الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَوْ تَكُونُ فِيهِ وَفِي سَعَةِ الْكَلَامِ كَمَا هُوَ مَعْزُوٌّ إلَى كَثِيرٍ مِنْهُمْ الْأَخْفَشُ وَالْفَارِسِيُّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَلَعَلَّهُ الْأَظْهَرُ (وَ) وُضِعَ (لِخُصُوصٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَعْنَى الْكُلِّيِّ (كَذَلِكَ) أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَلْحُوظٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ خَاصَّيْنِ وَهُوَ التَّشْبِيهُ (فَيُسْتَعْمَلُ فِيهِ حَرْفًا كَ جَاءَ الَّذِي كَعَمْرٍو) أَيْ الَّذِي اسْتَقَرَّ كَعَمْرٍو.
وَحَرْفِيَّتُهَا فِي مِثْلِ هَذَا مُتَعَيِّنَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الصِّلَةُ بِالْمُفْرَدِ عَلَى تَقْدِيرِهَا اسْمًا رَاجِحَةٌ عِنْدَ الْأَخْفَشِ وَالْجُزُولِيِّ وَابْنِ مَالِكٍ مُجَوِّزِينَ أَنْ تَكُونَ مَعَ مَدْخُولِهَا مُضَافًا وَمُضَافًا إلَيْهِ عَلَى إضْمَارِ مُبْتَدَإٍ كَمَا فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ تَخْرِيجٌ لِلْفَصِيحِ عَلَى الشَّاذِّ (وَقِسْ الْأَخِيرَيْنِ) أَيْ عَنْ وَعَلَى (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا فَقُلْ وَعَنْ لَهُ وَضْعٌ لِلْمَعْنَى الْكُلِّيِّ وَهُوَ الْجَانِبُ فَيُسْتَعْمَلُ فِيهِ اسْمًا كَمَا فِي قَوْلِهِ
فَلَقَدْ أُرَانِي لِلرِّمَاحِ دَرِيئَةً
…
مِنْ عَنْ يَمِينِي مَرَّةً وَأَمَامِي
وَوَضْعٌ لِلْمَعْنَى الْجُزْئِيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَلْحُوظٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ خَاصَّيْنِ وَهُوَ الْمُجَاوَزَةُ فَيُسْتَعْمَلُ فِيهِ حَرْفًا كَمَا فِي مِثْلِ سَافَرْت عَنْ الْبَلَدِ وَعَلَى لَهُ وَضْعٌ لِلْمَعْنَى الْكُلِّيِّ وَهُوَ الْفَرْقُ فَيُسْتَعْمَلُ فِيهِ اسْمًا كَمَا فِي قَوْلِ كَعْبٍ
غَدَتْ مِنْ عَلَيْهِ بَعْدَمَا تَمَّ ظَمَؤُهَا
وَوَضْعٌ لِلْمَعْنَى الْجُزْئِيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَلْحُوظٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ خَاصَّيْنِ وَهُوَ الِاسْتِعْلَاءُ فَيُسْتَعْمَلُ فِيهِ حَرْفًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} [المؤمنون: 22] خِلَافًا لِجَمَاعَةٍ مِنْ نُحَاةِ الْعَرَبِ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّهَا لَا تَكُونُ حَرْفًا، وَأَنَّهُ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَهُوَ زَعْمٌ بَعِيدٌ ثُمَّ الْأَشْبَهُ أَنَّ عَلَى حَيْثُ كَانَ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا بَيْنَ الِاسْمِ وَالْحَرْفِ مَعَ أَنَّ الِاسْمَ مِنْ الْعُلُوِّ وَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ، وَأَصْلُهُ وَاوٌ بِخِلَافِ الْحَرْفِ يَزِيدُ عَلَى الْكَافِ وَعَنْ بِوَضْعٍ آخَرَ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ مُقَيَّدٍ بِالزَّمَانِ الْمَاضِي وَهُوَ الْعُلُوُّ فِيهِ فَيُسْتَعْمَلُ فِيهِ فِعْلًا مَاضِيًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ} [القصص: 4] فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا بَيْنَ الْحَرْفِ وَالِاسْمِ وَالْفِعْلِ، وَلَا يَكُونُ كَوْنُهُ مِنْ الْعُلُوِّ وَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَإِنَّهَا فِي الْأَصْلِ وَاوٌ مَانِعًا مِنْ ذَلِكَ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ (أَوْ يَكُونُ) مَعْنَاهُ حَدَثًا مُقَيَّدًا بِأَحَدِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ بِهَيْئَةٍ خَاصَّةٍ لَهُ (فَالْفِعْلُ) بِأَقْسَامِهِ مِنْ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ وَأَمْرِ الْمُخَاطَبِ، ثُمَّ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالْهَيْئَةِ الْخَاصَّةِ فِي بَيَانِ الِاسْمِ وَالْفِعْلِ دَفْعُ وُرُودِ نَحْوِ ضَارِبٍ غَدًا عَلَى عَكْسِ بَيَانِ الِاسْمِ، وَطَرْدُ بَيَانِ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ لَوْلَاهُ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى حَدَثٍ مُقَيَّدٍ بِأَحَدِ الْأَزْمِنَةِ مَعَ أَنَّهُ اسْمٌ وَصَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ دَالٌّ عَلَى حَدَثٍ مُقَيَّدٍ بِأَحَدِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِفِعْلٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ
[التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ تَقْسِيم اللَّفْظَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ وَالصِّيغَةِ]
(التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ قَسَّمَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ) وَمَنْ وَافَقَهُ (اللَّفْظَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ وَالصِّيغَةِ) قِيلَ وَهُمَا هُنَا مُتَرَادِفَتَانِ، وَالْمَقْصُودُ تَقْسِيمُ النَّظْمِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ نَفْسِهِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمُتَكَلِّمِ وَالسَّامِعِ، وَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ قَوْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ (أَيْ بِاعْتِبَارِ وَضْعِهِ إلَى خَاصٍّ وَعَامٍّ وَمُشْتَرَكٍ وَمُؤَوَّلٍ) لِأَنَّ الصِّيغَةَ الْهَيْئَةُ الْعَارِضَةُ لِلَّفْظِ بِاعْتِبَارِ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ وَتَقْدِيمِ بَعْضِ الْحُرُوفِ عَلَى بَعْضٍ وَاللُّغَةُ هِيَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَادَّةُ اللَّفْظِ، وَجَوْهَرُ حُرُوفِهِ بِقَرِينَةِ انْضِمَامِ الصِّيغَةِ إلَيْهَا، وَالْوَاضِعُ كَمَا عَيَّنَ حُرُوفَ ضَرَبَ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى الْمَخْصُوصِ عَيَّنَ هَيْئَتَهُ بِإِزَاءِ مَعْنَى الْمُضِيِّ فَاللَّفْظُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهُ إلَّا بِوَضْعِ الْمَادَّةِ وَالْهَيْئَةِ فَعَبَّرَ بِذِكْرِهِمَا عَنْ وَضْعٍ اللَّفْظِ وَوُجِّهَ التَّقْسِيمُ إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِأَنَّ اللَّفْظَ الْمَعْنَوِيَّ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُنْتَظِمًا أَوْ مُنْفَرِدًا وَالثَّانِي الْخَاصُّ، وَالْأَوَّلُ الْعَامُّ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَيَاهُ مُتَسَاوِيَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّامِعِ أَوْ لَا فَإِنْ تَسَاوَيَا فَهُوَ الْمُشْتَرَكُ وَإِلَّا فَهُوَ الْمُؤَوَّلُ
(وَاعْتُرِضَ) أَيْ وَاعْتَرَضَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (بِأَنَّ الْمُؤَوَّلَ وَلَوْ) كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَا تَرَجَّحَ (مِنْ الْمُشْتَرَكِ) بَعْضَ وُجُوهِهِ بِغَالِبِ الرَّأْيِ لَا مُطْلَقِ الْمُؤَوَّلِ (لَيْسَ بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ بَلْ عَنْ رَفْعِ إجْمَالٍ بِظَنِّيٍّ فِي الِاسْتِعْمَالِ) كَمَا تَقَدَّمَ (فَهِيَ) أَيْ أَقْسَامُ هَذَا التَّقْسِيمِ (ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ إنْ كَانَ مُسَمَّاهُ مُتَّحِدًا، وَلَوْ بِالنَّوْعِ) كَرَجُلٍ وَفَرَسٍ (أَوْ مُتَعَدِّدًا مَدْلُولًا عَلَى خُصُوصِ كَمِّيَّتِهِ) أَيْ كَمِّيَّةِ عَدَدِهِ (بِهِ) أَيْ بِلَفْظِهِ (فَالْخَاصُّ فَدَخَلَ الْمُطْلَقُ وَالْعَدَدُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ) فِي الْخَاصِّ فَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْمُطْلَقُ لِانْطِبَاقِ كَوْنِ مُسَمَّاهُ مُتَّحِدًا وَلَوْ بِالنَّوْعِ عَلَيْهَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا مُفَصَّلَةً وَالْعَدَدُ لِانْطِبَاقِ كَوْنِ مُسَمَّاهُ مُتَعَدِّدًا مَدْلُولًا عَلَى خُصُوصِ كَمِّيَّتِهِ بِهِ عَلَيْهِ (وَإِنْ تَعَدَّدَ) الْمَعْنَى (بِلَا مُلَاحَظَةِ حَصْرٍ فَإِمَّا بِوَضْعِ وَاحِدٍ فَمِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ) أَيْ فَاللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يُلَاحِظْ الْوَاضِعُ فِي الْوَضْعِ حَصْرَ مَعْنَاهُ فِي كَمِّيَّةٍ بَلْ وَضَعَ اللَّفْظَ لِمَجْمُوعِ الْمُتَعَدِّدِ كَائِنًا مَا كَانَ عَدَدُهُ وَضْعًا وَاحِدًا هُوَ (الْعَامُّ) فَهُوَ لَفْظٌ وُضِعَ وَضْعًا وَاحِدًا لِمَعْنًى مُتَعَدِّدٍ لَمْ يُلَاحَظْ حَصْرُهُ فِي كَمِّيَّةٍ (أَوْ) بِوَضْعٍ (مُتَعَدِّدٍ فَمِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ) أَيْ فَاللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ دَالٌّ عَلَى مَعْنًى مُتَعَدِّدٍ بِوَضْعٍ مُتَعَدِّدٍ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ حَصْرٍ لِكَمِّيَّتِهِ هُوَ (الْمُشْتَرَكُ) فَهُوَ لَفْظٌ وُضِعَ وَضْعًا مُتَعَدِّدًا لِمَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَلَمْ يُلَاحَظْ حَصْرُهَا فِي كَمِّيَّةٍ فَصَدَقَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَيَقَعُ بِلَا مُلَاحَظَةِ حَصْرٍ بَيَانًا لِلْوَاقِعِ لَا لِلِاحْتِرَاسِ اهـ.
يَعْنِي بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا، وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَامِّ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُثَنَّى وَالْعَدَدِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَالزَّيْدِينَ، وَالْمِائَةَ مَثَلًا لَا رَيْبَ فِي أَنَّهُ وُضِعَ وَضْعًا وَاحِدًا لِمَعْنًى مُتَعَدِّدٍ لَكِنَّهُ لُوحِظَ حَصْرُهُ فِي الْكَمِّيَّةِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا بِلَفْظِهِ وَهُمَا مِنْ قَبِيلِ الْخَاصِّ (فَيَدْخُلُ فِي الْعَامِّ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ) كَرِجَالٍ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ لَفْظٌ وُضِعَ وَضْعًا وَاحِدًا لِمَعْنًى مُتَعَدِّدٍ وَلَمْ يُلَاحَظْ حَصْرُهُ فِي كَمِّيَّةٍ فَلَا يَكُونُ وَاسِطَةً بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ هَذَا عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي الْعَامِّ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا الْبُخَارِيِّينَ (وَعَلَى اشْتِرَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ) فِيهِ كَمَا هُوَ قَوْلُ مَشَايِخِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَالشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ (فَمُتَّحِدُ الْوَضْعِ إنْ اسْتَغْرَقَ فَالْعَامُّ، وَإِلَّا فَالْجَمْعُ) أَيْ فَيُقَالُ: وَإِنْ تَعَدَّدَ بِلَا مُلَاحَظَةِ حَصْرٍ فَإِمَّا بِوَضْعٍ وَاحِدٍ فَمِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ إنْ اسْتَغْرَقَ مَا يَصْلُحُ لَهُ فَالْعَامُّ، وَإِلَّا فَالْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ فَهُوَ حِينَئِذٍ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ (وَأَخْذُ الْحَيْثِيَّةِ) كَمَا ذَكَرْنَا فِي التَّقْسِيمِ (يُبَيِّنُ عَدَمَ الْعِنَادِ بِجُزْءِ الْمَفْهُومِ بَيْنَ الْمُشْتَرَكِ وَالْعَامِّ) قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَعْنِي لَيْسَ مُوجِبُ الْعِنَادِ بَيْنَ الْمُشْتَرَكِ وَالْعَامِّ ذَاتِيًّا دَاخِلًا وَهُوَ الْفَصْلُ كَمَا هُوَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ لِتَكُونَ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ أَقْسَامَ تَقْسِيمٍ حَقِيقِيٍّ وَاحِدٍ فَتَتَبَايَنُ بِالذَّاتِ كَمَا هُوَ حَقِيقَةُ التَّقْسِيمِ وَهُوَ إظْهَارُ الْوَاحِدِ الْكُلِّيِّ فِي صُوَرٍ مُتَبَايِنَةٍ فَإِنَّهُ سَيَظْهَرُ تَصَادُقُ الْمُشْتَرَكِ مَعَ الْعَامِّ وَمَعَ الْخَاصِّ فَهُوَ تَقْسِيمٌ بِحَسَبِ الِاعْتِبَارِ وَلِذَا أُخِذَتْ الْحَيْثِيَّةُ (وَلِذَا) أَيْ وَلِعَدَمِ الْعِنَادِ بِجُزْءِ الْمَفْهُومِ بَيْنَهُمَا (لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْحَيْثِيَّةِ (فِي تَعْرِيفِهِمَا ابْتِدَاءً) وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا عِنَادٌ ذَاتِيٌّ لَذَكَرْت فِيهِ (فَأُلْحِقَ تَقْسِيمَانِ) التَّقْسِيمُ (الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْوَضْعِ وَتَعَدُّدُهُ يُخْرِجُ الْمُنْفَرِدُ) وَهُوَ الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى وَاحِدٍ سُمِّيَ بِهِ لِانْفِرَادِ لَفْظِهِ بِمَعْنَاهُ (وَلَمْ يُخْرِجْهُ) أَيْ الْمُنْفَرِدَ (الْحَنَفِيَّةُ عَلَى كَثْرَةِ أَقْسَامِهِمْ) وَأَخْرَجَهُ الشَّافِعِيَّةُ (وَ) يَخْرُجُ (الْمُشْتَرَكُ وَفِيهِ) أَيْ فِي الْمُشْتَرَكِ (مَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكِ) فِي جَوَازِهِ وَوُقُوعِهِ أَقْوَالٌ:
أَحَدُهَا غَيْرُ جَائِزٍ. ثَانِيهَا جَائِزٌ غَيْرُ وَاقِعٍ. ثَالِثُهَا جَائِزٌ وَاقِعٌ فِي اللُّغَةِ لَا غَيْرَ
رَابِعُهَا جَائِزٌ وَاقِعٌ فِي اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ لَا غَيْرَ (خَامِسُهَا وَاقِعٌ فِي اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ) وَهُوَ الْمُخْتَارُ (لَنَا) عَلَى الْجَوَازِ (لَا امْتِنَاعَ لِوَضْعِ لَفْظٍ مَرَّتَيْنِ
فَصَاعِدًا لِمَفْهُومَيْنِ فَصَاعِدًا عَلَى أَنْ يُسْتَعْمَلَ لِكُلٍّ عَلَى الْبَدَلِ) إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ وُقُوعِهِ مُحَالٌ وَهَذَا هُوَ الْمُشْتَرَكُ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمَانِعِينَ (يَسْتَلْزِمُ) جَوَازُ الْمُشْتَرَكِ (الْعَبَثَ لِانْتِفَاءِ فَائِدَةِ الْوَضْعِ) وَهِيَ فَهْمُ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ عَلَى التَّعْيِينِ لِتَسَاوِي نِسْبَةِ الْمَعْنَيَيْنِ إلَى اللَّفْظِ وَنِسْبَتِهِ إلَيْهِمَا وَخَفَاءِ الْقَرَائِنِ (مُنْدَفِعٌ بِأَنَّ الْإِجْمَالَ مِمَّا يُقْصَدُ) فَإِنَّ الْوَضْعَ تَابِعٌ لِلْغَرَضِ الَّذِي يَقْصِدُهُ الْوَاضِعُ، وَهُوَ قَدْ يَقْصِدُ التَّعْرِيفَ الْإِجْمَالِيَّ لِغَرَضِ الْإِبْهَامِ عَلَى السَّامِعِ كَوَضْعِهِ صِيغَةَ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ لِسَتْرِ الْفَاعِلِ عَنْ السَّامِعِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا يَقْصِدُ التَّفْصِيلِيَّ (وَلَنَا عَلَى الْوُقُوعِ ثُبُوتُ اسْتِعْمَالِ الْقَرْءِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَتُضَمُّ (لُغَةً لِكُلٍّ مِنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ) عَلَى الْبَدَلِ (لَا يَتَبَادَرُ أَحَدُهُمَا مُرَادًا بِلَا قَرِينَةٍ) مُعَيِّنَةٍ لَهُ دُونَ الْآخَرِ.
(وَهُوَ) أَيْ وَاسْتِعْمَالُهُ كَذَلِكَ (دَلِيلُ الْوَضْعِ كَذَلِكَ) أَيْ وَضْعِ لَفْظِهِ مَرَّتَيْنِ لَهُمَا عَلَى الْبَدَلِ (وَهُوَ) أَيْ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ مَرَّتَيْنِ لِمَفْهُومَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ (الْمُرَادُ بِالْمُشْتَرَكِ وَمَا قِيلَ) فِي دَفْعِ هَذَا كَمَا فِي الْبَدِيعِ (جَازَ كَوْنُهُ) أَيْ الْقَرْءِ (لِمُشْتَرَكٍ) أَيْ لِمَعْنًى وَاحِدٍ هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ (أَوْ) جَازَ كَوْنُهُ (حَقِيقَةً) فِي أَحَدِهِمَا (وَمَجَازًا) فِي الْآخَرِ (وَخَفِيَ التَّعْيِينُ) لِلْحَقِيقَةِ مِنْ الْمَجَازِ (وَكَذَا كُلُّ مَا ظُنَّ) مِنْ الْأَلْفَاظِ (أَنَّهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ يُقَالُ فِيهِ هَذَا (ثُمَّ يَتَرَجَّحُ الْأَوَّلُ) وَهُوَ كَوْنُهُ لِمَعْنًى وَاحِدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا عَلَى الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ؛ لِأَنَّ التَّوَاطُؤَ أَوْلَى مِنْهُ وَعَلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي أَحَدِهِمَا مَجَازًا فِي الْآخَرِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ (مَدْفُوعٌ بِعَدَمِهِ) أَيْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ (بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَمَا قِيلَ هُوَ الْجَمْعُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَرَأْت الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ إذَا جَمَعْته فِيهِ وَالدَّمُ يَجْتَمِعُ فِي زَمَنِ الطُّهْرِ فِي الْجَسَدِ وَفِي زَمَنِ الْحَيْضِ فِي الرَّحِمِ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ.
(وَكَوْنُهُ) أَيْ الْقَرْءِ مَوْضُوعًا (لِنَحْوِ الشَّيْئِيَّةِ وَالْوُجُودِ) فَيَكُونُ هُوَ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا (بَعِيدٌ) جِدًّا (وَيُوجِبُ أَنَّ نَحْوَ الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ وَالْقُعُودِ وَمَا لَا يُحْصَى) مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ الْوُجُودِيَّةِ (مِنْ أَفْرَادِ الْقَرْءِ) لِاشْتِرَاكِهَا فِيهِ وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا (وَاشْتِهَارُ الْمَجَازِ بِحَيْثُ يُسَاوِي الْحَقِيقَةَ) فِي التَّبَادُرِ (وَيَخْفَى التَّعْيِينُ) لِلْمُرَادِ مِنْهُمَا (نَادِرٌ لَا نِسْبَةَ لَهُ بِمُقَابِلِهِ) وَهُوَ أَنْ لَا يَشْتَهِرَ الْمَجَازُ بِحَيْثُ يُسَاوِي الْحَقِيقَةَ فِي التَّبَادُرِ وَيَخْفَى التَّعْيِينُ (فَأَظْهَرُ الِاحْتِمَالَاتِ كَوْنُهُ) أَيْ الْقَرْءِ (مَوْضُوعًا لِكُلٍّ) مِنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ عَلَى الْبَدَلِ فَلَا يَعْرُجُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ.
(وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ الْقَرْءِ مَوْضُوعًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْبَدَلِ (دَلِيلُ وُقُوعِهِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ (فِي الْقُرْآنِ) لِوُقُوعِ الْقَرْءِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228](وَالْحَدِيثِ) أَيْضًا لِوُقُوعِهِ فِيمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ «عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ حُبَيْشٍ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ قَالَ دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِك» وَبِهِ) أَيْ بِالْوُقُوعِ (كَانَ قَوْلُ النَّافِي) لِلْوُقُوعِ (إنْ وَقَعَ) الْمُشْتَرَكُ (مُبَيِّنًا) أَيْ مَقْرُونًا بِبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْهُ (طَالَ) الْكَلَامُ (بِلَا فَائِدَةٍ) لِإِمْكَانِ بَيَانِهِ بِمُنْفَرِدٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ فَلَا يَطُولُ (أَوْ) وَقَعَ (غَيْرَ مُبَيَّنٍ لَمْ يُفِدْ) لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ وَضْعِهِ وَحَاصِلُهُ لُزُومُ مَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ أَوْ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَكِلَاهُمَا نَقْصٌ يَمْتَنِعُ اشْتِمَالُ الْكَلَامِ الْبَلِيغِ عَلَيْهِ، وَلَا سِيَّمَا قُرْآنًا وَسُنَّةً (تَشْكِيكًا بَعْدَ التَّحَقُّقِ) فَلَا يُسْمَعُ (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ قَوْلَ النَّافِي هَذَا (بَاطِلٌ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِاشْتِمَالِ الْإِبْهَامِ ثُمَّ التَّفْسِيرِ عَلَى زِيَادَةِ بَلَاغَةٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي فَنِّهَا.
وَأَمَّا الثَّانِي (فَإِنَّ إفَادَتَهُ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ حِينَئِذٍ فَائِدَةٌ إجْمَالِيَّةٌ (كَالْمُطْلَقِ وَفِي الشَّرْعِيَّاتِ) لَهُ فَائِدَتَانِ أُخْرَيَانِ (الْعَزْمُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الِامْتِثَالِ لِلْمُرَادِ مِنْهُ
(إذَا بَيَّنَ) الْمُرَادَ مِنْهُ (وَالِاجْتِهَادُ فِي اسْتِعْلَامِهِ) أَيْ الْمُرَادِ مِنْهُ (فَيَنَالُ ثَوَابَهُ) أَيْ ثَوَابَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَانْتَفَى نَفْيُ فَائِدَتِهِ (وَاسْتُدِلَّ) لِلْمُخْتَارِ بِدَلِيلٍ مُزَيَّفٍ، وَهُوَ (لَوْ لَمْ يَقَعْ) الْمُشْتَرَكُ اللَّفْظِيُّ (كَانَ الْمَوْجُودُ) أَيْ لَفْظُهُ (فِي الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ) مُشْتَرَكًا (مَعْنَوِيًّا لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَوْجُودَ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ (حَقِيقَةٌ اتِّفَاقًا وَهُوَ) أَيْ: وَكَوْنُهُ مَعْنَوِيًّا فِيهِمَا (مُنْتَفٍ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَوْجُودَ اسْمٌ (لِذَاتٍ لَهُ وُجُودٌ وَهُوَ) أَيْ الْوُجُودُ (فِي الْقَدِيمِ يُبَايِنُ الْمُمْكِنَ) وَالْأَوْلَى بَيَانُهُ أَيْ الْوُجُودِ فِي الْمُمْكِنِ لِكَوْنِهِ فِي الْقَدِيمِ وَاجِبًا وَفِي الْمُمْكِنِ حَادِثًا فَلَا اتِّحَادَ (فَلَا اشْتِرَاكَ) مَعْنَوِيًّا لَهُ فِيهِمَا (وَلَيْسَ بِشَيْءٍ) مُثْبِتٍ لِلْمَطْلُوبِ (لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بِالْخُصُوصِيَّاتِ وَبِوَصْفِ الْوُجُوبِ وَالْإِمْكَانِ لَا يَمْنَعُ الِانْدِرَاجَ تَحْتَ مَفْهُومٍ عَامٍّ) كَالْوُجُودِ (تَخْتَلِفُ أَفْرَادُهُ) فِيهِ شِدَّةً وَضَعْفًا كَمَا تَقَدَّمَ (فَيَكُونُ) الْوُجُودُ مُشْتَرَكًا (مَعْنَوِيًّا) عَلَى سَبِيلِ التَّشْكِيكِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَاجِبِ أَقْوَى مِنْهُ فِي الْمُمْكِنِ.
(وَاسْتُدِلَّ أَيْضًا) لِلْمُخْتَارِ بِدَلِيلٍ مُزَيَّفٍ، وَهُوَ أَنَّهُ (لَوْ لَمْ يُوضَعْ) الْمُشْتَرَكُ (خَلَتْ أَكْثَرُ الْمُسَمَّيَاتِ) عَنْ الْأَسْمَاءِ (لِعَدَمِ تَنَاهِيهَا) أَيْ الْمُسَمَّيَاتِ لِكَوْنِهَا مَا بَيْنَ مَوْجُودٍ مُجَرَّدٍ وَمَادِّيٍّ وَمَعْدُومٍ مُمْكِنٍ وَمُمْتَنِعٍ، أَوْ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَتِهَا الْأَعْدَادَ، وَهِيَ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ؛ إذْ مَا مِنْ عَدَدٍ إلَّا وَفَوْقَهُ عَدَدٌ (دُونَ الْأَلْفَاظِ) فَإِنَّهَا مُتَنَاهِيَةٌ (لِتَرَكُّبِهَا) أَيْ الْأَلْفَاظِ (مِنْ الْحُرُوفِ الْمُتَنَاهِيَةِ) لِأَنَّ حُرُوفَ لُغَةِ الْعَرَبِ بَلْ أَيِّ لُغَةٍ فُرِضَتْ مُتَنَاهِيَةً قَطْعًا ثُمَّ بَعْضُهَا يُضَمُّ فِي الْوَضْعِ إلَى وَاحِدٍ مِنْ بَاقِيهَا وَإِلَى اثْنَيْنِ إلَى سَبْعَةٍ وَلَا تَرْتَقِي عَنْ السِّبَاعِيِّ، وَتَقَالِيبُ الْحُرُوفِ الْمَضْمُومَةِ بَعْضُهَا مُهْمَلٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مَرَّاتُ الضَّمِّ مُتَنَاهِيَةً فَإِذَا وُضِعَ كُلُّ لَفْظٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ كَانَ الْمَوْضُوعُ لَهُ مُتَنَاهِيًا لِمُسَاوَاتِهِ الْمُتَنَاهِيَ الَّذِي هُوَ الْأَلْفَاظُ وَخَلَتْ الْمَعَانِي الْبَاقِيَةُ عَنْ أَلْفَاظٍ تَدُلُّ عَلَيْهَا (لَكِنَّهَا) أَيْ الْمُسَمَّيَاتِ (لَمْ تَخْلُ) عَنْ الْأَسْمَاءِ فَلَزِمَ اشْتِرَاكُ الْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلُ (أَضْعَفُ) مِمَّا قَبْلَهُ (لِمَنْعِ عَدَمِ تَنَاهِي الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ) وَهِيَ الَّتِي حَقِيقَتُهَا مُخْتَلِفَةٌ، وَلَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَالْحَرَكَةِ وَالْبَيَاضِ (وَالْمُتَضَادَّةِ) وَهِيَ الْأُمُورُ الْوُجُودِيَّةُ الَّتِي يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ كَالْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ فَإِنَّ كِلْتَيْهِمَا مُتَنَاهِيَةٌ (وَتَحَقُّقِهِ) أَيْ عَدَمِ التَّنَاهِي (فِي الْمُتَمَاثِلَةِ) وَهِيَ الْمُتَّفِقَةُ الْحَقَائِقِ كَأَفْرَادِ الْأَنْوَاعِ الْحَقِيقِيَّةِ (وَلَا يَلْزَمُ لِتَعْرِيفِهَا) أَيْ الْمُتَمَاثِلَةِ (الْوَضْعُ لَهَا) أَيْ لِلْمُتَمَاثِلَةِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ بِحَسَبِ خُصُوصِيَّاتِهَا الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ (بَلْ الْقَطْعُ) حَاصِلٌ (بِنَفْيِهِ) أَيْ الْوَضْعِ لَهَا بِحَسَبِ الْخُصُوصِيَّاتِ الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي اتَّفَقَتْ هِيَ فِيهَا
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْمَعَانِي الْمَعَانِي الْكُلِّيَّةُ مِنْ الْمُتَخَالِفَةِ وَالْمُتَضَادَّةِ فَغَيْرُ تَنَاهِيهَا مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ حُصُولَ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فِي الْوُجُودِ مُحَالٌ، وَأَمَّا الْأَعْدَادُ فَالدَّاخِلُ مِنْهَا فِي الْوُجُودِ مُتَنَاهٍ عَلَى أَنَّ أُصُولَهَا وَهِيَ الْآحَادُ وَالْعَشَرَاتُ وَالْمِئُونَ وَالْأُلُوفُ مُتَنَاهِيَةٌ، وَالْوَضْعُ لِلْمُفْرَدَاتِ لَا لِلْمُرَكَّبَاتِ ثُمَّ إنَّ الِاشْتِرَاكَ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ الْمُتَخَالِفَةِ وَالْمُتَضَادَّةِ، وَسَادِسُ الْأَقْوَالِ فِيهِ وَهُوَ مَنْعُهُ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ كَمَا عَنْ جَمَاعَةٍ مَمْنُوعٌ بِمَا فِي الْوَاقِعِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ
وَسَابِعُهَا وَهُوَ مَنْعُهُ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ الرَّازِيّ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِهِمَا فَلَا يَسْتَفِيدُ السَّامِعُ بِإِطْلَاقِهِ شَيْئًا فَيَصِيرُ عَبَثًا مُنِعَ بِأَنَّهُ قَدْ يَغْفُلُ عَنْهُمَا فَيَسْتَحْضِرُهُمَا بِسَمَاعِهِ ثُمَّ يَبْحَثُ عَنْ الْمُرَادِ مِنْهُمَا، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْمَعَانِي الْمَعَانِيَ الْجُزْئِيَّةُ الَّتِي يَصِحُّ بِهَا التَّمَاثُلُ فَغَيْرُ تَنَاهِيهَا مُسَلَّمٌ وَبُطْلَانُ التَّالِي مَمْنُوعٌ فَإِنَّ تَفْهِيمَهَا يَحْصُلُ بِالتَّعْبِيرِ عَنْهَا بِاسْمِ جِنْسِهَا مُطْلَقًا أَوْ مَعَ الْقَرِينَةِ
وَلَا اشْتِرَاكَ فِيهَا (وَإِنْ سَلِمَ) الْوَضْعُ لِلْمُتَمَاثِلَةِ (فَالْوَضْعُ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهِ) مِنْهَا لَا غَيْرَ (وَهُوَ) أَيْ وَالْمُحْتَاجُ إلَيْهِ (مُتَنَاهٍ وَلَوْ سَلِمَ) أَنَّهُ لَهَا كُلِّهَا (فَخُلُوُّهَا) أَيْ الْمُسَمَّيَاتِ عَنْ الْأَسْمَاءِ (عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ) أَيْ وُجُودِ الْمُشْتَرَكِ وَعَدَمِهِ (مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ) لِلْمُجَوِّزِينَ وَالْمَانِعِينَ (إذْ لَا نِسْبَةَ لِلْمُتَنَاهِي) وَهُوَ الْأَلْفَاظُ (بِغَيْرِ الْمُتَنَاهَى) وَهُوَ الْمَعَانِي أَيْ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ فِي الْقِلَّةِ مِنْهُ فَمَا هُوَ جَوَابُ الْمُجَوِّزِينَ فَهُوَ جَوَابُ الْمَانِعِينَ (وَلَوْ سَلِمَ) الْخُلُوُّ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ وُجُودِ الْمُشْتَرَكِ خَاصَّةً (فَبُطْلَانُ الْخُلُوِّ مَمْنُوعٌ وَلَا تَنْتَفِي الْإِفَادَةُ فِيمَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ) لَفْظٌ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَعَانِي لَمْ يُوضَعْ لَهَا أَلْفَاظٌ دَالَّةٌ عَلَيْهَا كَأَنْوَاعِ الرَّوَائِحِ وَالطُّعُومِ فَتُفَادُ بِأَلْفَاظٍ مَجَازِيَّةٍ وَبِالْإِضَافَةِ وَبِالْوَصْفِ فَيُقَالُ: رَائِحَةُ كَذَا وَطَعْمُ كَذَا وَرَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَطَعْمٌ طَيِّبٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَأَمَّا تَجْوِيزُ عَدَمِ تَنَاهِي الْمُرَكَّبِ مِنْ الْمُتَنَاهِي) أَيْ مَنْعُ تَنَاهِي الْأَلْفَاظِ الْمُرَكَّبَةِ مِنْ الْحُرُوفِ الْمُتَنَاهِيَةِ لِيَنْدَفِعَ بِهِ لُزُومُ خُلُوِّ الْمُسَمَّيَاتِ عَنْ الْأَسْمَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُشْتَرَكِ (إذَا لَمْ يَكُنْ) التَّرْكِيبُ (بِالتَّكْرَارِ وَالْإِضَافَاتِ كَتَرْكِيبِ الْأَعْدَادِ فَبَاطِلٌ بِأَيِّ اعْتِبَارٍ فُرِضَ) هَذَا التَّجْوِيزُ (وَلَوْ) فُرِضَ (مَعَ الْإِهْمَالِ) فِي بَعْضِ تَقَالِيبِ تَرْكِيبِ بَعْضِ الْأَلْفَاظِ (إذْ الْإِخْرَاجُ) لِلصَّوْتِ عَلَى وَجْهٍ يُحَصِّلُ الْحُرُوفَ الَّتِي هِيَ مَادَّةُ الْأَلْفَاظِ يَكُونُ (بِضَغْطٍ) أَيْ بِزَحْمَةٍ وَشِدَّةٍ لِلصَّوْتِ (فِي مَحَالَّ) مِنْ الصَّدْرِ وَالْحَلْقِ وَغَيْرِهِمَا (مُتَنَاهِيَةٍ عَلَى أَنْحَاءَ) أَيْ أَنْوَاعٍ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ لَهُ (مُتَنَاهِيَةٍ) فَكَيْفَ لَا تَكُونُ الْأَلْفَاظُ الْمُرَكَّبَةُ مِنْهَا مُتَنَاهِيَةً وَهِيَ هِيَ (وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ) الْمُتَنَاهِي (لِلْكَثْرَةِ الزَّائِدَةِ) فِيهِ مِنْ التَّرْكِيبِ بِغَيْرِ الْمُتَنَاهِي
(التَّقْسِيمُ الثَّانِي بِاعْتِبَارِ الْمَوْضُوعِ لَهُ) اتِّحَادًا وَتَعَدُّدًا (يُخْرِجُ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ) كَمَا يَظْهَرُ (وَتَتَدَاخَلُ) أَقْسَامُ التَّقْسِيمَيْنِ (فَالْمُشْتَرَكُ عَامٌّ وَخَاصٌّ وَالْمُنْفَرِدُ كَذَلِكَ) أَيْ عَامٌّ وَخَاصٌّ بِاعْتِبَارَيْنِ (وَلَا وَجْهَ لِإِخْرَاجِ الْجَمْعِ) الْمُنَكَّرِ (عَنْهُمَا) أَيْ عَنْ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ (عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ) أَيْ اشْتِرَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ وَعَدَمِهِ كَمَا فَعَلَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ عَلَى تَقْدِيرِ اشْتِرَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي الْعَامِّ بَلْ هُوَ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي الْعَامِّ مُنْدَرِجٌ فِي الْعَامِّ كَمَا قَالَ هُوَ وَعَلَى تَقْدِيرِ اشْتِرَاطِهِ فِيهِ مُنْدَرِجٌ فِي الْخَاصِّ (لِأَنَّ رِجَالًا فِي الْجَمْعِ مُطْلَقٌ كَرَجُلٍ فِي الْوُحْدَانِ) لِأَنَّ رِجَالًا مَعْنَاهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَيَصْدُقُ عَلَى كُلِّ جَمَاعَةٍ جَمَاعَةٍ عَلَى الْبَدَلِ كَمَا يَصْدُقُ رَجُلٌ عَلَى كُلٍّ رَجُلٍ رَجُلٍ عَلَى الْبَدَلِ فَكَانَ رِجَالٌ مُطْلَقًا كَمَا أَنَّ رَجُلًا مُطْلَقٌ، وَالْمُطْلَقُ مُنْدَرِجٌ فِي الْخَاصِّ اتِّفَاقًا (وَالِاخْتِلَافُ بِالْعَدَدِ) كَمَا فِي رِجَالٍ (وَعَدَمِهِ) أَيْ الْعَدَدِ كَمَا فِي رَجُلٍ (لَا أَثَرَ لَهُ) فِي إيجَابِ الِاخْتِلَافِ بِالْإِطْلَاقِ وَعَدَمِهِ (فَالْمُفْرَدُ عَامٌّ، وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى اسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ مَفْهُومٍ) فَيُغْنِي ذِكْرُ الِاسْتِغْرَاقِ لِمُقَابَلَتِهِ الْبَدَلِيَّةَ عُرْفًا عَنْ أَنْ يَقُولَ ضَرْبَةً (وَيَدْخُلُ الْمُشْتَرَكُ) فِي الْعَامِّ (لَوْ عَمَّ أَفْرَادَ مَفْهُومٍ أَوْ) عَمَّ (فِي) أَفْرَادِ (الْمَفَاهِيمِ عَلَى) قَوْلِ (مَنْ يُعَمِّمُهُ) أَيْ الْمُشْتَرَكَ فِيهَا.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: فَإِنَّهُ إذَا عَمَّ فِي الْمَفْهُومَيْنِ عَمَّ فِي أَفْرَادِهِمَا ضَرُورَةً إذْ الْمُرَادُ بِلَا شَكٍّ حِينَئِذٍ جَمِيعُ أَفْرَادِ الْمَفَاهِيمِ فَيَصْدُقُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ عَمَّ فِي أَفْرَادِ مَفْهُومٍ فَمَفْهُومٍ مِنْ اسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ مَفْهُومٍ مُطْلَقٍ يَصْدُقُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا مَفْهُومٌ وَاحِدٌ أَوْ مَفْهُومٌ مَعَهُ مَفْهُومٌ آخَرُ (وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعُمُومَ بِاعْتِبَارِ) اسْتِغْرَاقِ (أَفْرَادِ مَفْهُومٍ) فَإِنْ لَمْ يُرَدْ بِهِ فِي مَحَلِّ الِاسْتِعْمَالِ سِوَى مَفْهُومٍ وَاحِدٍ كَانَ عَامًّا بِاعْتِبَارِهِ إنْ دَخَلَهُ مُوجِبُ الْعُمُومِ كَاللَّامِ مَثَلًا وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَفْهُومَانِ أَوْ الْمَفَاهِيمُ، وَدَخَلَهُ الْمُوجِبُ عَمَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَفْرَادِ الْمَفَاهِيمِ كُلِّهَا وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ فِي قَوْلِك الْعَيْنُ شَيْءٌ يُحِبُّ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
هَذَا عَلَى مَنْ شَرَطَ الِاسْتِغْرَاقَ فِي الْعَامِّ (وَمَنْ لَمْ يَشْرِطْ الِاسْتِغْرَاقَ) فِيهِ (كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ) فَتَعْرِيفُهُ عِنْدَهُ (مَا يَنْتَظِمُ جَمْعًا مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ) وَهَذَا مُخْتَصَرُ تَعْرِيفِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ مُرَادًا بِمَا عِنْدَهُمَا لَفْظٌ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ لَا غَيْرَ عِنْدَهُمَا وَمِنْ ثَمَّةَ ذَكَرَاهُ بَدَلَ مَا وَعِنْدَ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْمَعَانِي أَيْضًا كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجَصَّاصِ وَمُوَافِقِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ خَرَجَ بِمَا يَنْتَظِمُ جَمْعًا أَيْ يَشْمَلُ أَفْرَادَ الْخَاصِّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْمُشْتَرَكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ مَعَانِيَهُ بَلْ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْهَا عَلَى السَّوَاءِ.
وَاشْتِرَاطُ الِاسْتِغْرَاقِ وَبِقَوْلِهِ مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ أَسْمَاءُ الْأَعْدَادِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهَا مُسَمَّيَاتٌ بَلْ لِكُلِّ اسْمِ عَدَدٍ مُسَمًّى خَاصٌّ لَوْ نَقَصَ مِنْهُ وَاحِدٌ أَوْ زِيدَ عَلَيْهِ تَبَدَّلَ الِاسْمُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْمُسَمَّى بِخِلَافِ الْعَامِّ فَإِنَّ لَهُ مُسَمَّيَاتٍ كَثِيرَةً لَا يَتَبَدَّلُ فِيهِ الِاسْمُ، وَلَا يَتَغَيَّرُ الْمُسَمَّى بِالنَّقْصِ وَالزِّيَادَةِ، وَكَوْنُ الْعُمُومِ فِي الْمَعَانِي إذَا كَانَ الْمُعَرِّفُ مِنْ مَانِعِيهِ فِيهَا وَلَمْ يُصَدِّرْهُ بِلَفْظٍ وَلَا بِمَا مُرِيدًا لَهُ خَاصَّةً بِهَا أَمَّا إذَا صَدَّرَهُ بِلَفْظٍ أَوْ بِمَا مُرِيدًا لَهُ خَاصَّةً بِهَا فَيَكُونُ فَائِدَتُهُ الْأَوَّلَ
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُعَرِّفُ مِنْ مُجَوِّزِيهِ فِيهَا فَلَا يَنْبَغِي لَهُ تَصْدِيرُهُ بِلَفْظٍ وَلَا بِمَا مُرِيدًا لَهُ خَاصَّةً بِهَا بَلْ بِمَا مَرِيدًا بِهَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فَائِدَتُهُ الْأَوَّلَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ أَوْ الْمَعَانِي، أَوْ وَالْمَعَانِي وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الْجَصَّاصُ هَكَذَا فَإِنَّهُ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْعُمُومَ تُوصَفُ بِهِ الْمَعَانِي حَقِيقَةً كَالْأَلْفَاظِ فَانْتَفَى مَا تَوَارَدَ عَلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَدْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ مِنْ تَغْلِيطِهِ فِي ذِكْرِ الْمَعَانِي وَخُصُوصًا بِأَوْ وَتَأْوِيلِهِمْ لَهُ بِمَا هُوَ آبٍ لَهُ كَمَا يُعْرَفُ فِي كَلَامِهِ وَكَلَامِهِمْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ثُمَّ الِانْتِظَامُ عِنْدَهُمْ نَوْعَانِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ كَصِيَغِ الْجُمُوعِ وَبِعُمُومِ الْمَعْنَى كَالْقَوْمِ فَإِنَّهُ لَفْظٌ خَاصٌّ وُضِعَ لِمَعْنًى عَامٍّ وَهُوَ الْجَمَاعَةُ الْمُتَّفِقَةُ الْحَقِيقَةِ مِنْ الرِّجَالِ، وَهَذَا فَائِدَةُ إرْدَافِهِمْ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ بِقَوْلِهِمْ لَفْظًا أَوْ مَعْنًى وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ نَحْوَ أَعْلَمَ زَيْدٌ بَكْرًا عَمْرًا خَيْرَ النَّاسِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ انْتَظَمَ جَمْعًا مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ عَامًّا
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ لَفْظٌ وَاحِدٌ (وَكَذَا مَا يَتَنَاوَلُ أَفْرَادًا مُتَّفِقَةَ الْحُدُودِ شُمُولًا) وَهَذَا تَعْرِيفُ صَاحِبِ الْمَنَارِ فَخَرَجَ بِ أَفْرَادًا الْخَاصُّ وَبِ مُتَّفِقَةَ الْحُدُودِ الْمُشْتَرَكُ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ أَفْرَادًا لَكِنَّهَا مُخْتَلِفَةُ الْحُدُودِ وَبِ " شُمُولًا " اسْمُ الْجِنْسِ كَرَجُلٍ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ أَفْرَادًا مُتَّفِقَةَ الْحُدُودِ لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ (وَأَمَّا تَعْرِيفُهُ) أَيْ الْعَامِّ (عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ بِمَا دَلَّ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ مُطْلَقًا ضَرْبَةً) كَمَا هُوَ تَعْرِيفُ ابْنِ الْحَاجِبِ فَمَا دَلَّ كَالْجِنْسِ وَأُورِدَ مَا بَدَلُ لَفْظٍ لِيَتَنَاوَلَ عُمُومَ الْمَعَانِي أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَعْرِضُ لَهَا حَقِيقَةً عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُ فَعَلَى مُسَمَّيَاتٍ لِإِخْرَاجِ نَحْوِ زَيْدٍ فَبِاعْتِبَارِ أَمْرٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ مُتَعَلِّقُ بَدَلٍ لِإِخْرَاجِ نَحْوِ عَشَرَةٍ فَإِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى آحَادِهَا بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ بِمَعْنَى صِدْقِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ آحَادَهَا أَجْزَاؤُهَا لَا جُزْئِيَّاتُهَا فَلَا يَصْدُقُ عَلَى وَاحِدٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ عَشَرَةٌ (فَمُطْلَقًا) قَيْدٌ لِمَا اشْتَرَكَتْ فِيهِ أَيْ بِلَا قَيْدٍ يُفِيدُ ذَلِكَ (لِإِخْرَاجِ) الْأَفْرَادِ (الْمُشْتَرَكَةِ) فِي الْمَفْهُومِ (الْمَعْهُودَةِ) كَالرِّجَالِ فِي نَحْوِ جَاءَنِي رِجَالٌ فَأَكْرَمْت الرِّجَالَ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْأَفْرَادَ الْمُشْتَرَكَةَ الْمَعْهُودَةَ (مَدْلُولَةٌ) لِلَفْظِ الْجَمْعِ لَكِنَّهَا (مُقَيَّدَةٌ بِالْعَهْدِ) .
فَهَذَا الْجَمْعُ يَدُلُّ عَلَى الْمُسَمَّيَاتِ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ مَعَ تَقَيُّدِهَا بِمَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ عَهْدِهِمْ بِخِلَافِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمُسَمَّيَاتِ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ مَعَ تَقَيُّدِهَا بِمَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ عَهْدِهِمْ بِخِلَافِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمُسَمَّيَاتِ مُطْلَقًا حَتَّى يَنْشَأَ مِنْهُ اسْتِغْرَاقُهُ لِجَمِيعِ الْمَرَاتِبِ حَيْثُ لَا مَانِعَ دَفْعًا لِلتَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ وَضَرْبَةً أَيْ دَفْعَةً وَاحِدَةً لِإِخْرَاجِ نَحْوِ رَجُلٍ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مُسَمَّيَاتِهِ لَكِنْ لَا دَفْعَةً بَلْ دَفَعَاتٍ عَلَى الْبَدَلِ (وَيَرِدُ) عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ (خُرُوجُ عُلَمَاءِ
الْبَلَدِ) بِقَيْدِ مُطْلَقًا فَيَبْطُلُ عَكْسُهُ (وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ فِيهِ) أَيْ فِي عُلَمَاءِ الْبَلَدِ (عَالِمُ الْبَلَدِ مُطْلَقًا) أَيْ الْعَالِمُ الْمُضَافُ إلَى الْبَلَدِ، وَهُوَ فِي هَذَا الْمَعْنَى مُطْلَقٌ (بِخِلَافِ الرِّجَالِ الْمَعْهُودِينَ) فَإِنَّ الْمُشْتَرَكَ فِيهِ (فَهُوَ الرَّجُلُ الْمَعْهُودُ) فَلَمْ يُرَدْ بِهِمْ أَفْرَادُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ مَعَ خُصُوصِيَّةِ الْعَهْدِ (وَالْحَقُّ أَنْ لَا فَرْقَ) بَيْنَ الرِّجَالِ الْمَعْهُودِينَ وَبَيْنَ عُلَمَاءِ الْبَلَدِ فِي عَدَمِ الْإِطْلَاقِ (لِأَنَّ عَالِمَ الْبَلَدِ مَعْهُودٌ) بِوَاسِطَةِ إضَافَتِهِ إلَى الْبَلَدِ الْمَعْهُودِ (وَكَوْنُ الْمُرَادِ عَهْدًا اُعْتُبِرَتْ خُصُوصِيَّتُهُ) وَهُوَ الْعَهْدُ الْكَائِنُ بِاللَّامِ فِيهِ نَفْسِهِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي عَالِمِ الْبَلَدِ (لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فَيَرِدُ) عُلَمَاءُ الْبَلَدِ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْدَفِعُ عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ (وَيَرِدُ) أَيْضًا عَلَيْهِ (الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ) فِي الْإِثْبَاتِ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِعَامٍّ مَعَ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ التَّعْرِيفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمُسَمَّيَاتِ أَجْزَاءٍ مُسَمَّيَاتُ الدَّالِّ عَلَى التَّنْكِيرِ حَتَّى تَكُونَ الْمُسَمَّيَاتُ فِي الْجَمْعِ الْوُحْدَانَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فَيَبْطُلُ طَرْدُهُ.
(فَإِنْ أُجِيبَ بِإِرَادَةِ مُسَمَّيَاتِ الدَّالِّ) أَيْ جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِ مُسَمَّاهُ الَّذِي هُوَ اسْمٌ لِكُلٍّ مِنْهَا حَتَّى تَكُونَ الْمُسَمَّيَاتُ فِي الْجَمِيعِ الْجُمُوعَ فَيَخْرُجُ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ (فَبَعُدَ حَمْلُهُ) أَيْ مَا دَلَّ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ (عَلَى أَفْرَادِ مُسَمَّاهُ لِيَصِحَّ وَلَا يُشْعِرُ بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْمُرَادِ (اللَّفْظُ) لِأَنَّ ظَاهِرَهُ مَا تَقَدَّمَ (فَبِاعْتِبَارِ إلَخْ) أَيْ أَمْرٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ (مُسْتَدْرَكٍ لِخُرُوجِ الْعَدَدِ) حِينَئِذٍ بِقَوْلِهِ: مَا دَلَّ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ (لِأَنَّهَا) أَيْ آحَادَ الْعَدَدِ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا الْعَدَدُ (لَيْسَتْ أَفْرَادَ مُسَمَّاهُ) أَيْ مُسَمَّى الْعَدَدِ بَلْ أَجْزَاءَ مُسَمَّاهُ، وَإِنَّمَا أَفْرَادُ الْعَشَرَةِ مَثَلًا الْعَشَرَاتُ عَلَى الْبَدَلِ لِصِدْقِ الْعَشَرَةِ مُطْلَقًا عَلَى كُلٍّ مِنْهَا كَذَلِكَ بِخِلَافِ الْآحَادِ لَا يَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا عَشَرَةٌ فَهِيَ مَدْلُولَاتٌ تَضَمُّنِيَّةٌ لِعَشَرَةٍ لَا أَفْرَادَ لَهَا
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَعَمُّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الدَّالِّ وَمِنْ أَجْزَائِهِ وَعُمُومُ جَمْعِ النَّكِرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَجْزَائِهِ يَخْرُجُ بِقَوْلِهِ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُشْتَرَكَ فِيهِ هُوَ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الَّذِي يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الْمُسَمَّيَاتُ الَّتِي هِيَ جُزْئِيَّاتٌ لَهُ وَيَصْدُقُ حَمْلُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَعُمُومُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ يَخْرُجُ بِقَوْلِهِ: ضَرْبَةً؛ لِأَنَّهُ بِإِطْلَاقِ وَاحِدٍ لَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ (ثُمَّ أَفْرَادُ الْعَامِّ الْمُفْرَدِ الْوُحْدَانُ وَالْجَمْعِ الْمُحَلَّى الْجُمُوعُ فَإِنْ اُلْتُزِمَ كَوْنُ عُمُومِهِ) أَيْ الْجَمْعِ الْمُحَلَّى (بِاعْتِبَارِهَا) أَيْ الْجُمُوعِ (فَقَطْ فَبَاطِلٌ لِلْإِطْبَاقِ عَلَى فَهْمِهَا) أَيْ: الْأَفْرَادِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْجَمْعِ الْمُحَلَّى (وَإِلَّا) فَإِنْ كَانَ عُمُومُهُ بِاعْتِبَارِهَا فَقَطْ (فَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ حِينَئِذٍ بِهِ) أَيْ بِالْجَمْعِ الْمُحَلَّى (لَا يُوجِبُهُ) أَيْ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ (فِي كُلِّ فَرْدٍ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْأَفْرَادِ حِينَئِذٍ كُلٌّ وَتَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الْكُلِّ لَا يُوجِبُهُ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ كَمَا فِي: الْجَيْشُ يَفْتَحُ الْمَدِينَةَ، وَالْحَبْلُ يَحْمِلُ الْجَرَّةَ لَا يَفْتَحُهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَلَا يَحْمِلُهَا شَعْرَةٌ مِنْهُ لَكِنَّهُ يُوجِبُهُ لُغَةً وَشَرْعًا لِمَا ذُكِرَ وَيُذْكَرُ (وَالْحَقُّ أَنَّ لَامَ الْجِنْسِ تَسْلُبُ الْجَمْعِيَّةَ إلَى الْجِنْسِيَّةِ مَعَ بَقَاءِ الْأَحْكَامِ اللَّفْظِيَّةِ لِفَهْمِ الثُّبُوتِ) لِلْحُكْمِ الْمُعَلَّقِ بِالْجَمْعِ الْمُحَلَّى (فِي الْوَاحِدِ فِي) حَلِفِهِ (لَا أَشْتَرِي الْعَبِيدَ) فَيَحْنَثُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ وَاحِدٍ (وَيُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) أَيْ وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] وَ {يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ كُلَّ مُحْسِنٍ وَتَوَّابٍ وَمُتَطَهِّرٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَلِامْتِنَاعِ وَصْفِهِ بِالْمُفْرَدِ فَلَا يُقَالُ: لَا أَشْتَرِي الْعَبِيدَ الْأَسْوَدَ مَثَلًا مُحَافَظَةً عَلَى التَّشَاكُلِ اللَّفْظِيِّ وَيَكُونُ عُمُومُ هَذَا الْجَمْعِ بِاعْتِبَارِ الْآحَادِ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى مَجَازِيٍّ تَشْتَرِكُ فِيهِ مُسَمَّيَاتُهُ الَّتِي هِيَ الْجُمُوعُ وَهُوَ مَا يُسَمَّى بِجِنْسِهَا الْمُفْرَدِ وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَمْرَ الْكُلِّيَّ الَّذِي تَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُسَمَّيَاتُ كَمَا يَكُونُ حَقِيقِيًّا لِلْعَامِّ يَكُونُ مَجَازِيًّا لَهُ أَيْضًا كَمَا فِي عُمُومِ اللَّفْظِ بَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى مَجَازِيٍّ لَهُ يَشْتَرِكُ