الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَفْصُولًا (وَعَلَى هَذَا) الِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ لِمُحَمَّدٍ (صَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ عِنْدَهُ) أَيْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا مِنْ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ لِشُمُولِ مَعْنَاهَا الْمَجَازِيِّ لَهُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ اتِّصَالُهُ؟
لَمْ أَرَهُ، وَالظَّاهِرُ نَعَمْ لِأَنَّهُ مُغَيِّرٌ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي لَا يَصِحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ لِمَا سَنَذْكُرُ (وَبَطَلَ) اسْتِثْنَاؤُهُ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ) أَيْ اسْتِثْنَاءَهُ (مُسْتَغْرَقٌ) إمَّا لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ مَعْنَى الْخُصُومَةِ وَهَذَا مَا وَعَدَنَا بِهِ، وَمِنْ هُنَا قِيلَ: لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِمَّا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يَثْبُتُ عِنْدَهُ تَبَعًا لِلْإِنْكَارِ فَإِذَا اسْتَثْنَى الْإِنْكَارَ لَزِمَ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ أَيْضًا بِخِلَافِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَمِنْ هُنَا يُعْرَفُ أَنَّ كَوْنَ اسْتِثْنَاءِ الْإِنْكَارِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَصَحَّ هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ أَقُولُ وَعَلَى هَذَا الْقَائِلِ أَنْ يَقُولَ: يُشْكِلُ بِهَذَا مَا فِي مَبْسُوطِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَالذَّخِيرَةِ: قَالَ وَكَّلْتُك بِالْخُصُومَةِ غَيْرُ جَائِزِ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، لَا رِوَايَةَ فِي هَذَا عَنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ انْتَهَى.
فَإِنَّ الرِّوَايَةَ بِبُطْلَانِ اسْتِثْنَاءِ الْإِنْكَارِ فَقَطْ رِوَايَةٌ بِبُطْلَانِهِ مَعَ الْإِقْرَارِ دَلَالَةً، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ فِيهِ بِعَيْنِهِ خُصُوصًا ثُمَّ فِيهِمَا، وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ فَبَعْضُهُمْ لَا: يَصِحُّ التَّوْكِيلُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ تَوْكِيلٌ بِجَوَابِهَا، وَجَوَابَهَا إقْرَارٌ وَإِنْكَارٌ فَإِذَا اسْتَثْنَى كِلَيْهِمَا لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ شَيْئًا، وَبَعْضُهُمْ وَمِنْهُمْ الْقَاضِي صَاعِدٌ: يَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَيَصِيرُ الْوَكِيلُ وَكِيلًا بِالسُّكُوتِ مَتَى حَضَرَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ يُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا صَحَّ التَّوْكِيلُ بِهَذَا الْقَدْرِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ مَا هُوَ مَقْصُودُ الطَّالِبِ وَهُوَ خَصْمٌ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ مِنْ الْخَصْمِ كَافٍ لِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ كَالْإِنْكَارِ، وَلِلْمَطْلُوبِ نَوْعُ فَائِدَةٍ أَيْضًا كَمَا فِيمَا لَوْ ادَّعَى الطَّالِبُ الْبَيْعَ - وَالْمَطْلُوبُ يُنْكِرُهُ فَإِنَّ الطَّالِبَ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الْبَيْعِ إذَا سَكَتَ وَكِيلُ الْمَطْلُوبِ ثُمَّ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي عَلَى الْمَطْلُوبِ بِالْبَيْعِ أَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِالْبَيْعِ وَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَنْكَرَ الْوَكِيلُ نَصًّا فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُنَاقِضًا فِي دَعْوَاهُ الْبَيْعَ، فَإِنَّ إنْكَارَ الْوَكِيلِ كَإِنْكَارِهِ فَعَلَى هَذَا فَالْقَائِلُونَ بِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَائِلُونَ بِصِحَّتِهَا فِي صُورَةِ انْفِرَادِ اسْتِثْنَاءِ الْإِنْكَارِ مِنْ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَقَّبَ الِاسْتِثْنَاءُ جُمَلًا مُتَعَاطِفَةً]
(مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَقَّبَ) الِاسْتِثْنَاءُ (جُمَلًا) مُتَعَاطِفَةً (بِالْوَاوِ وَنَحْوِهَا) وَهِيَ الْفَاءُ، وَثُمَّ، وَحَتَّى كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْقَرَافِيُّ فَإِنَّهُ قَسَّمَ حُرُوفَ الْعَطْفِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ، أَحَدُهَا هَذِهِ قَالَ: وَهِيَ الَّتِي يَتَأَتَّى فِيهَا خِلَافُ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مَعًا فِي الْحُكْمِ وَيُمْكِنُ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا فَتَنْدَرِجُ الْجَمَلُ الْمَعْطُوفَةُ بِهَا فِي صُورَةِ النِّزَاعِ قَطْعًا.
ثَانِيهَا " بَلْ "، وَ " لَا "، وَ " لَكِنْ " وَهِيَ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ بِعَيْنِهِ، نَحْوُ: قَامَ الْقَوْمُ لَا النِّسَاءُ وَبَلْ النِّسَاءُ وَمَا قَامَ الْقَوْمُ لَكِنْ النِّسَاءُ فَالْقَائِمُ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ دُونَ الْآخَرِ بِعَيْنِهِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا يُمْكِنُ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا لَمْ يَنْدَرِجَا فِي الْحُكْمِ، وَالْعَوْدُ عَلَيْهِمَا يَقْتَضِي تَقَدُّمَ الْحُكْمِ عَلَيْهِمَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُمَا مَعًا مَحْكُومٌ عَلَيْهِمَا، إحْدَاهُمَا بِالنَّفْيِ وَالْأُخْرَى بِالثُّبُوتِ، فَالْمَنْفِيُّ مَا بَعْدَ لَا وَمَا قَبْلَ لَكِنْ وَبَلْ.
ثَالِثُهَا " أَوْ " وَ " إمَّا " وَ " أَمْ " وَهِيَ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ، نَحْوُ: قَامَ الْقَوْمُ أَوْ النِّسَاءُ، أَوْ أَمْ النِّسَاءُ، وَإِمَّا قَامَ الْقَوْمُ وَإِمَّا النِّسَاءُ، فَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ وَاحِدٌ قَطْعًا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْآخَرِ بِالنَّفْيِ وَلَا بِالثُّبُوتِ فَلَا يَتَأَتَّى الِاحْتِمَالُ الَّذِي فِي الْقِسْمِ الثَّانِي يَتَعَيَّنُ أَنْ لَا تَنْدَرِجَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ الْمَعْطُوفَةُ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ، فَعَلَى هَذَا عِبَارَةُ مَنْ قَيَّدَ بِالْوَاوِ كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ - غَيْرُ جَامِعَةٍ، وَعِبَارَةُ مَنْ
أَطْلَقَ كَوْنَهُ عَقِبَ الْجُمَلِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لِلْعَطْفِ أَصْلًا كَفَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ - أَوْ كَوْنَهُ عَقِبَ جُمَلٍ عُطِفَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِأَيِّ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ كَانَ كَالْقَاضِي وَصَوَّبَهُ السُّبْكِيُّ - غَيْرُ مَانِعَةٍ، نَعَمْ يَشْهَدُ لِلْعَطْفِ بِأَوْ آيَةُ الْمُحَارَبَةِ كَمَا مَثَّلَ بِهَا الْجُمْهُورُ فَإِذَا عُرِفَ هَذَا (فَالشَّافِعِيَّةُ) بَلْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا عَلَى مَا فِي تَنْقِيحِ الْمَحْصُولِ وَأَحْمَدُ كَمَا ذَكَرَ الطُّوفِيُّ (يَتَعَلَّقُ بِالْكُلِّ ظَاهِرًا، وَقَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ) وَعَبْدِ الْجَبَّارِ عَلَى مَا فِي الْبَدِيعِ وَقَالَ فِي الْمَحْصُولِ: إنَّهُ حَقٌّ (إنْ ظَهَرَ الْإِضْرَابُ عَنْ الْأَوَّلِ فَلِلْأَخِيرِ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ الْإِضْرَابُ عَنْ الْأَوَّلِ (فَلِلْكُلِّ) وَأَشَارَ إلَى عَدَمِ ظُهُورِهِ بِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ (كَكَوْنِ الثَّانِي ضَمِيرَ الْأَوَّلِ) أَيْ الِاسْمِ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي ضَمِيرًا رَاجِعًا إلَى الِاسْمِ فِي الْكَلَامِ الْأَوَّلِ (وَلَوْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْكَلَامَانِ (فِيمَا يُذْكَرُ) أَيْ فِي النَّوْعِ وَالْحُكْمِ وَالِاسْمِ، وَثَانِيهِمَا قَوْلُهُ (أَوْ اشْتَرَكَا) أَيْ الْكَلَامَانِ (فِي الْغَرَضِ وَمِنْهُ) أَيْ هَذَا الْقِيلِ (قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا نَوْعًا وَحُكْمًا، وَاشْتَرَكَا فِي الْغَرَضِ وَهُوَ الْإِهَانَةُ وَالِانْتِقَامُ
فَقَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ) أَيْ قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ (إلَّا بِتَفْصِيلِ الْقَرِينَةِ) الدَّالَّةِ عَلَى الْإِضْرَابِ عَنْ الْأَوَّلِ (إلَى اخْتِلَافِهِمَا) أَيْ الْكَلَامَيْنِ (نَوْعًا بِالْإِنْشَائِيَّةِ وَالْخَبَرِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَيَقْتَضِي) قَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ (فِي: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ، وَبَنُو تَمِيمٍ مُكْرَمُونَ إلَّا زَيْدًا أَنَّ إكْرَامَهُ) أَيْ زَيْدٍ (مَطْلُوبٌ غَيْرُ وَاقِعٍ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَحَقَّقَ فِيهِمَا الِاخْتِلَافُ نَوْعًا لَا غَيْرُ أَوْ حُكْمًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ نَوْعًا يَسْتَلْزِمُ الِاخْتِلَافَ حُكْمًا كَمَا تَرَدَّدَ فِيهِ التَّفْتَازَانِيُّ (أَوْ) اخْتِلَافَهُمَا (اسْمًا بِوُجُودِ) الِاسْمِ (الصَّالِحِ لِتَعَلُّقِهِ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (فِي الثَّانِيَةِ) حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ) الِاسْمِ (الْأَوَّلِ) فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى (أَوْ) اخْتِلَافَهُمَا (حُكْمًا) بِأَنْ يَكُونَ الْمَحْكُومُ بِهِ فِي إحْدَاهُمَا غَيْرَ الْمَحْكُومِ بِهِ فِي الْأُخْرَى، وَمُلَخَّصُ هَذَا أَنَّ الْمُشْعِرَ بِالْإِضْرَابِ اخْتِلَافُهُمَا نَوْعًا أَوْ اسْمًا أَوْ حُكْمًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ اسْمُ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ ضَمِيرَ اسْمِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَعَدَمِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْغَرَضِ وَأَنْ لَيْسَ بَيْنَ هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ مَنْعُ الْجَمْعِ فَقَدْ تَجْتَمِعُ جَمِيعُهَا وَقَدْ يَجْتَمِعُ اثْنَانِ مِنْهَا، وَأَنَّ الْمُشْعِرَ بِعَدَمِ الْإِضْرَابِ انْتِفَاءُ الِاخْتِلَافِ رَأْسًا أَوْ أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ، وَالْأَمْثِلَةُ غَيْرُ خَافِيَةٍ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ، وَإِنَّمَا كَانَ قَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ لَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ (إذْ حَاصِلُهُ) أَيْ قَوْلِ أَبِي الْحُسَيْنِ (تَعَلُّقُهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (بِالْكُلِّ إلَّا بِقَاصِرٍ) عَلَى الْأَخِيرَةِ (غَيْرَ أَنَّهُ) أَيْ أَبَا الْحُسَيْنِ (جَعَلَ ذَلِكَ) الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا (قَاصِرًا) لِلِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الْأَخِيرَةِ (فَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ عَلَيْهِ فَالْخِلَافُ فِي شَيْءٍ آخَرَ) فَحَاصِلُ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ - كَمَا قَالَ - أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي الْحُسَيْنِ حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ دَلِيلٌ يَمْنَعُ صَرْفَهُ إلَى الْكُلِّ كَانَ لِلْأَخِيرِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ بِعَيْنِهِ غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ حَصْرَ الْأَدِلَّةِ أَيْ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى مَنْعِ صَرْفِهِ إلَى الْكُلِّ وَعَدَدِهِ فَإِنْ سَلَّمُوا ذَلِكَ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَخِلَافٌ فِي شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ هَلْ كَذَا وَكَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ تَعَلُّقِهِ بِالْكُلِّ، أَوْ لَا يَلْزَمُ دَلِيلًا عَلَيْهِ
(وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَاقِلَّانِيّ وَالْمُرْتَضَى) وَفَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ فِي الْمَعَالِمِ يَتَعَلَّقُ (بِالْأَخِيرَةِ إلَّا بِدَلِيلٍ فِيمَا قَبْلَهَا قِيلَ) وَقَائِلُهُ بِمَعْنَاهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (فَالْحَنَفِيَّةُ لِظُهُورِ الِاقْتِصَارِ) عَلَى الْأَخِيرَةِ لِمَا سَيَأْتِي (وَالْآخَرُونَ لِعَدَمِ ظُهُورِ الشُّمُولِ) لِلْكُلِّ (إمَّا لِلِاشْتِرَاكِ بَيْنَ إخْرَاجِهِ مِمَّا يَلِيهِ فَقَطْ وَالْكُلِّ) أَيْ وَبَيْنَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْكُلِّ فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَوْدُهُ إلَى مَا يَلِيهِ فَقَطْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ} [البقرة: 249] وَعَوْدُهُ إلَى الْكُلِّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى
{وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] إلَى قَوْلِهِ {إِلا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 70] وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ فَكَانَ مُشْتَرَكًا كَمَا هُوَ قَوْلُ الْمُرْتَضَى إلَّا أَنَّ إثْبَاتَ عَوْدِهِ إلَى مَا يَلِيهِ فَقَطْ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ كَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ فِيهَا عَائِدٌ إلَى الْأُولَى كَمَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ فَيُحْتَاجُ إلَى شَاهِدٍ غَيْرِهَا، فَقِيلَ: قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92] فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْأَخِيرَةِ دُونَ الْكَفَّارَةِ قَطْعًا، قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي اخْتِصَاصِهِ بِالْأَخِيرَةِ مَعَ إمْكَانِ عَوْدِهِ إلَيْهَا أَوْ إلَى مَا قَبْلَهَا وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَاسْتَشْهَدَ الْقَرَافِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلا امْرَأَتَكَ} [هود: 81] قَالَ قُرِئَ بِالنَّصْبِ اسْتِثْنَاءً مِنْ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا مَنْفِيَّةٌ وَتَكُونُ قَدْ خَرَجَتْ مَعَهُمْ ثُمَّ رَجَعَتْ قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ، اهـ.
وَلَا بَأْسَ بِهِ فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ عَوْدُهُ إلَى الْأُولَى وَلَا ضَيْرَ فِي كَوْنِ أَكْثَرِ الْقُرَّاءِ عَلَى النَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْهَا مَعَ أَنَّهُ مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَدَلِ، أَوْ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ أَقَلُّ الْقُرَّاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَقْوَى وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي دُونَهُ بَلْ الْتَزَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجْمِعَ الْقُرَّاءُ عَلَى قِرَاءَةِ غَيْرِ الْأَقْوَى وَإِنَّمَا لَمْ يُذْكَرْ الرَّفْعُ لِأَنَّ الرَّفْعَ عَلَى الْبَدَلِ ثُمَّ هِيَ الْأَوْلَى لِأَنَّ بِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مِنْ الْأُولَى كَلَامٌ مُوجَبٌ فَلْيُنْتَبَهْ لَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (أَوْ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ (كَذَلِكَ) أَيْ لُغَةً رَاجِعٌ إلَى الْكُلِّ حَقِيقَةً (أَوْ مَا يَلِيهِ) أَيْ رَاجِعٌ إلَى مَا يَلِيهِ لَا غَيْرُ حَقِيقَةً كَمَا هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَالْغَزَالِيِّ وَاخْتَارَهُ فِي الْمَحْصُولِ (فَلَزِمَ مَا يَلِيهِ) عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ (وَمَا قِيلَ) وَقَائِلُهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (الْمُخْتَارُ أَنَّهُ مَعَ) ظُهُورِ (قَرِينَةِ الِانْقِطَاعِ) لِلْأَخِيرَةِ عَمَّا قَبْلَهَا يَكُونُ (لِلْأَخِيرَةِ وَ) مَعَ ظُهُورِ قَرِينَةِ (الِاتِّصَالِ) أَيْ اتِّصَالِهَا بِمَا قَبْلَهَا يَكُونُ (لِلْكُلِّ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ إحْدَاهُمَا (فَالْوَقْفُ مَذْهَبُ الْوَقْفِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى إخْرَاجِهِ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (مِنْ الْأَخِيرَةِ وَالْعَمَلِ بِالْقَرِينَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُدَّعَى فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ مِنْ الْأَخِيرَةِ وَمَا زِيدَ مِنْ ظُهُورِ الْعَدَمِ)
أَيْ عَدَمِ الْإِخْرَاجِ مِمَّا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ آنِفًا بِظُهُورِ الِاقْتِصَارِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِمْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ بَلْ (أُخِذَ مِنْ اسْتِدْلَالِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (بِأَنَّ شَرْطَهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (الِاتِّصَالُ، وَهُوَ) أَيْ الِاتِّصَالُ (مُنْتَفٍ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ) لِتَخَلُّلِ الْأَخِيرَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَلِيهَا وَتَخَلُّلِهِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُمَا وَهَلُمَّ جَرًّا.
(وَمُقْتَضَاهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ (عَدَمُ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا) فِيمَا عَدَا الْأَخِيرَ (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ الصِّحَّةِ فِيمَا عَدَاهَا (بَاطِلٌ إذْ لَا يَمْتَنِعُ) الِاسْتِثْنَاءُ (فِي الْكُلِّ بِالدَّلِيلِ) إذْ لَا يُخْتَلَفُ فِي أَنَّهُ إذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَعَلُّقِهِ بِالْكُلِّ تَعَلَّقَ بِهِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ مِمَّا يَصِحُّ لُغَةً تَعَلُّقُهُ بِالْكُلِّ (وَأَمَّا دَفْعُهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ (بِأَنَّ الْجَمِيعَ كَالْجُمْلَةِ فَقَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ الْعَطْفُ يُصَيِّرُ الْمُتَعَدِّدَ) أَيْ الْجُمَلَ الْمَعْطُوفَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضِ (إلَى آخِرِهِ) أَيْ كَالْمُفْرَدِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَعُودُ فِيهِ إلَى جُزْئِهِ فَكَذَا فِي الْجُمَلِ لَا يَعُودُ إلَى بَعْضِهَا (وَسَيَبْطُلُ وَ) مِنْ اسْتِدْلَالِهِمْ (بِقَوْلِهِمْ: عَمَلُهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (ضَرُورِيٌّ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ) بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَثْنًى مِنْهُ وَالضَّرُورَةُ مُنْدَفِعَةٌ بِالْعَوْدِ إلَى وَاحِدَةٍ (وَالْأَخِيرَةُ مُنْتَفِيَةٌ اتِّفَاقًا وَمَا بِالضَّرُورَةِ) يُقَدَّرُ (بِقَدْرِهَا) فَتَتَعَيَّنُ الْأَخِيرَةُ.
(وَمُنِعَ) هَذَا (بِأَنَّهُ) أَيْ عَمَلَهُ (وَضْعِيٌّ) لَا ضَرُورِيٌّ (قُلْنَا لَوْ سُلِّمَ) أَنَّهُ وَضْعِيٌّ (فَلِمَا يَلِيهِ فَقَطْ أَوْ الْكُلِّ فَمَمْنُوعٌ) لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لِمَا يَلِيهِ، وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَعَدَمُ الِاشْتِرَاكِ (فَاللَّازِمُ لُزُومُهُ مِنْ الْأَخِيرَةِ وَالتَّوَقُّفُ فِيمَا قَبْلَهَا إلَى الدَّلِيلِ) الدَّالِّ عَلَى عَوْدِهِ إلَيْهِ (وَأَيْضًا بِدَفْعِ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ لَا يَنْدَفِعُ الْمَطْلُوبُ) لِجَوَازِ ثُبُوتِهِ بِغَيْرِهِ (فَلْيَكُنْ الْمَطْلُوبُ
مَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الْأَخِيرَةِ إلَّا بِدَلِيلٍ فِيمَا قَبْلَهَا مِنْ غَيْرِ ادِّعَاءِ ظُهُورٍ فِي عَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِمَا قَبْلَهَا، إذْ الْغَرَضُ لَمْ يَتَعَلَّقْ إلَّا بِعَدَمِ رُجُوعِهِ إلَى الْكُلِّ إلَّا بِدَلِيلٍ فِي خُصُوصِ مَوَارِدِهِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (حُكْمُ الْأُولَى مُتَيَقَّنٌ وَرَفْعُهُ) أَيْ حُكْمِهَا (عَنْ الْبَعْضِ) أَيْ بَعْضِهَا (بِالِاسْتِثْنَاءِ مَشْكُوكٌ لِلشَّكِّ فِي تَعَلُّقِهِ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (بِهِ) أَيْ بِالْبَعْضِ إمَّا (لِوَجْهِ الِاشْتِرَاكِ) أَيْ الْقَوْلِ بِهِ وَهُوَ (اُسْتُعْمِلَ) الِاسْتِثْنَاءُ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْأَخِيرَةِ وَالْكُلِّ (وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ) وَقَدْ حَصَلَ بِهَذَا ذِكْرُ دَلِيلِ الْقَائِلِ بِالْوَقْفِ فِيمَا سِوَى الْأَخِيرَةِ لِلِاشْتِرَاكِ ضِمْنًا (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْوَجْهُ (إنَّمَا يُفِيدُ لُزُومَ التَّوَقُّفِ فِيهَا) أَيْ فِيمَا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ (لَا ظُهُورَ الْعَدَمِ) فِيمَا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ (أَوْ دَافِعُهُ) أَيْ الْوَجْهُ دَافِعُ الِاشْتِرَاكِ الْقَائِلُ (الْمَجَازُ خَيْرٌ) مِنْ الِاشْتِرَاكِ فَلْيَكُنْ فِيمَا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ مَجَازًا (فَيُفِيدُهُ) أَيْ ظُهُورَ الْعَدَمِ فِيمَا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ إلَى الدَّلِيلِ عَلَى تَعَلُّقِهِ فِيمَا قَبْلَهَا أَيْضًا (وَإِبْطَالُهُ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلِ مِنْ قِبَلِ الشَّافِعِيَّةِ (بِقَوْلِهِمْ لَا يَقِينَ مَعَ تَجْوِيزِهِ لِلْكُلِّ يُدْفَعُ بِمَا تَقَدَّمَ فِي اشْتِرَاطِ اتِّصَالِ الْمُخَصِّصِ) مِنْ أَنَّ هَذَا التَّجْوِيزَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ إطْلَاقَ مَا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَقُّبٍ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَفَادَهُ إرَادَةُ الْكُلِّ فَمَعَ عَدَمِهَا يَلْزَمُ إخْبَارُ الشَّارِعِ أَوْ إفَادَتُهُ لِثُبُوتِ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ وَهُوَ بَاطِلٌ
(أَوْ بِإِرَادَةِ الظُّهُورِ بِهِ) أَيْ الْيَقِينِ (وَمَا قِيلَ) - فِي مُعَارَضَتِهِ - (الْأَخِيرَةُ أَيْضًا كَذَلِكَ) أَيْ حُكْمُهَا مُتَيَقَّنٌ وَرَفْعُهُ عَنْ الْبَعْضِ بِالِاسْتِثْنَاءِ مَشْكُوكٌ (لِجَوَازِ رُجُوعِهِ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (إلَى الْأَوَّلِ بِالدَّلِيلِ قُلْنَا الرَّفْعُ ظَاهِرٌ فِي الْأَخِيرَةِ وَلِذَا) أَيْ وَلِظُهُورِهِ فِيهَا (لَزِمَ فِيهَا اتِّفَاقًا فَلَوْ تَمَّ) هَذَا الدَّلِيلُ الَّذِي قِيلَ (تَوَقَّفَ فِي الْكُلِّ وَهُوَ) أَيْ التَّوَقُّفُ فِيهِ (بَاطِلٌ، وَحَاصِلُهُ) أَيْ قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ (تَرْجِيحُ الْمَجَازِ فَفِيمَا يَلِيهِ) أَيْ فَالِاسْتِثْنَاءُ فِيمَا يَلِيهِ (حَقِيقَةٌ وَفِي الْكُلِّ مَجَازٌ وَأَمَّا فِي غَيْرِهِمَا) أَيْ مَا يَلِيهِ وَالْكُلِّ (فَيَمْتَنِعُ لِلْفَصْلِ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَفِي الْمَجَازِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَرِينَةِ) فَتَتَرَجَّحُ الْحَقِيقَةُ ثُمَّ لَوْ وَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْكُلِّ مَجَازًا مَا عَلَاقَتُهُ فَالْجَوَابُ (وَالْعَلَاقَةُ تَشْبِيهُهُ) أَيْ غَيْرِ الْكَلَامِ الْأَخِيرِ (بِهِ) أَيْ بِالْأَخِيرِ (لِجَمْعِ الْعَطْفِ بِخِلَافِ الِاتِّصَالِ الصُّورِيِّ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِلَا عَطْفٍ وَمَعَ الْإِضْرَابِ) فَلَا يَصْلُحُ عَلَاقَةً (وَمَا قِيلَ فِي وَجْهِهِ) أَيْ التَّوَقُّفِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ (الْأَشْكَالِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ شَكْلٍ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ (تُوجِبُ الْإِشْكَالَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ الِاشْتِبَاهُ كَمَا قَالَ مَعْنَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (فَمَعْنَاهُ) أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ (يَخْرُجُ مِنْ الْأُولَى) تَارَةً (وَلَا يَخْرُجُ) مِنْهَا أُخْرَى (فَتَوَقَّفَ فِيهِ) أَيْ فِي إخْرَاجِهِ مِنْ غَيْرِ الْأَخِيرَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ هَذَا (اقْتَضَى أَنْ يَتَوَقَّفَ فِي الْأَخِيرَةِ أَيْضًا) وَهُوَ بَاطِلٌ
(الشَّافِعِيَّةُ) قَالُوا أَوَّلًا: (الْعَطْفُ يُصَيِّرُ الْمُتَعَدِّدَ كَالْمُفْرَدِ) وَتَقَدَّمَ بَاقِي تَوْجِيهِهِ (أُجِيبَ) بِأَنَّ تَصْيِيرَ الْمُتَعَدِّدِ كَالْمُفْرَدِ دَائِمًا هُوَ (فِي) عَطْفِ (الْمُفْرَدَاتِ) بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ لِأَنَّ الْعَطْفَ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ كَالْجَمْعِ فِي الْأَسْمَاءِ لَا فِي عَطْفِ الْجُمَلِ الَّذِي كَلَامُنَا فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْإِبْطَالُ الْمَوْعُودُ (وَمَا يُقَالُ هِيَ) أَيْ الْجُمَلُ (مِثْلُهَا) أَيْ الْمُفْرَدَاتِ (إذْ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهَا) أَيْ الْجُمَلِ (مِنْ الْمُتَعَلِّقَاتِ أَوْ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ كَوْنَهَا مِثْلَهَا (إذَا اتَّحَدَتْ جِهَةُ النِّسْبَةِ فِيهَا) أَيْ الْجُمَلِ (وَهُوَ) أَيْ اتِّحَادُ جِهَةِ النِّسْبَةِ فِيهَا (الدَّلِيلُ) عَلَى تَعَلُّقِهِ بِالْكُلِّ (كَكَوْنِهَا) أَيْ الْجُمَلِ (صِلَةً) لِلْمَوْصُولِ، نَحْوُ اضْرِبْ الَّذِينَ قَتَلُوا وَسَرَقُوا وَزَنَوْا إلَّا مَنْ تَابَ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُوجِبُ الِاتِّصَالَ وَالِارْتِبَاطَ لَا مُطْلَقًا (لِلْقَطْعِ بِأَنَّ نَحْوَ ضُرِبَ بَنُو تَمِيمٍ وَبَكْرٍ شُجْعَانٌ لَيْسَ فِي حُكْمِهِ) أَيْ الْمُفْرَدِ (قَالُوا)
ثَانِيًا (لَوْ قَالَ) وَاَللَّهِ (لَا أَكَلْت
وَلَا شَرِبْت إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَعَلَّقَ) إنْ شَاءَ اللَّهُ (بِهِمَا) أَيْ بِالْجُمْلَتَيْنِ اتِّفَاقًا (أُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ إنْ شَاءَ اللَّهُ (شَرْطٌ) لَا اسْتِثْنَاءٌ (فَإِنْ أَلْحَقَ) الشَّرْطَ (بِهِ) أَيْ بِالِاسْتِثْنَاءِ (فَيُقَاسُ فِي اللُّغَةِ) وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ (وَلَوْ سُلِّمَ) صِحَّتُهُ (فَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْطَ مُقَدَّرٌ تَقْدِيمُهُ) عَلَى الْجَزَاءِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ (وَلَوْ سُلِّمَ عَدَمُ لُزُومِهِ) أَيْ تَقَدُّمِ الشَّرْطِ (فَلِقَرِينَةِ الِاتِّصَالِ وَهُوَ) أَيْ دَلِيلُهُ (الْحَلِفُ عَلَى الْكُلِّ) عَادَ " إنْ شَاءَ اللَّهُ " إلَى الْكُلِّ وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِيمَا كَانَ هَكَذَا وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِيمَا لَا قَرِينَةَ تُوجِبُ رُجُوعَهُ إلَى الْكُلِّ، قِيلَ وَأَيْضًا لَمَّا كَانَتْ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا مَوْقُوفَةً عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - كَانَ الظَّاهِرُ وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ عَوْدَ الْمَشِيئَةِ إلَى الْكُلِّ فَيَصِيرُ ذِكْرُهَا قَرِينَةً مَعْنَوِيَّةً تَقْتَضِي الْعَوْدَ إلَى الْكُلِّ وَهَذِهِ الْقَرِينَةُ مَفْقُودَةٌ فِي غَيْرِهِ مِنْ صُوَرِ الِاسْتِثْنَاءِ.
(قَالُوا) ثَالِثًا (قَدْ يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ بِهِ) أَيْ بِالِاسْتِثْنَاءِ (كَذَلِكَ) أَيْ عَائِدًا إلَى الْكُلِّ (وَتَكْرَارُهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ لِكُلٍّ مِنْهَا (يُسْتَهْجَنُ) وَلَوْلَا أَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْجَمِيعِ فَكَانَ مُغْنِيًا عَنْ التَّكْرَارِ لَمَا اُسْتُهْجِنَ لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا إلَيْهِ (فَلَزِمَ ظُهُورُهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (فِيهَا) أَيْ فِي الْجُمَلِ كُلِّهَا (قُلْنَا الْمُلَازَمَةُ) بَيْنَ تَكْرَارِهِ وَاسْتِهْجَانِهِ (مَمْنُوعَةٌ لِمَنْعِ الِاسْتِهْجَانِ إلَّا مَعَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ الْمُخْرَجِ مِنْهُ) لِكَوْنِهِ حِينَئِذٍ تَكْرَارًا خَالِيًا عَنْ الْفَائِدَةِ، وَالْحُكْمُ الْمُخْرَجُ مِنْهُ هُنَا مُتَعَدِّدٌ لَا مُتَّحِدٌ (وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّ التَّكْرَارَ يُسْتَهْجَنُ (لَمْ يَتَعَيَّنْ) التَّكْرَارُ (طَرِيقًا) لِإِفَادَةِ الْمُرَادِ (فَلْيَنْصِبْ قَرِينَةَ الْكُلِّ أَوْ يُصَرِّحْ بِهِ) أَيْ بِالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْكُلِّ (بَعْدَهُ) أَيْ الْكُلِّ كَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْكُلِّ إلَّا كَذَا فِي الْجَمِيعِ.
(قَالُوا) رَابِعًا هُوَ (صَالِحٌ) لِلْجَمِيعِ (فَالْقَصْرُ عَلَى الْأَخِيرَةِ تَحَكُّمٌ قُلْنَا: إرَادَتُهَا) أَيْ الْأَخِيرَةِ (اتِّفَاقٌ وَالتَّرَدُّدُ فِيمَا قَبْلَهَا، وَالصَّلَاحِيَةُ لَا تُوجِبُ ظُهُورَهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (فِيهِ) أَيْ الْكُلِّ (كَالْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ فِي الِاسْتِغْرَاقِ) فَإِنَّهُ صَالِحٌ لِلْجَمِيعِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فِيهِ.
(قَالُوا) خَامِسًا (لَوْ قَالَ: عَلَيَّ خَمْسَةٌ وَخَمْسَةٌ إلَّا سِتَّةً فَبِالْكُلِّ) أَيْ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ اتِّفَاقًا، وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرَقًا فَكَذَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الصُّوَرِ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ (قُلْنَا بَعْدَ كَوْنِهِ) أَيْ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهَا (مُفْرَدًا) وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا كَانَتْ جَمَلًا (أَوْجَبَهُ) أَيْ كَوْنَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْهَا (تَعَيُّنُهُ لِلصِّحَّةِ) إذْ لَوْ رَجَعَ إلَى الْأَخِيرَةِ لَمْ يَسْتَقِمْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُسْتَغْرَقًا مَعَ زِيَادَةٍ وَهُوَ بَاطِلٌ فَهُوَ مِمَّا قَامَتْ فِيهِ قَرِينَةٌ عَلَى عَوْدِهِ إلَى الْكُلِّ وَلَا نِزَاعَ فِيهِ وَأَيْضًا مُدَّعَاكُمْ الْعَوْدَ إلَى كُلٍّ لَا إلَى الْجَمِيعِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: وَالْحَقُّ أَنَّ النِّزَاعَ يَصْلُحُ لِلْجَمِيعِ وَلِلْأَخِيرَةِ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهُ إذْ لَا يَصْلُحُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَلَا لِلْأَخِيرَةِ هَذَا، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ رُجُوعَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَعَقِّبِ لِمُفْرَدَاتٍ مُتَعَاطِفَاتٍ إلَى جَمِيعِهَا مَحَلُّ اتِّفَاقٍ.
(تَنْبِيهٌ بُنِيَ عَلَى الْخِلَافِ) فِي عَوْدِهِ عَلَى الْأَخِيرَةِ فَقَطْ إلَّا لِدَلِيلٍ أَوْ عَلَى الْجَمِيعِ إلَّا لِدَلِيلٍ (وُجُوبُ رَدِّ شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ) إذَا تَابَ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فِي قَذْفِهِ عِنْدَ مَنْ قَذَفَهُ بِهِ وَأَصْلَحَ عَمَلَهُ عَلَى مَا هُوَ الْأَشْبَهُ (لِقَصْرِ {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] عَلَى مَا يَلِيهِ) وَهُوَ {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] فَيَنْتَفِي عَنْهُ الْفِسْقُ لَا غَيْرُ وَيَبْقَى وَلَا تَقْبَلُوا شَهَادَةً أَبَدًا عَلَى حُكْمِهِ (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ (رَدًّا لَهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (إلَيْهِ) أَيْ مَا يَلِيهِ (مَعَ لَا تَقْبَلُوا) فَيَنْتَفِي عَنْهُ الْفِسْقُ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ (وَلَوْ مُنِعَ الدَّلِيلُ مِنْ تَعَلُّقِهِ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (بِالْأَوَّلِ) أَيْ فَاجْلِدُوهُمْ (تَعَلَّقَ بِهِ) أَيْضًا عِنْدَهُمْ لِأَنَّ عَوْدَهُ إلَى الْكُلِّ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ بَلْ ظَاهِرٍ يُعْدَلُ عَنْهُ عِنْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ وُجِدَ هُنَا ذَلِكَ فَإِنَّ الْجَلْدَ فِيهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ