المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الفصل الأول في انقسام اللفظ المفرد باعتبار ذاته] - التقرير والتحبير على كتاب التحرير - جـ ١

[ابن أمير حاج]

فهرس الكتاب

- ‌[خِطْبَة الْكتاب]

- ‌[الْمُقَدِّمَةُ أَرْبَعَة أُمُور]

- ‌[الْأَمْرُ الْأَوَّل مَفْهُومُ اسْم هَذَا الْعِلْمِ وَهُوَ لَفْظُ أُصُولِ الْفِقْهِ]

- ‌[الْأَمْر الثَّانِي مَوْضُوع أُصُولِ الْفِقْهِ]

- ‌[الْأَمْر الثَّالِثُ الْمُقَدِّمَاتُ الْمَنْطِقِيَّةُ مَبَاحِثُ النَّظَرِ]

- ‌[الْأَمْرُ الرَّابِعُ اسْتِمْدَاد عِلْم أُصُولُ الْفِقْهِ]

- ‌[الْمَقَالَةُ الْأُولَى فِي الْمَبَادِئِ اللُّغَوِيَّةِ]

- ‌[الْمَقَامُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ مَعْنَى اللُّغَةِ]

- ‌[الْمَقَامُ الثَّانِي فِي بَيَانِ سَبَبِ وَضْعِ لُغَاتِ الْأَنَاسِيِّ]

- ‌[الْمَقَامُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ وَاضِعِ اللُّغَةُ]

- ‌[الْمَقَامُ الرَّابِعُ هَلْ يُحْكَمُ بِاعْتِبَارِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ اللَّفْظِ وَمَعْنَاهُ الْمَوْضُوعِ لَهُ]

- ‌[الْمَقَامُ الْخَامِسُ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعَ لَهُ اللَّفْظُ]

- ‌[الْمَقَامُ السَّادِسُ فِي بَيَانِ طُرُقِ مَعْرِفَةِ اللُّغَاتِ]

- ‌[الْمَقَامُ السَّابِعُ الْقِيَاسَ هَلْ يَجْرِي فِي اللُّغَةِ]

- ‌[الْمَقَامُ الثَّامِنُ فِي تَقْسِيمِ اللَّفْظِ إلَى مهمل ومستعمل]

- ‌[بَيَانِ الْأَقْسَامِ اللَّاحِقَةِ لِلَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ]

- ‌[أَقْسَام الْمُفْرَدِ وَالْمُرَكَّبِ]

- ‌[أَقِسَام اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي انْقِسَامِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي انْقِسَامِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ]

- ‌[انْقِسَامِ دَلَالَةُ اللَّفْظ إلَى الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ]

- ‌[أَقْسَام الْمَفْهُومُ]

- ‌[التَّقْسِيمُ الثَّانِي فِي اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ دَلَالَتِهِ]

- ‌[التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ لِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ الْخَفَاء فِي الدَّلَالَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ مُقَايَسَتِهِ إلَى مُفْرَدٍ آخَرَ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ مَدْلُولِهِ]

- ‌[التَّقْسِيمُ الْأَوَّلُ تَعَدَّى الْمُفْرَدِ إِلَيَّ كُلِّي وجزئي]

- ‌[التَّقْسِيمُ الثَّانِي مَدْلُولُ المفرد إمَّا لَفْظٌ كَالْجُمْلَةِ وَالْخَبَرِ أَوْ غَيْرُهُ]

- ‌[التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ تَقْسِيم اللَّفْظَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ وَالصِّيغَةِ]

- ‌[مباحث الْعَامُّ]

- ‌[الْبَحْثُ الْأَوَّلُ هَلْ يُوصَفُ بِالْعُمُومِ الْمَعَانِي الْمُسْتَقِلَّةُ كَالْمُقْتَضَى وَالْمَفْهُومِ]

- ‌[الْبَحْثُ الثَّانِي هَلْ الصِّيَغُ مِنْ أَسْمَاءِ الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ]

- ‌[الْبَحْثُ الثَّالِثُ لَيْسَ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ عَامًّا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَيْسَ الْعَامُّ مُجْمَلًا]

- ‌[الْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ صِيغَةِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ هَلْ يَشْمَلُ النِّسَاءَ وَضْعًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ الْمُشْتَرَكُ عَامٌّ اسْتِغْرَاقِيٌّ فِي مَفَاهِيمِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ خِطَابِ الْوَاحِدِ لَا يَعُمُّ غَيْرَهُ لُغَةً]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْخِطَابِ الَّذِي يَعُمُّ الْعَبِيدَ لُغَةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ عَلَى عُمُومِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ]

- ‌[الْبَحْثُ الرَّابِعُ الِاتِّفَاقُ عَلَى إطْلَاقِ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ عَلَى الْخَاصِّ وَعَلَى احْتِمَالِهِ]

- ‌[الْبَحْثُ الْخَامِسُ يَرِدُ عَلَى الْعَامِّ التَّخْصِيصُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَغْرِقُ]

- ‌[مَسْأَلَة شَرْطُ إخْرَاجِهِ أَيْ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَقَّبَ الِاسْتِثْنَاءُ جُمَلًا مُتَعَاطِفَةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا خُصَّ الْعَامُّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ بِمُجْمَلٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقَائِلُونَ بِالْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ خَصُّوا بِهِ الْعَامَّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعَادَةِ وَهِيَ الْأَمْرُ الْمُتَكَرِّرُ مِنْ غَيْرِ عَلَاقَةٍ عَقْلِيَّةٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ أَيْ الْعَامِّ]

- ‌[مَسْأَلَةُ رُجُوعِ الضَّمِيرِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْعَامِّ إلَى الْبَعْضِ مِنْ أَفْرَادِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ تَّخْصِيصُ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ مُنْتَهَى التَّخْصِيصِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ إذَا اخْتَلَفَ حُكْمُ مُطْلَقٍ وَمُقَيَّدِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ صِيغَةُ الْأَمْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْوُجُوبِ لِصِيغَةِ الْأَمْرِ حَقِيقَةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَبَادُرِ كَوْنِ الصِّيغَةِ فِي الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ مَجَازًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الصِّيغَة أَيْ الْمَادَّة بِاعْتِبَارِ الْهَيْئَة الْخَاصَّةِ لِمُطْلَقِ الطَّلَبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْفَوْر للأمر ضروري لِلْقَائِلِ بِالتَّكْرَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْآمِرُ لِشَخْصٍ بِالْأَمْرِ لِغَيْرِهِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ آمِرًا لِذَلِكَ الْمَأْمُورِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَاقَبَ أَمْرَانِ غَيْرُ مُتَعَاطِفَيْنِ بِمُتَمَاثِلَيْنِ فِي مَأْمُورٍ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالنَّفْسِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَلَّقَ النَّهْيُ بِالْفِعْلِ]

الفصل: ‌[الفصل الأول في انقسام اللفظ المفرد باعتبار ذاته]

إطْلَاقِ لَفْظِ الْكَلَامِ عَلَى كَلِمَاتٍ مُجْتَمَعَةٍ غَيْرِ مُنْتَظِمَةِ الْمَعَانِي كَزَيْدٍ بَلْ فِي فَقِيلَ يُسَمَّى كَلَامًا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ كَلِمَاتِهِ وُضِعَ لِمَعْنًى وَيُسَمَّى كَلَامًا عِنْدَهُمْ فَالْمَجْمُوعُ أَوْلَى، وَقِيلَ لَا يُسَمَّى كَلَامًا ذَكَرَهُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِهِ قُلْت وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُتَّجَهُ.

وَفِي الصِّحَاحِ الْكَلَامُ اسْمُ جِنْسٍ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَهَذِهِ النُّقُولُ تُفِيدُ إطْلَاقَ الْكَلَامِ عَلَى الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجُمْلَةَ لَا يُقَالُ عَلَيْهَا عِنْدَهُمْ، وَإِنَّمَا يُقَالُ عَلَى الْكَلِمَتَيْنِ فَصَاعِدًا فَإِذَنْ الْكَلَامُ أَعَمُّ مِنْهَا مُطْلَقًا، وَهِيَ أَخَصُّ مِنْهُ مُطْلَقًا لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْأُصُولِيُّونَ أَنْ لَا يُطْلَقُ الْكَلَامُ عِنْدَهُمْ عَلَى لَفْظِ الْأَمْرِ الَّذِي عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ مِثْلَ ق وع إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَمًا، وَفِيهِ بُعْدٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْكَلَامُ لَكِنْ لَا مَعَ قَصْرِ النَّظَرِ عَلَيْهِ بَلْ مَعَ مُلَاحَظَةِ كَلِمَةٍ أُخْرَى مُقَدَّرَةٍ فِيهِ، وَهُوَ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِيهِ وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ فَكَثِيرًا مَا يُعْطَى لِلْمُقَدَّرِ حُكْمُ الْمَلْفُوظِ ثُمَّ لَا يَضُرُّ فِي أَعَمِّيَّتِهِ إطْلَاقُ الْجُمْلَةِ عَلَى مِثْلِ هَذَا أَيْضًا ثُمَّ يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ الْفَرِيقَيْنِ أَنَّ الْكَلَامَ بِاصْطِلَاحِ اللُّغَوِيِّينَ أَعَمُّ مِنْهُ بِاصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ وَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُ الْبَدِيعِ، وَأَهْلِ اللُّغَةِ الْمُرَكَّبُ مِنْ كَلِمَتَيْنِ بِالْإِسْنَادِ مُرَادُهُ بِهِمْ النَّحْوِيُّونَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَارِحُوهُ نَعَمْ إنْ سَلِمَ قَوْلُ ابْنِ عُصْفُورٍ الْكَلَامُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يُتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ الْجَمَلِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُفِيدَةً أَوْ غَيْرَ مُفِيدَةٍ عَكَّرَ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْكَلَامَ وَالْجُمْلَةَ مُتَسَاوِيَانِ لَكِنْ لَعَلَّ مَا تَقَدَّمَ أَثْبَتُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(وَأَخَصُّ) مِنْهَا مُطْلَقًا، وَهِيَ أَعَمُّ مِنْهُ مُطْلَقًا (عِنْدَ آخَرِينَ) مِنْهُمْ ابْنُ مَالِكٍ، وَمَشَى عَلَيْهِ الإستراباذي وَذَكَرَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ أَنَّهُ الِاصْطِلَاحُ الْمَشْهُورُ فَقَالُوا الْكَلَامُ مَا تَضَمَّنَ الْإِسْنَادَ الْأَصْلِيَّ وَكَانَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ، وَالْجُمْلَةُ مَا تَضَمَّنَ الْإِسْنَادُ الْأَصْلِيُّ سَوَاءٌ كَانَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ أَوْ لَا فَالْمَصْدَرُ وَالصِّفَاتُ الْمُسْنَدَةُ إلَى فَاعِلِهَا لَيْسَتْ كَلَامًا وَلَا جُمْلَةً؛ لِأَنَّ إسْنَادَهَا لَيْسَ أَصْلِيًّا، وَالْجُمْلَةُ الْوَاقِعَةُ خَبَرًا أَوْ وَصْفًا أَوْ حَالًا أَوْ شَرْطًا أَوْ صِلَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ جُمْلَةً وَلَيْسَتْ بِكَلَامٍ؛ لِأَنَّ إسْنَادَهَا لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالصَّوَابُ أَنَّهَا أَعَمُّ مِنْهُ إذْ شَرْطُهُ الْإِفَادَةُ بِخِلَافِهَا وَلِهَذَا تَسْمَعُهُمْ يَقُولُونَ جُمْلَةُ الشَّرْطِ جُمْلَةُ الصِّلَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ مُفِيدًا فَلَيْسَ كَلَامًا اهـ.

وَهَذَا كَمَا تَرَى يُفِيدُ أَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِخُصُوصِ الْكَلَامِ اشْتِرَاطُ الْإِفَادَةِ فِيهِ دُونَ الْجُمْلَةِ لَا اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْإِسْنَادِ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ فِيهِ دُونَهَا، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ قَوْلِ سِيبَوَيْهِ عَلَى مَا يُفِيدُهُ قَوْلُ ابْنِ مَالِكٍ، وَقَدْ صَرَّحَ سِيبَوَيْهِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ مَا يُطْلَقُ حَقِيقَةً إلَّا عَلَى الْجُمَلِ الْمُفِيدَةِ اهـ. فَيَتَلَخَّصُ أَنَّ الْمُرَادَ بِاشْتِرَاطِ الْإِفَادَةِ فِي الْكَلَامِ اشْتِرَاطُهَا فِيمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ حَالَةَ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْإِفَادَةَ لَا تُشْتَرَطُ فِي الْجُمْلَةِ أَصْلًا ثُمَّ عَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الْقَائِلُونَ بِالتَّرَادُفِ بَيْنَهُمَا أَنَّ كِلَيْهِمَا لَا يُقَالُ: حَقِيقَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ إلَّا عَلَى مَا اشْتَمَلَ عَلَى الْإِسْنَادِ الْمُفِيدِ، وَقَوْلُهُمْ جُمْلَةُ الشَّرْطِ وَالصِّلَةِ وَنَحْوُهُمَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْإِفَادَةِ فِيهَا لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ. وَنَظِيرُهُ تَسْمِيَتُهُمْ الْمُضَارَعَ الدَّاخِلَ عَلَيْهِ لَمْ الْمُقْتَضِيَةُ قَلْبَهُ مَاضِيًا مُضَارَعًا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الِاعْتِبَارَيْنِ وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْجُمْلَةَ أَعَمُّ مِنْ الْكَلَامِ اصْطِلَاحًا هُوَ الصَّوَابُ لَاحْتَاجُوا إلَى الْجَوَابِ فَلْيُتَأَمَّلْ.

[أَقِسَام اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ]

[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي انْقِسَامِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ]

وَقَدْ آنَ الشُّرُوعُ فِي بَيَانِ انْقِسَامَاتِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْضُ أَقْسَامِهِ خَاصًّا بِهِ كَمَا عَسَى أَنْ نُنَبِّهَ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعِهِ فَنَقُولُ:(وَلِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ وَدَلَالَتِهِ، وَمُقَايَسَتِهِ لِمُفْرَدٍ آخَرَ وَمَدْلُولِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ وَإِطْلَاقِهِ وَتَقْيِيدِهِ انْقِسَامَاتٌ) خَمْسَةٌ بِعِدَّةِ هَذِهِ الِاعْتِبَارَاتِ الَّتِي أَوَّلُهَا اعْتِبَارُ الذَّاتِ، وَآخِرُهَا اعْتِبَارُ الِاسْتِعْمَالِ (فِي فُصُولٍ) خَمْسَةٍ بِعِدَّتِهَا أَيْضًا، وَأَمَّا الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فَهُمَا مِنْ جُمْلَةِ أَوْصَافِ بَعْضِ أَقْسَامِ انْقِسَامِهِ بِالِاعْتِبَارِ الرَّابِعِ كَمَا سَتَرَى فَالْوَجْهُ إسْقَاطُهُمَا هُنَا. (الْفَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي انْقِسَامِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ غَيْرِهِ أَوَّلًا وَجَمِيعُ مَا تَضْمَنَّهُ هَذَا الْفَصْلُ مِمَّا اخْتَصَّ بِهِ غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَمَّا هُمْ فَاكْتَفَوْا بِالْإِشَارَةِ إلَى مَا يَهُمُّهُمْ مِنْهُ فِيمَا يَكُونُونَ بِصَدَدِهِ ثُمَّ حَيْثُ كَانَ الْمُشْتَقُّ لَا يُعْلَمُ

ص: 88

مِنْ حَيْثُ هُوَ مُشْتَقٌّ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الِاشْتِقَاقِ فَلَا عَلَيْنَا أَنْ نُصَدِّرَ هَذَا الْفَصْلِ بِبَيَانِهِ ثُمَّ نَأْتِي عَلَى مَا فِيهِ.

فَنَقُولُ الِاشْتِقَاقُ اصْطِلَاحًا يُقَالُ عَلَى أُمُورٍ أَحَدُهَا عَلَى مَا حَرَّرَهُ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وِفَاقًا لَلْبَصْرِيِّينَ مُوَافَقَةُ غَيْرِ مَصْدَرٍ لَهُ فِي الْحُرُوفِ الْأُصُولِ مُرَتَّبَةً، وَفِي الْمَعْنَى مَعَ زِيَادَةٍ فِيهِ عَلَى الْمَصْدَرِ كَضَرْبٍ وَضَارِبٍ فَالْمَصْدَرُ مُشْتَقٌّ مِنْهُ وَالْآخَرُ مُشْتَقٌّ فَإِذَا اُعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَارَ مِنْ الْوَاضِحِ اُحْتِيجَ إلَى الْعِلْمِ بِهِ لَا إلَى عَمَلِهِ فَعُرِفَ بِحَسَبِ الْعِلْمِ فَيُقَالُ هُوَ أَنْ يُوجَدَ بَيْنَ مَصْدَرٍ وَغَيْرِهِ مُوَافَقَةٌ فِي الْحُرُوفِ الْأُصُولِ مُرَتَّبَةً، وَفِي الْمَعْنَى مَعَ زِيَادَةٍ فِيهِ عَلَى الْمَصْدَرِ فَيُعْرَفُ ارْتِدَادُ غَيْرِ الْمَصْدَرِ إلَى الْمَصْدَرِ، وَأَخْذُهُ مِنْهُ، وَإِذَا اُعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ الِاحْتِيَاجُ إلَى عَمَلِهِ عُرِفَ بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ فَيُقَالُ هُوَ أَخْذُ لَفْظٍ مِنْ مَصْدَرٍ بِحُرُوفِهِ الْأُصُولِ مُرَتَّبَةً، وَمَعْنَاهُ مَعَ زِيَادَةٍ فِيهِ عَلَيْهِ. ثَانِيهَا مُوَافَقَةُ لَفْظَيْنِ فِي الْحُرُوفِ الْأُصُولِ غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ مَعَ مُوَافَقَةٍ أَوْ مُنَاسَبَةٍ فِي الْمَعْنَى كَجَذْبٍ وَالْجَبْذِ ثَالِثُهَا مُنَاسَبَةُ لَفْظَيْنِ فِي الْحُرُوفِ الْأُصُولِ وَالْمَعْنَى كَالثَّلْبِ وَالثَّلْمِ وَالنَّعِيقِ وَالنَّهِيقِ وَتُسَمَّى هَذِهِ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَأَكْبَرُ، وَقَدْ تُسَمَّى أَصْغَرُ وَصَغِيرًا وَأَكْبَرُ، وَقَدْ تُسَمَّى أَصْغَرُ، وَأَوْسَطُ وَأَكْبَرُ وَلَا مُشَاحَّةَ، وَالْأَوَّلُ أَشْهُرُ ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ بِاشْتِقَاقٍ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ هُوَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ حَظُّ الْأُصُولِيِّ كَمَا سَيُنَبِّهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ قَسَّمَ اللَّفْظَ الْمُفْرَدَ بِاعْتِبَارِهِ فَقَالَ (هُوَ مُشْتَقٌّ مَا وَافَقَ مَصْدَرًا بِحُرُوفِهِ الْأُصُولِ، وَمَعْنَاهُ مَعَ زِيَادَةٍ) فَمَا وَافَقَ مَصْدَرًا شَامِلٌ لِلْمَطْلُوبِ وَغَيْرِهِ وَبِحُرُوفِهِ الْأُصُولِ، وَمَعْنَاهُ أَيْ مَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَهُوَ الْحَدَثُ الْخَاصُّ مُخْرِجٌ لِمَا وَافَقَ مَصْدَرًا بِحُرُوفِهِ الْأُصُولِ لَا بِمَعْنَاهُ كَضَرَبَ بِمَعْنَى بَيْنَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الضَّرْبِ بِمَعْنَى السَّيْرِ فِي الْأَرْضِ أَوْ بِمَعْنَاهُ لَا بِحُرُوفِهِ كَنَصَرَ بِمَعْنَى أَعَانَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِعَانَةِ، وَالْمُرَادُ مُوَافَقَتُهُ فِي جَمِيعِهَا مَعَ تَرْتِيبِهَا بِأَنْ يَشْتَمِلَ الْمُشْتَقُّ عَلَى مِثْلِ جَمِيعِهَا كَذَلِكَ كَمَا فِي الْأَصْلِ لَفْظًا أَوْ تَقْدِيرًا فَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ نَحْوُ خَفْ مِنْ الْخَوْفِ فَإِنَّ الْوَاوَ مُقَدَّرَةٌ، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ بَعْدَ انْقِلَابِهَا أَلِفًا لِعَارِضِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ التَّرْتِيبَ لِلْعِلْمِ بِهِ بِقَرِينَةٍ. وَمَعْنَاهُ وَقَيَّدَ الْحُرُوفَ بِالْأُصُولِ، وَهِيَ مَا تُقَابَلُ بِالْفَاءِ وَالْعَيْنِ وَاللَّامِ لِئَلَّا يَخْرُجَ عَنْهُ نَحْوُ الِاسْتِبَاقِ مِنْ السَّبْقِ فَإِنَّهُ لَا وُجُودَ لِلزَّوَائِدِ فِي السَّبْقِ فَضْلًا عَنْ الْمُوَافَقَةِ فِيهَا وَنَحْوَ دَخَلَ مِنْ الدُّخُولِ، وَمَعَ زِيَادَةٍ يَعْنِي فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ كَانَ فِي اللَّفْظِ زِيَادَةٌ أَمْ لَا كَفَرِحٍ مِنْ فَرِحَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا حَاشِيَةً وَنَبَّهَ عَلَى وَجْهِ الزِّيَادَةِ بِقَوْلِهِ (هِيَ فَائِدَةُ الِاشْتِقَاقِ) فَهِيَ عِلَّةٌ غَائِبَةٌ لَهُ فِي الْمَعْنَى ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ (فَالْمَقْتَلُ) حَالَ كَوْنِهِ (مَصْدَرًا) مِيمِيًّا (مَعَ الْقَتْلِ أَصْلَانِ مَزِيدٌ) ، وَهُوَ الْمَقْتَلُ (وَغَيْرُ مَزِيدٍ) ، وَهُوَ الْقَتْلُ هَذَا إذَا لَمْ يُعْتَبَرْ فِي الْمَقْتَلِ زِيَادَةُ تَقْوِيَةٍ فِي مَعْنَاهُ الثَّابِتِ لِلْقَتْلِ (وَإِنْ اُعْتُبِرَ بِهِ) أَيْ بِالْمَقْتَلِ (زِيَادَةُ تَقْوِيَةٍ) فِي مَعْنَاهُ الثَّابِتِ لِلْقَتْلِ (فَمُشْتَقٌّ مِنْهُ) أَيْ فَالْمَقْتَلُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَتْلِ حِينَئِذٍ لِمُوَافَقَتِهِ إيَّاهُ فِي حُرُوفِهِ الْأُصُولِ بِتَرْتِيبِهَا، وَمَعْنَاهُ مَعَ زِيَادَةِ الْمَقْتَلِ فِي الْمَعْنَى عَلَى الْقَتْلِ بِالتَّقْوِيَةِ فِيهِ، وَفِي اللَّفْظِ أَيْضًا، وَهِيَ الْمِيمُ وَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ الِاشْتِقَاقُ الْوَاقِعُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ مِنْ الْقَتْلِ.

ثُمَّ بَقِيَ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى أُمُورٍ. أَحَدُهَا لَمْ يَقُلْ مَا وَافَقَ أَصْلًا كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفًا لَهُ عَلَى رَأْيِ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ الْفِعْلَ أَصْلٌ فِيهِ وَرَأْيُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ الْمَصْدَرَ أَصْلٌ فِيهِ بَلْ قَالَ مَصْدَرًا فَيَكُونُ تَعْرِيفًا لَهُ عَلَى رَأْيِ الْبَصْرِيِّينَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ الصَّحِيحُ كَمَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَقَدْ بَيْنَ وَجْهَهُ فِي مَوْضِعِهِ. ثَانِيهَا الْمُرَادُ بِالْمَصْدَرِ أَعَمُّ مِنْ الْمُسْتَعْمَلِ وَالْمُقَدَّرِ فَتَدْخُلُ الْأَفْعَالُ الَّتِي لَمْ يُسْتَعْمَلْ لَهَا مَصَادِرُ كَنِعْمَ وَبِئْسَ وَتَبَارَكَ وَالصِّفَاتِ الَّتِي لَا مَصَادِرَ لَهَا وَلَا أَفْعَالَ كَرِبْعَةٍ وَحَزَوَّرَ وَكَفَاخِرٍ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ فَتُقَدَّرُ الْمَصَادِرُ لَهَا تَقْدِيرًا، وَالتَّعَقُّبُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْأَخِيرَةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُشْتَقَّةٍ مِنْ مَصَادِرَ أُهْمِلَتْ فَيُحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِهَا، وَإِنَّمَا أُجْرِيَتْ مَجْرَى الْمُشْتَقِّ لَوْ تَمَّ لَا يَنْفِي الْوُجُودَ مُطْلَقًا.

ثَالِثُهَا ثُمَّ أَسْمَاءُ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْأَفْعَالِ، الْمُشْتَقَّةُ مِنْ الْمَصَادِرِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ فِي التَّكْمِلَةِ، وَعَبْدُ الْقَاهِرِ فِي شَرْحِهَا وَالسِّيرَافِيُّ لِكَوْنِهَا

ص: 89

جَارِيَةً عَلَى سُنَنِهَا وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْمَصَادِرِ نَفْسِهَا كَمَا هَذَا التَّعْرِيفُ مَاشٍ عَلَيْهِ، وَمَا وَقَعَ مِنْ إطْلَاقِ اشْتِقَاقِهَا مِنْ الْفِعْلِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَصْدَرُ؛ لِأَنَّ سِيبَوَيْهِ يُسَمِّي الْمَصْدَرَ فِعْلًا وَحَدَثًا كَمَا ذَكَرَهُ الإستراباذي أَوْ عَلَى التَّجَوُّزِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ وَغَيْرُهُ تَنْبِيهًا عَلَى الْحُرُوفِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الِاشْتِقَاقِ فَإِنَّ بَعْضَ الْمَصَادِرِ كَالْقَبُولِ يَشْتَمِلُ عَلَى حَرْفٍ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ، وَعَكَسَ هَذَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ لَنَا أَنْ نَشْتَقَّهَا مِنْ الْفِعْلِ لِأَصَالَتِهِ الْقَرِيبَةِ، وَمِنْ الْمَصْدَرِ لِأَصَالَتِهِ الْبَعِيدَةِ فَإِنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْبَعِيدِ مَعَ وُجُودِ الْقَرِيبِ مَجَازٌ، وَإِلَى الْقَرِيبِ حَقِيقَةٌ كَمَا فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى الْعِلَّةِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ.

رَابِعُهَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الِاشْتِقَاقِ مِنْ الْمَصْدَرِ أَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لَهُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لَهُ فَيُشْتَقُّ مِنْ النُّطْقِ مُرَادًا بِهِ لِدَلَالَةِ النَّاطِقِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ الْحَالُ نَاطِقَةٌ بِكَذَا. خَامِسُهَا كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمُشْتَقِّ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ فِي مَعْنَاهُ لَا بُدَّ مِنْ تَغْيِيرِ لَفْظِهِ حَرَكَةً وَلَوْ اعْتِبَارًا بِإِبْدَالٍ أَوْ سُكُونٍ أَوْ زِيَادَةٍ أَوْ حَرْفًا بِحَذْفٍ أَوْ إبْدَالٍ أَوْ زِيَادَةٍ أَوْ حَرَكَةً وَحَرْفًا مَعًا.

وَقَدْ بَلَّغَهُ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ تِسْعَةَ أَقْسَامٍ وَكَمَّلَهَا الْبَيْضَاوِيُّ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا بَأْسَ أَنْ نَذْكُرُهَا مَعَ أَمْثِلَتِهَا الصَّحِيحَةِ لَهَا إسْعَافًا مُقَدِّمِينَ أَمَامَهَا أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَرَكَةِ وَاحِدَةً بِالشَّخْصِ بَلْ جِنْسُهَا وَاحِدَةٌ كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ، وَكَذَا الْحَرْفُ وَالْمُرَكَّبُ مِنْهُمَا، وَأَنَّ حَرَكَةَ الْإِعْرَابِ، وَهَمْزَةَ الْوَصْلِ لَا اعْتِدَادَ بِهِمَا؛ لِأَنَّ الْحَرَكَةَ الْإِعْرَابِيَّةَ طَارِئَةٌ عَلَى الصِّيغَةِ بَعْدَ تَمَامِهَا مُتَبَدِّلَةٌ عَلَيْهَا بِحَسَبِ الْعَامِلِ، وَهَمْزَةُ الْوَصْلِ تَسْقُطُ فِي الدَّرَجِ فَمَا زِيدَ فِيهِ حَرَكَةٌ لَا غَيْرُ نَحْوُ عَلِمَ مِنْ الْعِلْمِ وَحَرْفٌ لَا غَيْرُ نَحْوُ كَاذِبٍ مِنْ الْكَذِبِ بِكَسْرِ الذَّالِ، وَمَا زِيدَا مَعًا فِيهِ نَحْوُ ضَارِبٍ مِنْ الضَّرْبِ، وَمَا نَقَصَ فِيهِ حَرَكَةٌ لَا غَيْرُ نَحْوُ سَفْرٍ بِسُكُونِ الْفَاءِ مِنْ السَّفَرِ بِفَتْحِهَا وَحَرْفٌ لَا غَيْرُ نَحْوُ صَهِلٍ بِكَسْرِ الْهَاءِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ الصَّهِيلِ، وَمَا نَقَصَا مَعًا فِيهِ نَحْوُ صَبَّ مِنْ الصَّبَابَةِ، وَمَا زِيدَ وَنَقَصَ مِنْهُ حَرَكَةٌ نَحْوُ حَذِرٍ بِكَسْرِ الذَّالِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ الْحَذَرِ، وَمَا زِيدَ وَنَقَصَ مِنْهُ حَرْفٌ نَحْوُ صَاهِلٍ مِنْ الصَّهِيلِ، وَمَا زِيدَ فِيهِ حَرْفٌ وَنَقَصَ مِنْهُ حَرَكَةٌ نَحْوُ أَكْرَمَ مِنْ الْكَرَمِ، وَمَا زِيدَ فِيهِ حَرَكَةٌ وَنَقَصَ مِنْهُ حَرْفٌ نَحْوُ رَجَعَ مِنْ الرَّجْعِيِّ، وَمَا زِيدَ فِيهِ حَرَكَةٌ وَحَرْفٌ وَنَقَصَ مِنْهُ حَرَكَةٌ نَحْوُ مَنْصُورٍ مِنْ النَّصْرِ، وَمَا زِيدَ فِيهِ حَرَكَةٌ وَحَرْفٌ وَنَقَصَ مِنْهُ حَرْفٌ نَحْوُ مُكَلِّمٍ اسْمُ فَاعِلٍ أَوْ مَفْعُولٍ مِنْ التَّكْلِيمِ، وَمَا نَقَصَ مِنْهُ حَرَكَةٌ وَحَرْفٌ وَزِيدَ فِيهِ حَرَكَةٌ نَحْوُ عِدْ أَمْرٌ مِنْ الْوَعْدِ، وَمَا نَقَصَ فِيهِ حَرَكَةٌ وَحَرْفٌ وَزِيدَ فِيهِ حَرْفٌ نَحْوُ كَالٍّ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ الْكَلَالِ، وَمَا زِيدَ فِيهِ حَرَكَةٌ وَحَرْفٌ وَنَقَصَا مِنْهُ نَحْوُ مَقَامٍ مِنْ الْإِقَامَةِ ثُمَّ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ مَا تَحْتَهُ أَقْسَامٌ فَإِنَّ الْحَرَكَةَ تَحْتَهَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ فَلَوْ اُعْتُبِرَ نَقْصُهَا وَزِيَادَتُهَا مُنْفَرِدَيْنِ، وَمُجْتَمَعَيْنِ مُتَنَوِّعَاتٌ حَسَبِ تَنَوُّعِهَا لَكَثُرَتْ الْأَقْسَامُ جِدًّا إلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَلْحَظُوا هَذَا الِاعْتِبَارِ فِي التَّقْسِيمِ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الِانْتِشَارِ مَعَ قِلَّةِ الْجَدْوَى.

(وَجَامِدٌ خِلَافُهُ) أَيْ مَعْنَاهُ خِلَافُ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ فَهُوَ مَا لَيْسَ بِمُوَافِقٍ لِمَصْدَرٍ بِحُرُوفِهِ الْأُصُولِ، وَمَعْنَاهُ مَعَ زِيَادَةٍ فِيهِ كَرَجُلٍ، وَأَسَدٍ (وَالِاشْتِقَاقُ الْكَبِيرُ لَيْسَ مِنْ حَاجَةِ الْأُصُولِيِّ) ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ إلَى الِاشْتِقَاقِ إنَّمَا هِيَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْرِفُ بِهِ أَنَّ مَبْدَأَ اشْتِقَاقِ اللَّفْظِ الْمُشْتَقِّ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ عِلَّةٌ لِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَهَذِهِ الْحَاجَةُ مُنْدَفِعَةٌ بِمَعْرِفَةِ الِاشْتِقَاقِ الْمُسَمَّى بِالْأَصْغَرِ أَوْ الصَّغِيرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الْكَبِيرِ وَالْأَكْبَرِ أَيْضًا فِي هَذَا الْعِلْمِ (وَالْمُشْتَقُّ) قِسْمَانِ (صِفَةٌ مَا دَلَّ عَلَى ذَاتٍ مُبْهَمَةٍ مُتَّصِفَةٍ بِمُعِينٍ) أَيْ مَا فُهِمَ مِنْهُ ذَاتٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ وَصِفَةُ مُعَيَّنَةٌ كَضَارِبٍ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ مَا لَهُ الضَّرْبُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إنْسَانًا بَلْ جِسْمًا أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى لَوْ أَمْكَنَ تَقْدِيرُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الشَّيْئِيَّةِ لَمْ يُقَدَّرُ مَوْصُوفُهُ شَيْءٌ (فَخَرَجَ) بِقَيْدِ الْإِبْهَامِ فِي الذَّاتِ (اسْمُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ) كَالْمَقْتَلِ لِزَمَانِ الْقَتْلِ، وَمَكَانِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ صِفَةً (لِأَنَّ الْمَقْتَلَ مَكَانٌ أَوْ زَمَانٌ فِيهِ الْقَتْلُ) لَا شَيْءَ مَا فِيهِ الْقَتْلُ فَلَا إبْهَامَ فِي الذَّاتِ، وَمِنْ ثَمَّةَ لَا يَصِحُّ مَكَانُ أَوْ زَمَانُ مَقْتَلٍ كَمَا يَصِحُّ مَكَانُ أَوْ زَمَانُ مَقْتُولٍ فِيهِ (قِيلَ تَتَحَقَّقُ الْفَائِدَةُ

ص: 90

فِي نَحْوِ الضَّارِبِ جِسْمٌ فَلَمْ يَكُنْ جُزْءًا، وَإِلَّا لَمْ يُفِدْ كَالْإِنْسَانِ حَيَوَانٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: هَذَا دَلِيلٌ ذُكِرَ عَلَى لُزُومِ إبْهَامِ الذَّاتِ فِي الْمُشْتَقِّ الصِّفَةِ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَنَا الضَّارِبُ جِسْمٌ مُفِيدٌ فَلَوْ كَانَ الْجِسْمُ مُعْتَبَرًا جُزْءًا مِنْ الضَّارِبِ لَمْ يُفِدْ لِاسْتِفَادَةِ ذَلِكَ مِنْ مُجَرَّدِ ضَارِبٍ كَمَا لَمْ يُفِدْ قَوْلُنَا الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ لِاعْتِبَارِ الْحَيَوَانِ جُزْءًا مِنْ مَفْهُومِ الْإِنْسَانِ، وَقَدْ اعْتَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَلِقَائِلٍ مَنْعَ الْفَرْقِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِتَبَادُرِ الْجَوْهَرِ مِنْهُ) أَيْ لِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَيَسْتَدِلَّ بِتَبَادُرِ الْجَوْهَرِ مِنْ ضَارِبٍ فَيُفْهَمُ مِنْهُ بِاسْتِقْلَالِهِ كَمَا يُفْهَمُ الْحَيَوَانُ مِنْ إنْسَانٍ اسْتِقْلَالًا ثُمَّ إنْ لَمْ يُفِدْ الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ كَذَلِكَ الضَّارِبُ جِسْمٌ وَحِينَئِذٍ لَمْ يَتِمَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي مَفْهُومِ الصِّفَةِ إبْهَامُ الذَّاتِ ثُمَّ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى دَلِيلٍ اقْتَرَحَهُ بِقَوْلِهِ (وَالْأَوْجَهُ صِحَّةُ الْحَمْلِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْعَيْنِ وَالْمَعْنَى) أَيْ وَالدَّلِيلُ الْأَوْجَهُ لِإِبْهَامِ الذَّاتِ فِي مَفْهُومِ الْوَصْفِ أَنَّ الْوَصْفَ يَصِحُّ حَمْلُهُ حَقِيقَةً عَلَى الْجِسْمِ كَزَيْدٍ مَلِيحٌ، وَعَلَى الْمَعْنَى كَالْعِلْمِ حَسَنٌ وَالْجَهْلُ قَبِيحٌ فَلَوْ أَفَادَتْ الصُّورَةُ مَادَّةً خَاصَّةً بِالْجَوْهَرِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَى أَوْ مَادَّةٍ خَاصَّةٍ بِالْعَرْضِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ حَمْلُهُ عَلَى الْعَيْنِ.

وَمَعْلُومٌ أَنْ لَيْسَ لِكُلِّ وَصْفٍ جُزْئِيٍّ وَضْعٌ بَلْ الْوَضْعُ كُلِّيٌّ وَاحِدٌ لِكُلِّ وَصْفٍ فَظَهَرَ أَنَّ الصِّفَةَ إنَّمَا تَعْتَمِدُ ذَاتًا أَيْ مَوْصُوفًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ فِي التَّرْكِيبِ (وَغَيْرِ صِفَةِ خِلَافِهِ) أَيْ مَعْنَى الصِّفَةِ، وَهُوَ مَا لَا يَدُلُّ عَلَى ذَاتٍ مُبْهَمَةٍ مُتَّصِفَةٍ بِمُعَيَّنٍ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ مِنْهُ أَسْمَاءَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ. (تَتْمِيمٌ) ثُمَّ الْمُشْتَقُّ قَدْ يَطَّرِدُ كَأَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ وَالصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ، وَأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ، وَأَسْمَاءِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْآلَةِ، وَقَدْ لَا يَطَّرِدُ كَالْقَارُورَةِ الدُّبْرَانِ وَالْعَيُّوقِ وَالسِّمَاكِ، وَالْمَنَاطُ فِيهِمَا أَنَّ وُجُودَ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ فِي مَحَلِّ التَّسْمِيَةِ بِالْمُشْتَقِّ إنْ اُعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ دَاخِلٌ فِي التَّسْمِيَةِ وَجُزْءٌ مِنْ الْمُسَمَّى حَتَّى كَانَ الْمُرَادُ ذَاتًا مَا بِاعْتِبَارِ نِسْبَةٍ لِمَعْنَى الْأَصْلِ إلَيْهَا فَهَذَا الْمُشْتَقُّ يَطَّرِدُ فِي كُلِّ ذَاتٍ كَذَلِكَ أَيْ لِمَعْنَى الْأَصْلِ مَعَهَا تِلْكَ النِّسْبَةُ، اللَّهُمَّ إلَّا لِمَانِعٍ كَمَا فِي الْفَاضِلِ فَإِنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.

وَإِنْ اُعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُصَحِّحٌ لِلتَّسْمِيَةِ بِالْمُشْتَقِّ مُرَجِّحٌ لَهَا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَسْمَاءِ مِنْ غَيْرِ دُخُولِ الْمَعْنَى فِي التَّسْمِيَةِ وَكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْ الْمُسَمَّى حَتَّى كَانَ الْمُرَادُ ذَاتًا مَخْصُوصَةً فِيهَا الْمَعْنَى لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ فِي تِلْكَ الذَّاتِ بَلْ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِهَا فَهَذَا الْمُشْتَقُّ لَا يَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ الذَّوَاتِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُسَمَّاهُ تِلْكَ الذَّاتِ الْمَخْصُوصَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ السَّكَّاكِيُّ حَيْثُ قَالَ، وَإِيَّاكَ وَالتَّسْوِيَةَ بَيْنَ تَسْمِيَةِ إنْسَانٍ لَهُ حُمْرَةٌ بِأَحْمَرَ وَبَيْنَ وَصْفِهِ بِأَحْمَرَ فَتَزِلَّ فَإِنَّ اعْتِبَارَ الْمَعْنَى فِي التَّمْسِيَةِ لِتَرْجِيحِ الِاسْمِ عَلَى غَيْرِهِ حَالَ تَخْصِيصِهِ بِالْمُسَمَّى وَاعْتِبَارِهِ فِي الْوَصْفِ لِصِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ ثُمَّ لِهَذَا نَفْعٌ فِي بَابِ الْقِيَاسِ فَكُنْ مِنْهُ عَلَى بَصِيرَةٍ

(مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَقُّ لِذَاتٍ) وَصْفٌ مِنْ مَصْدَرٍ (وَالْمَعْنَى) الَّذِي لِلْمَصْدَرِ (قَائِمٌ بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَوْصُوفِ بِهِ (وَقَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ: مَعْنَى كَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا خَلْقُهُ) الْكَلَامَ اللَّفْظِيَّ (فِي الْجِسْمِ) كَاللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَالشَّجَرَةِ الَّتِي سَمِعَ مِنْهَا مُوسَى (وَأَلْزَمُوا) عَلَى هَذَا (جَوَازَ) إطْلَاقِ (الْمُتَحَرِّكِ وَالْأَبْيَضِ) مَثَلًا عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - لِخَلْقِهِ هَذِهِ الْأَعْرَاضَ فِي مَحَالِّهَا لَكِنَّهُمْ كَغَيْرِهِمْ عَلَى امْتِنَاعِ إطْلَاقِ ذَلِكَ عَلَيْهِ تَعَالَى قَطْعًا (وَدُفِعَ عَنْهُمْ) هَذَا الْإِلْزَامُ (بِالْفَرْقِ) بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ وَمَا أَلْزَمُوا بِهِ (بِأَنَّهُ ثَبَتَ الْمُتَكَلَّمُ لَهُ) أَيْ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ صِفَةً لَهُ - تَعَالَى - قَطْعًا (وَامْتَنَعَ قِيَامُهُ) أَيْ الْكَلَامِ (بِهِ) ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَهُمْ إنَّمَا هُوَ الْأَصْوَاتُ وَالْحُرُوفُ لَا الْمَعْنَى النَّفْسِيُّ، وَهِيَ حَادِثَةٌ فَلَا تَكُونُ قَائِمَةً بِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَاتُهُ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - مُتَعَالٍ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا (فَلَزِمَ أَنَّ مَعْنَاهُ) أَيْ الْمُتَكَلِّمِ (فِي حَقِّهِ خَالِقُهُ) أَيْ الْكَلَامِ فِي الْجِسْمِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُتَحَرِّكُ وَالْأَبْيَضُ وَنَحْوُهُمَا فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ شَيْءٌ مِنْهَا وَهَذَا الدَّفْعُ مَذْكُورٌ لِلْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ لِمُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ (وَلَيْسَ) هَذَا الدَّفْعُ (بِشَيْءٍ) يُعْتَدُّ بِهِ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ (لِأَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ

ص: 91

فِي الْحُكْمِ اللُّغَوِيِّ) أَيْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَفْصِيلٌ (بَيْنَ مَنْ يَمْتَنِعُ الْقِيَامُ بِهِ) أَيْ قِيَامُ مَعْنَى الْوَصْفِ بِهِ عَقْلًا وَشَرْعًا (فَيَجُوزُ) أَنْ يُطْلَقَ الْوَصْفُ عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ وَمَعْنَاهُ قَائِمٌ (بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَوْصُوفِ بِهِ (وَغَيْرِهِ) أَيْ بَيْنَ مَنْ لَا يَمْتَنِعُ قِيَامُ الْوَصْفِ بِهِ (فَلَا) يَجُوزُ إطْلَاقُ الْوَصْفِ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى قَائِمٌ بِغَيْرِهِ (بَلْ لَوْ امْتَنَعَ) قِيَامُ مَعْنَى الْوَصْفِ بِشَيْءٍ (لَمْ يُصَغْ لَهُ) أَيْ امْتَنَعَ صَوْغُ الْوَصْفِ لَهُ لُغَةً (أَصْلًا) لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يُجْرَى عَلَى شَيْءٍ وَصْفٌ، وَالْمَعْنَى قَائِمٌ بِغَيْرِهِ كَمَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُوصَفَ بِأَمْرٍ مِنْ سَائِرِ الْأُمُورِ الْمُمْتَنَعِ اتِّصَافُهُ بِهَا (فَحَيْثُ صِيغَ) لَهُ - تَعَالَى - وَصْفٌ مِنْ هَذَا الْمَصْدَرِ مَوْضُوعٌ لِمَنْ يَقُومُ بِهِ مَعْنَى هَذَا الْمَصْدَرِ وَهُوَ الْمُتَكَلِّمُ (لَزِمَ قِيَامُهُ) أَيْ قِيَامُ مَعْنَى الْكَلَامِ (بِهِ تَعَالَى) لَا أَنَّهُ - تَعَالَى - يُوصَفُ بِهَا وَالْمَعْنَى قَائِمٌ بِغَيْرِهِ وَتُجَابُ الْمُعْتَزِلَةُ بِأَنَّهُ لَا مُلْجِئَ إلَى هَذَا الْمُحْتَمَلِ الْمُمْتَنِعِ فَإِنَّ الْكَلَامَ يُطْلَقُ حَقِيقَةً وَيُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فِي حَقِّهِ - سُبْحَانَهُ - عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ قَدِيمَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ - تَعَالَى - مُنَافِيَةٌ لِلسُّكُوتِ وَالْآفَةِ ثُمَّ لَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا لَمْ يَقُلْ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ كَمَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ اسْتِبْعَادًا أَنْ يُنَازِعَ هَؤُلَاءِ الْعُقَلَاءُ فِي هَذَا الْأَصْلِ اللُّغَوِيِّ بِحَذَافِيرِهِ، وَإِشَارَةً إلَى تَجْوِيزِ أَخْذِ خِلَافِهِمْ فِيهِ مِنْ خِلَافِهِمْ فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْكَلَامِيَّةِ، وَفِي كَلَامِ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ تَنْقِيحِ الْمَحْصُولِ مَا يُعَضِّدُ كِلَيْهِمَا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ (فَلَوْ ادَّعَوْهُ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةُ إطْلَاقَ الْمُتَكَلِّمِ عَلَيْهِ - تَعَالَى، وَالْمَعْنَى غَيْرُ قَائِمٍ بِهِ (مَجَازًا) بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ خَالِقُهُ فَيَكُونُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمُتَعَلِّقِ بِاسْمِ الْمُتَعَلَّقِ لِامْتِنَاعِ صِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً كَمَا تَقَدَّمَ (ارْتَفَعَ الْخِلَافُ فِي الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ) لِمُوَافَقَتِهِمْ حِينَئِذٍ الْعَامَّةَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَقُّ لِذَاتٍ وَصْفٌ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَعْنَى قَائِمٌ بِغَيْرِهِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الِادِّعَاءُ (أَقْرَبُ) مِنْ إثْبَاتِ خِلَافِهِمْ لِبُعْدِهِ مِنْ الْعُقَلَاءِ الْعَارِفِينَ بِالْأَوْضَاعِ اللُّغَوِيَّةِ (غَيْرَ أَنَّهُمْ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ (نَقَلُوا اسْتِدْلَالَهُمْ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى مَا نُسِبَ إلَيْهِمْ مِنْ تَجْوِيزِ أَنْ يُشْتَقَّ لِشَيْءٍ وَصْفٌ وَالْمَعْنَى بِغَيْرِهِ (بِإِطْلَاقِ ضَارِبٍ حَقِيقَةً) عَلَى مُسَمًّى (وَهُوَ) أَيْ الضَّرْبُ قَائِمٌ (بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمُسَمَّى، فَإِنَّ هَذَا صَرِيحٌ مِنْهُمْ فِي مُخَالَفَتِهِمْ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ (وَأُجِيبَ) هَذَا الِاسْتِدْلَال (بِأَنَّهُ) أَيْ الضَّرْبُ (التَّأْثِيرُ، وَهُوَ) أَيْ التَّأْثِيرُ قَائِمٌ (بِهِ) أَيْ بِالضَّارِبِ لَا التَّأْثِيرُ الْقَائِمُ بِالْمَضْرُوبِ وَهُوَ أَثَرُ الضَّرْبِ وَأَوْرَدَ لَوْ كَانَ التَّأْثِيرُ غَيْرَ الْأَثَرِ لَكَانَ أَثَرًا أَيْضًا لِصُدُورِهِ عَنْ الْفَاعِلِ فَيَفْتَقِرُ إلَى تَأْثِيرٍ آخَرَ فَيَعُودُ الْكَلَامُ إلَيْهِ وَيَتَسَلْسَلُ، وَدُفِعَ بِأَنَّ التَّأْثِيرَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْأَثَرِ فَهُوَ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ لِكَوْنِهِ نِسْبَةً فَلَا يَسْتَدْعِي تَأْثِيرًا آخَرَ فَلَا يَتَسَلْسَلُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسَلْسُلِ فَهُوَ فِي الِاعْتِبَارَاتِ الْعَقْلِيَّةِ، وَهُوَ فِيهَا لَيْسَ بِمُحَالٍ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ بِانْقِطَاعِ الِاعْتِبَارِ، فَإِنْ قِيلَ: التَّأْثِيرُ لَيْسَ بِأَمْرٍ اعْتِبَارِيٍّ لِتَحَقُّقِهِ، فَرَضَهُ فَارِضٌ أَوْ لَا؛ إذْ لَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ لَمَا وُجِدَ الْأَثَرُ، وَلَيْسَ غَيْرُ التَّأْثِيرِ لِمَا مَرَّ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ الْمَطْلُوبُ

أُجِيبَ بِأَنَّ التَّأْثِيرَ فِي غَيْرِ التَّأْثِيرِ مُغَايِرٌ لِلْأَثَرِ الَّذِي هُوَ تَأْثِيرٌ فِيهِ وَأَمَّا التَّأْثِيرُ فِي التَّأْثِيرِ فَهُوَ نَفْسُهُ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْثِيرٍ مُغَايِرٍ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا يَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ وَنَقَلَ الْأُصُولِيُّونَ اسْتِدْلَالَ الْمُعْتَزِلَةِ أَيْضًا بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَبِأَنَّهُ) أَيْ الشَّأْنَ (ثَبَتَ الْخَالِقُ لَهُ) أَيْ اللَّهُ - تَعَالَى (بِاعْتِبَارِ الْخَلْقِ وَهُوَ) أَيْ الْخَلْقُ (الْمَخْلُوقُ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} [لقمان: 11] وَالْمَخْلُوقُ لَيْسَ قَائِمًا بِذَاتِهِ (لَا) أَنَّ الْخَلْقَ هُوَ (التَّأْثِيرُ وَإِلَّا قَدُمَ الْعَالَمُ إنْ قَدُمَ) أَيْ وَإِلَّا لَوْ كَانَ الْخَلْقُ هُوَ التَّأْثِيرَ قَدُمَ الْعَالَمُ إنْ كَانَ التَّأْثِيرُ قَدِيمًا إمَّا؛ لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدِيمٌ.

وَالتَّأْثِيرُ فُرِضَ قَدِيمًا فَالْأَثَرُ وَهُوَ الْعَالَمُ كَذَلِكَ لِاسْتِحَالَةِ تَخَلُّفِ الْأَثَرِ عَنْ الْمُؤَثِّرِ الْحَقِيقِيِّ فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِمَا فِي الْأَزَلِ وُجُودُ الْعَالَمِ، وَإِمَّا لِأَنَّ التَّأْثِيرَ نِسْبَةٌ، وَالنِّسْبَةُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْمُنْتَسِبِينَ وَهُمَا الْخَالِقُ وَالْمَخْلُوقُ فَلَوْ كَانَتْ قَدِيمَةً مَعَ أَنَّهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْمَخْلُوقِ لَكَانَ الْمَخْلُوقُ قَدِيمًا بِطَرِيقٍ أَوْلَى (وَإِلَّا تَسَلْسَلَ) أَيْ وَإِلَّا لَزِمَ التَّسَلْسُلُ إنْ لَمْ يَكُنْ التَّأْثِيرُ قَدِيمًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ حَادِثٌ مُحْتَاجٌ إلَى خَلْقٍ آخَرَ أَيْ تَأْثِيرٍ آخَرَ لِأَنَّ كُلَّ حَادِثٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَأْثِيرِ مُؤَثِّرٍ فَيَعُودُ الْكَلَامُ إلَى ذَلِكَ التَّأْثِيرِ وَيَتَسَلْسَلُ

ص: 92

وَكِلَاهُمَا مُحَالٌ فَيَثْبُتُ الْمَطْلُوبُ وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْلَال (مُثْبِتٌ لِجُزْءِ الدَّعْوَى) لَا لَهَا كُلِّهَا؛ لِأَنَّ كَمَالَهَا - كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله صِحَّةُ صَوْغِ الْوَصْفِ لِذَاتٍ وَلَيْسَ الْمَعْنَى قَائِمًا بِهَا بَلْ هُوَ قَائِمٌ بِغَيْرِهَا وَإِذَا كَانَ الْخَلْقُ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ، وَبَعْضُهُ جَوَاهِرُ صَدَقَ جُزْءُ الدَّعْوَى، وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى لَيْسَ قَائِمًا بِالذَّاتِ، وَلَا يَصْدُقُ الْجُزْءُ الْآخَرُ مِنْ الدَّعْوَى، وَهُوَ أَنَّهُ قَائِمٌ بِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَخْلُوقِ جَوَاهِرَ تَقُومُ بِنَفْسِهَا لَا بِغَيْرِهَا فَلَمْ يُشْتَقُّ الْوَصْفُ لِذَاتٍ.

وَالْمَعْنَى قَائِمٌ بِغَيْرِهَا بَلْ وَالْمَعْنَى قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَيَتَضَمَّنُ لَيْسَ قَائِمًا بِهَا، وَهُوَ جُزْءُ الدَّعْوَى فَأَثْبَتَ الدَّلِيلُ عَدَمَ قِيَامِهِ بِالذَّاتِ وَلَمْ يَثْبُتْ قِيَامُهُ بِغَيْرِهَا فَلَمْ يَتِمَّ الْمَطْلُوبُ وَثَانِيًا بِقَوْلِهِ (أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى خَلْقِهِ كَوْنُهُ سُبْحَانَهُ تَعَلَّقَتْ قُدْرَتُهُ بِالْإِيجَادِ وَهُوَ) أَيْ تَعَلُّقُ قُدْرَتِهِ بِالْإِيجَادِ لِلْمَخْلُوقَاتِ (إضَافَةُ اعْتِبَارٍ يَقُومُ بِهِ) أَيْ بِالْخَالِقِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَمَا اشْتَقَّ لَهُ الْخَالِقُ إلَّا بِاعْتِبَارٍ قِيَامِ الْخَلْقِ بِهِ، وَقَوْلُهُ (لَا صِفَةٌ مُتَقَرِّرَةٌ لِيَلْزَمَ كَوْنُهُ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ أَوْ قِدَمَ الْعَالَمِ) دَفْعٌ لِمَا يُرَادُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْرِيرِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْنَى خَلْقِهِ تَعَلُّقَ قُدْرَتِهِ، وَتَعَلُّقُهَا حَادِثٌ وَهُوَ قَائِمٌ بِهِ لَزِمَ كَوْنُهُ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ أَوْ قِدَمَ الْعَالَمِ فَقَالَ: إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَ تَعَلُّقُهَا يُوجِبُ وَصْفًا حَقِيقِيًّا يَقُومُ بِهِ - تَعَالَى - لَكِنَّهُ إنَّمَا يُوجِبُ إضَافَةً مِنْ الْإِضَافَاتِ، وَهِيَ أُمُورٌ اعْتِبَارِيَّةٌ (وَأَوْرَدَ - إنْ قَامَتْ بِهِ النِّسْبَةُ - الِاعْتِبَارَ فَهُوَ مَحَلٌّ لِلْحَوَادِثِ) لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ (وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بِهِ ثَبَتَ مَطْلُوبُهُمْ وَهُوَ الِاشْتِقَاقُ لِذَاتٍ وَلَيْسَ الْمَعْنَى بِهِ) أَيْ قَائِمًا بِالْمُشْتَقِّ (مَعَ أَنَّ الْوَجْهَ أَمْ لَا يَقُومُ بِهِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارِيَّ لَيْسَ لَهُ وُجُودٌ حَقِيقِيٌّ فَلَا يَقُومُ بِهِ حَقِيقَةً) .

وَالْجَوَابُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ (لَكِنْ كَلَامُهُمْ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ (أَنَّهُ يَكْفِي فِي الِاشْتِقَاقِ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الِانْتِسَابِ) الَّذِي هُوَ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ بِالْإِيجَادِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ (فَلِيَكُنْ) هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الِانْتِسَابِ (هُوَ الْمُرَادَ بِقِيَامِ الْمَعْنَى فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ هَذَا الْجَوَابُ) النَّاطِقُ بِأَنَّ مَعْنَى خَلْقِهِ كَوْنُهُ - تَعَالَى - تَعَلَّقَتْ قُدْرَتُهُ بِإِيجَادِهِ (يَنْبُو عَنْ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ) أَيْ يَبْعُدُ عَنْ كَلَامِ مُتَأَخِّرَيْهِمْ مِنْ عَهْدِ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ (فِي صِفَاتِ الْأَفْعَالِ) لِلَّهِ - تَعَالَى - قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهِيَ مَا أَفَادَتْ تَكْوِينًا كَالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ وَالْمُحْيِي وَالْمُمِيتِ فَإِنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّهَا صِفَاتٌ قَدِيمَةٌ مُغَايِرَةٌ لِلْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ (غَيْرَ أَنَّا بَيَّنَّا فِي الرِّسَالَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْمُسَايِرَةِ) فِي الْعَقَائِدِ الْمُنَجِّيَةِ فِي الْآخِرَةِ (أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُفِيدُ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ وَأَنَّهُ) أَيْ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ (قَوْلٌ مُسْتَحْدَثٌ) وَلَيْسَ فِي كَلَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُتَقَدِّمِينَ تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ سِوَى مَا أَخَذُوهُ مِنْ قَوْلِهِ كَانَ - تَعَالَى - خَالِقًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ وَرَازِقًا قَبْلَ أَنْ يَرْزُقَ وَذَكَرُوا لَهُ أَوْجُهًا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ

وَالْأَشَاعِرَةُ يَقُولُونَ لَيْسَتْ صِفَةُ التَّكْوِينِ عَلَى فُصُولِهَا سِوَى صِفَةِ الْقُدْرَةِ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا بِمُتَعَلَّقٍ خَاصٍّ فَالْخَلْقُ: الْقُدْرَةُ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا بِالْمَخْلُوقِ وَالتَّرْزِيقُ تَعَلُّقُهَا بِإِيصَالِ الرِّزْقِ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ مَعْنَاهَا لَا يَنْفِي هَذَا وَيُوجِبُ كَوْنَهَا صِفَاتٍ أُخْرَى لَا تَرْجِعُ إلَى الْقُدْرَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ وَالْإِرَادَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ دَلِيلٍ لَهُمْ ذَلِكَ، وَأَمَّا نِسْبَتُهُمْ ذَلِكَ إلَى الْمُتَقَدِّمِينَ فَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ فِي كَلَامِ أَبِي حَنِيفَةَ مَا يُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى مَا فَهِمَهُ الْأَشَاعِرَةُ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: وَكَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيًّا لَا يَزَالُ عَلَيْهَا أَبَدِيًّا لَيْسَ مُنْذُ خَلَقَ الْخَلْقَ اسْتَفَادَ اسْمَ الْخَالِقِ وَلَا بِأَحْدَاثِ الْبَرِّيَّةِ اسْتَفَادَ اسْمَ الْبَارِي لَهُ مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ وَلَا مَرْبُوبَ وَمَعْنَى الْخَالِقِ وَلَا مَخْلُوقَ وَكَمَا أَنَّهُ مُحْيِي الْمَوْتَى اسْتَحَقَّ هَذَا الِاسْمَ قَبْلَ إحْيَائِهِمْ كَذَلِكَ اسْتَحَقَّ اسْمَ الْخَالِقِ قَبْلَ إنْشَائِهِمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اهـ فَقَوْلُهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تَعْلِيلٌ وَبَيَانٌ لِاسْتِحْقَاقِ اسْمِ الْخَالِقِ قَبْلَ الْمَخْلُوقِ فَأَفَادَ أَنَّ مَعْنَى الْخَالِقِ قَبْلَ الْخَلْقِ وَاسْتِحْقَاقَ اسْمِهِ بِسَبَبِ قِيَامِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فَاسْمُ الْخَالِقِ، وَلَا مَخْلُوقَ فِي الْأَزَلِ لِمَنْ لَهُ قُدْرَةُ الْخَلْقِ فِي الْأَزَلِ وَهَذَا مَا تَقُولُهُ الْأَشَاعِرَةُ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ هُنَا (وَقَوْلُهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى (خَالِقٌ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ إلَخْ) أَيْ وَرَازِقٌ قَبْلَ أَنْ يَرْزُقَ (بِالضَّرُورَةِ يُرَادُ بِهِ) أَيْ بِالْخَالِقِ لَهُ (قُدْرَةُ الْخَلْقِ) الَّتِي هِيَ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ (وَإِلَّا قِدَمُ الْعَالَمُ) أَيْ وَإِلَّا لَوْ أُرِيدَ بِهِ

ص: 93

الْخَلْقُ بِالْفِعْلِ لَا أَنَّهُ لَهُ قُدْرَةُ الْخَلْقِ لَزِمَ قِدَمُ الْعَالَمِ وَوَجْهُ الْمُلَازَمَةِ ظَاهِرٌ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا (وَبِالْفِعْلِ تَعَلُّقُهَا) أَيْ وَيُرَادُ بِصِفَةِ الْخَلْقِ بِالْفِعْلِ الصِّفَةُ الِاعْتِبَارِيَّةُ، وَهِيَ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ عَلَى وَجْهِ الْإِيجَادِ بِالْمَقْدُورِ (وَهُوَ) أَيْ وَالتَّعَلُّقُ الْمَذْكُورُ (عُرُوضُ الْإِضَافَةِ) وَهِيَ النِّسْبَةُ الْإِيجَادِيَّةُ (لِلْقُدْرَةِ) بِالنِّسْبَةِ إلَى مَقْدُورٍ مَخْصُوصٍ (وَيَلْزَمُ) مِنْ كَوْنِ التَّعَلُّقِ عِبَارَةً عَمَّا ذَكَرْنَا (حُدُوثُهُ) أَيْ التَّعَلُّقِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ بَعْدَ إحَاطَةِ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ مِنْ قَبِيلِ الْإِضَافَاتِ وَالِاعْتِبَارَاتِ الْعَقْلِيَّةِ كَكَوْنِ الْبَارِي - تَعَالَى - وَتَقَدَّسَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ وَمَذْكُورًا بِأَلْسِنَتِنَا وَمَعْبُودًا لَنَا وَمُحْيِيًا وَمُمِيتًا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَيَتِمُّ مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ تَمَامِ الْجَوَابِ السَّالِفِ (وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ) أَيْ وَلَوْ فُرِضَ تَصْرِيحُ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِصِفَةِ الْخَلْقِ الْخَلْقُ بِالْفِعْلِ لَا الْقُدْرَةُ عَلَى الْخَلْقِ (فَقَدْ نَفَاهُ الدَّلِيلُ) وَهُوَ لُزُومُ قِدَمِ الْعَالَمِ وَالْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ

(مَسْأَلَةٌ الْوَصْفُ حَالَ الِاتِّصَافِ) أَيْ إطْلَاقُهُ عَلَى مَنْ وُصِفَ بِهِ فِي حَالَةِ قِيَامِ مَعْنَى الْوَصْفِ بِهِ (حَقِيقَةٌ) اتِّفَاقًا كَضَارِبٍ لِمُبَاشِرِ الضَّرْبِ (وَقَبْلَهُ) أَيْ وَإِطْلَاقُهُ عَلَى مَنْ سَيُوصَفُ بِهِ قَبْلَ قِيَامِ مَعْنَاهُ بِهِ (مَجَازٌ) اتِّفَاقًا كَالضَّارِبِ لِمَنْ لَمْ يَضْرِبْ وَسَيَضْرِبُ (وَبَعْدَ انْقِضَائِهِ) أَيْ وَإِطْلَاقُهُ عَلَى مَنْ اتَّصَفَ بِهِ ثُمَّ زَالَ مَعْنَاهُ عَنْهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَجَازٌ مُطْلَقًا حَقِيقَةٌ مُطْلَقًا (ثَالِثُهَا إنْ كَانَ بَقَاؤُهُ) أَيْ مَعْنَى الْوَصْفِ بَعْدَ تَمَامِ وُجُودِهِ (مُمْكِنًا) بِأَنْ كَانَ حُصُولُهُ دَفْعِيًّا كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ (فَمَجَازٌ وَإِلَّا حَقِيقَةٌ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَقَاؤُهُ مُمْكِنًا بِأَنْ كَانَ حُصُولُهُ تَدْرِيجِيًّا كَالْمَصَادِرِ السَّيَّالَةِ الَّتِي لَا ثَبَاتَ لِأَجْزَائِهَا كَالتَّكَلُّمِ وَالتَّحَرُّكِ فَإِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ حَقِيقَةٌ.

(كَذَا شُرِحَ بِهِ) أَيْ بِمَعْنَى هَذَا التَّقْرِيرِ (وَضْعُهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا مَعْنَاهُ (هَلْ يُشْتَرَطُ لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً بَقَاءُ الْمَعْنَى ثَالِثُهَا إنْ كَانَ مُمْكِنًا اُشْتُرِطَ) وَالْوَاضِعُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالشَّارِحُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الشَّارِحُ (قَاصِرٌ) عَنْ مُطَابَقَةِ الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ بَلْ مُنَاقِضٌ لِبَعْضِ مَا تَضَمَّنَهُ (إذْ يُفِيدُ إطْلَاقُ الِاشْتِرَاطِ) أَيْ اشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْمَعْنَى فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقِيِّ كَمَا فِي الْمَشْرُوحِ (الْمَجَازِيَّةَ حَالَ قِيَامِ جُزْءٍ فِيمَا يُمْكِنُ) أَيْ مَجَازِيَّةُ إطْلَاقِ الْوَصْفِ عَلَى مَنْ بَقِيَ بِهِ جُزْءٌ مِنْ الْمَعْنَى فِيمَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ؛ إذْ بَقَاءُ جُزْئِهِ لَيْسَ بَقَاءَهُ (وَالشَّرْحُ) يُفِيدُ (الْحَقِيقِيَّةَ) أَيْ حَقِيقِيَّةَ إطْلَاقِ الْوَصْفِ عَلَى مَنْ بَقِيَ بِهِ جُزْءٌ مِنْ الْمَعْنَى فِيمَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ لِاعْتِبَارِهِ الِانْقِضَاءَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الِانْقِضَاءُ مَعَ بَقَاءِ جُزْءٍ مِنْ الْمُنْقَضِي وَعَلَى هَذَا مَشَى الْمُصَنِّفُ.

هَذَا وَيَجِبُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمَاضِي وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لِدُخُولِهَا فِي كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْمُشْتَقَّاتِ مَعَ أَنَّ إطْلَاقَ الْمَاضِي بِاعْتِبَارِ مَا مَضَى وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ حَقَائِقُ بِلَا نِزَاعٍ، وَيُسْتَثْنَى الْمُضَارِعُ؛ إذْ قِيلَ: إنَّهُ مُشْتَرَكٌ أَوْ حَقِيقَةٌ فِي الِاسْتِقْبَالِ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى هَذَا أَحَدٌ مِنْ مَشْهُورِي شَارِحِي كَلَامِهِ (الْمَجَازُ) أَيْ قَالَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ إطْلَاق الْوَصْفِ عَلَى مَنْ زَالَ عَنْهُ مَعْنَاهُ بَعْدَ قِيَامِهِ بِهِ مَجَازٌ وَهُوَ مُخْتَارُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ الْبَيْضَاوِيُّ (يَصِحُّ فِي الْحَالِ نَفْيُهُ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُنْقَضِي (مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ بِمَاضٍ أَوْ حَالٍ أَوْ اسْتِقْبَالٍ عَمَّنْ وُجِدَ مِنْهُ ثُمَّ انْقَضَى (وَهُوَ دَلِيلُهُ) أَيْ وَصِحَّةُ النَّفْيِ مُطْلَقًا مِنْ عَلَامَاتِ الْمَجَازِ كَمَا أَنَّ عَدَمَ صِحَّتِهِ مِنْ عَلَامَاتِ الْحَقِيقَةِ (وَكَوْنُهُ) أَيْ النَّفْيِ الْمُطْلَقِ فِي الْحَالِ (لَا يُنَافِي الثُّبُوتَ الْمُنْقَضِيَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يَنْفِي مُقْتَضَاهُ) أَيْ مُقْتَضَى نَفْسِهِ (مِنْ نَفْيِ كَوْنِهِ) أَيْ الْإِطْلَاقِ (حَقِيقَةً) وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ دَفَعَ بِهِ الِاسْتِدْلَالَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ أَنَّ النَّفْيَ الْمُطْلَقَ إنَّمَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ إذَا كَانَ مُنَافِيًا لِلثُّبُوتِ الْمُنْقَضِي لَكِنَّهُ لَا يُنَافِيهِ.

وَمُلَخَّصُ الْجَوَابِ أَنَّ النَّفْيَ الْمُطْلَقَ وَإِنْ لَمْ يُنَافِ الْمُنْقَضِيَ لَا يَنْفِي مُقْتَضَى نَفْسِهِ مِنْ ثُبُوتِ الْمَجَازِيَّةِ (نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ) مِنْ النَّفْيِ الْمُطْلَقِ فِي: زَيْدٌ لَيْسَ ضَارِبًا إذَا كَانَ قَدْ ضَرَبَ بِالْأَمْسِ وَانْقَضَى (نَفْيُ ثُبُوتِ الضَّرْبِ فِي الْحَالِ) بِأَنْ أُرِيدَ لَيْسَ ضَارِبًا فِي الْحَالِ (وَهُوَ) أَيْ نَفْيُ ثُبُوتِ الضَّرْبِ فِي الْحَالِ (نَفْيُ الْمُقَيَّدِ) أَيْ الضَّرْبِ

ص: 94

الْمُقَيَّدِ بِالْحَالِ كَمَا رَأَيْت لَمْ يَتَمَشَّ لِأَهْلِ الْمَجَازِ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى أَهْلِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّحَّةَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِيقَةِ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ وَكَيْفَ لَا وَلَيْسَ مَحَلُّ النِّزَاعِ إلَّا هَذَا فَحَذْفُ جَوَابِ لَوْ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ السِّيَاقِ وَالسِّبَاقِ (لَكِنْ) لَيْسَ الْمُرَادُ هَذَا مِنْ النَّفْيِ الْمُطْلَقِ بَلْ (الْمُرَادُ صِدْقُ: زَيْدٌ لَيْسَ ضَارِبًا مِنْ غَيْرِ قَصْدِ التَّقْيِيدِ) بِشَيْءٍ مِنْ الْأَزْمِنَةِ لَكِنْ هَذَا أَيْضًا مِمَّا لَحِقَهُ الْمَنْعُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَأُجِيبَ بِمَنْعِ صِدْقِ) النَّفْيِ (الْمُطْلَقِ عَلَى إطْلَاقِهِ) فَلَا يُجْدِي الِاسْتِرْوَاحُ إلَيْهِ (قَالُوا) ثَانِيًا (لَوْ كَانَ) الْإِطْلَاقُ (حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلَهُ لَكَانَ) حَقِيقَةً أَيْضًا (بِاعْتِبَارِ مَا بَعْدَهُ وَإِلَّا فَتَحَكُّمٌ) أَيْ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلَهُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا بَعْدَهُ فَهُوَ تَحَكُّمٌ لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي لِهَذِهِ التَّفْرِقَةِ.

(بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ صِحَّتَهُ) أَيْ كَوْنِ الْإِطْلَاقِ حَقِيقَةً بِسَبَبِ الِاتِّصَافِ بِهِ (فِي الْحَالِ إنْ تَقَيَّدَ) الْقَوْلُ بِهَا (بِهِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ الِاتِّصَافِ فِي الْحَالِ (فَمَجَازٌ فِيهِمَا) لِانْتِقَاءِ الثُّبُوتِ فِيهِمَا (وَإِلَّا فَحَقِيقَةٌ فِيهِمَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَقَيَّدْ الْقَوْلُ بِهَا بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِهِ فِي الْحَالِ فَإِطْلَاقُهُ بِاعْتِبَارِ مَا بَعْدَهُ حَقِيقَةٌ كَإِطْلَاقِهِ بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلَهُ (وَغَيْرُهُ) أَيْ اعْتِبَارُ كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الِاعْتِبَارَيْنِ (تَحَكُّمٌ) لِمَا ذَكَرْنَا لَكِنْ لَيْسَ الْإِطْلَاقُ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ مَا بَعْدَهُ اتِّفَاقًا فَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلَهُ (الْجَوَابُ) نَخْتَارُ الشِّقَّ الثَّانِيَ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوْلَ بِصِحَّتِهِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِهِ فِي الْحَالِ ثُمَّ نَمْنَعُ لُزُومَ اللَّازِمِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ (لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ التَّقْيِيدِ بِهِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ الثُّبُوتِ فِي الْحَالِ (عَدَمُ التَّقَيُّدِ) بِغَيْرِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (لِجَوَازِ تَقَيُّدِهِ بِالثُّبُوتِ) أَيْ بِثُبُوتِ مَعْنَى ذَلِكَ الْوَصْفِ (قَائِمًا أَوْ مُنْقَضِيًا) فَيَكُونُ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلَهُ لِوُجُودِ ثُبُوتِ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَهُ مُنْقَضِيًا كَمَا يَكُونُ حَقِيقَةً لِوُجُودِهِ قَائِمًا وَلَا يَكُونُ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ مَا بَعْدَهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ لَهُ قَائِمًا أَوْ مُنْقَضِيًا (الْحَقِيقَةَ) أَيْ قَالَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ إطْلَاقَ الْوَصْفِ عَلَى مَنْ زَالَ عَنْهُ بَعْدَ قِيَامِهِ بِهِ حَقِيقَةٌ وَهُوَ مُخْتَارُ ابْنِ سِينَا وَالْجِبَائِيَّيْنِ (أَجْمَعَ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى) صِحَّةِ إطْلَاقِ (ضَارِبٌ أَمْسِ) عَلَى مَنْ قَامَ بِهِ الضَّرْبُ بِالْأَمْسِ وَانْقَضَى.

(وَالْأَصْلُ) فِي الْإِطْلَاقِ (الْحَقِيقَةُ، عُورِضَ) هَذَا الدَّلِيلُ (بِإِجْمَاعِهِمْ) أَيْ أَهْلِ اللُّغَةِ (عَلَى صِحَّتِهِ) أَيْ إطْلَاقُ ضَارِبٌ (غَدًا وَلَا حَقِيقَةَ) بَلْ هُوَ مَجَازٌ بِالْإِجْمَاعِ (وَحَاصِلُهُ) أَيْ هَذَا الْجَوَابِ الْوَاقِعِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ أَنَّهُ (خَصَّ الْأَصْلَ) فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقِيَّةَ فِي: ضَارِبٌ أَمْسِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُجْرَى هَذَا الْأَصْلُ فِيهِ (لِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ) عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِي: ضَارِبٌ غَدًا لِلْإِجْمَاعِ (عَلَى مَجَازِيَّةِ الثَّانِي) يَعْنِي: ضَارِبٌ غَدًا فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَجَازِيَّةِ الْأَوَّلِ أَعْنِي: ضَارِبٌ أَمْسِ وَحِينَئِذٍ فَالْوَجْهُ حَذْفُ (وَلَيْسَ مِثْلُهُ فِي الْآخَرِ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْ لَيْسَ فِي الْآخَرِ، وَهُوَ الْإِطْلَاقُ بَعْدَ الِانْقِضَاءِ دَلِيلُ تَخْصِيصِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَنَا: الْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ فَيُعْمَلُ بِعُمُومِهِ فِيهِ فَيَثْبُتُ أَنَّهُ بَعْدَهُ حَقِيقَةٌ اهـ.

وَإِنَّمَا اُتُّفِقَ هَذَا لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي النُّسَخِ مَكَانَ وَحَاصِلُهُ إلَخْ مَا نَصُّهُ وَقَدْ يُقَالُ: قَدْ يُخَصُّ الْأَصْلُ لِدَلِيلٍ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى مَجَازِيَّةِ الثَّانِي دَلِيلُهُ اهـ وَهُوَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ حَسَنٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فَلَمَّا وَقَعَ التَّغْيِيرُ إلَى هَذَا وَقَعَ الذُّهُولُ عَنْ حَذْفِهِ ثُمَّ هُوَ مِمَّا يَصْلُحُ دَفْعًا لِهَذِهِ الْمُعَارَضَةِ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْإِطْلَاقِ بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلَهُ حَقِيقَةً كَوْنُهُ بِاعْتِبَارِ مَا بَعْدَهُ حَقِيقَةً فَلْيُتَأَمَّلْ (قَالُوا) ثَانِيًا (لَوْ لَمْ يَصِحَّ) كَوْنُ إطْلَاقِ الْوَصْفِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مَعْنَاهُ (حَقِيقَةً لَمْ يَصِحَّ الْمُؤْمِنُ لِغَافِلٍ وَنَائِمٍ) حَقِيقَةً لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُبَاشِرَيْنِ لِلْإِيمَانِ حِينَئِذٍ سَوَاءٌ فُسِّرَ بِالتَّصْدِيقِ أَوْ بِغَيْرِهِ (وَالْإِجْمَاعُ أَنَّهُ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ (لَا يَخْرُجُ بِهِمَا) أَيْ بِالْغَفْلَةِ وَالنَّوْمِ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ كَوْنِهِ مُؤْمِنًا (أُجِيبَ أَنَّهُ) أَيْ بِإِطْلَاقِ الْمُؤْمِنِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (مَجَازٌ) بِدَلِيلِ عَدَمِ اطِّرَادِهِ (لِامْتِنَاعِ كَافِرٍ لِمُؤْمِنٍ لِكُفْرٍ تَقَدَّمَ) أَيْ لِامْتِنَاعِ إطْلَاقِ كَافِرٍ عَلَى مُؤْمِنٍ تَقَدَّمَ كُفْرُهُ (وَإِلَّا كَانَ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ كُفَّارًا حَقِيقَةً) كَمَا أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ حَقِيقَةً (وَكَذَا النَّائِمُ لِلْيَقْظَانِ) يَكُونُ حَقِيقَةً كَمَا أَنَّ الْيَقْظَانَ كَذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ وَإِلَّا لَزِمَ الِاتِّصَافُ بِالْمُتَقَابَلِينَ حَقِيقَةً وَهُوَ بَاطِلٌ

ص: 95

(قِيلَ) أَيْ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ مَا مَعْنَاهُ (وَالْحَقُّ أَنَّهُ) أَيْ الْوَصْفَ مِنْ الْمُؤْمِنِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ (لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَهُوَ) أَيْ مَحَلُّهُ (اسْمُ الْفَاعِلِ بِمَعْنَى الْحُدُوثِ لَا) بِمَعْنَى الثُّبُوتِ وَلَا مَا جَرَى مَجْرَاهُ كَمَا (فِي مِثْلِ الْمُؤْمِنِ) وَالْكَافِرِ وَالنَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ وَالْحُلْوِ وَالْحَامِضِ (وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِمَّا لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ طَرَيَانٌ) وَالْأَوْلَى مِمَّا يُعْتَبَرُ فِي بَعْضِهِ الِاتِّصَافُ بِهِ مَعَ عَدَمِ طَرَيَانِ الْمُنَافِي وَفِي بَعْضِهِ الِاتِّصَافُ بِهِ بِالْفِعْلِ أَلْبَتَّةَ كَمَا هُوَ عِبَارَةُ هَذَا الْقَائِلِ، وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله بِقَوْلِهِ (وَقَدْ يُقَالُ لَوْ سَلِمَ) أَيْ هَذَا الْوَصْفُ مِنْ مُؤْمِنٍ وَنَحْوِهِ مِنْهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ (فَالْجَوَابُ) مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الْمَجَازِ لِأَهْلِ الْحَقِيقَةِ (الْحَقُّ أَنَّهُ إذَا أَجْمَعَ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْمُؤْمِنَ (إذَا لَمْ يَخْرُجْ بِهِمَا) أَيْ بِالنَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ (عَنْ الْإِيمَانِ) إذَا لُوحِظَ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ (أَوْ عَنْ كَوْنِهِ مُؤْمِنًا) إذَا لُوحِظَتْ الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ بِالْإِيمَانِ (بِاعْتِرَافِكُمْ) مُتَعَلِّقٌ بِ يَخْرُجُ (بَلْ حُكْمُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ أَنَّهُ) أَيْ الشَّأْنَ (مَادَامَ الْمَعْنَى) كَالْإِيمَانِ بِمَعْنَى التَّصْدِيقِ (مُودَعًا حَافِظَةَ الْمُدْرِكَ) الَّذِي هُوَ الْمُؤْمِنُ فِي هَذَا الْمِثَالِ (كَانَ) ذَلِكَ الْمَعْنَى (قَائِمًا بِهِ) أَيْ بِالْمُدْرِكِ (مَا لَمْ يَطْرَأْ حُكْمٌ يُنَاقِضُهُ) أَيْ ذَلِكَ الْمَعْنَى (بِلَا شَرْطِ دَوَامِ الْمُشَاهَدَةِ) وَالْمُلَاحَظَةِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى.

(فَالْإِطْلَاقُ) لِلْمُؤْمِنِ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ نَوْمِهِ وَغَفْلَتِهِ إطْلَاقٌ لَهُ (حَالَ قِيَامِ الْمَعْنَى وَهُوَ) أَيْ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ حَالَ قِيَامِ الْمَعْنَى بِهِ إطْلَاقٌ (حَقِيقِيٌّ اتِّفَاقًا فَلَمْ يُفِدْ) الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ (فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ) وَهُوَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَعْنَى (شَيْئًا) مِنْ مَطْلُوبِكُمْ (وَبِهِ) أَيْ وَبِهَذَا (يَبْطُلُ الْجَوَابُ) الْمُتَقَدِّمُ (بِأَنَّهُ) أَيْ إطْلَاقَ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْغَافِلِ وَالنَّائِمِ (مَجَازٌ) وَإِنْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَتَابَعَهُ الشَّارِحُونَ وَأَرْدَفَهُ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا هُوَ عَلَى إطْلَاقِ الْمُؤْمِنِ عَلَيْهِمَا فِي الْجُمْلَةِ، وَأَمَّا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ فَلَا، وَإِجْرَاءُ أَحْكَامِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى النَّائِمِ مَثَلًا لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً، وَوَجْهُ بُطْلَانِهِ ظَاهِرٌ (وَإِثْبَاتُهُ) أَيْ كَوْنُ الْإِطْلَاقِ الْمَذْكُورِ مَجَازًا (بِامْتِنَاعِ كَافِرٍ لِمُؤْمِنٍ صَحَابِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ إلَخْ) أَيْ تَقَدَّمَ كُفْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا (بَاطِلٌ) فَإِنَّ هَذَا الِامْتِنَاعَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْإِطْلَاقُ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ (بَلْ صِحَّتُهُ) أَيْ إطْلَاقُ كَافِرٍ عَلَى مَنْ آمَنَ بَعْدَ كُفْرِهِ (لُغَةً: اتِّفَاقُ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ) أَيْ: الْإِطْلَاقَ لُغَةً (حَقِيقَةٌ) أَوْ مَجَازٌ.

(وَالْمَانِعُ) مِنْ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالًا حَقِيقَةً وَمَجَازًا أَمْرٌ (شَرْعِيٌّ) كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّحْصِيلِ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ حُرْمَةُ نَبْزِ الْمُؤْمِنِ وَلَا سِيَّمَا الصَّحَابِيَّ بِهَذَا الذَّمِّ الَّذِي طَهَّرَهُ اللَّهُ مِنْهُ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ بِاعْتِبَارِ الشَّرْعِ بَلْ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ (وَإِذَا لَهُمْ) أَيْ وَإِذْ لَمْ يَكُنْ خِلَافَ اللُّغَةِ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِ كَافِرٍ عَلَى مَنْ آمَنَ بَعْدَ كُفْرٍ فَلِأَهْلِ الْحَقِيقَةِ (ادِّعَاءُ كَوْنِهِ) أَيْ إطْلَاقِ كَافِرٍ عَلَى مَنْ آمَنَ بَعْدَ كُفْرٍ (حَقِيقَةً) أَيْ إطْلَاقًا حَقِيقِيًّا لُغَوِيًّا (مَعَ صِحَّةِ إطْلَاقِ الضِّدِّ) وَهُوَ مُؤْمِنٌ فِي هَذَا الْمِثَالِ عَلَيْهِ (كَذَلِكَ) أَيْ إطْلَاقًا حَقِيقِيًّا لُغَوِيًّا أَيْضًا (وَلَا يَمْتَنِعُ) هَذَا (إلَّا لَوْ قَامَ مَعْنَاهُمَا) أَيْ الضِّدَّيْنِ (فِي وَقْتِ الصِّحَّتَيْنِ) أَيْ صِحَّةِ إطْلَاقِ كَافِرٍ حَقِيقَةً وَصِحَّةِ إطْلَاقِ مُؤْمِنٍ حَقِيقَةً عَلَى الشَّخْصِ الْوَاحِدِ بِهِ (وَلَيْسَ الْمُدَّعَى) فِي هَذَا (سِوَى كَوْنِ اللَّفْظِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَعْنَى حَقِيقَةً وَأَيْنَ هُوَ) أَيْ إطْلَاقُ لَفْظِ الضِّدِّ (مِنْ قِيَامِهِ) أَيْ مَعْنَى الضِّدِّ (فِي الْحَالِ لِيَجْتَمِعَ الْمُتَنَافِيَانِ أَوْ يَلْزَمَ قِيَامُ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ) .

قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ إلْزَامُ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ كَوْنَهُ كَافِرًا حَقِيقَةً مُؤْمِنًا حَقِيقَةً فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَبْطُلُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ إطْلَاقُ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ نَفْسِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ إحْدَى الْحَقِيقَتَيْنِ لَا يُقَارِنُهَا وُجُودُ مَعْنًى بَلْ يَثْبُتُ حَالَ انْتِفَائِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ كَوْنُ اللَّفْظِ حَقِيقَةً بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَعْنَى فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ كَوْنِهِ كَافِرًا حَقِيقَةً مُؤْمِنًا حَقِيقَةً سِوَى صِحَّةِ الْإِطْلَاقَيْنِ الْحَقِيقِيَّيْنِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُمْتَنِعٍ إلَّا لَوْ اسْتَلْزَمَ اجْتِمَاعَ مَعْنَاهُمَا وَهُوَ مُنْتَفٍ قُلْت وَعَلَى ذَا لَا يُسْتَبْعَدُ جَرَيَانُ هَذَا فِي النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ وَالْحُلْوِ وَالْحَامِضِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَيَنْتَفِي مَا نُظِرَ فِي تَعْلِيلِ مَنْعِ

ص: 96

إطْلَاقِ الْكَافِرِ عَلَى مُسْلِمٍ تَقَدَّمَ كُفْرُهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا بِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ امْتِنَاعَ الشَّيْءِ مَتَى دَارَ إسْنَادُهُ بَيْنَ عَدَمِ الْمُقْتَضِي، وَوُجُودِ الْمَانِعِ كَانَ إسْنَادُهُ إلَى عَدَمِ الْمُقْتَضِي أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْنَدَ إلَى وُجُودِ الْمَانِعِ لَكَانَ الْمُقْتَضِي وُجِدَ وَتَخَلَّفَ أَثَرُهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَيَكُونُ عَلَى هَذِهِ دَعْوَى امْتِنَاعِ الْكَافِرِ لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي، وَهُوَ وُجُودُ مَعْنَى الْوَصْفِ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى امْتِنَاعِهِ لِوُجُودِ الْمَانِعِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْحَقِيقَةِ بِصَدَدِ مَنْعِ عَدَمِ الْمُقْتَضِي؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ كَوْنُ اللَّفْظِ حَقِيقَةً بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَعْنَى عِنْدَهُمْ.

نَعَمْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: تَمَامُ أَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ الْحَقِيقَةِ الِادِّعَاءُ الْمَذْكُورُ إذَا لَمْ يَكُنْ إجْمَاعٌ عَلَى الْمَنْعِ لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْآمِدِيِّ وُجُودُهُ حَيْثُ قَالَ: لَا يَجُوزُ تَسْمِيَةُ الْقَائِمِ قَاعِدًا وَالْقَاعِدِ قَائِمًا لِلْقُعُودِ وَالْقِيَامِ السَّابِقِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ اللِّسَانِ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ لَوْ اتَّحَدَ الزَّمَانُ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ قُلْنَا الْكَلَامُ فِي اللُّغَةِ، وَبُطْلَانُ ذَلِكَ مَعْلُومٌ لُغَةً لَكِنَّ شَيْخَنَا الْمُصَنِّفَ رحمه الله إنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ، وَأَنَّهُ لَا مَانِعَ عَقْلِيٌّ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ لَوْ ادَّعَوْهُ فَلَا ضَيْرَ عَلَيْهِ (قَالُوا) ثَالِثًا (لَوْ اُشْتُرِطَ لِكَوْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (حَقِيقَةً بَقَاءُ الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ لِأَكْثَرِ الْمُشْتَقَّاتِ حَقِيقَةٌ كَضَارِبٍ وَمُخَيَّرٍ) وَالْوَجْهُ حَذْفُ ضَارِبٍ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ بَقَاءَ الْمَعْنَى لَوْ كَانَ شَرْطًا لِلْحَقِيقَةِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَقَّاتِ مِنْ الْمَصَادِرِ السَّيَّالَةِ حَقِيقَةٌ فَإِنَّهَا كَمَا تَقَدَّمَ يَمْتَنِعُ وُجُودُ مَعَانِيهَا دَفْعَةً فِي زَمَانٍ، وَلَا تَجْتَمِعُ أَجْزَاءُ مَعَانِيهَا فِي آنٍ؛ لِأَنَّهَا تَدْرِيجِيَّةُ التَّحَقُّقِ لَا يَحْصُلُ الْجُزْءُ الثَّانِي مِنْهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَوَّلُ وَهَلُمَّ جَرًّا فَانْتَفَى أَنْ تَكُونَ حَقِيقَةً فِي الْحَالِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى كَوْنِهَا قَارَّةً فِيهِ وَهُوَ مُحَالٌ وَالْفَرْضُ أَنَّهَا لَيْسَتْ حَقِيقَةً فِيمَا مَضَى لِعَدَمِ حُصُولِ مَعَانِيهَا وَلَا فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لِانْقِضَائِهَا فَلَا يَكُونُ لَهَا حِينَئِذٍ حَقِيقَةٌ أَصْلًا.

وَهَذَا بِخِلَافِ الضَّرْبِ فَإِنَّهُ دَفْعِيُّ الْحُصُولِ كَمَا سَيُنَبِّهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا وَقَعَ ذِكْرُهُ نَظَرًا لِذِكْرِ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ إيَّاهُ مَعَ الْمَشْيِ وَالْحَرَكَةِ وَالتَّكَلُّمِ تَمْثِيلًا لِلْمَصَادِرِ الَّتِي يَمْتَنِعُ وُجُودُ مَعَانِيهَا فِي آنٍ (بَلْ لِنَحْوِ قَائِمٍ وَقَاعِدٍ) أَيْ بَلْ إنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ حَقِيقَةً لِلْمُشْتَقَّاتِ مِنْ الْمَصَادِرِ الْآنِيَةِ وَهِيَ الَّتِي تَجْتَمِعُ أَجْزَاءُ مَعَانِيهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ وَتَبْقَى كَعَالِمٍ وَقَائِمٍ وَنَاصِرٍ أَوْ تُوجَدُ دَفْعَةً كَضَارِبٍ بِأَنْ تُطْلَقَ عَلَى مَنْ قَامَتْ بِهِ حَالَ قِيَامِهَا بِهِ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ (وَالْجَوَابُ أَنَّهُ) أَيْ بَقَاءَ الْمَعْنَى (يُشْتَرَطُ) فِي صِحَّةِ الْإِطْلَاقِ حَقِيقَةً (إنْ أَمْكَنَ) بَقَاؤُهُ (وَإِلَّا فَوُجُودُ جُزْءٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَقَاءُ الْمَعْنَى فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْإِطْلَاقِ حَقِيقَةُ وُجُودِ جُزْءٍ مِنْ الْمَعْنَى مَعَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُشْتَقَّاتِ الْمَذْكُورَةِ حَقِيقَةٌ أَصْلًا لِإِمْكَانِ تَحَقُّقِ هَذَا الْقَدْرِ فِيهَا ثُمَّ لَمَّا كَانَ هَذَا الْجَوَابُ مِنْ قِبَلِ مُطْلَقِ الِاشْتِرَاطِ أُورِدَ كَيْفُ يَصِحُّ هَذَا مِنْهُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى الْجَوَابِ عَنْ الدَّلِيلِ إبْطَالُهُ، وَبَيَانُ عَدَمِ إفَادَتِهِ مَطْلُوبَ الْمُسْتَدِلِّ فَلَا يَضُرُّهُ عَدَمُ مُوَافَقَتِهِ مَذْهَبَ الْمُجِيبِ، وَهَذَا مَا يُقَالُ: الْمَانِعُ لَا مَذْهَبَ لَهُ.

وَقِيلَ: هَذَا تَخْصِيصٌ لِلدَّعْوَى بِصُورَةِ الْإِمْكَانِ وَرُجُوعٌ إلَى الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ (وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا) التَّفْصِيلَ (يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرَادَ مُطْلَقِ الِاشْتِرَاطِ) أَيْ اشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْمَعْنَى فِي كَوْنِ الْإِطْلَاقِ حَقِيقِيًّا عَنْ تَقْيِيدِهِ بِكَوْنِهِ مِمَّا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ أَوْ لَا يُمْكِنُ، وَأَنَّهُ بَعْدَ الِانْقِضَاءِ مَجَازٌ (ضَرُورَةً) وَإِلَّا لَزِمَ اللَّازِمُ الْبَاطِلُ الْمُتَقَدِّمُ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ نَحْوُ مُخْبِرٍ يُسْتَعْمَلُ حَقِيقَةً أَصْلًا (لَا) أَنْ يَكُونَ الِاشْتِرَاطُ الْمُطْلَقُ عَنْ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ مَعَ كَوْنِهِ بَعْدَ الِانْقِضَاءِ مَجَازًا (مَذْهَبًا ثَالِثًا) لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً بَعْدَ الِانْقِضَاءِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ فَلَيْسَ هُنَا فِي التَّحْقِيقِ سِوَى مَذْهَبَيْنِ يَجْتَمِعَانِ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَالَ الِاتِّصَافِ وَيَفْتَرِقَانِ فِيمَا بَعْدَ الِانْقِضَاءِ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ ثُمَّ أَوْضَحَهُ بِقَوْلِهِ (فَهُوَ) أَيْ مُطْلَقُ الِاشْتِرَاطِ (وَإِنْ قَالَ: يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْمَعْنَى) لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ لَا يُرِيدُ بِهِ بَقَاءَ كُلِّهِ بَلْ (يُرِيدُ وُجُودَ شَيْءٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَعْنَى (فَلَفْظُ مُخْبِرٍ وَضَارِبٍ إذَا أُطْلِقَ فِي حَالِ الِاتِّصَافِ بِبَعْضِ الْإِخْبَارِ)

ص: 97