المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة إذا اختلف حكم مطلق ومقيده] - التقرير والتحبير على كتاب التحرير - جـ ١

[ابن أمير حاج]

فهرس الكتاب

- ‌[خِطْبَة الْكتاب]

- ‌[الْمُقَدِّمَةُ أَرْبَعَة أُمُور]

- ‌[الْأَمْرُ الْأَوَّل مَفْهُومُ اسْم هَذَا الْعِلْمِ وَهُوَ لَفْظُ أُصُولِ الْفِقْهِ]

- ‌[الْأَمْر الثَّانِي مَوْضُوع أُصُولِ الْفِقْهِ]

- ‌[الْأَمْر الثَّالِثُ الْمُقَدِّمَاتُ الْمَنْطِقِيَّةُ مَبَاحِثُ النَّظَرِ]

- ‌[الْأَمْرُ الرَّابِعُ اسْتِمْدَاد عِلْم أُصُولُ الْفِقْهِ]

- ‌[الْمَقَالَةُ الْأُولَى فِي الْمَبَادِئِ اللُّغَوِيَّةِ]

- ‌[الْمَقَامُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ مَعْنَى اللُّغَةِ]

- ‌[الْمَقَامُ الثَّانِي فِي بَيَانِ سَبَبِ وَضْعِ لُغَاتِ الْأَنَاسِيِّ]

- ‌[الْمَقَامُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ وَاضِعِ اللُّغَةُ]

- ‌[الْمَقَامُ الرَّابِعُ هَلْ يُحْكَمُ بِاعْتِبَارِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ اللَّفْظِ وَمَعْنَاهُ الْمَوْضُوعِ لَهُ]

- ‌[الْمَقَامُ الْخَامِسُ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعَ لَهُ اللَّفْظُ]

- ‌[الْمَقَامُ السَّادِسُ فِي بَيَانِ طُرُقِ مَعْرِفَةِ اللُّغَاتِ]

- ‌[الْمَقَامُ السَّابِعُ الْقِيَاسَ هَلْ يَجْرِي فِي اللُّغَةِ]

- ‌[الْمَقَامُ الثَّامِنُ فِي تَقْسِيمِ اللَّفْظِ إلَى مهمل ومستعمل]

- ‌[بَيَانِ الْأَقْسَامِ اللَّاحِقَةِ لِلَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ]

- ‌[أَقْسَام الْمُفْرَدِ وَالْمُرَكَّبِ]

- ‌[أَقِسَام اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي انْقِسَامِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي انْقِسَامِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ]

- ‌[انْقِسَامِ دَلَالَةُ اللَّفْظ إلَى الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ]

- ‌[أَقْسَام الْمَفْهُومُ]

- ‌[التَّقْسِيمُ الثَّانِي فِي اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ دَلَالَتِهِ]

- ‌[التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ لِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ الْخَفَاء فِي الدَّلَالَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ مُقَايَسَتِهِ إلَى مُفْرَدٍ آخَرَ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ مَدْلُولِهِ]

- ‌[التَّقْسِيمُ الْأَوَّلُ تَعَدَّى الْمُفْرَدِ إِلَيَّ كُلِّي وجزئي]

- ‌[التَّقْسِيمُ الثَّانِي مَدْلُولُ المفرد إمَّا لَفْظٌ كَالْجُمْلَةِ وَالْخَبَرِ أَوْ غَيْرُهُ]

- ‌[التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ تَقْسِيم اللَّفْظَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ وَالصِّيغَةِ]

- ‌[مباحث الْعَامُّ]

- ‌[الْبَحْثُ الْأَوَّلُ هَلْ يُوصَفُ بِالْعُمُومِ الْمَعَانِي الْمُسْتَقِلَّةُ كَالْمُقْتَضَى وَالْمَفْهُومِ]

- ‌[الْبَحْثُ الثَّانِي هَلْ الصِّيَغُ مِنْ أَسْمَاءِ الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ]

- ‌[الْبَحْثُ الثَّالِثُ لَيْسَ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ عَامًّا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَيْسَ الْعَامُّ مُجْمَلًا]

- ‌[الْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ صِيغَةِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ هَلْ يَشْمَلُ النِّسَاءَ وَضْعًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ الْمُشْتَرَكُ عَامٌّ اسْتِغْرَاقِيٌّ فِي مَفَاهِيمِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ خِطَابِ الْوَاحِدِ لَا يَعُمُّ غَيْرَهُ لُغَةً]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْخِطَابِ الَّذِي يَعُمُّ الْعَبِيدَ لُغَةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ عَلَى عُمُومِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ]

- ‌[الْبَحْثُ الرَّابِعُ الِاتِّفَاقُ عَلَى إطْلَاقِ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ عَلَى الْخَاصِّ وَعَلَى احْتِمَالِهِ]

- ‌[الْبَحْثُ الْخَامِسُ يَرِدُ عَلَى الْعَامِّ التَّخْصِيصُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَغْرِقُ]

- ‌[مَسْأَلَة شَرْطُ إخْرَاجِهِ أَيْ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَقَّبَ الِاسْتِثْنَاءُ جُمَلًا مُتَعَاطِفَةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا خُصَّ الْعَامُّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ بِمُجْمَلٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقَائِلُونَ بِالْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ خَصُّوا بِهِ الْعَامَّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعَادَةِ وَهِيَ الْأَمْرُ الْمُتَكَرِّرُ مِنْ غَيْرِ عَلَاقَةٍ عَقْلِيَّةٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ أَيْ الْعَامِّ]

- ‌[مَسْأَلَةُ رُجُوعِ الضَّمِيرِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْعَامِّ إلَى الْبَعْضِ مِنْ أَفْرَادِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ تَّخْصِيصُ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ مُنْتَهَى التَّخْصِيصِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ إذَا اخْتَلَفَ حُكْمُ مُطْلَقٍ وَمُقَيَّدِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ صِيغَةُ الْأَمْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْوُجُوبِ لِصِيغَةِ الْأَمْرِ حَقِيقَةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَبَادُرِ كَوْنِ الصِّيغَةِ فِي الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ مَجَازًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الصِّيغَة أَيْ الْمَادَّة بِاعْتِبَارِ الْهَيْئَة الْخَاصَّةِ لِمُطْلَقِ الطَّلَبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْفَوْر للأمر ضروري لِلْقَائِلِ بِالتَّكْرَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْآمِرُ لِشَخْصٍ بِالْأَمْرِ لِغَيْرِهِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ آمِرًا لِذَلِكَ الْمَأْمُورِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَاقَبَ أَمْرَانِ غَيْرُ مُتَعَاطِفَيْنِ بِمُتَمَاثِلَيْنِ فِي مَأْمُورٍ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالنَّفْسِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَلَّقَ النَّهْيُ بِالْفِعْلِ]

الفصل: ‌[مسألة إذا اختلف حكم مطلق ومقيده]

(فِي الْمُقَيَّدِ وَلَيْسَ) دُخُولُهُمَا فِي الْمُقَيَّدِ (بِمَشْهُورٍ) أَيْ بِاصْطِلَاحٍ شَائِعٍ ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا الِاصْطِلَاحُ يَعْنِي فِي الْمُقَيَّدِ مَا أُخْرِجَ مِنْ الشِّيَاعِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَرَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ شَائِعَةً بَيْنَ الرَّقَبَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أُخْرِجَتْ مِنْ الشِّيَاعِ بِوَجْهٍ مَا حَيْثُ كَانَتْ شَائِعَةً بَيْنَ الْمُؤْمِنَةِ وَغَيْرِ الْمُؤْمِنَةِ فَأُزِيلَ ذَلِكَ الشِّيَاعُ عَنْهُ، وَقُيِّدَ بِالْمُؤْمِنَةِ فَكَانَ مُطْلَقًا مِنْ وَجْهٍ مُقَيَّدًا مِنْ وَجْهٍ، ثُمَّ قَالُوا: وَجَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ مِنْ مُتَّفِقٍ وَمُخْتَلِفٍ وَمُخْتَارٍ وَمُزَيَّفٍ يَجْرِي مِثْلُهُ فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ وَيَزِيدُ هَذَا بِهَذِهِ.

[مَسْأَلَةُ إذَا اخْتَلَفَ حُكْمُ مُطْلَقٍ وَمُقَيَّدِهِ]

(مَسْأَلَةٌ إذَا اخْتَلَفَ حُكْمُ مُطْلَقٍ وَمُقَيَّدِهِ) أَيْ وَحُكْمُ مُقَيَّدٍ مِنْ مُقَيَّدَاتِهِ وَهُوَ الْمُسْنَدُ كَأَطْعِمْ فَقِيرًا وَاكْسُ فَقِيرًا عَارِيًّا (لَمْ يُحْمَلْ) الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ (إلَّا ضَرُورَةً) أَيْ إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُوجِبًا لِذَلِكَ أَلْبَتَّةَ (كَأَعْتِقْ رَقَبَةً وَلَا تَتَمَلَّكْ إلَّا رَقَبَةً مُؤْمِنَةً) فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ تَمَلُّكِ مَا عَدَا الرَّقَبَةَ الْمُؤْمِنَةَ مَعَ الْأَمْرِ بِعِتْقِ الرَّقَبَةِ يُوجِبُ تَقْيِيدَ الْمُعْتَقَةِ بِالْمُؤْمِنَةِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمِلْكِ وَقَدْ فُرِضَ نَهْيُهُ عَنْ تَمَلُّكِ غَيْرِ الْمُؤْمِنَةِ فَيَكُونُ مَأْمُورًا بِعِتْقِ الْمُؤْمِنَةِ.

قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ هَذَا مِمَّا يَجِبُ فِيهِ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ النَّهْيُ عَنْ تَمَلُّكِ مَا عَدَا الرَّقَبَةَ الْمُؤْمِنَةَ مُوجِبًا تَقْيِيدَ الرَّقَبَةِ بِالْمُؤْمِنَةِ فِي الْأَمْرِ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِ الْمَأْمُورِ رَقَبَةٌ كَافِرَةٌ أَمَّا إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ رَقَبَةٌ كَافِرَةٌ فَلَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَتَوَقَّفُ عِتْقُ الرَّقَبَةِ عَلَى تَمَلُّكِ الْمُؤْمِنَةِ لِيَسْتَلْزِمَ كَوْنَ الْمُعْتَقَةِ مُؤْمِنَةً أَلْبَتَّةَ إذْ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْكَافِرَةَ وَلَمْ يَتَمَلَّكْ إلَّا مُؤْمِنَةً كَانَ مُتَمَثِّلًا لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ عِتْقَ الرَّقَبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَمَلُّكِ الْمُؤْمِنَةِ لِإِمْكَانِ الْعِتْقِ بِدُونِ تَمَلُّكِ الْمُؤْمِنَةِ بِأَنْ يَرِثَ رَقَبَةً كَافِرَةً فَيُعْتِقَهَا فَإِنَّ التَّمَلُّكَ يَقْتَضِي الِاخْتِيَارَ وَلَا اخْتِيَارَ فِي الْإِرْثِ فَيَكُونَ مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّ تَمْثِيلَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ لِهَذَا بِ أَعْتِقْ عَنِّي رَقَبَةً وَلَا تُمَلِّكْنِي رَقَبَةً كَافِرَةً لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْحَمْلُ الْمَذْكُورُ بَلْ الْمِثَالُ الْمُطَابِقُ لَهُ أَعْتَقْت رَقَبَةً وَلَمْ أَمْلِكْ رَقَبَةً كَافِرَةً أَوْ إلَّا رَقَبَةً مُؤْمِنَةً (أَوْ اتَّحَدَ) حُكْمُ الْمُطْلَقِ وَحُكْمُ مُقَيَّدِهِ حَالَ كَوْنِهِمَا (مَنْفِيَّيْنِ) كَلَا تُعْتِقْ رَقَبَةً لَا تُعْتِقْ رَقَبَةً كَافِرَةً (فَمِنْ بَابٍ آخَرَ) أَيْ إفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِ الْعَامِّ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ لِلْعَامِّ عَلَى الْمُخْتَارِ لَا مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ (أَوْ) حَالَ كَوْنِهِمَا (مُثْبَتَيْنِ مُتَّحِدَيْ السَّبَبِ وَرَدَا مَعًا حُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُقَيَّدِ (بَيَانًا ضَرُورَةَ أَنَّ السَّبَبَ الْوَاحِدَ لَا يُوجِبُ الْمُتَنَافِيَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَصَوْمِ) كَفَّارَةِ (الْيَمِينِ عَلَى التَّقْدِيرِ) أَيْ تَقْدِيرِ وُرُودِ الْمُطْلَقِ - وَهُوَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196]- وَالْمُقَيَّدِ وَهُوَ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ فِيهَا مَعًا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ أَصْحَابُنَا بِوُجُوبِ التَّتَابُعِ فِيهِ (أَوْ جُهِلَ) كَوْنُهُمَا مَعًا

(فَالْأَوْجَهُ عِنْدِي كَذَلِكَ) أَيْ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ (حَمْلًا) لَهُمَا (عَلَى الْمَعِيَّةِ تَقْدِيمًا لِلْبَيَانِ عَلَى النَّسْخِ عِنْدَ التَّرَدُّدِ) بَيْنَهُمَا (لِلْأَغْلَبِيَّةِ) أَيْ أَغْلَبِيَّةِ الْبَيَانِ عَلَى النَّسْخِ (مَعَ أَنَّ قَوْلَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي التَّعَارُضِ) : الدَّلِيلَانِ الْمُتَعَارِضَانِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ تَارِيخُهُمَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا (يُؤْنِسُهُ) أَيْ هَذَا الِاخْتِيَارَ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ عُلِمَ تَأَخُّرُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ الْمُطْلَقَ فَسَيَأْتِي وَإِنْ كَانَ الْمُقَيَّدَ (فَالْمُقَيَّدُ الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْ أُرِيدَ الْإِطْلَاقُ ثُمَّ رُفِعَ بِالْقَيْدِ فَلِذَا) أَيْ فَلِكَوْنِ الْمُقَيَّدِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْمُطْلَقِ نَاسِخًا لَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (لَمْ يُقَيِّدْ خَبَرُ الْوَاحِدِ عِنْدَهُمْ الْمُتَوَاتِرَ وَهُوَ) أَيْ تَقْيِيدُ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْمُتَوَاتِرِ هُوَ (الْمُسَمَّى بِالزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ) عِنْدَهُمْ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ ظَنِّيٌّ وَالْمُتَوَاتِرَ قَطْعِيٌّ، وَلَا يَجُوزُ نَسْخُ الْقَطْعِيِّ بِالظَّنِّيِّ (وَهُوَ) أَيْ

ص: 294

كَوْنُ الْمُقَيَّدِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْمُطْلَقِ نَاسِخًا لَهُ (الْأَوْجَهُ وَالشَّافِعِيَّةُ) قَالُوا وُرُودُ الْمُقَيَّدِ بَعْدَ الْمُطْلَقِ (تَخْصِيصٌ) لِلْمُطْلَقِ (أَيْ بَيَّنَ الْمُقَيَّدُ أَنَّهُ) نَفْسَهُ (الْمُرَادُ بِالْمُطْلَقِ وَهُوَ) أَيْ وَكَوْنُهُ مُبَيِّنًا أَنَّهُ الْمُرَادُ بِالْمُطْلَقِ (مَعْنَى حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ (إنَّهُ) أَيْ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ (جَمْعٌ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ) الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ (مُغَالَطَةُ قَوْلِهِمْ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُقَيَّدِ عَمَلٌ بِهِ) أَيْ الْمُطْلَقِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ (قُلْنَا) لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ عَمَلٌ بِالْمُطْلَقِ مُطْلَقًا (بَلْ بِالْمُطْلَقِ الْكَائِنِ فِي ضِمْنِ الْمُقَيَّدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ) أَيْ فِي ضِمْنِ الْمُقَيَّدِ (وَهُوَ) أَيْ الْمُطْلَقُ فِي ضِمْنِ الْمُقَيَّدِ (الْمُقَيَّدُ فَقَطْ وَلَيْسَ الْعَمَلُ بِالْمُطْلَقِ كَذَلِكَ) أَيْ الْعَمَلِ بِهِ فِي ضِمْنِ مُقَيَّدٍ فَقَطْ (بَلْ) الْعَمَلُ بِهِ (أَنْ يُجْزِئَ كُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ) الْمُطْلَقُ (مِنْ الْمُقَيَّدَاتِ) فَيُجْزِئَ كُلٌّ مِنْ الْمُؤْمِنَةِ وَالْكَافِرَةِ فِي {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] مَثَلًا (وَمَنْشَأُ الْمُغَالَطَةِ أَنَّ الْمُطْلَقَ بِاصْطِلَاحٍ) - وَهُوَ اصْطِلَاحُ الْمَنْطِقِيِّينَ - (الْمَاهِيَّةُ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ) فَظُنَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هَذَا هُنَا (لَكِنْ) لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْفَرْدُ الشَّائِعُ (هُنَا بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ) أَوْ الْمَاهِيَّةُ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ حَتَّى كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَيِّ فَرْدٍ شَاءَ، وَالتَّقْيِيدُ يُنَافِي هَذِهِ الْمُكْنَةَ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا (وَلِأَنَّ فِيهِ) أَيْ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ (احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُكَلَّفًا بِالْقَيْدِ وَاعْتِبَارُ الْمُطْلَقِ لَا يُتَيَقَّنُ مَعَهُ بِفِعْلِهِ) أَيْ الْمُقَيَّدِ الْمُكَلَّفِ بِهِ حِينَئِذٍ لِتَجْوِيزِهِ الْخُرُوجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِفِعْلِ مُقَيَّدٍ غَيْرِهِ مِنْ مُقَيَّدَاتِهِ

(قُلْنَا قَضَيْنَا عُهْدَتَهُ) أَيْ الْمُطْلَقِ (بِإِيجَابِ الْمُقَيَّدِ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ (وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ) أَيْ إيجَابَ الْمُقَيَّدِ (حَمْلٌ) هُوَ (بَيَانٌ) كَمَا هُوَ قَوْلُهُمْ (أَوْ نَسْخٌ) كَمَا هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا (فَالْمُقَيَّدُ) لِلشَّافِعِيَّةِ (فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ إثْبَاتُ أَنَّهُ بَيَانٌ وَلَهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ (فِيهِ) أَيْ إثْبَاتِ أَنَّهُ بَيَانٌ (أَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ النَّسْخِ) لِأَنَّهُ دَفْعٌ، وَالنَّسْخُ رَفْعٌ، وَالدَّفْعُ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ (فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ قُلْنَا إذْ لَا مَانِعَ) مِنْ الْحَمْلِ عَلَيْهِ (وَحَيْثُ كَانَ الْإِطْلَاقُ مِمَّا يُرَادُ قَطْعًا وَثَبَتَ) الْإِطْلَاقُ (غَيْرَ مَقْرُونٍ بِمَا يَنْفِيهِ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ كَذَلِكَ عَلَى نَحْوِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي تَخَصُّصِ الْمُتَأَخِّرِ وَمَا قِيلَ) كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُقَيَّدُ الْمُتَأَخِّرُ بَيَانًا لَكَانَ كُلُّ تَخْصِيصٍ نَسْخًا) لِلْعَامِّ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُخَالِفٌ لَهُ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ (مَمْنُوعُ الْمُلَازَمَةِ بَلْ اللَّازِمُ كَوْنُ كُلِّ) لَفْظٍ مُسْتَقِلٍّ مُخْرِجٍ لِبَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ الْعَامُّ مِنْ إرَادَتِهِ بِهِ (مُتَأَخِّرٍ) عَنْ الْعَامِّ (نَاسِخًا) لِحُكْمِهِ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ (لَا تَخْصِيصًا وَبِهِ نَقُولُ عَلَى أَنَّ فِي عِبَارَتِهِ مُنَاقَشَةً بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ تَخْصِيصًا وَنَسْخًا لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا (ثُمَّ أُجِيبَ) عَنْ هَذَا (فِي أُصُولِهِمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ - وَالْمُجِيبُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (بِأَنَّ فِي التَّقْيِيدِ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا قَبْلُ) أَيْ قَبْلَ التَّقْيِيدِ كَوُجُوبِ إيمَانِ الرَّقَبَةِ مَثَلًا (بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ دَفْعٌ لِبَعْضِ حُكْمِ الْأَوَّلِ) فَقَطْ لَا إثْبَاتُ حُكْمٍ آخَرَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَنْبُو) أَيْ وَيَبْعُدُ هَذَا الْجَوَابُ (عَنْ الْفَرِيقَيْنِ) الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (فَإِنَّ الْمُطْلَقَ مُرَادٌ بِحُكْمِ الْمُقَيَّدِ إذَا وَجَبَ الْحَمْلُ) لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ (اتِّفَاقًا) وَإِذَا كَانَ الْمُطْلَقُ مُرَادًا بِحُكْمِ الْمُقَيَّدِ مِنْ حِينِ تَكَلَّمَ بِهِ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا قَبْلُ (وَإِلْزَامُهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ لِلْحَنَفِيَّةِ (كَوْنَ الْمُطْلَقِ الْمُتَأَخِّرِ نَسْخًا) لِلْمُقَيَّدِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْمُقَيَّدِ الْمُتَأَخِّرِ نَسْخًا لِلْمُطْلَقِ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ اللَّاحِقَ كَمَا يُنَافِي الْإِطْلَاقَ السَّابِقَ وَيَرْفَعُهُ فَكَذَا بِالْعَكْسِ وَإِنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ (لَا أَعْلَمُ فِيهِ تَصْرِيحًا مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) وَمَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِمْ فَلْيَأْتِ بِهِ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ وَكَيْفَ لَا (وَعُرِفَ) مِنْ قَوَاعِدِهِمْ (إيجَابُهُمْ وَصْلَ بَيَانِ الْمُرَادِ بِالْمُطْلَقِ) بِالْمُطْلَقِ إذَا لَمْ يَكُنْ

ص: 295

الْمُرَادُ بِهِ الْإِطْلَاقَ (كَقَوْلِهِمْ فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ) يَجِبُ وَصْلُ الْمُخَصِّصِ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ عُمُومَهُ (بِذَلِكَ الْوَجْهِ) الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهُ ثَمَّةَ فَلْيُرَاجَعْ.

(وَيَجِيءُ فِيهِ) أَيْ فِي تَأْخِيرِ الْمُقَيَّدِ (مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ إرَادَتِهِمْ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي الْحُسَيْنِ مِنْ) وَصْلِ الْبَيَانِ (الْإِجْمَالِيِّ كَهَذَا الْإِطْلَاقِ مُقَيَّدٌ وَيَصِيرُ) الْمُطْلَقُ حِينَئِذٍ (مُجْمَلًا أَوْ التَّفْصِيلِيِّ وَلَنَا أَنْ نَلْتَزِمَهُ) أَيْ كَوْنَ الْمُطْلَقِ الْمُتَأَخِّرِ نَاسِخًا لِلْمُقَيَّدِ (عَلَى قِيَاسِ نَسْخِ الْعَامِّ الْمُتَأَخِّرِ الْخَاصَّ الْمُتَقَدِّمَ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَمَعْنَى النَّسْخِ فِيهِ) أَيْ فِي نَسْخِ الْمُطْلَقِ الْمُتَأَخِّرِ الْمُقَيَّدَ (نَسْخُ الْقَصْرِ عَلَى الْمُقَيَّدِ) وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّ حُكْمَ الْمُقَيَّدِ لَمْ يُرْفَعْ بِالْمُطْلَقِ.

هَذَا وَفِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَشُرُوحِهِ: الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ الْمُثْبَتَانِ إنْ تَأَخَّرَ الْمُقَيَّدُ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْمُطْلَقِ فَالْمُقَيَّدُ نَاسِخٌ لَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى صِدْقِهِ بِغَيْرِ الْمُقَيَّدِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ بِالْمُطْلَقِ دُونَ الْعَمَلِ، أَوْ تَأَخَّرَ الْمُطْلَقُ عَنْ الْمُقَيَّدِ مُطْلَقًا، أَوْ تَقَارَنَا، أَوْ جُهِلَ تَارِيخُهُمَا حُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَقِيلَ الْمُقَيَّدُ نَاسِخٌ لِلْمُطْلَقِ إنْ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ بِهِ كَمَا لَوْ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِهِ وَقِيلَ يُحْمَلُ الْمُقَيَّدُ عَلَى الْمُطْلَقِ بِأَنْ يُلْغَى الْقَيْدُ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمُقَيَّدِ ذِكْرٌ جُزْئِيٌّ مِنْ الْمُطْلَقِ فَلَا يُقَيِّدُهُ كَمَا أَنَّ ذِكْرَ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ لَا يُخَصِّصُهُ.

وَظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّ الْجَادَّةَ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ الْمُفَصَّلُ فَإِمَّا عِنْدَهُ وَإِمَّا عِنْدَهُمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ قَالَ عَطْفًا عَلَى مُتَّحِدَيْ السَّبَبِ (أَوْ مُخْتَلِفَيْ السَّبَبِ كَإِطْلَاقِ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ) حَيْثُ قَالَ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92](وَتَقْيِيدِهَا فِي) كَفَّارَةِ (الْقَتْلِ) حَيْثُ قَالَ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92](فَعَنْ الشَّافِعِيِّ يُحْمَلُ) الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَيَجِبُ كَوْنُهَا مُؤْمِنَةً فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ (فَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ - يَعْنِي - بِجَامِعٍ) بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، وَهُوَ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ فِي هَذَا الْمِثَالِ حُرْمَةُ سَبَبِهِمَا أَعْنِي الظِّهَارَ وَالْقَتْلَ (وَالْحَنَفِيَّةُ يَمْنَعُونَهُ) أَيْ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِجَامِعٍ (لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْقِيَاسِ وَهُوَ عَدَمُ مُعَارَضَةِ مُقْتَضَى نَصٍّ) فِي الْمَقِيسِ فَإِنَّ الْمُطْلَقَ نَصٌّ دَالٌّ عَلَى إجْزَاءِ الْمُقَيَّدِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِالْقِيَاسِ عَدَمُ إجْزَاءِ غَيْرِ الْمُقَيَّدِ لِانْتِفَاءِ صِحَّتِهِ (وَبَعْضُهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ (مُطْلَقًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا (لِوَحْدَةِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَخْتَلِفُ) بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ (بَلْ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا) فَإِذَا نَصَّ عَلَى الْإِيمَانِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ لَزِمَ أَيْضًا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ (أَضْعَفُ) مِنْ الْأَوَّلِ (وَإِذَا نَظَرْنَا فِي مُقْتَضَيَاتِ الْعِبَارَاتِ) وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ قَطْعًا لَا فِي الصِّفَةِ الْأَزَلِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِالذَّاتِ (وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فِي سَبَبِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ كَ أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ) أَيْ كَمَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَ «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَقَالَ أَدُّوا صَاعًا مِنْ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَقَعُ فِيهِ التَّقَيُّدُ بِإِسْلَامِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ (مَعَ رِوَايَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَمِمَّا وَقَعَ فِيهِ التَّقْيِيدُ بِإِسْلَامِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ، إذْ السَّبَبُ فِي وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ الْمُخْرِجُ وَيَلِي عَلَيْهِ، وَقَدْ وَقَعَ تَارَةً مُطْلَقًا عَنْ قَيْدِ الْإِسْلَامِ وَتَارَةً مُقَيَّدًا بِهِ (فَلَا حَمْلَ) لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِمَا تَقَدَّمَ) مَنْ أَنَّهُ قَيْدٌ وَلَا يَقُولُونَ بِالْمَفْهُومِ

ص: 296

فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءٌ فَصَارَ كُلٌّ مِنْ الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ سَبَبًا وَلَا حَمْلَ.

نَعَمْ لَوْ قَالُوا بِالْمَفْهُومِ حَتَّى لَزِمَ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ غَيْرَ الْمُسْلِمِ لَا يَجِبُ الْأَدَاءُ عَنْهُ لَزِمَ الْحَمْلُ حِينَئِذٍ ضَرُورَةً لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْحَاصِلُ مِنْ الْمُطْلَقِ: مِلْكُ الْعَبْدِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ عَنْهُ - مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا - وَمِنْ الْمُقَيَّدِ: مِلْكُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ سَبَبٌ، وَمِلْكُ غَيْرِهِ لَيْسَ سَبَبًا لِدَلَالَةِ الْمَفْهُومِ عَلَى ذَلِكَ بِالْفَرْضِ فَإِذَا فُرِضَ تَرْجِيحٌ بِمُقْتَضَى الْمَفْهُومِ تَقَيَّدَ الْآخَرُ، لَكِنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِحُجِّيَّةِ الْمَفْهُومِ فَبَقِيَ حَاصِلُ الْمُقَيَّدِ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ سَبَبٌ فَقَطْ، وَالْمُطْلَقُ يُفِيدُ أَنَّهُ سَبَبٌ وَأَنَّ غَيْرَهُ سَبَبٌ أَيْضًا وَلَا مُعَارِضَ لَهُ فِي سَبَبِيَّةِ الْغَيْرِ، إذْ الْمَفْهُومُ لَيْسَ مُعَارِضًا فَوَجَبَ سَبَبِيَّةُ غَيْرِهِ أَيْضًا، وَلَا حَمْلَ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ

ثُمَّ قَالَ: (وَالِاحْتِيَاطُ الْمُتَقَدِّمُ لَهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْعَمَلِ بِالْمُقَيَّدِ (يَنْقَلِبُ عَلَيْهِمْ) فِي حَمْلِهِمْ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي هَذَا (إذْ هُوَ) أَيْ الِاحْتِيَاطُ هُنَا (فِي جَعْلِ كُلٍّ) مِنْ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ (سَبَبًا) لِلْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ لَا مُدَافَعَةَ فِي الْأَسْبَابِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ أَسْبَابٌ مُتَعَدِّدَةٍ شَرْعًا وَحِسًّا، ثُمَّ فِيهِ الْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ السَّبَبُ هُوَ الْمُطْلَقَ فَإِذَا لَمْ يُعْمَلْ إلَّا بِمُقَيَّدٍ مَخْصُوصٍ يَكُونُ تَارِكًا لِلْحُكْمِ مَعَ قِيَامِ سَبَبِهِ.

وَأُورِدَ حُكْمُ الْمُقَيَّدِ يُفْهَمُ مِنْ الْمُطْلَقِ فَلَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ يَلْزَمُ إلْغَاءُ الْمُقَيَّدِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ الْمُقَيَّدِ وَفَضْلَهُ وَأَنَّهُ عَزِيمَةٌ وَالْمُطْلَقَ رُخْصَةٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ جَدِيدَةٌ لَا يَجُوزُ إبْطَالُ صِفَةِ الْإِطْلَاقِ لِطَلَبِ فَائِدَةِ الْمُقَيَّدِ عِنْدَ إمْكَانِ الْجَمْعِ، فَيَجْعَلُ سَبَبِيَّةَ مَفْهُومِ الْمُطْلَقِ ثَابِتَةً بِالنَّصِّ الْمُطْلَقِ وَسَبَبِيَّةَ مَفْهُومِ الْمُقَيَّدِ ثَابِتَةً بِالْمُقَيَّدِ وَالْمُطْلَقِ جَمِيعًا، وَلَيْسَ بِمُسْتَبْعَدٍ فِي الشَّرْعِ إثْبَاتُ شَيْءٍ بِنَصَّيْنِ وَبِنُصُوصٍ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا.

ثُمَّ بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ لِلشَّافِعِيَّةِ لَا بَأْسَ بِذِكْرِهِ تَتْمِيمًا وَهُوَ مَا إذَا أُطْلِقَ الْحُكْمُ فِي مَوْضِعٍ وَقُيِّدَ فِي مَوْضِعَيْنِ بِقَيْدَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ مَاذَا يَكُونُ حُكْمُهُ.؟

قَالُوا: مَنْ قَالَ بِالْحَمْلِ مُطْلَقًا قَالَ بِبَقَاءِ الْمُطْلَقِ عَلَى إطْلَاقِهِ إذْ لَيْسَ التَّقْيِيدُ بِأَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَمَنْ قَالَ بِالْحَمْلِ قِيَاسًا حَمَلَهُ عَلَى مَا حَمْلُهُ عَلَيْهِ أَوْلَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قِيَاسٌ رُجِعَ إلَى أَصْلِ الْإِطْلَاقِ وَيُشْكِلُ عَلَى الْكُلِّ نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ التَّعْفِيرِ بِالتُّرَابِ فِي الْأُولَى وَالثَّامِنَةِ وَمِنْ غَسَلَاتِ وُلُوغِ الْكَلْبِ، وَأَنَّهُ لَا يُطَهِّرُهُ غَيْرُ ذَلِكَ مَعَ وُرُودِهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَمُطْلَقًا، وَكَوْنُ الْإِطْلَاقِ مَحْمُولًا عَلَى إحْدَاهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْأُولَى وَبِغَيْرِهَا لَيْسَ عَلَى الِاشْتِرَاطِ بَلْ الْمُرَادُ إحْدَاهُنَّ، وَأَمَّا قَوْلُ السُّبْكِيّ: وَكَأَنَّ أَبِي يَقُولُ إنَّمَا يَنْبَغِي حِينَئِذٍ إيجَابُ كِلَيْهِمَا لِوُرُودِ الْحَدِيثِ فِيهِمَا - وَلَا تَنَافِيَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا - فَعَجِيبٌ مِنْ مِثْلِهِ وَكَذَا عَدَمُ تَعَقُّبِ وَلَدِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَلْيُتَأَمَّلْ.

(وَأَمَّا الْأَمْرُ فَلَفْظُهُ) أَيْ أَمَر (حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ) أَيْ مَوْضُوعٌ لِلصِّيغَةِ الْمَعْلُومَةِ (اتِّفَاقًا) ثُمَّ قِيلَ (مَجَازٌ فِي الْفِعْلِ) غَيْرِ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] أَيْ الْفِعْلِ الَّذِي تَعْزِمُ عَلَيْهِ (وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ فِيهِمَا) أَيْ مَوْضُوعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ وَالْفِعْلِ (وَقِيلَ) مُشْتَرَكٌ (مَعْنَوِيٌّ) بَيْنَهُمَا (وَقِيلَ) مَوْضُوعٌ (لِلْفِعْلِ الْأَعَمِّ مِنْ اللِّسَانِيِّ، وَرُدَّ بِلُزُومِ كَوْنِ الْخَبَرِ وَالنَّهْيِ أَمْرًا) حِينَئِذٍ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْخَبَرِ وَالنَّهْيِ فِعْلٌ لِسَانِيٌّ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ (وَقِيلَ) مَوْضُوعٌ (لِأَحَدِهِمَا الدَّائِرِ) بَيْنَ الْقَوْلِ الْخَاصِّ وَالْفِعْلِ (وَدُفِعَ بِلُزُومِ كَوْنِ اللَّفْظِ الْخَاصِّ لَيْسَ أَمْرًا لِأَنَّهُ) أَيْ اللَّفْظَ الْخَاصَّ (لَيْسَ إيَّاهُ) أَيْ الْأَحَدَ الدَّائِرَ بَلْ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ (وَإِنَّمَا يَتِمُّ) هَذَا الدَّفْعُ بِنَاءً (عَلَى أَنَّ الْأَعَمَّ مَجَازٌ فِي فَرْدِهِ) وَسَيُدْفَعُ وَهَذَا (مَا لَمْ

ص: 297

يُؤَوَّلْ) الْأَحَدُ الدَّائِرُ - الَّذِي هُوَ الْأَعَمُّ - بِالْمَعْنَى الَّذِي فِي ضِمْنِ الْأَخَصِّ أَمَّا إذَا أُوِّلَ بِهَذَا فَلَا يُدْفَعُ بِلُزُومِ اللَّازِمِ الْمَذْكُورِ لِانْتِفَائِهِ بَلْ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَيُدْفَعُ) كَوْنُ الْمُرَادِ هَذَا (بِأَنَّهُ تَكَلُّفٌ لَازِمٌ لِلْوَضْعِ لِلْمَاهِيَّةِ) حَتَّى يَكُونَ الْمُرَادُ بِ جَاءَنِي إنْسَانٌ الْمَاهِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ الْمُقَيَّدَةَ بِعَوَارِضَ مَانِعَةٍ مِنْ فَرْضِ الِاشْتِرَاكِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ بَعْدَ خُطُورِ هَذَا لِلْمُتَكَلِّمِ فَضْلًا عَنْ إرَادَتِهِ (فَيُؤَيِّدُ) لُزُومُ هَذَا التَّكَلُّفِ الْمُنْتَفِي (نَفْيَهُ) أَيْ الْوَضْعِ لِلْمَاهِيَّةِ (وَقَدْ نَفَيْنَاهُ) أَيْ الْوَضْعَ لَهَا مَا عَدَا عَلَمَ الْجِنْسِ قَرِيبًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَمَعْنَى) وَضْعِ لَفْظِ الْأَمْرِ (لِأَحَدِهِمَا) وَضْعُهُ (لِفَرْدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْبَدَلِ) وَهُوَ مَعْنَى الْوَضْعِ لِلْفَرْدِ الشَّائِعِ وَإِنَّمَا فُسِّرَ الْأَحَدُ الدَّائِرُ بِهَذَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْأَحَدَ الدَّائِرَ مَاهِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ، وَالْآحَادَ الْمُسْتَعْمَلَ فِيهَا أَفْرَادُهُ فَيَجِيءَ تَحَقُّقُ الْوَضْعِ لِلْمَاهِيَّةِ فَيَلْزَمَ فِي اسْتِعْمَالِهَا مَا تَقَدَّمَ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَضْعَ لِلْفَرْدِ مَعْنَاهُ لِمَا صَدَقَ عَلَيْهِ فَرْدٌ لَا لِمَفْهُومِ فَرْدٍ بِقَيْدِ كُلِّيَّتِهِ (وَدُفِعَ) كَوْنُ الْأَعَمِّ مَجَازًا فِي فَرْدِهِ أَيْضًا (عَلَى تَقْدِيرِهِ) أَيْ الْوَضْعِ لِلْمَاهِيَّةِ (بِأَنَّهُ) أَيْ كَوْنَ الْأَعَمِّ مَجَازًا فِي فَرْدِهِ (غَلَطٌ) نَاشِئٌ (مِنْ ظَنِّ كَوْنِ الِاسْتِعْمَالِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ) اللَّفْظُ فِي تَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ اسْتِعْمَالَهُ (فِي الْمُسَمَّى دُونَ أَفْرَادِهِ وَلَا يَخْفَى نُدْرَتُهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ نُدْرَةُ الْحَقَائِقِ وَكَوْنُ كُلِّ الْأَلْفَاظِ مَجَازَاتٍ إلَّا النَّادِرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

(لَنَا) عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ مَجَازٌ فِي الْفِعْلِ أَنَّهُ (يَسْبِقُ الْقَوْلُ الْمَخْصُوصُ) إلَى الْفَهْمِ عِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِ الْأَمْرِ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ دُونَ الْفِعْلِ (وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ) أَيْ لَفْظُ الْأَمْرِ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا أَوْ مَعْنَوِيًّا بَيْنَ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ وَالْفِعْلِ (لَمْ يَسْبِقْ مُعَيَّنٌ) مِنْهُمَا إلَى الْفَهْمِ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ، وَإِنَّمَا بَادَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْخُطُورِ (وَاسْتَدَلَّ) أَيْضًا عَلَى الْمُخْتَارِ (لَوْ كَانَ) لَفْظُ الْأَمْرِ (حَقِيقَةً فِيهِمَا) أَيْ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ وَالْفِعْلِ (لَزِمَ الِاشْتِرَاكُ) اللَّفْظِيُّ (فَيُخِلُّ بِالْفَهْمِ) لِانْتِفَاءِ الْقَرِينَةِ الْمُبَيِّنَةِ لِلْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْهُ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ (فَعُورِضَ بِأَنَّ الْمَجَازَ مُخِلٌّ) بِالْفَهْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ (لَيْسَ) هَذَا (بِشَيْءٍ) دَافِعٍ (لِأَنَّ الْحُكْمَ بِهِ) أَيْ الْمَجَازِ (بِالْقَرِينَةِ) الظَّاهِرَةِ (وَإِلَّا) فَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ (فَبِالْحَقِيقَةِ فَلَا إخْلَالَ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ (لَا يُبْطِلُ التَّوَاطُؤَ) لِأَنَّ التَّوَطُّؤَ غَيْرُ مُخِلٍّ بِالْفَهْمِ لِمُسَاوَاةِ أَفْرَادِهِ فِيهِ وَلِلْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِكُلٍّ مِنْهَا (فَلَا يَلْزَمُ الْمَطْلُوبُ) وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ مَجَازٌ فِي الْفِعْلِ (فَإِنْ نَظَمَهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ التَّوَاطُؤَ (فِي الِاشْتِرَاكِ) بِأَنْ أَرَادَ بِهِ أَعَمَّ مِنْ اللَّفْظِيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ (قَدَّمَ) الْمُسْتَدِلُّ (الْمَجَازَ عَلَى التَّوَاطُؤِ وَهُوَ) أَيْ تَقْدِيمُ الْمَجَازِ عَلَيْهِ (مُنْتَفٍ) لِمُخَالَفَتِهِ الْأَصْلَ، فَلَا مُوجِبَ بِخِلَافِ تَقْدِيمِ التَّوَاطُؤِ عَلَيْهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ (صَرَّحَ بِهِ اللَّفْظِيُّ يُطْلَقُ) لَفْظُ الْأَمْرِ (لَهُمَا) أَيْ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ وَالْفِعْلِ (وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ، قُلْنَا أَيْنَ لُزُومُ اللَّفْظِيِّ؟) مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ يَصْدُقُ بِالْمَعْنَوِيِّ (وَالْمَعْنَوِيُّ يُطْلَقُ لَهُمَا وَهُوَ) أَيْ الْمَعْنَوِيُّ (خَيْرٌ مِنْ اللَّفْظِيِّ وَالْمَجَازِ. أُجِيبَ لَوْ صَحَّ)

هَذَا (ارْتَفَعَا) أَيْ الِاشْتِرَاكُ اللَّفْظِيُّ وَالْمَجَازُ (لِجَرَيَانِ مِثْلِهِ) أَيْ هَذَا التَّوْجِيهِ (فِي كُلِّ مَعْنَيَيْنِ لِلَّفْظِ) وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ (وَالْحَلُّ أَنَّ ذَلِكَ) أَيْ تَعَيُّنَ الْمَعْنَوِيِّ بِالتَّوْجِيهِ الْمَذْكُورِ (عِنْدَ التَّرَدُّدِ) بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا (لَا مَعَ دَلِيلِ أَحَدِهِمَا كَمَا ذَكَرْنَا) مِنْ تَبَادُرِ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ بِخُصُوصِهِ (وَاسْتُدِلَّ) عَلَى الْمُخْتَارِ أَيْضًا (لَوْ كَانَ) لَفْظُ الْأَمْرِ (حَقِيقَةً فِي الْفِعْلِ اُشْتُقَّ بِاعْتِبَارِهِ فَيُقَالُ أَمْرٌ وَآمِرٌ) مَثَلًا لِمَنْ قَامَ بِهِ الْأَكْلُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَبِاعْتِبَارِ قِيَامِهِ بِهِ (كَ أَكْلٍ وَآكِلٍ، وَيُجَابُ إنْ اُشْتُقَّ فَلَا إشْكَالَ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُشْتَقَّ - وَهُوَ الظَّاهِرُ - (فَكَالْقَارُورَةِ) أَيْ لِمَانِعٍ

ص: 298

مِنْ ذَلِكَ كَمَا امْتَنَعَ أَنْ تُقَالَ: الْقَارُورَةُ لِلظَّرْفِ غَيْرِ الزُّجَاجِيِّ مِمَّا يَصْلُحُ مَقَرًّا لِلْمَائِعَاتِ، كَمَا تُقَالُ لِلظَّرْفِ الزُّجَاجِيِّ الصَّالِحِ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ (لِدَلِيلِنَا) الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْفِعْلِ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ إطْلَاقِ الْقَارُورَةِ عَلَى الظَّرْفِ غَيْرِ الزُّجَاجِيِّ انْتِفَاءُ الزُّجَاجِ الَّذِي الظَّاهِرُ اشْتِرَاطُهُ فِي إطْلَاقِهَا عَلَى مَا هُوَ مَقَرُّ الْمَائِعَاتِ مِنْ الظُّرُوفِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ إطْلَاقِ أَمْرٍ وَآمِرٍ عَلَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَكْلٌ وَآكِلٌ غَيْرُ كَوْنِ الْفِعْلِ الْمُخْبَرِ بِهِ فِي الْأَوَّلِ وَالْقَائِمِ بِمَا اتَّصَفَ بِهِ فِي الثَّانِي لَيْسَ بِالْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ ثُمَّ لَا دَلِيلَ غَيْرَ مَخْدُوشٍ يُفِيدُ تَقْدِيرَ الْمَانِعِ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ مِمَّا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ نَحْوُ أَمْرٍ وَآمِرٍ وَمَنْ ادَّعَاهُ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ.

(وَ) اُسْتُدِلَّ لِلْمُخْتَارِ أَيْضًا (بِلُزُومِ اتِّحَادِ الْجَمْعِ) أَيْ جَمْعِ أَمْرٍ بِمَعْنَى الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ وَالْفِعْلِ - لَوْ كَانَ لَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِيهِمَا - (وَهُوَ) أَيْ اتِّحَادُ جَمْعِهِ بِهِمَا (مُنْتَفٍ لِأَنَّهُ) أَيْ جَمْعَهُ (فِي الْفِعْلِ أُمُورٌ وَالْقَوْلِ أَوَامِرُ، وَيُجَابُ بِجَوَازِ اخْتِلَافِ جَمْعِ لَفْظٍ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارِ مَعْنَيَيْهِ) الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ كَالْيَدِ فَإِنَّهَا بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ - الَّذِي هُوَ الْجَارِحَةُ - تُجْمَعُ عَلَى أَيْدٍ، وَبِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ - الَّذِي هُوَ النِّعْمَةُ - تُجْمَعُ عَلَى أَيَادٍ هَذَا وَقَدْ مَنَعَ فِي الْمُعْتَمَدِ وَغَيْرِهِ كَوْنَ أَوَامِرَ جَمْعَ أَمْرٍ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ فَعْلًا لَا يُجْمَعُ عَلَى فَوَاعِلَ بَلْ هِيَ جَمْعُ آمِرَةٍ كَضَوَارِبَ جَمْعِ ضَارِبَةٍ، ثُمَّ قِيلَ وَحَيْثُ كَانَ يَصْدُقُ عَلَى الصِّيغَةِ أَنَّهَا طَالِبَةٌ وَآمِرَةٌ؛ فَأَوَامِرُ جَمْعٌ لَهَا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، يَعْنِي بِأَنْ سُمِّيَتْ بِهَا ثُمَّ جُمِعَتْ عَلَى فَوَاعِلَ كَمَا هُوَ قِيَاسُ جَمْعِهَا، وَقِيلَ جُمِعَ أَمْرٌ مَجَازًا بِهَذَا التَّأْوِيلِ وَقِيلَ جُمِعَ آمِرٌ عَلَى وَزْنِ أَفْعُلٍ جَمْعَ أَمْرٍ عَلَى الْقِيَاسِ، كَأَكَالِبَ جَمْعِ أَكْلُبٍ جَمْعِ كَلْبٍ فَعَلَى هَذَا وَزْنُهُ أَفَاعِلُ لَا فَوَاعِلُ وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُ الْقَاآنِيِّ بِقَوْلِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا لَهُ مَبْنِيًّا عَلَى غَيْرِ وَاحِدِهِ، نَحْوُ أَرَاهِطَ فِي رَهْطٍ (وَ) اسْتَدَلَّ لِلْمُخْتَارِ أَيْضًا (بِلُزُومِ اتِّصَافِ مَنْ قَامَ بِهِ فِعْلٌ بِكَوْنِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (مُطَاعًا أَوْ مُخَالِفًا) لَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِي الْفِعْلِ كَمَا فِي الْقَوْلِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ الْحَقِيقِيَّ يُوصَفُ بِذَلِكَ، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ فَكَذَا الْمَلْزُومُ.

(وَيُجَابُ بِأَنَّهُ) أَيْ اتِّصَافَ الْفِعْلِ بِذَلِكَ (لَوْ كَانَ) ثُبُوتُ الطَّاعَةِ وَالْمُخَالَفَةِ (لَازِمًا عَامًّا) لِلْأَمْرِ بِاعْتِبَارِ كُلِّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ حَقِيقَةً (لَكِنَّهُ) لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا هُوَ (لَازِمُ أَحَدِ الْمَفْهُومَيْنِ) وَهُوَ الْقَوْلُ الْمَخْصُوصُ لَا غَيْرُ (وَ) اسْتَدَلَّ لِلْمُخْتَارِ أَيْضًا (بِصِحَّةِ نَفْيِهِ) أَيْ الْأَمْرِ (عَنْ الْفِعْلِ) إذْ الْحَقِيقَةُ لَا تُنْفَى لَكِنَّهُ يَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْهُ لِلْقَطْعِ لُغَةً وَعُرْفًا بِصِحَّةِ: فُلَانٌ لَمْ يَأْمُرْ بِشَيْءٍ الْيَوْمَ إذَا لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ الصِّيغَةُ الطَّالِبَةُ وَإِنْ صَدَرَ عَنْهُ أَفْعَالٌ كَثِيرَةٌ فَلَمْ يَكُنْ حَقِيقَةً، قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلُ (مُصَادَرَةٌ) عَلَى الْمَطْلُوبِ؛ إذْ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْفِعْلِ يَمْنَعُ صِحَّةَ هَذَا النَّفْيِ مُرَادًا بِهِ نَفْيُ وَضْعِ لَفْظِ الْأَمْرِ لَهُ كَمَا هُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ، وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: حَيْثُ كَانَ صِحَّةُ النَّفْيِ مَقْطُوعًا بِهَا لُغَةً وَعُرْفًا فِي مِثْلِ هَذَا لَا يَكُونُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى كَوْنِ الْمُرَادِ بِهِ نَفْيَ وَضْعِ لَفْظِ الْأَمْرِ لَهُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِ النَّفْيِ مُصَادَرَةً بَلْ مَنْعُ هَذَا حِينَئِذٍ مُكَابَرَةٌ، فَلْيُتَأَمَّلْ.

(وَحَدُّ النَّفْسِيِّ) بِأَنَّهُ (اقْتِضَاءُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ عَلَى وَجِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ) وَهَذَا الْحَدُّ لِابْنِ الْحَاجِبِ فَاقْتِضَاءُ فِعْلِ مَصْدَرٍ مُضَافٍ إلَى الْمَفْعُولِ - أَيْ طَلَبُهُ شَامِلٌ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالِالْتِمَاسِ وَالدُّعَاءِ - وَغَيْرِ كَفٍّ مُخْرِجٌ لِلنَّهْيِ، وَعَلَى جِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ أَيْ طَلَبِ عُلُوِّ الطَّالِبِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَعَدِّ نَفْسِهِ عَالِيًا مُخْرِجٌ لِلِالْتِمَاسِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ التَّسَاوِي وَالدُّعَاءِ لِأَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ التَّسَفُّلِ لَكِنْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَسَيَتَحَقَّقُ فِي الْحُكْمِ أَنَّهُ) أَيْ الْأَمْرَ النَّفْسِيَّ (مَعْنَى الْإِيجَابِ فَيَفْسُدُ طَرْدُهُ بِالنَّدْبِ النَّفْسِيِّ) لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِالْإِيجَابِ لِأَنَّ الْإِيجَابَ

ص: 299

اقْتِضَاءُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ حَتْمًا (فَيَجِبُ زِيَادَةٌ حَتْمًا) لِيُخْرَجَ النَّدْبُ، قُلْت لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالِاقْتِضَاءِ لِأَنَّهُ الطَّلَبُ كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْجَازِمِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ كَوْنُ الْأَمْرِ النَّفْسِيِّ - وَهُوَ مَعْنَى الْإِيجَابِ - يُحَقِّقُ قَوْلَ الْجُمْهُورِ إنَّ الْأَمْرَ حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ لَا غَيْرُ (وَأُورِدَ: اُكْفُفْ) وَانْتَهِ وَذَرْ وَاتْرُكْ (عَلَى عَكْسِهِ) فَإِنَّهَا أَوَامِرُ وَلَا يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَيْهَا لِاقْتِضَائِهَا فِعْلًا - هُوَ الْكَفُّ - فَلَا يَكُونُ مُنْعَكِسًا لِوُجُودِ الْمَحْدُودِ مَعَ عَدَمِ الْحَدِّ (وَلَا تَتْرُكْ) وَلَا تَنْتَهِ وَلَا تَذَرْ وَلَا تَكُفَّ (عَلَى طَرْدِهِ) فَإِنَّهَا نَوَاهٍ وَيَصْدُقُ حَدُّ الْأَمْرِ عَلَيْهَا لِأَنَّ مَعْنَى " لَا تَتْرُكْ ": افْعَلْ، وَهَلُمَّ جَرًّا فَلَا يَكُونُ مُطَّرِدًا لِصِدْقِ الْحَدِّ مَعَ عَدَمِ الْمَحْدُودِ (وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَحْدُودَ النَّفْسِيَّ فَيَلْتَزِمُ أَنَّ مَعْنَى " لَا تَتْرُكْ " مِنْهُ) أَيْ الْأَمْرِ النَّفْسِيِّ (وَاكْفُفْ {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] نَهْيٌ) فَاطَّرَدَ وَانْعَكَسَ (وَإِذَا كَانَ مَعْنَى اُطْلُبْ فِعْلَ كَذَا الْحَالُ دَخَلَ) فِي الْأَمْرِ النَّفْسِيِّ لِصِدْقِ حَدِّهِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ خَبَرًا صِيغَةً (وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ) دُخُولُهُ (فِي الصِّيغِيِّ فَلَا يُحْتَاجُ) فِي تَقْدِيرِ دُخُولِ نَحْوِ اُكْفُفْ فِي الْأَمْرِ إلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْعَلَّامَةُ وَأَفْصَحَ بِهِ التَّفْتَازَانِيُّ مِنْ (أَنَّ الْمُرَادَ) بِالْكَفِّ فِي قَوْلِهِ غَيْرِ كَفٍّ (الْكَفُّ عَنْ مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ) وَنَحْوُ اُكْفُفْ وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَفٌّ لَكِنْ عَنْ مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ ثَمَّ كَمَا قَالَ.

(وَالْأَلْيَقُ بِالْأُصُولِ تَعْرِيفُ الصِّيغِيِّ لِأَنَّ بَحْثَهُ) أَيْ عِلْمِ الْأُصُولِ (عَنْ) الْأَدِلَّةِ اللَّفْظِيَّةِ (السَّمْعِيَّةِ) مِنْ حَيْثُ يُوصِلُ الْعِلْمُ بِأَحْوَالِهَا الْعَارِضَةِ لَهَا مِنْ عُمُومٍ وَخُصُوصٍ وَغَيْرِهِمَا إلَى قُدْرَةِ إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْمُكَلَّفِينَ وَإِنْ كَانَ مَرْجِعُ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ إلَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ (وَهُوَ) أَيْ الْأَمْرُ اللَّفْظِيُّ (اصْطِلَاحًا) لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ (صِيغَتُهُ الْمَعْلُومَةُ) سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْلَاءِ أَوْ الْعُلُوِّ أَوْ لَا كَمَا ذَكَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ (وَلُغَةً هِيَ) أَيْ صِيغَتُهُ الْمَعْلُومَةُ (فِي الطَّلَبِ الْجَازِمِ أَوْ اسْمُهَا) كَصَهٍ وَنَزَالِ فِيهِ أَيْضًا (مَعَ اسْتِعْلَاءٍ) فَمَا فِي الْمِفْتَاحِ أَنَّ الْأَمْرَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِعْمَالِهَا - أَعْنِي اسْتِعْمَالَ لِيَنْزِلْ وَانْزِلْ وَنَزَالِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْلَاءِ لَعَلَّهُ يُرِيدُ فِي الطَّلَبِ الْجَازِمِ (بِخِلَافِ فِعْلِ الْأَمْرِ) فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الطَّلَبُ الْجَازِمُ وَلَا الِاسْتِعْلَاءُ (فَيَصْدُقُ) الْأَمْرُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (مَعَ الْعُلُوِّ وَعَدَمِهِ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعُلُوِّ، وَهُوَ كَوْنُ الطَّالِبِ أَعْلَى مَرْتَبَةً مِنْ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ (الْأَكْثَرُ وَأَهْدَرَهُمَا) أَيْ الِاسْتِعْلَاءَ وَالْعُلُوَّ أَبُو الْحَسَنِ (الْأَشْعَرِيُّ) وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَاخْتَارَهُ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ (وَاعْتَبَرَ الْمُعْتَزِلَةُ الْعُلُوَّ) أَيْ أَشْتَرَطُوهُ إلَّا أَبَا الْحُسَيْنِ مِنْهُمْ وَوَافَقَهُمْ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالسَّمْعَانِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمُلَخَّصِ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاخْتَارَهُ مَعَ الِاسْتِعْلَاءِ غَيْرَ أَنَّهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا أَمْرَ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ (إلَّا الصِّيغَةُ) لِإِنْكَارِهِمْ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ (وَرُجِّحَ نَفْيُ الْأَشْعَرِيِّ الْعُلُوَّ بِذَمِّهِمْ) أَيْ الْعُقَلَاءِ (الْأَدْنَى بِأَمْرِ الْأَعْلَى) لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعُلُوُّ شَرْطًا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْأَمْرُ مِنْ الْأَدْنَى فَلَا ذَمَّ (وَالِاسْتِعْلَاءُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ فِرْعَوْنَ {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الأعراف: 110] خِطَابًا لِقَوْمِهِ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْأَمْرَ عَلَى قَوْلِهِمْ الْمُقْتَضِيَ لَهُ فِعْلًا غَيْرَ كَفٍّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ اسْتِعْلَاءٌ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ وَهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ وَالْعِبَادَةُ أَقْصَى غَايَةِ الْخُضُوعِ (وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ) أَيْ {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الأعراف: 110](لِنَفْيِ الْعُلُوِّ) لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُلُوٌّ عَلَى فِرْعَوْنَ فَلَا جَرَمَ أَنْ مَشَى الْبَيْضَاوِيُّ عَلَى أَنَّهُ يُفْسِدُهُمَا (وَالْحَقُّ اعْتِبَارُ الِاسْتِعْلَاءِ) كَمَا صَحَّحَهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَحْصُولِ وَفِي الْمُنْتَخَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَعَالِمِ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ (وَنَفْيُ) اشْتِرَاطِ

ص: 300

(الْعُلُوِّ لِذَمِّهِمْ الْأَدْنَى بِأَمْرِ الْأَعْلَى) لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ اُشْتُرِطَ الْعُلُوُّ لَمْ يَكُنْ هَذَا أَمْرًا لِانْتِفَاءِ الْعُلُوِّ وَلَوْلَا أَنَّ فِيهِ اسْتِعْلَاءً لَمَا اسْتَحَقَّ الذَّمَّ مُوَافَقَةً لِلتَّفْتَازَانِيِ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ بِتَوْجِيهِهِ، وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ اسْتِعْلَاءٌ لَمَا اسْتَحَقَّ الذَّمَّ، لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِحْقَاقُهُ الذَّمَّ لِكَوْنِهِ آتِيًا بِصُورَةِ الْأَمْرِ مَعَ انْتِفَاءِ الْعُلُوِّ عَنْهُ، نَعَمْ قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ: الِاسْتِعْلَاءُ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي أَمْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَمَاذَا يَقُولُونَ فِيهِ مَمْنُوعٌ، وَكَيْفَ لَا {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الجاثية: 37] (وَالْآيَةُ) أَيْ {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الأعراف: 110](وَقَوْلُهُ) أَيْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لِمُعَاوِيَةَ

(أَمَرْتُكَ أَمْرًا جَازِمًا فَعَصَيْتَنِي)

وَكَانَ مِنْ التَّوْفِيقِ قَتْلُ ابْنِ هَاشِمِ لَمَّا خَرَجَ هَذَا مِنْ الْعِرَاقِ عَلَى مُعَاوِيَةَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ سَابِقَةٍ كَانَ مُعَاوِيَةُ قَدْ أَمْسَكَهُ فِيهَا وَأَشَارَ عَلَيْهِ عَمْرُو بِقَتْلِهِ فَخَالَفَهُ وَأَطْلَقَهُ لِحِلْمِهِ، أَوْ حُضَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ يُخَاطِبُ يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ أَمِيرَ خُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ إلَّا أَنَّ تَمَامَهُ عَلَى هَذَا

فَأَصْبَحْت مَسْلُوبَ الْإِمَارَةِ نَادِمًا

(مَجَازٌ عَنْ تُشِيرُونَ وَأَشَرْتُ) لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ (لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الصِّيغَةَ فِي التَّضَرُّعِ وَالتَّسَاوِي لَا تُسَمَّى أَمْرًا) وَلَا بَأْسَ بِهَذَا وَيَكُونُ تَأْمُرُونَ فِي الْآيَةِ مَجَازًا عَنْ تُشِيرُونَ وَفِي الْكَشَّافِ تَأْمُرُونَ مِنْ الْمُؤَامَرَةِ - وَهِيَ الْمُشَاوَرَةُ - أَوْ مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ النَّهْيِ، جَعَلَ الْعَبِيدَ آمِرِينَ وَرَبَّهُمْ مَأْمُورًا لِمَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ مِنْ فَرْطِ الدَّهَشِ وَالْحِيرَةِ، انْتَهَى. وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ بِسَبَبِ مَا بَهَرَهُ الْمُعْجِزِ بِسُلْطَانِهِ أَظْهَرَ التَّوَاضُعَ لِمَلَئِهِ اسْتِمَالَةً لِقُلُوبِهِمْ وَخَاطَبَهُمْ بِهَذَا الْخِطَابِ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ مِنْ الصَّوَابِ، وَأَمَّا أَنَّ أَمَرْتُ فِي الْبَيْتِ بِمَعْنَى أَشَرْتُ فَفِيهِ نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى ظَاهِرِ التَّرْكِيبِ وَمَا تَقْتَضِيهِ صِنَاعَةُ الْإِعْرَابِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَا ضَيْرَ فَإِنَّ هَذَا تَوْجِيهُ مَعْنًى لَا تَوْجِيهُ إعْرَابٍ. وَقَالَ (الْقَاضِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ) وَالْغَزَالِيُّ (الْقَوْلُ الْمُقْتَضِي) بِنَفْسِهِ (طَاعَةَ الْمَأْمُورِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ) قَالُوا: فَالْقَوْلُ احْتِرَازٌ عَمَّا عَدَا الْكَلَامِ وَالْمُقْتَضَى احْتِرَازٌ عَمَّا عَدَا الْأَمْرِ مِنْ أَقْسَامِ الْكَلَامِ وَبِنَفْسِهِ لِقَطْعِ وَهْمِ مَنْ يَحْمِلُ الْأَمْرَ عَلَى الْعِبَارَةِ فَإِنَّهَا لَا تَقْتَضِي بِنَفْسِهَا وَإِنَّمَا يُشْعَرُ بِمَعْنَاهَا عَنْ اصْطِلَاحٍ أَوْ تَوْقِيفٍ عَلَيْهَا، قُلْت: وَمِنْ ثَمَّةَ لَمَّا كَانَ مَحْذُوفًا فِي نَقْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ كَمَا وَافَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ بِنَاءً عَلَيْهِ هَذَا: الْحَدُّ يَحْتَمِلُ اللَّفْظِيَّ وَالنَّفْسِيَّ، وَالطَّاعَةُ احْتِرَازٌ عَنْ الدُّعَاءِ وَالرَّغْبَةِ مِنْ غَيْرِ جَزْمٍ فِي طَلَبِ الطَّاعَةِ (وَيَسْتَلْزِمُ) هَذَا الْحَدُّ (الدَّوْرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ) ذِكْرِ الطَّاعَةِ وَالْمَأْمُورِ وَالْمَأْمُورِ بِهِ؛ لِأَنَّ الطَّاعَةَ مُوَافَقَتُهُ الْأَمْرَ، وَالْمَأْمُورَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَمْرِ فَيَتَوَقَّفُ مَعْرِفَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَعْرِفَةِ الْأَمْرِ لِأَنَّ الْمُضَافَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُضَافٌ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِمَعْرِفَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَمَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ مَوْجُودٌ فِي الْمُشْتَقِّ وَزِيَادَةٌ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْأَمْرَ يَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (وَدَفَعَهُ) أَيْ الدَّوْرَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (بِأَنَّا إذَا عَلِمْنَا الْأَمْرَ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَلَامٌ عَلِمْنَا الْمُخَاطَبَ بِهِ - وَهُوَ الْمَأْمُورُ -، وَمَا يَتَضَمَّنُهُ - وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ -، وَفِعْلَهُ) أَيْ مَضْمُونَهُ (- وَهُوَ الطَّاعَةُ - وَلَا يَتَوَقَّفُ) الْعِلْمُ بِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ (عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ الْمَطْلُوبَةِ بِالتَّعْرِيفِ فَإِنْ أَرَادَ) بِقَوْلِهِ إذَا عَلِمْنَا الْأَمْرَ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَلَامٌ (الْحَاصِلَ مِنْ الْجِنْسِ) أَيْ الْقَوْلِ وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُفِيدُ (لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُ الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ الْعِلْمِ بِمُخَاطَبٍ وَالْعِلْمِ بِمُخَاطَبٍ بِهِ (ثُمَّ لَمْ يُفِدْ) هَذَا (حَقِيقَةَ الْمَأْمُورِ) أَيْ بَيَانَهَا (مِنْ مُجَرَّدِ فَهْمِ الْمُخَاطَبِ وَلَا) بَيَانَ حَقِيقَةِ (الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ) أَيْ مَأْمُورٌ بِهِ (مِنْ مَعْرِفَةِ أَنَّ الْكَلَامَ مَعْنًى تَضَمَّنَهُ) وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ أَخَصُّ

ص: 301

مِنْ الْمُخَاطَبِ، وَالْمَأْمُورَ بِهِ أَخَصُّ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْكَلَامُ وَلَا دَلَالَةَ لِلْأَعَمِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَعَمُّ عَلَى أَخَصَّ بِخُصُوصِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَخَصُّ. (وَأَمَّا فِعْلُهُ) أَيْ وَأَمَّا إفَادَتُهُ لِفِعْلِ مَضْمُونِهِ (وَكَوْنُهُ) أَيْ فِعْلِهِ (طَاعَةً فَأَبْعَدُ) وَهُوَ وَاضِحٌ فَلَا يَنْدَفِعُ الدَّوْرُ بِهَذِهِ الْإِرَادَةِ. (أَوْ) أَرَادَ الْحَاصِلَ مِنْ الْجِنْسِ (بِقُيُودِهِ) الْمَذْكُورَةِ (فَعَيْنُ الْحَقِيقَةِ) أَيْ فَهَذَا الْمُرَادُ عَيْنُ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ (وَيَعُودُ الدَّوْرُ) لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَتْ مَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ مُتَوَقِّفَةً عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ، وَمَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ بَعْضِ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ مُتَوَقِّفَةً عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ فَقَدْ تَوَقَّفَتْ مَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرِ وَذَلِكَ الْجُزْءِ عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الْآخَرِ وَهُوَ دَوْرٌ. إلَّا أَنَّ هَذَا قَدْ يُدْفَعُ بِتَسْلِيمِ أَنَّ تَصَوُّرَ الْأَمْرِ بِحَقِيقَتِهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَصَوُّرِ هَذِهِ الْأُمُورِ؛ وَمُنِعَ أَنَّ تَصَوُّرَ هَذِهِ الْأُمُورِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَصَوُّرِ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ بَلْ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ تَصَوُّرُ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى تَمَيُّزِ الْأَمْرِ عَنْ غَيْرِهِ، فَإِذَا عَرَّفْنَا الْأَمْرَ بِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْكَلَامِ مُتَمَيِّزٌ عَنْ غَيْرِهِ بِاقْتِضَاءِ مُوَافَقَةِ الْمُخَاطَبِ لِمَا خُوطِبَ بِهِ كَفَانَا ذَلِكَ فِي مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْأُمُورِ. (وَيَبْطُلُ طَرْدُهُ بِ أَمَرْتُكَ بِفِعْلِ كَذَا) فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَمْرٍ مَعَ صِدْقِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ حَيْثُ كَانَ هَذَا حَدًّا لِلنَّفْسِيِّ فَهَذَا مِنْهُ فَلَا يَبْطُلُ طَرْدُهُ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ (وَقِيلَ هُوَ الْخَبَرُ عَنْ اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ وَفِيهِ) أَيْ هَذَا الْحَدِّ (جَعْلُ الْمُبَايِنِ) لِلْمَحْدُودِ - وَهُوَ الْخَبَرُ - (جِنْسًا) لَهُ وَهُوَ بَاطِلٌ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّنَافِي (وَالْمُعْتَزِلَةُ) أَيْ وَقَالَ جُمْهُورُهُمْ كَمَا فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ:(قَوْلُ الْقَائِلِ لِمَنْ دُونَهُ: افْعَلْ) أَيْ لَفْظًا مَوْضُوعًا لِطَلَبِ الْفِعْلِ مِنْ الْفَاعِلِ فَإِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ عَلَمُ جِنْسٍ لِهَذَا الْمَعْنَى - كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ - لَا خُصُوصِيَّةُ هَذَا اللَّفْظِ (وَإِبْطَالُ طَرْدِهِ) أَيْ هَذَا التَّعْرِيفِ (بِالتَّهْدِيدِ وَغَيْرِهِ) أَيْ بِمَا لَمْ يَرِدُ بِهِ الطَّلَبُ مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ لِقَائِلِهَا لِمَنْ دُونَهُ تَهْدِيدًا كَانَ نَحْوَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ أَوْ إبَاحَةً نَحْوَ {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] أَوْ غَيْرَهُمَا لِصِدْقِ الْحَدِّ الْمَذْكُورِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَمْرٍ (مَدْفُوعٌ بِظُهُورِ أَنَّ الْمُرَادَ) قَوْلُ الْقَائِلِ (افْعَلْ) حَالَ كَوْنِهِ (مُرَادًا بِهِ مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ - وَهُوَ الطَّلَبُ - (وَ) إبْطَالُ طَرْدِهِ (بِالْحَاكِي) لَا مِنْ غَيْرِهِ لِمَنْ دُونَهُ (وَالْمُبَلِّغِ) لَهُ مِنْ دُونِهِ لِصِدْقِ الْحَدِّ عَلَى الْمَحْكِيِّ وَالْمُبَلَّغِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَيْسَ بِأَمْرٍ مَدْفُوعٌ أَيْضًا (بِأَنَّهُ) أَيْ كُلًّا مِنْ الْمَحْكِيِّ وَالْمُبَلَّغِ (لَيْسَ قَوْلَ الْقَائِلِ) الَّذِي هُوَ الْحَاكِي وَالْمُبَلِّغُ (عُرْفًا يُقَالُ لِلْمُتَمَثِّلِ) بِشِعْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ (لَيْسَ) مَا تَمَثَّلَ بِهِ (قَوْلَهُ) وَإِنْ كَانَ حَاكِيًا لَهُ (وَلَيْسَ الْقُرْآنُ قَوْلَهُ) أَيْ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) وَإِنْ كَانَ مُبَلِّغَهُ فَلَمْ يَصْدُقْ عَلَى كُلٍّ الْحَدُّ فَلَمْ يَبْطُلْ الطَّرْدُ. (نَعَمْ الْعُلُوُّ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ) عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَنَا وَلَعَلَّ هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُورَدُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ بِأَمْرِ الْأَدْنَى لِلْأَعْلَى كَمَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ لِأَنَّ إيرَادَهُ إنَّمَا هُوَ بِنَاءٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُلُوِّ، لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا التَّعْرِيفُ إنَّمَا هُوَ لِأَكْثَرِهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ الْعُلُوَّ فَلِمَ لَا يُورَدُ عَلَيْهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِمْ؟ وَيُجَابُ حِينَئِذٍ بِمَنْعِ كَوْنِهِ أَمْرًا عِنْدَهُمْ لُغَةً، وَإِنْ سُمِّيَ بِهِ عُرْفًا كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ كَانَتْ الْإِشَارَةُ إلَى إيرَادِ هَذَا وَجَوَابِهِ هَكَذَا أَوْلَى. (وَطَائِفَةٌ) مِنْهُمْ (الصِّيغَةُ مُجَرَّدَةٌ عَنْ الصَّارِفِ عَنْ الْأَمْرِ وَهُوَ) أَيْ هَذَا التَّعْرِيفُ تَعْرِيفُ الشَّيْءِ (بِنَفْسِهِ وَلَوْ أَسْقَطَهُ) أَيْ لَفْظَ " عَنْ الْأَمْرِ "(صَحَّ) التَّعْرِيفُ (لِفَهْمِ الصَّارِفِ عَنْ الْمُتَبَادَرِ) الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ مِنْ إطْلَاقِ الصَّارِفِ. (وَطَائِفَةٌ) مِنْ مُعْتَزِلَةِ الْبَصْرَةِ (الصِّيغَةُ بِإِرَادَةِ

ص: 302