَى (وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِفَادَةَ) أَيْ إفَادَةَ إسْنَادِ الْمُضَارِعِ التَّكْرَارُ (اسْتِعْمَالِيَّةٌ لَا وَضْعِيَّةٌ) وَأَكْثَرِيَّةٌ أَيْضًا لَا كُلِّيَّةٌ فَلَا يَقْدَحُ عَدَمُ ذَلِكَ فِيمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد فِي شَأْنِ خَرْصِ نَخْلِ خَيْبَرَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَيَخْرُصُ النَّخْلَ» الْحَدِيثَ لِكَوْنِ خَيْبَرَ كَانَتْ سَنَةَ سَبْعٍ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَعَبْدُ اللَّهِ قُتِلَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كَمَا أَنَّ مُجَرَّدَ إسْنَادِ الْمُضَارِعِ قَدْ يُفِيدُ التَّكْرَارَ اسْتِعْمَالًا عُرْفِيًّا كَذَلِكَ مُجَرَّدُ كَانَ إذَا دَخَلَتْ عَلَى مَا لَا يُفِيدُهُ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حُذَيْفَةَ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ» وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الدَّوَامِ وَحِينَئِذٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ، وَإِسْنَادُ الْمُضَارِعِ إذَا اجْتَمَعَا كَانَا مُتَعَاضِدَيْنِ عَلَى إفَادَةِ التَّكْرَارِ غَالِبًا، وَإِنَّ تَصْحِيحَ فَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ عَدَمَ دَلَالَةِ كَانَ عَلَى التَّكْرَارِ عُرْفًا كَمَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَضْعًا مُنْتَفٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(وَمِنْهُ) أَيْ وَمِمَّا لَا يَعُمُّ بِاعْتِبَارِ مَا (أَنْ لَا يَعُمَّ الْأُمَّةَ، وَلَوْ بِقَرِينَةٍ كَنَقْلِ الْفِعْلِ خَاصًّا بَعْدَ إجْمَالٍ فِي عَامٍّ بِحَيْثُ يُفْهَمُ أَنَّهُ) أَيْ ذَلِكَ الْفِعْلَ (بَيَانٌ) لِإِجْمَالِ ذَلِكَ الْعَامِّ (فَإِنَّ الْعُمُومَ لِلْمُجْمَلِ لَا لِنَقْلِ الْفِعْلِ) الْخَاصِّ، وَقَدْ أَفَادَ الْمُصَنِّفُ شَرْحَ هَذَا فَقَالَ لَمَّا وَقَعَ لِلْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ أَنَّ مِثْلَ الْقَرِينَةِ بِقَوْلِهِ كَوُقُوعِهِ بَعْدَ إجْمَالٍ أَوْ إطْلَاقٍ أَوْ عُمُومٍ
فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ بَيَانٌ لَهُ فَيَتْبَعُهُ فِي الْعُمُومِ وَعَدَمِهِ وَكَانَ هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَصِيرُ عَامًّا تَبَعًا نَفَاهُ الْمُصَنِّفُ وَقَصَرَ الْعُمُومَ عَلَى الْمُجْمَلِ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ لَمَّا كَانَ بِصِيغَةٍ لَيْسَتْ عَامَّةً لَا يَصِيرُ عَامًّا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ عَدَمَ الْعَمَلِ بِذَلِكَ الْمُجْمَلِ زَالَ بِالْفِعْلِ الْمُبَيَّنِ مَثَلًا إذَا قَالَ الرَّاوِي قَطْعُ يَدِ السَّارِقِ مِنْ الْكُوعِ بَعْدَ اقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا فَهَذِهِ حِكَايَةُ فِعْلٍ بَعْدَ عُمُومٍ فِيهِ إجْمَالٌ فِي مَحَلِّ الْقَطْعِ عَلَى قَوْلٍ كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ هُوَ بَيَانُ الْمُرَادِ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْإِجْمَالِ، وَأَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِمَا مِنْ الْمَنْكِبِ إلَى الْأَصَابِعِ، وَحَاصِلُهُ بَيَانُ مَجَازٍ أَوْ قَالَ صَلَّى فَقَامَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَهُوَ إجْمَالٌ فِي عَامٍّ فَفِي هَذَا وَنَحْوِهِ لَا يُفِيدُ تَكَرُّرُ الْفِعْلِ أَصْلًا وَلَكِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ أَوْقَعَ الصَّلَاةَ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ فَيَزُولُ ذَلِكَ الْإِجْمَالُ الْكَائِنُ فِيمَا تَعَلَّقَ بِالْعَامِّ فَيُمْكِنُ الْعَمَلُ بِعُمُومِهِ حِينَئِذٍ أَمَّا أَنَّ الْفِعْلَ صَارَ عَامًّا فَلَا وَلَا نَقَلَهُ (وَكَذَا نَحْوُ) قَوْلِ الرَّاوِي صَلَّى فَقَامَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ مَعَ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فَإِنَّ الْعُمُومَ لِقَوْلِهِ صَلُّوا إلَخْ لَا لِصَلَّى فَقَامَ إلَخْ (وَتَوْجِيهُ الْمُخَالِفِ) الْقَائِلِ بِعُمُومِهِ لِلْأُمَّةِ (بِعُمُومِ نَحْوِ سَهَا فَسَجَدَ) أَيْ قَوْلُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمْ فَسَهَا فِي صَلَاتِهِ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ «وَفَعَلْتُهُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاغْتَسَلْنَا» كَمَا هُوَ لَفْظُ عَائِشَةَ بَعْدَ قَوْلِهَا «إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ» ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا حَتَّى كَانَ كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ عَامًّا لِلْأُمَّةِ (مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ) أَيْ الْعُمُومَ لَهُمْ (مِنْ خَارِجٍ) عَنْ مَفْهُومِ اللَّفْظِ الْمَحْكِيِّ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ قَالَ الْآمِدِيُّ وَلِعُمُومِ السُّجُودِ جَوَابٌ خَاصٌّ، وَهُوَ إنَّمَا عَمَّ لِعُمُومِ الْعِلَّةِ، وَهُوَ السَّهْوُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ رَتَّبَ السُّجُودَ عَلَى السَّهْوِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ، وَهُوَ دَلِيلُ الْعِلِّيَّةِ (وَأَمَّا حِكَايَةُ قَوْلٍ لَهُ) أَيْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (لَا يُدْرَى عُمُومُهُ بِلَفْظٍ عَامٍّ) ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِحِكَايَةٍ «كَقَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ» ) كَمَا أَسْنَدَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ إلَى جَابِرٍ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ وَلَكِنَّهُ شَاذُّ الْمَتْنِ «وَنَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» ) كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
(وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (مَسْأَلَةٌ أُخْرَى) ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ (فَيَجِبُ)(الْحَمْلُ) لِلَّفْظِ الْمَحْكِيِّ عَنْهُ (عَلَى الْعُمُومِ) فَتَكُونُ الشُّفْعَةُ لِكُلِّ جَارٍ، وَالنَّهْيُ عَنْ كُلِّ بَيْعٍ فِيهِ غَرَرٌ كَبَيْعِ الْآبِقِ وَالْمَعْدُومِ (خِلَافًا لِلْكَثِيرِ) ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ (لِأَنَّهُ) أَيْ الصَّحَابِيَّ (عَدْلٌ عَارِفٌ بِاللُّغَةِ وَالْمَعْنَى) عُمُومًا وَخُصُوصًا (فَالظَّاهِرُ الْمُطَابَقَةُ) بَيْنَ نَقْلِهِ وَمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ ذَلِكَ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْكَثِيرِ (يَحْتَمِلُ غَرَرًا وَجَارًا خَاصَّيْنِ كَجَارِ شَرِيكٍ فَاجْتَهَدَ فِي الْعُمُومِ فَحَكَاهُ أَوْ أَخْطَأَ فِيمَا سَمِعَهُ احْتِمَالٌ لَا يَقْدَحُ) ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ عِلْمِهِ وَعَدَالَتِهِ، وَالظَّاهِرُ لَا يُتْرَكُ لِلِاحْتِمَالِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَتِهِ فَيُؤَدِّي إلَى تَرْكِ كُلِّ ظَاهِرٍ (وَجَعْلُهُمَا) أَيْ «قَضَى بِالشُّفْعَةِ» «وَنَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» (مِنْ حِكَايَةِ فِعْلٍ ظَاهِرٍ فِي الْعُمُومِ) كَمَا تَنَزَّلَ إلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَالنَّهْيَ قَوْلٌ يَكُونُ مَعَهُ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَضَى حِكَايَةُ قَوْلِهِ الَّذِي هُوَ الْقَضَاءُ وَنَهَى حِكَايَةُ قَوْلِهِ الَّذِي هُوَ النَّهْيُ.
(مَسْأَلَةٌ قِيلَ) وَالْقَائِلُ ابْنُ الْحَاجِبِ: (نَفْيُ الْمُسَاوَاةِ فِي {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20] يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ) لِجَمِيعِ وُجُوهِ الْمُسَاوَاةِ (خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَلَيْسَ) كَذَلِكَ (بَلْ لَا يَخْتَلِفُ فِي دَلَالَتِهِ) أَيْ نَفْيِ الِاسْتِوَاءِ
(عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى عُمُومِهِ (وَكَذَا نَفْيُ كُلِّ فِعْلٍ) عَامٍّ فِي وُجُوهِهِ (كَلَا آكُلُ) فَإِنَّهُ عَامٌّ فِي وُجُوهِ الْأَكْلِ (وَلَا) يَخْتَلِفُ أَيْضًا (فِي عَدَمِ صِحَّةِ إرَادَتِهِ) أَيْ الْعُمُومِ فِي نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ (لِقَوْلِهِمْ) أَيْ الْحَاكِينَ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْعُمُومِ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي جَوَابِ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَصْدُقُ) عُمُومُ نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ فِي لَا يَسْتَوِي (إذْ لَا بُدَّ) بَيْنَ كُلِّ أَمْرَيْنِ (مِنْ مُسَاوَاةٍ) مِنْ وَجْهٍ وَأَقَلُّهُ الْمُسَاوَاةُ فِي سَلْبِ مَا عَدَاهُمَا عَنْهُمَا فَلَزِمَ عَدَمُ عُمُومِ نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ هَذَا مَقُولُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ (الْمُرَادُ) مِنْ عُمُومِ نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ (مُسَاوَاةٌ يَصِحُّ نَفْيُهَا وَمَا سِوَاهُ) أَيْ الْمُسَاوَاةِ الَّتِي يَصِحُّ نَفْيُهَا بِمَعْنَى التَّسَاوِي (مَخْصُوصٌ بِالْعَقْلِ) ، وَهَذَا مَقُولُ قَوْلِ الْمُجِيبِينَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اتِّفَاقِ الْكُلِّ عَلَى دَلَالَةِ الْعُمُومِ، وَإِنَّ هَذَا الْعُمُومَ الْمَدْلُولَ غَيْرُ مُرَادٍ عَلَى صِرَافَتِهِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا (فَالِاسْتِدْلَالُ) عَلَى عُمُومِ نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ (بِأَنَّهُ) أَيْ نَفْيَ الْمُسَاوَاةِ (نَفْيٌ عَلَى نَكِرَةٍ يَعْنِي الْمَصْدَرَ) الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْفِعْلُ الْمَنْفِيُّ فَيَعُمُّ كَسَائِرِ النَّكِرَاتِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ اسْتِدْلَالٌ (فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ) لِمَا سَمِعْت مِنْ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي الْعُمُومِ لَفْظًا وَلَا فِي عَدَمِ إرَادَةِ صِرَافَتِهِ (إنَّمَا هُوَ) أَيْ النِّزَاعُ (فِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ عُمُومِهِ) أَيْ نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ (بَعْدَ تَخْصِيصِ الْعَقْلِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ) أَيْ تَخْصِيصِهِ (هَلْ يَخُصُّ أَمْرَ الْآخِرَةِ فَلَا يُعَارَضُ) الْمُرَادُ مِنْهُ (آيَاتِ الْقِصَاصِ الْعَامَّةِ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] الْآيَةَ (فَيُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ أَوْ يَعُمُّ الدَّارَيْنِ) الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (فَيُعَارِضُ) الْمُرَادُ مِنْهُ آيَاتِ الْقِصَاصِ حَتَّى يَخُصَّهَا وَحِينَئِذٍ (فَلَا يُقْتَلُ) الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ هَلْ ثَمَّ قَرِينَةٌ تَصْرِفُ نَفْيَ الْمُسَاوَاةِ إلَى خُصُوصِ أَمْرِ الْآخِرَةِ أَوْ لَا فَتَعُمُّ الدَّارَيْنِ؟ . (قَالَ بِهِ) أَيْ بِالْعُمُومِ (الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ بِالْأَوَّلِ) أَيْ بِخُصُوصِ أَمْرِ الْآخِرَةِ (لِقَرِينَةِ تَعْقِيبِهِ بِذِكْرِ الْفَوْزِ {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر: 20] ثُمَّ فِي الْآثَارِ مَا يُؤَيِّدُهُ) أَيْ قَوْلَ الْحَنَفِيَّةِ مِنْهَا (حَدِيثُ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ (بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَاللَّامِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا يَاءٌ تَحْتَانِيَّةٌ مِنْ مَشَاهِيرِ التَّابِعِينَ رَوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَيَّنَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ قَالَ «قَتَلَ صلى الله عليه وسلم مُسْلِمًا بِمُعَاهَدٍ» الْحَدِيثَ) يَعْنِي قَوْلَهُ وَقَالَ: «أَنَا أَحَقُّ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ» رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَأَعَلَّهُ، وَاسْتِيفَاءُ الْكَلَامِ فِيهِ لَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا. (وَنَحْوُ) مَا رَوَى الْمَشَايِخُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه (إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا إلَخْ) أَيْ وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَلَمْ يَجِدْهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمُخَرِّجُونَ، وَإِنَّمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَدٍ فِيهِ أَبُو الْجَنُوبِ، وَهُوَ مُضَعَّفٌ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه مَنْ كَانَتْ لَهُ ذِمَّتُنَا فَدَمُهُ كَدَمِنَا وَدِيَتُهُ كَدِيَتِنَا (فَظَهَرَ) مِنْ هَذَا التَّحْرِيرِ (أَنَّ الْخِلَافَ فِي تَطْبِيقِ كُلٍّ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ عَلَى دَلِيلٍ تَفْصِيلِيٍّ) فَهِيَ مَسْأَلَةٌ فِقْهِيَّةٌ لَا أَصْلِيَّةٌ.
(مَسْأَلَةُ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى لِلرَّسُولِ بِخُصُوصِهِ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ {لَئِنْ أَشْرَكْتَ} [الزمر: 65] قَدْ نُصِبَ فِيهِ خِلَافٌ) وَمِنْ نَاصِبِيهِ ابْنُ الْحَاجِبِ (فَالْحَنَفِيَّةُ) وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى مَا ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ وَأَحْمَدُ (يَتَنَاوَلُ الْأُمَّةَ وَالشَّافِعِيَّةُ لَا) يَتَنَاوَلُهُمْ (مُسْتَدِلِّينَ) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ (بِالْقَطْعِ مِنْ اللُّغَةِ بِأَنَّ مَا لِلْوَاحِدِ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ وَبِأَنَّهُ لَوْ عَمَّهُمْ كَانَ إخْرَاجُهُمْ تَخْصِيصًا، وَلَا قَائِلَ بِهِ وَلَيْسَ) هَذَا الِاسْتِدْلَال (فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ فَإِنَّ مُرَادَ الْحَنَفِيَّةِ) بِعُمُومِهِ إيَّاهُمْ (أَنَّ أَمْرَ مِثْلِهِ) أَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (مِمَّنْ لَهُ مَنْصِبُ الِاقْتِدَاءِ وَالْمَتْبُوعِيَّة يَفْهَمُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ أَمْرِهِ (أَهْلُ اللُّغَةِ شُمُولَ