الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأُصُولِيِّينَ لِمَا سَنَذْكُرُ (وَكَانَ) أَيْ الْعُمُومُ فِي الْمَعْنَى (مَجَازًا كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَظْهَرْ طَرِيقُهُ) أَيْ الْمَجَازِ (لِلْآخَرِ) الْقَائِلِ لَا يَتَّصِفُ بِهِ الْمَعْنَى لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا (فَمَنَعَهُ) أَيْ وَصْفَهَا بِهِ (وَمُطْلَقًا. وَمَنْ فَهِمَ مِنْ اللُّغَةِ أَنَّهُ)
أَيْ الْأَمْرَ الْوَاحِدَ (أَعَمُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الشَّخْصِيِّ (وَمِنْ النَّوْعِيِّ وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهُ أَعَمَّ مِنْهُمَا (الْحَقُّ لِقَوْلِهِمْ مَطَرٌ عَامٌّ) فِي الْأَعْيَانِ (وَخِصْبٌ عَامٌّ) فِي الْأَعْرَاضِ (فِي النَّوْعِيِّ) فَإِنَّ الْأَفْرَادَ وَإِنْ كَثُرَتْ تُعَدُّ وَاحِدًا بِاتِّحَادِ نَوْعِهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ الْمَطَرِ مَثَلًا فِي مَكَان لَيْسَ إلَّا فَرْدًا مِنْ الْمَطَرِ يُبَايِنُ الْمَوْجُودَ فِي مَكَان آخَرَ بِالشَّخْصِ، وَيُمَاثِلُهُ بِالنَّوْعِ، وَالْكُلُّ يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَطَرٌ حَقِيقَةً لِاشْتِرَاكِ لَفْظِ مَطَرٍ بَيْنَ الْكُلِّيِّ وَالْأَفْرَادِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ مَطَرٍ فِي قَوْلِنَا: مَطَرٌ عَامٌّ لَيْسَ الْمَطَرَ الْكُلِّيَّ بَلْ الدَّاخِلَ فِي الْوُجُودِ مِنْهُ أَخْبَرَ عَنْهُ بِالْعُمُومِ فَالْمُرَادُ بِالضَّرُورَةِ بِمَطَرٍ عَامٍّ أَفْرَادُ مَفْهُومِ مَطَرٍ وُجِدَتْ فِي أَمَاكِنَ مُتَعَدِّدَةٍ كُلُّ فَرْدٍ فِي مَكَانِ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَصَوْتٌ عَامٌّ فِي الشَّخْصِيِّ بِمَعْنَى كَوْنِهِ مَسْمُوعًا) لِلسَّامِعِينَ فَإِنَّهُ أَمْرٌ وَاحِدٌ مُتَعَلِّقٌ لِلِاسْتِمَاعَاتِ (أَجَازَهُ) أَيْ وَصْفَ الْمَعَانِي بِهِ (حَقِيقَةً) نَعَمْ قِيلَ: فِي هَذَا تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ الْحَامِلَ لِلصَّوْتِ إذَا صَادَمَ الْهَوَاءَ الْمُجَاوِرَ لَهُ حَدَثَ فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ الصَّوْتِ فَالْمَسْمُوعُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ اسْتِمَاعُ زَيْدٍ مِثْلُ الْمَسْمُوعِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ اسْتِمَاعُ عَمْرٍو لَا عَيْنُهُ (وَكَوْنُهُ) أَيْ الشُّمُولِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْعُمُومِ (مُقْتَصِرًا عَلَى الذِّهْنِيِّ وَهُوَ) أَيْ الذِّهْنِيُّ (مُنْتَفٍ فَيَنْتَفِي الْإِطْلَاقُ) مُطْلَقًا عَلَيْهِ (مَمْنُوعٌ بَلْ الْمُرَادُ) بِالشُّمُولِ (التَّعْلِيقُ الْأَعَمُّ مِنْ الْمُطَابَقَةِ كَمَا فِي الْمَعْنَى الذِّهْنِيِّ وَالْحُلُولِ كَمَا فِي الْمَطَرِ وَالْخِصْبِ. وَكَوْنُهُ مَسْمُوعًا كَالصَّوْتِ عَلَى أَنَّ نَفْيَ الذِّهْنِيِّ لَفْظِيٌّ كَمَا يُفِيدُهُ اسْتِدْلَالُهُمْ)
أَيْ النَّافِينَ لِلْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ وَهُمْ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ لَاقْتَضَى تَصَوُّرُ الشَّيْءِ حُصُولَهُ فِي الذِّهْنِ فَيَلْزَمُ كَوْنَ الذِّهْنِ حَارًّا إذَا تَصَوَّرَ الْحَرَارَةَ ضَرُورَةُ حُصُولِهَا فِي الذِّهْنِ حِينَئِذٍ، وَلَا مَعْنَى لِلْحَارِّ إلَّا مَا قَامَتْ بِهِ الْحَرَارَةُ وَكَذَا الْحَالُ فِي الْبُرُودَةِ وَالِاعْوِجَاجِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَاجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ إذَا تَصَوَّرَهُمَا مَعًا وَحَكَمَ عَلَيْهِمَا بِالتَّضَادِّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا مِنْهُمْ يُفِيدُ الْقَوْلَ بِنَفْيِ عَيْنِ الْمُتَصَوَّرِ بِمَا لَهُ مِنْ الْآثَارِ وَالْأَحْكَامِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فِي الذِّهْنِ وَهَذَا مِمَّا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ
وَإِنَّمَا الْحَاصِلُ فِي الذِّهْنِ مُجَرَّدُ صُورَةٍ لِلْمُتَصَوَّرِ مَوْجُودَةٍ فِيهِ بِوُجُودٍ ظِلِّيٍّ مُطَابِقَةٍ لِعَيْنِ الْمُتَصَوَّرِ الْخَارِجِيَّةِ حَيْثُ كَانَ لَهُ وُجُودٌ خَارِجِيٌّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ أَيْضًا، وَإِلَّا امْتَنَعَتْ التَّعَقُّلَاتُ (وَقَدْ اُسْتُبْعِدَ هَذَا الْخِلَافُ؛ لِأَنَّ شُمُولَ بَعْضِ الْمَعَانِي لِمُتَعَدِّدٍ أَكْثَرُ وَأَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَقَعَ فِيهِ نِزَاعٌ إنَّمَا هُوَ) أَيْ الْخِلَافُ (فِي أَنَّهُ هَلْ يَصِحُّ تَخْصِيصُ الْمَعْنَى الْعَامِّ كَاللَّفْظِ وَهُوَ) أَيْ هَذَا الِاسْتِبْعَادُ (اسْتِبْعَادٌ يَتَعَذَّرُ فِيهِ الْقَوْلُ الثَّانِي؛ إذْ لَا مَعْنَى لِجَوَازِ التَّخْصِيصِ مَجَازًا نَعَمْ صَرَّحَ مَانِعُو تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ بِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يُخَصُّ وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ) أَيْ نَفَى تَخْصِيصَهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَعْنَى (لَا يُعَمُّ وَهُوَ) أَيْ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يُعَمُّ (يُنَافِي مَا ذَكَرَ) الْمُسْتَبْعِدُ (وَيَتَعَذَّرُ إرَادَةُ أَنَّهُ) أَيْ الْمَعْنَى (يُعَمُّ وَلَا يُخَصُّ مِنْ قَوْلِهِ لَا يُعَمُّ) وَهُوَ ظَاهِرٌ فَلَا يَتَأَتَّى الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِهِ وَقَوْلِ الْمُسْتَبْعِدِ بِهَذِهِ الْإِرَادَةِ لِيُرْتَكَبَ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ
[الْبَحْثُ الثَّانِي هَلْ الصِّيَغُ مِنْ أَسْمَاءِ الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ]
(الْبَحْثُ الثَّانِي هَلْ الصِّيَغُ مِنْ أَسْمَاءِ الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَالْمَوْصُولَاتِ وَ) الْمُفْرَدِ (الْمُحَلَّى) بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ (وَ) النَّكِرَةِ (الْمَنْفِيَّةِ وَالْجَمْعِ) الْمُحَلَّى (بِاللَّامِ) الْجِنْسِيَّةِ (وَالْإِضَافَةِ مَوْضُوعَةٌ لِلْعُمُومِ عَلَى الْخُصُوصِ أَوْ) لِلْخُصُوصِ عَلَى الْخُصُوصِ (مَجَازٌ فِيهِ) أَيْ فِي الْعُمُومِ (أَوْ مُشْتَرَكَةٌ) بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ (وَتَوَقَّفَ الْأَشْعَرِيُّ مَرَّةً كَالْقَاضِي) أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ (وَ) قَالَ
(مَرَّةً بِالِاشْتِرَاكِ) اللَّفْظِيِّ كَجَمَاعَةٍ (وَقِيلَ) الْعُمُومُ (فِي الطَّلَبِ) مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ (مَعَ الْوَقْفِ فِي الْأَخْبَارِ وَتَفْصِيلِ الْوَقْفِ إلَى مَعْنًى لَا نَدْرِي) أَوُضِعَتْ لِلْعُمُومِ أَوْ الْخُصُوصِ أَمْ لَا (وَلَا نَعْلَمُ الْوَضْعَ وَلَا نَدْرِي أَحَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ) أَيْ لَكِنْ لَا نَدْرِي أَنَّهَا وُضِعَتْ لِلْعُمُومِ فَتَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِ أَوْ لَا فَتَكُونُ مَجَازًا فِيهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا حَقِيقَةً فِيهِ لَا نَدْرِي أَنَّهَا وُضِعَتْ لَهُ فَقَطْ فَتَكُونُ مُنْفَرِدَةً أَمْ لَهُ، وَلِلْخُصُوصِ أَيْضًا فَتَكُونُ مُشْتَرَكَةً كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَرَّرَهُ الشَّارِحُونَ.
أَشَارَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ إلَى فَسَادِهِ وَحَقَّقَهُ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ (لَا يَصِحُّ إذْ لَا شَكَّ فِي الِاسْتِعْمَالِ) لِهَذِهِ الصِّيَغِ كَمَا يَذْكُرُهُ (وَبِهِ) أَيْ وَبِالِاسْتِعْمَالِ لَهَا (يُعْلَمُ وَضْعُهُ) أَيْ كُلٍّ مِنْهَا فِي الْجُمْلَةِ (فَلَمْ يَبْقَ إلَّا التَّرَدُّدُ فِي أَنَّهُ) أَيْ الْوَضْعَ لِلْعُمُومِ هُوَ الْوَضْعُ (النَّوْعِيُّ) فَتَكُونُ مَجَازًا فِيهِ (أَوْ الْحَقِيقِيُّ) فَتَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِ (فَيَرْجِعُ) الْأَوَّلُ (إلَى الثَّانِي) لِأَنَّهُ آلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ التَّوَقُّفَ بِمَعْنَى لَا نَدْرِي أَحَقِيقَةٌ فِي الْعُمُومِ أَوْ مَجَازٌ وَهَذَا هُوَ الثَّانِي وَقَدْ أَوْضَحَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا الرَّدَّ بِمَا فِيهِ مَزِيدُ تَحْقِيقٍ لَهُ فَقَالَ: لِأَنَّ الثَّانِيَ إذْ كَانَ حَاصِلُهُ الْعِلْمَ بِالْوَضْعِ مَعَ التَّرَدُّدِ فِي أَنَّهَا أَيْ الصِّيَغَ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ كَانَ الْمُرَادُ بِالْوَضْعِ الْمَعْلُومَ الْأَعَمَّ مِنْ وَضْعِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَبِالضَّرُورَةِ يَكُونُ مُقَابِلُهُ الْأَوَّلَ وَالْمُعَبِّرَ عَنْهُ فَلَا نَدْرِي هُوَ هَذَا الْوَضْعُ بِعَيْنِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ بِمُطْلَقِ الْوَضْعِ الْمُنْقَسِمِ إلَى وَضْعِ الْحَقِيقَةِ وَوَضْعِ الْمَجَازِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِاسْتِعْمَالِ الصِّيَغِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى إذْ لَوْ عُلِمَ الِاسْتِعْمَالُ قُطِعَ بِأَنَّهُ إمَّا حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ فَيُقْطَعُ بِثُبُوتِ الْوَضْعِ الْأَعَمِّ مِنْ وَضْعِ الْحَقِيقَةِ وَوَضْعِ الْمَجَازِ لَهَا، وَكَوْنُ إنْسَانٍ فَضْلًا عَنْ عَالِمٍ لَمْ يَسْمَعْ قَطُّ هَذِهِ الصِّيَغَ اُسْتُعْمِلَتْ لُغَةً، وَلَا شَرْعًا فِي الْعُمُومِ مَعْلُومُ الِانْتِفَاءِ فَلَزِمَ أَنْ لَا تَرَدُّدَ إلَّا فِي كَوْنِهَا حَقِيقَةً فِيهِ أَوْ مَجَازًا فَهُوَ مَحَلُّ الْوَقْفِ وَهُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي (وَلَا تَرَدُّدَ فِي فَهْمِهِ) أَيْ الْعُمُومِ (مِنْ) اسْمِ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَمِنْ الْجَمْعِ الْمُكَسَّرِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» ) كَمَا هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «نَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ» غَيْرَ أَنَّ الْمَحْفُوظَ إنَّا كَمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ لَا نَحْنُ إلَّا أَنَّ مُفَادَهُمَا وَاحِدٌ وَمِنْ الْمُفْرَدِ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] وَمِنْ قَوْله تَعَالَى {لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ} [العنكبوت: 32] فِي اسْمِ الْجَمْعِ الْمُضَافِ وَفَهِمَهُ) أَيْ الْعُمُومَ (الْعُلَمَاءُ قَاطِبَةً) مِنْ اسْمِ الشَّرْطِ كَمَا (فِي: مَنْ دَخَلَ) دَارِي فَهُوَ حُرٌّ وَاسْمِ الِاسْتِفْهَامِ كَمَا فِي (وَمَا صَنَعْت وَمَنْ جَاءَ) حَيْثُ هُمَا (سُؤَالٌ عَنْ كُلِّ جَاءٍ وَمَصْنُوعٍ) وَمِنْ النَّكِرَةِ الْمَنْفِيَّةِ كَمَا فِي (وَلَا تَشْتُمْ أَحَدًا إنَّمَا هُوَ) أَيْ التَّرَدُّدُ (فِي أَنَّهُ) أَيْ الْعُمُومَ (بِالْوَضْعِ) كَقَوْلِ الْعُمُومِ (أَوْ بِالْقَرِينَةِ كَقَوْلِ الْخُصُوصِ)، وَالْقَرِينَةُ (كَالتَّرْتِيبِ) لِلْحُكْمِ (عَلَى) الْوَصْفِ (الْمُنَاسِبِ) أَيْ الْمُشْعِرِ بِعِلِّيَّتِهِ لَهُ (فِي نَحْوِ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] (وَأَكْرِمْ الْعُلَمَاءَ) فَإِنَّ الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ الْقَطْعُ وَالْإِكْرَامُ مُرَتَّبٌ عَلَى وَصْفٍ مُشْعِرٍ بِعِلِّيَّتِهِ لَهُ مِنْ السَّرِقَةِ وَالْعِلْمِ (وَمَثَّلَ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ (تَمْهِيدُ قَاعِدَةٍ) أَيْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْبَيَانِ لِحُكْمٍ كُلِّيٍّ يَنْطَبِقُ عَلَى جُزْئِيَّاتِهِ، وَإِنْ كَانَ جُزْئِيًّا بِاعْتِبَارِ مُتَعَلَّقِهِ الَّذِي اتَّفَقَ وُقُوعُهُ مُتَعَلَّقًا بِهِ (كَرَجْمِ مَاعِزٍ) أَيْ «كَرَجْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَاعِزًا لَمَّا أَقَرَّ بِالزِّنَا وَكَانَ مُحْصَنًا» كَمَا فِي
الصَّحِيحَيْنِ.
(إذْ عُلِمَ أَنَّهُ شَارِعٌ وَحُكْمِيٌّ عَلَى الْوَاحِدِ) أَيْ وَإِذْ عُلِمَ أَنَّهُ قَالَ: حُكْمِيٌّ عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِيٌّ عَلَى الْجَمَاعَةِ كَمَا هُوَ مُشْتَهِرٌ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَلَمْ نَرَهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ لَمْ أَرَ لَهُ سَنَدًا قَطُّ، وَسَأَلْت شَيْخَنَا الْحَافِظَ الْمِزِّيَّ وَشَيْخَنَا الذَّهَبِيَّ فَلَمْ يَعْرِفَاهُ اهـ وَقَدْ جَاءَ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ فَأَخْرَجَ مَالِكٌ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ «عَنْ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رَقِيقَةَ أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نِسْوَةٍ نُبَايِعُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلُمَّ نُبَايِعْك، فَقَالَ: إنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ إنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ» وَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ وَالطَّبَرِيِّ: «إنَّمَا قَوْلِي لِامْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ» وَهُوَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَطَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ بِاللَّفْظَيْنِ فَكَمَا أَنَّ رَجْمَ مَاعِزٍ مُفِيدٌ لِلْعُمُومِ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ حَالُهُ كَحَالِهِ لِكُلٍّ مِنْ هَاتَيْنِ الْقَرِينَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْخُصُوصَ فَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ مُفِيدِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ (أَوْ ضَرُورَةً مِنْ نَفْيِ النَّكِرَةِ) أَيْ أَوْ كَكَوْنِ الْعُمُومِ ثَبَتَ ضَرُورَةً كَمَا فِي نَفْيِ النَّكِرَةِ فَإِنَّهَا حَيْثُ كَانَتْ مَوْضُوعَةً لِفَرْدٍ مُبْهَمٍ كَانَ انْتِفَاؤُهُ بِانْتِفَاءِ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ.
فَكَانَ انْتِفَاءُ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ ضَرُورَةَ انْتِفَائِهِ كَمَا سَيَأْتِي التَّعَرُّضُ لَهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى (وَأَلْزَمُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِوَضْعِهَا لِلْخُصُوصِ وَاسْتُفِيدَ مِنْهَا الْعُمُومُ بِالْقَرَائِنِ (أَنْ لَا يُحْكَمَ بِوَضْعِيٍّ لِلَفْظٍ) عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ؛ إذْ يَتَأَتَّى فِيهِ تَجْوِيزُ كَوْنِهِ فُهِمَ مِنْهُ بِالْقَرَائِنِ لَا بِالْوَضْعِ فَيَنْسَدُّ بَابُ الِاسْتِدْلَالِ بِأَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِكَذَا وَهُوَ مَفْتُوحٌ (إذْ لَمْ يُنْقَلْ قَطُّ عَنْ الْوَاضِعِ) التَّنْصِيصُ عَلَى الْوَضْعِ حَتَّى يَمْتَنِعَ أَنْ يَطْرُقَهُ هَذَا التَّجْوِيزُ (بَلْ أُخِذَ) أَيْ حُكِمَ بِوَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى (مِنْ التَّبَادُرِ) أَيْ تَبَادُرِ الْمَعْنَى (عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) لِلَّفْظِ وَهُوَ مِمَّا لَا يَمْنَعُ التَّجْوِيزَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّهُ تَجْوِيزٌ لَا يَمْنَعُ الظُّهُورَ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ (وَأَيْضًا شَاعَ) وَذَاعَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ (احْتِجَاجُهُمْ) أَيْ الْعُلَمَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا (بِهِ) أَيْ بِالْعُمُومِ مِنْ الصِّيَغِ الْمُدَّعَى كَوْنُهَا لَهُ وَضْعًا (كَعُمَرَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي مَانِعِي الزَّكَاةِ بِ أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنَى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاَللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ. قَالَ عُمَرُ: فَوَاَللَّهِ مَا هُوَ إلَّا أَنْ رَأَيْت اللَّهَ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْت أَنَّهُ الْحَقُّ فَقَدْ فَهِمَ عُمَرُ الْعُمُومَ وَاحْتَجَّ بِهِ وَقَرَّرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعَدَلَ إلَى الِاحْتِجَاجِ فِي الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ إلَّا بِحَقِّهَا (وَأَبِي بَكْرٍ) أَيْ وَكَاحْتِجَاجِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى الْأَنْصَارِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» ) وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ كَمَا وَقَعَ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُونَ وَتَعَقَّبَهُمْ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بِأَنَّهُ لَيْسَ هَذَا اللَّفْظُ مَوْجُودًا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَإِنَّمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي قِصَّةِ السَّقِيفَةِ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ إنَّ الْعَرَبَ لَا تَعْرِفُ هَذَا الْأَمْرَ إلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ نَعَمْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ فِيهِ انْقِطَاعٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِسَعْدٍ يَعْنِي ابْنَ عُبَادَةَ لَقَدْ عَلِمْتَ يَا سَعْدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِقُرَيْشٍ أَنْتُمْ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ. فَلَعَلَّ هَذَا مُسْتَنَدُ مَنْ عَزَا ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرٍ فَذَكَرَهُ بِالْمَعْنَى اهـ.
فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: وَكَاحْتِجَاجِ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ قُرَشِيًّا
بِهِ «وَنَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ» ) أَيْ وَكَاحْتِجَاجِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى مَنْ ظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُورَثُ بِهَذَا وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْمَحْفُوظَ إنَّا لَا نَحْنُ وَأَنَّهُ لَا ضَيْرَ؛ لِأَنَّ مُفَادَهُمَا وَاحِدٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الِاحْتِجَاجَاتِ بِالْعُمُومِ مِنْ الصِّيَغِ الْمُدَّعَى كَوْنُهَا لِلْعُمُومِ وَضْعًا، وَلَوْلَا أَنَّهَا لِلْعُمُومِ لَمَا كَانَ فِيهَا حُجَّةٌ فِي الصُّوَرِ الْجُزْئِيَّةِ وَلَأُنْكِرَ ذَلِكَ فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ (عَلَى وَجْهٍ يَجْزِمُ بِأَنَّهُ) أَيْ الْعُمُومَ (بِاللَّفْظِ) لَا بِالْقَرَائِنِ فَانْتَفَى أَنْ يُقَالَ: الْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ لَا يَنْتَهِضُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ فِي الْأُصُولِ، وَهُوَ إنَّمَا يَنْتَهِضُ فِي الْفُرُوعِ (وَاسْتُدِلَّ) لِلْمُخْتَارِ بِمُزَيَّفٍ، وَهُوَ (أَنَّهُ) أَيْ الْعُمُومَ (مَعْنًى كَثُرَتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّعْبِيرِ عَنْهُ فَكَغَيْرِهِ) أَيْ فَوَجَبَ الْوَضْعُ لَهُ كَمَا وُضِعَ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمَعَانِي الْمُحْتَاجِ إلَى التَّعْبِيرِ عَنْهَا (وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ) وَهُوَ أَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَى التَّعْبِيرِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لَهُ لَفْظٌ مُنْفَرِدٌ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِيقَةِ لِجَوَازِ أَنْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالْمَجَازِ وَالْمُشْتَرَكِ فَلَا يَكُونُ ظَاهِرًا فِي الْعُمُومِ (الْخُصُوصُ لَا عُمُومَ إلَّا لِمُرَكَّبٍ وَلَا وَضْعَ لَهُ) أَيْ لِلْمُرَكَّبِ (بَلْ) الْوَضْعُ (لِمُفْرَدَاتِهِ وَالْقَطْعُ أَنَّهَا) أَيْ الْمُفْرَدَاتِ (لِغَيْرِهِ) أَيْ الْعُمُومِ (فَلَا وَضْعَ لَهُ) أَيْ لِلْعُمُومِ (فَصَدَقَ أَنَّهَا) أَيْ الصِّيَغَ (لِلْخُصُوصِ بَيَانُهُ) أَيْ: لَا عُمُومَ إلَّا لِمُرَكَّبٍ (أَنَّ مَعْنَى الشَّرْطِ وَأَخَوَيْهِ) أَيْ النَّفْيِ وَالِاسْتِفْهَامِ (لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِأَلْفَاظٍ لِكُلٍّ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَلْفَاظِ (وَضْعٌ عَلَى حِدَتِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ) الْعُمُومُ (بِالْمَجْمُوعِ) مِنْهَا (مَثَلًا مَعْنًى مِنْ عَاقِلٍ) وَالْأَوْلَى عَالِمٌ لِوُقُوعِهِ عَلَى الْبَارِي - تَعَالَى (فَيُضَمُّ إلَيْهِ) اللَّفْظُ (الْآخَرُ بِخُصُوصٍ مِنْ النِّسْبَةِ فَيَحْصُلُ) مِنْ الْمَجْمُوعِ (مَعْنَى الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَبِهِمَا الْعُمُومُ وَصَرَّحَ فِي الْعَرَبِيَّةِ بِأَنَّ تَضَمُّنَ مَنْ مَعْنَى الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ طَارِئٌ عَلَى مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ وَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّازِمَ)
مِنْ لَا عُمُومَ إلَّا لِمُرَكَّبٍ (التَّوَقُّفُ عَلَى التَّرْكِيبِ) أَيْ تَوَقُّفُ ثُبُوتِ الْعُمُومِ عَلَى تَرْكِيبِ الْمُفْرَدِ مَعَ غَيْرِهِ (فَلَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ الْمَجْمُوعَ) الْمُرَكَّبَ هُوَ (الدَّالُّ) عَلَى الْعُمُومِ بَلْ جَازَ كَوْنُ الْمُفْرَدِ بِشَرْطِ التَّرْكِيبِ هُوَ الْعَامَّ وَقَبْلَ حُصُولِ الشَّرْطِ لَهُ مَعْنًى وَضْعِيٌّ إفْرَادِيٌّ غَيْرُ مَعْنَى الْعُمُومِ (وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ) بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّالَّ الْمُرَكَّبَ أَوْ جُزْأَهُ بِشَرْطِ التَّرْكِيبِ فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ فِي تَعْرِيفِ الْعَامِّ (وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ قَوْلُ الْوَاضِعِ فِي النَّكِرَةِ) مِنْ حَيْثُ هِيَ جَعَلْتهَا (لِفَرْدٍ) مُبْهَمٍ (يَحْتَمِلُ كُلَّ فَرْدٍ) مُعَيَّنٍ عَلَى الْبَدَلِ (فَإِذَا عُرِفَتْ) لِغَيْرِ عَهْدٍ (فَلِلْكُلِّ ضَرْبَةٌ وَهُوَ) أَيْ وَضْعُهَا هَكَذَا هُوَ (الظَّاهِرُ لِأَنَّا نَفْهَمُهُ) أَيْ الْعُمُومَ (فِي أَكْرِمْ الْجَاهِلَ وَأَهِنْ الْعَالِمَ وَلَا مُنَاسَبَةَ) بَيْنَ الْإِكْرَامِ وَالْجَهْلِ وَبَيْنَ الْإِهَانَةِ وَالْعِلْمِ فَلَمْ يَكُنْ الْعُمُومُ بِالْقَرِينَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي مِثْلِهِ الْمُنَاسَبَةُ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ (فَكَانَ) الْعُمُومُ مَعْنًى (وَضْعِيًّا) لِلَّفْظِ (وَغَايَتُهُ) أَيْ الْأَمْرِ (أَنَّ وَضْعَهُ) أَيْ اللَّفْظِ لِلْعُمُومِ (وَضْعُ الْقَوَاعِدِ اللُّغَوِيَّةِ كَقَوَاعِدِ النَّسَبِ وَالتَّصْغِيرِ، وَأَفْرَادُ مَوْضُوعِهَا) أَيْ الْقَوَاعِدِ (حَقَائِقُ) فَهُوَ مِنْ أَحَدِ نَوْعَيْ الْوَضْعِ النَّوْعِيِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَحْثِ الْمَجَازِ (وَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِ اللَّفْظِ مَوْضُوعًا لِلْعُمُومِ وَضْعًا نَوْعِيًّا (وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي كَوْنِهِ) أَيْ اللَّفْظِ الْعَامِّ (مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا) بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْخُصُوصِ أَيْضًا حَتَّى قَالَ بِهِ بَعْضُهُمْ
(وَالْوَجْهُ أَنَّ عُمُومَ غَيْرِ الْمُحَلَّى) بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ (وَ) غَيْرِ (الْمُضَافِ عَقْلِيٌّ) لَا وَضْعِيٌّ (لِجَزْمِ الْعَقْلِ بِهِ) أَيْ بِالْعُمُومِ (عِنْدَ ضَمِّ الشَّرْطِ وَالصِّلَةِ إلَى مُسَمَّى مَنْ وَهُوَ عَاقِلٌ وَ) مُسَمَّى (الَّذِي وَهُوَ ذَاتٌ فَيَثْبُتُ مَا عُلِّقَ بِهِ) أَيْ بِالْمُسَمَّى (لِكُلِّ مُتَّصِفٍ) بِالْمُسَمَّى (لِوُجُودِ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ) أَيْ لِوُجُودِ الْمَفْهُومِ الَّذِي نِيطَ بِهِ الْحُكْمُ فَالضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِ الْأَوَّلِ رَاجِعٌ إلَى مَا وَمَا عُلِّقَ عَلَيْهِ فَاعِلُ صَدَقَ (وَكَذَا النَّكِرَةُ الْمَنْفِيَّةُ) عُمُومُهَا عَقْلِيٌّ (لِأَنَّ نَفْيَ ذَاتِ مَا) الَّذِي هُوَ مَعْنَاهَا (لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ وُجُودِ
ذَاتٍ) كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا (وَهَذَا) الْعَقْلِيُّ (وَإِنْ لَمْ يُنَافِ الْوَضْعَ) لَهُ أَيْضًا لِإِمْكَانِ تَوَارُدِهِمَا عَلَيْهِ (لَكِنْ يَصِيرُ) الْوَضْعُ لَهُ (ضَائِعًا) لِاسْتِفَادَتِهِ بِدُونِهِ (وَحِكْمَتُهُ) أَيْ الْوَاضِعِ (تُبْعِدُهُ) أَيْ وُقُوعَهُ (كَمَا لَوْ وَضَعَ لَفْظًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى حَيَاةِ لَافِظِهِ) فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا بَعِيدٌ جِدًّا.
(وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَرَبِيَّةَ النَّكِرَةَ الْمَنْفِيَّةَ بِلَا) حَالَ كَوْنِهَا (مُرَكَّبَةً) كَلَا رَجُلَ بِالْفَتْحِ (نَصٌّ فِي الْعُمُومِ وَغَيْرِهَا) أَيْ الْمُرَكَّبَةِ كَلَا رَجُلٌ بِالرَّفْعِ (ظَاهِرٌ) فِي الْعُمُومِ (فَجَازَ) فِي غَيْرِهَا (بَلْ رَجُلَانِ وَامْتَنَعَ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي كَوْنِهَا مُرَكَّبَةً بَلْ رَجُلَانِ (وَبِعِلَّتِهِ) أَيْ بِعِلَّةِ امْتِنَاعِ بَلْ رَجُلَانِ فِي لَا رَجُلَ وَهِيَ النُّصُوصِيَّةُ لِلتَّرْكِيبِ لِتَضَمُّنِ مَعْنَى مِنْ الزَّائِدَةِ (يَلْزَمُ امْتِنَاعُهُ) أَيْ بَلْ رَجُلَانِ (فِي لَا رِجَالَ) لِلتَّرْكِيبِ وَالنُّصُوصِيَّةِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ (فَإِنْ قَالُوا: الْمَنْفِيُّ) فِي لَا رِجَالَ (الْحَقِيقَةُ بِقَيْدِ تَعَدُّدٍ) خَارِجِيٍّ لِأَفْرَادِهَا بِخِلَافِ لَا رَجُلَ فَإِنَّ الْمَنْفِيَّ فِيهِ الْحَقِيقَةُ مُطْلَقًا.
(قُلْنَا: إذَا صَحَّ) فِي الْمُرَكَّبَةِ حَالَ كَوْنِهَا جَمْعًا تَسَلَّطَ النَّفْيُ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِقَيْدِ التَّعَدُّدِ الْخَارِجِيِّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا فَجَازَ بَلْ رَجُلَانِ لِانْتِفَاءِ هَذَا التَّعَدُّدِ (فَلِمَ لَا يَصِحُّ) تَسَلُّطُهُ عَلَيْهَا مُفْرَدَةً (بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ) فَيَجُوزُ بَلْ رَجُلَانِ أَيْضًا لِانْتِفَاءِ هَذَا الْقَيْدِ (كَجَوَازِهِ) أَيْ: بَلْ رَجُلَانِ (فِي الظَّاهِرِ) أَيْ لَا رَجُلٌ بِالرَّفْعِ، وَإِلَّا فَتَحَكُّمٌ فَإِنْ قِيلَ: الْمَانِعُ هُنَا اللُّغَةُ.
قُلْنَا مَمْنُوعٌ كَمَا قَالَ (وَحُكْمُ الْعَرَبِ بِهِ مَمْنُوعٌ) بَلْ هُوَ كَلَامُ الْمُوَلَّدِينَ؛ إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الْعَرَبِ امْتِنَاعُ بَلْ رَجُلَانِ فِي لَا رَجُلٌ وَجَوَازُهُ فِي لَا رِجَالٌ (وَالْقَاطِعُ بِنَفْيِهِ) أَيْ الْحُكْمِ بِهِ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْعَرَبِ لِأَنَّهُ مُؤَنَّثٌ (مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا مِنْ عَامٍّ إلَّا وَقَدْ خُصَّ وَقَدْ خُصَّ) هَذَا أَيْضًا (بِنَحْوِ {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] فَإِنَّ هَذَا لَمْ يُخَصَّ بِشَيْءٍ أَصْلًا لِتَعَلُّقِ عِلْمِهِ بِعَامَّةِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَلَا ضَرَرَ) أَيْ وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» كَمَا رَوَاهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (وَأَوْجَبَ كَثِيرًا مِنْ الضَّرَرِ) بِحَقٍّ مِنْ حَدٍّ وَقِصَاصٍ وَتَعْزِيرٍ وَغَيْرِهَا لِمُرْتَكِبِ أَسْبَابِهَا (وَتَنْتَفِي مُنَافَاتُهُ لِإِطْلَاقِ الْأُصُولِ الْعَامَّ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ) أَيْ وَبِهَذَا الْبَحْثِ الَّذِي أَبْدَاهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَنْتَفِي الْمُنَافَاةُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ وَبَيْنَ إطْلَاقِ الْأُصُولِيِّينَ جَوَازَ تَخْصِيصِ الْعَامِّ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ الْعَقْلُ فِي خُصُوصِ الْمَادَّةِ أَوْ السَّمْعِ الْقَطْعِيِّ نَحْوُ بِكُلٍّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَوَجْهُ الْمُنَافَاةِ أَنَّ التَّخْصِيصَ بَيَانُ أَنَّ بَعْضَ الْأَفْرَادِ لَمْ يُرَدْ بِالْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَامِّ وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِ النَّفْيِ لِلْحَقِيقَةِ وَالْجِنْسِ مُطْلَقًا عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَصِحُّ تَخْصِيصُ هَذَا الْعَامِّ كَمَا لَا يَصِحُّ بَلْ رَجُلَانِ؛ لِأَنَّهُ شَمِلَهُ حُكْمُ النَّفْيِ لِلنُّصُوصِيَّةِ، وَدَخَلَ مُرَادًا فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُرَادٍ
وَحَاصِلُ بَحْثِنَا أَنْ لَا رَجُلَ بِالتَّرْكِيبِ غَايَةُ أَمْرِهِ أَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ لَا رَجُلٌ بِالرَّفْعِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي نَفْيِ الْجِنْسِ قَيْدُ الْوَحْدَةِ فَيُقَالُ بَلْ رَجُلَانِ وَكَوْنُ الْمُرَكَّبَةِ نَصًّا لَا يَحْتَمِلُ تَخْصِيصًا كَالْمُفَسَّرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَمْنُوعٌ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْكَشَّافِ فِي: لَا رَيْبَ فِيهِ قِرَاءَةُ النَّصْبِ تُوجِبُ الِاسْتِغْرَاقَ وَقِرَاءَةُ الرَّفْعِ تُجَوِّزُهُ غَيْرُ حَسَنٍ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْعُمُومَ فِي الرَّفْعِ غَيْرُ مَدْلُولِ اللَّفْظِ بَلْ تَجُوزُ إرَادَتُهُ، وَعَدَمُهَا عَلَى السَّوَاءِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ مُطْلَقًا تُفِيدُ الْعُمُومَ أَطْبَقَ أَئِمَّةُ الْأُصُولِ وَالْفِقْهِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ أَخْذُهُمْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ اللُّغَةِ وَهُمْ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي أَخْذِ الْمَعَانِي مِنْ قَوَالِبِ الْأَلْفَاظِ ثُمَّ إنْ وَجَدْنَا الْمُتَكَلِّمَ لَمْ يُعَقِّبْ الصِّيغَةَ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ حَكَمْنَا بِإِرَادَةِ ظَاهِرِهِ مِنْ الْعُمُومِ وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْعُمُومِ، وَإِنْ ذَكَرَ مَخْرَجًا هُوَ بَلْ رَجُلَانِ عَلِمْنَا أَنَّهُ قَصَدَ النَّفْيَ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ أَوْ مَخْرَجًا آخَرَ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ بِالْعَامِّ بَعْضَهُ نَحْوُ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»
وَأَوْجَبَ الْقَتْلَ وَالضَّرْبَ فِي مَوَاضِعَ وَهُوَ ضَرَرٌ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ وَهُوَ مَعْنَى تَخْصِيصِ الْعَامِّ وَهُوَ بَيَانُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْعَامِّ بَعْضُهُ وَحِينَئِذٍ فَقِرَاءَةُ كُلٍّ مِنْ النَّصْبِ وَالرَّفْعِ تُوجِبُ الِاسْتِغْرَاقَ غَيْرَ أَنَّ إيجَابَ النَّصْبِ أَقْوَى عَلَى مَا يُقَالُ (فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ بَلْ رَجُلَانِ تَخْصِيصٌ) لِلَا رَجُلٌ الْمُرَكَّبِ (مَعَ أَنَّ حَاصِلَهُ) أَيْ لَا رَجُلٌ الْمُرَكَّبِ عَلَى تَقْدِيرِ تَجْوِيزِ بَلْ رَجُلَانِ مَعَهُ (نَفْيُ الْمُقَيَّدِ بِالْوَحْدَةِ فَلَيْسَ عُمُومُهُ إلَّا فِي الْمُقَيَّدِ بِهَا) أَيْ إلَّا فِي رَجُلٍ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ فَلَمْ يَدْخُلْ رَجُلَانِ؛ لِأَنَّهُ بِقَيْدِ التَّعَدُّدِ فَلَا يُتَصَوَّرُ إخْرَاجُهُ فَلَا يَقَعُ تَخْصِيصًا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالتَّخْصِيصِ بِالْمُتَّصِلِ (قُلْنَا التَّخْصِيصُ بِحَسَبِ الدَّلَالَةِ ظَاهِرٌ إلَّا) بِحَسَبِ (الْمُرَادِ) وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ تَخْصِيصٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّ كُلَّ مُخَصِّصٍ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْإِرَادَةِ بِالْعَامِّ وَإِذَا عُرِفَ هَذَا (فَلَا شَكَّ عَلَى) اصْطِلَاحِ (الشَّافِعِيَّةِ) عَلَى أَنَّ التَّخْصِيصَ قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّاهُ فِي أَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ (وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَهُوَ كَالْمُتَّصِلِ) أَيْ: فَبَلْ رَجُلَانِ كَالتَّخْصِيصِ الْمُتَّصِلِ بِاصْطِلَاحِ الشَّافِعِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ مِنْ الْخَمْسَةِ الْآتِيَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَابِ كَذَلِكَ، وَإِلَّا لَوْ تَرَكَ هَذَا الْقَيْدَ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ لَا كَهُوَ (وَالتَّخْصِيصِ بِمُسْتَقِلٍّ) أَيْ لَكِنَّ التَّخْصِيصَ اللَّفْظِيَّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إنَّمَا يَكُونُ بِكَلَامٍ تَامٍّ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ هَذَا تَخْصِيصًا عِنْدَهُمْ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ نَعَمْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ أَنَّ هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ وَصَرَّحَ فِي الْبَدِيعِ بِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَأَنَّ أَكْثَرَهُمْ عَلَى انْقِسَامِهِ إلَى مُسْتَقِلٍّ وَغَيْرِ مُسْتَقِلٍّ فَإِذَنْ إنَّمَا لَا يَكُونُ هَذَا تَخْصِيصًا عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ وَلَعَلَّ كَوْنَهُ تَخْصِيصًا أَوْجَهُ
(قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْخُصُوصِ حَقِيقَةً (الْخُصُوصُ مُتَيَقَّنٌ) إرَادَتُهُ اسْتِقْلَالًا عَلَى تَقْدِيرِ الْوَضْعِ لَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ عَلَى تَقْدِيرِ الْوَضْعِ لِلْعُمُومِ، وَالْعُمُومُ مُحْتَمَلٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوَضْعُ لَهُ وَأَنْ يَكُونَ لِلْخُصُوصِ (فَيَجِبُ) الْخُصُوصُ (وَيُنْفَى الْمُحْتَمَلُ) أَيْ الْعُمُومُ؛ لِأَنَّ الْمُتَيَقَّنَ أَوْلَى مِنْ الْمَشْكُوكِ (وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ) وَهُوَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَثْبُتُ بِالنَّقْلِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَبِأَنَّ الْعُمُومَ أَرْجَحُ) مِنْ الْخُصُوصِ (لِلِاحْتِيَاطِ) لِأَنَّ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْخُصُوصِ مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِ الْعُمُومِ مُرَادًا إضَاعَةَ غَيْرِهِ مِمَّا يَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ عَلَى الْعُمُومِ لِدُخُولِ الْخُصُوصِ فِيهِ، وَالْأَحْوَطُ أَوْلَى قَالَ الْمُصَنِّفُ:(وَفِي هَذَا) الْجَوَابِ (إثْبَاتُهَا) أَيْ اللُّغَةِ (بِالتَّرْجِيحِ) أَيْضًا لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ عَامًّا إذَا وَقَعَ فِي الْخِطَابِ الشَّرْعِيِّ احْتِيَاطًا، وَفِي عَدَمِهِ عَدَمُ الِاحْتِيَاطِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ لِمَعْنَى الْعُمُومِ وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ بِوَضْعِ اللُّغَةِ لِتَرْجِيحِ إرَادَةِ مَعْنًى لِلَّفْظِ فِي الِاسْتِعْمَالِ عَلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ كَتَرْجِيحِ إرَادَتِهِ لِتَحَقُّقِ الِاحْتِيَاطِ عَلَى إرَادَةِ غَيْرِهِ مِمَّا الِاحْتِيَاطُ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ بِالِاحْتِيَاطِ (مَعَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ لَا يَسْتَمِرُّ) فِي الْحَمْلِ عَلَى الْعُمُومِ فِي كُلِّ صُورَةٍ بَلْ فِي الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْخُصُوصِ فِيهِمَا مُخَالَفَةً لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي بَعْضِ مَا أُمِرَ بِهِ وَنُهِيَ عَنْهُ كَأَكْرِمْ الْعُلَمَاءَ، وَلَا تُكْرِمْ الْجُهَّالَ؛ إذْ لَوْ حَمَلَهُمَا عَلَى الْخُصُوصِ فَتَرَكَ إكْرَامَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَإِكْرَامَ بَعْضِ الْجُهَّالِ أَثِمَ أَمَّا فِي الْإِبَاحَةِ فَلَا يَكُونُ الْحَمْلُ عَلَى الْعُمُومِ أَحْوَطَ بَلْ رُبَّمَا كَانَ الْخُصُوصُ أَحْوَطَ كَمَا فِي اشْرَبْ الشَّرَابَ وَكُلْ الطَّعَامَ فَإِنَّهُ إذَا عَمِلَ بِالْعُمُومِ فِيهِمَا أَثِمَ بِتَنَاوُلِ مُحَرَّمٍ مِنْهُمَا فَلَا يَتِمُّ كِلَا الْجَوَابَيْنِ (بَلْ الْجَوَابُ لَا احْتِمَالَ) لِلْوَضْعِ لِلْخُصُوصِ حَقِيقَةً (بَعْدَ مَا ذَكَرْنَا) بَدِيًّا مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُفِيدَةِ لِلْوَضْعِ لِلْعُمُومِ حَقِيقَةً (وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِالْوَضْعِ لِلْخُصُوصِ أَيْضًا بِمَا يُنْسَبُ