الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي الْعَالِمِ لِلْحَقِيقَةِ حَيْثُ قَالَ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِنَا: الْعَالِمُ زَيْدٌ هَذِهِ الْحَقِيقَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ زَيْدٌ فَيَنْحَصِرُ فِيهِ بِالضَّرُورَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ زَيْدًا ذَاتٌ مُعَيَّنَةٌ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ إلَّا بِكَوْنِهِ عَيْنَهَا فَكَانَتْ مَخْصُوصَةً بِهِ إذْ لَوْ وُجِدَ فِي غَيْرِهِ لَمَا كَانَ عَيْنَهَا بِخِلَافِ عَكْسِهِ وَهُوَ زَيْدٌ الْعَالِمُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْعَالِمُ ثَابِتٌ لَهُ وَثُبُوتُهُ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عَيْنَهُ لِجَوَازِ كَوْنِهِ صِفَةً لِغَيْرِهِ اهـ.
وَوَجْهُ عَدَمِ الْقَبُولِ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ (وَقَدْ حُكِيَ) فِي إفَادَةِ مِثْلِ: الْعَالِمُ زَيْدٌ الْحَصْرَ أَيْ جُزْأَهُ الَّذِي هُوَ النَّفْيُ عَنْ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِي ثُبُوتِ الْإِيجَابِ نُطْقًا كَمَا قُلْنَا مِثْلَهُ فِي إنَّمَا: ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا ابْنُ حَاجِبِ وَغَيْرُهُ أَحَدُهَا (نَفْيُهُ) أَيْ الْحَصْرِ وَعَزَاهُ صَاحِبُ الْبَدِيعِ إلَى الْمَذْهَبِ (وَإِثْبَاتُهُ مَفْهُومًا) أَيْ وَثَانِيهَا أَنَّهُ يُفِيدُهَا مَفْهُومَهُ (وَمَنْطُوقًا) أَيْ وَثَالِثُهَا أَنَّهُ يُفِيدُ مَنْطُوقًا (وَاسْتُبْعِدَ) هَذَا (لِعَدَمِ النُّطْقِ بِالنَّافِي) ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ (وَعَلِمْت فِي إنَّمَا أَنْ لَا أَثَرَ لَهُ) أَيْ لِعَدَمِ النُّطْقِ بِالنَّافِي فِي كَوْنِ النَّفْيِ ثَابِتًا بِاللَّفْظِ مَنْطُوقًا فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِبْعَادُ نَظَرًا إلَى هَذَا الْوَجْهِ (بَلْ وَجْهُهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِبْعَادِ (عَدَمُ لَفْظٍ يَتَبَادَرُ مِنْهُ) النَّفْيُ (لِأَنَّ اللَّامَ لِلْعُمُومِ فَقَطْ) أَوْ لِلْحَقِيقَةِ فَقَطْ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَلَيْسَ النَّفْيُ جُزْأَهُ (فَإِنَّمَا يَثْبُتُ) النَّفْيُ عَنْ الْغَيْرِ فِيهِ (لَازِمًا لِإِثْبَاتِهِ) أَيْ الْعُمُومِ لِوَاحِدٍ لَا غَيْرُ أَوْ الْحَقِيقَةِ لَهُ وَهَذَا (بِخِلَافِ إنَّمَا) فَإِنَّهُ يَتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِهَا النَّفْيُ فَكَانَ جُزْءَ مَعْنَاهَا كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ لَمَّا كَانَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْحَصْرَ بِاللَّامِ لِلْعُمُومِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ مَظِنَّةَ أَنْ يُقَالَ أَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَأَمَّا الْمَنْطِقِيُّونَ فَيَأْخُذُونَ بِالْأَقَلِّ الْمُتَيَقَّنِ فَيَجْعَلُونَهُ فِي قُوَّةِ الْجُزْئِيَّةِ أَيْ: بَعْضُ الْمَنْطِقِ زِيدَ عَلَى مَا هُوَ قَانُونُ الِاسْتِدْلَالِ قَدَّرَهُ الْمُصَنِّفُ مُجِيبًا عَنْهُ بِقَوْلِهِ (وَمَا نُسِبَ إلَى الْمَنْطِقِيِّينَ مِنْ جَعْلِهِمْ إيَّاهُ) أَيْ ذَا اللَّازِمِ الَّتِي لِلْعُمُومِ (جُزْئِيًّا يَنْفِيهِ مَا حُقِّقَ مِنْ أَنَّ السُّورَ مَا دَلَّ عَلَى كَمْيَّةِ الْمَوْضُوعِ) إنْ كُلِّيًّا فَكُلِّيٌّ وَإِنْ جُزْئِيًّا فَجُزْئِيٌّ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْأَسْوَارِ لَمْ يَقْصِدُوا بِهِ الِانْحِصَارَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَذُو اللَّامِ) الَّتِي لِلْعُمُومِ (مُسَوَّرٌ بِسُوَرِ الْكُلِّيَّةِ) لِكَوْنِهِ دَالًّا عَلَى الْعُمُومِ الِاسْتِغْرَاقِيِّ، وَكُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَهُوَ سُورُ الْكُلِّيَّةِ كَمَا أَفَادَهُ أَبُو عَلِيٍّ فِي الْإِشَارَاتِ
[التَّقْسِيمُ الثَّانِي فِي اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ دَلَالَتِهِ]
(التَّقْسِيمُ الثَّانِي) فِي اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ (بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ دَلَالَتِهِ إلَى ظَاهِرٍ وَنَصٍّ وَمُفَسَّرٍ وَمُحْكَمٍ فَمُتَأَخِّرٍ وَالْحَنَفِيَّةُ مَا) أَيْ اللَّفْظُ الَّذِي (ظَهَرَ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيُّ) لِلسَّامِعِ (بِمُجَرَّدِهِ) أَيْ اللَّفْظِ أَيْ بِنَفْسِ سَمَاعِهِ بِلَا قَرِينَةٍ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ حَالَ كَوْنِهِ (مُحْتَمِلًا) لِغَيْرِ مَعْنَاهُ الظَّاهِرِ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا (إنْ لَمْ يُسَقْ) الْكَلَامُ (لَهُ أَيْ لَيْسَ) سَوْقُ مَعْنَاهُ الْمَذْكُورِ (الْمَقْصُودَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فَهُوَ) أَيْ اللَّفْظُ الْمُفْرَدُ (بِهَذَا الِاعْتِبَارِ) وَهُوَ كَوْنُ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ ظَاهِرًا لِلسَّامِعِ بِنَفْسِ سَمَاعِ اللَّفْظِ مَعَ احْتِمَالِهِ لِغَيْرِهِ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا غَيْرَ مَسُوقٍ لَهُ هُوَ (الظَّاهِرُ) اصْطِلَاحًا مِنْ الظُّهُورِ وَهُوَ الْوُضُوحُ فَالْمَعْرُوفُ الِاصْطِلَاحِيُّ، وَمَا فِي التَّعْرِيفِ اللُّغَوِيِّ فَلَا يَلْزَمُ تَعْرِيفُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، وَتَقْيِيدُ الظُّهُورِ بِنَفْسِ اللَّفْظِ احْتِرَازٌ عَمَّا ظَهَرَ الْمُرَادُ بِهِ لَا بِنَفْسِ اللَّفْظِ كَالْمُجْمَلِ إذَا لَحِقَهُ الْبَيَانُ (وَبِاعْتِبَارِ ظُهُورِ مَا سِيقَ لَهُ) أَيْ وَاللَّفْظُ الْمُفْرَدُ بِاعْتِبَارِ وُضُوحِ مَعْنَاهُ الْمَسُوقِ لَهُ بِوَاسِطَةِ السَّوْقِ لَهُ زِيَادَةً عَلَى ظُهُورِهِ بِمُجَرَّدِ سَمَاعِهِ (مَعَ احْتِمَالِ التَّخْصِيصِ) إنْ كَانَ عَامًّا (وَالتَّأْوِيلِ) إنْ كَانَ خَاصًّا (النَّصُّ) اصْطِلَاحًا، وَإِنَّمَا كَانَ السَّوْقُ مُفِيدًا لِزِيَادَةِ الْوُضُوحِ؛ لِأَنَّ اهْتِمَامَ الْمُتَكَلِّمِ بِبَيَانِ مَا قَصَدَهُ بِالسَّوْقِ أَتَمُّ، وَاحْتِرَازُهُ عَنْ الْغَلَطِ وَالسَّهْوِ فِيهِ أَكْمَلُ، وَمِنْ هُنَا نَاسَبَ أَنْ يُسَمَّى هَذَا نَصًّا إمَّا مِنْ نَصَصْت الشَّيْءَ رَفَعْته؛ لِأَنَّ فِي ظُهُورِهِ ارْتِفَاعًا عَلَى ظُهُورِ الظَّاهِرِ، أَوْ مِنْ نَصَصْت الدَّابَّةَ إذَا اسْتَخْرَجْت مِنْهَا بِالتَّكْلِيفِ سَيْرًا فَوْقَ سَيْرِهَا الْمُعْتَادِ؛ لِأَنَّ فِي ظُهُورِهِ زِيَادَةً حَصَلَتْ بِقَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ لَا بِنَفْسِ الصِّيغَةِ كَالزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ سَيْرِ الدَّابَّةِ بِتَكْلِيفِهَا إيَّاهَا لَا بِنَفْسِهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ (وَيُقَالُ) النَّصُّ (أَيْضًا لِكُلِّ سَمْعِيٍّ) كَائِنٍ مَا كَانَ قَوْلًا شَائِعًا وَالْمُمَيَّزُ بَيْنَ الْمُرَادَيْنِ مِنْ إطْلَاقِهِ الْقَرِينَةَ
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَخَصُّ مُطْلَقًا مِنْهُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي (وَمَعَ عَدَمِ احْتِمَالِهِ
غَيْرَ النَّسْخِ) أَيْ وَاللَّفْظُ الْمُفْرَدُ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ مَعْنَاهُ فَوْقَ ظُهُورِ النَّصِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ النَّسْخِ (الْمُفَسَّرِ) اصْطِلَاحًا وَسُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَاوَزَ الظَّاهِرَ وَالنَّصَّ فِي ظُهُورِهِمَا الْمَذْكُورِ، وَكَانَ التَّفْسِيرُ مُبَالَغَةَ الْفَسْرِ، وَهُوَ الْكَشْفُ سُمِّيَ بِهِ حَمْلًا لَهُ عَلَى كَمَالِهِ الَّذِي هُوَ الِانْكِشَافُ بِلَا شُبْهَةٍ (وَيُقَالُ) : الْمُفَسَّرُ (أَيْضًا لَمَّا بُيِّنَ) الْمُرَادُ مِنْهُ (بِقَطْعِيٍّ) كَالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ (مِمَّا فِيهِ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْآتِيَةِ) لِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ خَفَاءِ دَلَالَتِهِ مَا عَدَا الْمُتَشَابِهَ مِنْهَا وَهُوَ الْخَفِيُّ وَالْمُشْكِلُ وَالْمُجْمَلُ لِمَا سَتَعْلَمُ مِنْ أَنَّ الْمُتَشَابِهَ لَا يَلْحَقُهُ الْبَيَانُ فِي هَذَا الدَّارِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا أَنَّ الْمُفَسَّرَ يُطْلَقُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفِينَ فِي الْحُكْمِ كَالنَّصِّ، وَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُفَسَّرِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَبَيْنَهُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ مِنْ وَجْهٍ فَهُوَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَعَمُّ مِنْهُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ يَتَنَاوَلُ مَا بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ شَيْئًا غَيْرَ النَّسْخِ مِمَّا لَمْ يَسْبِقْ لَهُ خَفَاءٌ كَمَا يَتَنَاوَلُ مَا بَيَانُهُ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا سَبَقَ لَهُ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ إذَا كَانَ لَا يَحْتَمِلُ شَيْئًا غَيْرَ النَّسْخِ وَأَخَصُّ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ مَا يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ وَالتَّأْوِيلَ سَوَاءٌ احْتَمَلَ مَعَ ذَلِكَ النَّسْخَ، أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا بُيِّنَ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا سَبَقَ لَهُ خَفَاءٌ أَمْ لَا وَهُوَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي أَعَمُّ مِنْهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي يَتَنَاوَلُ مَا بَيَانُهُ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا سَبَقَ لَهُ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ إذَا كَانَ يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ وَالتَّأْوِيلَ وَالنَّسْخَ كَمَا أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا بَيَانُهُ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا سَبَقَ لَهُ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ إذَا كَانَ لَا يَحْتَمِلُ شَيْئًا غَيْرَ النَّسْخِ، وَأَخَصُّ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا مَا بُيِّنَ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا فِيهِ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمُشَارِ إلَيْهَا فَتَأَمَّلْهُ لَكِنْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُفَسَّرَ عِنْدَهُمْ اللَّفْظُ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ مَعْنَاهُ فَوْقَ ظُهُورِ النَّصِّ بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ شَيْئًا غَيْرَ النَّسْخِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَأَنَّهُ لَا إطْلَاقَ لَهُ عَلَى مَا يُخَالِفُ هَذَا اصْطِلَاحًا، وَأَنَّ إطْلَاقَهُ عَلَى مَا بُيِّنَ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا فِيهِ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَحْتَمِلَ شَيْئًا غَيْرَ النَّسْخِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ الْكُلِّيِّ عَلَى فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا الْمُفَسَّرُ فَمَا ازْدَادَ وُضُوحًا عَلَى النَّصِّ سَوَاءٌ كَانَ بِمَعْنًى فِي النَّصِّ أَوْ بِغَيْرِهِ بِأَنْ كَانَ مُجْمَلًا فَلَحِقَهُ بَيَانٌ قَاطِعٌ فَانْسَدَّ بِهِ بَابُ التَّأْوِيلِ أَوْ عَامًّا فَلَحِقَهُ مَا انْسَدَّ بِهِ بَابُ التَّخْصِيصِ مَأْخُوذٌ مِمَّا ذَكَرْنَا اهـ.
وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ فَاضِلٌ مِنْ شَارِحِيهِ: يَعْنِي الْمُجْمَلَ الَّذِي لِحَقِّهِ الْبَيَانُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يَصِيرُ مُفَسَّرًا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَعْنَى الَّذِي عُرِفَ بِبَيَانِ الْمُجْمَلِ قَابِلًا لِلتَّخْصِيصِ وَالتَّأْوِيلِ اهـ وَيَعْنِي وَأَنْ يَكُونَ مُحْتَمِلًا لِلنَّسْخِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ نَفْسُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ هَذَا، وَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا عَنْهُ وَكَذَا كَوْنُ مَا بُيِّنَ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا فِيهِ خَفَاءٌ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى مَعَهُ احْتِمَالُ التَّأْوِيلِ وَالتَّخْصِيصِ نَوْعًا مِنْ الْمُفَسَّرِ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ التَّقْوِيمِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَهَؤُلَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا يُخَالِفُهُمْ فِي هَذَا نَعَمْ فِي مِيزَانِ الْأُصُولِ: وَأَمَّا حَدُّهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَأَهْلِ الْأُصُولِ مَا ظَهَرَ بِهِ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ لِلسَّامِعِ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ لِانْقِطَاعِ احْتِمَالِ غَيْرِهِ بِوُجُودِ الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ عَلَى الْمُرَادِ، وَكَذَا يُسَمَّى مُبَيَّنًا وَمُفَصَّلًا لِهَذَا ثُمَّ قَالَ وَقَدْ يُسَمَّى الْخِطَابُ وَالْكَلَامُ مُفَسَّرًا وَمُبَيَّنًا بِأَنْ كَانَ مَكْشُوفَ الْمُرَادِ مِنْ الْأَصْلِ بِأَنْ لَمْ يَحْتَمِلْ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا كَمَا يَقَعُ عَلَى الْمُشْتَرَكِ وَالْمُشْكِلِ وَالْمُجْمَلِ الَّذِي صَارَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ مَعْلُومًا لِلسَّامِعِ بِوَاسِطَةِ انْقِطَاعِ الِاحْتِمَالِ وَالْإِشْكَالِ اهـ.
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُفَسَّرَ لَهُ مَعْنَيَانِ لَكِنْ لَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَلْ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَعْنَى لَهُ عِنْدَ التَّفْصِيلِ نَوْعَانِ مَا كَانَ مَكْشُوفَ الْمُرَادِ مِنْ الْأَصْلِ بِأَنْ لَمْ يَحْتَمِلْ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا، وَمَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ غَيْرَ مَكْشُوفٍ أَوَّلًا ثُمَّ صَارَ مَكْشُوفًا بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْبَيَانِ الْقَطْعِيِّ الْمُزِيلِ لِاحْتِمَالِ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِاشْتِرَاطِ احْتِمَالِ النَّسْخِ إمَّا بِنَاءً عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَيْسَ الْكَلَامُ الْآنَ فِي اصْطِلَاحِهِمْ، وَإِمَّا لِلْعِلْمِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْفَصْلُ الْمُمَيِّزُ لَهُ مِنْ الْمُحْكَمِ إنْ كَانَ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ اشْتِرَاطِهِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ.
(وَإِنْ) بُيِّنَ الْمُرَادُ مِمَّا فِيهِ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ (بِظَنِّيٍّ) كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ (فَمُؤَوَّلٌ) اصْطِلَاحًا سُمِّيَ
بِهِ إمَّا لِمَا فِيهِ مِنْ صَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِ حَالِهِ أَوْ مِنْ رُجُوعِهِ مِنْ بَعْضِ احْتِمَالَاتِهِ إلَى بَعْضٍ مِنْهَا بِخُصُوصِهِ، وَالتَّأْوِيلُ لُغَةً يَدُورُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُؤَوَّلَ مَحْصُورٌ فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وَالنَّصَّ إذَا حُمِلَ عَلَى بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهِ صَارَ مُؤَوَّلًا بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَالْمُرَادُ: إذَا حُمِلَ عَلَى مُحْتَمَلٍ لَهُ غَيْرِ ظَاهِرٍ مِنْهُ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ يُوجِبُ ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي فِي هَذَا مَزِيدُ كَلَامٍ فِي التَّقْسِيمِ الثَّالِثِ مِنْ الْفَصْلِ الرَّابِعِ (وَمَعَ عَدَمِهِ فِي زَمَانِهِ صلى الله عليه وسلم) أَيْ وَاللَّفْظُ الْمُفْرَدُ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ مَعْنَاهُ فَوْقَ ظُهُورِ مَعْنَى الْمُفَسَّرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ فِي زَمَانِ حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (الْمُحْكَمُ) وَهُوَ (حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ) خَاصَّةٌ لِلْأُصُولِيِّينَ (فِي الْمُحْكَمِ لِنَفْسِهِ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَالْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ (وَالْكُلُّ) أَيْ وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ وَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم (مُحْكَمٌ لِغَيْرِهِ) لِعَدَمِ احْتِمَالِهِ النَّسْخَ بِانْقِطَاعِ الْوَحْيِ (يَلْزَمُهُ) أَيْ إطْلَاقَ الْمُحْكَمِ عَلَيْهِ لَا الْمُحْكَمَ لِعَيْنِهِ مِنْهَا (التَّقْيِيدُ) لِغَيْرِهِ (عُرْفًا) خَاصًّا أُصُولِيًّا تَمْيِيزًا بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ بَعْدَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي أَصْلِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الْإِتْقَانُ عَلَى وَجْهٍ يُؤْمَنُ فِيهِ التَّبْدِيلُ وَالِانْتِقَاضُ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ دُونَ الْأَوَّلِ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْأَوَّلِ أَبْلَغُ وَأَقْوَى فَجُعِلَ الْمُطْلَقُ لِلْأَكْمَلِ وَالتَّقْيِيدُ لِمَا لَيْسَ كَذَلِكَ ثُمَّ يَجِبُ التَّنَبُّهُ هُنَا لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا قَدْ عُرِفَ أَنَّ زِيَادَةَ الْوُضُوحِ فِي النَّصِّ عَلَى الظَّاهِرِ بِكَوْنِهِ مَسُوقًا لِبَيَانِ الْمُرَادِ.
وَأَمَّا زِيَادَةُ الْوُضُوحِ فِي الْمُفَسَّرِ وَالْمُحْكَمِ فَيَكُونُ بِوُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ كَأَنْ كَانَ الْكَلَامُ فِي نَفْسِهِ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَلَا النَّسْخَ أَوْ لَحِقَهُ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ قَاطِعٌ لِاحْتِمَالِ التَّأْوِيلِ أَوْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا يَمْنَعُ التَّخْصِيصَ أَوْ يُفِيدُ الدَّوَامَ وَالتَّأْبِيدَ ذَكَرَهُ فِي التَّلْوِيحِ ثَانِيهمَا إنْ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْمُحْكَمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُفَسَّرِ زِيَادَةَ الْقُوَّةِ كَمَا هُوَ صَنِيعُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ لَا زِيَادَةَ الْوُضُوحِ كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِلْأَحْكَامِ وَعَدَمِ احْتِمَالِ النَّسْخِ.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْمُفَسَّرَ إذَا بَلَغَ مِنْ الْوُضُوحِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ الْغَيْرَ أَصْلًا فَلَا مَعْنًى لِزِيَادَةِ الْوُضُوحِ عَلَيْهِ نَعَمْ يَزْدَادُ قُوَّةً بِوَاسِطَةِ تَأْكِيدٍ وَتَأْيِيدٍ يَنْدَفِعُ عَنْهُ احْتِمَالُ النَّسْخِ وَالِانْتِقَاضِ وَمِنْ ثَمَّةَ تُعُقِّبَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِهَذَا كَمَا فِي التَّلْوِيحِ قُلْت لَيْسَ بَيْنَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ مُخَالَفَةٌ فِي الْمَقْصُودِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَلَزِمَ أَنْ تَكُونَ أَقْسَامُ هَذَا التَّقْسِيمِ ثَلَاثَةً لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لِمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ الدَّلَالَةِ مَعَ تَفَاوُتِ الْأَقْسَامِ مِنْ حَيْثُ الْأَظْهَرِيَّةِ وَإِذَا كَانَ الْمُحْكَمُ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةُ الْوُضُوحِ عَلَى الْمُفَسَّرِ لَا يَكُونُ قَسِيمًا لَهُ مِنْ حَيْثُ الْأَوْضَحِيَّةِ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ اتِّفَاقًا فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُحْكَمُ مَا ظَهَرَ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ حَتَّى لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ كَمَا أَنَّ زِيَادَةَ الْقُوَّةِ مُنَاسِبَةٌ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَكَذَا زِيَادَةُ الْوُضُوحِ هُنَا بِاعْتِبَارِ لَازِمِهَا وَهُوَ زِيَادَةُ الْقُوَّةِ وَمِنْ هُنَا عَبَّرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ عَنْ زِيَادَةِ الْوُضُوحِ بِزِيَادَةِ الْقُوَّةِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا اخْتَارَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِشْعَارِ بِأَنَّ زِيَادَةَ الْوُضُوحِ إنَّمَا هِيَ مَطْلُوبَةٌ لِلَازِمِهَا هَذَا لَا لِنَفْسِهَا ثُمَّ الْمَنْعُ مُتَسَلِّطٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا بَلَغَ مِنْ الْوُضُوحِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ الْغَيْرَ لَا مَعْنًى لِزِيَادَةِ الْوُضُوحِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا رَيْبَ فِي اخْتِلَافِ مَرَاتِبِ دَلَالَاتِ الْأَلْفَاظِ عَلَى إفَادَةِ الْمَعْنَى الْوَاحِدِ فِي الْأَوْضَحِيَّةِ بَعْدَ اتِّفَاقِهَا فِي الْوُضُوحِ وَإِنْ بَلَغَتْ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ.
وَيُؤَكِّدُهُ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ أَنَّ فِي تَرَادُفِ الْمُؤَكِّدَاتِ لِبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْ زِيَادَةِ الْجَلَاءِ لَهُ مَا لَيْسَ لَهُ عِنْدَ عَدَمِهَا ثُمَّ يَشْهَدُ لَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ التَّلْوِيحِ فَإِنَّهُ فِيهِ صَرِيحٌ ثُمَّ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ عِبَارَةً عَمَّا ذَكَرْنَا (فَهِيَ مُتَبَايِنَةٌ) لِأَنَّ فِي كُلٍّ قَيْدًا يُضَادُّ مَا فِي الْآخَرِ فَلَا تَجْتَمِعُ فِي لَفْظٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٌ (وَلَا يَمْتَنِعُ الِاجْتِمَاعُ) أَيْ اجْتِمَاعُ الظَّاهِرِ وَالنَّصِّ (فِي لَفْظٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا سِيقَ لَهُ وَعَدَمِهِ) أَيْ فِي لَفْظٍ لَهُ مَعْنَيَانِ سِيقَ لِأَحَدِهِمَا وَلَمْ يُسَقْ لِلْآخَرِ فَيَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوَّلِ نَصًّا وَإِلَى الثَّانِي ظَاهِرًا (كَمَا تُفِيدُهُ الْمُثُلُ) لَهُمَا مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] فَإِنَّهُ (ظَاهِرٌ
فِي الْإِبَاحَةِ) لِلْبَيْعِ (وَالتَّحْرِيمُ) لِلرِّبَا (إذْ لَمْ يُسَقْ لِذَلِكَ) أَيْ لَهُمَا مِنْ حَيْثُ هُمَا وَقَدْ فُهِمَا مِنْ نَفْسِ اللَّفْظِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ حَيْثُ هُمَا ظَاهِرٌ كَمَا أَنَّهُ (نَصٌّ) فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا بِحِلِّ الْبَيْعِ وَتَحْرِيمِ الرِّبَا (بِاعْتِبَارٍ خَارِجٍ هُوَ رَدُّ تَسْوِيَتِهِمْ) أَيْ الْكُفَّارِ بَيْنَ الرِّبَا وَالْبَيْعِ فِي الْحِلِّ فَإِنَّهُ مَسُوقٌ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَدَعُونَهَا بَلْ وَجَعَلُوا الرِّبَا أَصْلًا فِي مُسَاوَاةِ الْبَيْعِ لَهُ فِي الْحِلِّ مُبَالَغَةً مِنْهُمْ فِي اعْتِقَادِ حِلِّهِ فَقَالُوا: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ} [النساء: 3] الْآيَةَ ظَاهِرٌ فِي الْحِلِّ) أَيْ حِلِّ النِّكَاحِ بِلَا قَيْدٍ بِعَدَدٍ لِفَهْمِهِ مِنْ نَفْسِ اللَّفْظِ مَعَ كَوْنِ الْكَلَامِ غَيْرَ مَسُوقٍ لَهُ كَمَا تَعْلَمُ.
(نَصٌّ) فِي الْعَدَدِ الَّذِي هُوَ الْأَرْبَعُ (بِاعْتِبَارٍ خَارِجٍ هُوَ قَصْرُهُ) أَيْ الْحِلِّ (عَلَى الْعَدَدِ إذْ السَّوْقُ لَهُ) أَيْ لِلْعَدَدِ فَإِنَّهُ - تَعَالَى - بَدَأَ بِذِكْرِ أَوَّلِ الْعَدَدِ ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ مَا يَلِيهِ ثُمَّ مَا يَلِيهِ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِبَيَانِ مَا لَيْسَ بِعَدَدٍ وَعَلَّقَهُ بِخَوْفِ الْجَوْرِ وَالْمَيْلِ حَيْثُ قَالَ: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ حِلَّ النِّكَاحِ كَانَ مَعْلُومًا قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ كَمَا تُفِيدُهُ التَّفَاسِيرُ (فَيَجْتَمِعَانِ) أَيْ الظَّاهِرُ وَالنَّصُّ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ (دَلَالَةً) أَيْ مِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ لَهُ مُطَابَقَةً وَالْتِزَامًا أَوْ تَضَمُّنًا وَالْتِزَامًا إذَا أَمْكَنَا فِيهِ (ثُمَّ الْقَرِينَةُ تُعَيِّنُ الْمُرَادَ بِالسَّوْقِ وَهُوَ) أَيْ الْمُرَادُ بِهِ هُوَ الْمَعْنَى (الِالْتِزَامِيُّ) لِذَلِكَ اللَّفْظِ (فَيُرَادُ الْآخَرُ) وَهُوَ الْمُطَابِقِيُّ أَوْ التَّضَمُّنِيُّ لَهُ مَدْلُولًا (حَقِيقِيًّا) لَهُ (لَا أَصْلِيًّا) أَيْ لَا مَعْنَى لَهُ مُرَادًا بِالسَّوْقِ ثُمَّ فَسَّرَ الْآخَرَ بِقَوْلِهِ (أَعْنِي الظَّاهِرِيَّ) وَإِنَّمَا كَانَ ظَاهِرِيًّا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِيهِ غَيْرُ مَسُوقٍ لَهُ، وَالظَّاهِرُ يُعْتَبَرُ فِيهِ ذَلِكَ (وَيَصِيرُ الْمَعْنَى النَّصِّيُّ مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا لِمَجْمُوعِ الظَّاهِرَيْنِ) فَإِنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا فِي الْحِلِّ مَدْلُولٌ الْتِزَامِيٌّ لِمَجْمُوعِ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَكُلٌّ مِنْهُمَا ظَاهِرٌ فِي مَعْنَاهُ وَقِسْ عَلَى هَذَا.
قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلِقَصْدِ إفَادَةِ أَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي لَفْظِ كَوْنِهِ ظَاهِرًا وَنَصًّا بِاعْتِبَارَيْنِ قَالَ فِي التَّقْسِيمِ: فَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَبِاعْتِبَارِ ظُهُورِ مَا سِيقَ لَهُ النَّصُّ فَإِنَّهُ يُفِيدُ إذَا أَمْكَنَ فِي لَفْظٍ الِاعْتِبَارَانِ كَانَ نَصًّا وَظَاهِرًا بِهِمَا (وَمِثَالُ انْفِرَادِ النَّصِّ) عَنْ الظَّاهِرِ قَوْله تَعَالَى " {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [النساء: 1] لِظُهُورِ مَفْهُومِهِ بِنَفْسِ اللَّفْظِ مَعَ كَوْنِهِ مَسُوقًا لَهُ، وَاحْتِمَالُهُ التَّخْصِيصَ (وَكُلُّ لَفْظٍ سِيقَ لِمَفْهُومِهِ) مَعَ ظُهُورِهِ مِنْهُ بِنَفْسِهِ وَاحْتِمَالِهِ التَّخْصِيصَ أَوْ التَّأْوِيلَ (أَمَّا الظَّاهِرُ فَلَا يَنْفَرِدُ) عَنْ النَّصِّ (إذْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُسَاقَ اللَّفْظُ لِغَرَضٍ) فَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيَّ فَهُوَ نَفْسُ النَّصِّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَهُوَ لَازِمٌ لِلْمَعْنَى الظَّاهِرِيِّ فَلَمْ يَنْفَرِدْ الظَّاهِرُ (وَمَثَّلُوا) أَيْ الْمُتَأَخِّرُونَ (الْمُفَسَّرَ كَالْمُتَقَدِّمِينَ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ} [الحجر: 30] الْآيَةَ وَيَلْزَمُهُمْ) أَيْ الْمُتَأَخِّرِينَ (أَنْ لَا يَصِحَّ) هَذَا مِثَالًا لَهُ (لِعَدَمِ احْتِمَالِ النَّسْخِ) ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ لَا يَحْتَمِلُهُ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَيَأْتِي (وَثُبُوتُهُ) أَيْ احْتِمَالِ النَّسْخِ (مُعْتَبَرٌ) فِي الْمُفَسَّرِ (لِلتَّبَايُنِ) أَيْ لِأَجْلِ تَبَايُنِ الْأَقْسَامِ عِنْدَهُمْ فَهُوَ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ مُحْكَمٌ وَحِينَئِذٍ (فَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْمُفَسَّرُ فِي مُفِيدِ حُكْمٍ) شَرْعِيٍّ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِنَسْخِ مَعْنَى اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ فَلَا يَتِمُّ الْجَوَابُ عَنْ اللَّازِمِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ الْمُفَسَّرَ "{الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30]" مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى " فَسَجَدَ " وَلَا أَنَّ الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ جَمْعٌ ظَاهِرٌ فِي الْعُمُومِ وَبِقَوْلِهِ: " كُلُّهُمْ " ازْدَادَ وُضُوحًا فَصَارَ نَصًّا وَبِقَوْلِهِ: " أَجْمَعُونَ " انْقَطَعَ احْتِمَالُ التَّخْصِيصِ فَصَارَ مُفَسَّرًا وَقَوْلُهُ: فَسَجَدَ إخْبَارٌ لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ فَيَكُونُ مُحْكَمًا
قُلْت: وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ الْمُفَسَّرُ مِنْ أَقْسَامِ الْمُفْرَدِ بَلْ مِنْ أَقْسَامِ الْمُرَكَّبِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُخْرِجُهُ هَذَا التَّقْسِيمُ ثُمَّ الْمِثَالُ الَّذِي لَا مُنَاقَشَةَ فِيهِ عَلَى رَأْيِ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْله تَعَالَى {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] لِأَنَّ كَافَّةً سَدَّ بَابَ التَّخْصِيصِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلنَّسْخِ؛ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَلَيْسَ بِخَبَرٍ وَهَذَا (بِخِلَافِ الْمُحْكَمِ {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ فِي مُفِيدِ حُكْمٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحُكْمِ (نَفْيُهُ) أَيْ احْتِمَالِ النَّسْخِ أَيْضًا فَوْقَ نَفْيِ احْتِمَالِ التَّخْصِيصِ وَالتَّأْوِيلِ، وَنَفْيُ احْتِمَالِ النَّسْخِ يَصْدُقُ بِكَوْنِ الْمَعْنَى لَا يَحْتَمِلُ تَبْدِيلًا أَصْلًا كَمَا يَصْدُقُ بِكَوْنِهِ
يَحْتَمِلُهُ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ قَامَ دَلِيلُ انْتِفَائِهِ (وَالْأَوْلَى) فِي التَّمْثِيلِ (نَحْوُ «الْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ إلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ» مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد.
وَلِكَوْنِهِ مُفِيدًا حُكْمًا شَرْعِيًّا عَمَلِيًّا غَيْرَ مُحْتَمِلٍ لِلنَّسْخِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى لَفْظٍ دَالٍ عَلَى الدَّوَامِ بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَمِلٍ لِلنَّسْخِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ فِي نَفْسِهِ لَا يَحْتَمِلُ التَّبَدُّلَ فَهُوَ لَيْسَ بِمُفِيدٍ لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَمَلِيٍّ، وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يُفِيدُ ذَلِكَ (وَالْمُتَقَدِّمُونَ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (الْمُعْتَبَرُ فِي الظَّاهِرِ ظُهُورُ) الْمَعْنَى (الْوَضْعِيِّ بِمُجَرَّدِهِ) أَيْ سَمَاعِ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ لَهُ سَوَاءٌ (سِيقَ) اللَّفْظُ (لَهُ) أَيْ لِمَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يُسَقْ لَهُ (وَ) الْمُعْتَبَرُ (فِي النَّصِّ ذَلِكَ) أَيْ كَوْنُ مَعْنَى اللَّفْظِ مَسُوقًا لَهُ (مَعَ ظُهُورِ مَا سِيقَ لَهُ) وَهُوَ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ فَوُضِعَ الْمُظْهَرُ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ لِزِيَادَةِ تَمْكِينِهِ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ سَوَاءٌ (احْتَمَلَ التَّخْصِيصَ) إنْ كَانَ عَامًّا (وَالتَّأْوِيلَ) إنْ كَانَ خَاصًّا (أَوْ لَا) يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْهُمَا (وَ) الْمُعْتَبَرُ (فِي الْمُفَسَّرِ) بَعْدَ اشْتِرَاطِ ظُهُورِ مَعْنَاهُ (عَدَمُ الِاحْتِمَالِ) لِلتَّخْصِيصِ وَالتَّأْوِيلِ (احْتَمَلَ النَّسْخَ أَوْ لَا) يَحْتَمِلُ.
(وَ) الْمُعْتَبَرُ (فِي الْمُحْكَمِ عَدَمُهُ) أَيْ احْتِمَالِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (فَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ مُتَمَايِزَةٌ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ، وَاعْتِبَارُ الْحَيْثِيَّةِ (مُتَدَاخِلَةٌ) بِحَسَبِ الْوُجُودِ فَيَجُوزُ صِدْقُ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى كُلٍّ مِنْ الْبَاقِيَةِ لَا مُتَبَايِنَةٌ (وَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي الْمُفَسَّرِ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ النَّسْخَ سَنَدٌ لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي التَّبَايُنِ) بَيْنَ الْأَقْسَامِ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلتَّبَايُنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُحْكَمِ، وَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ فَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْبَاقِيَةِ (إذْ لَا فَصْلَ بَيْنَ الْأَقْسَامِ) فِي التَّبَايُنِ وَعَدَمِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ بَعْضَهَا مُتَبَايِنٌ، وَبَعْضُهَا مُتَدَاخِلٌ فِي الِاصْطِلَاحِ (وَبِهِ) أَيْ وَبِقَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ هَذَا (يَبْعُدُ نَفْيُ التَّبَايُنِ عَنْ كُلِّ الْمُتَقَدِّمِينَ) عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ التَّلْوِيحِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ وَقَدْ أَفَادَ قَوْلُهُ هَذَا التَّبَايُنَ.
(وَلِعَدَمِ التَّبَايُنِ) بَيْنَهَا عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ (مَثَّلُوا الظَّاهِرَ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا} [النساء: 1]{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] الْآيَةَ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} [المائدة: 38] الْآيَةَ (وَبِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مَعَ ظُهُورِ مَا سِيقَ لَهُ) أَيْ مَعَ ظُهُورِ مَعَانِي هَذِهِ الْعِبَارَاتِ وَظُهُورِ كَوْنِهَا مَسُوقَةً لِمَعَانٍ تُقْصَدُ بِهَا فَلَوْ قَالُوا بِالتَّبَايُنِ بَيْنَ الظَّاهِرِ وَالنَّصِّ بِالسَّوْقِ وَعَدَمِهِ لَمْ يُمَثِّلُوا لِلظَّاهِرِ بِهَذِهِ الْأَمْثِلَةِ لِوُجُودِ السَّوْقِ فِيهَا (وَاقْتَصَرَ بَعْضُهُمْ) أَيْ صَاحِبُ الْبَدِيعِ (فِي) تَمْثِيلِ (النَّصِّ) عَلَى إبَاحَةِ الْعَدَدِ (عَلَى مَثْنَى إلَى رُبَاعَ) مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وَعَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا بِحِلِّ الْبَيْعِ وَتَحْرِيمِ الرِّبَا عَلَى (وَحَرَّمَ الرِّبَا) مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275](وَالْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْ انْكِحُوا وَاسْمِ الْعَدَدِ) فِي الْآيَةِ (لَا يَسْتَقِلُّ نَصًّا) عَلَى إبَاحَةِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ (إلَّا بِمُلَاحَظَةِ الْآخَرِ) مِنْهُمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (فَالْمَجْمُوعُ) مِنْهُمَا هُوَ (النَّصُّ) عَلَى إبَاحَةِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ
قُلْت: وَكَذَا كُلٌّ مِنْ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] لَا يَسْتَقِلُّ نَصًّا عَلَى التَّفْرِقَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا بِمُلَاحَظَةِ الْآخَرِ فَإِنَّمَا النَّصُّ عَلَيْهَا الْمَجْمُوعُ مِنْهُمَا (وَالشَّافِعِيُّ الظَّاهِرُ مَا) أَيْ لَفْظُ (لَهُ دَلَالَةٌ ظَنِّيَّةٌ) أَيْ رَاجِحَةٌ عَلَى مَعْنًى نَاشِئَةٌ (عَنْ وَضْعٍ) لَهُ كَالْأَسَدِ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ صَارِفَةٌ عَنْهُ (أَوْ عُرْفٍ) عَامٍّ بِأَنْ يَكُونَ دَالًّا عَلَى مَا نُقِلَ إلَيْهِ وَاشْتُهِرَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ (كَالْغَائِطِ) لِلْخَارِجِ الْمُسْتَقْذَرِ مِنْ الْمَسْلَكِ الْمُعْتَادِ (وَإِنْ كَانَ) ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَنْقُولُ إلَيْهِ (مَجَازًا) لِلَّفْظِ (بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ) كَهَذَا الْمَعْنَى لِلْغَائِطِ فَإِنَّهُ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ لَهُ لِأَنَّ مَجَازِيَّتَهُ اللُّغَوِيَّةَ لَا تُنَافِي ظَاهِرِيَّتَهُ الْعُرْفِيَّةَ الْعَامَّةَ، أَوْ عُرْفٌ خَاصٌّ كَالصَّلَاةِ لِلْأَرْكَانِ الْمَخْصُوصَةِ فِي الشَّرْعِ فَيَخْرُجُ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ النَّصُّ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ قَطْعِيَّةٌ، وَالْمُجْمَلُ وَالْمُشْتَرَكُ لِأَنَّ دَلَالَتَهُمَا مُسَاوِيَةٌ، وَالْمُؤَوَّلُ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ مَرْجُوحَةٌ (وَيَسْتَلْزِمُ) الظَّاهِرُ (احْتِمَالًا مَرْجُوحًا) لِغَيْرِ مَعْنَاهُ بِالضَّرُورَةِ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ فِي الْمَحْصُولِ: الظَّاهِرُ هُوَ الَّذِي يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا (فَالنَّصُّ قِسْمٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الظَّاهِرِ بِهَذَا الْمَعْنَى (عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ)
وَالْأَوْلَى فَالنَّصُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قِسْمٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَيْدٌ لِلنَّصِّ.
(وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ مِنْ الظَّاهِرِ (مَا كَانَ سَوْقُهُ لِمَفْهُومِهِ) الْمُطَابِقِيِّ فَهُوَ نَصٌّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِظُهُورِهِ فِيهِ، وَسَوْقُهُ لَهُ ظَاهِرٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لِغَرَضِ دَلَالَتِهِ عَلَيْهِ دَلَالَةً رَاجِحَةً عَنْ وَضْعٍ أَوْ عُرْفٍ وَيَنْفَرِدُ ظَاهِرُهُمْ عَنْ نَصِّ الْحَنَفِيَّةِ فِي لَفْظٍ لَهُ مَعْنًى مُطَابِقِيٌّ لَمْ يُسَقْ لَهُ وَالْتِزَامِيٌّ سِيقَ لَهُ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا وَقَدْ ظَهَرَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ظَاهِرُ الشَّافِعِيَّةِ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى مَا سِيقَ لَهُ نَصُّ الْحَنَفِيَّةِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا لَمْ يُسَقْ لَهُ فَصَدَقَ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْمَعْنَى ظَاهِرٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَلَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ نَصٌّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهَذَا إذَا أُرِيدَ بِالْمَعْنَى الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ فِي تَعْرِيفِ الظَّاهِرِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُطَابِقِيِّ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِلَّا فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْمُطَابِقِيُّ فَالْوَجْهُ مَا كَانَتْ النُّسْخَةُ عَلَيْهِ أَوَّلًا، وَهُوَ مَا لَفْظُهُ، وَهُوَ قِسْمٌ مِنْ النَّصِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْ الظَّاهِرُ بِهَذَا الْمَعْنَى قِسْمٌ مِنْ النَّصِّ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ كَمَا أَفَادَهُ حَاشِيَةٌ عَلَيْهِ أَنَّ النَّصَّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مَا ظَهَرَ مَعْنَاهُ وَعُرِفَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِسَوْقِهِ وَلَا يُشْكِلُ أَنَّهُ قَدْ يُقْصَدُ بِسَوْقِ اللَّفْظِ إفَادَةُ مَعْنَاهُ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ هُوَ الْغَرَضَ، وَقَدْ يُقْصَدُ بِهِ غَيْرُهُ كَمَا مَرَّ مِنْ الْقَصْدِ إلَى رَدِّ التَّسْوِيَةِ فَلَزِمَ انْقِسَامُ النَّصِّ قِسْمَيْنِ اهـ.
(وَإِنْ اخْتَلَفُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ (فِي قَطْعِيَّةِ دَلَالَتِهِ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ مِنْ ظَاهِرِ الشَّافِعِيَّةِ الَّذِي هُوَ نَصُّ الْحَنَفِيَّةِ أَوْ هَذَا الْقِسْمُ مِنْ نَصِّ الْحَنَفِيَّةِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ النُّسْخَةُ أَوَّلًا (وَظَنِّيَّتُهَا) أَيْ دَلَالَتِهِ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ: قَطْعِيَّةٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: ظَنِّيَّةٌ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ لِاخْتِلَافِ مُرَادِهِمْ بِالْقَطْعِيَّةِ وَالظَّنِّيَّةِ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ:(وَالْوَجْهُ أَنَّهُ) وَالْأَحْسَنُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَيْ اخْتِلَافَهُمْ (لَفْظِيٌّ فَالْقَطْعِيَّةُ لِلدَّلَالَةِ وَالظَّنِّيَّةُ بِاعْتِبَارِ الْإِرَادَةِ فَلَا اخْتِلَافَ) فَمُرَادُ الْحَنَفِيَّةِ الْقَطْعُ بِثُبُوتِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَعْنَى وَلَا يُخْتَلَفُ فِي ذَلِكَ؛ إذْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِوَضْعِهِ لِلْمَعْنَى يَلْزَمُ مِنْ سَمَاعِهِ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ، وَهُوَ مَعْنَى الدَّلَالَةِ، وَمُرَادُ الشَّافِعِيَّةِ ظَنُّ إرَادَةِ الْمَعْنَى بِاللَّفْظِ فَإِنَّ الْفَهْمَ عَنْ الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ، وَإِنْ ثَبَتَ قَطْعًا لَكِنْ كَوْنُ الْمَعْنَى مُرَادًا غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ لِجَوَازِ كَوْنِ الْمُرَادِ غَيْرَ الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ الْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ عِنْدَ سَمَاعِ اللَّفْظِ، وَلَا يَخْتَلِفُ فِيهِ فَلَا خِلَافَ كَمَا لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْوَضْعِيِّ مَا لَمْ يَنْفِهِ دَلِيلٌ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قُلْت: وَلَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ الْقَطْعُ بِالْإِرَادَةِ أَيْضًا تَبَعًا لِلْقَطْعِ بِالدَّلَالَةِ حَيْثُ لَا مُوجِبَ لِلْمُخَالَفَةِ، وَأَنَّ هَذَا التَّجْوِيزَ لِكَوْنِهِ لَا عَنْ دَلِيلٍ لَيْسَ بِمَانِعٍ لِلْقَطْعِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ
(وَاسْتَمَرُّوا) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ (عَلَى إيرَادِ الْمُؤَوَّلِ قَرِينًا لَهُ) أَيْ لِلظَّاهِرِ وَسَيُعْرَفُ تَعْرِيفُ الْمُؤَوَّلِ (فَيُقَالُ: الظَّاهِرُ وَالْمُؤَوَّلُ كَالْخَاصِّ وَالْعَامِّ لِإِفَادَةِ الْمُقَابَلَةِ فَيَلْزَمُ فِي الظَّاهِرِ عَدَمُ الصَّرْفِ) عَنْ مَعْنَاهُ كَمَا يَلْزَمُ فِي الْمُؤَوَّلِ الصَّرْفُ عَنْهُ تَحْقِيقًا لِلْمُقَابَلَةِ بَيْنَهُمَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ (اجْتَمَعَا) أَيْ الظَّاهِرُ وَالْمُؤَوَّلُ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ لَكِنْ بِاعْتِبَارَيْنِ لِإِمْكَانِهِ حِينَئِذٍ فَالْمَنْقُولُ لِعَلَاقَةٍ، وَلَمْ يَشْتَهِرْ كَالْأَسَدِ دَلَالَتُهُ عَلَى الْأَوَّلِ ظَاهِرَةٌ، وَعَلَى الثَّانِي مُؤَوَّلَةٌ، وَإِنْ اُشْتُهِرَ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمَنْقُولِ كَالصَّلَاةِ فَهُوَ عَلَى الْعَكْسِ (إذْ) اللَّفْظُ (الْمَصْرُوفُ) عَنْ مَعْنَاهُ الرَّاجِحِ إلَى مَعْنًى مَرْجُوحٍ (لَا تَسْقُطُ دَلَالَتُهُ عَلَى الرَّاجِحِ) أَيْ عَلَى الْمَعْنَى الرَّاجِحِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} [محمد: 38] (فَيَكُونُ) الْمَصْرُوفُ (بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ كَوْنِهِ دَالًّا عَلَى الرَّاجِحِ (ظَاهِرًا وَبِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ بِإِرَادَةِ الْمَرْجُوحِ مُؤَوَّلًا)
قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي الظَّاهِرِ عَدَمُ الصَّرْفِ أَصْلًا، وَإِلَّا لَمْ يُوجَدْ إلَّا فِي الْحَقَائِقِ لَا غَيْرُ بَلْ قَدْ وَقَدْ وَلَا ضَيْرَ فِي الِاجْتِمَاعِ بِاعْتِبَارَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ تَقَابُلَهُمَا اعْتِبَارِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ (وَتَقَدَّمَ الْمُؤَوَّلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ) حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ ظَنِّيٌّ فَمُؤَوَّلٌ (وَلَا يُنْكِرُ إطْلَاقَهُ) أَيْ الْمُؤَوَّلِ (عَلَى الْمَصْرُوفِ) عَنْ ظَاهِرِهِ بِمُقْتَضًى (أَيْضًا أَحَدٌ) فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ حَنَفِيٌّ وَلَا شَافِعِيٌّ (وَالنَّصُّ) عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى (بِلَا احْتِمَالٍ) لِغَيْرِهِ فَيُوَافِقُ مَا فِي الْمَنْخُولِ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ احْتِمَالٌ لَكِنْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ كَمَا فِي
الْمُسْتَصْفَى لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ احْتِمَالَهُ النَّسْخَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ النَّصِّيَّةِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا فِي شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ مَا دَلَّ دَلَالَةً قَطْعِيَّةً فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (كَالْمُفَسَّرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا النَّصِّ) عِنْدَهُمْ (فَإِنَّهُ) أَيْ النَّصَّ عِنْدَهُمْ (يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ) بِاتِّفَاقِهِمْ (وَعَلِمْت) قَرِيبًا (أَنَّهُ) أَيْ احْتِمَالَهُ الْمَجَازَ (لَا يُنَافِي الْقَوْلَ بِقَطْعِيَّتِهِ) أَيْ النَّصِّ بِخِلَافِ الْمُفَسَّرِ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ بِتَخْصِيصٍ وَلَا بِتَأْوِيلٍ فَالنَّصُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ الْمُفَسَّرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (وَقَدْ يُفَسِّرُونَ) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ (الظَّاهِرَ بِمَا لَهُ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ فَالنَّصُّ) عِنْدَهُمْ حِينَئِذٍ (قِسْمٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الظَّاهِرِ بِهَذَا الْمَعْنَى (عِنْدَهُمْ) لِأَنَّ الدَّلَالَةَ الْوَاضِحَةَ أَعَمُّ مِنْ الظَّنِّيَّةِ وَالْقَطْعِيَّةِ وَالْمُبَيَّنُ أَخَصُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ الْوَاضِحَةَ لَا تَقْتَضِي سَابِقَةَ احْتِيَاجٍ إلَى الْبَيَانِ ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فَانْتَفَى قَوْلُ الْكَرْمَانِيُّ فَلَا يَبْقَى حِينَئِذٍ فَرْقٌ بَيْنَ الْمُبَيَّنِ وَالظَّاهِرِ (وَالْمُحْكَمُ) عِنْدَهُمْ (أَعَمُّ) مِنْ الظَّاهِرِ، وَالنَّصُّ (يَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا يُنَافِي التَّأْوِيلَ أَيْضًا فَهُوَ) أَيْ الْمُحْكَمُ (عِنْدَهُمْ مَا اسْتَقَامَ نَظْمُهُ لِلْإِفَادَةِ وَلَوْ بِتَأْوِيلٍ) وَعِبَارَةُ السُّبْكِيّ الْمُتَّضِحُ الْمَعْنَى (وَالْحَنَفِيَّةُ أَوْعَبُ وَضْعًا لِلْحَالَاتِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ؛ وَلِذَا كَثُرَتْ الْأَقْسَامُ عِنْدَهُمْ، فَكَانَتْ أَقْسَامُ مَا ظَهَرَ مَعْنَاهُ أَرْبَعَةً مُتَبَايِنَةً عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ لَيْسَ إلَّا قِسْمَانِ فِي الْخَارِجِ؛ لِأَنَّ الْمُحْكَمَ أَعَمُّ مِنْ الظَّاهِرِ وَالنَّصِّ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْخَارِجِ مُحْكَمٌ غَيْرُ نَصٍّ وَلَا ظَاهِرٍ بَلْ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْمُحْكَمُ أَحَدُهُمَا، وَالْمُرَادُ مِنْ الْحَالَاتِ حَالَةُ احْتِمَالِ غَيْرِ الْوَضْعِيِّ، وَحَالَةُ سَوْقِهِ لِشَيْءٍ مِنْ مَفْهُومِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَحَالَةُ عَدَمِ سَوْقِهِ لِمَفْهُومِهِ، وَحَالَةُ عَدَمِ احْتِمَالِ النَّسْخِ وَاحْتِمَالُهُ فَوَضَعُوا لِلَّفْظِ الدَّالِّ مَعَ كُلِّ حَالَةٍ أَوْ حَالَتَيْنِ اسْمًا (وَمَوْضِعُ الِاشْتِقَاقِ) لِأَسْمَائِهَا (يُرَجِّحُ قَوْلَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي الْمُحْكَمِ) أَنَّهُ مَا لَا يَحْتَمِلُ تَخْصِيصًا وَلَا تَأْوِيلًا، وَلَا نَسْخًا لِمُنَاسَبَةِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِهِ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ بَقِيَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ مُفَسَّرًا، وَفِي الْمَحْصُولِ الْمُفَسَّرُ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا مَا احْتَاجَ إلَى التَّفْسِيرِ وَقَدْ وَرَدَ تَفْسِيرُهُ وَثَانِيهِمَا الْكَلَامُ الْمُبْتَدَأُ الْمُسْتَغْنِي عَنْ التَّفْسِيرِ لِوُضُوحِهِ اهـ.
وَهَذَا لَا يُخَالِفُ الْمُحْكَمَ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا أَنَّ الثَّانِيَ مِنْهُ لَا يُخَالِفُهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَأَمَّا الْأَوَّلُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَفِي تَعْيِينِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ النِّسْبَةِ تَأَمُّلٌ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ أَكْثَرُ اسْتِيعَابًا لِوَضْعِ الْأَسْمَاءِ لِلَّفْظِ بِاعْتِبَارِ حَالَاتِهِ الْمُتَفَاوِتَةِ فِي الْوُضُوحِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ ثُمَّ هَذَا
(تَنْبِيهٌ) عَلَى تَفْصِيلٍ وَتَمْثِيلٍ لِلتَّأْوِيلِ وَسَمَهُ بِهِ لِسَبْقِ الشُّعُورِ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ إجْمَالًا
(وَقَسَّمُوا) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ (التَّأْوِيلَ إلَى قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ وَمُتَعَذِّرٍ غَيْرِ مَقْبُولٍ قَالُوا وَهُوَ) أَيْ الْمُتَعَذِّرُ (مَا لَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ) أَيْ الْمُتَعَذِّرَ (لَيْسَ مِنْ أَقْسَامِهِ) أَيْ التَّأْوِيلِ (وَهُوَ) أَيْ التَّأْوِيلُ مُطْلَقًا فَيَعُمُّ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ (حَمْلُ الظَّاهِرِ عَلَى الْمُحْتَمَلِ الْمَرْجُوحِ) إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ أَصْلًا لَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ مَا يَحْتَمِلُهُ مَرْجُوحًا وَقَالُوا: حَمْلُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ التَّأْوِيلُ، وَتَعْيِينُ أَحَدِ مَدْلُولَيْ الْمُشْتَرَكِ لَا يُسَمَّى تَأْوِيلًا، وَعَلَى الْمُحْتَمَلِ؛ لِأَنَّ حَمْلَ الظَّاهِرِ عَلَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَا يَكُونُ تَأْوِيلًا أَصْلًا، وَالْمَرْجُوحُ؛ لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى مُحْتَمِلِهِ الرَّاجِحِ ظَاهِرٌ (إلَّا أَنْ يُعْرَفَ) التَّأْوِيلُ (بِصَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَقَطْ) فَيَكُونُ مِنْ أَقْسَامِهِ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ (ثُمَّ ذَكَرُوا) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ (مِنْ الْبَعِيدَةِ تَأْوِيلَاتٌ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي «قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ وَقَدْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرٍ: أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ (أَيْ ابْتَدِئْ نِكَاحَ أَرْبَعٍ) أَيْ انْكِحْ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَفَارِقْ بَاقِيَهُنَّ إنْ كُنْت تَزَوَّجْتهنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِوُقُوعِهِ فَاسِدًا (أَوْ أَمْسِكْ الْأَرْبَعَ الْأُوَلَ) وَفَارِقْ الْأَوَاخِرَ مِنْهُنَّ إنْ كُنْت عَقَدْت عَلَيْهِنَّ مُتَفَرِّقَاتٍ لِوُقُوعِهِ فِيمَا عَدَا الْأَرْبَعَ فَاسِدًا، وَوَجْهُ بُعْدِهِ أَنَّهُ كَمَا قَالَ (فَإِنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يُخَاطَبَ بِمِثْلِهِ مُتَجَدِّدٌ فِي الْإِسْلَامِ بِلَا بَيَانٍ) لِهَذَا الْمَرَامِ الْخَفِيِّ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَفْهَامِ؛ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ الْإِمْسَاكِ الِاسْتِدَامَةُ دُونَ الِاسْتِئْنَافِ، وَمِنْ الْفِرَاقِ انْقِطَاعُ النِّكَاحِ لَا عَدَمُ التَّجْدِيدِ مَعَ أَنَّهُ
لَمْ يُنْقَلْ تَجْدِيدٌ قَطُّ لَا مِنْهُ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ مَعَ كَثْرَةِ إسْلَامِ الْكُفَّارِ الْمُتَزَوِّجِينَ، وَلَوْ كَانَ لَنُقِلَ «وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِفَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ وَأَسْلَمَ عَلَى أُخْتَيْنِ: أَمْسِكْ أَيَّتَهُمَا شِئْت» مِثْلُهُ أَيْضًا أَيْ ابْتَدِئْ نِكَاحَ مَنْ شِئْت مِنْهُمَا إنْ كُنْت تَزَوَّجْتَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِوُقُوعِهِ فَاسِدًا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ يَبْطُلُ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ فَقَطْ ثُمَّ هَذَا اللَّفْظُ وَإِنْ لَمْ يُحْفَظْ فَقَدْ حُفِظَ مَعْنَاهُ، وَهُوَ اخْتَرْ أَيَّتَهُمَا شِئْت كَمَا هُوَ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ لَهُ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَقُولَ مَنْ يَقُولُ مَعْنَى أَمْسِكْ هَذَا أَنَّهُ أَيْضًا مَعْنَى اخْتَرْ.
ثُمَّ هَذَا (أَبْعَدُ) مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعَ وَجْهَيْ الْبُعْدِ الْمَاضِيَيْنِ وَجْهًا ثَالِثًا، وَهُوَ التَّصْرِيحُ بِأَيَّتِهِمَا شِئْت فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] كَمَا هُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ (إطْعَامُ طَعَامِ سِتِّينَ) مِسْكِينًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّكْفِيرِ دَفْعُ حَاجَةِ الْمِسْكِينِ (وَحَاجَةُ وَاحِدٍ فِي سِتِّينَ يَوْمًا حَاجَةُ سِتِّينَ) مِسْكِينًا فَإِذَا أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا عَنْهَا أَجْزَأَهُ، وَإِنَّمَا بَعُدَ؛ لِأَنَّ فِيهِ اعْتِبَارَ مَا لَمْ يَذْكُرْ مِنْ الْمُضَافِ، وَإِلْغَاءُ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ (مَعَ إمْكَانِ قَصْدِهِ) أَيْ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ (لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَبَرَكَتِهِمْ وَتَضَافُرِ قُلُوبِهِمْ) أَيْ تَظَاهُرِهَا وَتَعَاضُدِهَا (عَلَى الدُّعَاءِ لَهُ) أَيْ لِلْمُكَفِّرِ (وَعُمُومِ الِانْتِفَاعِ) أَيْ وَشُمُولِ الْمَنْفَعَةِ لِلْجَمَاعَةِ (دُونَ الْخُصُوصِ) لِوَاحِدٍ.
(وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي نَحْوِ «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» ) كَمَا هُوَ هَكَذَا فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلَى مَا فِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (أَيْ مَالِيَّتُهَا) أَيْ الشَّاةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ إلَى مَالِيَّتِهَا كَالْحَاجَةِ إلَيْهَا، وَإِنَّمَا بَعُدَ (إذْ يَلْزَمُ أَنْ لَا تَجِبَ الشَّاةُ) نَفْسُهَا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْوَاجِبَ مَالِيَّتُهَا حِينَئِذٍ فَلَا تَجِبُ هِيَ فَلَا تَكُونُ مُجْزِئَةً وَهِيَ مُجْزِئَةٌ اتِّفَاقًا، وَأَيْضًا يَرْجِعُ الْمَعْنَى، وَهُوَ دَفْعُ الْحَاجَةِ الْمُسْتَنْبَطُ مِنْ الْحُكْمِ وَهُوَ إيجَابُ الشَّاةِ عَلَى الْحُكْمِ وَهُوَ وُجُوبُ الشَّاةِ بِالْإِبْطَالِ (وَكُلُّ مَعْنًى اُسْتُنْبِطَ مِنْ حُكْمٍ فَأَبْطَلَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْمَعْنَى ذَلِكَ الْحُكْمُ (بَاطِلٌ) ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ إبْطَالَ أَصْلِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِبُطْلَانِهِ فَيَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ اجْتِمَاعُ صِحَّتِهِ وَبُطْلَانِهِ وَإِنَّهُ مُحَالٌ فَتَنْتَفِي صِحَّتُهُ فَيَكُونُ بَاطِلًا.
(تَنْبِيهٌ) ثُمَّ إنَّمَا قَالَ فِي نَحْوِ فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ لِجَرَيَانِ مِثْلِهِ فِي نَحْوِ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ، وَهَلُمَّ جَرًّا مِمَّا هُمْ قَائِلُونَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَالِيَّةُ ذَلِكَ الْمُسَمَّى لَا عَيْنُهُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أَيْضًا (وَمِنْهَا) أَيْ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ لَهُمْ (حَمْلُ) قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» إلَخْ) أَيْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ (عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ) وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُنَّ (أَوْ) أَنْ فَنِكَاحُهَا (بَاطِلٌ أَيْ يَئُولُ إلَى الْبُطْلَانِ غَالِبًا لِاعْتِرَاضِ الْوَلِيِّ) بِمَا يُوجِبُهُ مِنْ عَدَمِ كَفَاءَةٍ أَوْ نَقْصٍ فَاحِشٍ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْمَرْأَةَ (مَالِكَةٌ لِبُضْعِهَا) وَرِضَاهَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ (فَكَانَ) تَصَرُّفُهَا فِيهِ (كَبَيْعِ سِلْعَةٍ لَهَا) وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ إمَّا بِحَمْلِ عُمُومِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ عَلَى خُصُوصٍ مِنْهُ، وَهُوَ الْأَمَةُ قِنَّةً كَانَتْ أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبَةً، وَالْحُرَّةُ الصَّغِيرَةُ وَالْمَعْتُوهَةُ وَالْمَجْنُونَةُ مَعَ إبْقَاءِ:" بَاطِلٌ " عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَإِمَّا بِإِبْقَاءِ عُمُومِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مَعَ حَمْلِ:" بَاطِلٌ " عَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ بِأَصْنَافِهَا وَالصَّغِيرَةِ الْعَاقِلَةِ لَيْسَ بَاطِلًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بَلْ مَوْقُوفٌ فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ بَاطِلٌ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مَحْمُولًا أَيْضًا عَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ، وَهُوَ تَامٌّ فِيمَا عَدَا الْمَجْنُونَةَ وَالْمَعْتُوهَةَ لَا فِيهِمَا؛ لِأَنَّ عَقْدَهُمَا بَاطِلٌ حَقِيقَةً فَيَلْزَمُ مِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ الْمَهْرُوبُ مِنْهُ كَمَا يَلْزَمُ أَيْضًا فِي إبْقَاءِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ عَلَى الْعُمُومِ وَإِبْقَاءِ " بَاطِلٌ " عَلَى حَقِيقَتِهِ وَسَيَأْتِي فِي هَذَا وَجْهٌ ثَالِثٌ أَوْجَهُ مِنْهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى ثُمَّ إنَّمَا بَعُدَ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ ظُهُورَ قَصْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم التَّعْمِيمَ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ (مَعَ إمْكَانِ قَصْدِهِ) صلى الله عليه وسلم الْعُمُومَ (لِمَنْعِ اسْتِقْلَالِهَا بِمَا لَا يَلِيقُ بِمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ اسْتِقْلَالُهَا بِهِ)
فَإِنَّ نِكَاحَهَا مِنْهُ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ الْعُرْفُ (وَمِنْهَا) أَيْ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ (حَمْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ مَا عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» عَلَى الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ) أَيْ الَّذِي لَمْ يُقَيَّدْ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَوْرَدَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بِسَنَدِهِ فِي بَحْثِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَاخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَرَجَّحَ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ الْمَوْقُوفَ اهـ مُخْتَصَرًا ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مَبَاحِثِ الْمُؤَوَّلِ بِهَذَا اللَّفْظِ لَمْ يُخْرِجْهُ شَيْخُنَا كَذَلِكَ بَلْ سَاقَهُ بِأَلْفَاظِ غَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ: وَأَخْرَجَ لَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ لَكِنَّهُ مَعْلُولٌ انْقَلَبَ الْإِسْنَادُ عَلَى رِوَايَةِ " فَإِنَّهُ " أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ فَقَالَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَسَاقَهُ بِلَفْظِ «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ قُلْت: لَكِنَّ الرَّاوِيَ عَنْ الْمُفَضَّلِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّادٍ ضَعَّفَهُ ابْنُ حِبَّانَ جِدًّا اهـ فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَرَوْهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّ الْعَبْدَ الضَّعِيفَ رَاجَعَ سُنَنَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ فَلَمْ يَرَهُ فِيهِمَا بِهَذَا اللَّفْظِ نَعَمْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِأَلْفَاظٍ مِنْهَا لَفْظُ الدَّارَقُطْنِيِّ الَّذِي قَالَ شَيْخُنَا: إنَّهُ أَقْرَبُ إلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ حَيْثُ يَكُونُ مِنْ رِجَالِهِ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ فَقَدْ قَالَ النَّسَائِيُّ فِيهِ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ،.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ،.
وَقَالَ أَحْمَدُ: سَيِّئُ الْحِفْظِ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْفَرْجِ فِي الضُّعَفَاءِ وَالْمَتْرُوكِينَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ
وَإِنَّمَا بَعُدَ هَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِمَا وُجُوبُهُ بِعَارِضٍ نَادِرٍ (وَحَمْلُهُمْ) أَيْ وَمِنْ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ حَمْلُهُمْ {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41](عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ ذِي الْقُرْبَى مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ) مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ (سَدُّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ حَاجَتِهِ، وَلَا خَلَّةَ مَعَ الْغَنِيِّ وَإِنَّمَا بَعُدَ لِتَعْطِيلِ لَفْظِ الْعُمُومِ (مَعَ ظُهُورِ أَنَّ الْقَرَابَةَ) الَّتِي لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (قَدْ تُجْعَلُ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ مَعَ الْغِنَى تَشْرِيفًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَدَّ بَعْضُهُمْ) كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ (حَمْلَ) الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60] الْآيَةَ عَلَى بَيَانِ الْمَصْرِفِ) لَهَا حَتَّى يَجُوزَ الصَّرْفُ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ، وَوَاحِدٌ مِنْهُ فَقَطْ لَا الِاسْتِحْقَاقُ حَتَّى يَجِبَ الصَّرْفُ إلَى جَمِيعِ الْأَصْنَافِ مِنْ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ أَيْضًا لِكَوْنِ اللَّامِ ظَاهِرًا فِي الْمِلْكِيَّةِ.
ثُمَّ أَخَذَ الْمُصَنَّفُ فِي الْجَوَابِ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ تَرْتِيبِهَا فَقَالَ (وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنْ بُعْدَ التَّأْوِيلِ لَا يَقْدَحُ فِي الْحُكْمِ بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى) الدَّلِيلِ (الْمُرَجِّحِ) لِلتَّأْوِيلِ عَلَى ذَلِكَ الظَّاهِرِ لِيَصِيرَ بِهِ رَاجِحًا عَلَيْهِ، وَإِذَا تَمَهَّدَ هَذَا (فَأَمَّا الْأَخِيرُ) وَهُوَ بَعْدَ حَمْلِ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60] عَلَى بَيَانِ الْمَصْرِفِ لَهَا (فَدُفِعَ بِأَنَّ السِّيَاقَ، وَهُوَ رَدٌّ لَمْزِهِمْ) أَيْ طَعْنِهِمْ وَعَيْبِهِمْ (الْمُعْطَيْنَ وَرِضَاهُمْ عَنْهُمْ إذَا أَعْطَوْهُمْ وَسَخَطَهُمْ إذَا مُنِعُوا يَدُلُّ أَنَّ الْمَقْصُودَ) مِنْ قَوْلِهِ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60] الْآيَةَ (بَيَانُ الْمَصَارِفِ لِدَفْعِ وَهَمِ أَنَّهُمْ) أَيْ الْمُعْطِينَ (يَخْتَارُونَ فِي الْعَطَاءِ وَالْمَنْعِ) وَتَقْرِيرُهُ هَكَذَا مُوَافِقٌ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: وَهُوَ رَدُّ لَمْزِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرِضَاهُمْ عَنْهُ إذَا أَعْطَاهُمْ وَسَخَطِهِمْ إذَا لَمْ يُعْطِهِمْ لِأَنَّ النَّصَّ {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 58] إلَخْ ثُمَّ مِنْ الدَّافِعِينَ بِهَذَا الْغَزَالِيُّ (وَرُدَّ) هَذَا الدَّفْعُ (بِأَنَّهُ) أَيْ السِّيَاقَ (لَا يُنَافِي الظَّاهِرَ) أَيْ ظَاهِرَ اللَّامِ (أَيْضًا مِنْ الْمِلْكِ فَلَا يُصْرَفُ) السِّيَاقُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ فَلْيَكُنْ لَهُمَا جَمِيعًا كَمَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ) أَيْ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60] الْآيَةَ (مِنْ الْعُمُومِ) أَيْ عُمُومِ الصَّدَقَاتِ وَعُمُومِ الْفُقَرَاءِ وَالْبَاقِي بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ صَدَقَةٍ يَسْتَحِقُّهَا جَمِيعُ الْفُقَرَاءِ وَمَنْ شَارَكَهُمْ (مُنْتَفٍ اتِّفَاقًا) لِتَعَذُّرِهِ وَمَنْ ثَمَّةَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ (وَلِتَعَذُّرِهِ) أَيْ الْعُمُومِ الْمَذْكُورِ (حَمَلُوهُ) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ الْعُمُومَ فِيهِمْ (عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ) مِنْ الثَّمَانِيَةِ إذَا كَانَ الْمُفَرِّقُ لِلزَّكَاةِ غَيْرَ الْمَالِكِ وَوَكِيلِهِ وَوُجِدُوا (وَهُوَ) أَيْ حَمْلُهُمْ هَذَا (بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْجَمْعِ) فِي
الْفُقَرَاءِ وَمَنْ شَارَكَهُمْ (مُرَادٌ مَعَ اللَّامِ وَالِاسْتِغْرَاقِ وَهُوَ) أَيْ الِاسْتِغْرَاقُ (مُنْتَفٍ) فَتَبْقَى الْجَمْعِيَّةُ، وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةٌ وَرُدَّ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَحْمُولٌ عَلَى الْجِنْسِ كَمَا فِي لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَإِلَّا لَغَا التَّعْرِيفُ لِحَمْلِ لَا أَتَزَوَّجُ نِسَاءً عَلَى ثَلَاثَةٍ (وَكَوْنُهُ) أَيْ اللَّامِ (لِلتَّمْلِيكِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ أَبْعَدُ يَنْبُو عَنْهُ الشَّرْعُ، وَالْعَقْلُ) إذْ لَا تَمْلِيكَ إلَّا لِمُعَيَّنٍ مَعَ عَدَمِهِ تَأْتِيهِ فِي {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] لِعَدَمِ اللَّامِ وَعَدَمِ اسْتِقَامَةِ الْمِلْكِ فِي الظَّرْفِ (فَالْمُسْتَحِقُّ اللَّهُ - تَعَالَى - وَأَمَرَ بِصَرْفِ مَا يَسْتَحِقُّهُ إلَى مَنْ كَانَ مِنْ الْأَصْنَافِ فَإِنْ كَانُوا) أَيْ الْأَصْنَافُ (بِهَذَا) الْقَدْرِ وَهُوَ أَمْرُ اللَّهِ - تَعَالَى - بِصَرْفِ مَا يَسْتَحِقُّهُ إلَيْهِمْ (مُسْتَحِقِّينَ فَبِلَا مِلْكٍ وَدُونَ اسْتِحْقَاقِ الزَّوْجَةِ النَّفَقَةَ) عَلَى زَوْجِهَا لِتَعَيُّنِهَا دُونَهُمْ (وَلَا تَمْلِكُ) النَّفَقَةَ (إلَّا بِالْقَبْضِ) .
فَكَذَا الزَّكَاةُ لَا تُمْلَكُ بِدُونِهِ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ لِأَحَدٍ إلَّا بِالصَّرْفِ إلَيْهِ (وَلَنَا آثَارٌ صِحَاحٌ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ صَرِيحَةٌ فِيمَا قُلْنَا) كَعُمَرَ رضي الله عنه رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرِيُّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرِيُّ وَحُذَيْفَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ رَوَاهُ عَنْهُمْ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرِيُّ (وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ (خِلَافُهُ) أَيْ مَا قُلْنَا (وَلَا رَيْبَ فِي فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ) وَكَيْفَ لَا.
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَسَّمَ الذَّهَبِيَّةَ الَّتِي بَعَثَ بِهَا مُعَاذٌ مِنْ الْيَمَنِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ فَقَطْ الْأَقْرَعِ وَعُيَيْنَةَ وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ وَزَيْدِ الْخَيْرِ ثُمَّ أَتَاهُ مَالٌ آخَرُ فَجَعَلَهُ فِي صِنْفِ الْغَارِمِينَ فَقَطْ حَيْثُ قَالَ لِقَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ حِينَ أَتَاهُ وَقَدْ تَحَمَّلَ حَمَالَةً بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ أَيْ كَفَالَةً أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَك بِهَا» وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيِّ «أَنَّهُ أَمَرَ لَهُ بِصَدَقَةِ قَوْمِهِ» وَأَمَّا شَرْطُ الْفَقْرِ) فِي ذِي الْقُرْبَى (فَقَالُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «يَا بَنِي هَاشِمٍ إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ أَوْسَاخَ النَّاسِ إلَى قَوْلِهِ وَعَوَّضَكُمْ عَنْهَا بِخُمُسِ الْخُمُسِ» وَالْمُعَوَّضُ عَنْهُ) الَّذِي هُوَ الزَّكَاةُ إنَّمَا هُوَ (لِلْفَقِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَهُ حَقٌّ فِيهِ لَا لِلْغَنِيِّ إلَّا بِعَارِضِ عَمَلٍ عَلَيْهَا فَكَذَا الْعِوَضُ وَالْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَمْ يُحْفَظْ نَعَمْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ «أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْ الصَّدَقَاتِ شَيْءٌ إنَّمَا هِيَ غُسَالَةُ الْأَيْدِي، وَإِنَّ لَكُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ لِمَا يُغْنِيكُمْ» وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ آلُ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ فَجُعِلَ لَهُمْ خُمُسُ الْخُمُسِ وَفِي كَوْنِ هَذِهِ مُفِيدَةً كَوْنَهُ عِوَضًا عَنْهَا لِمَنْ كَانَ مَصْرِفًا لَهَا لَا غَيْرُ نَظَرٌ.
فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَلَفْظُ الْعِوَضِ إنَّمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِ التَّابِعِينَ ثُمَّ كَوْنُ الْعِوَضِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْمُعَوَّضُ مَمْنُوعٌ، وَقَالَ هُنَا قَالُوا: وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ إلَى اسْتِوَاءِ غَنِيِّهِمْ وَفَقِيرِهِمْ فِيهِ لَكِنْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (وَأَمَّا الْأَوَّلَانِ) وَهُمَا مَسْأَلَتَا إسْلَامِ الرَّجُلِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ وَإِسْلَامِهِ عَلَى أُخْتَيْنِ (فَالْأَوْجَهُ خِلَافُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ) الْمَاضِي كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (وَهُوَ) أَيْ خِلَافُ قَوْلِهِمْ (قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ) وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَهُوَ أَنَّهُ فِي الْأُولَى يَخْتَارُ أَيَّ أَرْبَعٍ شَاءَ مِنْهُنَّ وَيُفَارِقُ مَا عَدَاهُنَّ وَفِي الثَّانِيَةِ يَخْتَارُ أَيَّتَهُمْ. شَاءَ وَيُفَارِقُ الْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ أَوْ عُقُودٍ إلَّا أَنَّ فِي الْمَبْسُوطِ: وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ بَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ قَالَ: لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْعُقُودُ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَانَ الْجَوَابُ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَوَجْهُ كَوْنِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَوْجَهَ عُرِفَ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَلَا يَدْفَعُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ
«وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِغَيْلَانَ الثَّقَفِيِّ اخْتَرْ أَرْبَعًا، وَفَارَقَ سَائِرَهُنَّ» يَحْتَمِلُ اخْتَرْ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَيَحْتَمِلُ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ اخْتَرْ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ، وَالْحَدِيثُ حِكَايَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهُ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ نَعَمْ إنْ تَمَّ مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَحَادِيثِ الَّتِي رُوِيَتْ قَالَ مَكْحُولٌ: كَانَتْ قَبْلَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ
مَعْنَاهُ قَبْلَ نُزُولِ حُرْمَةِ الْجَمْعِ فَوَقَعَتْ الْأَنْكِحَةُ صَحِيحَةً مُطْلَقًا ثُمَّ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِاخْتِيَارِ الْأَرْبَعِ لِتَجْدِيدِ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ، وَلَمَّا كَانَتْ الْأَنْكِحَةُ صَحِيحَةً فِي الْأَصْلِ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ مُسْتَثْنًى مِنْ تَحْرِيمِ الْجَمْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: وَطَلِّقْ سَائِرَهُنَّ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِالْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ اهـ لَمْ يَحْتَاجَا إلَى التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ وَاتُّجِهَ قَوْلُهُمَا عَلَى قَوْلِهِ: لَكِنْ الشَّأْنُ فِي ذَلِكَ وَكَيْفَ وَغَيْلَانُ أَسْلَمَ يَوْمَ الطَّائِفِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ تَمَامَ هَذَا الدَّفْعِ.
(وَأَمَّا) حَمْلُ (لَا صِيَامَ) الْحَدِيثَ عَلَى مَا ذُكِرَ (فَلِمُعَارِضٍ) لَهُ (صَحَّ فِي النَّفْلِ) وَهُوَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ «عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ: يَا عَائِشَةُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ» ثُمَّ قُدِّمَ هَذَا لِرُجْحَانِهِ فِي الثُّبُوتِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ مُثْبِتٌ وَذَاكَ نَافٍ (وَفِي رَمَضَانَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ بِالرُّؤْيَةِ) أَيْ وَصَحَّ فِي أَدَاءِ صِيَامِ رَمَضَانَ وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ «أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ» كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (قَالَ) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «مَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ» وَهُوَ) أَيْ الصَّوْمُ الْمَأْمُورُ بِهِ (بَعْدَ تَعَيُّنِ الشَّرْعِيِّ) فِيهِ (مَقْرُونٌ بِدَلَالَةٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ أَنَّهُ الْمُرَادُ هُنَا أَيْضًا (أَنَّهُ) أَيْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (قَالَ «مَنْ أَكَلَ فَلَا يَأْكُلْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ» ) وَالْمَحْفُوظُ مَا تَقَدَّمَ وَأَيًّا مَا كَانَ فَلَا ضَيْرَ (فَلَوْ اتَّحَدَ حُكْمُ الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ) أَيْ الْأَكْلِ (فِيهِ) أَيْ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَهُوَ عَدَمُ صِحَّةِ صِيَامِهِ شَرْعًا (لَقَالَ: لَا يَأْكُلْ أَحَدٌ) لِأَنَّ فِيهِ مَعَ الِاخْتِصَارِ نَفْيَ ظَنِّ مُخَالَفَةِ الْقِسْمَيْنِ فِي الْحُكْمِ.
(ثُمَّ هُوَ) أَيْ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَقْتَئِذٍ (وَاجِبٌ مُعَيَّنٌ) لِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ فَكَذَا رَمَضَانُ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَذَلِكَ (فَلَمْ يَبْقَ) تَحْتَ لَا صِيَامَ (إلَّا) الصِّيَامُ (غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَعَمِلُوا بِهِ) أَيْ بِلَا صِيَامٍ (فِيهِ) أَيْ الصِّيَامِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ (مِنْ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ) وَالْكَفَّارَاتِ وَقَضَاءِ مَا أَفْسَدَهُ مِنْ التَّطَوُّعِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الصَّنِيعُ (أَوْلَى مِنْ إهْدَارِ بَعْضِ الْأَدِلَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ) كَهَذَيْنِ الدَّلِيلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ أَوْلَى مِنْ الْإِهْمَالِ (وَأَمَّا النِّكَاحُ) أَيْ كَوْنُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ فِيهِ مُخَالِفًا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (فَلِضَعْفِ الْحَدِيثِ بِمَا صَحَّ مِنْ إنْكَارِ الزُّهْرِيِّ) الرَّاوِي لِلْحَدِيثِ عَنْهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى (رِوَايَتَهُ) أَيْ الْحَدِيثِ عَنْهُ فَقَدْ أَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ. (وَقَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَدِيٍّ) فَلَقِيت الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْته عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ (فَلَمْ يَعْرِفْهُ فَقُلْت لَهُ: إنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى حَدَّثَنَا بِهِ عَنْك فَقَالَ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ وَهَمَ عَلَيَّ وَأَثْنَى عَلَى سُلَيْمَانَ) خَيْرًا (فَصَمَّمَ) الزُّهْرِيُّ عَلَى الْإِنْكَارِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ هَذَا اللَّفْظِ (فِي عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِينَ) مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ (إنْكَارٌ) مِنْهُ لِرِوَايَتِهِ (لَا شَكَّ) فِيهَا حَتَّى لَا يَقْدَحَ فِي الْحَدِيثِ قُلْت فَيَنْتَفِي مَا ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ ابْنَ مَعِينٍ طَعَنَ فِي هَذَا الْمَحْكِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَقَالَ: لَمْ يَذْكُرْ هَذَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ إلَّا ابْنَ عُلَيَّةَ وَسَمَاعُ ابْنِ عُلَيَّةَ مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ صَحَّحَ كُتُبَهُ عَلَى كُتُبِ ابْنِ أَبِي دَاوُد اهـ. فَإِنَّ ابْنَ عُلَيَّةَ إمَامٌ حُجَّةٌ حَافِظٌ فَقِيهٌ كَبِيرُ الْقَدْرِ،.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: وَمَا أَحَدٌ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ إلَّا وَقَدْ أَخْطَأَ إلَّا ابْنَ عُلَيَّةَ وَبِشْرَ بْنَ الْمُفَضَّلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: لَقِيت الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْته عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ كَذِبًا بَلْ مَا فِي الْمِيزَانِ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ كَانَ ابْنُ عُلَيَّةَ ثِقَةً وَرِعًا تَقِيًّا يُبْعِدُ هَذَا عَنْ ابْنِ مَعِينٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ أَحَدُ الْأَعْلَامِ الثِّقَاتِ مُجْمَعٌ عَلَى ثِقَتِهِ كَمَا لَا يَقْدَحُ فِي هَذَا أَيْضًا مَا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ ذَكَرَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ فَقَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ لَهُ كُتُبٌ مُدَوَّنَةٌ لَيْسَ هَذَا فِيهَا فَإِنَّ عَدَمَ ذِكْرِهِ فِيهَا لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا عَنْهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَعَ ثِقَةِ الرَّاوِي عَنْهُ فَلْيُتَأَمَّلْ نَعَمْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: الْأَشْبَهُ أَنَّ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ وَهَمَ عَلَيَّ لَيْسَ جَزْمًا بِتَكْذِيبِهِ كَمَا أَنَّ مُجَرَّدَ نَفْيِ مَعْرِفَتِهِ لَيْسَ صَرِيحًا فِيهِ
فَلَا يَجْرِي فِيهِ مَا يَجْرِي فِي الْجَزْمِ الصَّرِيحِ بَلْ مَا يَجْرِي فِي النِّسْيَانِ عَلَى أَنَّهُ تَابَعَ سُلَيْمَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْهُ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَهُمَا، وَإِنْ ضُعِّفَا فَمُتَابَعَتُهُمَا لَا تَعْرَى عَنْ تَأْيِيدٍ لِكَوْنِ ذَاكَ الْإِنْكَارِ نِسْيَانًا وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ.
(أَوْ لِمُعَارَضَةِ مَا هُوَ أَصَحُّ) مِنْهُ (رِوَايَةُ مُسْلِمٍ) وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» وَهِيَ) أَيْ الْأَيِّمُ لُغَةً (مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ حَقٌّ فِي نَفْسِهَا سِوَى التَّزْوِيجِ فَجَعَلَهَا) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (أَحَقَّ بِهِ) أَيْ بِالتَّزْوِيجِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْوَلِيِّ (فَهُوَ) أَيْ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ دَائِرٌ (بَيْنَ أَنْ يُحْمَلَ) بَاطِلٌ فِيهِ (عَلَى أَوَّلِ الْبُطْلَانِ أَوْ يُتْرَكَ) الْعَمَلُ بِهِ (لِلْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ) عَلَيْهِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْأَوَّلِ الْجَمْعُ بَيْنِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ كَمَا تَقَدَّمَ لَقُدِّمَ عَلَى الثَّانِي لَكِنْ حَيْثُ لَزِمَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ تَعَيَّنَ الثَّانِي (وَأَمَّا الْحَمْلُ) لِ " أَيُّمَا امْرَأَةٍ (عَلَى الْأَمَةِ وَمَا ذُكِرَ) مَعَهَا كَمَا تَقَدَّمَ (فَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ الْحَمْلُ الْمَذْكُورُ (فِي «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» ) كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ (أَيْ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ) أَيْ نَفَاذُ قَوْلٍ (فَيَخْرُجُ نِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَمَا ذُكِرَ) مَعَهُمْ مِنْ الْمَجْنُونَةِ وَالْمَعْتُوهَةِ وَالصَّغِيرَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِ مَنْ يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ النِّكَاحِ عَلَى إذْنِهِ عَنْ الصِّحَّةِ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ، وَيَدْخُلُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ؛ لِأَنَّ لَهَا وِلَايَةً (وَإِذْ دَلَّ) الْحَدِيثُ السَّابِقُ (الصَّحِيحُ عَلَى صِحَّةِ مُبَاشَرَتِهَا) أَيْ الْحُرَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِلنِّكَاحِ (لَزِمَ كَوْنُهُ) أَيْ لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ (لِإِخْرَاجِ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ وَالْمُرَاهِقَةِ وَالْمَعْتُوهَةِ) وَالْمَجْنُونَةِ أَيْضًا بِطَرِيقٍ أَوْلَى، وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُهُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ (وَتَخْصِيصُ الْعَامِّ لَيْسَ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ الْبَعِيدَةِ) وَكَيْفَ وَمَا مِنْ عَامٍّ إلَّا، وَقَدْ خُصَّ وَلَا سِيَّمَا (وَقَدْ أَلْجَأَ إلَيْهِ) أَيْ التَّخْصِيصِ (الدَّلِيلُ) فَيَتَعَيَّنُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُخَصُّ حَدِيثُ أَيُّمَا امْرَأَةٍ بِمَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ الْكُفْءِ وَالْمُرَادُ بِالْبَاطِلِ حَقِيقَتُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يُصَحِّحْ مَا بَاشَرَتْهُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ أَوْ حُكْمُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُصَحِّحُهُ وَيُثْبِتُ لِلْوَلِيِّ حَقَّ الْخُصُومَةِ فِي فَسْخِهِ كُلُّ ذَلِكَ شَائِعٌ فِي إطْلَاقَاتِ النُّصُوصِ، وَيَجِبُ ارْتِكَابُهُ لِدَفْعِ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَهَا فَيَثْبُتُ مَعَ الْمَنْقُولِ الْوَجْهُ الْمَعْنَوِيُّ، وَهُوَ أَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا، وَهُوَ نَفْسُهَا وَهِيَ مِنْ أَهْلِهِ كَالْمَالِ فَيَجِبُ تَصْحِيحُهُ مَعَ كَوْنِهِ خِلَافَ الْأَوْلَى
(وَأَمَّا الزَّكَاةُ) أَيْ وَأَمَّا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ الْمُتَقَدِّمُ فِي الزَّكَاةِ (فَمَعَ الْمَعْنَى النَّصُّ) لَهُمْ فِيهِ (أَمَّا الْأَوَّلُ) أَيْ الْمَعْنَى (فَلِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالدَّفْعِ إلَى الْفَقِيرِ إيصَالٌ لِرِزْقِهِمْ) أَيْ الْفُقَرَاءِ (الْمَوْعُودِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ رِزْقُهُمْ (مُتَعَدِّدٌ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَكِسْوَةٍ) وَغَيْرِهَا؛ إذْ الرِّزْقُ مَا يَسُوقُهُ اللَّهُ إلَى الْحَيَوَانِ فَيَنْتَفِعُ بِهِ (فَقَدْ وَعَدَهُمْ) اللَّهُ (أَصْنَافًا) مِنْ الرِّزْقِ (وَأَمَرَ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ مَالِهِ) عز وجل (صِنْفٌ وَاحِدٌ أَنْ يُؤَدِّيَ مَوَاعِيدَهُ) تَعَالَى إلَى أَهْلِهَا (فَكَانَ) أَمْرُهُ بِذَلِكَ (إذْنًا بِإِعْطَاءِ الْقَيِّمِ) ضَرُورَةً (كَمَا فِي مِثْلِهِ مِنْ الشَّاهِدِ وَحِينَئِذٍ) أَيْ وَحِينَئِذٍ كَانَ الْأَمْرُ كَذَا (لَمْ تَبْطُلْ الشَّاةُ بَلْ) يَبْطُلُ (تَعَيُّنُهَا) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَسُوغُ غَيْرُهَا مِمَّا هُوَ فِي مِقْدَارِ مَالِيَّتِهَا (وَحَقِيقَتُهُ) أَيْ بُطْلَانِ تَعَيُّنِهَا (بُطْلَانُ عَدَمِ إجْزَاءِ غَيْرِهَا وَصَارَتْ مَحَلًّا) لِلدَّفْعِ (هِيَ وَغَيْرُهَا فَالتَّعْلِيلُ وَسِعَ الْمَحَلَّ) لِلْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لَا أَنَّهُ أَبْطَلَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ (وَلَيْسَ التَّعْلِيلُ) حَيْثُ كَانَ (إلَّا لِتَوْسِعَتِهِ) أَيْ الْمَحَلِّ
(وَأَمَّا النَّصُّ فَمَا عَلَّقَ الْبُخَارِيُّ) فِي صَحِيحِهِ جَزْمًا (وَتَعْلِيقَاتُهُ) كَذَلِكَ (صَحِيحَةٌ) وَوَصَلَهُ يَحْيَى بْنُ آدَمَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ (مِنْ قَوْلِ مُعَاذٍ ائْتُونِي بِخَمِيسٍ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا هُوَ الصَّوَابُ لَا الصَّادِ قَالَ الْخَلِيلُ: ثَوْبٌ طُولُهُ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ.
وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: كِسَاءٌ قَيْسُهُ ذَا ثُمَّ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ سُمِّيَ بِمَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ أَوَّلُ مَنْ أَمَرَ بِعَمَلِهِ (أَوْ لَبِيسٍ) مَا يُلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ أَوْ الْمَلْبُوسِ الْخَلَقِ (مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ) وَمَا فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لِأَنَسٍ الَّذِي رَفَعَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «مَنْ