الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: 17]{قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه: 18] وَصَحَّحَ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» (قَالُوا لَوْ عَمَّ) الْجَوَابُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ غَيْرَهُ (كَانَ) الْعُمُومُ (تَحَكُّمًا بِأَحَدِ مَجَازَاتٍ مُحْتَمَلَةٍ) ثَلَاثَةٍ (نُصُوصِيَّةٍ عَلَى السَّبَبِ فَقَطْ) أَيْ كَوْنُ عُمُومِ الْجَوَابِ نَصًّا فِي الْفَرْدِ السَّبَبِيِّ الْخَاصِّ الَّذِي لِأَجْلِهِ وَرَدَ الْعَامُّ دُونَ غَيْرِهِ. (أَوْ) نُصُوصِيَّةٍ عَلَى السَّبَبِ (مَعَ الْكُلِّ) أَيْ سَائِرِ الْأَفْرَادِ الَّتِي هُوَ ظَاهِرٌ فِيهَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَامِّ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْجَمِيعِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ نَصٌّ فِي بَعْضٍ وَظَاهِرٌ فِي الْبَاقِي. (أَوْ) نُصُوصِيَّةٍ عَلَى السَّبَبِ مَعَ (الْبَعْضِ) أَيْ بَعْضِ الْأَفْرَادِ الَّتِي هُوَ ظَاهِرٌ فِيهَا (قُلْنَا: لَا مَجَازَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَجَازَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ (بِالِاسْتِعْمَالِ فِي الْمَعْنَى) الَّذِي لَمْ يُوضَعْ اللَّفْظُ لَهُ (لَا بِكَيْفِيَّةِ الدَّلَالَةِ) مِنْ الظُّهُورِ وَالنُّصُوصِ (وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ) اللَّفْظُ الْعَامُّ الَّذِي هُوَ الْجَوَابُ (فِي الْكُلِّ) أَيْ فَرْدِهِ السَّبَبِيِّ وَبَاقِي أَفْرَادِهِ (فَهُوَ حَقِيقَةٌ) فِي الْعُمُومِ (وَأَيْضًا نَمْنَعُ نُصُوصِيَّتَهُ) أَيْ اللَّفْظِ الْعَامِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَرْدِ السَّبَبِيِّ (بَلْ تَنَاوُلُهُ لِلسَّبَبِ كَغَيْرِهِ) مِنْ الْأَفْرَادِ (وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِخَارِجٍ) عَنْ اللَّفْظِ، وَهُوَ لُزُومُ انْتِفَاءِ الْجَوَابِ (الْقَطْعُ بِعَدَمِ خُرُوجِهِ) أَيْ الْفَرْدِ السَّبَبِيِّ (مِنْ الْحُكْمِ) .
لَكِنْ عَلَى هَذَا مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْخَارِجَ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْقَطْعِ بِعَدَمِ خُرُوجِهِ (مُحَقِّقٌ لِلنُّصُوصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا) أَيْ النُّصُوصِيَّةَ (أَبَدًا لَا تَكُونُ مِنْ ذَاتِ اللَّفْظِ إلَّا إنْ كَانَ) اللَّفْظُ (عَلَمًا إنْ لَمْ يَتَجَوَّزْ بِهَا) أَيْ بِالْأَعْلَامِ فَإِنْ تَجَوَّزَ بِهَا فَهِيَ كَغَيْرِهَا إنَّمَا تَكُونُ نُصُوصِيَّتُهَا بِخَارِجٍ فَإِنْ قُلْتَ هَذَا فَرْضُ مَا هُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِيهَا؛ لِأَنَّ فَخْرَ الدِّينِ الرَّازِيَّ وَالْآمِدِيَّ صَرَّحَا بِأَنَّ الْأَعْلَامَ لَيْسَتْ بِحَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ، وَالتَّجَوُّزُ بِهَا فَرْعُ كَوْنِهَا حَقِيقَةً. قُلْتُ: مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْمَجَازَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحَقِيقَةَ كَمَا يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ عَلَى أَنَّ الْأَشْبَهَ أَنَّهَا بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ لَا تَخْرُجُ عَنْهَا كَمَا سَيُذْكَرُ فِي مَحَلِّهِ ثُمَّ مَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْ الْأَعْلَامِ فَلَا يَتِمُّ هَذَا الْجَوَابُ وَفِيمَا قَبْلَهُ كِفَايَةٌ.
[الْبَحْثُ الرَّابِعُ الِاتِّفَاقُ عَلَى إطْلَاقِ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ عَلَى الْخَاصِّ وَعَلَى احْتِمَالِهِ]
(الْبَحْثُ الرَّابِعُ الِاتِّفَاقُ عَلَى إطْلَاقِ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ عَلَى الْخَاصِّ وَعَلَى احْتِمَالِهِ) أَيْ الْخَاصِّ (الْمَجَازَ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعْنًى مَجَازِيٌّ لَهُ (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ الِاتِّفَاقُ عَلَى احْتِمَالِ الْخَاصِّ الْمَجَازَ (الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ الْقَطْعِ بِنَفْيِ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ عَنْ) الْمَعْنَى (الْحَقِيقِيِّ) لِلْخَاصِّ إلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ بِنَفْيِهَا يَمْنَعُ احْتِمَالَهُ إيَّاهُ إلَّا أَنَّ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مَلْزُومًا وَلَازِمًا بَحْثًا يُوجِبُ مَنْعَهُ كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ آخِرًا (وَإِنَّ هَذَا الْقَطْعَ) الْمَنْسُوبَ إلَى دَلَالَةِ الْخَاصِّ (لَا يُنَافِي الِاحْتِمَالَ مُطْلَقًا) ، وَإِنَّمَا يُنَافِي الِاحْتِمَالَ النَّاشِئَ عَنْ دَلِيلٍ (وَاخْتُلِفَ فِي إطْلَاقِهِ) أَيْ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ (عَلَى الْعَامِّ فَالْأَكْثَرُ) مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ (عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ نَفْيِ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ (وَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ) أَيْ جُمْهُورُ مَشَايِخِ الْعِرَاقُ وَعَامَّة الْمُتَأَخِّرِينَ. (نَعَمْ) أَيْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ بَلْ ذَكَرَ عَبْدُ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيُّ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَقَوَّاهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ (وَأَبُو مَنْصُورٍ) الْمَاتُرِيدِيُّ (وَجَمَاعَةٌ) ، وَهُمْ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ (كَالْأَكْثَرِ لِكَثْرَةِ إرَادَةِ بَعْضِهِ) أَيْ الْعَامِّ مِنْ إطْلَاقِهِ (سَوَاءٌ سُمِّيَ) كَوْنُ بَعْضِهِ مُرَادًا (تَخْصِيصًا اصْطِلَاحِيًّا أَوْ لَا كَثْرَةَ تُجَاوِزُ الْحَدَّ، وَتَعْجِزُ عَنْ الْعَدِّ حَتَّى اُشْتُهِرَ مَا مِنْ عَامٍّ إلَّا وَقَدْ خُصَّ، وَهَذَا) الْعَامُّ أَيْضًا (مِمَّا خُصَّ بِنَحْوِ {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [البقرة: 255] لِعَدَمِ تَخْصِيصِ مَا فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مِنْ الْعُمُومِ (فِي قِلَّةٍ مِمَّا لَا يُحْصَى وَمِثْلُهُ) أَيْ وُجُودِ هَذِهِ الْكَثْرَةِ (يُورِثُ الِاحْتِمَالَ فِي) الْعَامِّ (الْمُعَيَّنِ) جَرْيًا عَلَى مَا هُوَ الْكَثِيرُ الْغَالِبُ (فَيَصِيرُ) كَوْنُ الْمُرَادِ
جَمِيعَ مَدْلُولِهِ (ظَنِّيًّا فَبَطَلَ) بِهَذَا دَفْعُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى ظَنِّيَّةِ الْعَامِّ بِكَثْرَةٍ بَلْ بِأَكْثَرِيَّةِ تَخْصِيصِهِ، وَهُوَ (مَنْعُ كَثْرَةِ تَخْصِيصِهِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ تَخْصِيصَهُ عِنْدَنَا إنَّمَا يَكُونُ (بِمُسْتَقِلٍّ مُقَارِنٍ، وَهُوَ) أَيْ الْمُسْتَقِلُّ الْمُقَارِنُ (قَلِيلٌ) فَلَا يَتِمُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَكْثَرَ فِي الْعَامِّ التَّخْصِيصُ، وَإِنَّمَا بَطَلَ (لِأَنَّهُمْ) أَيْ الظَّنِّيِّينَ (يَمْنَعُونَ اقْتِصَارَهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِمُسْتَقِلٍّ مُقَارِنٍ بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ (وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّ التَّخْصِيصَ إنَّمَا يَكُونُ بِذَلِكَ (فَالْمُؤَثِّرُ فِي ظَنِّيَّتِهِ) أَيْ فِي الْمُوجِبِ لِظَنِّيَّةِ الْعَامِّ إنَّمَا هُوَ (كَثْرَةُ إرَادَةِ الْبَعْضِ فَقَطْ لَا مَعَ اعْتِبَارِ تَسْمِيَتِهِ تَخْصِيصًا فِي الِاصْطِلَاحِ) وَلَا شَكَّ فِي ثُبُوتِهِ وَنَحْنُ نُسَمِّيهِ تَخْصِيصًا وَعَلَى رَأَيْنَا أَطْلَقْنَاهُ عَلَيْهِ فَإِنْ وَافَقْتُمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَبِهَا، وَإِنْ أَبَيْتُمْ إطْلَاقَهُ عَلَيْهِ اصْطِلَاحًا مِنْكُمْ فَلَا يَضُرُّ فِي الْمَقْصُودِ.
(قَالُوا) أَيْ الْقَطْعِيُّونَ: (وُضِعَ) الْعَامُّ (لِمُسَمًّى فَالْقَطْعُ بِلُزُومِهِ) أَيْ الْمُسَمَّى لَهُ (عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) كَالْخَاصِّ ثُمَّ قَالُوا إيرَادًا وَجَوَابًا (فَإِنْ قِيلَ إنْ أُرِيدَ) بِالْقَطْعِ بِلُزُومِهِ (لُزُومَ تَنَاوُلِهِ) أَيْ اللَّفْظِ لَهُ (فَمُسَلَّمٌ وَلَا يُفِيدُ) ؛ لِأَنَّ التَّنَاوُلَ ثَابِتٌ لِلْكُلِّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِالْعَقْلِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْوَضْعَ فَلَا يَدُلُّ لُزُومُ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ وَالْقَطْعِ بِهِ عَلَى كَوْنِهِ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ لِثُبُوتِهِ قَطْعًا حَالَ ظَنِّيَّةِ الْعَامِّ، وَهُوَ مَا بَعْدَ التَّخْصِيصِ وَالْقَطْعِ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُتَنَاوِلٌ لِجَمِيعِ مَا وُضِعَ لَهُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (أَوْ إرَادَتِهِ) أَيْ لُزُومِهَا (فَمَمْنُوعٌ إذْ تَجْوِيزُ إرَادَةِ الْبَعْضِ قَائِمٌ فَيُمْنَعُ الْقَطْعَ، قِيلَ الْمُرَادُ) بِالْقَطْعِ بِلُزُومِهِ الْقَطْعُ بِإِرَادَةِ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ، وَهُوَ (مَا) أَيْ قُطِعَ (كَقَطْعِيَّةِ الْخَاصِّ) ، وَهُوَ الْقَطْعُ الَّذِي لَا احْتِمَالَ فِيهِ عَنْ دَلِيلٍ (لَا مَا يَنْفِي احْتِمَالَهُ) أَيْ الْعَامِّ أَصْلًا (لِتَحَقُّقِهِ) أَيْ الِاحْتِمَالِ لَا عَنْ دَلِيلٍ (فِي الْخَاصِّ مَعَ قَطْعِيَّتِهِ اتِّفَاقًا) فَانْتَفَى كَوْنُ التَّجْوِيزِ الْمَذْكُورِ مُنَافِيًا لِلْقَطْعِ فِيهِ (فَحَقِيقَةُ الْخِلَافِ) فِي قَطْعِيَّةِ الْعَامِّ (أَنَّهُ) أَيْ الْعَامَّ (كَالْخَاصِّ) فِي الْقَطْعِيَّةِ (أَوْ أَحَطَّ فَلَا يُفِيدُ الِاسْتِدْلَال) عَلَى قَطْعِيَّةِ الْعَامِّ (بِأَنَّهُ لَوْ جَازَ إرَادَةُ بَعْضِهِ بِلَا قَرِينَةٍ كَانَ تَلْبِيسًا أَوْ تَكْلِيفًا بِغَيْرِ الْمَقْدُورِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْوُسْعِ الْوُقُوفُ عَلَى الْإِرَادَةِ الْبَاطِنَةِ وَلَا تَكْلِيفَ إلَّا بِمَا فِي الْوُسْعِ، وَإِنَّمَا لَا يُفِيدُ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا عَلَى ذَلِكَ (لِلُزُومِ مِثْلِهِ فِي الْخَاصِّ) ، وَهُوَ أَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يُرَادَ بِهِ بَعْضُهُ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ إذْ هَذَا الْقَطْعُ لَا يَنْفِي الِاحْتِمَالَ كَمَا بَيَّنَّا (مَعَ أَنَّ الْمُلَازَمَةَ مَمْنُوعَةٌ أَمَّا الْأَوَّلُ) أَيْ أَمَّا مَنْعُهَا عَلَى تَقْدِيرِ اللَّازِمِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ لُزُومُ التَّلْبِيسِ فِي إطْلَاقِ الْعَامِّ (فَلِأَنَّ الْمُدَّعَى خَفَاؤُهَا) أَيْ الْقَرِينَةِ (لَا نَفْيُهَا) أَيْ إنَّمَا يَجُوزُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ بَعْضَهُ وَنَصَبَ قَرِينَةً غَيْرَ أَنَّهَا خَفِيَتْ عَلَيْنَا وَلَا تَلْبِيسَ بَعْدَ نَصْبِ الْقَرِينَةِ، وَسَتَسْمَعُ مَا عَلَى هَذَا مِنْ التَّعَقُّبِ.
(وَأَمَّا الثَّانِي) أَيْ وَأَمَّا مَنْعُهَا عَلَى تَقْدِيرِ اللَّازِمِ الثَّانِي، وَهُوَ التَّكْلِيفُ بِغَيْرِ الْمَقْدُورِ (فَإِنَّمَا يَلْزَمُ) التَّكْلِيفُ بِغَيْرِ الْمَقْدُورِ (لَوْ كُلِّفَ) بِالْعَمَلِ (بِالْمُرَادِ) بِالْعَامِّ (لَكِنَّهُ) أَيْ التَّكْلِيفَ بِهِ مُنْتَفٍ فَإِنَّهُ إنَّمَا كُلِّفَ بِالْعَمَلِ (بِمَا ظَهَرَ مِنْ اللَّفْظِ) مُرَادًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُرَادٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (وَالِاسْتِدْلَالِ) عَلَى ظَنِّيَّةِ الْعَامِّ (بِكَثْرَةِ الِاحْتِمَالِ فِي الْعَامِّ إذْ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَامِّ (مَا فِي الْخَاصِّ) مِنْ احْتِمَالِ الْمَجَازِ (مَعَ احْتِمَالِ إرَادَةِ الْبَعْضِ مَدْفُوعٌ) كَمَا ذَكَرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (بِأَنَّ كَوْنَ حَقِيقَةٍ لَهَا مَعْنَيَانِ مَجَازِيَّانِ وَأُخْرَى وَاحِدٌ لَا يَحُطُّهُ) أَيْ مَا لَهُ مَجَازَانِ (عَنْهُ) أَيْ مَا لَهُ مَجَازٌ وَاحِدٌ (لِأَنَّ الثَّابِتَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ مِمَّا لَهُ مُجَازَانِ وَمَا لَهُ مَجَازٌ (حَالَ إطْلَاقِهِ احْتِمَالٌ مَجَازٌ وَاحِدٌ فَتَسَاوَيَا) فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ لِلْمَجَازِ أَصْلًا (قُلْنَا) نَحْنُ مَعْشَرَ الظَّنِّيِّينَ (حِينَ آلَ) الِاخْتِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ مَعْشَرَ الْقَطْعِيِّينَ فِي الْمُرَادِ بِقَطْعِيَّةِ دَلَالَةِ الْعَامِّ عَلَى مَعْنَاهُ (إلَى أَنَّهُ كَالْخَاصِّ)
فِيهَا كَمَا هُوَ مُرَادُكُمْ (أَوْ دُونَهُ) كَمَا هُوَ مُرَادُنَا (فَإِنَّمَا يُرَجَّحُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ) عِنْدَنَا (بِقُوَّةِ احْتِمَالِ الْعَامِّ إرَادَةَ الْبَعْضِ لِتِلْكَ الْكَثْرَةِ) أَيْ كَثْرَةِ إرَادَةِ بَعْضِهِ مِنْ إطْلَاقِهِ (وَنُدْرَةُ مَا فِي الْخَاصِّ) مِنْ احْتِمَالِ إرَادَةِ الْمَجَازِ (لِنُدْرَةِ) أَنْ يُرَادَ بِنَحْوِ " جَاءَ زَيْدٌ " رَسُولُ زَيْدٍ أَوْ (كِتَابُ زَيْدٍ بِزَيْدٍ. فَصَارَ التَّحْقِيقُ أَنَّ إطْلَاقَ الْقَطْعِيَّةِ عَلَى الْخَاصِّ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ)
فِيهِ كَمَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ (بِخِلَافِ الْعَامِّ) فَإِنَّ إرَادَةَ الْبَعْضِ مِنْ إطْلَاقِهِ كَثِيرٌ بَلْ أَكْثَرِيٌّ فَلَا يَتَّحِدَانِ مَرْتَبَةً (قَوْلُهُمْ) أَيْ الْقَطْعِيِّينَ (لَا عِبْرَةَ بِهِ) أَيْ بِاحْتِمَالِ التَّخْصِيصِ فِي الْعَامِّ (أَيْضًا إذْ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ دَلِيلٍ) فَصَارَ الْعَامُّ كَالْخَاصِّ (قُلْنَا) مَمْنُوعٌ (بَلْ نَشَأَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ دَلِيلٍ (وَهُوَ) أَيْ الدَّلِيلُ (غَلَبَةُ وُقُوعِهِ) أَيْ التَّخْصِيصِ فِي الْعَامِّ (فَتُوجِبُ) غَلَبَةُ وُقُوعِهِ (الظَّنِّيَّةَ فِي الْمُعَيَّنِ، وَإِنْ أُرِيدَ) بِالدَّلِيلِ فِي لَمْ يَنْشَأْ عَنْ دَلِيلٍ (دَلِيلُ إرَادَةِ الْبَعْضِ فِي) الْعَامِّ (الْمُعَيَّنِ) أَيْ لَمْ يَثْبُتْ دَلِيلُ إرَادَةِ الْبَعْضِ فِي الْعَامِّ الْمُعَيَّنِ (خَرَجَ) ، وَهَذَا الْعَامُّ (عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَهُوَ) أَيْ مَحَلُّهُ (ظَنِّيَّةُ إرَادَةِ الْكُلِّ) أَيْ كَوْنُ الْكُلِّ مُرَادًا ظَنِّيٌّ أَوْ قَطْعِيٌّ كَالْخَاصِّ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَهَذِهِ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ مَا خَرَجَ عَنْهُ وَبَيْنَ مَا خَرَجَ إلَيْهِ، وَهُوَ (إلَى الْقَطْعِ بِإِرَادَةِ الْبَعْضِ) فَيَصِيرُ فِي تَحَقُّقِ إرَادَةِ الْبَعْضِ مِنْهُ أَوْ الْكُلِّ فَقَالَ قَائِلٌ تَحَقَّقَ فِي الْعَامِّ الْمُعَيَّنِ إرَادَةُ بَعْضِهِ وَقَالَ آخَرُ بَلْ كُلُّهُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ ظَنِّيَّتِهِ مِنْ الْقَطْعِيِّينَ (مَنْعُ تَجْوِيزِ إرَادَةِ الْبَعْضِ بِلَا مُخَصِّصٍ مُقَارِنٍ) مُسْتَقِلٍّ (لِاسْتِلْزَامِهِ) أَيْ هَذَا التَّجْوِيزِ (مَا سَيُذْكَرُ فِي اشْتِرَاطِ مُقَارَنَةِ الْمُخَصِّصِ) مِنْ الْإِيقَاعِ فِي الْكَذِبِ أَوْ طَلَبِ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ.
(وَمِثْلُهُ) أَيْ وَيَجِيءُ مِثْلُهُ (فِي الْخَاصِّ) إذَا لَمْ يُقْرَنْ بِمَا يُفِيدُ غَيْرَ ظَاهِرِهِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الظَّنِّيِّينَ (يَحْتَمِلُ) الْعَامُّ (الْمَجَازَ أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَمَّا الْوَاقِعُ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَلَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ إلَّا بِقَرِينَةٍ تَظْهَرُ فَتُوجِبُ) الْقَرِينَةُ (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ ظَاهِرِهِ (وَحِينَئِذٍ) أَيْ وَحِينَ كَانَ الْحَالُ فِي احْتِمَالِ الْعَامِّ الْمَجَازَ هَذَا التَّفْصِيلَ (فَكَوْنُ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الْقَطْعِ بِنَفْيِ الْقَرِينَةِ) الصَّارِفَةِ عَنْ الْحَقِيقِيِّ إلَى الْمَجَازِيِّ فِي الْخَاصِّ كَمَا تَقَدَّمَ (مَمْنُوعٌ بَلْ إذَا لَمْ تَظْهَرْ) الْقَرِينَةُ (قُطِعَ بِنَفْيِهَا) وَقَدْ عُرِفَ مِنْ هَذَا مَنْعُ كَوْنِهَا نُصِبَتْ وَخَفِيَتْ، وَإِنَّ الْمُصَنِّفَ مَعَ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ.
(وَثَمَرَتُهُ) أَيْ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْعَامَّ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنْ الْخَاصِّ فِي ثُبُوتِ الدَّلَالَةِ أَوْ مِثْلُهُ فِيهِ تَظْهَرُ (فِي الْمُعَارَضَةِ وَوُجُوبِ نَسْخِ الْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا) أَيْ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ (الْمُتَقَدِّمَ) فَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْخَاصَّ أَقْوَى قَدَّمُوهُ عَلَى الْعَامِّ عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَلَمْ يُجَوِّزُوا نَسْخَهُ بِالْعَامِّ لِرُجْحَانِ الْخَاصِّ عَلَيْهِ وَالْقَائِلُونَ بِتَسَاوِيهِمَا لَمْ يُقَدِّمُوا أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ إذَا تَعَارَضَا إلَّا بِمُرَجِّحٍ وَجَوَّزُوا نَسْخَ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ (وَلِذَا) أَيْ تَسَاوِيهِمَا (نُسِخَ طَهَارَةُ بَوْلِ الْمَأْكُولِ) الْمُسْتَفَادَةِ مِمَّا عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ أَوْ قَالَ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِلِقَاحٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّجِسَ وَاجِبُ الِاجْتِنَابِ مُحَرَّمُ التَّدَاوِي بِهِ فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ» (وَهُوَ) أَيْ النَّصُّ الْمُفِيدُ طَهَارَتَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا أَيْ اللِّقَاحِ (خَاصٌّ بِاسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ) أَيْ بِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» . رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً
، وَهُوَ عَامٌّ؛ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّعَدِّيَةِ لَا لِلتَّبْعِيضِ وَالْبَوْلُ مُحَلَّى بِاللَّامِ لِلْجِنْسِ فَيَعُمُّ كُلَّ بَوْلٍ وَقَدْ أَمَرَ بِطَلَبِ النَّزَاهَةِ مِنْهُ وَالطَّاهِرُ لَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِنْزَاهِ مِنْهُ هَذَا إنْ كَانَ الْأَمْرُ بِاسْتِنْزَاهِ الْبَوْلِ مُتَأَخِّرًا عَنْ حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ كَمَا قِيلَ