الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(أَوْ رُجِّحَ) الِاسْتِنْزَاهُ عَلَى حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ إنْ لَمْ يُعْلَمْ تَأَخُّرُهُ عَنْهُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ (بَعْدَ الْمُعَارَضَةِ لِلِاحْتِيَاطِ) فِي الْعَمَلِ بِالْمُحَرَّمِ.
(وَأَمَّا وُجُوبُ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ فَبَعْدَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ) إلَى الْقَطْعِ أَوْ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِعَدَمِهِ حَتَّى يَجِبَ الْعَمَلُ بِهِ (اتِّفَاقٌ لِبُعْدِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِمَا لَمْ يُعْتَقَدْ مُطَابِقًا لَهُ) أَيْ لِاعْتِقَادِهِ (وَأَمَّا قَبْلَهُ) أَيْ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ (فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَمْلِ كَلَامِ الصَّيْرَفِيِّ) عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ (يُفِيدُ أَنَّهُ) أَيْ وُجُوبَ اعْتِقَادِ عُمُومِهِ (كَذَلِكَ) أَيْ اتِّفَاقٌ أَيْضًا وَكَيْفَ لَا وَقَدْ صَرَّحَ هُوَ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ ثَمَّةَ (وَالنَّظَرُ يَقْتَضِي إذْ تَوَقَّفَ وُجُوبُ الْعَمَلِ عَلَى الْبَحْثِ تَوَقُّفَ اعْتِقَادِهِ) أَيْ وُجُوبِ اعْتِقَادِ عُمُومِهِ عَلَى الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ لِمَا سَلَفَ ثَمَّةَ مِنْ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ بِأَنَّهُ يَجِبُ اعْتِقَادُ الْعُمُومِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ قَبْلَهُ تَحَكُّمٌ مَعَ بَيَانِ وَجْهِهِ فَلْيُرَاجَعْ وَقَدْ ظَهَرَ مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ أَيْضًا مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ مَشَايِخِنَا يُوَافِقُ مَا عَنْ الصَّيْرَفِيِّ وَلَا سِيَّمَا كَلَامَ الْقَطْعِيِّينَ مِنْهُمْ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ) فِي الزِّيَادَاتِ (فِيمَنْ أَوْصَى بِخَاتَمٍ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ) أَوْصَى مَفْصُولًا (بِفَصِّهِ لِآخَرَ الْفَصُّ بَيْنَهُمَا) وَالْحَلْقَةُ لِلْأَوَّلِ خَاصَّةً (مِنْ بَابِ الْخَاصِّ) ؛ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ عَنْهُ إمَّا بِخَاتَمِي أَوْ هَذَا الْخَاتَمِ أَوْ الْخَاتَمِ الْفُلَانِيِّ، وَكُلٌّ مِنْهَا مِنْ الْخَاصِّ (لَا الْعَامِّ) وَكَيْفُ يَكُونُ عَامًّا وَتَعْرِيفُ الْعَامِّ غَيْرُ صَادِقٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْفَصُّ مِنْهُ كَجُزْءٍ مِنْ الْإِنْسَانِ مَثَلًا فَكَمَا لَا يَصِيرُ الْإِنْسَانُ بِاعْتِبَارِ أَجْزَائِهِ عَامًّا فَكَذَا الْخَاتَمُ (غَيْرَ أَنَّهُ) أَيْ الْخَاتَمَ (نَظِيرٌ) لِلْعَامِّ مِنْ حَيْثُ إنَّ اسْمَهُ يَشْمَلُ الْفَصَّ كَشُمُولِ الْعَامِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ الْعَامُّ تَوَسُّعًا.
(وَخَالَفَهُ) أَيْ مُحَمَّدًا (أَبُو يُوسُفَ فَجَعَلَهُ) أَيْ الْفَصَّ (لِلثَّانِي) كَمَا فِي الْهَدَايَا وَالْإِيضَاحِ وَالْمَنْظُومَةِ وَغَالِبِ شُرُوحِ الزِّيَادَاتِ، وَظَاهِرُ التَّقْوِيمِ وَأُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ قَوْلُ الْكُلِّ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ لِأَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ. اهـ. قُلْت: وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَمْ يُثْبِتْ خِلَافَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنَّمَا عُلِمَ مِنْ رِوَايَةِ الْإِمْلَاءِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْحَلْقَةَ لِلْأَوَّلِ وَالْفَصَّ لِلثَّانِي إذَا كَانَ مَوْصُولًا، وَجْهُ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تُلْزِمُهُ شَيْئًا فِي الْحَيَاةِ، وَالْكَلَامُ الثَّانِي بَيَانٌ لِلْمُرَادِ مِنْ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ الْمَوْصُولُ وَالْمَفْصُولُ فِيهِ سَوَاءً، كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالرَّقَبَةِ لِإِنْسَانٍ وَالْخِدْمَةِ أَوْ الْغَلَّةِ لِآخَرَ، وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ اسْمَ الْخَاتَمِ يَتَنَاوَلُهُمَا مَعًا؛ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْهُمَا وَمِنْ ثَمَّةَ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ فَكَانَ الْكَلَامُ الثَّانِي تَخْصِيصًا، وَهُوَ إنَّمَا يَصِحُّ مَوْصُولًا أَمَّا إذَا كَانَ مَفْصُولًا كَانَ مُعَارِضًا لِلْأَوَّلِ، وَهُمَا فِي إيجَابِ الْحُكْمِ سَوَاءٌ فَثَبَتَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِيهِ وَلَيْسَ الثَّانِي رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُنْبِئُ عَنْهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ لِإِنْسَانِ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ أَيْضًا لِآخَرَ حَيْثُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ الشَّيْءُ الْفُلَانِيُّ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ هُوَ لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ رُجُوعًا حَتَّى يَكُونَ لِلثَّانِي خَاصَّةً بِخِلَافِ مَا قَاسَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الرَّقَبَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْ الْخِدْمَةَ أَوْ الْغَلَّةَ عَلَى سَبِيلِ الْجُزْئِيَّةِ لَهَا بَلْ لِكَوْنِهَا وَصْفًا تَابِعًا، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ التَّنَاوُلِ اللَّفْظِيِّ بِشَيْءٍ، وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهُمَا مِنْهَا فَإِذَا أَوْجَبَ الْخِدْمَةَ أَوْ الْغَلَّةَ لِلْغَيْرِ اخْتَصَّ بِهَا لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ الْمُسَاوِي لَهُ فِي اسْتِحْقَاقِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[الْبَحْثُ الْخَامِسُ يَرِدُ عَلَى الْعَامِّ التَّخْصِيصُ]
(الْبَحْثُ الْخَامِسُ يَرِدُ عَلَى الْعَامِّ التَّخْصِيصُ فَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ) ، وَهُمْ الْكَرْخِيُّ وَعَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا عَلَى مَا فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ (بَيَانُ أَنَّهُ) أَيْ الْعَامَّ (أُرِيدَ بَعْضُهُ بِمُسْتَقِلٍّ مُقَارِنٍ) فَاحْتُرِزَ
بِمُسْتَقِلٍّ، وَهُوَ مَا كَانَ مُسْتَبِدًّا بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِصَدْرِ الْكَلَامِ عَنْ غَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ، وَهُوَ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَةِ وَبِمُقَارِنٍ (أَيْ مَوْصُولٍ) بِالْعَامِّ أَيْ مَذْكُورٍ عَقِبَهُ (فِي) الْمُخَصِّصِ (الْأَوَّلِ) ، وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِهِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُقَارَنَةِ الْمَعِيَّةُ فَإِنَّهَا بِهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مُرَادَةٍ هُنَا مَعَ أَنَّهَا إنَّمَا تُتَصَوَّرُ فِي فِعْلٍ خَاصٍّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ قَوْلٍ عَامٍّ عَمَّا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ نَسْخٌ لَا تَخْصِيصٌ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ (فَإِنْ تَرَاخَى) الْبَيَانُ الْمَذْكُورُ عَنْهُ (فَنَاسِخٌ لَا) فِي الْمُخَصِّصِ (الثَّانِي) ، وَهَلُمَّ جَرَّا، قَالَ الْمُصَنِّفُ (: وَالْوَجْهُ أَنَّ الثَّانِيَ) ، وَهَلُمَّ جَرَّا إذَا تَرَاخَى (نَاسِخٌ أَيْضًا إلَّا الْقِيَاسُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ تَرَاخِيهِ) أَيْ مُقْتَضَاهُ لِعُمُومِ عِلَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِلْمَقِيسِ الْمُوجِبَةِ لِمُشَارَكَتِهِ إيَّاهُ فِي الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْوَجْهُ هَذَا الْجَرَيَانَ الْمُوجِبَ لِاشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ فِي الْأَوَّلِ فِيمَا بَعْدَهُ فَعَلَى مَا ذَكَرُوا يَجُوزُ الْإِلْحَاقُ بِالْمُخَصِّصِ الثَّانِي الْمُتَأَخِّرِ، وَتَعَدِّيَةُ الْإِخْرَاجِ، وَعَلَى مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَحْثًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ نَاسِخٌ وَالنَّاسِخُ لَا يُعَلَّلُ.
(وَصَرَّحَ الْمُحَقِّقُونَ بِأَنَّ تَفَرُّعَ عَدَمِ جَوَازِ ذِكْرِ بَعْضٍ) مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ (دُونَ بَعْضٍ عَلَى مَنْعِ تَأْخِيرِ الْمُخَصِّصِ ضَرُورِيٌّ) مِنْ الْعِلْمِ بِعِلَّةِ مَنْعِ تَأْخِيرِ الْمُخَصِّصِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ كَوْنَ الثَّانِي إذَا تَرَاخَى يَكُونُ نَاسِخًا ثُمَّ عُطِفَ عَلَى تَرَاخٍ (أَوْ جُهِلَ) تَرَاخِيهِ كَمَا جُهِلَ أَيْضًا مُقَارَنَتُهُ (فَحُكْمُ التَّعَارُضِ) يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَدْرِ الْمُعَارِضِ لَهُ مِنْ الْعَامِّ (كَتَرْجِيحِ الْمَانِعِ) مِنْهُمَا أَيَّامًا كَانَ عَلَى الْمُبِيحِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ التَّرْجِيحُ فَالْحُكْمُ (الْوَقْفُ) كَمَا فِي الْبَدِيعِ أَوْ التَّسَاقُطُ كَمَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ.
(وَوَجَبَ نَسْخُ الْخَاصِّ بِالْعَامِّ الْمُتَأَخِّرِ عَنْهُ) كَقَلْبِهِ وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَفِي الْبَدِيعِ جُعِلَ هَذَا قَوْلَ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ثُمَّ قَالَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَجَمْعٌ مِنْ مَشَايِخِنَا الْخَاصُّ مُبَيِّنٌ مُطْلَقًا يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ الْخَاصُّ مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا أَوْ مَجْهُولًا أَوْ وَرَدَا مَعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَارِحُوهُ وَذَكَرَ فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ أَنَّ كَوْنَ الْخَاصِّ الْوَارِدِ بَعْدَ الْعَامِّ مُخَصِّصًا مَحَلَّهُ إذَا وَرَدَ قَبْلَ حُضُورِ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ أَمَّا إذَا وَرَدَ بَعْدَ حُضُورِ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَاسِخًا؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَحِينَئِذٍ فَلَا نَأْخُذُ بِهِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا نَأْخُذُ بِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يُؤَدِّي إلَى نَسْخِ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ، وَأَمَّا الْعَامَّانِ مِنْ وَجْهٍ الْخَاصَّانِ مِنْ وَجْهٍ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِمَا فِي التَّعَارُضِ. هَذَا وَمِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مَنْ زَادَ لَفْظِيٌّ بَعْدَ مُسْتَقِلٍّ احْتِرَازًا عَنْ غَيْرِ اللَّفْظِيِّ كَالْعَقْلِ.
(وَالشَّافِعِيَّةُ) أَيْ أَكْثَرُهُمْ (وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ قَصَرَ الْعَامَّ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّاهُ وَقِيلَ) عَلَى بَعْضِ (مُسَمَّيَاتِهِ) كَمَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْبَدِيعِ بِنَاءً (عَلَى إرَادَةِ أَجْزَاءِ مُسَمَّاهُ) كَمَا حَكَاهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الشَّارِحِينَ تَنْزِيلًا لِأَجْزَائِهِ مَنْزِلَةَ مُسَمَّيَاتٍ لَهُ إذْ لَا مُسَمَّيَاتِ لِلَّفْظِ الْوَاحِدِ بَلْ مُسَمَّاهُ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ، وَهُوَ كُلُّ وَاحِدٍ (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ الْمُرَادِ هَذَا (يُحَقِّقُ مَا أَسْلَفْنَاهُ) فِي الْكَلَامِ عَلَى تَعْرِيفِ الْعَامِّ (أَنَّ دَلَالَتَهُ) أَيْ الْعَامِّ (عَلَى الْأَفْرَادِ تَضَمُّنِيَّةٌ أَوْ) إرَادَةُ (الْآحَادِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي الْمُشْتَرَكِ) بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الَّذِي يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الْمُسَمَّيَاتُ الَّتِي هِيَ جُزْئِيَّاتٌ لَهُ وَيَصْدُقُ حَمْلُهُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْفَاضِلُ الْأَبْهَرِيُّ (، وَإِضَافَةُ الْمُسَمَّيَاتِ إلَيْهِ) أَيْ الْعَامِّ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ الْمُرَادُ هَذَا (بِعُمُومِ نِسْبَتِهِ فَإِنَّهَا) أَيْ الْآحَادَ (مُسَمَّيَاتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا بِهِ) أَيْ
بِالْعَامِّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ بَعْضُ أَفْرَادِهِ لَكَانَ أَوْضَحَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَذَا أَوْلَى ثُمَّ لَا خَفَاءَ فِي صِدْقِهِ عَلَى الْعَامِّ الْمُرَادِ بِهِ ابْتِدَاءُ الْخُصُوصِ وَالْعَامِّ الْمُرَادُ بِهِ ذَلِكَ بَعْدَ إرَادَةِ الْعُمُومِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَخْصُوصَ عُمُومُهُ مُرَادٌ تَنَاوُلًا لَا حُكْمًا وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ عُمُومُهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ لَا حُكْمًا وَلَا تَنَاوُلًا.
(وَيَكُونُ) التَّخْصِيصُ (بِمُسْتَقِلٍّ كَالْعَقْلِيِّ وَالسَّمْعِيِّ الْمُنْفَصِلِ، وَمُتَّصِلٍ، وَالْعَامُّ فِيهِ) أَيْ فِي تَعْرِيفِ التَّخْصِيصِ (حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ) أَيْ التَّخْصِيصَ (حُكْمٌ عَلَى الْمُسْتَغْرِقِ) بِإِرَادَةِ بَعْضِهِ لَا مَجَازٌ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ خُصِّصَ الْعَامُّ، وَهَذَا عَامٌّ مُخَصَّصٌ وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِنَفْيِ مَا ذَكَرَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَامٌّ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُخَصِّصِ فِي غَيْرِ الِاسْتِثْنَاءِ (فَمُخْرِجُ الْبَعْضِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُتَّصِلًا أَوْ لَا (مُخَصِّصَ) أَيْ الدَّالَّ عَلَى إخْرَاجِ الْبَعْضِ مِنْ عَقْلٍ أَوْ حِسٍّ أَوْ لَفْظٍ أَوْ عَادَةٍ يُقَالُ لَهُ مُخَصِّصٌ مَجَازًا مَشْهُورًا تَسْمِيَةً لِلدَّلِيلِ بِاسْمِ الْمَدْلُولِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إرَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ أَيْضًا مُعْتَقِدُ ذَلِكَ مِنْ مُجْتَهِدٍ أَوْ مُقَلِّدٍ. (وَيُقَالُ) : التَّخْصِيصُ (لِقَصْرِ اللَّفْظِ مُطْلَقًا) أَيْ عَامًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (عَلَى بَعْضِ مُسَمَّاهُ) ، وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ لِصِدْقِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْكُلِّ فِي الْجُزْءِ (وَلَا يَخْفَى مَا فِي قَصْرَ إذْ لَا يَنْفِي النَّسْخَ) بَلْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَنَسْخِ بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَامُّ لَكِنْ أَجَابَ الْأَبْهَرِيُّ بِمَنْعِ وُرُودِهِ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ إذَا وَرَدَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي الْبَعْضِ لَمْ يَكُنْ مَقْصُورًا عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ حِينَ أُطْلِقَ بَلْ أُرِيدَ بِهِ أَوَّلًا ثُمَّ رُفِعَ الْبَعْضُ أَوْ انْتَهَى حُكْمُهُ عَلَى اخْتِلَافِ تَعْرِيفِ النَّسْخِ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْعَامِّ حِينَ أُطْلِقَ إلَّا الْبَعْضَ إمَّا بِحَسَبِ الْحُكْمِ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِمَّا بِحَسَبِ الذَّاتِ كَمَا فِي غَيْرِهِ (وَمَنْعُهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ (شُذُوذٌ بِالْعَقْلِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ التَّخْصِيصَ بِالْعَقْلِ (لَوْ صَحَّ صَحَّتْ إرَادَتُهُ) أَيْ مَا قَضَى الْعَقْلُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْعَامِّ، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ.
أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّ الْخَارِجَ بِالْعَقْلِ مِنْ مُسَمَّيَاتِهِ، وَإِطْلَاقَ اللَّفْظِ لُغَةً عَلَى مُسَمَّيَاتِهِ صَحِيحٌ لُغَةً، وَأَمَّا انْتِفَاءُ اللَّازِمِ فَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِعَاقِلٍ أَنْ يُرِيدَ مَا يُخَالِفُ صَرِيحَ الْعَقْلِ فَإِذَا قُلْنَا {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16] فُهِمَ مِنْهُ لُغَةً أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ نَفْسِهِ أَمَّا لَوْ أَرَادَ مُرِيدٌ بِهِ نَفْسَهُ كَانَ الْمُرِيدُ مُخْطِئًا لُغَةً كَمَا هُوَ مُخْطِئٌ عَقْلًا فَيَكُونُ خُرُوجُهُ بِاللُّغَةِ مُوَافِقًا لِلْعَقْلِ لَا بِالْعَقْلِ (وَلَكَانَ) الْعَقْلُ (مُتَأَخِّرًا) عَنْ الْعَامِّ؛ لِأَنَّهُ بَيَانٌ، وَالْبَيَانُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْمُبَيَّنِ. (وَالْعَقْلُ مُتَقَدِّمٌ وَلَصَحَّ نَسْخُهُ) أَيْ كَوْنُ الْعَقْلِ نَاسِخًا؛ لِأَنَّهُ بَيَانٌ أَيْضًا وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ أَيْضًا (أُجِيبَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ) فِي الْكُلِّ (بَلْ اللَّازِمُ) فِي الْأَوَّلِ (دَلَالَتُهُ) أَيْ الْعَامِّ عَلَى مَا قَضَى الْعَقْلُ بِإِخْرَاجِهِ (وَهِيَ ثَابِتَةٌ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ وَتَأَخَّرَ بَيَانُهُ) أَيْ وَاللَّازِمُ فِي الثَّانِي تَأَخُّرُ بَيَانِ الْعَقْلِ عَنْ الْعَامِّ (لَا ذَاتِهِ) أَيْ الْعَقْلِ (وَلِعَجْزِ الْعَقْلِ عَنْ دَرْكِ الْمُدَّةِ الْمُقَدَّرَةِ لِلْحُكْمِ) فِي الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ بَيَانُ مُدَّةِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَنَظَرُ الْعَقْلِ مَحْجُوبٌ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمُخَصِّصِ فَإِنَّ خُرُوجَ الْبَعْضِ عَنْ الْخِطَابِ قَدْ يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ فَافْتَرَقَا (وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ) أَيْ لَوْ صَحَّ لَصَحَّتْ إرَادَتُهُ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ (أَيْضًا بِأَنَّ التَّخْصِيصَ لِلْمُفْرَدِ، وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ) فِي قَوْلِنَا {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16] بَعْدَ التَّرْكِيبِ
(وَيَصِحُّ إرَادَةُ الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعُ الْمُسَمَّيَاتِ الَّتِي يُطْلَقُ عَلَيْهَا شَيْءٌ (بِهِ) أَيْ بِكُلِّ شَيْءٍ (إلَّا أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي التَّرْكِيبِ وَنُسِبَ إلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ) نِسْبَتُهُ، وَهِيَ الْمَخْلُوقِيَّةُ (إلَى الْكُلِّ) أَيْ إلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ (مَنَعَهَا) أَيْ الْعَقْلُ إرَادَةً الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى خَالِقَ نَفْسِهِ (وَهُوَ) أَيْ مَنْعُ الْعَقْلِ إرَادَتَهُ هُوَ (مَعْنَى تَخْصِيصِ الْعَقْلِ وَدُفِعَ أَيْضًا) هَذَا الْجَوَابُ وَدَافَعَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (بِأَنَّ التَّحْقِيقَ صِحَّتُهَا) أَيْ إرَادَةُ الْكُلِّ (فِي التَّرْكِيبِ أَيْضًا لُغَةً
غَيْرَ أَنَّهُ يُكَذِّبُ) التَّرْكِيبَ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ مُطَابَقَتِهِ الْوَاقِعَ (وَهُوَ) أَيْ وَكَذَّبَهُ (غَيْرُهَا) أَيْ صِحَّتُهَا فَالْمَانِعُ إنَّمَا هُوَ لُزُومُ الْكَذِبِ لَا غَيْرُ، وَدَفَعَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الدَّفْعَ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ) مِنْ تَخْصِيصِ الْعَقْلِ (حُكْمُ الْعَقْلِ بِإِرَادَةِ الْبَعْضِ لِامْتِنَاعِهِ) أَيْ حُكْمِهِ (فِي الْكُلِّ) أَيْ بِإِرَادَةِ الْكُلِّ (فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِمَّنْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ) فَلَمْ تَصِحَّ إرَادَةُ الْكُلِّ فِي التَّرْكِيبِ لُغَةً أَيْضًا لِامْتِنَاعِ إرَادَةِ اللُّغَةِ مَا يَمْنَعُ الْعَقْلُ إرَادَتَهُ ثُمَّ الْمِثَالُ الْمَذْكُورُ بِنَاءً عَلَى مَا عَلَيْهِ كَثِيرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِشَيْءٍ فِي مِثْلِهِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ شَيْءٍ لُغَةً، وَإِلَّا فَقَدْ أَفَدْنَاك فِي مَسْأَلَةِ الْمُخَاطَبِ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ مُتَعَلِّقِ خِطَابِهِ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي الْمُعِينِ النَّسَفِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ عَنْ غَيْرِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ بِالْعَقْلِ فَالْجَوَابُ هُوَ الْأَوَّلُ
(قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْعَقْلِ: (تَعَارَضَا) الْعَامُّ وَالْعَقْلُ (فَتَسَاقَطَا) هَرَبًا مِنْ التَّحَكُّمِ بِتَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا بِلَا مُرَجِّحٍ (أَوْ يُقَدَّمُ الْعَامُّ؛ لِأَنَّ أَدِلَّةَ الْأَحْكَامِ النَّقْلُ لَا الْعَقْلُ قُلْنَا فِي إبْطَالِهِ) أَيْ الْعَقْلِ (إبْطَالٌ) أَيْ النَّقْلِ (لِأَنَّ دَلَالَتَهُ) أَيْ النَّقْلِ (فَرْعُ حُكْمِهِ) أَيْ الْعَقْلِ (بِهَا) أَيْ بِدَلَالَتِهِ (فَإِذَا حَكَمَ) الْعَقْلُ (بِأَنَّهَا) أَيْ دَلَالَتَهُ (عَلَى وَجْهِ كَذَا) كَالْخُصُوصِ هُنَا (لَزِمَ) حُكْمُهُ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (وَأَيْضًا يَجِبُ تَأْوِيلُ الْمُحْتَمَلِ) إذَا عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ (وَهُوَ) أَيْ الْمُحْتَمَلُ هُنَا (النَّقْلُ) ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ يَحْتَمِلُ غَيْرَ ظَاهِرِهِ، وَهُوَ الْخُصُوصُ بِخِلَافِ الْعَقْلِ فَإِنَّهُ قَاطِعٌ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ النَّقْلِ بِالتَّخْصِيصِ الْمَذْكُورِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْلِ هَذَا وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ كَمَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يُنَازِعُ فِي أَنَّ مَا يُسَمَّى مُخَصِّصًا بِالْعَقْلِ خَارِجٌ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ اللَّفْظَ هَلْ يَشْمَلُهُ فَمَنْ قَالَ يَشْمَلُهُ سَمَّاهُ تَخْصِيصًا وَمَنْ قَالَ لَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ لَا يُسَمِّيهِ مُخَصِّصًا.
وَحُمِلَتْ دَعْوَى أَبِي حَامِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ مُخَصِّصٌ عَلَى أَنَّ مَا يُسَمَّى مُخَصِّصًا خَارِجٌ لَا عَلَى أَنَّهُ يُسَمَّى مُخَصِّصًا فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهِ مَشْهُورٌ (وَآخَرُونَ) أَيْ وَمَنَعَ التَّخْصِيصَ قَوْمٌ آخَرُونَ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِالْعَقْلِ أَوْ غَيْرِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ (كَذِبٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْفِي فَيَصْدُقُ نَفْيُهُ فَلَا يَصْدُقُ هُوَ وَإِلَّا صَدَقَ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ مَعًا (قُلْنَا يَصْدُقُ) نَفْيُ التَّخْصِيصِ (مَجَازًا) نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَيَصْدُقُ ثُبُوتُهُ حَقِيقَةً نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى فَلَا تَتَّحِدُ جِهَةُ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ.
(قِيلَ) الْقَائِلُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ: (يُزَادُ أَوْ بِدَاءٌ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ، وَهُوَ ظُهُورُ الْمَصْلَحَةِ بَعْدَ خَفَائِهَا لِيَشْمَلَ الْإِنْشَاءَ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ أَيْضًا (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَزِدْ (خَصَّ) الِامْتِنَاعُ (الْخَبَرَ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَذِبُ (وَلَيْسَ) الِامْتِنَاعُ بِخَاصٍّ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا (لَكِنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ إلَّا فِي الْخَبَرِ) وَالْمُصَرِّحُ الْآمِدِيُّ (وَاعْتَرَضَ أَبُو إِسْحَاقَ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الشِّيرَازِيُّ الشَّافِعِيُّ الْمَشْهُورُ (مَنْ أَوْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ) أَيْ الْخِلَافَ (فِي الْأَمْرِ أَيْضًا) .
قُلْت فَانْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْفَاضِلُ الْأَبْهَرِيُّ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَتَعَرَّضْ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ لِنَفْيِهِ فِي الْإِنْشَاءِ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ إذْ الْمُثْبَتُ يَجُوزُ وُقُوعُهُ فِي الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ كِلَيْهِمَا وَالنَّافِي يَمْنَعُهُ فِي كِلَيْهِمَا فَإِذَا انْتَفَى وُقُوعُهُ فِي الْإِخْبَارِ لَزِمَ انْتِفَاؤُهُ فِي الْإِنْشَاءِ أَيْضًا؛ وَلِأَنَّ الْإِنْشَاءَ فِي حُكْمِ الْإِخْبَارِ؛ لِأَنَّك إذَا قُلْت أَكْرِمْ كُلَّ رَجُلٍ فَكَأَنَّك قُلْت كُلُّ رَجُلٍ أَنْتَ مَأْمُورٌ بِإِكْرَامِهِ فَإِذَا خَصَّصْت وَقُلْت إلَّا الْفَاسِقَ فَكَأَنَّك قُلْت لَيْسَ كُلُّ رَجُلٍ أَنْتَ مَأْمُورٌ بِإِكْرَامِهِ فَيَلْزَمُ الْكَذِبُ فِي أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ مَعَ أَنَّ فِي هَذَا مِنْ التَّعَسُّفِ مَا لَا يَخْفَى ثُمَّ مُلَخَّصُ الْجَوَابِ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ الْكَذِبُ أَوْ الْبِدَاءُ إذَا أَرَادَ الْعُمُومَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ أَبَدًا، أَمَّا إذَا لَمْ يُرِدْهُ وَنَصَبَ الدَّلِيلَ عَلَيْهِ فَلَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقُولُ بِهِ
عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ أَمَّا فِي الْخَبَرِ فَكَمَا قَالَ.
(وَالْقَاطِعُ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: 62] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِشَيْءٍ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ شَيْءٍ لُغَةً كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمُمْكِنَ وَالْمُمْتَنِعَ ثُمَّ يَكُونُ مَخْصُوصًا فِي الْآيَتَيْنِ بِالْمُمْكِنِ لِامْتِنَاعِ وُقُوعِ الْخَلْقِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى ذَاتِهِ وَسَائِرِ الْمُمْتَنِعَاتِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ وَقَدْ أَسْلَفْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُخَاطَبِ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ مُتَعَلِّقِ خِطَابِهِ مَا قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ عَنْ غَيْرِ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ أَنَّ الشَّيْءَ فِيهِمَا بِمَعْنَى الْمَشْيِ وَأَنَّهُ فِيهِمَا عَلَى عُمُومِهِ وَمَا قَالَهُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَخُصُوصًا عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى عُمُومَ الْمُشْتَرَكِ مُطْلَقًا أَوْ فِي الْإِثْبَاتِ وَلَا خَفَاءَ أَنَّهُ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ لَا حُجَّةَ فِي الْآيَتَيْنِ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ أَصْلًا فَضْلًا أَنْ يَكُونَا دَلِيلَيْنِ قَطْعِيَّيْنِ فِيهِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ.
وَأَمَّا فِي الْإِنْشَاءِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] مَعَ الْقَطْعِ بِعَدَمِ إرَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي فِي هَذَا الْخِلَافِ أَنَّهُ لَفْظِيٌّ كَمَا فِيمَا قَبْلَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَلَنَا فِي) مَنْعِ (التَّرَاخِي أَنَّ إطْلَاقَهُ) أَيْ الْعَامِّ (بِلَا مَخْرَجِ إفَادَةِ إرَادَةِ الْكُلِّ فَمَعَ عَدَمِهَا) أَيْ إرَادَةِ الْكُلِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (يَلْزَمُ إخْبَارُ الشَّارِعِ) فِي الْخَبَرِ (وَإِفَادَتُهُ) فِي الْإِنْشَاءِ (مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (وَذَلِكَ كَذِبٌ) فِي الْخَبَرِ (وَطُلِبَ لِلْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ) فِي الْإِنْشَاءِ، وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ فَالتَّرَاخِي مُنْتَفٍ (وَهَذَا) الدَّلِيلُ بِعَيْنِهِ (يَجْرِي فِي الْمُخَصِّصِ الثَّانِي)، وَهَلُمَّ جَرَّا (كَالْأَوَّلِ) فَلَا جَرَمَ أَنْ قُلْنَا: وَالْوَجْهُ نَفْيُ التَّرَاخِي أَيْضًا فِي الثَّانِي، وَهَلُمَّ جَرَّا (وَمُقْتَضَى هَذَا) الدَّلِيلِ أَيْضًا (وُجُوبُ وَصْلِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ) بِالْعَامِّ (مِنْ) الْبَيَانِ (الْإِجْمَالِيِّ كَقَوْلِ أَبِي الْحُسَيْنِ أَوْ التَّفْصِيلِيِّ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ) الْبَيَانُ التَّفْصِيلِيُّ (فِي) الْمُخَصِّصِ (الْأَوَّلِ) أَيْ الْإِجْمَالِيِّ إذَا وَقَعَ (إلَى) وَقْتِ (الْحَاجَةِ) إلَيْهِ لِلْحَاجَةِ إلَى الِامْتِثَالِ (بَعْدَهُ) أَيْ الْبَيَانِ الْإِجْمَالِيِّ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْبَيَانَ التَّفْصِيلِيَّ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَانَ الْعَامُّ مَوْصُولًا بِالْإِجْمَالِيِّ (بَيَانُ الْمُجْمَلِ) ، وَهُوَ جَائِزُ التَّأْخِيرِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَى الْفِعْلِ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ (وَلَا يَبْعُدُ إرَادَتُهُمُوهُ) أَيْ إرَادَةُ الْحَنَفِيَّةِ وُجُوبَ وَصْلِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْبَيَانِ الْإِجْمَالِيِّ أَوْ التَّفْصِيلِيِّ بِاشْتِرَاطِهِمْ مُقَارَنَةَ الْمُخَصِّصِ الْأَوَّلِ لِلْعَامِّ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِوَصْلِ الْإِجْمَالِيِّ بِهِ (كَهَذَا الْعَامِّ مُرَادًا بَعْضُهُ) أَوْ مَخْصُوصٌ (وَبِهِ) أَيْ وَبِكَوْنِ مُرَادِهِمْ هَذَا بِذَاكَ (تَنْتَفِي اللَّوَازِمُ الْبَاطِلَةُ) مِنْ الْكَذِبِ وَطَلَبِ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ عَلَى تَقْدِيرِ تَرَاخِي الْمُخَصِّصِ مُطْلَقًا وَلَا سِيَّمَا الْأَوَّلُ لِمَا يُقَارِنُهُ مِنْ الْقَرِينَةِ الْمُصَرِّحَةِ إجْمَالًا أَوْ تَفْصِيلًا بِأَنَّ الْعُمُومَ غَيْرُ مُرَادٍ لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الشَّأْنُ فِي هَذَا بَعْدَ إرَادَتِهِمْ إيَّاهُ فِي الْإِجْمَالِيِّ حَيْثُ لَا تَفْصِيلِيَّ مُقَارِنٌ فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَنُقِلَ عَادَةً وَمَنْ ادَّعَاهُ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ وُجِدَ عَامٌّ مُخَرَّجٌ مِنْهُ خُرُوجًا مُتَرَاخِيًا مَا نُسَمِّيهِ تَخْصِيصًا مَعَ عَدَمِ اقْتِرَانِهِ بِبَيَانٍ إجْمَالِيٍّ وَمَنْ ادَّعَاهُ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ (وَإِلْزَامُ الْآمِدِيِّ) وَغَيْرِهِ الْحَنَفِيَّةَ بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ تَأْخِيرِ الْمُخَصِّصِ لِلْعَامِّ (امْتِنَاعَ تَأْخِيرِ النَّسْخِ بِجَامِعِ الْجَهْلِ بِالْمُرَادِ) بِالْعَامِّ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْمُخَصِّصِ وَبِمُدَّةِ الْمَنْسُوخِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالنَّاسِخِ وَلَا يَمْتَنِعُ تَأْخِيرُ النَّسْخِ فَكَذَا التَّخْصِيصُ (لَيْسَ لَازِمًا؛ لِأَنَّ) الْجَهْلَ (الْبَسِيطَ غَيْرُ مَذْمُومٍ) فِي الْجُمْلَةِ (وَلِذَا طُلِبَ عِنْدَنَا فِي الْمُتَشَابِهِ) فَقُلْنَا يَجِبُ اعْتِقَادُ حَقِيقَتِهِ، وَتَرْكُ طَلَبِ تَأْوِيلِهِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ (بِخِلَافِ) الْجَهْلِ (الْمُرَكَّبِ) فَإِنَّهُ مَذْمُومٌ لَمْ يُطْلَبْ، وَالْأَوَّلُ هُوَ اللَّازِمُ فِي النَّسْخِ، وَالثَّانِي هُوَ اللَّازِمُ فِي تَرَاخِي الْمُخَصِّصِ عَنْ الْعَامِّ فَلَمْ يُوجَدْ الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا (وَلِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْعَمَلِ الْمُطَابِقِ) لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فِي الْمَنْسُوخِ (إلَى سَمَاعِ النَّاسِخِ) بِخِلَافِ الْعَامِّ الْمُتَرَاخِي عَنْهُ مُخَصِّصُهُ إلَى سَمَاعِ مُخَصِّصِهِ فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ أَحَدِهِمَا عَلَى
الْآخَرُ فِي التَّرَاخِي وَمَنْعِهِ.
(وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمُجَوِّزِينَ لِلتَّرَاخِي فِيهِ كَالشَّافِعِيَّةِ لَا يَلْزَمُ مِنْ إطْلَاقِ الْعَامِّ، وَإِرَادَةِ بَعْضِهِ مِنْهُ بِلَا قَرِينَةٍ إفَادَةُ الشَّارِعِ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ (بَلْ) إطْلَاقُهُ (لِتَفْهِيمِ إرَادَةِ الْعُمُومِ عَلَى احْتِمَالِ الْخُصُوصِ إنْ أُرِيدَ الْمَجْمُوعُ) مِنْ تَفْهِيمِ إرَادَةِ الْعُمُومِ وَتَجْوِيزِ التَّخْصِيصِ (مَعْنَى الصِّيغَةِ) الْعَامَّةِ (فَبَاطِلٌ) ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَمْ تُوضَعْ لِلْمَجْمُوعِ قَطْعًا (أَوْ هُوَ) أَيْ مَعْنَى الصِّيغَةِ (الْأَوَّلُ) أَيْ تَفْهِيمُ إرَادَةِ الْعُمُومِ (وَالِاحْتِمَالُ) أَيْ احْتِمَالُ الْخُصُوصِ ثَابِتٌ (بِخَارِجٍ) عَنْ مَفْهُومِ اللَّفْظِ، وَهُوَ كَثْرَةُ تَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ (لَزِمَ أَنْ تُعَيِّنَهُ) أَيْ هَذَا الِاحْتِمَالُ (قَرِينَةٌ لَازِمَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ) الْخَارِجَ (تَعَقُّلُهُ) أَيْ الْعَامِّ (لَا يُفِيدُ) ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ لِلَّفْظِ (وَلُزُومُهَا) أَيْ الْقَرِينَةِ الْمُعَيَّنَةِ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ لِلَّفْظِ (مَمْنُوعٌ إلَّا إنْ كَانَتْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ غَلَبَةِ التَّخْصِيصِ فِي بَحْثِ الْقَطْعِيَّةِ، وَعَلِمْت أَنَّهَا) أَيْ كَثْرَةَ التَّخْصِيصِ (إنَّمَا تُفِيدُ) عَدَمَ الْقَطْعِ (فِي الْعَامِّ فِي الْجُمْلَةِ لَا فِي خُصُوصِ) الْعَامِّ (الْمُسْتَعْمَلِ) فَيَسْتَمِرُّ لُزُومُ الْمَنْعِ لِدَعْوَى الْقَرِينَةِ اللَّازِمَةِ لَهُ (قَالُوا) أَيْ الْمُجَوِّزُونَ لِلتَّرَاخِي (وَقَعَ فَإِنْ فَاتَ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (خُصَّ بِهِ) أَيْ بِمَنْطُوقِهِ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِلْحَامِلِ وَالْحَائِلِ مَعَ التَّرَاخِي بَيْنَهُمَا (قُلْنَا الْأُولَى مُتَأَخِّرَةٌ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْ شَاءَ بَاهَلْته أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ) ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَيُوَضِّحُهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ مَنْ شَاءَ لَاعَنْته لَأُنْزِلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظَ وَلَا تَجْعَلُونَ لَهَا الرُّخْصَةَ أُنْزِلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] .
وَزَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ وَكَانَ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيًّا يَقُولُ هِيَ آخِرُ الْأَجَلَيْنِ فَقَالَ ذَلِكَ (فَيَكُونُ) إخْرَاجُ الْحَوَامِلِ بِآيَةِ سُورَةِ الطَّلَاقِ مِنْ آيَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ (نَسْخًا) لَا تَخْصِيصًا (وَكَذَا {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] (بَعْدَ {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] كَمَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَيَدُلُّ لَهُ مَا عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ حَجَجْت فَدَخَلْت عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ لِي يَا جُبَيْرُ تَقْرَأُ الْمَائِدَةَ قُلْت نَعَمْ فَقَالَتْ أَمَا إنَّهَا آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَيَكُونُ إخْرَاجُ الْكِتَابِيَّاتِ مِنْ الْمُشْرِكَاتِ نَسْخًا.
(وَكَذَا جَعْلُ السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ نَفَّلَهُ الْإِمَامُ أَمْ لَا إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ السَّهْمِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَزَادَ أَحْمَدُ أَوْ الرَّضْخُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا (أَوْ بِرَأْيِ الْإِمَامِ) كَمَا هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَمَالِكٍ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَسَلَبُ الْمَقْتُولِ ثِيَابُهُ وَسِلَاحُهُ وَمَرْكَبُهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْآلَةِ وَمَا مَعَهُ مِنْ مَالٍ (بَعْدَ) قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ فَيَكُونُ اخْتِصَاصُ الْمُقَاتِلِ بِالسَّلَبِ نَسْخًا.
(وَكُلُّ مُتَرَاخٍ) مُخَرَّجٌ مِنْ عُمُومٍ سَابِقٍ بَعْضُهُ يَكُونُ نَاسِخًا لِذَلِكَ الْبَعْضِ لَا مُخَصِّصًا (قَالُوا) أَيْضًا قَوْله تَعَالَى قَالَ تَعَالَى لِنُوحٍ عليه السلام {فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} [المؤمنون: 27] وَتَرَاخَى إخْرَاجُ ابْنِهِ) كَنْعَانَ بِقَوْلِهِ {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: 46](قُلْنَا هُوَ) أَيْ تَرَاخَى إخْرَاجُ ابْنِهِ (بَيَانُ الْمُجْمَلِ) وَالْمُجْمَلُ يَجُوزُ تَرَاخِي بَيَانِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْأَهْلَ (شَاعَ فِي النَّسَبِ وَغَيْرِهِ كَالزَّوْجَةِ وَالْأَتْبَاعِ الْمُوَافِقِينَ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى
{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا} [القصص: 29](وَبَيَّنَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: 46] إرَادَتَهُ أَحَدَ الْمَفْهُومَيْنِ، وَهُوَ الْمُتَّبِعُونَ أَوْ هُوَ) أَيْ الْبَيَانُ الْمُتَأَخِّرُ (لِاسْتِثْنَاءٍ مَجْهُولٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي هُوَ أَهْلُك، وَهُوَ (إلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ) الْقَوْلُ مِنْهُمْ فَهُوَ بَيَانٌ مُجْمَلٌ أَيْضًا، وَعَلَى اصْطِلَاحِ أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ بَيَانِ بَعْضِ الْمُرَادِ بِالتَّخْصِيصِ الْإِجْمَالِيِّ لِلْعُمُومِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِالْأَهْلِ الْأَهْلُ إيمَانًا وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْأَهْلُ قَرَابَةً فَإِنْ أُرِيدَ هُنَا الْأَهْلُ إيمَانًا لَمْ يَتَنَاوَلْ الِابْنَ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ وَيَكُونُ قَوْلُهُ إلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا. (وَقَوْلُهُ {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: 45] لِظَنِّ إيمَانِهِ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْآيَةِ) أَيْ طُغْيَانِ الْمَاءِ وَغَزَارَةِ فَيْضِهِ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَوْ ظَنِّ إيمَانِهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِكُفْرِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ عَلَى مَا قِيلَ وَرُبَّمَا يَشْهَدُ لَهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [هود: 46] كَمَا هُوَ احْتِمَالٌ فِي الْآيَةِ (أَوْ ظَنِّ إرَادَةِ النَّسَبِ) بِالْأَهْلِ، وَهَذَا تَكْمِيلٌ لِتَقْرِيرِ الْجَوَابِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ أُرِيدَ هُنَا الْأَهْلُ قَرَابَةً تَنَاوَلَ الْأَهْلُ الِابْنَ الْكَافِرَ لَكِنْ اسْتَثْنَى بِقَوْلِهِ {إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} [هود: 40] وَعَلَى هَذَا فَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ وَقَوْلُهُ {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: 45] لِظَنِّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَهْلِ الَّذِينَ سَبَقَ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ وَقَوْلُهُ {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: 46] أَيْ الَّذِينَ لَمْ يَسْبِقْ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ وَالْمُرَادُ بِسَبْقِ الْقَوْلِ مَا سَبَقَ مِنْ قَضَائِهِ بِإِهْلَاكِ الْكُفَّارِ، وَهَذَا تَكْمِيلٌ لِتَقْرِيرِ الْجَوَابِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي (وَأَمَّا {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] (فَعُمُومُهُ فِي مَعْبُودِ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ) ، وَهُمْ قُرَيْشٌ، وَهُوَ الْأَصْنَامُ كَمَا ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ (فَلَمْ يَتَنَاوَلْ عِيسَى وَالْمَلَائِكَةَ) حَتَّى يُقَالَ إنَّهُمْ أُخْرِجُوا مُتَرَاخِيًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] الْآيَاتِ فَيَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ لِجَوَازِ تَرَاخِي الْمُخَصِّصِ.
(وَاعْتِرَاضُ ابْنِ الزِّبَعْرَى) بِكَسْرِ الزَّايِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ فَتْحُ الزَّايِ وَأَصْلُهُ الْبَعِيرُ الْكَثِيرُ الشَّعْرُ فِي الرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: السَّيِّئُ الْخُلُقُ. قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ: وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ كَانَ مِنْ أَعْيَانِ قُرَيْشٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفُحُولِ الشُّعَرَاءِ وَكَانَ يُهَاجِي الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَلَهُ أَشْعَارٌ يَعْتَذِرُ فِيهَا مِمَّا سَبَقَ مِنْهُ مَذْكُورَةٌ فِي السِّيرَةِ لِابْنِ إِسْحَاقَ (جَدَلٌ مُتَعَنِّتٌ عَلَى حِكَايَةِ الْأُصُولِيِّينَ)، وَهِيَ مُخْتَصَرَةٌ مِمَّا أَسْنَدَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَيْك {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98] قَالَ نَعَمْ قَالَ فَقَدْ عُبِدَتْ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْمَلَائِكَةُ وَعِيسَى وَعُزَيْرٌ فَكُلُّ هَؤُلَاءِ فِي النَّارِ مَعَ آلِهَتِنَا فَنَزَلَتْ {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] وَنَزَلَتْ {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا} [الزخرف: 57] إلَى قَوْلِهِ {خَصِمُونَ} [الزخرف: 58] » ثُمَّ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَكَوْنُهُ جَدَلٌ مُتَعَنِّتٌ ظَاهِرٌ مِنْ هَذَا وَمِمَّا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْآمِدِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ كَالْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ «مَا أَجْهَلَك بِلُغَةِ قَوْمِك» لِمَا لَا يَعْقِلُ فَقَالَ السُّبْكِيُّ: فَشَيْءٌ لَا يُعْرَفُ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ: لَا أَصْلَ لَهُ مِنْ طَرِيقٍ ثَابِتَةٍ وَلَا وَاهِيَةٍ (وَأَمَّا عَلَى بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «أَنَّهُ سَأَلَهُ صلى الله عليه وسلم أَهَذَا لِكُلِّ مَا عُبِدَ فَقَالَ نَعَمْ» فَلَا) يَكُونُ جَدَلٌ مُتَعَنِّتٌ وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ نَقَضَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ قَوْلَ السُّهَيْلِيِّ السَّابِقِ لَكِنْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَفِي صِحَّتِهِ) أَيْ هَذَا الْمَرْوِيِّ (بُعْدٌ) مِنْ جِهَةِ الدِّرَايَةِ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ وَالْوَاحِدِيُّ بِلَفْظِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَهَذَا لِآلِهَتِنَا أَوْ لِكُلِّ مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَالَ أَلَسْت تَزْعُمُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ عِبَادٌ صَالِحُونَ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدٌ صَالِحٌ وَأَنَّ عُزَيْرًا عَبْدٌ صَالِحٌ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَهَذِهِ النَّصَارَى تَعْبُدُ عِيسَى، وَهَذِهِ الْيَهُودُ تَعْبُدُ عُزَيْرًا وَقَدْ عَبَدْت
الْمَلَائِكَةُ قَالَ فَضَجَّ أَهْلُ مَكَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} [الأنبياء: 101] الْآيَةَ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ: حَدِيثٌ حَسَنٌ انْتَهَى. فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مُنْكَرَةٌ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ قَاضٍ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا بِجَرِيمَةٍ صَادِرَةٍ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَدْعُ إلَيْهَا وَلَا رَضِيَ بِهَا فَكَيْفَ يُصَرِّحُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَا يُنَافِيهِ وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا يُعَدُّ مِنْ الِانْقِطَاعِ الْبَاطِنِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ فَالْوَجْهُ هُوَ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ.
(قَالُوا فِيهِ) أَيْ فِي نَسْخِ الْخَاصِّ الْمُتَقَدِّمِ بِالْعَامِّ الْمُتَأَخِّرِ (إبْطَالُ الْقَاطِعِ بِالْمُحْتَمَلِ) ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فَيَتَعَيَّنُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِهِ (قُلْنَا) هَذَا (مَبْنِيٌّ عَلَى ظَنِّيَّةِ دَلَالَةِ الْعَامِّ، وَهُوَ) أَيْ وَكَوْنُهُ ظَنِّيَّ الدَّلَالَةِ (مَمْنُوعٌ) بَلْ هُوَ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يَكُونُ فِيهِ إلَّا إبْطَالُ الْقَاطِعِ بِالْقَاطِعِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ (وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّ الْعَامَّ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ (فَلَا مُخَصِّصَ فِي الشَّرْعِ بِخَاصٍّ) مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (بِالِاسْتِقْرَاءِ بَلْ بِعَامٍّ خُصُوصُهُ بِالنِّسْبَةِ) إلَى مَا هُوَ مُخَصَّصٌ بِهِ (كَلَا تَقْتُلُوا النِّسَاءَ) أَيْ كَمَا لَوْ قَالَ الشَّارِعُ هَذَا مَعَ قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] أَوْ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» فَإِنَّ ذَاكَ عَامٌّ فِي نَفْسِهِ خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا قُلْت كَمَا لَوْ قَالَ الشَّارِعُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ بِعَيْنِهِ لَا يَحْضُرُنِي عَنْهُ بَلْ مَعْنَاهُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَفِي آثَارِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ النِّسَاءُ إذَا هُنَّ ارْتَدَدْنَ لَا يُقْتَلْنَ وَلَكِنْ يُحْبَسْنَ وَيُدْعَيْنَ إلَى الْإِسْلَامِ وَيُجْبَرْنَ عَلَيْهِ (وَمَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] {وَالْمُحْصَنَاتُ} [النساء: 24] فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَامٌّ فِي نَفْسِهِ خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ مُخَصَّصٌ بِهِ عَلَى قَوْلِهِمْ (فَاللَّازِمُ إبْطَالُ ظَنِّيٍّ بِظَنِّيٍّ) وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ، هَذَا وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْبَدِيعِ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ الِاسْتِقْلَالَ مَعَ الِاتِّصَالِ فِي أَوَّلِ مُخَصِّصٍ، وَالْفَرْقُ أَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَقِلِّ إذَا كَانَ مَعْلُومًا فَالْعَامُّ فِيمَا وَرَاءَهُ مُوجِبٌ لِلْعِلْمِ لِعَدَمِ قَبُولِ التَّعْلِيلِ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي، وَهُوَ مَعْلُومُ الْعُمُومِ بِخِلَافِ الْمُسْتَقِلِّ الْمُتَّصِلِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ تَغَيُّرَ الْعَامِّ مِنْ الْقَطْعِ إلَى الِاحْتِمَالِ لِشَبَهِهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ حُكْمًا وَبِالنَّاسِخِ صِيغَةً، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ بِنَاءً عَلَى ظَنِّ إفَادَةِ هَذَا: إنَّ الْمُوجِبَ لِظَنِّيَّةِ الْعَامِّ إذَا كَانَ مُخَصِّصًا عِنْدَ الْقَائِلِ بِقَطْعِيَّتِهِ قَبْلَ التَّخْصِيصِ إنَّمَا هُوَ كَوْنُ الْمُخَصِّصِ مُسْتَقِلًّا.
(وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الِاسْتِقْلَالِ) فِي الْمُخَصِّصِ (فَلِتَغَيُّرِ دَلَالَتِهِ) أَيْ لِأَجْلِ تَغَيُّرِ دَلَالَةِ الْعَامِّ مِنْ الْقَطْعِ (إلَى الظَّنِّ لَا يَحْتَاجُهُ الْقَائِلُ بِظَنِّيَّتِهِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) كَأَبِي مَنْصُورٍ وَمَنْ مَعَهُ لِكَوْنِ دَلَالَتِهِ ظَنِّيَّةً بِدُونِ التَّخْصِيصِ عِنْدَهُ فَإِنَّمَا يَحْتَاجُهُ الْقَائِلُ بِقَطْعِيَّتِهِ قَبْلَ التَّخْصِيصِ لِيَكُونَ تَغَيُّرُهُ مِنْهَا إلَى الظَّنِّيَّةِ بِوَاسِطَتِهِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ اقْتِرَانَ الْعَامِّ بِغَيْرِ مُسْتَقِلٍّ كَالِاسْتِثْنَاءِ، وَيَدُلُّ الْبَعْضُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْقَطْعِيَّةِ إلَى الظَّنِّيَّةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فِي كُلٍّ نَظَرٌ بَلْ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا اقْتَرَنَ بِمُخَرَّجٍ مُجْمَلٌ أَبْطَلَ حُجِّيَّتَهُ فَضْلًا عَنْ قَطْعِيَّتِهِ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ مَا لَمْ يَلْحَقْهُ بَيَانٌ وَبِمُبَيَّنٍ يَقْبَلُ التَّعْلِيلَ أَخْرَجَهُ مِنْ الْقَطْعِيَّةِ إلَى الظَّنِّيَّةِ مُسْتَقِلًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ وَبِمُبَيَّنٍ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيلَ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الْقَطْعِيَّةِ إلَى الظَّنِّيَّةِ مُسْتَقِلًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ. وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ الْمُخْرِجَ لَهُ مِنْ الْقَطْعِيَّةِ إلَى الظَّنِّيَّةِ مَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ مُخَرَّجٍ لِبَعْضٍ مِنْهُ مُعَيَّنٍ قَابِلِ التَّعْلِيلِ وَأَمَّا الْمُتَرَاخِي فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ فَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا لَمْ يَقْبَلْ التَّعْلِيلَ؛ لِكَوْنِهِ نَسْخًا وَيَلْزَمُهُ أَنْ لَا يُخْرِجَهُ مِنْ الْقَطْعِيَّةِ إنْ كَانَ قَطْعِيًّا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ أَعْنِي الْمُخَرَّجَ إجْمَالٌ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ:(وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ تَغَيُّرِهِ) أَيْ الْعَامِّ (بِالْعَقْلِ) مِنْ الْقَطْعِ (إلَى الظَّنِّ كَخُرُوجِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مِنْ خِطَابِ الشَّرْعِ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ)
الْعَقْلُ (مَجْهُولًا) بِأَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مِمَّا يَمْتَنِعُ عَلَى الْكُلِّ دُونَ الْبَعْضِ مِثْلُ الرِّجَالُ فِي الدَّارِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ حُجِّيَّتُهُ فِي الْبَاقِي مَا لَمْ يَلْحَقْهُ بَيَانٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْقَطْعِ إلَى الظَّنِّ وَمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ.
(تَفْصِيلُ الْمُتَّصِلِ إلَى خَمْسَةٍ الْأَوَّلُ الشَّرْطُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوُجُودُ) أَيْ وُجُودُ الشَّيْءِ بِأَنْ يُوجَدَ عِنْدَ وُجُودِهِ (وَلَا دَخْلَ لَهُ فِي التَّأْثِيرِ وَالْإِفْضَاءِ فَخَرَجَ جُزْءُ السَّبَبِ) ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ لَكِنْ لَهُ دَخْلٌ فِي الْإِفْضَاءِ إلَيْهِ (وَالْعِلَّةُ) ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ الَّذِي هُوَ الْمَعْلُولُ لَكِنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ فِيهِ (وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ مَا لَا يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ دُونَهُ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدَ) الْمَشْرُوطُ (عِنْدَهُ) أَيْ الشَّرْطِ أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ دَوْرِيٌّ لِتَوَقُّفِ تَعَقُّلِ الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْهُ، وَ (دُفِعَ دَوْرُهُ بِإِرَادَةِ مَاصَدَق عَلَيْهِ الْمَشْرُوطُ أَيْ الشَّيْءُ) ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ فِي تَعَقُّلِهِ إلَى الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا الْمَوْقُوفُ عَلَى تَعَقُّلِ الشَّرْطِ هُوَ تَعَقُّلُ مَفْهُومِ الْمَشْرُوطِ بِوَصْفِهِ الْعُنْوَانِيِّ (وَيُرَدُّ) عَلَى طَرْدِهِ (جُزْءُ السَّبَبِ الْمُتَّحِدِ) ؛ لِأَنَّ الْمُسَبِّبَ لَا يُوجَدُ بِدُونِهِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدَ الْمُسَبِّبُ عِنْدَهُ مَعَ أَنَّ جُزْءَ السَّبَبِ الْمُتَّحِدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا لَا يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ دُونَهُ لَا يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ لِعَدَمِ وُجُودِهِ، وَجُزْءُ السَّبَبِ الْمُتَّحِدِ لَيْسَ عَدَمَ الْمُسَبِّبِ لِعَدَمِهِ بَلْ لِعَدَمِهِ وَعَدَمِ تَعَدُّدِ السَّبَبِ (وَقِيلَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ كَالْوُضُوءِ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ فِي الصَّلَاةِ) . وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى قَوْلِ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ إذَا قُلْنَا الْوُضُوءُ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ لَمْ نُرِدْ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَأْثِيرُ الصَّلَاةِ فِي الشَّيْءِ بَلْ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ فِي الصَّلَاةِ لَكِنَّ الْأَشْبَهَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِ الْأَبْهَرِيِّ وَأَمَّا كَوْنُ الْوُضُوءِ شَرْطًا لِلصَّلَاةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ شَرْطٌ لِتَأْثِيرِ الصَّلَاةِ فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ الصِّحَّةُ وَأَنَّهُ شَرْطٌ لِتَأْثِيرِ الْمُصَلِّي أَوْ شَرْطٌ لِتَحَقُّقِهَا
(وَيَرِدُ) عَلَى عَكْسِهِ (الْحَيَاةُ لِلْعِلْمِ الْقَدِيمِ) فَإِنَّهَا شَرْطٌ لِتَحَقُّقِهِ لَا لِتَأْثِيرِهِ فِي الْحُكْمِ الْمَعْلُولِ بِهِ، وَهُوَ الْعَالَمِيَّةُ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْعِلَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ لِحُكْمِهَا لَا يَكُونُ مَشْرُوطًا بِشَرْطٍ اتِّفَاقًا هَذَا مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ بِالْقَدِيمِ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي حَاشِيَتِهِ وَيَنْدَفِعُ بِهِ أَيْضًا قَوْلُ الْمُحَقِّقِ الْكَرْمَانِيِّ: أَيْ شَرْطٌ لِذَاتِ الْقَدِيمِ فِي وُجُودِ الْعِلْمِ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَا الْمَشْرُوطَ الذَّاتَ لَا الْعِلْمَ لِيَظْهَرَ لِلَّفْظِ الْقَدِيمِ فَائِدَةٌ، وَإِلَّا فَلَا تَأْثِيرَ أَصْلًا لِلْعِلْمِ إذْ لَيْسَ هُوَ صِفَةٌ مُؤَثِّرَةٌ وَلِلْمُعَرِّفِ أَنْ يَقُولَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِنَا الشَّرْطُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ التَّأْثِيرُ شَرْطُ الْمُؤَثِّرِ لَا الشَّرْطُ مُطْلَقًا. انْتَهَى عَلَى مَا فِي هَذِهِ مِنْ الْعِنَايَةِ مَا فِيهَا مِنْ الْعِنَايَةِ.
هَذَا وَقَدْ جَزَمَ بِهَذَا التَّعْرِيفِ صَاحِبُ الْمَحْصُولِ بِزِيَادَةٍ لَا ذَاتِهِ وَالْبَيْضَاوِيُّ بِزِيَادَةِ لَا وُجُودِهِ أَيْ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الْمُؤَثِّرِ احْتِرَازًا عَنْ عِلَّتِهِ وَجُزْئِهَا وَشَرْطِهَا وَجُزْءِ نَفْسِ الْمُؤَثِّرِ؛ لِأَنَّ التَّأْثِيرَ يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَمَا أَنَّ وُجُودَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا أَيْضًا بِخِلَافِ الشَّرْطِ فَإِنَّ وُجُودَ الْمُؤَثِّرِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ بَلْ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَأْثِيرُهُ كَالْإِحْصَانِ فَإِنَّ تَأْثِيرَ الزِّنَا فِي الرَّجْمِ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا نَفْسُ الزِّنَا فَلَا؛ لِأَنَّ الْبِكْرَ قَدْ يَزْنِي وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا حَاجَةَ إلَى الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ تَوَقُّفَ التَّأْثِيرِ عَلَى وُجُودِ الْمُؤَثِّرِ تَوَقُّفٌ قَرِيبٌ، وَتَوَقُّفُهُ عَلَى عِلَّتِهِ وَجُزْئِهَا وَشَرْطِهَا تَوَقُّفٌ بَعِيدٌ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ الْأَوَّلُ (وَهُوَ) أَيْ الشَّرْطُ (عَقْلِيٌّ كَالْحَيَاةِ لِلْعِلْمِ) فَإِنَّ الْعَقْلَ هُوَ الَّذِي يَحْكُمُ بِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ الْحَيَاةِ (وَشَرْعِيٌّ كَالطَّهَارَةِ) لِلصَّلَاةِ فَإِنَّ الشَّرْعَ هُوَ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ (فَأَمَّا اللُّغَوِيُّ) ، وَهُوَ مَدْخُولُ أَدَاةِ الشَّرْطِ كَدُخُولِ الدَّارِ مِنْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ كَذَا؛ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ وَضَعُوا هَذَا التَّرْكِيبَ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ مَا دَخَلَتْ إنْ عَلَيْهِ هُوَ الشَّرْطُ وَالْآخَرُ الْمُعَلَّقُ بِهِ هُوَ الْجَزَاءُ
(فَإِنَّمَا هُوَ الْعَلَامَةُ) لِكَوْنِهِ دَلِيلًا عَلَى ظُهُورِ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِهِ فَحَسْبُ نَعَمْ صَارَ اسْتِعْمَالُهُ فِي السَّبَبِيَّةِ غَالِبًا كَمَا فِي هَذَا الْمِثَالِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَتَسْمِيَةُ نَحْوِ إنْ جَاءَ فَأَكْرِمْهُ، وَإِنْ دَخَلْت فَطَالِقٌ بِهِ) أَيْ بِالشَّرْطِ (مَعَ أَنَّهُ سَبَبٌ جَعْلِيٌّ) لِلثَّانِي (لِصَيْرُورَتِهِ عَلَامَةً عَلَى الثَّانِي) أَيْ الْجَزَاءِ.
(وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ) هَذَا شَرْطًا (فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ الْمُسَبِّبُ بَعْدَهُ عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي شَرْطٍ شَبِيهٍ بِالسَّبَبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَسْتَتْبِعُ الْوُجُودَ، وَهُوَ الشَّرْطُ الَّذِي لَمْ يَبْقَ لِلْمُسَبِّبِ أَمْرٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ سِوَاهُ حَتَّى إذَا وُجِدَ فَقَدْ وُجِدَتْ الْأَسْبَابُ وَالشُّرُوطُ كُلُّهَا فَيُوجَدُ الْمَشْرُوطُ فَيُفْهَمُ مِنْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَسْبَابِ الطَّلَاقِ إلَّا الدُّخُولُ وَلِذَا قِيلَ الشُّرُوطُ اللُّغَوِيَّةُ أَسْبَابٌ إذْ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهَا الْعَدَمُ (وَقَدْ يَتَّحِدُ) الشَّرْطُ أَيْ يَكُونُ أَمْرًا وَاحِدًا (وَقَدْ يَتَعَدَّدُ مَعْنًى) لَا لَفْظًا أَوْ وَلَفْظًا (جَمْعًا) بِأَنْ يَتَوَقَّفَ الْمَشْرُوطُ عَلَى حُصُولِهِمَا جَمِيعًا (وَبَدَلًا) بِأَنْ يَحْصُلَ بِحُصُولِ أَيِّهِمَا كَانَ سَوَاءٌ كَانَ بِأَوْ أَوْ لَا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (وَكَذَا الْجَزَاءُ) يَتَّحِدُ وَيَتَعَدَّدُ مَعْنَى جَمْعًا حَتَّى يَلْزَمَ حُصُولُ كِلَيْهِمَا وَبَدَلًا حَتَّى يَلْزَمَ حُصُولُ أَحَدِهِمَا مُبْهَمًا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ، وَإِذَا اُعْتُبِرَ التَّرْكِيبُ (فَهِيَ تِسْعَةٌ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى أَدَاةٍ بَلْ مَعْنًى) حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ إحْدَى كُلٍّ مِنْ ثَلَاثَتَيْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فِي الْأُخْرَى، وَالْأَمْثِلَةُ ظَاهِرَةٌ (وَلِذَا) أَيْ وَلِانْقِسَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ (اخْتَلَفَ لَوْ دَخَلَتْ إحْدَاهُمَا فِي قَوْلِهِ إنْ دَخَلْتُمَا) الدَّارَ (فَطَالِقَانِ) عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ (أَتَطْلُقُ) الدَّاخِلَةُ (لِلِاتِّحَادِ عُرْفًا) أَيْ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ دُخُولُ إحْدَاهُمَا وَالْجَزَاءُ طَلَاقُهَا؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ عُرْفًا مِنْ مِثْلِهِ أَنَّ طَلَاقَ كُلٍّ مَشْرُوطٌ بِدُخُولِهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ لِكُلٍّ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيَكُونُ مِنْ اتِّحَادِ الشَّرْطِ وَالْمَشْرُوطِ، وَهَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ (أَوْ لَا) تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا (حَتَّى تَدْخُلَا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ دُخُولُهُمَا) جَمِيعًا فَالشَّرْطُ مُتَعَدِّدٌ جَمْعًا فَتَطْلُقَانِ حِينَئِذٍ جَمِيعًا، وَهَذَا ثَانِي الْأَقْوَالِ (أَوْ تَطْلُقَانِ) جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ الْأُخْرَى (لِأَنَّهُ) أَيْ دُخُولَهُمَا الَّذِي هُوَ (الشَّرْطُ) مُتَعَدِّدٌ (بَدَلًا) ، وَهَذَا ثَالِثُ الْأَقْوَالِ (وَنَحْوُ) أَنْتِ (طَالِقٌ إنْ دَخَلْت) إنْ دَخَلْت (شَرْطٌ لِلْمُتَقَدِّمِ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ (مَعْنًى لِلْقَطْعِ بِتَقَيُّدِهِ) أَيْ الْمُتَقَدِّمِ (بِهِ) أَيْ بِأَنْ دَخَلْت (وَعِنْدَ النُّحَاةِ) إنْ دَخَلْت شَرْطٌ (لِمَحْذُوفٍ مَدْلُولٍ عَلَى لَفْظِهِ) بِالْمُتَقَدِّمِ (فَلَمْ يَجْزِمْ) الْمُتَقَدِّمَ (بِهِ) أَيْ بِالشَّرْطِ (عَلَى تَقَيُّدِهِ) أَيْ مَعَ تَقَيُّدِ الْمُتَقَدِّمِ بِالشَّرْطِ.
(وَإِنْ أَطْلَقَ) الْمُتَقَدِّمُ (لَفْظًا) أَوَّلًا فَإِنَّ التَّقْيِيدَ ثَانِيًا لَا يُنَافِيهِ هَذَا مُحَصَّلُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَنْ وَافَقَهُ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ للإستراباذي إذَا تَقَدَّمَ عَلَى أَدَاةِ الشَّرْطِ مَا هُوَ جَوَابٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَلَيْسَ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ بِجَوَابٍ لَهُ لَفْظًا؛ لِأَنَّ لِلشَّرْطِ صَدْرُ الْكَلَامِ بَلْ هُوَ دَالٌّ عَلَيْهِ وَكَالْعِوَضِ مِنْهُ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: بَلْ هُوَ جَوَابٌ فِي اللَّفْظِ أَيْضًا لَمْ يَنْجَزِمْ وَلَمْ يُصَدَّرْ بِالْفَاءِ لِتَقَدُّمِهِ فَهُوَ عِنْدَهُمْ جَوَابٌ وَاقِعٌ مَوْقِعَهُ ثُمَّ قَالَ جَوَابٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى اتِّفَاقًا لِتَوَقُّفِ مَضْمُونِهِ عَلَى حُصُولِ الشَّرْطِ، وَلِهَذَا لَمْ يُحْكَمْ بِالْإِقْرَارِ فِي لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَعِنْدَ الْبَصْرِيَّةِ لَا يُقَدَّرُ مَعَ هَذَا الْمُقَدَّمِ جَوَابٌ آخَرُ لِلشَّرْطِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَوَابًا لِلشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ يُغْنِي عَنْهُ فَهُوَ مِثْلُ اسْتِحَارُك الَّذِي هُوَ كَالْعِوَضِ مِنْ الْمُقَدَّرِ إذَا ذَكَرْت أَحَدَهُمَا لَمْ تَذْكُرْ الْآخَرَ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُقَالَ هَذَا الْمُقَدَّمُ هُوَ الْجَوَابُ الَّذِي كَانَ مَرْتَبَتُهُ التَّأَخُّرَ عَنْ الشَّرْطِ فَقُدِّمَ عَلَى أَدَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هُوَ الْجَوَابُ لَوَجَبَ جَزْمُهُ وَلَلَزِمَ الْفَاءَ فِي نَحْوِ أَنْتَ مُكْرَمٌ إنْ أَكْرَمْتنِي، وَلَجَازَ ضَرَبْت غُلَامَهُ إنْ ضَرَبْت زَيْدًا عَلَى أَنَّ ضَمِيرَ غُلَامِهِ
لِزَيْدٍ فَمَرْتَبَةُ الْجَزَاءِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ بَعْدَ الشَّرْطِ وَعِنْدَ الْكُوفِيَّةِ قَبْلَ الْأَدَاةِ. اهـ.
وَعَلَى هَذَا فَكَانَ الْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ تَقَيُّدِهِ بِهِ مَا نَصُّهُ: وَإِنْ أَطْلَقَ لَفْظًا ثَمَّ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَلَفْظًا وَلَمْ يَجْزِمْ لِلتَّقَدُّمِ وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ بَلْ هُوَ لَفْظًا لِمَحْذُوفٍ مَدْلُولٍ عَلَيْهِ بِالْأَوَّلِ لَا يُجَامِعُهُ ذِكْرًا وَيُحْذَفُ مَا سِوَى هَذَا نَعَمْ ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ جُمْهُورَ الْبَصْرِيِّينَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ لَيْسَ بِجَوَابٍ لَهُ لَا مَعْنًى وَلَا لَفْظًا، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ: مُكَابَرَةٌ وَعِنَادٌ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ قَطْعًا أَنَّ أُكْرِمُك إنْ دَخَلْت إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى إكْرَامٍ مُقَيَّدٍ بِالدُّخُولِ وَلِذَا لَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَلَمْ يُكْرِمْ لَمْ يُعَدَّ كَاذِبًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُقَيَّدًا بِهِ لَكَانَ كَاذِبًا بِتَرْكِ الْإِكْرَامِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ (فَإِذَا تَعَقَّبَ) الشَّرْطُ (جُمَلًا) مُتَعَاطِفَةً كَلَا آكُلُ وَلَا أَشْرَبُ وَلَا أَلْبَسُ إنْ فَعَلْت كَذَا (قَيَّدَهَا) جَمِيعًا (عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ) فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْأَخِيرَةِ إلَّا بِدَلِيلٍ فِيمَا قَبْلَهَا (عِنْدَهُمْ) ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لِصَدَارَتِهِ مُقَدَّرٌ تَقْدِيمُهُ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا سَيَأْتِي، وَنَظَرَ فِيهِ بِأَنَّهُ يُقَدَّرُ تَقْدِيمُهُ عَلَى مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ فَلَوْ كَانَ لِلْأَخِيرَةِ قُدِّمَ عَلَيْهَا لَا عَلَى الْجَمِيعِ، وَعِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ فِيهِ بَقِيَّةُ الْمَذَاهِبِ الْآتِيَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَهَلْ يَجِبُ فِيهِ الِاتِّصَالُ اتِّفَاقًا؟ . فَقِيلَ نَعَمْ وَعَلَيْهِ مَشَى السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَقِيلَ فِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي الِاسْتِثْنَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَعَلَيْهِ مَشَى السُّبْكِيُّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ.
(الثَّانِي الْغَايَةُ) وَلَفْظُهَا إلَى وَحَتَّى نَحْوُ (أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إلَى أَنْ يَدْخُلُوا) أَوْ حَتَّى يَدْخُلُوا كَذَا أَطْلَقُوا وَلَا رَيْبَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ أَنْ لَيْسَ مُرَادُهُمْ غَايَةَ لَوْ لَمْ يُؤْتَ بِهَا لَمْ يَدُلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهَا كَ {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] ؛ لِأَنَّ زَمَنَ طُلُوعِهِ لَيْسَ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى يَشْمَلَهُ سَلَامٌ هِيَ وَلَا غَايَةَ يَكُونُ اللَّفْظُ شَامِلًا لَهَا، وَهِيَ جَارِيَةٌ مَجْرَى التَّأْكِيدِ لِشُمُولِهِ نَحْوُ قَطَعْت أَصَابِعَهُ كُلَّهَا مِنْ الْخِنْصَرِ إلَى الْإِبْهَامِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ هَاتَيْنِ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بَلْ لِتَحْقِيقِ الْعُمُومِ فِيمَا قَبْلَهَا لَا لِتَخْصِيصِهِ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ غَايَةٌ تَقَدَّمَهَا عُمُومٌ يَشْمَلُهَا لَوْ لَمْ يَأْتِ كَالْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهَا لَوْ لَمْ يَأْتِ لَكَانَ الْمَطْلُوبُ إكْرَامَهُمْ دَخَلُوا أَوْ لَمْ يَدْخُلُوا ثُمَّ يَأْتِي فِي هَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَلَا يَخْفَى عَدَمُ صِدْقِ تَعْرِيفِ التَّخْصِيصِ عَلَى إخْرَاجِ الشَّرْطِ وَالْغَايَةِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِكْرَامَ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ (لِكُلِّ تَمِيمٍ عَلَى تَقْدِيرٍ) ، وَهُوَ أَنْ لَا يَدْخُلُوا كُلُّهُمْ (لَا قَصْرَ عَلَى بَعْضِهِمْ دَائِمًا) دَخَلُوا أَوْ لَمْ يَدْخُلُوا (وَحَقِيقَتُهُ) أَيْ إخْرَاجِ الشَّرْطِ وَالْغَايَةِ (تَخْصِيصُ عُمُومِ التَّقَادِيرِ عَنْ أَنْ يَثْبُتَ مَعَهَا) أَيْ التَّقَادِيرِ كُلِّهَا (الْحُكْمُ) فَأَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ اُطْلُبْ إكْرَامَهُمْ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِتَقْدِيرٍ دُونَ آخَرَ، وَهَذَا مَعْنَى إفَادَتِهِ عُمُومَ التَّقَادِيرِ فَإِذَا قَالَ إنْ دَخَلُوا أَوْ إلَى أَنْ يَدْخُلُوا خَصَّصَ التَّقَادِيرَ وَقَصَرَهَا عَلَى تَقْدِيرِ الدُّخُولِ فِي الشَّرْطِ وَعَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ فِي الْغَايَةِ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ الْإِكْرَامُ لَهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْغَايَةِ وَلَا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الشَّرْطِ (وَقَدْ يَتَّفِقُ تَخْصِيصُ الْآخَرِ) أَيْ بَنِي تَمِيمٍ بِأَنْ يَدْخُلَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّهُ يُقْصِرُ عُمُومَهُ عَلَى الدَّاخِلِينَ فِي الشَّرْطِ وَعَلَى غَيْرِ الدَّاخِلِينَ فِي الْغَايَةِ (وَقَدْ لَا) يَتَّفِقُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ الْآخَرِ الَّذِي هُوَ بَنُو تَمِيمٍ بِأَنْ يَدْخُلَ الْكُلُّ فِي الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يُكْرِمُ الْكُلَّ فَلَا يَتَخَصَّصُ بِالْبَعْضِ، وَأَمَّا فِي الْغَايَةِ فَإِنَّمَا يُقَالُ أَكْرِمْ تَمِيمًا إلَى أَنْ يَجْبُنُوا أَوْ يَدْخُلُوا حَالَةَ عَدَمِ الْجُبْنِ وَعَدَمِ الدُّخُولِ فَلَا يَتَخَصَّصُ بِبَعْضِهِمْ حَالَةَ التَّكَلُّمِ فَيُكْرِمُ الْكُلَّ ثُمَّ كُلُّ مَنْ جَبُنَ أَوْ دَخَلَ خُصَّ وَلَوْ لَمْ يَجْبُنْ أَحَدٌ، وَلَمْ يَدْخُلْ أَحَدٌ اسْتَمَرَّ عُمُومُ الْآخَرِ فَاللَّازِمُ دَائِمًا إنَّمَا هُوَ تَخْصِيصُ التَّقَادِيرِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.
(وَقَدْ يَتَضَادَّانِ) أَيْ الشَّرْطُ وَالْغَايَةُ (تَخْصِيصًا) يَعْنِي إذَا اتَّحَدَتْ كَيْفِيَّتَا التَّرْكِيبِ الشَّرْطِيِّ وَالْغَائِيِّ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ تَضَادَّ
تَخْصِيصُهُمَا كَمَا رَأَيْت فِيمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ فِيمَا إذَا قَالَ أَكْرِمْهُمْ إنْ دَخَلُوا الْمُخَرَّجُ عَنْ الْإِكْرَامِ غَيْرُ الدَّاخِلِينَ، وَفِي إلَى أَنْ يَدْخُلُوا الْمُخَرَّجُ مِنْهُ الدَّاخِلُونَ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ كَيْفِيَّتَاهُمَا فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ بِأَنْ قَالَ إلَى أَنْ لَا يَدْخُلُوا، وَإِنْ دَخَلُوا لَمْ يَتَضَادَّا؛ لِأَنَّ فِيهِمَا مَعًا يُخْرِجُهُمْ عَنْ الْإِكْرَامِ عَدَمُ الدُّخُولِ، وَلِهَذَا قَالَ وَقَدْ يَتَضَادَّانِ (وَتَجْرِي أَقْسَامُ الشَّرْطِ) وَالْمَشْرُوطِ التِّسْعَةِ الْمَاضِيَةِ (فِي الْغَايَةِ) وَالْمُغْيَا أَيْضًا بِأَنْ يُقَالَ كُلٌّ مِنْ الْغَايَةِ وَالْمُغْيَا قَدْ يَكُونُ مُتَّحِدًا وَمُتَعَدِّدًا عَلَى الْجَمْعِ وَعَلَى الْبَدَلِ وَتَرَكَّبَ فَتَأْتِي الْأَقْسَامُ التِّسْعَةُ وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الِاتِّصَالِ بِمَا هِيَ غَايَةٌ لَهُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَهِيَ كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْعَوْدِ عَلَى الْمُتَعَدِّدِ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْعَوْدُ إلَى الْجَمِيعِ أَوْ إلَى الْأَخِيرَةِ، وَالْمَذَاهِبُ الْمَذَاهِبُ وَالْمُخْتَارُ الْمُخْتَارُ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ.
(الثَّالِثُ الصِّفَةُ أَكْرِمْ الرِّجَالَ الْعُلَمَاءَ) فَقَصَرَ الْعُلَمَاءَ الرِّجَالَ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَهُوَ الْعُلَمَاءُ بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ إذْ لَوْلَاهُ لَعَمَّ الْعُلَمَاءَ وَغَيْرَهُمْ، وَيَجِبُ فِيهَا الِاتِّصَالُ بِالْمَوْصُوفِ (وَفِي تَعَقُّبِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (مُتَعَدِّدًا كَتَمِيمٍ وَقُرَيْشٍ الطِّوَالِ) فَعَلُوا كَذَا خِلَافٌ فِي تَقْيِيدِهِ الْأَخِيرِ أَوْ الْمَجْمُوعِ (كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالْأَوْجَهُ الِاقْتِصَارُ) عَلَى الْأَخِيرِ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِخْرَاجَ بِالصِّفَةِ وَالشَّرْطِ وَالْغَايَةِ وَالْبَدَلِ يُسَمَّى تَخْصِيصًا) كَمَا تَقُولُهُ الشَّافِعِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ (أَوْ لَا) يُسَمَّى تَخْصِيصًا (لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ لِنَفْيِ الْمَفْهُومِ) الْمُخَالِفِ عِنْدَهُمْ (وَلَيْسَ) الْإِخْرَاجُ بِأَحَدِهَا (تَخْصِيصًا إلَّا بِهِ) أَيْ بِاعْتِبَارٍ، كَمَا تَقَدَّمَ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ.
(الرَّابِعُ بَدَلُ الْبَعْضِ) مِنْ الْكُلِّ نَحْوَ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ (الْعُلَمَاءَ مِنْهُمْ) ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُونَ وَصَوَّبَهُ وَالِدُهُ؛ لِأَنَّ الْمُبْدَلَ مِنْهُ فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ فَلَا تَحَقُّقَ فِيهِ لِمَحَلٍّ يَخْرُجُ مِنْهُ فَلَا تَخْصِيصَ بِهِ. قُلْت: وَسَبَقَهُ إلَى النَّظَرِ فِيهِ بِمَعْنَى هَذَا الْأَصْبَهَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ كَالزَّمَخْشَرِيِ أَنَّ الْمُبْدَلَ مِنْهُ فِي غَيْرِ بَدَلِ الْغَلَطِ لَيْسَ فِي حُكْمِ الْمُهْدَرِ الْمُطْرَحِ بَلْ هُوَ لِلتَّمْهِيدِ وَالتَّوْطِئَةِ وَلِيُفَادَ بِمَجْمُوعِهِمَا فَضْلُ تَأْكِيدٍ وَتَبَيُّنٍ لَا يَكُونُ فِي الْأَفْرَادِ فَلَا يَتِمُّ مَا ذَكَرَهُ.
(الْخَامِسُ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُتَّصِلُ وَالْمُرَادُ) بِهِ هُنَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ (أَدَوَاتُ الْإِخْرَاجِ لَا الْإِخْرَاجُ الْخَاصُّ، وَإِنْ كَانَ) الْإِخْرَاجُ الْخَاصُّ (يُرَادُ بِهِ) أَيْ بِالِاسْتِثْنَاءِ (كَالْمُسْتَثْنَى) أَيْ كَمَا يُرَادُ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَيْضًا الْمُخْرَجُ أَوْ الْمَذْكُورُ بَعْدَ إلَّا (إذْ الْكَلَامُ فِي تَفْصِيلِ مَا هُوَ) أَيْ الَّذِي الْإِخْرَاجُ الْخَاصُّ يَتَحَقَّقُ (بِهِ لَا) فِي نَفْسِ (التَّخْصِيصِ الْخَاصِّ، وَهُوَ) أَيْ الْمَعْنَى الْمُرَادُ هُنَا بِالِاسْتِثْنَاءِ (إلَّا غَيْرُ الصِّفَةِ، وَأَخَوَاتُهَا)، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِغَيْرِ الصِّفَةِ لِدُخُولِهَا صِفَةً فِي الْمُخَصِّصِ الْوَصْفِيِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] وَالْمَشْهُورُ مِنْ أَخَوَاتِهَا غَيْرُ وَسِوَى وَعَدَا وَخَلَا وَحَاشَا وَلَيْسَ وَلَا يَكُونُ وَلَا سِيَّمَا وَبَيْدَ وَبَلْهَ وَلِمَا، عَلَى مَا فِي بَعْضِهَا مِنْ خِلَافٍ يُعْرَفُ فِي فَنِّ الْعَرَبِيَّةِ (وَأَنَّهَا) أَيْ إلَّا غَيْرُ الصِّفَةِ وَأَخَوَاتُهَا (تُسْتَعْمَلُ فِي إخْرَاجِ مَا بَعْدَهَا) حَالَ كَوْنِهِ (كَائِنًا بَعْضُ مَا قَبْلَهَا عَنْ حُكْمِهِ) أَيْ مَا قَبْلَهَا (وَهَذَا الْإِخْرَاجُ يُسَمَّى اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا، وَ) يُسْتَعْمَلُ (فِي إخْرَاجِهِ) أَيْ مَا بَعْدَهَا حَالَ كَوْنِهِ (كَائِنًا خِلَافُهُ) أَيْ مَا قَبْلَهَا (عَنْ حُكْمِهِ) أَيْ مَا قَبْلَهَا (وَيُسَمَّى) هَذَا الْإِخْرَاجُ اسْتِثْنَاءً (مُنْقَطِعًا) إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا إلَّا وَغَيْرُ وَسِوَى وَقِيلَ وَبَيْدَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ وَبَاقِي الْأَدَوَاتِ لَا تَكُونُ فِي الْمُنْقَطِعِ.
(وَشَرْطُهُ) أَيْ الْمُنْقَطِعِ (كَوْنُهُ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى (مِمَّا يُقَارِنُهُ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (كَثِيرًا) لِمُلَابَسَتِهِ إيَّاهُ وَكَوْنُهُ مِنْ تَوَابِعِهِ حَتَّى يَسْتَحْضِرَ بِذِكْرِهِ أَوْ بِذِكْرِ مَا يُنْسَبُ إلَيْهِ (كَجَاءُوا) أَيْ الْقَوْمُ مَثَلًا (إلَّا حِمَارًا) ؛ لِأَنَّهُ
لَيْسَ مِنْهُمْ بَلْ مِنْ تَوَابِعِهِمْ بِحَيْثُ يُسْتَحْضَرُ بِذِكْرِهِمْ فِي الْجُمْلَةِ (وَمِنْهُ) أَيْ الْمُنْقَطِعِ قَوْلُ الشَّاعِرِ
وَبَلْدَةٌ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ
…
(إلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ
؛ لِأَنَّهُ حَصَرَ الْأَنِيسَ) فِيهِمَا فَاسْتَحْضَرَهُمَا بِذِكْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُؤَانِسُ وَيُلَازِمُ الْمَكَانَ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْإِنْسَانِ أَوْ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ خَلَّفَتَا أَهْلَ الْبَلْدَةِ فِيهَا فَكَانَتَا بِمَنْزِلَةِ أَهْلِهَا وَمِنْ ثَمَّةَ فَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ، وَالْيَعَافِيرُ جَمْعُ يَعْفُورٍ قِيلَ الْحِمَارُ الْوَحْشِيُّ وَقِيلَ تَيْسٌ مِنْ تُيُوسِ الظِّبَاءِ، وَالْعِيسُ جَمْعُ عَيْسَاءَ إبِلٌ بِيضٌ فِي بَيَاضِهَا ظُلْمَةٌ خَفِيَّةٌ وَقِيلَ يُخَالِطُهُ شَيْءٌ مِنْ الشُّقْرَةِ، وَقِيلَ الْجَرَادُ قِيلَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ الشَّاعِرِ؛ لِأَنَّ خُلُوَّ الْبَلْدَةِ مِنْ الْأَنِيسِ وَكَوْنَهَا مَأْوَى الْيَعَافِيرِ الَّتِي هِيَ مِنْ الْوَحْشِيَّاتِ يَقْتَضِي ذَلِكَ.
(بِخِلَافِ إلَّا الْأَكْلَ) أَيْ لَا يُقَالُ جَاءُوا إلَّا الْأَكْلَ (أَوْ) كَوْنُ الْمُسْتَثْنَى (يَشْمَلُهُ حُكْمُهُ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (كَصَوَّتَتْ الْخَيْلُ إلَّا الْحَمِيرَ) أَوْ الْبَعِيرَ؛ لِأَنَّ التَّصْوِيتَ يَشْمَلُ الْحَيَوَانَاتِ كُلَّهَا (بِخِلَافِ صَهَلَتْ) الْخَيْلُ إلَّا الْحَمِيرَ أَوْ الْبَعِيرَ فَإِنَّ الصَّهِيلَ لَا يَشْمَلُهَا فَلَا يَجُوزُ (أَوْ) كَوْنُ الْمُسْتَثْنَى (ذُكِرَ) قَبْلَهُ (حُكْمٌ يُضَادُّهُ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى (كَمَا نَفَعَ إلَّا مَا ضَرَّ) وَمَا زَادَ إلَّا مَا نَقَصَ، قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: قَالَ سِيبَوَيْهِ مَا الْأُولَى نَافِيَةٌ وَالثَّانِيَةُ مَصْدَرِيَّةٌ وَفَاعِلُ زَادَ وَنَفَعَ مُضْمَرٌ، وَمَفْعُولُهُمَا مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ مَا زَادَ فُلَانٌ شَيْئًا إلَّا نُقْصَانًا وَمَا نَفَعَ فُلَانٌ إلَّا مَضَرَّةً فَالْمُسْتَثْنَى، وَهُوَ النُّقْصَانُ وَالْمَضَرَّةُ حُكْمٌ مُخَالِفٌ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ وَالنَّفْعُ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَقَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي، وَالْمَعْنَى لَكِنَّ النُّقْصَانَ فِعْلٌ أَوْ لَكِنَّ النُّقْصَانَ أَمْرُهُ وَشَأْنُهُ عَلَى مَا قَدَّرَهُ السِّيرَافِيُّ وَلَيْسَ مَا زَادَ شَيْئًا غَيْرُ النُّقْصَانِ لِيَكُونَ مُتَّصِلًا مُفَرَّغًا.
وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ فَقَالَ (أَمَّا مَا زَادَ إلَّا مَا نَقَصَ فَيَحْتَمِلُ الِاتِّصَالَ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ النُّقْصَانَ (زِيَادَةُ حَالٍ بَعْدَ التَّمَامِ) ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ السَّرَّاجِ، وَإِنَّمَا حَسُنَ هَذَا الْكَلَامُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ مَا زَادَ دَلَّ عَلَى قَوْلِهِ هُوَ عَلَى حَالِهِ إلَّا مَا نَقَصَ. اهـ. ثُمَّ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا نَفَعَ إلَّا مَا ضَرَّ لَا يَحْتَمِلُ الِاتِّصَالَ بِنَحْوِ هَذَا التَّقْدِيرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمَا سِيَّانِ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ فِيهِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ دَلَّ قَوْلُهُ مَا نَفَعَ عَلَى هُوَ عَلَى حَالِهِ إلَّا مَا ضَرَّ،.
وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: إذَا قُلْت مَا زَادَ فَكَأَنَّك قُلْت مَا عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ ثُمَّ اسْتَثْنَيْت مِنْ الْعَارِضِ النَّقْصَ، وَإِذَا قُلْت مَا نَفَعَ فَكَأَنَّك قُلْت مَا أَفَادَ شَيْئًا إلَّا ضَرًّا ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ شَرْطِ الْمُنْقَطِعِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ الْمُسْتَثْنَى الْمُنْقَطِعُ الْمُسْتَعْمَلُ لَا يَكُونُ إلَّا مِمَّا يُسْتَحْضَرُ بِوَجْهٍ مَا عِنْدَ ذِكْرِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَوْ ذِكْرِ مَا نُسِبَ إلَيْهِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 77] ؛ لِأَنَّ عُبَّادَ الْأَصْنَامِ كَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِهِ لِقَوْلِهِمْ {إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الشعراء: 97]{إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 98] وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْعِبَادَةِ مُذَكِّرٌ بِالْإِلَهِ الْحَقِّ فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَا يَكُونُ الْمُنْقَطِعُ غَيْرَ بَعْضٍ إلَّا أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ وَضْعًا فَلَهُ حَظٌّ مِنْ الْبَعْضِيَّةِ مَجَازًا وَلِذَلِكَ قُبِلَ لَهُ مُسْتَثْنًى فَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لَمْ يَصِحَّ اسْتِعْمَالُهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَمَثَّلَ لِكُلٍّ بِبَعْضِ الْمُثُلِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَالْمُلَخَّصُ أَنَّ شَرْطَهُ تَقْدِيرُ دُخُولِهِ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِوَجْهٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ بَعْضِ النَّحْوِيِّينَ كَابْنِ السَّرَّاجِ وَآخَرُونَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَقَسَمُوهُ إلَى مَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الِاتِّصَالُ مَجَازًا فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ النَّصْبُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعَرَبِ وَيَجُوزُ فِيهِ الرَّفْعُ عَلَى الْبَدَلِ عِنْدَ تَمِيمٍ، وَإِلَى مَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الِاتِّصَالُ أَصْلًا فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ النَّصْبُ عِنْدَ جَمِيعِ الْعَرَبِ.
(وَالْمُرَادُ مِنْ الْإِخْرَاجِ إفَادَةُ عَدَمِ الدُّخُولِ فِي الْحُكْمِ اشْتَهَرَ) لَفْظُ الْإِخْرَاجِ (فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْمَعْنَى (اصْطِلَاحًا)
فَلَا ضَيْرَ فِي ذِكْرِهِ فِي التَّعْرِيفِ مُرَادًا بِهِ هَذَا الْمَعْنَى (إذْ حَقِيقَتُهُ) أَيْ الْإِخْرَاجِ إنَّمَا يَكُونُ (بَعْدَ الدُّخُولِ، وَهُوَ) أَيْ الْإِخْرَاجُ حَقِيقَةً (مِنْ الْإِرَادَةِ بِحُكْمِ الصَّدْرِ مُنْتَفٍ) لِلُزُومِ النَّسْخِ فِي الْإِنْشَاءِ وَالتَّنَاقُضِ فِي الْخَبَرِ وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ (وَمِنْ التَّنَاوُلِ) أَيْ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ (لَا يُمْكِنُ) أَيْضًا فَإِنَّ تَنَاوُلَهُ بَاقٍ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِعِلَّةِ وَضْعِهِ لِتَمَامِ الْمَعْنَى، وَهِيَ قَائِمَةٌ مُطْلَقًا عَلَى أَنَّهُ كَمَا قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ الْخُرُوجُ هُنَا مَجَازٌ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ هُوَ الْحَرَكَةُ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ وَالْخُرُوجِ بِالْعَكْسِ ثُمَّ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالِاسْتِثْنَاءِ هُنَا الْأَدَوَاتِ (فَقِيلَ) الِاسْتِثْنَاءُ بِهَذَا الْمَعْنَى (مُشْتَرَكٌ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْإِخْرَاجَيْنِ الْمُسَمَّى أَحَدُهُمَا مُتَّصِلًا وَالْآخَرُ مُنْقَطِعًا (لَفْظِيٌّ) لِإِطْلَاقِهِ عَلَى كُلِّ مِنْهُمَا مَعَ اخْتِلَافِهِمَا وَانْتِفَاءٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا مَعْنًى وَعَدَمُ تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا (قِيلَ مُتَوَاطِئٌ) أَيْ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُطْلَقُ الْمُخَالَفَةِ وَالتَّوَاطُؤُ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ وَالْمَجَازِ (وَالْمُخْتَارُ) أَنَّهُ فِي الْمُتَّصِلِ حَقِيقَةٌ، وَ (فِي الْمُنْقَطِعِ مَجَازٌ) وَنَقَلَهُ الْآمِدِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَسَيَأْتِي وَجْهُهُ.
(قَالُوا) وَمِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ: (فَعَلَى التَّوَاطُؤِ أَمْكَنَ حَدُّهُ) أَيْ الْمُنْقَطِعِ (مَعَ الْمُتَّصِلِ بِحَدٍّ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا مُجَرَّدِ الْمُخَالَفَةِ الْأَعَمِّ مِنْ الْإِخْرَاجِ وَعَدَمِهِ) وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ " مُجَرَّدَ " بِالْجَرِّ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ بَدَلٌ مِنْ الْمُشْتَرَكِ ثُمَّ أَوْرَدَ الْكَرْمَانِيُّ لَفْظَ الْأَعَمِّ أَفْعَلَ تَفْضِيلٍ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ فَيَجِبُ تَأْنِيثُهُ لِجَرَيَانِهِ عَلَى الْمُخَالَفَةِ وَيَمْتَنِعُ فِيهِ مِنْ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْأَعَمَّ صِفَةٌ لِمُجَرَّدٍ وَأَنَّ مِنْ لِبَيَانِ الْمُخَالَفَةِ لَا صِلَةً لِلْأَعَمِّ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ.
(فَيُقَالُ مَا دَلَّ عَلَى مُخَالَفَةٍ بِإِلَّا غَيْرُ الصِّفَةِ إلَخْ) أَيْ وَأَخَوَاتِهَا فَمَا دَلَّ عَلَى مُخَالَفَةٍ شَامِلٌ لِأَنْوَاعِ التَّخْصِيصِ وَبِإِلَّا غَيْرُ الصِّفَةِ وَأَخَوَاتِهَا يَخْرُجُ سَائِرُ أَنْوَاعِهِ، وَقَدْ عَرَفْت وَجْهَ التَّقْيِيدِ بِغَيْرِ الصِّفَةِ، وَالْمُرَادُ بِأَخَوَاتِهَا (وَعَلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ) لَفْظِيٌّ بَيْنَهُمَا (أَوْ مَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ) حَقِيقَةٌ فِي الْمُتَّصِلِ (لَا يُمْكِنُ) حَدُّ الْمُنْقَطِعِ مَعَ الْمُتَّصِلِ بِحَدٍّ وَاحِدٍ (لِأَنَّ مَفْهُومَيْهِ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ بِهَذَا الْمَعْنَى (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا فِيهِمَا أَوْ حَقِيقَةً فِي الْمُتَّصِلِ مَجَازًا فِي الْمُنْقَطِعِ (حَقِيقَتَانِ) أَيْ مَاهِيَّتَانِ (مُخْتَلِفَتَانِ فَيُحَدُّ كُلٌّ بِخُصُوصِهِ فَيُزَادُ) عَلَى الْحَدِّ السَّابِقِ (فِي الْمُنْقَطِعِ مِنْ غَيْرِ إخْرَاجٍ لِإِخْرَاجِ الْمُتَّصِلِ) ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مُخَالَفَةٍ مَعَ إخْرَاجٍ لَكِنْ هَذَا يُوهِمُ أَنَّ الْحَدَّ السَّابِقَ صَالِحٌ لِلْمُتَّصِلِ وَحَدُّهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ مَعَ إخْرَاجٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولُوا وَفِي الْمُتَّصِلِ مَعَ إخْرَاجٍ ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ:(وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا) أَيْ امْتِنَاعَ الْجَمْعِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فِي تَعْرِيفٍ وَاحِدٍ (إنَّمَا هُوَ فِي تَعْرِيفِ مَاهِيَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ التَّعْرِيفُ لِلِاسْتِثْنَاءِ بِمَعْنَى الْإِخْرَاجَيْنِ الْمُسَمَّيَيْنِ بِالْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ) لِلِاخْتِلَافِ الْمَانِعِ مِنْ الِاجْتِمَاعِ.
(وَ) لَا شَكَّ (بِأَنَّ) أَيْ فِي أَنَّ (وَضْعَ لَفْظٍ مَرَّتَيْنِ لِشَيْئَيْنِ) حَتَّى كَانَ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا بَيْنَهُمَا (أَوْ) وَضْعَ لَفْظٍ (مَرَّةً لِمُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ شَيْئَيْنِ حَتَّى كَانَ مُتَوَاطِئًا (أَوْ) وَضْعَ لَفْظٍ مَرَّةً (لِأَحَدِهِمَا وَيُتَجَوَّزُ بِهِ فِي الْآخَرِ لَا يَتَعَذَّرُ تَعْرِيفُهُ عَلَى تَقْدِيرٍ وَالْكَلَامُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ) هُنَا (إنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى الْأَدَاةِ) وَقَدْ قِيلَ فِيهِ كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فَلَا يَتَعَذَّرُ تَعْرِيفُهُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مِنْهَا (فَيُقَالُ مَا دَلَّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ مَا بَعْدَهُ كَائِنًا بَعْضَ مَا قَبْلَهُ أَوْ) كَائِنًا (خِلَافَهُ) أَيْ مَا قَبْلَهُ (بِحُكْمِهِ) أَيْ مَا قَبْلَهُ دَلَالَةٌ كَائِنَةٌ (عَنْ وَضْعَيْنِ) وُضِعَ مَرَّةً لَأَنْ يَدُلَّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ مَا بَعْدَهُ كَائِنًا بَعْضَ مَا قَبْلَهُ وَوُضِعَ مَرَّةً لَأَنْ يَدُلَّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ مَا بَعْدَهُ مِنْ حُكْمِ مَا قَبْلَهُ، هَذَا (عَلَى الِاشْتِرَاكِ وَيُتْرَكُ لَفْظُ الْوَضْعِ) أَيْ عَنْ وَضْعَيْنِ (عَلَى التَّوَاطُؤِ، وَ) يُقَالُ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْمُتَّصِلِ مَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ مَا دَلَّ
عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ مَا بَعْدَهُ حَالَ كَوْنِهِ (كَائِنًا بَعْضَهُ) أَيْ مَا قَبْلَهُ (بِحُكْمِهِ) أَيْ مَا قَبْلَهُ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِإِرَادَةٍ (بِوَضْعِهِ) أَيْ بِسَبَبِ وَضْعِ مَا دَلَّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى (لَهُ) أَيْ لِهَذَا الْمَعْنَى (فَقَطْ) فَيَنْطَبِقُ هَذَا عَلَى الْمُتَّصِلِ (وَخِلَافُهُ بِالْقَرِينَةِ) أَيْ مَا دَلَّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ مَا بَعْدَهُ كَائِنًا خِلَافَ مَا قَبْلَهُ مِنْ جِهَةِ حُكْمِهِ بِوَاسِطَةِ الْقَرِينَةِ الْمُفِيدَةِ لِإِرَادَةِ هَذِهِ الدَّلَالَةِ مِنْهُ فَيَنْطَبِقُ عَلَى الْمَجَازِ، وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَخِلَافُهُ بِحُكْمِهِ بِالْقَرِينَةِ لَكَانَ أَوْلَى (ثُمَّ لَا يَخْفَى صِدْقُ تَعْرِيفِنَا عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْأَدَاةِ الَّتِي الِاسْتِثْنَاءُ هُنَا بِمَعْنَاهَا (عَلَى التَّقَادِيرِ) الثَّلَاثَةِ (بِلَا حَاجَةٍ إلَى خِلَافِهِ) مِنْ التَّعَارِيفِ لَهُ بِهَذَا الْمَعْنَى (وَقَوْلُهُ) أَيْ الْمُعَرَّفِ الْأَوَّلِ (بِإِلَّا إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ إلَّا وَأَخَوَاتِهَا مَعَ مَا دَلَّ غَيْرُ إنْ) ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الدَّالَّ بِوَاسِطَةِ شَيْءٍ هُوَ غَيْرُ ذَلِكَ الشَّيْءِ (وَلَيْسَ) هُمَا غَيْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّالَّ إنَّمَا هُوَ إلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا. (وَقَوْلُهُ فِي الْمُنْقَطِعِ مِنْ غَيْرِ إخْرَاجٍ، إنْ) أَرَادَ (مُطْلَقًا لَمْ يَصْدُقْ) التَّعْرِيفُ (عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمَحْدُودِ؛ لِأَنَّهَا) أَيْ أَفْرَادَهُ (مُخْرَجَةٌ مِنْ الْحُكْمِ) الَّذِي لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ.
(وَالْإِخْرَاجُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِقِسْمَيْهِ) الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ (لَيْسَ إلَّا مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْحُكْمِ (وَحَمْلُهُ) أَيْ الْإِخْرَاجِ (عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْجِنْسِ فَقَطْ، وَأَنَّهُ الِاصْطِلَاحُ بَاطِلٌ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ زَيْدًا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْقَوْمِ وَلَا يَصْطَلِحُ عَلَى بَاطِلٍ، وَإِنْ أُرِيدَ التَّجَوُّزُ بِالْجِنْسِ عَنْ حُكْمِهِ أَوْ أُضْمِرَ) الْحُكْمُ (صَارَ الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ إخْرَاجٍ مِنْ حُكْمِ الْجِنْسِ وَعَادَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنَّ الْوَاقِعَ إخْرَاجُ مَا بَعْدَ إلَّا مُطْلَقًا) أَيْ مُتَّصِلًا كَانَ أَوْ لَا (مِنْ حُكْمِ مَا قَبْلَهَا) سَوَاءٌ كَانَ جِنْسًا لَهُ أَوْ لَا (وَعَدَمُهُ) أَيْ الْإِخْرَاجِ (مِنْ نَفْسِ الْجِنْسِ) أَمَّا فِي الْمُتَّصِلِ فَلِأَنَّ التَّنَاوُلَ بَاقٍ، وَأَمَّا فِي الْمُنْقَطِعِ فَلِعَدَمِ الدُّخُولِ الَّذِي الْإِخْرَاجُ فَرْعُهُ. (وَوَجْهُ الْمُخْتَارِ) مِنْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَعْنَى الْأَدَاةِ حَقِيقَةٌ فِي الْمُتَّصِلِ مَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ (بِأَنَّ عُلَمَاءَ الْأَمْصَارِ رَدُّوهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ بِهَذَا الْمَعْنَى (إلَى الْمُتَّصِلِ، وَإِنْ) كَانَ الِاتِّصَالُ (خِلَافَ الظَّاهِرِ فَحَمَلُوا لَهُ أَلْفًا إلَّا كُرًّا) مِنْ الْبُرِّ (عَلَى قِيمَتِهِ) أَيْ الْكُرِّ مِنْهُ لِشُمُولِ الْقِيمَةِ لَهُ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمُنْقَطِعِ ظَاهِرًا لَمْ يَرْتَكِبُوا مُخَالَفَةَ ظَاهِرٍ حَذَرًا عَنْهَا.
وَقَدْ قِيلَ عَلَى هَذَا: إنَّهُ لَا يُمْنَعُ الِاشْتِرَاكُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ قَدْ يَكُونُ أَحَدُ مَعْنَيَيْهِ أَظْهَرَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَيُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ وَكَأَنْ لِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَوَجْهُ الْمُخْتَارِ ثُمَّ لَمْ يَكْتَفِ بِهِ بَلْ أَرْدَفَهُ بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فَقَالَ (وَلِأَنَّهُ يَتَبَادَرُ مِنْ نَحْوِ جَاءَ الْقَوْمُ إلَّا، قَبْلَ ذِكْرِ زَيْدٍ أَوْ حِمَارٍ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ بَعْضُ الْقَوْمِ عَنْ حُكْمِهِمْ فَيُشْرَأَبُّ) أَيْ فَيُتَطَلَّعُ (إلَى أَنَّهُ أَيُّهُمْ وَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِي إخْرَاجِ الْأَعَمِّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ (مِنْ حُكْمِهِ) أَيْ الْأَعَمِّ (لَمْ يَتَبَادَرْ مُعَيَّنٌ، لَا يُقَالُ جَازَ) تَبَادُرُ الْمُتَّصِلِ (لِعُرُوضِ شُهْرَةٍ أَوْجَبَتْ الِانْتِقَالَ إلَيْهِ) أَيْ الْمُتَّصِلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ كَذَلِكَ (لِأَنَّهُ) أَيْ عُرُوضَ الشُّهْرَةِ فِي أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ الْحَقِيقِيَّيْنِ (نَادِرٌ لَا يُعْتَبَرُ بِهِ قَبْلَ فِعْلِيَّتِهِ) أَيْ تَحَقُّقِهِ بِالْفِعْلِ، وَالْفَرْضُ جَوَازُهُ لَا تَحَقُّقُهُ (وَإِلَّا) لَوْ اُعْتُبِرَ جَوَازُ عُرُوضِ الشُّهْرَةِ مُوجِبًا لِلتَّبَادُرِ (بَطَلَ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ عِنْدَ إمْكَانِهِمَا) أَيْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِأَنْ يُقَالَ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَبَادَرُ الْمَجَازِيَّ لِعُرُوضِ شُهْرَتِهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْحَقِيقِيَّ. (وَغَيْرُ ذَلِكَ) قَالَ الْمُصَنِّفُ كَأَنْ يَنْفِيَ الِاشْتِرَاكَ فَإِذَا أَثْبَتَ بِتَبَادُرِ الْمَفَاهِيمِ عَلَى السَّوَاءِ وَالتَّوَقُّفِ فِي الْمُرَادِ قِيلَ جَازَ كَوْنُ تَبَادُرِهَا بِعُرُوضِ شُهْرَةٍ فِي الْمَجَازِ حَتَّى سَاوَى الْحَقِيقِيَّ. اهـ. وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ.
(وَقَالَ الْغَزَالِيُّ) وَالْقَاضِي فِي التَّعْرِيفِ (فِي الْمُتَّصِلِ قَوْلٌ ذُو صِيَغٍ مَخْصُوصَةٍ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ بِهِ لَمْ يُرِدْ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ إفَادَةَ جِنْسِهِ) ، وَهُوَ قَوْلُ (أَنَّهُ) أَيْ التَّعْرِيفَ (لِغَيْرِ) الْمَعْنَى
(الْمَصْدَرِيِّ) الَّذِي هُوَ الْإِخْرَاجُ بَلْ هُوَ لِلْأَدَاةِ (وَمَخْصُوصَةٌ أَيْ مَعْهُودَةٌ، وَهِيَ إلَّا وَأَخَوَاتُهَا) كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ وَالْأَصْفَهَانِيّ (وَإِلَّا نُسِبَ أَنْ يُقَالَ يَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ الشَّرْطُ) أَيْ أَدَاتُهُ فِي نَحْوِ أَكْرِمْ النَّاسَ إنْ عَمِلُوا (لَا التَّخْصِيصُ بِهِ) أَيْ بِالشَّرْطِ (وَالْمَوْصُولُ) حَالَ كَوْنِهِ (وَصْفًا) مُخَصِّصًا، نَحْوَ أَكْرِمْ النَّاسَ الَّذِينَ عَلِمُوا (وَالْمُسْتَقِلُّ) نَحْوَ لَا تُكْرِمْ زَيْدًا بَعْدَ أَكْرِمْ الْقَوْمَ لَا التَّخْصِيصُ بِهِمَا كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ لِظُهُورِ أَنَّ التَّعْرِيفَ لِلِاسْتِثْنَاءِ بِمَعْنَى الْأَدَوَاتِ لِلتَّخْصِيصِ بِهَا الَّذِي هُوَ الْإِخْرَاجُ (وَدُفِعَ الْأَوَّلَانِ) أَيْ الشَّرْطُ وَالْمَوْصُولُ وَصْفًا، وَالدَّافِعُ ابْنُ الْحَاجِبِ (بِأَنَّهُمَا لَا يُخَرِّجَانِ الْمَذْكُورَ) ، وَهُوَ الْعُلَمَاءُ فِي مِثَالَيْهِمَا (بَلْ) يُخَرِّجَانِ (غَيْرَهُ) أَيْ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ مَنْ عَدَا الْعُلَمَاءَ (وَتَقَدَّمَ التَّحْقِيقُ فِيهِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ: الَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّرْطَ لَا يُخْرِجُ مَا بَعْدَهُ بَلْ مُخْرِجُ بَعْضَ التَّقَادِيرِ، وَالْعَامُّ الْآخَرُ فَإِنَّ قَوْلَكَ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إنْ عَلِمُوا يُخْرِجُ غَيْرَ الْعُلَمَاءِ، وَالْوَصْفُ مِثْلُهُ إذَا عُرِفَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّهُمَا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِمَا التَّعْرِيفُ (وَالْمُسْتَقِلُّ لَمْ يُوضَعْ لِإِفَادَةِ الْمُخَالَفَةِ، وَإِنَّمَا تُفْهَمُ) الْمُخَالَفَةُ (بِمُلَاحَظَتِهِمَا) أَيْ الْمُسْتَقِلِّ وَالْمُخَصَّصِ بِهِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُمَا لُزُومًا عَقْلِيًّا إنْ كَانَ الْقَائِلُ مِمَّنْ لَا يُنَاقِضُ نَفْسَهُ لَا وَضْعِيًّا أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُولُ لَمْ يَجِئْ الْقَوْمُ وَلَمْ يَجِئْ زَيْدٌ، وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى مُخَالَفَةٍ أَصْلًا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ.
(وَعَلَى عَكْسِهِ شَخْصٌ جَاءُوا إلَّا زَيْدًا وَسَائِرُهَا) أَيْ وَشَخْصُ كُلٍّ مِنْ بَاقِي أَدَوَاتِ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ذَا صِيَغٍ (وَرُدَّ) هَذَا وَرَادُّهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (بِظُهُورِ أَنَّ الْمُرَادَ جِنْسُ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ) ذُو صِيَغٍ وَكُلُّ اسْتِثْنَاءٍ ذُو صِيغَةٍ مِنْ الصِّيَغِ أَيْ وَكُلُّ شَخْصٍ مِنْهُ ذُو صِيغَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ قُوَّةِ اللَّفْظِ، قَالَ: وَالْمُنَاقَشَةُ فِي مِثْلِهِ مَعَ مِثْلِهِ لَا تَحْسُنُ كُلَّ الْحُسْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ) كَمَا يَظْهَرُ بَعْدُ، عَلَى أَنَّ هَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُنَاقَشَةَ فِيهِ تَحْسُنُ فِي الْجُمْلَةِ (وَ) لَا يَخْفَى (عَدَمُ وُرُودِهِ) أَيْ هَذَا إلَّا يُرَادُ عَلَى التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ (عَلَى كَوْنِهِ تَعْرِيفًا لِلْأَدَوَاتِ بِقَيْدِ الْعُمُومِ وَعَلَى كَوْنِهِ) تَعْرِيفًا (لِمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَدَاةُ الِاسْتِثْنَاءِ لِيَكُونَ الْمِثَالُ) الْمَذْكُورُ فِي الْإِيرَادِ بِاعْتِبَارِ اشْتِمَالِهِ عَلَى إلَّا (مِنْ أَفْرَادِ الْمُعَرَّفِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) أَيْ إذَا كَانَ تَعْرِيفًا لِأَدَوَاتِهِ بِقَيْدِ الْعُمُومِ فَإِنَّ إلَّا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ مِنْ أَفْرَادِ الْمُعَرَّفِ بَلْ الْمُعَرَّفُ (صَادِقٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى إلَّا فِيهِ (إذْ الْجِنْسُ) فِي تَعْرِيفِهِ (قَوْلٌ كُلِّيٌّ لَا يَتَحَقَّقُ خَارِجًا إلَّا ضِمْنَ أَدَاةٍ، وَهُوَ) أَيْ الْجِنْسُ (نَفْسُهُ ذُو الصِّيَغِ وَيَصْدُقُ عَلَى الْكُلِّيِّ الْكَائِنِ فِي ضِمْنٍ إلَّا) الَّذِي هُوَ جُزْئِيٌّ (فِي الْمِثَالِ) الْمَذْكُورِ (ذَلِكَ) أَيْ الْكُلِّيُّ الْمُطْلَقُ الَّذِي هُوَ الْجِنْسُ، وَهُوَ فَاعِلُ يَصْدُقُ ثُمَّ الْحَقُّ أَنَّهُ إذْ كَانَ الْمُرَادُ بِصِيَغٍ صِيَغًا مُعَيَّنَةً هِيَ أَدَوَاتُ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْإِيرَادَاتِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ وَالْأَصْفَهَانِيُّ فَقَدْ كَانَ الْأَنْسَبُ التَّعَرُّضَ لِنَفْيِ وُرُودِهَا مُعَلِّلًا بِهَذَا. نَعَمْ يَرِدُ أَنَّ هَذَا تَعْرِيفُ الشَّيْءِ بِمَا هُوَ أَخْفَى مِنْهُ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ.
(وَقِيلَ: لَفْظٌ مُتَّصِلٌ بِجُمْلَةٍ لَا تَسْتَقِلُّ دَالٌّ عَلَى أَنَّ مَدْلُولَهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِمَا اتَّصَلَ بِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا صِفَةٍ وَلَا غَايَةٍ) ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ مُخْتَارُ الْآمِدِيِّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ مَكَانَ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ إلَخْ بِحَرْفِ إلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا، وَقَالَ: اُحْتُرِزَ بِلَفْظٍ عَنْ غَيْرِ اللَّفْظِ مِنْ الدَّلَالَاتِ الْمُخَصِّصَةِ الْحِسِّيَّةِ أَوْ الْعَقْلِيَّةِ وَبِمُتَّصِلٍ عَنْ الدَّلَائِلِ الْمُنْفَصِلَةِ، وَبِلَا يَسْتَقِلُّ عَنْ مِثْلِ قَامَ الْقَوْمُ، وَلَمْ يَقُمْ زَيْدٌ، وَبِدَالٍّ عَنْ الصِّيَغِ الْمُهْمَلَةِ، وَبِعَلَى أَنَّ مَدْلُولَهُ غَيْرُ مُرَادٍ عَنْ الْأَسْمَاءِ الْمُؤَكَّدَةِ وَالنَّعْتِيَّةِ مِثْلُ جَاءَ الْقَوْمُ الْعُلَمَاءُ كُلُّهُمْ وَبِحَرْفِ إلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا عَنْ مِثْلِ قَامَ الْقَوْمُ دُونَ زَيْدٍ كَذَا
ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ التَّعْرِيفَ لِلِاسْتِثْنَاءِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ لَهُ بِمَعْنَى الْأَدَاةِ كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فَاحْتَاجَ إلَى إخْرَاجِ الشَّرْطِ وَالصِّفَةِ وَالْغَايَةِ لِصِدْقِ الْحَدِّ بِدُونِهِ عَلَى الْغَايَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَعَلَى الْوَصْفِ فِي نَحْوِ {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ اللَّهِ وَعَلَى الشَّرْطِ فِي نَحْوِ أَكْرِمْ النَّاسَ إنْ لَمْ يَكُونُوا جُهَّالًا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْجُهَّالِ وَتَعْرِيفُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ إنَّمَا هُوَ لَهُ بِمَعْنَى الْمُسْتَثْنَى فَكَيْفَ يَكُونُ عَيْنَ مَا فِي الْكِتَابِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَعَلَى طَرْدِهِ) يَرِدُ (قَامُوا لَا زَيْدٌ) لِصِدْقِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَا يَرِدُ عَلَى تَعْرِيفِ الْآمِدِيِّ (وَدُفِعَ بِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِإِفَادَةِ عَدَمِ الْإِرَادَةِ، وَإِنَّمَا لَزِمَتْ مِنْ مُلَاحَظَتِهِ مَعَ مَا قَبْلَهُ لُزُومًا عَقْلِيًّا لَا وَضْعِيًّا بِدَلِيلِ جَاءَ عُمَرُ وَلَا زَيْدٌ لِامْتِنَاعِ إرَادَةِ زَيْدٍ مِنْ عُمَرَ وَلِعَدَمِ إمْكَانِ دُخُولِهِ فِيهِ (وَعَلَى عَكْسِهِ) يَرِدُ (الْمُفَرَّغُ لِلْفَاعِلِ) نَحْوَ مَا جَاءَ إلَّا زَيْدٌ فَإِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِعَدَمِ اتِّصَالِهِ بِجُمْلَةٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْفَاعِلُ وَالْفِعْلُ وَحْدَهُ مُفْرَدٌ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ وُرُودُ هَذَا عَلَى تَعْرِيفِ الْآمِدِيِّ أَيْضًا (وَدُفِعَ بِأَنَّ مَا قَبْلَهُ) أَيْ إلَّا زَيْدٌ (فِي تَقْدِيرِهَا) أَيْ الْجُمْلَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْجُمْلَةِ وَمَا يُقَدَّرُ بِهَا (وَهَذَا عَلَى مَنْ يُقَدِّرُ فَاعِلًا عَامًّا) وَيَجْعَلُ مَا بَعْدَ إلَّا مِنْهُ فَيَقُولُ التَّقْدِيرُ مَا جَاءَ أَحَدٌ إلَّا زَيْدٌ (وَلَعَلَّ الْمُعَرَّفَ يَرَاهُ) فَإِنَّهُ الظَّاهِرُ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَعْنَى أَمَّا مَنْ لَمْ يُقَدِّرْ فَاعِلًا عَامًّا بَلْ يَقُولُ زَيْدٌ هُوَ الْفَاعِلُ فَالدَّفْعُ عَلَى قَوْلِهِ مَدْفُوعٌ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ أَيْضًا مَدْفُوعٌ (ثُمَّ يَفْسُدُ) عَكْسُهُ أَيْضًا (بِأَنَّ كُلَّ مُسْتَثْنًى مُتَّصِلٌ مُرَادٌ بِالْأَوَّلِ) ثُمَّ يَخْرُجُ عَنْهُ ثُمَّ يُسْنَدُ إلَى الْبَاقِي فَصُدِّقَ الْحَدُّ لَا الْمَحْدُودُ (وَيُدْفَعُ بِمَنْعِهِ) أَيْ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مُرَادٌ بِالْأَوَّلِ وَفِي هَذَا الْمَنْعِ نَظَرٌ فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ (وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مُرَادٌ بِحَسَبِ دَلَالَةِ لَفْظِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَيْهِ (فَغَيْرُ مُرَادٍ بِالْحُكْمِ) أَيْ بِحُكْمِهِ أَقُولُ: وَالتَّحْقِيقُ أَنْ لَا وُرُودَ لِهَذَا أَصْلًا عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ لِيَحْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ لِلِاسْتِثْنَاءِ بِمَعْنَى الْأَدَاةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا ذَلِكَ فَلْيُتَدَبَّرْ.
(وَهَذَا) التَّعْرِيفُ (أَيْضًا لِمَا لَهُ) التَّعْرِيفُ (الْأَوَّلُ) أَيْ تَعْرِيفُ الْغَزَالِيِّ، وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَعْنَى الْأَدَاةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كُلٍّ، لَا لِلْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ الَّذِي هُوَ الْإِخْرَاجُ لِمُنَافَاةِ جِنْسِ هَذَا، وَهُوَ اللَّفْظُ لِذَلِكَ كَمُنَافَاةِ جِنْسِ الْأَوَّلِ لَهُ (فَلَا يَكُونُ الْأُولَى) مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُقَالَ فِي تَعْرِيفِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ:(إخْرَاجٌ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا، وَهُوَ) أَيْ هَذَا التَّعْرِيفُ (عَلَى غَيْرِ مَهِيعِهِ) أَيْ طَرِيقِ كُلٍّ مِنْ التَّعْرِيفَيْنِ السَّابِقَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا بِالضَّرُورَةِ إنَّمَا هُوَ لَهُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ اللَّهُمَّ (إلَّا عَلَى مَعْنَى الْأَوَّلِ تَعْرِيفُ الْمَصْدَرِيِّ الَّذِي هُوَ التَّخْصِيصُ الْخَاصُّ) ، وَهُوَ مَا يَكُونُ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا (وَتُرِكَ مَا بِهِ) التَّخْصِيصُ أَيْ الْمُخَصِّصُ (وَلَيْسَ) هَذَا (كَذَلِكَ) أَيْ أَوْلَى هُنَا (فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ) أَيْ الْمُخَصِّصِ الْمُتَّصِلِ الْمُسَمَّى بِالِاسْتِثْنَاءِ لَا فِي نَفْسِ التَّخْصِيصِ إذْ الْكَلَامُ فِي بَيَانِ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُنْفَصِلَةِ (وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يُعَرَّفُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ مَاهِيَّتَيْ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ حَقِيقَةً فِيهِمَا مُشْتَرَكًا أَوْ مُتَوَاطِئًا إلَّا اصْطِلَاحًا) نَحْوِيًّا. (وَنَظَرُ الْأُصُولِيِّ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ) إنَّمَا هُوَ (مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ وَيُمْكِنُ تَعْرِيفُهُمَا لَا مِنْ حَيْثُ هُمَا مَدْلُولَا لَفْظٍ أَصْلًا أَوْ مَدْلُولَا لَفْظٍ لُغَوِيٍّ هُوَ الْأَدَوَاتُ فَالِاسْتِثْنَاءُ أَيْ مَا تُفِيدُهُ إلَّا وَأَخَوَاتُهَا الْمَعْرُوفَةُ إخْرَاجٌ بِهَا أَيْ مُنِعَ مِنْ الدُّخُولِ اُشْتُهِرَ) الْإِخْرَاجُ (فِيهِ) أَيْ الْمَنْعِ (عَنْ الْحُكْمِ أَوْ الصَّدْرِ مَعَهُ) أَيْ الْحُكْمِ، وَحَاصِلُهُ مَنْعُ دُخُولِ مَا بَعْدَ إلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا بِهَا فِي حُكْمِ مَا قَبْلَهَا أَوْ وَصَدْرُهُ أَيْضًا فَقَدْ شَمِلَ الْمُتَّصِلَ
وَالْمُنْقَطِعَ تَعْرِيفٌ وَاحِدٌ.
(مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ أَنَّ مَا بَعْدَ إلَّا مُخَرَّجٌ مِنْ حُكْمِ الصَّدْرِ أَيْ لَمْ يُرِدْ) مَا بَعْدَهَا (بِهِ) أَيْ بِحُكْمِ الصَّدْرِ (فَالْمُقَرُّ بِهِ لَيْسَ إلَّا سَبْعَةٌ فِي عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ، وَاخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِ دَلَالَتِهِ) أَيْ تَرْكِيبِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى سَبْعَةٍ (فَالْأَكْثَرُ أُرِيدَ سَبْعَةً) بِعَشَرَةٍ (وَإِلَّا قَرِينَتُهُ) أَيْ هَذَا الْمُرَادِ الَّذِي هُوَ الْجُزْءُ بِاسْمِ الْكُلِّ (وَالِاتِّفَاقُ أَنَّ التَّخْصِيصَ كَذَلِكَ) أَيْ يَكُونُ الْمُخَصِّصُ قَرِينَةً عَلَى الْمُرَادِ بِالْمُخَصِّصِ كَمَا فِي اُقْتُلْ الْمُشْرِكِينَ، وَالْمُرَادُ الْحَرْبِيُّونَ بِدَلِيلٍ يُخْرِجُ الذِّمِّيَّ (وَقِيلَ أُرِيدَ عَشَرَةٌ) بِعَشَرَةٍ (ثُمَّ أَخْرِجْ) مِنْهَا ثَلَاثَةٌ بِإِلَّا ثَلَاثَةٌ فَدَلَّ إلَّا عَلَى الْإِخْرَاجِ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى الْعَدَدِ الْمُسَمَّى بِهَا حَتَّى بَقِيَ سَبْعَةٌ (ثُمَّ حُكِمَ عَلَى الْبَاقِي)، وَهُوَ سَبْعَةٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ:(وَالْمُرَادُ أُرِيدَ) بِعَشَرَةٍ (عَشَرَةٌ وَحُكِمَ عَلَى سَبْعَةٍ فَإِرَادَةُ الْعَشَرَةِ) بِعَشَرَةٍ (بَاقٍ بَعْدَ الْحُكْمِ) عَلَى سَبْعَةٍ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ هَذَا (رَجَعَ إلَى إرَادَةِ سَبْعَةٍ بِهِ) أَيْ بِلَفْظِ عَشَرَةٍ (مَعَ الْحُكْمِ عَلَيْهَا) أَيْ سَبْعَةٍ (فَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْأَوَّلِ إلَّا بِتَكَلُّفٍ لَا فَائِدَةَ لَهُ وَاخْتَارَهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلَ (بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) ، وَهُوَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَقَالَ:(لِلْقَطْعِ بِاسْتِثْنَاءِ نِصْفِهَا فِي اشْتَرَيْتُ الْجَارِيَةَ إلَّا نِصْفَهَا فَكَانَ) جَمِيعُ الْجَارِيَةِ (مَرَّ إذَا) مِنْ الْجَارِيَةِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِلَفْظِ الْجَارِيَةِ جَمِيعَهَا بَلْ نِصْفُهَا (كَانَ) الِاسْتِثْنَاءُ لِنِصْفِهَا (مِنْ نِصْفِهَا فَهُوَ مُسْتَغْرِقٌ) ، وَهُوَ بَاطِلٌ (أَوْ) كَانَ (الْمُخَرَّجُ الرُّبْعَ؛ لِأَنَّ الْبَاقِي مِنْ النِّصْفِ بَعْدَ إخْرَاجِ النِّصْفِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ النِّصْفِ (الرُّبُعُ وَيَتَسَلْسَلُ أَيْ يَنْتَهِي إلَى إخْرَاجِ الْجُزْءِ غَيْرِ الْمُتَجَزِّئِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْ ثُمَّ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالرُّبْعِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الثُّمُنَ؛ لِأَنَّهُ الْبَاقِي بَعْدَ إخْرَاجِ النِّصْفِ مِنْ الرُّبُعِ، وَهَلُمَّ جَرَّا.
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَابِ هَذَيْنِ: (وَعَلِمْتَ أَنَّ الْإِخْرَاجَ مَجَازٌ عَنْ عَدَمِ الْإِرَادَةِ) أَيْ إرَادَةِ الْمُسْتَثْنَى بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (عِنْدَهُمْ، وَإِلَّا نِصْفُهَا بَيَانُ إرَادَةِ النِّصْفِ بِلَفْظِهَا) أَيْ الْجَارِيَةِ فَلَا يَكُونُ إلَّا نِصْفُهَا مُسْتَغْرِقًا (وَلَا يَتَسَلْسَلُ لِعَدَمِ حَقِيقَةِ الْإِخْرَاجِ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَيْضًا (وَأَيْضًا الضَّمِيرُ) فِي نِصْفِهَا (لِلْجَارِيَةِ) قَطْعًا، إذْ الْمُرَادُ نِصْفُ جَمِيعِهَا قَطْعًا (وَيُدْفَعُ) هَذَا (بِأَنَّ الْمَرْجِعَ) لِضَمِيرِ نِصْفِهَا (اللَّفْظُ) أَيْ لَفْظُ الْجَارِيَةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الضَّمِيرَ (لِرَبْطِ لَفْظٍ بِلَفْظٍ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُمَا لَا) أَنَّ الْمَرْجِعَ (الْمُسَمَّى) الْحَقِيقِيَّ لِلَّفْظِ (فَيَرْجِعُ) ضَمِيرُ نِصْفِهَا (إلَى لَفْظِ الْجَارِيَةِ مُرَادًا بِهِ بَعْضُهَا) الَّذِي هُوَ النِّصْفُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ (وَأَيْضًا إجْمَاعُ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَّصِلَ (إخْرَاجُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ) وَلَوْ أُرِيدَ الْبَاقِي مِنْ الْجَارِيَةِ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ كُلٌّ وَلَا بَعْضٌ وَلَا إخْرَاجٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَابِهِ (وَعَرَفْتَ أَنَّهُ) أَيْ الْإِخْرَاجَ (مَنَعَ دُخُولَهُ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى (فِي الْكُلِّ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (فَالْإِجْمَاعُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى) ، وَهُوَ مَوْجُودٌ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ.
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ (وَأَيْضًا تَبْطُلُ النُّصُوصُ) إذْ مَا مِنْ لَفْظٍ مِنْهَا مَوْضُوعٍ لِمَعْنًى لَهُ أَجْزَاءٌ أَوْ جُزْئِيَّاتٌ إلَّا اسْتِثْنَاءً بَعْضُهُ مُمْكِنٌ فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْبَاقِي فَلَا يَكُونُ نَصًّا فِي الْكُلِّ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ نَحْوَ عَشَرَةٍ نَصٌّ فِي مَدْلُولِهِ (قُلْنَا: النَّصُّ وَالظَّاهِرُ سَوَاءٌ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِمَا فَلَا نُصُوصِيَّةَ بِمَعْنَى رَفْعِ الِاحْتِمَالِ مُطْلَقًا إلَّا بِخَارِجٍ، وَلَيْسَ الْعَدَدُ بِمُجَرَّدِهِ مِنْهُ فَالْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي أَنَّ كَوْنَ اللَّفْظِ نَصًّا فِي مَعْنًى بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ خِلَافَهُ، وَهُوَ الْمُفَسَّرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَتَحَقَّقُ قَطُّ مِنْ ذَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ مُجَرَّدِ ذَاتِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظَّاهِرِ إذْ الْمُتَحَقِّقُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَفْظٌ عَلِمْنَا وَضْعَهُ لِمَعْنًى وَفِي الظَّاهِرِ احْتِمَالُ أَنْ يَتَجَوَّزَ فَلَوْلَا اقْتِرَانُ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ بِخَارِجٍ يَنْفِي أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ غَيْرُهُ كَانَ مِثْلَهُ، إذْ لَا أَثَرَ لِذَاتِ اللَّفْظِ فِي مَنْعِ التَّجَوُّزِ بِهِ وَلَا لِلْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ فَلَمْ يَثْبُتُ النَّصُّ، وَهُوَ الْمُفَسَّرُ لِلَفْظِ الْمَلَائِكَةِ لَوْلَا كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ وَلَا لِطَائِرٍ لَوْلَا
قَوْله تَعَالَى {يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38] وَحِينَئِذٍ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مُجَرَّدَ لَفْظِ الْعَدَدِ مِثْلُ عَشَرَةٍ مِنْ النَّصِّ بِمَعْنَى انْتِفَاءِ الِاحْتِمَالِ وَمُجَرَّدِهِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ سَبْعَةٌ لَا يَبْطُلُ بِهِ نَصٌّ بِمَعْنَى مَا لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِهِ فِي غَيْرِهِ نَعَمْ قَدْ يَقْوَى الِاحْتِمَالُ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي عَلِمْنَا لَهَا وَضْعًا دُونَ بَعْضٍ.
وَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ كَثْرَةِ التَّجَوُّزِ بِذَلِكَ الْبَعْضِ، وَنُدْرَتِهِ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ كَالْعَامِّ كَثُرَ التَّجَوُّزُ بِهِ فِي الْبَعْضِ بِخِلَافِ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ وَنَحْوِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو نَدَرَ أَنْ يُرَادَ بِزَيْدٍ كِتَابُهُ أَوْ صَاحِبُهُ الْعَزِيزُ عَلَيْهِ وَبِعَشَرَةٍ سَبْعَةٌ فَقَدْ يُقَالُ لَا احْتِمَالَ فِيهَا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ الِاحْتِمَالَ لِنُدْرَتِهِ لَا يُلَاحَظُ فَلَا يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ غَيْرَهُ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِعْلِيَّتُهُ فَلَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ بُدٌّ مِنْ اعْتِبَارِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ بِالِاسْتِثْنَاءِ يَتَحَقَّقُ فِعْلِيَّةُ ذَلِكَ الْقَلِيلِ فَيَثْبُتُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي لَمْ يُعْقَلْ مُلَاحَظَتُهُ. انْتَهَى.
وَقَدْ أَجَادَ فِيمَا أَفَادَ (وَأَمَّا إسْقَاطُ مَا بَعْدَهَا) أَيْ وَأَمَّا الدَّلِيلُ الْخَامِسُ لِابْنِ الْحَاجِبِ أَيْضًا، وَهُوَ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّا نُسْقِطُ مَا بَعْدَ إلَّا مِمَّا قَبْلَهَا (فَيَبْقَى الْبَاقِي) مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَيُسْنَدُ إلَيْهِ الْحُكْمُ (وَهُوَ) أَيْ إسْقَاطُ مَا بَعْدَهَا مِمَّا قَبْلَهَا (فَرْعُ إرَادَةِ الْكُلِّ) مِمَّا قَبْلَهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْقُولٌ وَاللَّفْظُ دَالٌّ عَلَيْهِ فَوَجَبَ تَقْدِيرُهُ (فَقَوْلُ الْأَكْثَرِ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِسْقَاطَ) أَيْ أَنَّ مَعْنَى إسْقَاطِ مَا بَعْدَهَا مِمَّا قَبْلَهَا (ذِكْرُ مَا لَمْ يَرِدْ) بِالْحُكْمِ، وَهُوَ الثَّلَاثَةُ بَعْدَهَا (وَنِسْبَتُهُ) أَيْ مَا لَمْ يَرِدْ بِهِ (لِلْمُسَمَّى) الْمَوْضُوعِ لَهُ الْعَشَرَةُ (لِيُعْرَفَ الْبَاقِي) مِنْهُ، وَهُوَ السَّبْعَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُكْمِ (أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَدْلُولِهِ) فَلَا يَكُونُ الْكُلُّ مُرَادًا (وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ الْأَوَّلُ) أَيْ قَوْلُ الْأَكْثَرِ (وَهُوَ أَقَلُّ تَكَلُّفًا) مِنْ الثَّانِي (تَعَيَّنَ؛ وَلِأَنَّ الثَّانِيَ خَارِجٌ عَنْ قَانُونِ الِاسْتِعْمَالِ، وَهُوَ) أَيْ قَانُونُ الِاسْتِعْمَالِ (إيقَاعُ اللَّفْظِ فِي التَّرْكِيبِ لِيَحْكُمَ عَلَى وَضْعَيْهِ) أَيْ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ اللَّفْظُ (أَوْ مُرَادُهُ) أَيْ أَوْ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِهِ مَجَازًا (أَوْ بِهِمَا) أَيْ أَوْ لِيَحْكُمَ بِالْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ اللَّفْظُ أَوْ بِالْمُرَادِ مِنْهُ (وَلَا مُوجِبَ) لِلْخُرُوجِ عَنْ قَانُونِ الِاسْتِعْمَالِ (فَوَجَبَ نَفْيُهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ الثَّانِي لِخُرُوجِهِ عَنْ قَانُونِ الِاسْتِعْمَالِ (وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ لِمَدْلُولِ سَبْعَةٍ كَسَبْعَةٍ) وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (وَرُدَّ بِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ اللُّغَةِ إذْ لَا تَرْكِيبَ مِنْ) أَلْفَاظٍ (ثَلَاثَةٍ فِي غَيْرِ الْمَحْكِيِّ، وَالْأَوَّلُ غَيْرُ مُضَافٍ وَلَا مُعْرَبٍ وَلَا حَرْفٍ) وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يُوجَدُ مُرَكَّبٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ إذَا كَانَ مَحْكِيًّا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَبَرَقَ نَحْرُهُ وَشَابَ قَرْنَاهَا، وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مَحْكِيٍّ إذَا كَانَ الْأَوَّلُ مِنْهُ مُضَافًا أَوْ مُعْرَبًا أَوْ حَرْفًا، وَالْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ مَوْجُودَانِ كَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَلَا رَجُلَ ظَرِيفٌ وَالثَّانِي لَا يَحْضُرُنِي أَحَدٌ ذَكَرَهُ وَلَا مِثَالُهُ وَعَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ لَيْسَ أَحَدَهَا.
(وَ) رُدَّ أَيْضًا (بِلُزُومِ عَوْدِ الضَّمِيرِ) فِي نَحْوِ إلَّا نِصْفَهَا (عَلَى جُزْءِ الِاسْمِ) الَّذِي هُوَ الْجَارِيَةُ فِي اشْتَرَيْت الْجَارِيَةَ إلَّا نِصْفَهَا (وَهُوَ) أَيْ جُزْءُ الِاسْمِ (كَزَايِ زَيْدٍ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ) أَيْ جُزْءِ الِاسْمِ فِي الِاسْمِ عَلَى مَعْنًى فَيَمْتَنِعُ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَيْهِ (وَالْحَقُّ أَنَّهُ) أَيْ قَوْلَ الْقَاضِي (أَحَدُ الْمَذْهَبَيْنِ) السَّابِقَيْنِ (لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مُفْرَدَاتِهِ) أَيْ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ بَاقِيَةٌ (فِي مَعَانِيهَا) الْإِفْرَادِيَّةِ (وَقَوْلُهُ بِإِزَاءِ سَبْعَةٍ) إنَّمَا هُوَ (بِاعْتِبَارِ الْحَاصِلِ وَلِذَا شَبَّهَ) فَقَالَ كَسَبْعَةٍ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهُ (فَانْتَفَى مَا بَنَاهُ بَعْضُهُمْ) ، وَهُوَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (عَلَيْهِ) أَيْ قَوْلِ الْقَاضِي (مِنْ أَنَّ تَخْصِيصَهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَدَدًا (كَمَفْهُومِ اللَّقَبِ) أَيْ كَتَخْصِيصِهِ (الْمُقْتَضَى أَنْ لَا إخْرَاجَ أَصْلًا، وَجْهُهُ) أَيْ الْحَقُّ، وَهُوَ رَدُّ قَوْلِ الْقَاضِي إلَى أَحَدِ الْمَذْهَبَيْنِ (أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ إلَّا عَلَى سَبْعَةٍ فَإِمَّا بِاعْتِبَارِهَا) أَيْ السَّبْعَةِ (مَدْلُولًا مَجَازِيًّا لِلتَّرْكِيبِ) وَالْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ
لَهُ الْعَشَرَةُ الْمَوْصُوفَةُ بِإِخْرَاجِ الْعَشَرَةِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ (أَوْ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مَعْنَاهُ الْمُتَبَادَرُ) أَيْ أَوْ بِاعْتِبَارِ السَّبْعَةِ أَمْرًا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مَعْنَى مَجْمُوعِ الْمُرَكَّبِ الْمُتَبَادَرِ إلَى الْفَهْمِ كَمَا يُطْلَقُ الطَّائِرُ الْوَلُودُ عَلَى الْخُفَّاشِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْ أَفْرَادِهِ (فَيَكُونُ التَّرْكِيبُ حَقِيقَةً فِيهَا) أَيْ فِي السَّبْعَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهَا بِهِ كَمَا يُعَبَّرُ عَنْ النَّوْعِ بِالْأَجْزَاءِ الْعَقْلِيَّةِ مِنْ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ أَوْ الْخَارِجِيَّةِ فَيُعَبَّرُ عَنْ الْإِنْسَانِ بِالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ وَالْبَدَنِ وَالنَّفْسِ وَعَنْ الشَّيْءِ بِلَازِمِهِ الْمُرَكَّبِ فَيُعَبَّرُ عَنْ السَّبْعَةِ بِأَنَّهَا أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثَةٌ لَا بِمَعْنَى أَنَّ الْمَجْمُوعَ وُضِعَ لَهَا وَضْعًا وَاحِدًا.
قُلْت: وَهَذَا صَرِيحُ كَلَامِهِ فِي التَّقْرِيبِ حَيْثُ قَالَ إذَا خُصَّ بِاسْتِثْنَاءٍ مُتَّصِلٍ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ حَقِيقَةٌ فِيمَا بَقِيَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اتِّصَالَ الِاسْتِثْنَاءِ بِهِ بِغَيْرِهِ، وَيُؤَثِّرُ فِي مَعْنَى لَفْظِهِ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْكَلَامِ إذَا اتَّصَلَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَانَ لَهُ بِالِاتِّصَالِ تَأْثِيرٌ لَيْسَ لَهُ بِالِانْفِرَادِ ثُمَّ قَالَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَذَا حُكْمَ اللَّفْظِ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي أَنَّهُ يَصِيرُ بِاقْتِرَانِهِ اسْمًا لِقَدْرِ مَا بَقِيَ وَلَوْ عُدِمَ لَكَانَ عَامًّا. انْتَهَى. وَهُوَ مُصَرِّحٌ أَيْضًا بِالْمُوَافَقَةِ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَيَانُ تَغْيِيرٍ ثُمَّ الْأَمْرُ (هَذَا وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ) بَلْ الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنْهُمْ وَخُصُوصًا الْمُتَأَخِّرُونَ (قَالُوا: إخْرَاجُ الِاسْتِثْنَاءِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ) ، وَهُوَ أَنْ يُثْبِتَ لِلْمُسْتَثْنَى حُكْمًا مُخَالِفًا لِصَدْرِ الْكَلَامِ كَمَا فِي الْعَامِّ إذَا خُصَّ مِنْهُ بَعْضُهُ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ حُكْمُ الْعَامِّ فِيمَا خُصَّ مِنْهُ لِوُجُودِ الْمُعَارِضِ فِيهِ صُورَةً، وَهُوَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ (وَعِنْدَنَا بَيَانٌ مَحْضٌ) لِكَوْنِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لِصَدْرِ الْكَلَامِ وَارِدًا عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَهُوَ مَا عَدَا الْمُسْتَثْنَى فَتَقْدِيرُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ عِنْدَهُ إلَّا ثَلَاثَةٌ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيَّ وَعِنْدَنَا لِفُلَانٍ عَلَيَّ سَبْعَةٌ (ثُمَّ أَبْطَلُوهُ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ كَوْنَهُ إخْرَاجًا بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ (بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ) إخْرَاجُهُ بِهَا (وَهُوَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ (لَا يُوجِبُ) الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ الْإِقْرَارُ (إلَّا فِي سَبْعَةٍ ثَبَتَ مَا لَيْسَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ فَإِنَّ الْعَشَرَةَ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا) أَيْ السَّبْعَةِ فَقَطْ (حَقِيقَةً) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَلَا مَجَازًا) ؛ لِأَنَّهُ نِسْبَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَشَرَةِ سِوَى الْعَدَدِيَّةِ، وَهِيَ عَامَّةٌ لَا تَصْلُحُ لِلتَّجَوُّزِ وَلَا صُورِيَّةٌ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْكُلُّ وَالْجُزْءُ وَشَرْطُ التَّجَوُّزِ بِهِ كَوْنُ الْجُزْءِ مُخْتَصًّا بِالْكُلِّ لِيَصِحَّ إطْلَاقُ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ اللَّازِمِ الْمُخْتَصِّ وَلَيْسَ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ سَبْعَةً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَذَلِكَ إذْ كَمَا يَصْلُحُ جُزْءًا لَهَا يَصْلُحُ جُزْءًا لِلْعِشْرِينَ وَمَا فَوْقَهُ مَثَلًا.
(بِخِلَافِ الْعَامِّ) الْمَخْصُوصِ إذَا مَنَعَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ فِيهِ الْحُكْمَ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ صُورَةً (لَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ ثُبُوتُهُ مَا لَيْسَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ لِبَقَاءِ الِاسْمِ دَالًّا عَلَى الْبَاقِي بِلَا خَلَلٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي تَقْدِيرِ قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَدُفِعَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مُبْطِلًا لِلنُّصُوصِيَّةِ وَالْأَشْبَهُ مَا تَقَدَّمَ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَلَوْ سُلِّمَ) جَوَازُ التَّجَوُّزِ بِالْعَشَرَةِ عَنْ السَّبْعَةِ قِيلَ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الشَّيْءِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ كُلِّهِ وَلِأَجْلِ دَفْعِ هَذَا الِاحْتِمَالِ يُقَالُ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا يَخُصُّ مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى أَقَلَّ مِنْ الْبَاقِي مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالْمُدَّعَى أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ فَالْأَشْبَهُ كَمَا ذَكَرَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْعَلَاقَةَ الْمُجَوِّزَةَ لِلتَّجَوُّزِ بِاسْمِ الْعَدَدِ عَنْ جُزْئِهِ مُطْلَقًا كَوْنُ الْجُزْءِ لَازِمًا لِلْكُلِّ سَوَاءٌ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْبَاقِي أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا فَدَعْوَى الِاخْتِصَاصِ فِيهِ مَمْنُوعَةٌ (فَالْمَجَازُ مَرْجُوحٌ) ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ (فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ) مَعَ إمْكَانِ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ إذْ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ الْكُلُّ، وَيَكُونَ
تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْبَعْضِ (كَذَا نَقَلَهُ) أَيْ هَذَا الْإِبْطَالَ بِالْمَعْنَى (مُتَأَخِّرٌ) ، وَهُوَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَنَّهُ) عُطِفَ عَلَى الضَّمِيرِ فِي نَقَلَهُ أَيْضًا مَا مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّأْنَ (عَلَى الْقَائِلِ) لَهُ عَلَيَّ (عَشَرَةٌ) إلَّا ثَلَاثَةٌ سَبْعَةٌ، وَالتَّكَلُّمُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ يَكُونُ (فِي سَبْعَةٍ) أَيْ يَكُونُ الْحُكْمُ عَلَيْهَا فَقَطْ لَا عَلَى الثَّلَاثَةِ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ هَذَا لَفْظُهُ، وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ مَعْنَى هَذَا كَمَا عَمَّا قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ (فَتَكُونُ الثَّلَاثَةُ مَسْكُوتَةً، وَكَأَنَّ هَذَا مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِ (إلْزَامٌ) لِلشَّافِعِيِّ (وَإِلَّا فَالشَّافِعِيُّ لَا يَجْعَلُهَا مَسْكُوتَةً) بَلْ يَجْعَلُ لَهَا مِنْ الْحُكْمِ ضِدَّ مَا لِلصَّدْرِ (وَغَيْرِهِ) أَيْ هَذَا الْمُتَأَخِّرِ (مِنْهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ كَصَاحِبِ التَّحْقِيقِ وَصَاحِبِ الْمَنَارِ وَشَارِحِيهِ وَالْبَدِيعِ (نَقَلَهُ) أَيْ الْإِبْطَالَ (بِالْآيَةِ هَكَذَا لَوْ كَانَ) عَمَلُ الِاسْتِثْنَاءِ (عَلَى الْمُعَارَضَةِ ثَبَتَ فِي قَوْله تَعَالَى){فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] حُكْمُ الْأَلْفِ بِجُمْلَتِهَا ثُمَّ عَارَضَهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ حُكْمُ الْأَلْفِ (فِي الْخَمْسِينَ فَيَلْزَمُ كَذِبُ الْخَبَرِ فِي أَحَدِهِمَا) وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ مُتَعَالٍ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
(وَهَذَا) التَّوْجِيهُ (هُوَ الْأَلْيَقُ بِمَعْنَى الْمُعَارَضَةِ)، وَهُوَ الْمُنَافَاةُ (وَإِلَّا فَالْحُكْمُ عَلَى سَبْعَةٍ) فِي عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ (وَتِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسِينَ) فِي {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] (بِالْإِثْبَاتِ لَا يُعَارِضُهُ نَفْيُهُ) أَيْ الْحُكْمُ بِالْإِثْبَاتِ (عَنْ ثَلَاثَةٍ) فِي عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ (وَخَمْسِينَ) فِي {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] لِعَدَمِ تَوَارُدِ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ (وَبَنَوْهُ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ كَوْنَهُ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ (عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَقَلْبُهُ) أَيْ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ (مَنْقُولًا عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَعَلَى أَنَّ التَّوْحِيدَ) ، وَهُوَ الْإِقْرَارُ بِوُجُودِ الْبَارِي تَعَالَى وَوَحْدَانِيِّتِهِ (فِي كَلِمَتِهِ) أَيْ التَّوْحِيدِ، وَهِيَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ (بِالنَّفْيِ) لِلْأُلُوهِيَّةِ عَمَّا سِوَى اللَّهِ (وَالْإِثْبَاتِ) أَيْ، وَإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ وَحْدَهُ (وَإِلَّا كَانَتْ) كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ (مُجَرَّدَ نَفْيِ الْأُلُوهِيَّةِ عَنْ غَيْرِهِ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَكْفِي فِي الْإِقْرَارِ بِالتَّوْحِيدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِنَفْيِ الْأُلُوهِيَّةِ عَمَّا سِوَى اللَّهِ، وَإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ (فَالْتَزَمَتْهُ) أَيْ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ إلَّا النَّفْيَ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى (الطَّائِفَةُ الْقَائِلُونَ مِنْهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (مَا بَعْدَ إلَّا مَسْكُوتٌ، وَأَنَّ التَّوْحِيدَ مِنْ النَّفْيِ الْقَوْلِيِّ وَالْإِثْبَاتِ الْعِلْمِيِّ؛ لِأَنَّهُمْ) أَيْ الْكُفَّارَ فِي الْجُمْلَةِ (لَمْ يُنْكِرُوا أُلُوهِيَّتَهُ تَعَالَى) كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (بَلْ أَشْرَكُوا فَبِالنَّفْيِ عَنْ غَيْرِهِ يَنْتَفِي) الشِّرْكُ (وَيَحْصُلُ التَّوْحِيدُ فَلَا تَكُونُ) كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ (مِنْ الدَّهْرِيِّ إيَّاهُ) أَيْ تَوْحِيدً الِإِنْكَارِهِ وُجُودَ الْبَارِي تَعَالَى، وَهَذَا أَوْجَهُ مِمَّا قِيلَ بَلْ يَكُونُ؛ لِأَنَّ الدَّهْرِيَّ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِوُجُودِهِ تَعَالَى فَهُوَ قَائِلٌ بِصَانِعٍ، وَهُوَ إمَّا الدَّهْرُ أَوْ الْأَفْلَاكُ أَوْ الْأَنْجُمُ أَوْ الْفُصُولُ الْأَرْبَعُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ ضَلَالَتِهِ فَإِذَا نَفَى الْجَمِيعَ لَزِمَ الْإِقْرَارُ بِوُجُودِهِ تَعَالَى.
(وَالْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ ذَهَبُوا إلَى الْحُكْمِ (فِيمَا بَعْدَ إلَّا بِالنَّقِيضِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِنَقْلِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إلَخْ) أَيْ إثْبَاتٍ وَقَلْبَهُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ (وَلَا يَسْتَلْزِمُ) هَذَا (كَوْنَ الْإِخْرَاجِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ لِعَدَمِ اتِّحَادِ مَحَلِّ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا) مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى سَبْعَةٍ وَعَلَى تِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ بِالْإِثْبَاتِ لَا يُعَارِضُهُ نَفْيُهُ عَنْ ثَلَاثَةٍ وَعَنْ خَمْسِينَ.
(وَنُقِلَ أَنَّهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ (تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا) بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ الِاسْمُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَيْضًا (لَا يُنَافِيهِ) أَيْ كَوْنُهُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيًا وَقَلْبِهِ (فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا) أَيْ النَّقْلَيْنِ (فَيَصْدُقُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا بِاعْتِبَارِ الْحَاصِلِ مِنْ مَجْمُوعِ التَّرْكِيبِ وَنَفْيٍ
وَإِثْبَاتٍ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ وَنَحْوَ لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ) وَتَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ فِي ذَيْلِ الْمُجْمَلِ أَنَّهُ رُوِيَ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا (يُفِيدُ ثُبُوتَهَا) أَيْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ (مَعَ الطَّهُورِ فِي الْجُمْلَةِ) ، وَهِيَ الصَّلَاةُ الْجَامِعَةُ لِبَقِيَّةِ شُرُوطِهَا وَجَمِيعِ أَرْكَانِهَا الْخَالِيَةِ عَنْ الْمُفْسِدِ لَهَا لَا كُلُّ صَلَاةٍ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ لَا صَلَاةَ سَلْبًا كُلِّيًّا بِمَعْنَى لَا شَيْءَ مِنْ الصَّلَاةِ بِجَائِزَةٍ، وَهُوَ عِنْدَ وُجُودِ الْمَوْضُوعِ فِي قُوَّةِ الْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ الْمَعْدُولِ الْمَحْمُولِ فَيَتَعَلَّقُ الِاسْتِثْنَاءُ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الصَّلَاةِ. وَالْفَرْضُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَيَلْزَمُ تَعَلُّقُ إثْبَاتِ مَا نُفِيَ عَنْ الصَّدْرِ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الصَّدْرِ فَيَكُون الْمَعْنَى كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الصَّلَاةِ جَائِزَةٌ حَالَ اقْتِرَانِهَا بِطَهُورٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى بُطْلَانِ بَعْضِ الصَّلَاةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِطَهُورٍ كَالصَّلَاةِ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَبِدُونِ النِّيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَغَايَتُهُ) أَيْ هَذَا (تَكَلُّمٌ بِعَامٍّ مَخْصُوصٍ) بِدَلِيلِهِ وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَشْبَهَ أَنَّ مَوْضُوعَ هَذَا الْقَوْلِ إنَّمَا جَاءَ عُمُومُهُ مِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ نَكِرَةً وَاقِعَةً فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، وَهَذَا الْمُقْتَضَى مُنْتَفٍ فِي الْإِثْبَاتِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْضُوعُ بِعَيْنِهِ مَوْجُودًا فِيهِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى لَا صَلَاةَ جَائِزَةٌ إلَّا فِي حَالِ الِاقْتِرَانِ بِالطَّهُورِ فَإِنَّ فِيهَا يَنْتَفِي هَذَا الْحُكْمُ وَيَثْبُتُ نَقِيضُهُ، وَهُوَ جَوَازُ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إذْ نَقِيضُ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ الْإِيجَابُ الْجُزْئِيُّ، وَهُوَ صَادِقٌ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِنَفْيِ كَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ.
(غَيْرَ أَنَّ قَوْلَ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ) فِيمَا بَعْدَ إلَّا حُكْمٌ بِالنَّقِيضِ، الْحُكْمُ (الثَّانِي) ثَابِتٌ عِنْدَهُمْ (إشَارَةً، وَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ الْإِشَارِيُّ (مَنْطُوقٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالسَّوْقِ عَلَى مَا مَرَّ) فِي التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ (وَقَوْلُ الْهِدَايَةِ فِي مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ يُعْتَقُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ ظَاهِرٌ فِي الْعِبَارَةِ) وَقَالَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ هَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمَفْهُومُ مِنْ تَرْكِيبِ الِاسْتِثْنَاءِ لُغَةً ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا كَوْنُهُ إثْبَاتًا مُؤَكَّدًا فَلِوُرُودِهِ بَعْدَ النَّفْيِ بِخِلَافِ الْإِثْبَاتِ الْمُجَرَّدِ (وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ مَنْطُوقُ إشَارَةٍ تَارَةً وَعِبَارَةٍ أُخْرَى بِأَنْ يُقْصَدَ لِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ قَصْدِهِ بِالسَّوْقِ (وَلِأَنَّ النَّفْيَ عَمَّا بَعْدَ إلَّا يُفْهَمُ مِنْ اللَّفْظِ، وَأَمَّا) الِاسْتِدْلَال لَهُ بِمَا مُلَخَّصُهُ (الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ إلَّا لِمُخَالَفَةٍ بَعْدَهَا لِمَا قَبْلَهَا وَضْعًا فَلَا يُفِيدُ) إثْبَاتُهُ (لِصِدْقِ الْمُخَالَفَةِ بِعَدَمِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ) أَيْ مَا بَعْدَ إلَّا (فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمُ) عَلَى مَا بَعْدَ إلَّا (بِنَقِيضِهِ) أَيْ حُكْمِ مَا قَبْلَ إلَّا (إلَّا فَهِمَهُ) أَيْ الْحُكْمَ بِنَقِيضِهِ مِنْ اللَّفْظِ (كَمَا سَمِعْت ثُمَّ يُقْصَدَانِ) أَيْ الْإِثْبَاتُ وَالنَّفْيُ (كَكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، وَالْمُفَرَّغُ) كَ مَا جَاءَ إلَّا زَيْدٌ وَمَا زَيْدٌ إلَّا قَائِمٌ لِلْقَطْعِ بِفَهْمِ أَنَّ هَذِهِ مَسُوقَةٌ لِإِثْبَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَمَجِيءُ زَيْدٍ وَقِيَامُهُ بِأَبْلَغِ وَجْهٍ وَآكَدِهِ (فَعِبَارَةُ) أَيْ فَالْحُكْمُ عَلَى مَا بَعْدَ إلَّا فِيهَا عِبَارَةٌ.
(أَوْ) يُقْصَدُ (غَيْرُ الثَّانِي) ، وَهُوَ الْحُكْمُ عَلَى مَا قَبْلَهَا لَا غَيْرُ (كَعَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ لِفَهْمِ أَنَّ الْغَرَضَ السَّبْعَةُ) أَيْ الْإِقْرَارُ بِهَا وَلَا غَرَضَ يَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ إلَّا ثَلَاثَةٌ لَيْسَتْ عَلَيَّ (فَإِشَارَةٌ) أَيْ فَالْحُكْمُ عَلَى مَا بَعْدَ إلَّا حِينَئِذٍ إشَارَةٌ (وَلِمَا بَعْدَ أَنْ يَقُولَ بِحَقِيقَةِ الْمُعَارَضَةِ) فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْوَاقِعِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (مُسَلَّمٌ؛ لِأَنَّهَا) أَيْ الْمُعَارَضَةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ (بِثُبُوتِ الْحُكْمَيْنِ) الْمُتَنَاقِضَيْنِ (وَهُوَ) أَيْ وَثُبُوتُهُمَا (التَّنَاقُضُ صَرَّحَ الْمُحَقِّقُونَ بِنَفْيِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ وَبِاتِّفَاقِ أَهْلِ الدِّيَانَةِ أَنَّهُ بَيَانٌ مَحْضٌ كَسَائِرِ التَّخْصِيصَاتِ، وَإِنَّمَا هُوَ صُورَتُهَا نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ إسْنَادِ الصَّدْرِ وَلَا يَخْتَلِفُ فِيهِ كَالتَّخْصِيصِ بِغَيْرِهِ) وَمِنْ الْمُصَرِّحِينَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ وَلَفْظُهُ وَلَا نَصَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ لَكِنْ اسْتَدَلُّوا بِمَسَائِلَ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي هَذَا خِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الدِّيَانَةِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ إجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ
وَخِلَافُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَتَى عَلَى وَجْهِ ذَلِكَ.
(تَنْبِيهٌ: جَوَازُ) بَيْعِ (مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ) مِنْ الْمَكِيلَاتِ (قِلَّةٌ) بِأَنْ يَكُونَ مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ عَلَى مَا قَالُوا (بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا الشَّافِعِيَّةِ مَعَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» ) أَخْرَجَهُ بِمَعْنَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ (قِيلَ) وَقَائِلُهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقُوهُ كَصَاحِبِ الْبَدِيعِ (لِلْمُعَارَضَةِ عِنْدَهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ (فَمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ لَكُمْ بَيْعُ طَعَامٍ) بِطَعَامٍ (مُسَاوٍ فَمَا سِوَاهُ) أَيْ الْمُسَاوِي مِنْهُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا (مُنِعَ) أَيْ مَمْنُوعٌ (بِالصَّدْرِ) أَيْ لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ أَخْرَجَ الْكَيْلَ خَاصَّةً ضَرُورَةَ ثُبُوتِ الْمُعَارَضَةِ فِيهِ إذْ الْمُرَادُ بِالتَّسَاوِي التَّسَاوِي فِي الْكَيْلِ اتِّفَاقًا فَبَقِيَ غَيْرُ الْمَكِيلِ دَاخِلًا فِي الْحُرْمَةِ فَيَحْرُمُ بَيْعُ حَفْنَةٍ مِنْ الْبُرِّ بِحَفْنَتَيْنِ مِنْهُ مَثَلًا (وَالْحَنَفِيَّةُ لَا حُكْمَ فِي الثَّانِي) أَيْ الْمُسْتَثْنَى (وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ حَالَ الْمُسَاوَاةِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمُجَازَفَةِ وَأَخَوَيْهَا) الْمُفَاضَلَةُ وَالْمُسَاوَاةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي فَيَعُمُّهَا الصَّدْرُ حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ مِنْ الْمُفَاضَلَةِ وَالْمُجَازَفَةِ وَالْمُسَاوَاةِ إلَّا فِي حَالِ الْمُسَاوَاةِ (وَالْكُلُّ) أَيْ الْمُجَازَفَةُ، وَأَخَوَاهَا (يَسْتَنِدُ إلَى الْكَيْلِ) ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا فِي الْمَكِيلِ وَلَا مُسْتَوِي فِيهِ إلَّا الْكَيْلُ كَمَا تَقَدَّمَ وَحَرُمَتْ الْمُفَاضَلَةُ لِوُجُودِ الْفَضْلِ فِي أَحَدِهِمَا.
، وَالْمُجَازَفَةُ لِاحْتِمَالِ الْمُفَاضَلَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ اخْتِلَافُ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي الْكَثِيرِ، وَهُوَ الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ فَتَعَيَّنَ كَوْنُ الْمُرَادِ الْمُقَدَّرِ بِهِ فَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِي الْقَلِيلِ، وَهُوَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ فَلَا يَحْرُمُ بَيْعُ حَفْنَةٍ مِنْ الْبُرِّ بِحَفْنَتَيْنِ مِنْهُ (وَلَا يَلْزَمُ) بِنَاءُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي هَذَا الْفَرْعِ عَلَى الْمُعَارَضَةِ وَعَدَمِهَا (بَلْ لَا يُشْكِلُ عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (مُفَرَّغٌ لِلْحَالِ) أَيْ حَالِ الطَّعَامِ الْمُقَابِلِ بِشَيْءٍ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْحَالِ مِنْ الْعَيْنِ لَا يَسْتَقِيمُ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ وَالْمُجَانَسَةُ هِيَ الْأَصْلُ فِيهِ فَحُمِلَ صَدْرُ الْكَلَامِ عَلَى عُمُومِ الْأَحْوَالِ لِتَحْصُلَ الْمُجَانَسَةُ (فَلَزِمَ الِاتِّصَالُ فَالْمَبْنَى) لِهَذَا الِاخْتِلَافِ (تَقْدِيرُ نَوْعِ الْمُفَرَّغِ لَهُ) الْقَرِيبِ (أَوْ) تَقْدِيرُ نَوْعٍ لَهُ (أَعْلَى أَيْ تَقْدِيرُ مَعْنًى لَا إعْرَابٍ) فَقَدَّرْنَا الْقَرِيبَ بِدَلِيلِ (مَا فِيهَا إلَّا زَيْدٌ أَيْ إنْسَانٌ لَا حَيَوَانٌ وَالْمُسَاوَاةُ بِالْكَيْلِ) فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى (فَلَا تَبِيعُوا طَعَامًا يُكَالُ إلَّا مُسَاوِيًا فَالْحِلُّ فِيمَا دُونَهُ) أَيْ مَا يُكَالُ (بِالْأَصْلِ) فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ الْحِلُّ (وَقَدَّرُوا) أَعْلَى مِنْهُ فَقَالُوا (طَعَامًا فِي حَالٍ فَشَمِلَ الْقِلَّةَ. أَمَّا ذَلِكَ) الْمَبْنَى الْأَوَّلُ (فَمَبْنَى كَوْنِ الْحِلِّ فِي التَّسَاوِي) عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (بِالْأَصْلِ أَوْ بِالْمَنْطُوقِ) فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِالْأَصْلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِالْمَنْطُوقِ (ثُمَّ هُوَ) أَيْ كَوْنُ ذَاكَ هُوَ الْمَبْنَى لِهَذَا بِنَاءً (عَلَى) قَوْلِ (الطَّائِفَةِ الْأُولَى) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ لَيْسَ فِيمَا بَعْدَ إلَّا حُكْمٌ أَمَّا عَلَى قَوْلِ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى فِيهِ حُكْمٌ بِالنَّقِيضِ فَالْحِلُّ فِيهِ بِالْمَنْطُوقِ أَيْضًا عِبَارَةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُفَرَّغٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ.
(مَسْأَلَةٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (الِاتِّصَالُ) بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَفْظًا عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ (إلَّا لِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ أَوْ أَخْذِ فَمٍ وَنَحْوِهِ) كَعُطَاسٍ وَجُشَاءٍ (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَوَازُ الْفَصْلِ بِشَهْرٍ وَسَنَةٍ وَمُطْلَقًا) أَمَّا الشَّهْرُ فَنَقَلَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ: لَمْ أَجِدْ رِوَايَةَ الشَّهْرِ، وَإِنَّمَا وَجَدْت رِوَايَةً فِيهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَلَعَلَّ مَنْ قَالَ شَهْرٌ أَلْغَى الْكَسْرَ. انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مَعَ بُعْدِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ فَمَضَى أَرْبَعُونَ لَيْلَةً فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى
{وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا - إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} [الكهف: 23 - 24] فَاسْتَثْنَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» ثُمَّ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي تَفْسِيرِهِ هَكَذَا. انْتَهَى.
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَرَى ذَلِكَ، نَعَمْ أَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِلَفْظِ قَالَ: يُسْتَثْنَى وَلَوْ بَعْدَ شَهْرٍ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَنَقَلَ هَذَا صَاحِبُ الْكَشْفِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَأَمَّا السَّنَةُ فَنَقَلَهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمَازِرِيُّ وَأَخْرَجَهَا الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ عَلَى يَمِينٍ فَلَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ وَلَوْ إلَى سَنَةٍ، وَإِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي هَذَا {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] قَالَ إذَا ذَكَرَ اسْتَثْنَى وَكَانَ الْأَعْمَشُ يَأْخُذُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْحَاكِمُ ثُمَّ قَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عِنْدَهُ مَا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ قِيلَ لِلْأَعْمَشِ سَمِعْته مِنْ مُجَاهِدٍ قَالَ لَا حَدَّثَنِي بِهِ لَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ. انْتَهَى. فَإِنَّ بِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِسْنَادَ مَعْلُولٌ، وَأَنَّ بَيْنَ الْأَعْمَشِ وَمُجَاهِدِ وَاسِطَةً، وَهُوَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ ضَعِيفٌ وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ وَاحِدٌ مِنْ الشَّيْخَيْنِ، وَإِمَّا مُطْلَقًا، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْأَكْثَرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْهُ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَقَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ.
وَقَالَ السُّبْكِيُّ: وَهِيَ رِوَايَاتٌ شَاذَّةٌ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ (وَحُمِلَ) مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ جَوَازِ الْفَصْلِ (عَلَى مَا إذَا كَانَ) الِاسْتِثْنَاءُ (مَنْوِيًّا حَالَ التَّكَلُّمِ) فَيَكُونُ مُتَّصِلًا قَصْدًا مُتَأَخِّرًا لَفْظًا (وَيَدِينُ) النَّاوِي لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي صِحَّةِ دَعْوَى نِيَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَوَازُ تَأْخِيرِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَلَعَلَّهُ لَا يَصِحُّ النَّقْلُ عَنْهُ إذْ لَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِمَنْصِبِهِ، وَإِنْ صَحَّ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ إذَا نَوَى الِاسْتِثْنَاءَ أَوَّلًا ثُمَّ أَظْهَرَ نِيَّتَهُ بَعْدَهُ فَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا نَوَاهُ، وَمَذْهَبُهُ أَنَّ مَا يَدِينُ فِيهِ الْعَبْدُ يُقْبَلُ ظَاهِرًا فَهَذَا لَهُ وَجْهٌ، أَمَّا تَجْوِيزُ التَّأْخِيرِ لَوْ أَصَرَّ عَلَيْهِ دُونَ هَذَا التَّأْوِيلِ فَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ اتِّفَاقُ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى خِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْكَلَامِ يَحْصُلُ بِهِ الْإِتْمَامُ فَإِذَا انْفَصَلَ لَمْ يَكُنْ إتْمَامًا كَالشَّرْطِ وَخَبَرِ الْمُبْتَدَأِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ:(وَهُوَ) أَيْ جَوَازُ فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ إذَا كَانَ مَنْوِيًّا حَالَ التَّكَلُّمِ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (قَوْلُ أَحْمَدَ) هَذَا ظَاهِرُ سَوْقِ الْكَلَامِ، وَلَمْ أَرَهُ بَلْ يُخَالِفُهُ قَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَاشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْأَرْبَعَةُ. انْتَهَى.
وَاَلَّذِي فِي فُرُوعِ ابْنِ مُفْلِحٍ وَمَنْ قَالَ فِي يَمِينٍ مُكَفَّرَةٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا وَعَنْهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ مَعَ فَصْلٍ يَسِيرٍ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَعَنْهُ فِي الْمَجْلِسِ، وَهُوَ فِي الْإِرْشَادِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ فِي الْمُبْهِجِ وَلَوْ تَكَلَّمَ قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْجَزَاءِ أَوْ أَخَّرَهُ فِعْلٌ أَوْ تَرْكٌ لَمْ يَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ قَالَ أَحْمَدُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ إذَا اسْتَثْنَى بَعْدَ سَنَةٍ فَلَهُ ثُنْيَاهُ لَيْسَ هُوَ فِي الْأَيْمَانِ إنَّمَا تَأْوِيلُهُ قَوْلُ اللَّهِ {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا - إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} [الكهف: 23 - 24] فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْكَذِبِ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ لَيْسَ فِيهِ كَفَّارَةٌ، وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تُكَفَّرُ وَالْكَذِبُ لَا يُكَفَّرُ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَائِدَةُ الِاسْتِثْنَاءِ خُرُوجُهُ مِنْ الْكَذِبِ قَالَ مُوسَى {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} [الكهف: 69] وَلَمْ يَصْبِرْ فَسَلِمَ مِنْهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ، وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ رَدَّهُ إلَى يَمِينِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ لِوُقُوعِهَا وَتَبَيُّنِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى. انْتَهَى.
(وَعَنْ طَاوُسٍ وَالْحَسَنِ تَقْيِيدُهُ) أَيْ جَوَازِ الْفَصْلِ (بِالْمَجْلِسِ) ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَزَادَ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ عَطَاءً وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ وَفِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ لِلْهِدَايَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ (لَنَا لَوْ تَأَخَّرَ) أَيْ لَوْ جَازَ تَأْخِيرُ الِاسْتِثْنَاءِ (لَمْ يُعَيِّنْ تَعَالَى لِبِرِّ أَيُّوبَ عليه السلام أَخْذَ الضِّغْثِ) ، وَهِيَ الْحُزْمَةُ الصَّغِيرَةُ مِنْ الْحَشِيشِ وَنَحْوِهِ
وَضَرَبَ زَوْجَتَهُ بِهِ فِي حَلِفِهِ إنْ بَرِئَ ضَرَبَهَا مِائَةَ ضَرْبَةٍ لَمَّا ذَهَبَتْ لِحَاجَةٍ فَأَبْطَأَتْ عَلَى مَا رُوِيَ لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَيَّنَ ذَلِكَ لِلتَّحَلُّلِ مِنْ يَمِينِهِ حَتَّى حُكِيَ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيَّ أَرَادَ مَرَّةً الْخُرُوجَ مِنْ بَغْدَادَ فَاجْتَازَ فِي بَعْضِ سِكَكِهَا بِرَجُلٍ عَلَى رَأْسِهِ بَاقِلَاءُ، وَهُوَ يَقُولُ لِآخَرَ مَعَهُ لَوْ صَحَّ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَيُّوبَ عليه السلام {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: 44] بَلْ كَأَنْ يَقُولَ اسْتَثْنِ وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّحَيُّلِ فِي الْبِرِّ فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بَلْدَةٌ فِيهَا رَجُلٌ يَحْمِلُ الْبَقْلَ، وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُخْرَجَ مِنْهَا (وَلَمْ يَقُلْ صلى الله عليه وسلم)«مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (مُقْتَصِرًا) عَلَى الْأَمْرِ بِالتَّكْفِيرِ (إذْ لَمْ يَتَعَيَّنْ) التَّكْفِيرُ (مُخَلِّصًا) مِنْ عُهْدَةِ الْيَمِينِ بَلْ كَأَنْ يَقُولَ فَلْيَسْتَثْنِ أَوْ لِيُكَفِّرْ خُصُوصًا (مَعَ اخْتِيَارِهِ الْأَيْسَرَ لَهُمْ دَائِمًا) كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مَعَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ أَوْلَى مِنْ التَّكْفِيرِ لِعَدَمِ الْحِنْثِ الَّذِي هُوَ عُرْضَةُ الْإِثْمِ وَحَيْثُ قَالَهُ (بِلَا تَفْصِيلٍ بَيْنَ مُدَّةٍ وَمَنْوِيٍّ وَغَيْرِهِمَا) دَلَّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ مُتَأَخِّرًا.
(وَأَيْضًا لَمْ يَجْزِمْ بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَكَذِبٍ وَصِدْقٍ وَلَا عَقْدٍ) لِإِمْكَانِ الِاسْتِثْنَاءِ وَدَعْوَى إلْحَاقِهِ بِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ بَعْدَ حِينِ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ قَطْعًا فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ (وَدَفَعَ أَبُو حَنِيفَةَ عَتَبَ الْمَنْصُورِ) أَبِي جَعْفَرٍ الدَّوَانِيقِيِّ ثَانِي الْخُلَفَاءِ الْعَبَّاسِيَّةِ فِي مُخَالَفَةِ جَدِّهِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي جَوَازِ الِانْفِصَالِ (بِلُزُومِ عَدَمِ لُزُومِ عَقْدِ الْبَيْعَةِ) فَقَالَ هَذَا يَرْجِعُ عَلَيْك أَفَتَرْضَى لِمَنْ يُبَايِعُك بِالْأَيْمَانِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ عِنْدِك فَيَسْتَثْنِيَ فَاسْتَحْسَنَهُ ذَكَرَهُ فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ إنَّ الَّذِي أَغْرَاهُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ صَاحِبُ الْمَغَازِي وَأَنَّهُ أَجَابَهُ الْإِمَامُ بِذَلِكَ قَالَ نِعْمَ مَا قُلْت، وَغَضِبَ عَلَى بْنِ إِسْحَاقَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ عِنْدِهِ (قَالُوا: أَلْحَقَ صلى الله عليه وسلم إنْ شَاءَ اللَّهُ بِقَوْلِهِ «لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا بَعْدَ سَنَةٍ» قُلْنَا بِتَقْدِيرِ اسْتِئْنَافٍ لَأَغْزُوَنَّ) أَيْ هُوَ مُلْحَقٌ بِمُسْتَأْنَفٍ مُقَدَّرٍ هُوَ لَأَغْزُوَنَّ جَمْعًا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَدِلَّتِنَا (وَحَمْلُهُ) أَيْ الْفَصْلَ (عَلَى السُّكُوتِ الْعَارِضِ مَعَ نَقْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ مُمْتَنِعٌ)، وَهُوَ ظَاهِرٌ قُلْت لَكِنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى هَذَا الْمَحْمَلِ كَابْنِ الْحَاجِبِ إنَّمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ بِلَفْظِ: قَالَ صلى الله عليه وسلم «وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ» كَمَا هُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ اُخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ، وَإِرْسَالِهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَلَى أَنَّهُ أَيْضًا إنَّمَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ إذَا لَمْ يَغْزُهُمْ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد ثُمَّ لَمْ يَغْزُهُمْ وَكَانَ ثَابِتًا قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ: لَكِنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَثْبُتْ؛ لِأَنَّ سِمَاكًا كَانَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ وَعَابُوا عَلَيْهِ أَحَادِيثَ كَانَ يَصِلُهَا، وَهِيَ مُرْسَلَةٌ وَصَوَّبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ مِنْهُمْ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ رِوَايَةَ الْإِرْسَالِ.
وَأَمَّا ذِكْرُ السَّنَةِ كَمَا فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ مَعَ الزِّيَادَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَلَمْ يُكَفِّرْ، وَالشَّأْنُ فِي ذَلِكَ (قَالُوا «سَأَلَهُ الْيَهُودُ عَنْ مُدَّةِ أَهْلِ الْكَهْفِ فَقَالَ غَدًا أُجِيبُكُمْ فَتَأَخَّرَ الْوَحْيُ بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ أُنْزِلَ وَلَا تَقُولَنَّ الْآيَةَ فَقَالَهَا أَيْ إنْ شَاءَ اللَّهُ» وَلَا كَلَامَ يَعُودُ عَلَيْهِ إلَّا قَوْلُهُ غَدًا أُجِيبُكُمْ وَلَوْلَا صِحَّةُ الِانْفِصَالِ لَمَا ارْتَكَبَ هَذَا (قُلْنَا) هَذِهِ الْقِصَّةُ فِي الْمَغَازِي الْكُبْرَى لِابْنِ إِسْحَاقَ بِسِيَاقٍ فِي بَعْضِهِ مَا يُنْكَرُ وَفِي سَنَدِهِ مُبْهَمٌ، وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ: وَلَمْ أَرَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي هَذَا السِّيَاقِ وَلَا فِي غَيْرِهِ. انْتَهَى. ثُمَّ نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ عَوْدِهِ إلَى غَدًا أُجِيبُكُمْ وَكَيْفَ وَقَدْ انْقَضَى الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ بِالْإِجَابَةِ فِيهِ وَبَعْدَهُ أَيَّامٌ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُلْحَقًا بِمُسْتَأْنَفٍ مُقَدَّرٍ نَحْوُ أُجِيبُكُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ (كَالْأَوَّلِ جَمْعًا) بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَدِلَّتِنَا (وَيَجُوزُ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا (أَمْتَثِلُ) إنْ شَاءَ اللَّهُ أَيْ أُعَلِّقُ كُلَّ مَا أَقُولُ إنِّي