الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ (مَا مِنْ عَامٍّ إلَّا وَقَدْ خُصَّ) حَتَّى هَذَا أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ (فَفَرْعُ دَعْوَانَا) أَنَّ الْوَضْعَ لِلْعُمُومِ حَقِيقَةً وَيُحْمَلُ عَلَى الْخُصُوصِ مَجَازًا؛ إذْ هُوَ مُفِيدٌ أَنَّ الْعُمُومَ أَصْلٌ وَالْخُصُوصَ عَارِضٌ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقُولُهُ (الِاشْتِرَاكُ ثَبَتَ الْإِطْلَاقُ لَهُمَا) أَيْ لِلْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ (وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَالْجَوَابُ لَوْ لَمْ يُثْبِتْ مَا ذَكَرْنَا)
مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُفِيدَةِ لِلْوَضْعِ لِلْعُمُومِ حَقِيقَةً وَلِلْخُصُوصِ مَجَازًا (الْمُفَصَّلُ الْإِجْمَاعُ عَلَى عُمُومِ التَّكْلِيفِ وَهُوَ) أَيْ عُمُومُهُ (بِالطَّلَبِ) مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الطَّلَبُ عَامًّا لَمْ يَكُنْ التَّكْلِيفُ عَامًّا (قُلْنَا: وَكَذَا الْإِخْبَارُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ خُصُوصٍ مِثْلُ نَحْنُ عَلَيْك) فَإِنَّ هَذَا إخْبَارٌ بِمَا فِيهِ صِيغَةُ خُصُوصٍ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ كَافُ الْخِطَابِ الْمُفْرَدُ الْمَجْرُورُ، وَذَلِكَ نَحْوُ {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام: 101] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فَتَكُونُ عَامَّةً أَيْضًا (لِتَعَلُّقِهِ) أَيْ التَّكْلِيفِ بِهَا (بِحَالِ الْكُلِّ) فَإِنَّا مُكَلَّفُونَ عُمُومًا بِمَعْرِفَتِهَا أَيْضًا لِلِانْقِيَادِ إلَى الطَّاعَاتِ وَالِانْزِجَارِ عَنْ الْمُخَالَفَاتِ فَلَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ تَسَاوَيَا فِي التَّكْلِيفِ (وَلَا مَعْنَى لِلتَّوَقُّفِ) أَيْضًا فِي الْإِخْبَارِ دُونَ الطَّلَبِ، وَلَا فِيهَا مُطْلَقًا (بَعْدَ اسْتِدْلَالِنَا) لِلْمُخْتَارِ بِمَا تَقَدَّمَ؛ إذْ لَا مُوجِبَ لَهُ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَاسْتَدْلَلْنَا عَلَيْهِ
[الْبَحْثُ الثَّالِثُ لَيْسَ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ عَامًّا]
(الْبَحْثُ الثَّالِثُ لَيْسَ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ عَامًّا خِلَافًا لِطَائِفَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) وَمَنْ وَافَقَهُمْ وَسَيُعَيِّنُ مِنْهُمْ فَخْرَ الْإِسْلَامِ غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْكَشْفِ ذَكَرَ أَنَّ عَامَّةَ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ النَّكِرَةَ لَيْسَ بِعَامٍّ لِظُهُورِهِ فِي الْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي جَمْعِ الْكَثْرَةِ النَّكِرَةِ، وَكَأَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ: أَمَّا الْعَامُّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ فَهُوَ صِيغَةُ كُلِّ جَمْعٍ رَدَّ قَوْلَ الْعَامِّ، وَاخْتَارَ أَنَّ الْكُلَّ عَامٌّ سَوَاءٌ كَانَ جَمْعَ قِلَّةٍ أَوْ كَثْرَةٍ إلَّا أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ فِي اللُّغَةِ جَمْعُ الْقِلَّةِ يَكُونُ لِلْعُمُومِ يَكُونُ الْعُمُومُ فِي مَوْضُوعِهِ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ فَصَاعِدًا إلَى الْعَشَرَةِ، وَفِي غَيْرِهِ يَكُونُ الْعُمُومُ مِنْ الثَّلَاثَةِ إلَى أَنْ يَشْمَلَ الْكُلَّ؛ إذْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْعُمُومِ عِنْدَهُ الِاسْتِغْرَاقُ (لَنَا الْقَطْعُ بِأَنَّ رِجَالًا لَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ اسْتِغْرَاقُهُمْ) أَيْ جَمَاعَاتِ الرِّجَالِ (كَرَجُلٍ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَيْضًا عِنْدَ إطْلَاقِهِ اسْتِغْرَاقُهُ لِسَائِرِ الْوُحْدَانِ (فَلَيْسَ) الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ (عَامًّا) كَمَا أَنَّ رَجُلًا كَذَلِكَ.
(فَمَا قِيلَ) فِي إثْبَاتِ عُمُومِهِ كَمَا فِي الْبَدِيعِ مَا مَعْنَاهُ (الْمَرْتَبَةُ الْمُسْتَغْرِقَةُ) لِكُلِّ جَمْعٍ (مِنْ مَرَاتِبِهِ) أَيْ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ (فَيُحْمَلُ) الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْمُسْتَغْرِقَةِ (لِلِاحْتِيَاطِ) لِأَنَّهُ حَمْلٌ عَلَى جَمِيعِ حَقَائِقِهِ حِينَئِذٍ (بَعُدَ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّ غَيْرَهَا) أَيْ غَيْرَ الْمُسْتَغْرِقَةِ وَهِيَ الْأَقَلُّ (أَوْلَى لِلتَّيَقُّنِ) بِهِ وَالشَّكِّ فِي غَيْرِهِ وَالْأَخْذُ بِالْمُتَيَقَّنِ وَطَرْحُ الْمَشْكُوكِ أَوْلَى، وَيَتَأَيَّدُ هَذَا فِي التَّكَالِيفِ بِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ (وَيَكُونُ الِاحْتِيَاطُ لَا يَسْتَمِرُّ) فِي الْمُسْتَغْرِقَةِ (بَلْ يَكُونُ) الِاحْتِيَاطُ (فِي عَدَمِهِ) أَيْ الِاسْتِغْرَاقِ كَمَا فِي الْإِبَاحَةِ (لَيْسَ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ لِأَنَّهُ) أَيْ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ (فِي أَنَّهُ) أَيْ الْعُمُومَ الِاسْتِغْرَاقِيَّ (مَفْهُومُهُ) أَيْ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرِ (وَأَيْنَ الْحَمْلُ عَلَى بَعْضِ مَا صَدَقَاتِهِ) الَّذِي هُوَ الْمَرْتَبَةُ الْمُسْتَغْرِقَةُ (لِلِاحْتِيَاطِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَهُوَ أَنَّ الْعُمُومَ الِاسْتِغْرَاقِيَّ مَفْهُومُهُ وَضْعًا.
(وَأَمَّا إلْزَامُ نَحْوِ رَجُلٍ) لِمُثْبَتٍ عُمُومُهُ بِأَنْ يُقَالَ: هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْجُمُوعِ أَيَّ جَمْعٍ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ كَرَجُلٍ لِلْوَاحِدِ أَيَّ وَاحِدٍ كَانَ فَلَمْ يَكُنْ ظَاهِرُ الْعُمُومِ كَمَا أَنَّ رَجُلًا لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي زَيْدٍ وَعَمْرٍو (فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ) أَيْ نَحْوَ رَجُلٍ (لَيْسَ مِنْ أَفْرَادِهِ) الْمَرْتَبَةُ (الْمُسْتَغْرِقَةُ) لِسَائِرِ الْأَفْرَادِ لِيُحْمَلَ عَلَيْهَا (بِخِلَافِ رِجَالٍ فَإِنَّهُ لِلْجَمْعِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسْتَغْرِقِ وَغَيْرِهِ)
أَيْ غَيْرِ الْمُسْتَغْرِقِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُسْتَغْرِقِ (قِيلَ مَبْنَى الْخِلَافِ) فِي أَنَّهُ عَامٌّ أَوْ لَا، وَالْقَائِلُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ (الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي الْعُمُومِ فَمَنْ لَا) يَقُولُ بِاشْتِرَاطِهِ (كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ جَعَلَهُ) أَيْ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ (عَامًّا) وَمَنْ يَقُولُ بِاشْتِرَاطِهِ لَمْ يَجْعَلْهُ عَامًّا (وَإِذَنْ) أَيْ وَحِينَ يَكُونُ مَبْنَى ذَاكَ الْخِلَافِ هَذَا الْخِلَافَ (لَا وَجْهَ لِمُحَاوَلَةِ اسْتِغْرَاقِهِ) أَيْ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ (بِالْحَمْلِ عَلَى مَرْتَبَةِ الِاسْتِغْرَاقِ) كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ الْبَدِيعِ (بَلْ لَفْظِيٌّ) إضْرَابٌ عَنْ هَذَا الْحَمْلِ أَيْ لَيْسَ ذَاكَ الْخِلَافُ خِلَافًا مُتَحَقِّقًا مَبْنِيًّا عَلَى خِلَافٍ آخَرَ أَصْلًا بَلْ لَيْسَ هُنَا خِلَافٌ أَصْلًا.
(فَمُرَادُ الْمُثْبِتِ) لِلْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ عُمُومًا كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ (مَفْهُومُ عُمُومٍ) أَيْ لَفْظِ عُمُومٍ (وَهُوَ) أَيْ مَفْهُومُ لَفْظِ عُمُومٍ (شُمُولُ) أَمْرٍ لِأَمْرٍ (مُتَعَدِّدٍ أَعَمَّ مِنْ الِاسْتِغْرَاقِ) وَنَافِي عُمُومِهِ لَا يُنَازِعُهُ فِي هَذَا (وَمُرَادُ النَّافِي عُمُومُ الصِّيَغِ الَّتِي أَثْبَتْنَا كَوْنَهَا) أَيْ الصِّيَغِ (حَقِيقَةً فِيهِ) أَيْ فِي الْعُمُومِ (وَهُوَ الِاسْتِغْرَاقِيُّ حَتَّى قَبْلَ الْأَحْكَامِ مِنْ التَّخْصِيصِ وَالِاسْتِثْنَاءِ) الْمُتَّصِلِ (وَلَا نِزَاعَ فِي) نَفْيِ (هَذَا) عَنْ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ (لِأَحَدٍ) مِنْ مُثْبِتِ عُمُومِهِ (وَلَا فِي عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ قَبُولِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ (فِي رِجَالٍ لَا يُقَالُ: اُقْتُلْ رِجَالًا إلَّا زَيْدًا) عَلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ مِنْهُمْ (لِأَنَّهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَّصِلَ (إخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ (لَدَخَلَ) فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ اسْتِثْنَائِهِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي رِجَالٍ (وَلَوْ قِيلَ) اُقْتُلْ رِجَالًا (وَلَا تَقْتُلْ زَيْدًا كَانَ) وَلَا تَقْتُلْ زَيْدًا (ابْتِدَاءً لَا تَخْصِيصًا) لِرِجَالٍ لِانْتِفَاءِ عُمُومِهِ الِاسْتِغْرَاقِيِّ بِحَيْثُ يَلْزَمُ شُمُولُهُمْ لَهُ
قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَالْحَاصِلُ ثُبُوتُ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ عُمُومَ الصِّيَغِ اسْتِغْرَاقِيٌّ وَعَلَى أَنَّ عُمُومَ الْمُنَكَّرِ بِمَعْنَى شُمُولِ أَمْرٍ لِمُتَعَدِّدٍ فَأَيْنَ الْخِلَافُ (وَإِذْ بَيَّنَّا أَنَّهُ) أَيْ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ (لِلْمُشْتَرَكِ) بَيْنَ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ (وَهُوَ) أَيْ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا (الْجَمْعُ مُطْلَقًا فَفِي أَقَلِّهِ) أَيْ الْجَمْعِ مُطْلَقًا (خِلَافٌ قِيلَ) أَقَلُّهُ حَقِيقَةً (ثَلَاثَةٌ مَجَازٌ لِمَا دُونَهَا) مِنْ اثْنَيْنِ وَوَاحِدٍ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ (الْمُخْتَارُ وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي اثْنَيْنِ أَيْضًا وَقِيلَ) حَقِيقَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ (مَجَازٌ فِيهِمَا) أَيْ فِي الِاثْنَيْنِ (وَقِيلَ) حَقِيقَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى اثْنَيْنِ (لَا) حَقِيقَةً (وَلَا) مَجَازًا
وَاعْلَمْ أَنَّ حِكَايَةَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ذَكَرَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِيهَا تَأَمُّلٌ فَإِنَّ كَوْنَ أَقَلِّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةً مَعْزُوٌّ إلَى أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَئِمَّةُ اللُّغَةِ، وَكَوْنُ أَقَلِّهِ اثْنَيْنِ مَعْزُوٌّ إلَى عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ وَدَاوُد وَالْقَاضِي وَالْأُسْتَاذِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلِينَ لَا يَمْنَعُونَ إطْلَاقَهُ عَلَى اثْنَيْنِ مَجَازًا، وَأَنَّهُمْ وَالْآخِرِينَ لَا يَمْنَعُونَ إطْلَاقَهُ عَلَى الْوَاحِدِ مَجَازًا أَيْضًا مِنْ إطْلَاقِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْجُزْءِ بِشَرْطِهِ، وَيَلْزَمُ الْآخِرِينَ كَوْنُهُ حَقِيقَةً فِي ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا أَيْضًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ إطْلَاقُهُ عَلَى الْوَاحِدِ مَجَازًا قَوْلًا آخَرَ مُقَاسِمًا لَهُمَا، وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى الِاثْنَيْنِ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَيَلْزَمُهُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ كَذَلِكَ فَبَعِيدٌ جِدًّا قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَا نَعْرِفُهُ عَنْ أَحَدٍ.
ثُمَّ أَفَاضَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ وَجْهِ الْمُخْتَارِ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَمَّنُ وَجْهَ كُلٍّ مِنْ بَاقِي الْأَقْوَالِ فَقَالَ (لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَيْسَ الْأَخَوَانِ إخْوَةً) فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: إنَّ الْأَخَوَيْنِ لَا يَرُدَّانِ الْأُمَّ عَنْ الثُّلُثِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَالْأَخَوَانِ لَيْسَا بِإِخْوَةٍ بِلِسَانِ قَوْمِك فَقَالَ عُثْمَانُ لَا أَسْتَطِيعُ أَرُدُّ أَمْرًا تَوَارَثَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَكَانَ قَبْلِي وَمَضَى فِي الْأَمْصَارِ فَهَذَا يَصْلُحُ
فِي الْجُمْلَةِ مُتَمَسَّكًا لِنَفْيِ صِحَّةِ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِمَا مُطْلَقًا بِأَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ الْإِطْلَاقُ جَائِزًا مَا صَحَّ سَلْبُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِذَا قِيلَ (أَيْ حَقِيقَةً لِقَوْلِ زَيْدٍ الْأَخَوَانِ إخْوَةٌ) فَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَحْجُبُ الْأُمَّ عَنْ الثُّلُثِ بِالْأَخَوَيْنِ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا سَعِيدٍ فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل يَقُولُ {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَأَنْتَ تَحْجُبُهَا بِالْأَخَوَيْنِ فَقَالَ: إنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْأَخَوَيْنِ إخْوَةً (أَيْ مَجَازًا جَمْعًا) بَيْنَ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدٍ كَانَ دَلِيلًا لِمُطْلِقِيهِ عَلَيْهِمَا مَجَازًا ثُمَّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَتَسْلِيمُ عُثْمَانَ لِابْنِ عَبَّاسٍ تَمَسُّكَهُ ثُمَّ عُدُولُهُ) أَيْ عُثْمَانَ (إلَى الْإِجْمَاعِ دَلِيلٌ عَلَى الْأَمْرَيْنِ) أَيْ نَفْيِ كَوْنِهِ حَقِيقَةً وَكَوْنِهِ مَجَازًا فِيهِمَا لَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَمَّا عَدَلَ إلَى الِاحْتِجَاجِ بِمَا يُفِيدُ الْإِجْمَاعَ حَمَلُوا إخْوَةً فِي الْقُرْآنِ عَلَى أَخَوَيْنِ فَكَانَ مَجَازًا فِيهِ بِالضَّرُورَةِ لِثُبُوتِ نَفْيِ الْحَقِيقَةِ مَعَ وُجُودِ الِاسْتِعْمَالِ بَقِيَ كَوْنُهُ مَجَازًا فِي الْوَاحِدِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ الْإِنْكَارِ عَلَى مُتَبَرِّجَةٍ) أَيْ مُظْهِرَةٍ زِينَتَهَا (لِرَجُلٍ) أَجْنَبِيٍّ (أَتَتَبَرَّجِينَ لِلرِّجَالِ) فَإِنَّ الْأَنَفَةَ وَالْحَمِيَّةَ مِنْ ذَلِكَ يَسْتَوِي فِيهَا الْجَمْعُ وَالْوَاحِدُ لَكِنَّهُ كَمَا قَالَ:
(وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ) أَيْ لَفْظَ الرِّجَالِ هُنَا (مِنْ الْعَامِّ فِي الْخُصُوصِ لَا الْمُخْتَلِفِ مِنْ نَحْوِ رِجَالٍ الْمُنَكَّرِ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ هَذَا (لَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ كَوْنُ الْجَمْعِ (مَجَازًا فِيهِ) أَيْ فِي الْوَاحِدِ (لِجَوَازِ أَنَّ الْمَعْنَى هُوَ) أَيْ التَّبَرُّجُ (عَادَتُك لَهُمْ) أَيْ لِلرِّجَالِ (حَتَّى تَبَرَّجْتِ لِهَذَا وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى (مِمَّا يُرَادُ فِي مِثْلِهِ نَحْوُ) قَوْلِ الْقَائِلِ لِمَنْ هُوَ مَظِنَّةُ الظُّلْمِ (أَتَظْلِمُ الْمُسْلِمِينَ) عِنْدَ مُشَاهَدَةِ ظُلْمِهِ وَاحِدًا مِنْهُمْ (وَالْحَقُّ جَوَازُهُ) أَيْ إطْلَاقِ الْجَمْعِ مُرَادًا بِهِ الْوَاحِدُ (حَيْثُ يَثْبُتُ الْمُصَحِّحُ) لِجَوَازِهِ (كَ رَأَيْت رِجَالًا فِي رَجُلٍ يَقُومُ مَقَامَ الْكَثِيرِ) مِنْهُمْ قِيلَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ} [النمل: 35] فَإِنَّ الْمُرَادَ وَاحِدٌ وَهُوَ سُلَيْمَانُ عليه السلام وَقَوْلُهُ {بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 35] فَإِنَّ الرَّسُولَ وَاحِدٌ بِدَلِيلِ {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ} [النمل: 37](وَحَيْثُ لَا) يَثْبُتُ الْمُصَحِّحُ (فَلَا) يَجُوزُ (وَتَبَادُرُ مَا فَوْقَ الِاثْنَيْنِ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (يُفِيدُ الْحَقِيقَةَ فِيهِ) أَيْ فِيمَا فَوْقَهُمَا؛ لِأَنَّ التَّبَادُرَ دَلِيلُ الْحَقِيقَةِ (وَاسْتِدْلَالُ النَّافِينَ) لِصِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى الِاثْنَيْنِ مُطْلَقًا (بِعَدَمِ جَوَازِ: الرِّجَالُ الْعَاقِلَانِ وَالرَّجُلَانِ الْعَاقِلُونَ مَجَازًا) .
وَلَوْ صَحَّ لَجَازَ نَعْتُ أَحَدِهِمَا بِمَا يُنْعَتُ بِهِ الْآخَرُ (دُفِعَ بِمُرَاعَاتِهِمْ) أَيْ الْعَرَبِ (مُرَاعَاةَ الصُّورَةِ) أَيْ صُورَةِ اللَّفْظِ بِأَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا مُثَنًّى أَوْ جَمْعًا فَلَا يُنْعَتُ الْمُثَنَّى بِصُورَةِ الْجَمْعِ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَاهُ وَلَا الْعَكْسُ مُحَافَظَةً عَلَى التَّشَاكُلِ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ؛ لِأَنَّهُمَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ (وَنُقِضَ) هَذَا الدَّفْعُ (بِجَوَازِ) جَاءَ (زَيْدٌ وَعَمْرٌو الْفَاضِلَانِ وَفِي ثَلَاثَةٍ) أَيْ وَبِجَوَازِ جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَبَكْرٌ (الْفَاضِلُونَ) إذَا الْمَوْصُوفُ فِي الْكُلِّ مُفْرَدَاتٌ وَمَا ثَمَّ مُثَنًّى وَلَا مَجْمُوعٌ (وَدَفَعَهُ) أَيْ هَذَا الْبَعْضُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ (بِأَنَّ الْجَمْعَ بِحَرْفِ الْجَمْعِ) أَيْ بِوَاوِ الْعَطْفِ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ (كَالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ) فِي الْأَسْمَاءِ الْمُتَّفِقَةِ صُورَةً وَفِي الِاسْمَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ كَتَثْنِيَةِ الِاسْمَيْنِ الْمُتَّفِقَيْنِ صُورَةً فَيَكُونُ تَعَاطُفُ الْمُفْرَدَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْجَمْعِ وَفِي صُورَتِهِ وَتَعَاطُفُ الْمُفْرَدَيْنِ بِمَنْزِلَةِ التَّثْنِيَةِ، وَفِي صُورَتِهَا (لَيْسَ بِشَيْءٍ) دَافِعٍ لَهُ (إذْ لَا يُخْرِجُهُ) أَيْ كُلًّا مِنْ الْمِثَالَيْنِ الْمَنْقُوضِ بِهِمَا (إلَى مُطَابَقَةِ الصُّورَةِ) اللَّفْظِيَّةِ تَثْنِيَةً وَجَمْعًا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ إنْ كَانَتْ شَرْطًا.
(وَالْوَجْهُ اعْتِبَارُ الْمُطَابَقَةِ الْأَعَمِّ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَالْحُكْمِيَّةِ بِمَا قَدَّمْنَا) مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ يُفِيدُ نَفْيَ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ الْمُثَنَّى وَالْجَمْعِ مَعْنًى كَمَا هِيَ مَنْفِيَّةٌ بَيْنَهُمَا لَفْظًا وَحِينَئِذٍ جَازَ الْمِثَالَانِ الْأَخِيرَانِ لِوُجُودِ الْمُطَابَقَةِ الْحُكْمِيَّةِ بَيْنَ
الْمَوْصُوفِ وَالصِّفَةِ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَتْ الْمُطَابَقَةُ الْحَقِيقِيَّةُ مُنْتَفِيَةً بَيْنَهُمَا فِيهِمَا وَلَمْ يَجُزْ الْمِثَالَانِ الْأَوَّلَانِ لِانْتِفَاءِ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ فِيهِمَا حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَحُكْمًا؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ لَيْسَ فِي حُكْمِ رَجُلٍ وَرَجُلٍ لَا غَيْرُ وَلَا عَاقِلَيْنِ فِي حُكْمِ عَاقِلٍ وَعَاقِلٍ لَا غَيْرُ.
(وَلَا خِلَافَ فِي نَحْوِ) قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] أَيْ فِي التَّعْبِيرِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ عَمَّا يَنْفَرِدُ مِنْ الشَّيْئَيْنِ إذَا أُضِيفَ إلَيْهِمَا أَوْ إلَى ضَمِيرِهِمَا فِي اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ كَالْقَلْبِ وَالرَّأْسِ وَاللِّسَانِ (ونا) أَيْ وَلَا فِي الضَّمِيرِ الَّذِي يُعَبِّرُ بِهِ الْمُتَكَلِّمُ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا (وَجَمْعٍ) أَيْ وَلَا فِي لَفْظِ جَمْعٍ (أَنَّهُ) أَيْ هَذَا كُلَّهُ (لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ بَلْ جَوَازُ إطْلَاقِهِ عَلَى الِاثْنَيْنِ وِفَاقٌ فَالْأَوَّلُ قَالُوا حَذَرًا مِنْ اسْتِثْقَالِ جَمْعِ التَّثْنِيَتَيْنِ وَالثَّانِي لِلِاتِّفَاقِ عَلَى كَوْنِهِ مَوْضُوعًا لِتَعْبِيرِ الْمَرْءِ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمْعًا، وَالثَّالِثُ؛ لِأَنَّهُ ضَمُّ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ فِي الِاثْنَيْنِ كَمَا فِيمَا فَوْقَهُمَا (وَلَا) خِلَافَ أَيْضًا فِي أَنَّ (الْوَاوَ فِي ضَرَبُوا مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَالْأَوْلَى وَلَا فِي أَنَّ ضَمَائِرَ الْغَيْبَةِ وَالْخِطَابِ لِلْجَمَاعَةِ مِنْهُ كَمَا فِي الْبَدِيعِ فَيَشْمَلُ نَحْوَ قَامُوا وَقُمْنَ وَقُمْتُمْ وَقُمْتُنَّ هَذَا وَفِي التَّلْوِيحِ:
وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا فِي هَذَا الْمَقَامِ بَيْنَ جَمْعِ الْقِلَّةِ وَجَمْعِ الْكَثْرَةِ فَدَلَّ بِظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هِيَ فِي جَانِبِ الزِّيَادَةِ بِمَعْنَى أَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ مُخْتَصٌّ بِالْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا، وَجَمْعُ الْكَثْرَةِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ لَا أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِمَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ، وَهَذَا أَوْفَقُ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَإِنْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ كَثِيرٌ مِنْ الثِّقَاتِ اهـ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا كَمَا رَأَيْت وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَيَجْمَعُ جُمُوعَ الْقِلَّةِ قَوْلُ الشَّاعِرِ
بِأَفْعُلٍ ثُمَّ أَفْعَالٍ وَأَفْعِلَةٍ
…
وَفِعْلَةٍ يُعْرَفُ الْأَدْنَى مِنْ الْعَدَدِ
وَسَالِمُ الْجَمْعِ أَيْضًا دَاخِلٌ مَعَهَا
…
فَهَذِهِ الْخَمْسُ فَاحْفَظْهَا وَلَا تَزِدْ
(تَنْبِيهٌ لَمْ تَزِدْ الشَّافِعِيَّةُ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ عَلَى إثْبَاتِهَا، وَفَصَّلَهَا الْحَنَفِيَّةُ إلَى عَامٍّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ) بِأَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مَجْمُوعًا وَالْمَعْنَى مُسْتَوْعَبًا (وَهُوَ الْجَمْعُ الْمُحَلَّى لِلِاسْتِغْرَاقِ) يَعْنِي عِنْدَ شَارِطِيهِ فِي الْعُمُومِ، وَإِلَّا فَهُوَ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَشْرُطْهُ فِيهِ مِنْهُمْ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ حَتَّى قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ: اللَّامُ فِي قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ مِثْلُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ لِتَحْسِينِ الْكَلَامِ، وَمُرَادُهُ الْجُمُوعُ الْمُنَكَّرَةُ (وَ) إلَى عَامٍّ (بِمَعْنَاهُ) فَقَطْ بِأَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُفْرَدًا مُسْتَوْعِبًا لِكُلِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ (وَهُوَ الْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى كَالرَّجُلِ وَالنَّكِرَةِ فِي النَّفْيِ وَالنِّسَاءِ وَالْقَوْمِ وَالرَّهْطِ وَمَنْ وَمَا وَأَيْ مُضَافَةً وَكُلٌّ وَجَمِيعٌ) وَقَدْ قُسِّمَ هَذَا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ مَا يَتَنَاوَلُ مَجْمُوعَ الْأَفْرَادِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِمَجْمُوعِهَا لَا بِكُلِّ فَرْدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ وَحَيْثُ يَثْبُتُ لِلْوَاحِدِ فَلِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْمَجْمُوعِ كَالرَّهْطِ اسْمٌ لِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ مِنْ الرِّجَالِ وَالْقَوْمِ لِجَمَاعَةِ الرِّجَالِ فَاللَّفْظُ فِيهِمَا مُفْرَدٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُثَنَّى وَيُجْمَعُ وَيُوَحَّدُ الضَّمِيرُ الْعَائِدُ إلَيْهِ وَهُوَ مُتَنَاوِلٌ لِجَمِيعِ آحَادِهِ لَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَاحِدٌ حَتَّى لَوْ قَالَ الرَّهْطُ أَوْ الْقَوْمُ الَّذِي يَدْخُلُ الْحِصْنَ فَلَهُ كَذَا فَدَخَلَهُ جَمَاعَةٌ كَانَ النَّفَلُ لِمَجْمُوعِهِمْ وَلَوْ دَخَلَهُ وَاحِدٌ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا (تَنْبِيهٌ) وَالْمُصَنِّفُ فِي ذِكْرِهِ النِّسَاءَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مُوَافِقٌ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَعَدَّهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي آخَرَيْنِ مِنْ الْأَوَّلِ، وَكَأَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ أَوْ جَمْعٌ فَمَنْ قَالَ: اسْمُ جَمْعٍ عَدَّهُ مِنْ الثَّانِي، وَمَنْ قَالَ: جَمْعٌ عَدَّهُ مِنْ الْأَوَّلِ، وَالْكَثِيرُ عَلَى أَنَّهُ جَمْعٌ، وَفِي ذِكْرِهِ الْقَوْمَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مُوَافِقٌ لِجَمِيعِهِمْ ثُمَّ فِي التَّلْوِيحِ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقَوْمَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ قَامَ فَوُصِفَ بِهِ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الرِّجَالِ لِقِيَامِهِمْ
بِأُمُورِ النِّسَاءِ ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا تَأْوِيلَ مَا يُقَالُ: إنَّ قَوْمًا جَمْعُ قَائِمٍ كَصُوَّمٍ جَمْعُ صَائِمٍ وَإِلَّا فَفَعْلٌ لَيْسَ مِنْ أَبْنِيَةِ الْجَمْعِ
قُلْت: لَكِنْ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ يَنْبُو عَنْهُ مَا فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ جَمْعُ قَائِمٍ كَصُوَّمٍ وَزُوَّرٍ فِي جَمْعِ صَائِمٍ وَزَائِرٍ، أَوْ تَسْمِيَةٌ بِالْمَصْدَرِ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ إذَا أَكَلْت طَعَامًا أَحْبَبْت نَوْمًا وَأَبْغَضْت قَوْمًا أَيْ قِيَامًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
الثَّانِي مَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى سَبِيلِ الشُّمُولِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مُجْتَمِعًا مَعَ غَيْرِهِ أَوْ مُنْفَرِدًا عَنْهُ مِثْلُ مَنْ دَخَلَ هَذَا الْحِصْنَ فَلَهُ دِرْهَمٌ فَلَوْ دَخَلَهُ وَاحِدٌ اسْتَحَقَّ دِرْهَمًا وَلَوْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبِينَ اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ دِرْهَمًا
الثَّالِثُ مَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِكُلٍّ بِشَرْطِ الِانْفِرَادِ وَعَدَمِ التَّعَلُّقِ بِوَاحِدٍ آخَرَ مِثْلُ مَنْ دَخَلَ هَذَا الْحِصْنَ أَوَّلًا فَلَهُ دِرْهَمٌ فَمَنْ دَخَلَهُ أَوَّلًا مُنْفَرِدًا اسْتَحَقَّ الدِّرْهَمَ، وَلَوْ دَخَلُوهُ مَعًا لَمْ يَسْتَحِقُّوا شَيْئًا وَمُتَعَاقِبِينَ اسْتَحَقَّ الْوَاحِدُ السَّابِقُ لَا غَيْرُ (فَانْقَسَمَ الْعُمُومُ) بِوَاسِطَةِ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي صِيَغِهِ (إلَى صِيَغِيٍّ وَمَعْنَوِيٍّ) وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْعَامُّ عَامًّا بِصِيغَتِهِ فَقَطْ؛ إذْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِيعَابِ الْمَعْنَى، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَلَا عَلَيْنَا أَنْ نُشْبِعَ الْكَلَامَ مُفَصَّلًا فِيمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهُ فَنَقُولُ (أَمَّا الْجَمْعُ الْمُحَلَّى فَاسْتِغْرَاقُهُ كَالْمُفْرَدِ لِكُلِّ فَرْدٍ لِمَا تَقَدَّمَ) فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ فِي تَعْرِيفِ الْعَامِّ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ وَالْعَرَبِيَّةِ، وَصَرَّحَ بِهِ أَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ فِي كُلِّ مَا وَقَعَ فِي التَّنْزِيلِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ (وَمَا قِيلَ) كَمَا فِي الْمِفْتَاحِ وَتَلْخِيصِهِ وَغَيْرِهِمَا (اسْتِغْرَاقُ الْمُفْرَدِ أَشْمَلُ) مِنْ اسْتِغْرَاقِ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ، وَاسْتِغْرَاقُ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ جَمَاعَةٍ جَمَاعَةٍ، وَلَا يُنَافِي خُرُوجَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ.
(فَفِي النَّفْيِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَا يَسْلُبُهُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ إلَى الْجِنْسِيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ فَإِنَّمَا يَتَسَلَّطُ النَّفْيُ عَلَى الْجَمْعِ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْوَاحِدِ بِخِلَافِ الْمُفْرَدِ فِي النَّفْيِ (أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ بِلَا وَاسِطَةٍ الْجَمْعُ) يَعْنِي إذَا لَمْ يُقَيَّدْ بِالنَّفْيِ فَأَشْمَلِيَّتُهُ بِسَبَبِ أَنَّ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِالْوَاحِدِ فِي الْمُفْرَدِ ابْتِدَاءٌ، وَفِي الْجَمْعِ بِوَاسِطَةٍ تُعَلِّقُهُ بِالْجَمْعِ فَتُعَلَّقُ بِآحَادِهِ بِحُكْمِ اللُّغَةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِكَوْنِ اسْتِغْرَاقِهِ أَشْمَلَ أَحَدَ هَذَيْنِ (فَمَمْنُوعٌ) كَوْنُهُ كَذَلِكَ ثُمَّ تَعَقَّبَهُمَا بِقَوْلِهِ (وَمَا تَقَدَّمَ) فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ عَلَى تَعْرِيفِ الْعَامِّ (يَنْفِي كَوْنَهُ) أَيْ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْمُفْرَدِ فِي الْجَمْعِ (بِوَاسِطَةِ الْجَمْعِ وَأَشْمَلِيَّتِهِ) أَيْ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنْ لَا رِجَالَ كَ لَا رَجُلٌ مِنْ حَيْثُ جَوَازُ التَّخْصِيصِ فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لَا رَجُلٌ بَلْ رَجُلَانِ كَمَا يَصِحُّ لَا رِجَالَ بَلْ رَجُلَانِ يَنْفِي كَوْنَ اسْتِغْرَاقِ الْمُفْرَدِ (فِي النَّفْيِ) أَشْمَلَ مِنْ اسْتِغْرَاقِ الْجَمْعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا كَانَ مُخَيَّلًا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ التَّخْصِيصِ فِي لَا رِجَالَ لَا فِي لَا رَجُلٌ.
وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُمَا فِيهِ مُتَسَاوِيَا الْأَقْدَامِ (وَلِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى: الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ وَاللُّغَةُ عَلَى صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ) مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْمُفْرَدِ مِنْ الْجَمْعِ وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَجْعُولَةَ دَلِيلًا عَلَى اسْتِغْرَاقِ الْجَمْعِ الْمُحَلَّى كَالْمُفْرَدِ يُرَادُ بِهَا اسْتِثْنَاءُ الْمُفْرَدِ (وَعَنْهُ) أَيْ كَوْنِ اسْتِغْرَاقِ الْجَمْعِ الْمُحَلَّى لِكُلِّ فَرْدٍ كَالْمُفْرَدِ (قَالُوا) أَيْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ قَوْله تَعَالَى {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] سَلْبُ الْعُمُومِ) أَيْ نَفْيُ الشُّمُولِ وَرَفْعُ الْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ وَهُوَ تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ؛ لِأَنَّهُ نَقِيضُ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ (لَا عُمُومُ السَّلْبِ) أَيْ شُمُولُ النَّفْيِ لِكُلِّ بَصَرٍ لِيَكُونَ سَلْبًا كُلِّيًّا، وَهُوَ لَا يُدْرِكُهُ بَصَرٌ مِنْ الْأَبْصَارِ ثُمَّ فَسَّرَ شُمُولَ النَّفْيِ أَيْضًا إيضَاحًا فَقَالَ (أَيْ لَا يُدْرِكُهُ كُلُّ بَصَرٍ) كَمَا هُوَ مَعْنَى الِاسْتِغْرَاقِ (وَهُوَ) أَيْ سَلْبُ الْعُمُومِ سَلْبٌ (جُزْئِيٌّ) لِأَنَّ نَقِيضَ الْمُوجِبَةِ الْكُلِّيَّةِ السَّالِبَةُ الْجُزْئِيَّةُ.
(فَجَازَ لِبَعْضِهَا) أَيْ الْأَبْصَارِ إدْرَاكُهُ لَكِنْ نُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ الْآيَةَ وَمَا قَبْلَهَا فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ
{وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103] فَيَكُونُ نَفْيُ إدْرَاكِ الْبَصَرِ مَدْحًا فَيَكُونُ إدْرَاكُهُ نَقْصًا وَعَدَمُ إدْرَاكِ الْبَعْضِ لَا يُزِيلُ النَّقْصَ فَيَكُونُ عُمُومُ السَّلْبِ وَصِدْقُ السَّالِبَةِ الْجُزْئِيَّةِ لَا يُنَافِي صِدْقَ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ أَخَصَّ مِنْ السَّالِبَةِ الْجُزْئِيَّةِ إذْ قَدْ يَصْدُقُ الْأَخَصُّ مَعَ الْأَعَمِّ (نَعَمْ إذَا اُعْتُبِرَ الْجَمْعُ لِلْجِنْسِ) فِي النَّفْيِ وَالْجِنْسُ فِي النَّفْيِ يَعُمُّ (كَانَ) الْمَعْنَى (عُمُومَ السَّلْبِ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32] فَإِنَّ التَّعْرِيفَ فِيهِ لِلْجِنْسِ فَيُفِيدُ سَلْبَ الْحُكْمِ عَنْ كُلِّ فَرْدٍ فَهُوَ - تَعَالَى - لَا يُحِبُّ كُلَّ كَافِرٍ (وَلَوْ اُعْتُبِرَ مِثْلُهُ) أَيْ كَوْنُ الْجَمْعِ لِلْجِنْسِ (فِي الْآيَةِ) عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ فِي إثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ (اُدُّعِيَ أَنَّ الْإِدْرَاكَ أَخَصُّ مِنْ الرُّؤْيَةِ) الْمُطْلَقَةِ بِأَنْ يُقَالَ: الْإِدْرَاكُ الرُّؤْيَةُ الْمُكَيَّفَةُ بِكَيْفِيَّةِ الْإِحَاطَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهَا عَنْهُ - تَعَالَى - لِامْتِنَاعِ الْإِحَاطَةِ بِهِ نَفْيُ الرُّؤْيَةِ الْمُطْلَقَةِ عَنْهُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْأَخَصِّ نَفْيُ الْأَعَمِّ وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ الرُّؤْيَةَ إدْرَاكُ عَيْنِ الْمَرْئِيِّ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ.
فَلَوْ كَانَ الْإِدْرَاكُ إحَاطَةً كَانَ الرُّؤْيَةُ كَذَلِكَ فَلَا يُفِيدُ وَبِالْجُمْلَةِ فِي الْآيَةِ نِزَاعٌ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالِاعْتِزَالِ ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الرُّؤْيَةِ فَلَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى امْتِنَاعِهَا كَمَا يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ
ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ اللَّامُ الْمُعَرَّفَةُ مِنْ الْمَعَانِي الْمَنْسُوبَةِ إلَيْهَا مِنْ عَهْدٍ وَجِنْسٍ وَاسْتِغْرَاقٍ فِي الْجَمْعِ الْمُحَلَّى فَقَالَ: (وَالتَّعْيِينُ) أَيْ وَتَعْيِينُ كَوْنِهَا فِي الْجَمْعِ الْمُحَلَّى لِلِاسْتِغْرَاقِ أَوْ لِلْجِنْسِ (بِمُعَيِّنٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) مُعَيِّنٌ لِأَحَدِهِمَا (وَلَا عَهْدٌ خَارِجِيٌّ وَأَمْكَنَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الِاسْتِغْرَاقِ أَوْ الْجِنْسِ دُونَ الْآخَرِ (تَعَيَّنَ) الْمُمْكِنُ مِنْهُمَا غَيْرَ أَنَّ فِي شَرْحِ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ الدَّرَاهِمِ وَلَا شَيْءَ بِيَدِهَا مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْجِنْسِ إلَّا عِنْدَ إمْكَانِ الِاسْتِغْرَاقِ لَا عِنْدَ عَدَمِهِ وَلِذَا تَكُونُ لِلْجِنْسِ فِي لَا أَشْتَرِي الْعَبِيدَ لِإِمْكَانِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي النَّفْيِ دُونَ لَأَشْتَرِيَنَّ الْعَبِيدَ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ فَيَحْنَثُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ وَاحِدٍ بِالْأَوَّلِ وَلَا يَبَرُّ بِشِرَاءِ عَبْدٍ فِي الثَّانِي بَلْ بِشِرَاءِ ثَلَاثَةٍ اهـ.
فَعَلَى هَذَا لَا يَتَأَتَّى أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ، وَلَا تَكُونُ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وَأَمْكَنَ الِاسْتِغْرَاقُ خَاصَّةً لِأَنَّ الظَّاهِرَ جَوَازُ انْفِرَادِهِ لَكِنَّ هَذَا إنْ تَمَّ، وَفِي تَمَامِهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْجَوَابِ عَمَّا قِيلَ مِنْ تَأْوِيلَاتٍ بَعِيدَةٍ لِلْحَنَفِيَّةِ بِتَعَذُّرِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي إنَّمَا الصَّدَقَاتُ وَسَيُصَرِّحُ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ فِيهَا لِلْجِنْسِ، وَعَلَى هَذَا فَيَبَرُّ بِشِرَاءِ عَبْدٍ وَاحِدٍ فِي مَسْأَلَةِ لَأَشْتَرِيَنَّ الْعَبِيدَ ثُمَّ يَكُونُ شَرْحُ مَا فِي الْكِتَابِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا (وَإِنْ أَمْكَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْجِنْسِ وَالِاسْتِغْرَاقِ (قِيلَ) وَقَائِلُهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ تَعَيَّنَ (الْجِنْسُ لِلتَّيَقُّنِ وَقِيلَ)، وَقَائِلُهُ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا وَغَيْرُهُمْ: تَعَيَّنَ (الِاسْتِغْرَاقُ لِلْأَكْثَرِيَّةِ) أَيْ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا (خُصُوصًا فِي اسْتِعْمَالِ الشَّارِعِ) وَأَعَمُّ فَائِدَةً وَأَحْوَطُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالتَّحْرِيمُ وَالنَّدْبُ وَالْكَرَاهَةُ وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ أَحْوَطَ فِي الْإِبَاحَةِ (وَقُرِّرَ) وَالْمُقَرِّرُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ (أَنَّ الْجَمْعَ الْمُحَلَّى لِلْمَعْهُودِ وَالِاسْتِغْرَاقِ حَقِيقَةٌ، وَلِلْجِنْسِ مَجَازٌ وَأَنَّهُ) أَيْ الْجِنْسَ (خَلَفٌ) عَنْهُمَا (لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِتَعَذُّرِهِمَا) كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمَجَازِ مَعَ الْحَقِيقَةِ وَالْخَلَفِ مَعَ الْأَصْلِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِأَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِتَعَذُّرِهِمَا (لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ أَوْ الشُّهُورَ يَقَعُ عَلَى الْعَشَرَةِ) مِنْ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ (عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (وَعَلَى الْأُسْبُوعِ) فِي الْأَيَّامِ (وَالسَّنَةِ) فِي الشُّهُورِ (عِنْدَهُمَا) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (لِإِمْكَانِ الْعَهْدِ) فِي الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ (غَيْرَ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْمَعْهُودِ) فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَعَشَرَةُ شُهُورٍ وَقَالَا: الْأُسْبُوعُ فِي الْأَيَّامِ، وَالسَّنَةُ فِي الشُّهُورِ
وَالتَّوْجِيهُ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ
حَيْثُ حَطَّ كَلَامُ شَيْخِنَا الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى تَرْجِيحِ قَوْلِهِمَا فَلَا بَأْسَ بِذِكْرِهِ لِإِفَادَتِهِ مَعَ الْإِشَارَةِ إلَى التَّوْجِيهِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فِي ضِمْنِهِ قَالَ: نَعَمْ لِقَائِلٍ أَنْ يُرَجِّحَ قَوْلَهُمَا فِي الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ بِأَنَّ عَهْدَهُمَا أَعْهَدُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عَهْدِيَّةَ الْعَشَرَةِ إنَّمَا هُوَ لِلْجَمْعِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مَادَّةٍ خَاصَّةٍ يَعْنِي: الْجَمْعُ مُطْلَقًا عَهْدٌ لِلْعَشَرَةِ فَإِذَا عَرَضَ فِي خُصُوصِ مَادَّةٍ مِنْ الْجَمْعِ كَالْأَيَّامِ عَهْدِيَّةُ عَدَدٍ غَيْرِهِ كَانَ اعْتِبَارُ هَذَا الْمَعْهُودِ أَوْلَى، وَقَدْ عُهِدَ فِي الْأَيَّامِ السَّبْعَةُ، وَفِي الشُّهُورِ الِاثْنَا عَشَرَ فَيَكُونُ صَرْفُ خُصُوصِ هَذَيْنِ الْجَمْعَيْنِ إلَيْهِمَا أَوْلَى بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْجُمُوعِ كَالسِّنِينَ وَالْأَزْمِنَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ فِي مَادَّتَيْهِمَا عَدَدٌ آخَرُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا اسْتَقَرَّ لِلْجَمْعِ مُطْلَقًا مِنْ إرَادَةِ الْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ مُغَالَطَةٌ فَإِنَّ السَّبْعَةَ الْمَعْهُودَةَ نَفْسُ الْأَزْمِنَةِ الْخَاصَّةِ الْمُسَمَّاةِ بِيَوْمِ السَّبْتِ وَيَوْمِ الْأَحَدِ إلَى آخِرِهِ.
وَالْكَلَامُ فِي لَفْظِ أَيَّامٍ إذَا أُطْلِقَ هَلْ عُهِدَ مِنْهُ تِلْكَ الْأَزْمِنَةُ الْخَاصَّةُ لِلسَّبْعَةِ لَا شَكَّ فِي عَدَمِ ثُبُوتِهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ إذْ لَمْ يَثْبُتْ كَثْرَةُ إطْلَاقِ أَيَّامٍ وَشُهُورٍ، وَيُرَادُ يَوْمُ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ إلَى الْجُمُعَةِ وَالْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ إلَى آخِرِهَا عَلَى الْخُصُوصِ بَلْ الْأَزْمِنَةُ الْخَاصَّةُ الْمُسَمَّيَاتُ مُتَكَرِّرَةً وَغَيْرَ مُتَكَرِّرَةٍ وَغَيْرَ بَالِغَةٍ السَّبْعَةَ بِحَسَبِ الْمُرَادَاتِ لِلْمُتَكَلِّمِينَ فَالْجَوَابُ مَنْعُ تَوَقُّفِ انْصِرَافِ اللَّامِ إلَى الْعَهْدِ عَلَى تَقَدُّمِ الْعَهْدِ عَنْ لَفْظِ النَّكِرَةِ بَلْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ الْعَهْدِ بِالْمَعْنَى عَنْ اللَّفْظِ أَوْ لَا عَنْهُ فَإِنَّهُ إذَا صَارَ الْمَعْنَى مَعْهُودًا بِأَيِّ طَرِيقٍ فُرِضَ ثُمَّ أُطْلِقَ اللَّفْظُ الصَّالِحُ لَهُ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ انْصَرَفَ إلَيْهِ وَقَدْ قَسَّمَ الْمُحَقِّقُونَ الْعَهْدَ إلَى ذِكْرِيٍّ وَعِلْمِيٍّ، وَمُثِّلَ لِلثَّانِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40] فَإِنَّ ذَاتَ الْغَارِ هِيَ الْمَعْهُودُ لَا مِنْ لَفْظٍ سَبَقَ ذِكْرُهُ بَلْ مِنْ وُجُودٍ فِيهِ وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ جَعْلُ مَا سَمَّاهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ أَعَمَّ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَوْ عُهِدَ بِغَيْرِهِ كَمَا ذَكَرْنَا.
وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُنَا: الْعَامُّ يُخَصُّ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ فَإِنَّ الْعَادَةَ لَيْسَتْ إلَّا عَمَلًا عَهْدًا مُسْتَمِرًّا ثُمَّ يُطْلَقُ اللَّفْظُ الَّذِي يَعُمُّهَا وَغَيْرَهَا فَيُقَيَّدُ بِهَا لِعَهْدِيَّتِهَا عَمَلًا لَا لَفْظًا وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ (وَخَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ الدَّرَاهِمِ) فَخَالَعَهَا عَلَى ذَلِكَ (وَلَا شَيْءَ) بِيَدِهَا (لَزِمَهَا ثَلَاثَةٌ) مِنْ الدَّرَاهِمِ لِإِمْكَانِ الْعَهْدِ فِي الدَّرَاهِمِ فَإِنَّ عَلَى مَا فِي يَدِي أَفَادَ كَوْنَ الْمُسَمَّى مَظْرُوفَ يَدِهَا، وَهُوَ عَامٌّ يَصْدُقُ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَغَيْرِهَا فَصَارَ بِالدَّرَاهِمِ عَهْدٌ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مِنْ مَا صَدَقَاتِ لَفْظِ مَا وَهُوَ مُبْهَمٌ، وَلَفْظَةُ مِنْ وَقَعَتْ بَيَانًا وَمَدْخُولُهَا، وَهُوَ الدَّرَاهِمُ هُوَ الْمُبَيِّنُ لِخُصُوصِ الْمَظْرُوفِ فَصَارَ كَلَفْظِ الذَّكَرِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران: 36] لِلْعَهْدِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ فِي قَوْلِهِ {مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} [آل عمران: 35] وَإِنْ كَانَ يُخَالِفُهُ فِي كَوْنِ مَدْخُولِ اللَّامِ هُنَا وَقَعَ بَيَانًا لِلْمَعْهُودِ بِخِلَافِهِ فِي {وَلَيْسَ الذَّكَرُ} [آل عمران: 36] لِأَنَّ الْمُرَادَ بِلَفْظِ مَا فِيهِ مُتَعَيَّنٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ لِلْبَيْعَةِ إنَّمَا هُوَ الذَّكَرُ ثُمَّ هُوَ جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَيَلْزَمُ أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(وَلَا شَكَّ أَنَّ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ الَّذِي اُسْتُدِلَّ عَلَى ثُبُوتِهِ) وَالْمُسْتَدِلُّ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ (بِإِطْبَاقِ الْعَرَبِ عَلَى يَلْبَسُ الْبُرُودَ وَيَرْكَبُ الْخَيْلَ وَيَخْدُمُهُ الْعَبِيدُ) لِلْقَطْعِ بِأَنْ لَيْسَ الْقَصْدُ إلَى خُصُوصٍ مِنْهَا، وَلَا اسْتِغْرَاقٍ لَهَا (هُوَ الْمُرَادُ بِالْمَعْهُودِ الذِّهْنِيِّ؛ إذْ هُوَ) أَيْ الْمَعْهُودُ الذِّهْنِيُّ (الْإِشَارَةُ إلَى الْحَقِيقَةِ بِاعْتِبَارِهَا) أَيْ الْحَقِيقَةِ (بَعْضَ الْأَفْرَادِ) حَالَ كَوْنِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ (غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لِلْعَهْدِيَّةِ الذِّهْنِيَّةِ لِجِنْسِهَا) أَيْ لِعَهْدِ جِنْسِ حَقِيقَةِ الْأَفْرَادِ فِي الذِّهْنِ (وَيَصْدُقُ) الْجِنْسُ (عَلَى الرِّجَالِ مُرَادًا بِهِ عَدَدٌ) أَيْ بَعْضُ الْأَفْرَادِ، فَإِذَا الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا لِلْجِنْسِ وَالْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ وَاحِدٌ (وَالتَّعْبِيرُ بِالْحِصَّةِ) مِنْ الْحَقِيقَةِ عَنْ الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَتِهِمْ (غَيْرُ جَيِّدٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ إيهَامِ تَجَزُّئِهَا، وَهِيَ غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ
وَإِنَّمَا لَهَا مَظَاهِرُ مُتَعَدِّدَةٌ تُوجَدُ فِي كُلٍّ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فَانْدَفَعَ إثْبَاتُ التَّغَايُرِ بَيْنَ تَعْرِيفَيْ الْحَقِيقَةِ وَالْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ بِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ الْحُضُورُ تَعْرِيفُ الْحَقِيقَةِ وَإِلَى الْحِصَّةِ مِنْهَا تَعْرِيفُ الْعَهْدِ، وَالْمُرَادُ بِالْحِصَّةِ الْفَرْدُ مِنْهَا وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ لَا مُجَرَّدُ مَا يَكُونُ أَخَصَّ مِنْهَا، وَلَوْ بِاعْتِبَارِ وَصْفٍ اعْتِبَارِيٍّ حَتَّى يُقَالَ: الْحَقِيقَةُ مَعَ قَيْدِ الْحُضُورِ حِصَّةٌ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَيَكُونُ مَعْهُودًا فَلَا يَحْصُلُ الِامْتِيَازُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا يَنْدَفِعُ التَّغَايُرُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ أَنَّ مَعْنَى تَعْرِيفِ الْعَهْدِ الْقَصْدُ وَالْإِشَارَةُ إلَى الْحَاضِرِ فِي الذِّهْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَاضِرٌ حُضُورًا حَقِيقِيًّا بِأَنْ يَكُونَ مَذْكُورًا بِاسْمِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ كَ انْطَلَقَ رَجُلٌ فَالرَّجُلُ أَوْ الْمُنْطَلِقُ كَذَا أَوْ فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ بِلَا تَجَوُّزٍ وَاعْتِبَارٍ خِطَابِيٍّ كَ أَغْلِقْ الْبَابَ لِمَنْ دَخَلَ الْبَيْتَ، وَادْخُلْ السُّوقَ لِمَنْ دَخَلَ الْبَلَدَ لِسُوقٍ مُعَيَّنٍ عَهِدْته أَوْ تَقْدِيرِيًّا بِأَنْ يُنَزَّلَ مَنْزِلَةَ الْحَاضِرِ الْمَعْهُودِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْخِطَابِيَّاتِ كَكَوْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ كَجَوْهَرِيِّ الثَّمَنِ وَالْمَأْكُولَاتِ الْمُعْتَادَةِ الْغَالِبَةِ أَوْ مَحْبُوبًا أَوْ بَدِيعًا أَوْ فَظِيعًا فَيُهْتَمُّ بِشَأْنِهِ فَيُجْعَلُ كَالْحَاضِرِ.
وَإِلَى هَذَا الْقِسْمِ يَرْجِعُ تَعْرِيفُ الْحَقِيقَةِ، وَأَمَّا أَنَّ ذَلِكَ الْحَاضِرَ هُوَ الْحَقِيقَةُ أَوْ حِصَّةٌ مِنْهَا فَأَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَةِ تَعْرِيفِ الْعَهْدِ بَلْ هُوَ اخْتِلَافٌ رَاجِعٌ إلَى مَعْرُوضِ التَّعْرِيفِ، وَهُوَ الْحَاضِرُ لَا إلَى مَعْنَى التَّعْرِيفِ، وَهُوَ الْإِشَارَةُ إلَى الْحُضُورِ فَلَوْ اُعْتُبِرَ خُصُوصِيَّةُ الْحَاضِرِ وَسُمِّيَ الْإِشَارَةُ إلَى حُضُورِ الْحَقِيقَةِ تَعْرِيفَ الْحَقِيقَةِ، وَإِلَى حُضُورِ الْحِصَّةِ تَعْرِيفَ الْعَهْدِ كَانَ ذَلِكَ امْتِيَازًا بِمُجَرَّدِ اصْطِلَاحٍ، وَالْكَلَامُ فِي تَحْقِيقِ مَاهِيَّةِ تَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ وَامْتِيَازِهَا فِي نَفْسِهَا عَنْ تَعْرِيفِ الْعَهْدِ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَعَنْهُ) أَيْ كَوْنِهَا لِلْجِنْسِ (لِتَعَيُّنِهِ وَجَبَ مِنْ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] جَوَازُ الصَّرْفِ لِوَاحِدٍ وَتَنَصُّفُ الْمُوصَى بِهِ لِزَيْدٍ وَلِلْفُقَرَاءِ) فَنِصْفٌ لَهُ وَنِصْفٌ لَهُمْ (وَأُجْمِعَ عَلَى الْحِنْثِ بِفَرْدٍ فِي الْحَلِفِ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَلَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ) لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ حَقِيقَةٌ فِي الْوَاحِدِ بِمَنْزِلَةِ الثَّلَاثَةِ فِي الْجَمْعِ حَتَّى إنَّهُ حِينَ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الرِّجَالِ غَيْرُ آدَمَ عليه السلام كَانَتْ حَقِيقَةُ الْجِنْسِ مُتَحَقِّقَةً فَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِكَثْرَةِ أَفْرَادِهِ، وَالْوَاحِدُ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ فَيُعْمَلُ بِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِ الِاسْتِغْرَاقِ (إلَّا بِنِيَّةِ الْعُمُومِ فَلَا يَحْنَثُ أَبَدًا قَضَاءً) وَدِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ تَزَوُّجِ جَمِيعِ النِّسَاءِ وَعَدَمَ شِرَاءِ جَمِيعِ الْعَبِيدِ مُتَصَوَّرٌ.
(وَقِيلَ) لَا يَحْنَثُ (دِيَانَةً) وَيَحْنَثُ قَضَاءً (لِأَنَّهُ) أَيْ الْعُمُومَ وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فَهُوَ (كَالْمَجَازِ لَا يُنَالُ إلَّا بِالنِّيَّةِ) فَصَارَ كَأَنَّهُ نَوَى الْمَجَازَ وَمِنْ ثَمَّةَ لَوْ نَوَى التَّخْصِيصَ لَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ بَلْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فِيمَا لَهُ لَا فِيمَا عَلَيْهِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ إجْمَاعُ مَشَايِخِنَا فَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِتَزَوُّجِ ثَلَاثِ نِسْوَةٍ وَشِرَاءِ ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ (وَمِنْهُ) أَيْ كَوْنِهَا لِلْجِنْسِ الَّذِي هُوَ الْعَهْدُ الذِّهْنِيُّ كَمَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ (لَا مِنْ الْمَاهِيَّةِ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: (شَرِبْت الْمَاءَ وَأَكَلْت الْخُبْزَ وَالْعَسَلَ) وَهُوَ الْمِقْدَارُ الْمَعْلُومُ الْمُقَدَّرُ فِي الذِّهْنِ شُرْبُهُ وَأَكْلُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَعْيَانِ (كَ اُدْخُلْ السُّوقَ) لِجُزْئِيٍّ مُحْضَرٍ فِي الذِّهْنِ بِاعْتِبَارِ حُضُورِهِ فِيهِ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ السُّوقُ كَمَا يُطْلَقُ الْكُلِّيُّ الطَّبِيعِيُّ عَلَى كُلٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ لَا بِاعْتِبَارِ عَهْدٍ بِهِ فِي الْخَارِجِ، وَنُقِلَ فِي التَّلْوِيحِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ فِي هَذَا لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ لِكَوْنِهِ إشَارَةً إلَى مُعَيَّنٍ وَلَا مُنَافَاةَ فِي الْمَعْنَى ثُمَّ لَمَّا كَانَ هَذَا الْبَحْثُ الْمُتَقَدِّمُ فِي أَحْكَامِ اللَّامِ مُمْتَزِجًا مِمَّا فِي التَّوْضِيحِ وَالتَّلْوِيحِ.
وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ اعْتِقَادُ ضَعْفِ بَعْضِهِ وَأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَنْقِيحٍ وَتَحْقِيقٍ اسْتَأْنَفَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ لِإِفَادَةِ هَذَا الْغَرَضِ وَبَيَانِ مَا عِنْدَهُ فِيهِ
فَقَالَ: (وَهَذَا اسْتِئْنَافٌ اللَّامُ لِلتَّعْرِيفِ وَالْإِشَارَةِ إلَى الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ) حَالَ كَوْنِ الْمُرَادِ (مُسَمًّى) حَقِيقِيًّا لَهُ (أَوْ لَا) بِأَنْ يَكُونَ مَعْنًى مَجَازِيًّا لَهُ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِمِثَالِهِ فَقَالَ: (فَالْمُعَرَّفُ فِي) مِثْلِ رَأَيْتُ رَجُلًا يَجُرُّ ثِيَابَهُ (فَأَكْرَمْتُ الْأَسَدَ الرَّجُلَ) لِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِالْأَسَدِ (وَإِنَّمَا تَدْخُلُ) اللَّامُ التَّعْرِيفِيَّةُ الِاسْمَ (النَّكِرَةَ) لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْمَعْرِفَةِ مُحَالٌ ضَرُورَةَ اسْتِحَالَةِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ (وَمُسَمَّاهَا) أَيْ النَّكِرَةِ حَالَ كَوْنِهَا (بِلَا شَرْطِ) كَوُقُوعِهَا فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَنَحْوِهِ (فَرْدٍ) مِمَّا تُطْلَقُ عَلَيْهِ (بِلَا زِيَادَةٍ) لِاشْتِرَاطِ كَوْنِهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (فَعَدَمُ التَّعْيِينِ) لِمُسَمَّاهَا (لَيْسَ جُزْءًا لِمَعْنَاهَا، وَلَا شَرْطًا) لِاسْتِعْمَالِهَا فِي مِثْلِ الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ (فَاسْتُعْمِلَتْ) النَّكِرَةُ (فِي الْمُعَيَّنِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ لَا السَّامِعِ حَقِيقَةً) أَيْ اسْتِعْمَالًا حَقِيقِيًّا (لِصِدْقِ الْمُفْرَدِ) عَلَيْهِ كَمَا عَلَى الشَّائِعِ (فَإِنْ نُسِبَتْ إلَيْهِ) أَيْ إلَى مُسَمَّاهَا (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهَا فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَ جَاءَ رَجُلٌ ثُمَّ قُلْت: فَأَكْرَمْت الرَّجُلَ (عَرَّفَتْ) اللَّامَ (مَعْهُودًا يُقَالُ ذِكْرِيًّا) لِتَقْدِيمِ ذِكْرِهِ (وَخَارِجِيًّا) أَيْضًا (أَيْ مَا عُهِدَ مِنْ) اللَّفْظِ (السَّابِقِ) .
قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُمَا اصْطِلَاحَانِ أَشْهَرُهُمَا عِنْدَ الْعَجَمِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ الثَّانِي، وَعِنْدَ آخَرِينَ مِنْ أَبْنَاءِ الْعَرَبِ الْأَوَّلُ (وَلَوْ) عَرَّفَتْ اسْمًا (غَيْرَ مَذْكُورٍ خُصَّ بِالْخَارِجِيِّ {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40] وَتَقَدَّمَ فِيمَا نَقَلْنَاهُ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ مُثِّلَ بِهِ لِلْعِلْمِيِّ وَمِمَّنْ مَثَّلَ بِهِ لَهُ ابْنُ هِشَامٍ الْمِصْرِيُّ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي ذَلِكَ (وَإِذَا دَخَلَتْ) اللَّامُ الِاسْمَ (الْمُسْتَعْمَلَ فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ دُونَ السَّامِعِ (عَرَّفَتْ مَعْهُودًا ذِهْنِيًّا وَيُقَالُ: تَعْرِيفُ الْجِنْسِ أَيْضًا لِصِدْقِ الشَّائِعِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ) مِثْلُ شَرِبْت الْمَاءَ وَأَكَلْت الْخُبْزَ وَادْخُلْ السُّوقَ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الشُّرْبَ وَالْأَكْلَ وَالدُّخُولَ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِفَرْدٍ مِنْ الْمَشْرُوبِ وَالْمَأْكُولِ وَالْمَدْخُولِ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِذَا أُرِيدَ بِهَا) أَيْ النَّكِرَةِ (كُلُّ الْأَفْرَادِ عَرَّفَتْ الِاسْتِغْرَاقَ أَوْ) أُرِيدَ بِهَا (الْحَقِيقَةُ بِلَا اعْتِبَارِ فَرْدٍ فَهِيَ لِتَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَاهِيَّةِ) وَالطَّبِيعَةِ (كَ الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ غَيْرَ أَنَّهُ يُخَالُ أَنَّ الِاسْمَ) الْمَدْخُولَ عَلَيْهِ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ أَحَدَ هَذَيْنِ (مَجَازٌ فِيهِمَا لِأَنَّهُ) أَيْ الِاسْمَ (لَيْسَ) بِمَوْضُوعٍ (لِلِاسْتِغْرَاقِ وَلَا لِلْمَاهِيَّةِ وَلَا اللَّامَ) مَوْضُوعَةٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (وَلَكِنَّ تَبَادُرَ الِاسْتِغْرَاقِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَهْدِ يُوجِبُ وَضْعَهُ) أَيْ الِاسْمِ (لَهُ) أَيْ لِلِاسْتِغْرَاقِ (بِشَرْطِ اللَّامِ كَمَا قَدَّمْنَا) فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ عَلَى تَعْرِيفِ الْعَامِّ (وَأَنَّهُ) أَيْ عَدَمَ الْعَهْدِ (الْقَرِينَةُ) عَلَى ذَلِكَ.
(وَلَوْ أَرَادَهُ) أَيْ هَذَا (قَائِلُ إنَّ الِاسْتِغْرَاقَ مِنْ الْمَقَامِ) كَالسَّكَّاكِيِّ (صَحَّ) لِأَنَّ الِاسْمَ النَّكِرَةَ بِشَرْطِ اللَّامِ أُرِيدَ بِهِ حِينَئِذٍ الْعُمُومُ وَالْمَقَامُ كَشَفَ عَنْ إرَادَتِهِ فَصَحَّ الِاسْتِغْرَاقُ مِنْ الْمَقَامِ بِمَعْنَى أَنَّهُ الْمُفِيدُ لِثُبُوتِهِ بِالِاسْمِ (بِخِلَافِ الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَمْ تَتَبَادَرْ) إلَّا فِي الْقَضَايَا الطَّبِيعِيَّةِ وَهِيَ غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ فِي الْعُلُومِ فَلَا يَكُونُ تَبَادُرُهَا فِيهَا دَلِيلَ الْوَضْعِ لَهَا كَمَا سَيَأْتِي (فَتَعْرِيفُهَا) أَيْ الْمَاهِيَّةِ (تَعْلِيقُ مَعْنًى حَقِيقِيٍّ لِلَّامِ بِمَجَازِيٍّ لِلِاسْمِ) وَهُوَ الْحَقِيقَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ (فَاللَّامُ فِي الْكُلِّ) مِنْ الْعَهْدِ وَالِاسْتِغْرَاقِ وَالْحَقِيقَةِ (حَقِيقَةٌ لِتَحْقِيقِ مَعْنَاهَا الْإِشَارَةَ) وَالتَّعْيِينُ لِلْمُرَادِ مِنْ اللَّفْظِ (فِي كُلٍّ) مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِحَسَبِهِ (وَاخْتِلَافُهُ) أَيْ وَتَنَوُّعُ مَعْنَاهَا هَذَا التَّنَوُّعَ الْمَذْكُورَ (لَيْسَ إلَّا لِخُصُوصِ الْمُتَعَلَّقِ) أَيْ مَدْخُولِهَا مِنْ كَوْنِهِ فَرْدًا غَيْرَ مُسْتَغْرَقٍ أَوْ مُسْتَغْرَقًا أَوْ الْحَقِيقَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ (فَظَهَرَ أَنَّ خُصُوصِيَّاتِ التَّعْرِيفَاتِ) الْمَذْكُورَةَ (تَابِعٌ لِخُصُوصِيَّاتِ الْمُرَادَاتِ بِاللَّامِ، وَالْمُعَيِّنُ الْقَرِينَةُ) وَأَنَّهُ غَيْرُ قَائِلٍ بِأَنَّ أَسْمَاءَ الْأَجْنَاسِ النَّكِرَاتِ مَوْضُوعَةٌ لِلْحَقَائِقِ الْكُلِّيَّةِ بَلْ إذَا أُرِيدَ
بِرَجُلٍ وَنَحْوِهِ الْحَقِيقَةُ يَكُونُ مَجَازًا وَسَيُحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ.
(فَمَا قِيلَ) وَالْقَائِلُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ (الرَّاجِحُ مُطْلَقًا الْخَارِجِيُّ) لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ التَّعْيِينِ وَكَمَالُ التَّمْيِيزِ (ثُمَّ الِاسْتِغْرَاقُ لِنُدْرَةِ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، وَالْمَعْهُودُ الذِّهْنِيُّ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَرِينَةٍ) لِلْبَعْضِيَّةِ، وَالِاسْتِغْرَاقُ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْإِطْلَاقِ حَيْثُ لَا عَهْدَ فِي الْخَارِجِ خُصُوصًا فِي الْجَمْعِ فَإِنَّ الْجَمْعِيَّةَ قَرِينَةُ الْقَصْدِ إلَى الْأَفْرَادِ دُونَ الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ (غَيْرُ مُحَرَّرٍ فَإِنَّ الْمُرَجِّحَ عِنْدَ إمْكَانِ كُلٍّ مِنْ اثْنَيْنِ فِي الْإِرَادَةِ الْأَكْثَرِيَّةُ اسْتِعْمَالًا أَوْ فَائِدَةً وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ نَحْوَ جَاءَنِي عَالِمٌ فَأَكْرِمْ الْعَالِمَ زِيَادَةُ الْفَائِدَةِ) فِيهِ إنَّمَا هِيَ (فِي الِاسْتِغْرَاقِ حَيْثُ يُكْرَمُ الْجَائِي ضِمْنَ الْعُمُومِ) الْكَائِنِ لِلْعَالِمِ الشَّامِلِ لِلْجَائِي وَغَيْرِهِ (بِخِلَافِ تَقْدِيمِ الْخَارِجِيِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَمْرًا بِإِكْرَامِ الْجَائِي فَقَطْ) فَيَتَقَدَّمُ الِاسْتِغْرَاقُ عَلَيْهِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِمَزِيدِ الْفَائِدَةِ فِي الِاسْتِغْرَاقِ عَلَى الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ (قُدِّمَ) الِاسْتِغْرَاقُ (عَلَى الذِّهْنِيِّ إذَا أَمْكَنَّا وَظَهَرَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنْ لَيْسَ تَعْرِيفُ الِاسْتِغْرَاقِ وَالْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ مِنْ فُرُوعِ الْحَقِيقَةِ كَمَا قِيلَ وَلَا أَنَّ اللَّامَ لَيْسَتْ إلَّا لِتَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ كَمَا نُسِبَ إلَى الْمُحَقِّقِينَ غَيْرَ أَنَّ حَاصِلَهَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ فَذَكَرُوهَا تَسْهِيلًا) وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي التَّلْوِيحِ (بَلْ الْمُعَرَّفُ لَيْسَ إلَّا الْمُرَادَ بِالِاسْمِ وَلَيْسَتْ الْمَاهِيَّةُ مُرَادَةً دَائِمًا وَكَوْنُهَا جُزْءَ الْمُرَادِ لَا يُوجِبُ أَنَّهَا الْمُرَادُ الَّذِي هُوَ مُتَعَلَّقُ الْأَحْكَامِ فِي التَّرْكِيبِ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُرَدْ جُزْءًا) مِنْ الْمُسَمَّى حَيْثُ أُرِيدَتْ مِنْ حَيْثُ هِيَ بِهِ حَتَّى كَانَ التَّعْرِيفُ لِلْحَقِيقَةِ (بَلْ) إنَّمَا أُرِيدَتْ بِهِ حِينَئِذٍ (عَلَى أَنَّهَا كُلٌّ) أَيْ تَمَامُ مَا وُضِعَ اللَّفْظُ لَهُ (فَإِنَّهَا إنَّمَا أُرِيدَتْ) فِي حَالَةِ جُزْئِيَّتِهَا لِلْمُسَمَّى حَالَ كَوْنِهَا (مُقَيَّدَةً بِمَا يَمْنَعُ الِاشْتِرَاكَ) فِيهَا بَيْنَ مَدْخُولِهَا وَغَيْرِهِ (وَهِيَ مَعَ الْقَيْدِ نَفْسُ الْفَرْدِ وَهُوَ) أَيْ الْفَرْدُ (الْمُرَادُ بِالتَّعْرِيفِ وَالِاسْمِ، وَالْمَجْمُوعُ) مِنْ الْمَاهِيَّةِ وَالْقَيْدِ (غَيْرُ أَحَدِهِمَا) فَكَانَ الْفَرْدُ غَيْرَ الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ.
(هَذَا وَحِينَ صَارَ الْجَمْعُ مَعَ اللَّامِ كَالْمُفْرَدِ كَانَ تَقْسِيمُهُ) أَيْ الْجَمْعِ (مِثْلَهُ) أَيْ الْمُفْرَدِ (إلَّا أَنَّ كَوْنَهُ) أَيْ الْجَمْعِ (مَجَازًا عَنْ الْجِنْسِ يَبْعُدُ بَلْ) هُوَ (حَقِيقَةٌ لِكُلٍّ) مِنْ الِاسْتِغْرَاقِ وَالْجِنْسِ (لِلْفَهْمِ) أَيْ فَهْمِ الْجِنْسِ مِنْهُ (كَمَا ذَكَرْنَا فِي نَحْوِ: «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» وَيَخْدُمُهُ الْعَبِيدُ وَمَا لَا يُحْصَى) إلَّا أَنَّهُ لَوْ قِيلَ عَلَيْهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا بَيْنَهُمَا، وَالْمَجَازُ خَيْرٌ مِنْهُ، وَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْفَهْمُ مِنْ عُرُوضِ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ مُرَادًا بِهِ هَذَا الْمَعْنَى كَمَا يَعْرِضُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمَجَازَاتِ الْمُتَعَارَفَةِ حَتَّى قَدَّمَهَا الْجُمْهُورُ عَلَى الْحَقَائِقِ الْمُسْتَعْمَلَةِ كَمَا سَيَأْتِي لَا لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهِ لَاحْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (وَأَمَّا النَّكِرَةُ فَعُمُومُهَا فِي النَّفْيِ ضَرُورِيٌّ) كَمَا تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ.
(وَكَذَا) عُمُومُهَا ضَرُورِيٌّ (فِي الشَّرْطِ الْمُثْبَتِ) حَالَ كَوْنِهِ (يَمِينًا لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ الشَّرْطِ فَإِذَا قُلْت: إنْ كَلَّمَتْ رَجُلًا فَهِيَ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى نَفْيِ كَلَامِ كُلِّ رَجُلٍ؛ لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ (لَا الْمَنْفِيِّ) عَطْفٌ عَلَى الْمُثْبَتِ أَيْ فَإِنَّهَا لَا عُمُومَ لَهَا فِيهِ (كَإِنْ لَمْ أُكَلِّمْ رَجُلًا) فَهِيَ طَالِقٌ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحَلِفَ فِي الشَّرْطِ الْمَنْفِيِّ (عَلَى الْإِثْبَاتِ) أَيْ إثْبَاتِ الشَّرْطِ حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْمِثَالِ (لَأُكَلِّمَنَّ رَجُلًا) فَلَا تَعُمُّ لِوُقُوعِهَا فِي الْإِثْبَاتِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةِ الْعُمُومِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ يَمِينًا فَإِنْ كَانَ مُثْبَتًا فَالْيَمِينُ لِلْمَنْعِ، وَالنَّكِرَةُ فِيهِ خَاصٌّ يُفِيدُ الْإِيجَابَ الْجُزْئِيَّ فَيَكُونُ فِي جَانِبِ النَّقِيضِ لِلْعُمُومِ وَالسَّلْبِ الْكُلِّيِّ، وَإِنْ كَانَ مَنْفِيًّا فَالْيَمِينُ لِلْحَمْلِ، وَالنَّكِرَةُ فِيهِ عَامٌّ يُفِيدُ السَّلْبَ الْكُلِّيَّ فَيَكُونُ فِي جَانِبِ النَّقِيضِ لِلْخُصُوصِ وَالْإِيجَابِ الْجُزْئِيِّ (وَلَا يَبْعُدُ فِي غَيْرِ الْيَمِينِ قَصْدُ الْوَحْدَةِ)
مِنْ النَّكِرَةِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ كَمَا (فِي مِثْلِ إنْ جَاءَك فَأَطْعِمْهُ فَلَا تَعُمُّ) فِيهِ؛ إذْ جَازَ كَوْنُ رَجُلٍ فِيهِ بِقَيْدِ الْفَرْدِيَّةِ وَالِانْفِرَادِ فَلَا يُطْعِمُ رَجُلَيْنِ، وَلَا رَجُلًا بَعْدَ رَجُلٍ (وَفِي غَيْرِهِمَا) أَيْ النَّفْيِ الصَّرِيحِ وَالشَّرْطِ الْمُثْبَتِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَاهُ لِأَنَّكَ عَرَفْت أَنَّ عُمُومَ النَّكِرَةِ فِي مَوْضِعِ الشَّرْطِ الْمُثْبَتِ لَيْسَ إلَّا عُمُومَ النَّكِرَةِ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ (إنْ وُضِعَتْ بِصِيغَةٍ عَامَّةٍ أَيْ لَا تَخُصُّ فَرْدًا عَمَّتْ كَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ خَيْرٌ) فَإِنَّ الْإِيمَانَ لَيْسَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَلَا الْمَعْرُوفُ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ قَوْلٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الْمُتَّصِفَةِ بِمَا يَخُصُّ فَرْدًا فَإِنَّهَا لَا تَعُمُّ فِيهِ نَحْوُ لَا تُجَالِسْ إلَّا رَجُلًا يَدْخُلُ دَارِهِ وَحْدَهُ قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ فَإِنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يَصْدُقُ إلَّا عَلَى فَرْدٍ وَاحِدٍ.
ثُمَّ إنَّمَا تَعُمُّ (مَا لَمْ يَتَعَذَّرْ) الْعُمُومُ فَإِنْ تَعَذَّرَ لَمْ تَعُمَّ (كَ لَقِيت رَجُلًا عَالِمًا) لِتَعَذُّرِ لِقَائِهِ كُلَّ عَالِمٍ عَادَةً (وَوَاللَّهِ لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا عَالِمًا لَهُ مُجَالَسَةُ كُلِّ عَالِمٍ جَمْعًا وَتَفْرِيقًا) فَلَا يَحْنَثُ بِمُجَالَسَةِ عَالِمَيْنِ كَمَا لَا يَحْنَثُ بِمُجَالَسَةِ عَالِمٍ وَاحِدٍ (وَوَاللَّهِ لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا غَيْرَ مُقَيِّدٍ) بِصِفَةٍ عَامَّةٍ (يَحْنَثُ بِرَجُلَيْنِ قِيلَ)
مَا مَعْنَاهُ وَالْقَائِلُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ (الْفَرْقُ) بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ (أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَا يَصْدُقُ عَلَى الشَّخْصِ) الْوَاحِدِ أَيْ بِاسْمِ شَخْصٍ نَكِرَةٍ غَيْرِ مَوْصُوفَةٍ (لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا وَاحِدًا) ضَرُورَةَ وَحْدَتِهِ فَيَحْنَثُ بِمُجَالَسَةِ رَجُلَيْنِ (فَإِذَا وُصِفَ) الِاسْمُ النَّكِرَةُ الْمُسْتَثْنَى (بِعَامٍّ ظَهَرَ الْقَصْدُ إلَى وَحْدَةِ النَّوْعِ) فَيُخَصُّ ذَلِكَ النَّوْعُ بِصَيْرُورَتِهِ مُسْتَثْنًى، وَمِنْ هُنَا قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: صِفَةٌ عَامَّةٌ لَا يُزَاحِمُهَا صِفَةٌ مُنَافِيَةٌ لِلْعُمُومِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ إلَّا رَجُلًا كُوفِيًّا وَاحِدًا يَمْتَنِعُ الْعُمُومُ وَأُورِدَ: الْوَحْدَةُ صِفَةٌ عَامَّةٌ أَيْضًا فَيَنْبَغِي فِيمَا لَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ إلَّا إنْسَانًا وَاحِدًا أَنْ يَحْنَثَ بِالتَّكَلُّمِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ وَأُجِيبَ الْمُسْتَثْنَى وَاحِدٌ فَلَوْ لَمْ يَحْنَثْ أَصْلًا لَمَا كَانَ وَاحِدًا هَذَا وَقَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (وَزِيَادَةٌ بِقَرِينَةِ كَوْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (مِمَّا يَصِحُّ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ بِهِ) كَمَا فِي التَّلْوِيحِ (نَقْصٌ) .
قَالَ: بَلْ الصَّوَابُ أَنْ لَا يُزَادَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ ثَابِتٌ كَمَا هُوَ فِيمَا لَوْ قَالَ: لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا جَاهِلًا لَهُ أَنْ يُجَالِسَ كُلَّ جَاهِلٍ مَعَ أَنَّهُ وَصْفٌ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ عِنْدَ الْعَقْلِ اهـ ثُمَّ قَدْ قِيلَ عَلَى أَصْلِ الْفَرْقِ: إنَّهُ تَحَكُّمٌ لِخَفَاءِ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ كَوْنِهَا غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ وَكَوْنِهَا لِلْوَحْدَةِ وَبَيْنَ كَوْنِهَا مَوْصُوفَةً وَكَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ بِصِفَةِ النَّوْعِ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ بِالْأَوَّلِ لَا أُجَالِسُ إلَّا جِنْسَ الرَّجُلِ وَبِالثَّانِي لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا وَاحِدًا مَوْصُوفًا بِصِفَةِ الْعِلْمِ ثُمَّ كَمَا قَالَ (وَحَاصِلُهُ) أَيْ اسْتِعْمَالِهَا فِي غَيْرِ النَّفْيِ (أَنَّهَا فِي الْإِثْبَاتِ تَعُمُّ بِقَرِينَةٍ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْوَصْفِ بَلْ تَكْثُرُ وَقَدْ يَظْهَرُ عُمُومُهَا مِنْ الْمَقَامِ وَغَيْرِهِ كَ عَلِمَتْ نَفْسٌ وَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ) كَمَا هُوَ أَثَرٌ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما (وَأَكْرِمْ كُلَّ رَجُلٍ وَرَجُلًا لَا امْرَأَةً، وَهِيَ) أَيْ النَّكِرَةُ (فِي غَيْرِ هَذِهِ) الْمَوْضِعِ (مُطْلَقَةٌ) أَيْ دَالَّةٌ عَلَى فَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ كَ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67]{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] كَمَا هُوَ الْمَعْنَى الْوَضْعِيُّ لَهَا لَا عَامَّةٌ لِانْتِفَاءِ مُوجِبِ الْعُمُومِ.
(وَمِنْ فُرُوعِهَا) أَيْ النَّكِرَةِ (إعَادَتُهَا) مَعْرِفَةً وَنَكِرَةً (وَكَذَا الْمَعْرِفَةُ) مِنْ فُرُوعِهَا إعَادَتُهَا مَعْرِفَةً وَنَكِرَةً أَيْ إعَادَةُ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ إمَّا مَعَ كَيْفِيَّتِهِ مَعَ التَّنْكِيرِ وَالتَّعْرِيفِ أَوْ بِدُونِهَا (وَيَلْزَمُ كَوْنُ تَعْرِيفِهَا) أَيْ الْمَعْرِفَةِ حِينَئِذٍ (بِاللَّامِ أَوْ الْإِضَافَةِ فِي إعَادَتِهَا نَكِرَةً) وَفِي إعَادَةِ النَّكِرَةِ مَعْرِفَةً أَيْضًا وَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ اكْتِفَاءً لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِمَا إلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ مِنْ التَّعْرِيفِ فِي الْمَعْرِفَةِ نَعَمْ لَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ بِإِعَادَةِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ لَتُصُوِّرَ إعَادَةُ النَّكِرَةِ مَعْرِفَةً بِطَرِيقِ الْإِضْمَارِ حَيْثُ كَانَ الضَّمِيرُ الرَّاجِعُ إلَى
النَّكِرَةِ مُطْلَقًا أَوْ السَّابِقُ اخْتِصَاصَهَا بِحُكْمِ مَعْرِفَةٍ كَ جَاءَنِي رَجُلٌ، وَهُوَ حَاضِرٌ فَتَنَبَّهْ لَهُ ثُمَّ الْأَقْسَامُ الْمُمْكِنَةُ أَرْبَعَةٌ إعَادَةُ الْمَعْرِفَةِ مَعْرِفَةً وَالنَّكِرَةِ نَكِرَةً وَالْمَعْرِفَةِ نَكِرَةً وَالنَّكِرَةِ مَعْرِفَةً.
(وَضَابِطُ الْأَقْسَامِ إنْ نَكَّرَ الثَّانِيَ فَغَيْرُ الْأَوَّلِ) أَيْ فَاحْكُمْ بِأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إمَّا نَكِرَةٌ وَالنَّكِرَةُ إذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً كَانَتْ غَيْرَ الْأَوَّلِ وَإِمَّا مَعْرِفَةٌ وَالْمَعْرِفَةُ إذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً كَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ، وَإِلَّا لَكَانَ الْمُنَاسِبُ تَعْرِيفَهُ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ مَعْهُودًا سَابِقًا فِي الذِّكْرِ فِي الْأَوَّلِ وَحَمْلًا لَهُ عَلَى الْمَعْهُودِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي اللَّامِ وَالْإِضَافَةِ فِي الثَّانِي (أَوْ عَرَّفَ فَعَيْنُهُ) أَيْ وَإِنْ عَرَّفَ الثَّانِيَ فَاحْكُمْ بِأَنَّهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إمَّا نَكِرَةٌ، وَالنَّكِرَةُ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ، وَالْمَعْرِفَةُ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ هَذَا عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَذَكَرَ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ إذَا أُعِيدَتْ النَّكِرَةُ نَكِرَةً فَالثَّانِي مُغَايِرٌ لِلْأَوَّلِ، وَإِلَّا فَعَيْنُهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ تَسْتَغْرِقُ الْجِنْسَ، وَالنَّكِرَةُ تَتَنَاوَلُ الْبَعْضَ فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي الْكُلِّ قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ وَمَثَّلَ لِإِعَادَةِ الْمَعْرِفَةِ نَكِرَةً بِقَوْلِ الْحَمَاسِيِّ
صَفَحْنَا عَنْ بَنِي ذُهْلٍ
…
وَقُلْنَا الْقَوْمُ إخْوَانُ
عَسَى الْأَيَّامُ أَنْ يُرْجِعْنَ
…
قَوْمًا كَاَلَّذِي كَانُوا
مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّ الثَّانِيَ عَيْنُ الْأَوَّلِ وَفِي التَّلْوِيحِ وَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِلِاسْتِغْرَاقِ بَلْ الْعَهْدُ هُوَ الْأَصْلُ، وَعِنْدَ تَقَدُّمِ الْمَعْهُودِ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ النَّكِرَةُ عَيْنَهُ
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ كَوْنَ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ هُوَ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ، وَالْجُزْءُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكُلِّ لَيْسَ كَذَلِكَ
وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ إعَادَةَ الْمَعْرِفَةِ نَكِرَةً مَعَ مُغَايَرَةِ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [الأنعام: 154] إلَى قَوْلِهِ {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ} [الأنعام: 155] وَقَالَ: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة: 36] وَقَالَ {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الأنعام: 165] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ اهـ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ لِلْمُنَاقَشَةِ فِي بَعْضِهِ مَجَالٌ بِالنَّظَرِ إلَى مَا تَقَدَّمَ لَيْسَ مَا فِي الْكَشْفِ أَرْجَحَ مِنْ الْأَوَّلِ بَلْ فِي جَامِعِ الْأَسْرَارِ الْأَوَّلُ أَوْضَحُ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ اهـ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ لَمَّا لَمْ يَطَّرِدْ هَذَا الْأَصْلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الْمَوَارِدِ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَخُلُوِّ الْمَقَامِ عَنْ الْقَرَائِنِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَهُوَ أَكْثَرِيٌّ) لِأَنَّهُ كَمَا يُعَادُ النَّكِرَةُ نَكِرَةً غَيْرَ الْأُولَى، وَالْمَعْرِفَةُ مَعْرِفَةً عَيَّنَ الْأُولَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5] {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْآيَةِ وَيُرَجِّحُهُ ظَاهِرًا مَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثُمَّ مِنْ طَرِيقِهِ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَسَكَتَ عَنْهُ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَاكِمِ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] قَالَ «خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا مَسْرُورًا فَرِحًا وَهُوَ يَضْحَكُ وَهُوَ يَقُولُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5] {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] » وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ ابْنِ مَرْدُوَيْهِ لَهُ مُسْنَدًا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «لَمَّا نَزَلَتْ {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5] {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبْشِرُوا لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ» فَقَدْ تُعَادُ النَّكِرَةُ نَكِرَةً عَيْنَ الْأُولَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] وَتُعَادُ الْمَعْرِفَةُ مَعْرِفَةً غَيْرَ الْأُولَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] الْآيَةَ وَكَمَا تُعَادُ النَّكِرَةُ مَعْرِفَةً عَيْنَ الْأُولَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا} [المزمل: 15]{فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16] فَقَدْ تُعَادُ مَعْرِفَةً غَيْرَ الْأُولَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ} [النحل: 88] وَكَمَا تُعَادُ الْمَعْرِفَةُ نَكِرَةً غَيْرَ الْأُولَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ} [غافر: 53]{هُدًى} [غافر: 54] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ التَّوْرَاةُ وَالصُّحُفُ الَّتِي أُوتِيَهَا وَالْمُعْجِزَاتُ وَبِالثَّانِي الْإِرْشَادُ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْإِضْلَالِ فَقَدْ تُعَادُ نَكِرَةٌ عَيْنُ الْأُولَى كَبَيْتِ الْحَمَاسَةِ فَلَا جَرَمَ إنْ قِيلَ الْأَصْلُ مُسْتَقِيمٌ
وَإِنَّمَا الْأَصْلُ قَدْ يُتْرَكُ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي الْمَوَاضِعِ وَنَظَائِرِهَا كَمَا يُدْرَكُ بِالتَّأَمُّلِ فِيهَا، وَفِيمَا يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ بَيَانُهُ هَذَا ثُمَّ لَعَلَّ الْأَشْبَهَ مَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: تَحْرِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الِاسْمُ عَامًّا فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَالثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ الْعُمُومِ أَنْ لَا يَكُونَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ ضَرُورَةَ اسْتِيفَاءِ عُمُومِ الْأَوَّلِ لِلْأَفْرَادِ سَوَاءٌ كَانَا مَعْرِفَتَيْنِ عَامَّتَيْنِ أَمْ نَكِرَتَيْنِ عَامَّتَيْنِ كَوُقُوعِهِمَا فِي حَيِّزِ النَّفْيِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي عَامًّا، وَالْأَوَّلُ خَاصًّا فَالْأَوَّلُ دَاخِلٌ فِيهِ ضَرُورَةَ اسْتِغْرَاقِ الْعَامِّ لِذَلِكَ الْفَرْدِ، وَكَذَا الْعَكْسُ وَإِنْ كَانَا خَاصَّيْنِ، فَإِنْ كَانَا نَكِرَتَيْنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إيَّاهُ لَكَانَ إعَادَةُ النَّكِرَةِ وَضْعًا لِلظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ وَلِأَجْلِ الِاحْتِمَالَيْنِ وَرَدَ فِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فَأَعَادَ ذِكْرَ الرَّجُلِ مُنَكَّرًا كَمَا بَدَأَ بِهِ مُنَكَّرًا مَعَ تَرَدُّدِهِ فِي أَنَّهُ الْأَوَّلُ أَوْ غَيْرُهُ كَمَا وَرَدَ بِهِ مُصَرَّحًا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ لَا أَدْرِي أَهُوَ الْأَوَّلُ أَوْ لَا وَإِنْ كَانَا مُعَرَّفَتَيْنِ بِأَدَاةٍ عَهْدِيَّةٍ فَهُوَ بِحَسَبِ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ إلَى الْمَعْهُودِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ.
(فَيَنْبَنِي عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ (إقْرَارُهُ بِمَالٍ مُقَيَّدٍ بِالصَّكِّ) وَهُوَ كِتَابُ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ وَغَيْرِهِ مُعَرَّبٌ (وَمُطْلَقٍ) عَنْهُ مَسْأَلَةٌ (مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ) مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ (غَيْرُ إقْرَارِهِ بِمُقَيَّدٍ) بِالصَّكِّ فِي مَجْلِسٍ (ثُمَّ) إقْرَارِهِ (فِي آخَرَ بِهِ مُنَكَّرًا وَقَلْبُهُ) أَيْ وَغَيْرُ إقْرَارِهِ بِمَالٍ فِي مَجْلِسٍ مُنَكَّرًا ثُمَّ بِهِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ مُقَيَّدٍ بِالصَّكِّ فَإِنَّ حُكْمَ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ نَقْلًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَإِنَّمَا (خُرِّجَ وُجُوبُ مَالَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فِي الْأُولَى (وَمَالٍ اتِّفَاقًا) فِي الثَّانِيَةِ، وَلَا يَبْعُدُ مِنْ كَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ الْمُخَرِّجُ لِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي التَّلْوِيحِ، وَالْحُكْمُ فِي كِلْتَيْهِمَا مَذْكُورٌ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ أَيْضًا مِمَّنْ عَسَاهُ يَكُونُ سَابِقًا عَلَيْهِ.
ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ لَخَّصَ شَرْحَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَقَالَ فَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِأَلْفٍ فِي هَذَا الصَّكِّ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا كَذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ عِنْدَ شُهُودٍ آخَرِينَ كَانَ اللَّازِمُ أَلْفًا وَاحِدَةً تَخْرِيجًا عَلَى إعَادَةِ الْمَعْرِفَةِ مَعْرِفَةً وَلَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مُطْلَقٍ عَنْ الصَّكِّ غَيْرِ مُقَيَّدٍ بِسَبَبٍ ثُمَّ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ أَقَرَّ بِأَلْفٍ عِنْدَ آخَرِينَ أَوْ عِنْدَهُمَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ كَذَلِكَ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُهُ أَلْفَانِ بِنَاءً عَلَى إعَادَةِ النَّكِرَةِ نَكِرَةً كَمَا لَوْ كَتَبَ صَكَّيْنِ كُلًّا بِأَلْفٍ، وَأَشْهَدَ عَلَى كُلٍّ شَاهِدَيْنِ، وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ أَلْفٌ وَاحِدَةٌ لِلْعُرْفِ عَلَى تَكْرَارِ الْإِقْرَارِ لِلتَّأْكِيدِ، وَلَوْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ فِي هَذِهِ لَزِمَهُ أَلْفٌ وَاحِدَةٌ اتِّفَاقًا فِي تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ لِجَمْعِ الْمَجْلِسِ الْمُتَفَرِّقَاتِ وَلَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مُقَيَّدٍ بِالصَّكِّ عِنْدَ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ فِي آخَرَ عِنْدَ آخَرَيْنِ بِأَلْفٍ مُنَكَّرٍ خُرِّجَ لُزُومُ أَلْفَيْنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى إعَادَةِ الْمَعْرِفَةِ نَكِرَةً، وَفِي عَكْسِهَا يَنْبَغِي وُجُوبُ أَلْفٍ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً ثُمَّ التَّقْيِيدُ بِالشَّاهِدَيْنِ فِي الصُّوَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ عِنْدَ شَاهِدٍ وَأَلْفٍ عِنْدَ آخَرَ أَوْ بِأَلْفٍ عِنْدَ شَاهِدَيْنِ وَأَلْفٍ عِنْدَ الْقَاضِي لَزِمَ أَلْفٌ وَاحِدَةٌ اتِّفَاقًا انْتَهَى؛ لِأَنَّ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ لَا يَصِيرُ الْمَالُ مُسْتَحْكَمًا فَفَائِدَةُ إعَادَتِهِ اسْتِحْكَامُهُ بِإِتْمَامِ الْحُجَّةِ
وَفَائِدَةُ الْإِعَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي إسْقَاطُ مُؤْنَةِ الْإِثْبَاتِ بِالْبَيِّنَةِ عَنْ الْمُدَّعِي، وَإِنَّمَا قَالَ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِسَبَبٍ إذْ لَوْ بَيَّنَ سَبَبًا مُخْتَلِفًا يَلْزَمُ أَلْفَانِ إجْمَاعًا، وَلَوْ بَيَّنَ سَبَبًا مُتَّحِدًا يَلْزَمُ أَلْفٌ بِكُلِّ حَالٍ إجْمَاعًا، وَقُيِّدَ الِاتِّفَاقُ بِتَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ
لِأَنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي تَخْرِيجِ الرَّازِيِّ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ فِي مَجْلِسٍ وَأَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ بِأَلْفَيْنِ فِي مَجْلِسٍ وَأَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ أَوْ بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ بِأَلْفٍ يَلْزَمُ الْمَالَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ عِنْدَهُمَا
(وَأَمَّا مَنْ فَعَلَى الْخُصُوصِ كَسَائِرِ الْمَوْصُولَاتِ) فَأَفَادَ أَنَّ الْمَوْصُولَاتِ لَيْسَتْ عَامَّةً بِالْوَضْعِ بَلْ بِالْوَصْفِ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي هُوَ مَضْمُونُ الصِّلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُولَ مَعَ الصِّلَةِ فِي حُكْمِ اسْمٍ مَوْصُوفٍ، وَهَذَا الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَحَدُ الْأَقْوَالِ وَسَنَذْكُرُ بَاقِيَهَا قَرِيبًا.
(وَالنَّكِرَةِ) أَيْ وَكَالنَّكَرَةِ فِي كَوْنِهَا مَوْضُوعَةً عَلَى الْخُصُوصِ (وَأَخَصُّ مِنْهَا) أَيْ النَّكِرَةِ (لِأَنَّهَا) أَيْ مَنْ (لِعَاقِلٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى عِنْدَ الْأَكْثَرِ) وَلَوْ قِيلَ لِعَالِمٍ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43] فِي قَوْلٍ وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الْعَالِمِ مُنْفَرِدًا وَمَعَ غَيْرِهِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ وَقِيلَ: تَخْتَصُّ بِالْمُذَكَّرِ (وَنَصْبُ الْخِلَافِ فِي الشَّرْطِيَّةِ) خَاصَّةً كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ (غَيْرُ جَيِّدٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ الِاتِّفَاقَ فِي غَيْرِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ مَوْصُولَةٌ وَاسْتِفْهَامِيَّةٌ وَمَوْصُوفَةٌ كَذَلِكَ أَيْضًا وَمِنْ ثَمَّةَ اُعْتُذِرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا خَصَّهَا تَمْثِيلًا (وَالِاسْتِدْلَالُ) لِلْأَكْثَرِ ثَابِتٌ (بِالْإِجْمَاعِ عَلَى عِتْقِهِنَّ) أَيْ إمَائِهِ (فِي مَنْ دَخَلَ) دَارِي فَهُوَ حُرٌّ؛ إذْ لَوْلَا ظُهُورُ تَنَاوُلِهِ لَهُنَّ لَمَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ (وَالنَّكِرَةُ بِحَسَبِ الْمَادَّةِ قَدْ تَكُونُ لِغَيْرِهِ) .
قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمَّا قَالَ: إنَّ مَنْ أَخَصُّ لِاخْتِصَاصِهَا بِالْعَاقِلِ عُرِفَ أَنَّ النَّكِرَةَ تَكُونُ لِلْعَاقِلِ وَغَيْرِهِ فَرُبَّمَا يُفْهَمُ أَنَّ وَضْعَهَا مُطْلَقًا لِمَا يَشْمَلُهُمَا فَحَقَّقَ الْمُرَادَ بِأَنَّ النَّكِرَةَ تَكُونُ لِغَيْرِ الْعَاقِلِ بِحَسَبِ الْمَادَّةِ الَّتِي تُوضَعُ كَمَا تَكُونُ كَذَلِكَ لِلْعَاقِلِ فَلَفْظُ عَاقِلٍ نَكِرَةٌ يَخُصُّ ذَا الْعَقْلِ لِلْمَادَّةِ وَمَجْنُونٌ مِثْلُهُ فِي ضِدِّهِ وَفَرَسٌ لِنَوْعٍ غَيْرِ عَاقِلٍ وَرَجُلٌ لِمَنْ بِحَيْثُ يَعْقِلُ فَلَمْ يُوضَعْ النَّكِرَةُ لِمَا هُوَ أَعَمُّ بَلْ مِنْهَا وَمِنْهَا فَالْأَعَمُّ جُزْءٌ مِنْ مُطْلَقِ النَّكِرَةِ الَّتِي لَمْ تُوضَعْ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَفْرَادِ (وَتَسَاوِيهَا) أَيْ النَّكِرَةِ (الَّذِي) وَبَقِيَّةُ الْمَوْصُولَاتِ فِي أَنَّهَا عَلَى الْخُصُوصِ وَالشُّيُوعِ (وَضْعًا وَإِنَّمَا لَزِمَهَا) أَيْ مَنْ الْمَوْصُولَةَ وَكَذَا بَقِيَّةُ الْمَوْصُولَاتِ (التَّعْرِيفُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَعُمُومُهَا) أَيْ مَنْ (بِالصِّفَةِ) الْمَعْنَوِيَّةِ الَّتِي هِيَ مَضْمُونُ الصِّلَةِ (وَيَلْزَمُ) عُمُومُهَا (فِي الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَقَدْ تَخُصُّ) حَالَ كَوْنِهَا (مَوْصُولَةً وَمَوْصُوفَةً) فَالْمَوْصُولَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} [الأنعام: 25] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ هُنَا أَفْرَادٌ مَخْصُوصُونَ ذَكَرَهُمْ الْمُفَسِّرُونَ.
وَالْمَوْصُوفَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ} [البقرة: 8] كَمَا هُوَ احْتِمَالٌ حَكَى قَوْلًا فِيهَا هُنَا فَإِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أُنَاسٍ بِأَعْيَانِهِمْ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا، وَإِنْ كَانَ مَذْكُورًا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ لَا تَحْرِيرَ فِيهِ فَإِنَّ مَنْ كَمَا تَخُصُّ مَوْصُولَةً وَمَوْصُوفَةً لِعَدَمِ عُمُومِ مَضْمُونِ صِلَتِهَا وَصِفَتِهَا تَخُصُّ شَرْطِيَّةً وَاسْتِفْهَامِيَّةً بِمَا يُوجِبُ تَخْصِيصَهَا وَكَمَا يَلْزَمُ عُمُومُهَا شَرْطِيَّةً وَاسْتِفْهَامِيَّةً بِوَاسِطَةِ الشَّرْطِ، وَالِاسْتِفْهَامُ قَدْ يُلْزِمُ عُمُومَهَا مَوْصُولَةً وَمَوْصُوفَةً لِعُمُومِ مَضْمُونِ صِلَتِهَا وَصِفَتِهَا ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا مُرَادًا بِهَا الْخُصُوصُ فِي حَالَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ أَنْ تَكُونَ مَوْضُوعَةً لَهُ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ لِلْعُمُومِ، وَاسْتِعْمَالُهَا فِي الْخُصُوصِ مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ.
هَذَا وَظَاهِرُ كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْعُمُومِ وَإِنَّمَا الْخُصُوصُ فِيهَا احْتِمَالٌ يَثْبُتُ بِالْقَرِينَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ بَلْ، وَعَنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ حَرْفَ مَنْ بِالْفَتْحِ مُحْكَمٌ فِي التَّعْمِيمِ وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمَنَارِ أَنَّهَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَفِي مَنْ شَاءَ مِنْ عَبِيدِي عِتْقَهُ) فَهُوَ حُرٌّ فَشَاءُوا عِتْقَهُمْ (يُعْتَقُونَ وَكَذَا مَنْ شِئْت) مِنْ عَبِيدِي
عِتْقَهُ فَأَعْتِقْهُ (عِنْدَهُمَا) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا شَاءَ عِتْقَهُمْ (يُعْتِقُهُمْ لِأَنَّ مِنْ لِلْبَيَانِ) وَمَنْ لِلْعُمُومِ فَيَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ (وَعِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا شَاءَ عِتْقَهُمْ يُعْتَقُ الْكُلُّ (إلَّا الْأَخِيرَ إنْ رَتَّبَ) عِتْقَهُمْ (وَإِلَّا فَمُخْتَارَ الْمَوْلَى) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُرَتِّبْهُ بَلْ أَعْتَقَهُمْ دَفْعَةً عَتَقُوا إلَّا وَاحِدًا لِلْمَوْلَى الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِهِ (لِأَنَّهَا) أَيْ مِنْ (تَبْعِيضٌ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (وَأَمْكَنَّا) أَيْ عُمُومُ مَنْ وَتَبْعِيضُ مِنْ (فِي الْأُولَى لِتَعَيُّنِ عِتْقِ كُلٍّ بِمَشِيئَتِهِ فَإِذَا) شَاءَ كُلٌّ عِتْقَ نَفْسِهِ (عَتَقَ كُلٌّ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ غَيْرِهِ فَهُوَ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمْ (بَعْضٌ) مِنْ الْعُمُومِ
(وَفِي الثَّانِيَةِ) تَعَلَّقَ عِتْقُهُمْ (بِمَشِيئَةِ وَاحِدٍ فَلَوْ أَعْتَقَهُمْ لَا تَبْعِيضَ) بِالْكُلِّيَّةِ مَعَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِ وَبِالْعُمُومِ يُعْتِقهُمْ إلَّا وَاحِدًا فَإِنَّ فِي إخْرَاجِ الْوَاحِدِ مِنْ وُقُوعِ الْعِتْقِ عَلَيْهِمْ عَمَلًا بِالتَّبْعِيضِ، وَفِي نُفُوذِ الْعِتْقِ فِيمَنْ سِوَاهُ عَمَلًا بِالْعُمُومِ فَإِنَّ الْبَعْضَ يُطْلَقُ عَلَى الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ، وَالْعُمُومُ لَا يَبْطُلُ رَأْسًا بِخُرُوجِ وَاحِدٍ مِمَّا شَمِلَهُ فَتَعَيَّنَ هَذَا لِأَنَّ الْعَمَلَ بِكِلَيْهِمَا أَوْلَى مِنْ الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا وَإِهْدَارِ الْآخَرِ ثُمَّ فِي التَّلْوِيحِ مَا مَعْنَاهُ (وَهَذَا يَتِمُّ فِي الدَّفْعِيِّ) أَيْ هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى تَقْدِيرِ تَعَلُّقِ الْمَشِيئَةِ بِالْكُلِّ دَفْعَةً؛ لِأَنَّ مَنْ شَاءَ الْمُخَاطَبُ عِتْقَهُ لَيْسَ بَعْضَ الْعَبِيدِ بَلْ كُلَّهُمْ (لَا فِي التَّرْتِيبِ) لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنَّهُ شَاءَ الْمُخَاطَبُ عِتْقَهُ حَالَ كَوْنِهِ بَعْضًا مِنْ الْعَبِيدِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ تَعَلُّقَ الْمَشِيئَةِ بِكُلٍّ عَلَى الِانْفِرَادِ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا اطِّلَاعَ عَلَيْهِ
وَالظَّاهِرُ مِنْ إعْتَاقِ الْكُلِّ تَعَلُّقُ الْمَشِيئَةِ بِالْكُلِّ فَلَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِ الْبَعْضِ لِيَتَحَقَّقَ التَّبْعِيضُ، قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ -: وَأَحْسَنُ مِنْهُ أَنْ يُقَالَ ثُمَّ حَيْثُ لَزِمَ الْعَمَلُ بِالْعُمُومِ فِيمَا عَدَا وَاحِدًا وَهُوَ قَدْ أَعْتَقَهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَقَدْ وُجِدَ فِي حَقِّ كُلٍّ غَيْرَ الْأَخِيرِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَانْتَفَى الْمَانِعُ وَهُوَ عَدَمُ الْعَمَلِ بِالتَّبْعِيضِ لِقِيَامِ احْتِمَالِ عَدَمِ عِتْقِ الْأَخِيرِ فَنَفَذَ فِيهِمْ الْعِتْقُ، وَوُجِدَ فِي حَقِّ الْأَخِيرِ الْمُقْتَضِي أَيْضًا لَكِنْ لَمْ يَنْتَفِ الْمَانِعُ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ بِعِتْقِهِ يَبْطُلُ التَّبْعِيضُ الْمُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُمُومِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا فَلَمْ يَعْمَلْ الْمُقْتَضِي فِيهِ عَمَلَهُ فَلَمْ يَنْفُذْ فِيهِ الْعِتْقُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَهُمْ جُمْلَةً فَإِنَّهُ، وَإِنْ وُجِدَ فِي حَقِّهِمْ جَمِيعًا الْمُقْتَضِي لَكِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِمْ جَمِيعًا انْتِفَاءُ الْمَانِعِ بَلْ إنَّمَا وُجِدَ فِيمَا عَدَا وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ فَكَانَ بَيَانُهُ إلَى الْمُفَوِّضِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِأَثَرِ هَذَا التَّفْوِيضِ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ التَّبْعِيضِ وَصَارَ مَا دَامَ بَيَانُهُ مُمْكِنًا مِنْهُ كَالْمُجْمَلِ لَا يُدْرَكُ إلَّا بِبَيَانٍ مِنْ الْمُجْمَلِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ (وَتَوْجِيهُ قَوْلِهِ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا وَجَّهَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ذَاكِرًا أَنَّهُ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ (بِأَنَّ الْبَعْضَ مُتَيَقَّنٌ) عَلَى تَقْدِيرَيْ تَبْعِيضِهَا وَبَيَانِهَا فَيَلْزَمُ تَبْعِيضُهَا لِثُبُوتِهِ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ دُفِعَ فِي التَّلْوِيحِ بِمَا مَعْنَاهُ هَذَا (لَا يَقْتَضِيهَا تَبْعِيضِيَّةً لِأَنَّهَا) أَيْ التَّبْعِيضِيَّةَ (لِلْبَعْضِ الْمُجَرَّدِ) وَهُوَ الْبَعْضُ الَّذِي يَكُونُ تَمَامَ الْمُرَادِ لَا فِي ضِمْنِ الْكُلِّ نَحْوُ أَكَلْت مِنْ الرَّغِيفِ فَإِنَّ بَعْضَ الرَّغِيفِ هُوَ تَمَامُ الْمُرَادِ (وَلَيْسَ) هَذَا الْبَعْضُ (هُوَ الْمُتَيَقَّنَ) مِنْ الْبَيَانِيَّةِ (بَلْ) الْبَعْضُ الْمُحَقَّقُ مِنْهَا (ضِدُّهُ) أَيْ ضِدُّ هَذَا الْبَعْضِ وَهُوَ الْكَائِنُ فِي ضِمْنِ الْكُلِّ الَّذِي هُوَ تَمَامُ الْمُرَادِ، وَهُوَ الضَّرُورِيُّ فَلَا يَثْبُتُ التَّبْعِيضُ لِلْمُتَكَلِّمِ فِيهِ بِهَذَا وَأُجِيبَ عَنْ الدَّفْعِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: الْبَعْضُ مُتَيَقَّنٌ أَنَّ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِمَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْبَعْضُ مُتَيَقَّنٌ عَلَى تَقْدِيرَيْ التَّبْعِيضِ وَالْبَيَانِ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ قَوْلُهُ: فَإِرَادَةُ الْبَعْضِ مُتَيَقَّنَةٌ، وَإِرَادَةُ الْكُلِّ مُحْتَمَلَةٌ
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ أَخَذَ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ التَّبْعِيضِ وَالْبَيَانِ وَحَكَمَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ، وَمُؤَدَّاهُ كَمُؤَدَّى الْعَمَلِ بِخُصُوصِيَّةِ الْبَعْضِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ ثُمَّ أَشَارَ إلَى تَوْجِيهٍ آخَرَ لِقَوْلِهِ ذَكَرُوهُ مَدْفُوعٌ فَقَالَ (وَبِأَنَّ وَصْفَ
مَنْ بِمَشِيئَةِ الْمُخَاطَبِ) فِي مَنْ شِئْت مِنْ عَبِيدِي عِتْقَهُ (وَصْفٌ خَاصٌّ) لِإِسْنَادِهَا إلَى خَاصٍّ فَيَبْقَى مَعْنَى الْخُصُوصِ مُعْتَبَرًا فِيهَا مَعَ صِفَةِ الْعُمُومِ فَيَتَنَاوَلُ بَعْضًا عَامًّا (وَعُمُومُهَا) أَيْ الْمَشِيئَةِ إنَّمَا هُوَ (بِالْعَامِّ) أَيْ بِوَاسِطَةِ إسْنَادِهَا إلَى الْعَامِّ الَّذِي هُوَ مِنْ (كَمَنْ شَاءَ مِنْ عَبِيدِي) وَقَدْ وُصِفَتْ بِهَا مَنْ فَأَسْقَطَ الْوَصْفُ بِهَا الْخُصُوصَ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْعُمُومِ (دُفِعَ بِأَنَّ حَقِيقَةَ وَصْفِهَا) أَيْ مَنْ (فِيهِ) أَيْ فِي مَنْ شِئْت مِنْ عَبِيدِي عِتْقَهُ (بِكَوْنِهَا) أَيْ مَنْ (مُتَعَلَّقَ مَشِيئَتِهِ) أَيْ الْمُخَاطَبِ (وَهُوَ) أَيْ مُتَعَلَّقُ مَشِيئَتِهِ (عَامٌّ) فَتَعُمُّ الْمَشِيئَةُ بِعُمُومِهِ
فَإِنْ قُلْت: لَيْسَ مِنْ مُتَعَلِّقِ مَشِيئَتِهِ، وَإِنَّمَا مُتَعَلِّقُهَا عِتْقُهُ الَّذِي هُوَ الْمَفْعُولُ قُلْت: لَمَّا كَانَ عِتْقُهُ مَصْدَرًا مُضَافًا إلَيْهَا وَهُوَ إنَّمَا كَانَ مَفْعُولًا بِاعْتِبَارِ إضَافَتِهِ إلَيْهَا قِيلَ بِنَوْعٍ مِنْ الْمُسَامَحَةِ إنَّهَا مُتَعَلَّقُ مَشِيئَتِهِ وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ (وَأَمَّا مَا فَلِغَيْرِ الْعَاقِلِ) وَحْدَهُ نَحْوُ {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20](وَلِلْمُخْتَلِطِ) مِمَّنْ يَعْقِلُ وَمَنْ لَا يَعْقِلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الحديد: 1] وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ لِمَنْ يُعْلَمُ إذَا قُصِدَ بِهِ التَّعْظِيمُ كَمَا قَالَ السُّهَيْلِيُّ نَحْوُ {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5]{مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75](فَلَوْ وَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً فِي إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك غُلَامًا) فَأَنْتِ طَالِقٌ (لَا يَقَعُ) الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا فِي بَطْنِهَا غُلَامًا بِنَاءً عَلَى عُمُومِ مَا حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ أَوْ إنْ كَانَ حَمْلُك غُلَامًا؛ إذْ الْحَمْلُ اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ وَأُورِدَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا بِمَعْنَى شَيْءٍ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ إنْ كَانَ شَيْءٌ هُوَ فِي بَطْنِك غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا فِي بَطْنِهَا غُلَامًا.
قُلْت وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهَا مَوْصُولَةٌ أَكْثَرُ مِنْهَا مَوْصُوفَةً فَحُمِلَتْ عَلَى الْأَكْثَرِ عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ كَانَتَا سَوَاءً فَالْأَصْلُ عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ (وَفِي طَلِّقِي نَفْسَك مِنْ الثَّلَاثِ مَا شِئْت لَهَا الثَّلَاثُ عِنْدَهُمَا) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (وَعِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ (ثِنْتَانِ وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (كَاَلَّتِي قَبْلَهَا) فِي مَنْ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهَا مِنْ بَيَانِيَّةٌ عِنْدَهُمَا تَبْعِيضِيَّةٌ عِنْدَهُ (وَقَوْلُهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ (أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ) أَيْ الْكَلَامِ (عَلَى الْبَيَانِ) طَلِّقِي نَفْسَك (مَا شِئْت مِمَّا هُوَ الثَّلَاثُ) وَالْوَجْهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ طَلِّقِي نَفْسَك مَا شِئْت الَّذِي هُوَ الثَّلَاثُ اهـ.
يَعْنِي: إذَا كَانَتْ مَا مَعْرِفَةً وَعَدَدًا شِئْت هُوَ الثَّلَاثُ إذَا كَانَتْ مَا نَكِرَةً مَوْصُوفَةً لِأَنَّ ضَابِطَ الْبَيَانِيَّةِ صِحَّةُ وَضْعِ الَّذِي مَكَانَهَا وَوَصْلُهَا بِضَمِيرٍ مَرْفُوعٍ مُنْفَصِلٍ مَعَ مَدْخُولِهَا إذَا كَانَ الْمُبَيَّنُ مَعْرِفَةً وَصِحَّةُ وَضْعِ الضَّمِيرِ الْمُنْفَصِلِ الْمَرْفُوعِ مَوْضِعَهَا لِتَكُونَ مَعَ مَدْخُولِهَا صِفَةً لِمَا قَبْلَهَا إذَا كَانَ الْمُبَيَّنُ نَكِرَةً حَتَّى إنَّهُ يُقَالُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: 30] الرِّجْسَ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَانُ وَفِي قَوْله تَعَالَى {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف: 31] أَسَاوِرُ هِيَ ذَهَبٌ وَحَيْثُ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ هَذَا فَهُوَ مُفَوِّضٌ لِلثَّلَاثِ إلَيْهَا (وَطَلِّقِي مَا شِئْت وَافٍ بِهِ) فَلَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ إلَى مِنْ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى لَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَالْبَيَانُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمُبَيَّنِ (فَالتَّبْعِيضُ) أَيْ فَكَوْنُ التَّبْعِيضِ مُرَادًا مِنْهُ (مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ) عَلَيْهِ (أَظْهَرُ) لَا سِيَّمَا مَعَ وُجُودِ ضَابِطِ التَّبْعِيضِيَّةِ فِيهَا، وَهُوَ صِحَّةُ وَضْعِ بَعْضٍ مَوْضِعَهَا.
(وَأَمَّا كُلٌّ فَلِاسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ مَا دَخَلَتْهُ كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ) أَيْ مَدْخُولِهَا (غَيْرُهُ) أَيْ مَدْخُولِهَا (فِي الْمُنَكَّرِ) الْمُفْرَدِ نَحْوُ {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] وَالْمُثَنَّى نَحْوُ كُلُّ رَجُلَيْنِ جَمَاعَةٌ وَشَهَادَةُ كُلِّ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَالْمَجْمُوعِ نَحْوُ
وَكُلُّ أُنَاسٍ سَوْفَ يَدْخُلُ بَيْنَهُمْ
…
دُوَيْهِيَةٌ تَصْفَرُّ مِنْهَا الْأَنَامِلُ
وَكُلُّ مُصِيبَاتٍ تُصِيبُ فَإِنَّهَا
…
سِوَى فُرْقَةِ الْأَحْبَابِ هَيِّنَةُ الْخَطْبِ
وَفِي الْمُعَرَّفِ الْمَجْمُوعِ نَحْوُ {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 95](وَأَجْزَائِهِ) أَيْ وَلِاسْتِعْرَاقِ أَجْزَاءِ مَا دَخَلَتْهُ (فِي الْمُعَرَّفِ) الْمُفْرَدِ نَحْوُ كُلُّ زَيْدٍ أَوْ الرَّجُلِ حَسَنٌ أَيْ كُلُّ أَجْزَائِهِ (فَكَذَبَ كُلُّ الرُّمَّانِ مَأْكُولٌ) لِأَنَّ قِشْرَهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ (دُونَ كُلُّ رُمَّانٍ) مَأْكُولٌ لِأَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْهُ مَأْكُولٌ (وَوَجَبَ لِكُلٍّ مِنْ الدَّاخِلَيْنِ) الْحِصْنَ (فِي كُلُّ مَنْ دَخَلَ) هَذَا الْحِصْنَ (أَوَّلًا) فَلَهُ كَذَا مَا سَمَّاهُ (بِخِلَافِ مَنْ دَخَلَ أَوَّلًا) فَلَهُ كَذَا فَدَخَلَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا جَمِيعًا (لَا شَيْءَ لِأَحَدٍ لِأَنَّ عُمُومَهَا) أَيْ مَنْ (لَيْسَ كَجَمِيعٍ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِمَاعِ قَصْدًا لِيَكُونَ لَهُمْ نَفَلٌ وَاحِدٌ (وَلَا كَكُلٍّ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الِانْفِرَادِ لِيَكُونَ لِكُلٍّ نَفَلٌ (بَلْ ضَرُورَةُ إبْهَامِهِ كَالنَّكِرَةِ فِي النَّفْيِ فَلَا شَرِكَةَ تُصَحِّحُ التَّجَوُّزَ) بِهِ عَنْ جَمِيعٍ أَوْ كُلٍّ، وَأُورِدَ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَنْ دَلَالَةٌ عَلَى الْعُمُومِ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ إرَادَةَ أَحَدِهِمَا مِنْهُ بِالْقَرِينَةِ، وَلَا شُبْهَةَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إنَّمَا سَبَقَ فِي مَقَامِ التَّحْرِيضِ عَلَى الْقِتَالِ فَيَسْتَلْزِمُ مَعْنَى كُلِّ مَنْ دَخَلَ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعَارَ لَهُ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ لُزُومٍ بِحَسَبِ الْمَقَامِ الْمُوجِبِ لِلْمُشَارَكَةِ الْمُصَحِّحَةِ لِلِاسْتِعَارَةِ بَيْنَهُمَا
وَأُجِيبَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمُشَارَكَةِ الْمُصَحِّحَةِ لِلِاسْتِعَارَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ نَصٌّ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا لِصَارِفٍ قَوِيٍّ وَلَا صَارِفَ هُنَا لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ (وَقِيلَ) فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَالْقَائِلُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ (الْأَوَّلُ فَرْدٌ سَابِقٌ عَلَى كُلِّ مَنْ سِوَاهُ بِلَا تَعَدُّدٍ، وَإِضَافَةُ كُلٍّ تُوجِبُهُ) أَيْ التَّعَدُّدَ فِيهِ (فَجَعَلَ) الْأَوَّلَ (مَجَازًا عَنْ جُزْئِهِ وَهُوَ) أَيْ جُزْؤُهُ (السَّابِقُ فَقَطْ) أَيْ بِلَا قَيْدِ الْفَرْدِيَّةِ عَلَى الْغَيْرِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ جَمِيعَ مَا عَدَاهُ أَوْ بَعْضَهُ كَالْمُتَخَلِّفِ لِيُجْرَى فِيهِ التَّعَدُّدُ فَيَصِحُّ إضَافَةُ كُلٍّ الْإِفْرَادِيِّ إلَيْهِ وَيَكُونُ مَنْ فِيهِ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً (فَفِي التَّعَاقُبِ يَسْتَحِقُّ الْأَوَّلُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ مَنْ بَعْدَهُ مَسْبُوقٌ وَكَمَالُ السَّابِقِ بِعَدَمِهِ) أَيْ بِعَدَمِ كَوْنِهِ مَسْبُوقًا بِالْغَيْرِ (خُصُوصًا فِي مَقَامِ التَّحْرِيضِ فَلَا يُعْتَرَضُ بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ اسْتِحْقَاقُ كُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِبَيْنِ إلَّا الْآخِرَ بِعُمُومِ الْمَجَازِ) وَهُوَ السَّابِقُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ النَّفَلَ لِلْأَوَّلِ خَاصَّةً وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَرَضْ بِهِ لِأَنَّ قَيْدَ عَدَمِ الْمَسْبُوقِيَّةِ بِالْغَيْرِ مُرَادٌ فَلَا يَصْدُقُ إلَّا عَلَى الْأَوَّلِ خَاصَّةً بِخِلَافِ مَنْ دَخَلَ الْحِصْنَ أَوَّلًا فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ حَمْلَ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فِيهِ فَتَعَيَّنَ الْحَقِيقِيُّ فَيَسْتَحِقُّ الْأَوَّلُ لَا غَيْرُ إذَا تَعَاقَبُوا وَلَا يَسْتَحِقُّ الْجَمِيعُ إنْ دَخَلُوا جَمِيعًا لِانْعِدَامِ الْأَوَّلِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمْ لِوُجُودِ الْمُزَاحِمِ لَهُ فِي ذَلِكَ (وَأَمَّا جَمِيعٌ فَلِلْعُمُومِ عَلَى الِاجْتِمَاعِ فَلِلْكُلِّ نَفَلٌ) وَاحِدٌ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ إذَا دَخَلُوا جَمِيعًا وَهُوَ بِفَتْحَتَيْنِ مَا يُنَفَّلُهُ الْغَازِي أَيْ يُعْطَاهُ زَائِدًا عَلَى سَهْمِهِ (فِي: جَمِيعُ مَنْ دَخَلَ أَوَّلًا فَلَهُ كَذَا بِحَقِيقَتِهِ) أَيْ لَفْظِ جَمِيعٍ وَهِيَ الْعُمُومُ الْإِحَاطِيُّ عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِمَاعِ (وَلِلْأَوَّلِ فَقَطْ فِي التَّعَاقُبِ بِدَلَالَتِهِ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ فَإِنَّ هَذَا التَّنْفِيلَ لِلتَّشْجِيعِ وَالْحَثِّ عَلَى الْمُسَارَعَةِ إلَى الدُّخُولِ أَوَّلًا فَإِذَا اسْتَحَقَّهُ السَّابِقُ بِصِفَةِ الِاجْتِمَاعِ فَلَأَنْ يَسْتَحِقَّهُ بِصِفَةِ الِانْفِرَادِ أَوْلَى لِأَنَّ الْجُرْأَةَ وَالْجَلَادَةَ فِيهِ أَقْوَى (لَا بِمَجَازِهِ فِي كُلٍّ) أَيْ لَا عَمَلًا بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لِجَمِيعٍ.
وَهُوَ مَعْنَى كُلٍّ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُوجِبُ الْعُمُومَ الْإِحَاطِيَّ (وَإِلَّا) لَوْ اسْتَحَقَّ الْأَوَّلُ بِمَجَازِهِ (لَزِمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ فِي الْإِرَادَةِ لِتَعَذُّرِ عُمُومِ الْمَجَازِ هُنَا) قَالَ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لِجَمِيعٍ، وَهُوَ الْإِحَاطَةُ بِقَيْدِ الِاجْتِمَاعِ بِحَيْثُ يَكُونُ الْمُتَعَدِّدُ
كَالْوَاحِدِ حَتَّى يَجِبَ لِلْكُلِّ نَفَلٌ لَيْسَ مِنْ مَعْنَى كُلٍّ بَلْ لَوْ دَخَلَتْ الْجَمَاعَةُ مَعًا فِي كُلٍّ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ النَّفَلُ فَلَزِمَ أَنَّهُ لَوْ تُجُوِّزَ بِهِ فِي مَعْنَى كُلٍّ لَمْ يَثْبُتْ لِلْجَمَاعَةِ نَفَلٌ وَلِلْوَاحِدِ مِثْلُهُ بِعُمُومِ الْمَجَازِ بَلْ بِحَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ مَعًا، وَهُوَ مَمْنُوعٌ (وَأَمَّا أَيٌّ فَلِبَعْضِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ) حَالَ كَوْنِ الْمُضَافِ إلَيْهِ (كُلًّا مَعْرِفَةً وَلَوْ بِاللَّامِ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُضَافُ إلَيْهِ كُلًّا مَعْرِفَةً (فَلِجُزْأَيْهِ) أَيْ الْمُضَافِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ كُلِّيًّا نَكِرَةً أَوْ مَعْرِفَةً لَفْظًا كَاَلَّتِي لِلْمَعْهُودِ الذِّهْنِيِّ فِي نَحْوِ اشْتَرِ اللَّحْمَ وَادْخُلْ السُّوقَ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.
(وَبِحَسَبِ مَدْخُولِهَا يَتَعَيَّنُ وَصْفُهَا الْمَعْنَوِيُّ فَامْتَنَعَ أَيُّ الرَّجُلِ عِنْدَك لِعَدَمِ الصِّحَّةِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا تَجُوزُ الْإِضَافَةُ إلَى مِثْلِهِ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا جَمْعٌ مُقَدَّرٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلَا مَعْنَى لِ: أَيُّ أَجْزَاءِ الرَّجُلِ عِنْدَك (وَجَازَ) أَيُّ الرَّجُلِ (أَحْسَنُ) لِصِحَّةِ: أَيُّ أَجْزَائِهِ أَحْسَنُ
قَالُوا وَإِنَّمَا جَازَ أَيُّ التَّمْرِ أَكَلْت، وَأَيُّ رَجُلٍ عِنْدَك؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْجَمْعِ أَيْ: أَيُّ آحَادِ التَّمْرِ أَكَلْت، وَأَيُّ الرِّجَالِ عِنْدَك (وَهِيَ فِي الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ كَكُلٍّ فِي النَّكِرَةِ فَتَجِبُ الْمُطَابَقَةُ) أَيْ مُطَابَقَةُ الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إلَيْهَا إفْرَادًا وَتَثْنِيَةً وَجَمْعًا تَذْكِيرًا وَتَأْنِيثًا (لِمَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ كَ: أَيَّ رَجُلَيْنِ تُكْرِمْ أُكْرِمْهُمَا، وَأَيَّ رِجَالٍ تُكْرِمْ أُكْرِمْهُمْ) وَأَيَّ رَجُلٍ تُكْرِمْ أُكْرِمْهُ، وَأَيَّ امْرَأَةٍ تُكْرِمْ أُكْرِمْهَا، وَأَيَّ امْرَأَتَيْنِ تُكْرِمْ أُكْرِمْهُمَا، وَأَيَّ نِسَاءٍ تُكْرِمْ أُكْرِمُهُنَّ، وَأَيُّ رَجُلٍ قَامَ، وَأَيُّ رَجُلَيْنِ قَامَا وَأَيُّ رِجَالٍ قَامُوا وَأَيُّ امْرَأَةٍ قَامَتْ وَأَيُّ امْرَأَتَيْنِ قَامَتَا وَأَيُّ نِسَاءٍ قُمْنَ (وَبَعْضٍ فِي الْمَعْرِفَةِ فَيَتَّحِدُ) الضَّمِيرُ الرَّاجِعُ إلَيْهَا مُثَنًّى كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ أَوْ مَجْمُوعًا مُذَكَّرًا أَوْ مُؤَنَّثًا (كَأَيِّ الرَّجُلَيْنِ) أَوْ الْمَرْأَتَيْنِ أَوْ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ (تَضْرِبْ أَضْرِبْهُ، وَتَعُمُّ) أَيٌّ (بِالْوَصْفِ) الْعَامِّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ (فَيَعْتِقُ الْكُلُّ إذَا ضَرَبُوا فِي: أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَك) فَهُوَ حُرٌّ ضَرَبُوهُ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا لِعُمُومِهَا بِعُمُومِ وَصْفِهَا الَّذِي هُوَ الضَّارِبِيَّةُ لِإِسْنَادِ الضَّرْبِ إلَى الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إلَيْهَا (وَمَنَعُوهُ) أَيْ عِتْقَ الْكُلِّ (فِي) أَيُّ عَبِيدِي (ضَرَبْته إلَّا الْأَوَّلَ) فِي ضَرْبِهِمْ عَلَى التَّرْتِيبِ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ لَهُ (أَوْ مَا يُعَيِّنُهُ الْمَوْلَى فِي الْمَعِيَّةِ) لِأَنَّ نُزُولَ الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ فَالتَّعْيِينُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِيَارُ فِي الضَّرْبِ إلَى الضَّارِبِ (لِأَنَّ الْوَصْفَ) الَّذِي هُوَ الضَّارِبِيَّةُ (لِغَيْرِهَا) أَيْ لِغَيْرِ أَيٍّ، وَهُوَ الْمُخَاطَبُ لِإِسْنَادِ الضَّرْبِ إلَيْهِ وَهُوَ خَاصٌّ فَلَا تَعُمُّ لِعَدَمِ اتِّصَافِهَا بِصِفَةٍ عَامَّةٍ.
(وَمُنِعَ) كَوْنُهَا غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ هُنَا أَيْضًا وَالْمَانِعُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (بِأَنَّهَا) أَيْ أَيًّا (مَوْصُوفَةٌ بالمضروبية، وَكَوْنُ الْمَفْعُولِيَّةِ فَضْلَةً تَثْبُتُ ضَرُورَةَ التَّحَقُّقِ) أَيْ تَحَقُّقِ تَعَدِّي الْفِعْلِ (لَا يُنَافِيهِ) أَيْ الْعُمُومَ لِيُقَالَ مَا ثَبَتَ ضَرُورَةً يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَلَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي التَّعْمِيمِ وَكَيْفَ وَالضَّرْبُ صِفَةٌ إضَافِيَّةٌ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْفَاعِلِ وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَصْفٌ لَهُ وَبِالْمَفْعُولِ وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَصْفٌ لَهُ وَلَا امْتِنَاعَ فِي قِيَامِ الْإِضَافِيَّاتِ بِالْمُضَافَيْنِ (وَالْفَرْقُ) بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (بِكَوْنِ الثَّانِي) وَهُوَ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْته (لِاخْتِيَارِ أَحَدِهِمْ عُرْفًا) أَيْ لِتَخْيِيرِ الْفَاعِلِ الْمُخَاطَبِ فِي تَعْيِينِهِ (كَ: كُلْ أَيَّ خُبْزٍ تُرِيدُ) .
قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَالْوَجْهُ أَيَّ خُبْزِي لِيُطَابِقَ الْمِثَالَ) وَهُوَ أَيُّ عَبِيدِي (لَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمُخَاطَبِ (أَكْلُ الْكُلِّ بَلْ تَعْيِينُ وَاحِدٍ يَخْتَارُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَك فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ تَخْيِيرُ الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْقَلُ فِي مُتَعَدِّدٍ وَلَا تَعَدُّدَ فِي الْمَفْعُولِ (لَا يُدْفَعُ بِنَحْوِ: أَيَّ عَبِيدِي وَطِئَتْهُ دَابَّتُك) أَوْ عَضَّهُ كَلْبُك كَمَا وَقَعَ فِي التَّلْوِيحِ (لِأَنَّ مَحَلَّ الْعُرْفِ مَا يَصِحُّ فِيهِ التَّخْيِيرُ) لِلْفَاعِلِ وَهَذَا مِمَّا لَا يَصِحُّ فِيهِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ (وَأَمَّا ادِّعَاءُ وَضْعِهَا ابْتِدَاءً لِلْعُمُومِ الِاسْتِغْرَاقِيِّ بِادِّعَاءِ الْفَرْقِ بَيْنَ أَعْتِقْ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي