الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَقَوْلِ الْمُعَمِّمِينَ بِالصِّيغَةِ (فَانْفَرَدَ التَّعْمِيمُ بِالْعِلَّةِ قَالُوا) أَيْ الْمُعَمِّمُونَ بِالصِّيغَةِ (حُرِّمَتْ الْخَمْرُ؛ لِأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ كَحَرَّمْت الْمُسْكِرَ) فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ وَالثَّانِي يَعُمُّ كُلَّ مُسْكِرٍ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فَكَذَا الْأَوَّلُ. (قُلْنَا) إنَّمَا الْأَوَّلُ مِثْلُ الثَّانِي (فِي عُمُومِ الْحُكْمِ) وَلَا يَسْتَلْزِمُ عُمُومٌ عُمُومَ الْحُكْمِ فِي الْأَوَّلِ (كَوْنُهُ بِالصِّيغَةِ) كَمَا فِي الثَّانِي (لِانْتِفَائِهَا) أَيْ الصِّيغَةِ فِي الْأَوَّلِ وَوُجُودِهَا فِي الثَّانِي
[مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ عَلَى عُمُومِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ]
(مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ عَلَى عُمُومِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ دَلَالَةُ النَّصِّ وَكَذَا إشَارَةُ النَّصِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا دَلَالَةُ اللَّفْظِ، وَاخْتُلِفَ فِي عُمُومِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ عِنْدَ قَائِلِيهِ نَفَاهُ الْغَزَالِيُّ خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ فَقِيلَ) الْخِلَافُ (لَفْظِيٌّ) ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (لِثُبُوتِ نَقِيضِ الْحُكْمِ) لِلْمَنْطُوقِ (فِي كُلِّ مَا سِوَى مَحَلِّ النُّطْقِ اتِّفَاقًا وَمُرَادُ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ) أَيْ الْعُمُومَ (لَمْ يَثْبُتْ) فِي الْأَفْرَادِ الَّتِي تَنَاوَلَهَا الْمَفْهُومُ (بِالْمَنْطُوقِ) بَلْ الْمَفْهُومُ بِوَاسِطَةِ الْمَنْطُوقِ (وَلَا يُخْتَلَفُ فِيهِ) أَيْ فِي أَنَّ ثُبُوتَ نَقِيضِ الْحُكْمِ فِي الْأَفْرَادِ الَّتِي تَنَاوَلَهَا الْمَفْهُومُ لَيْسَ بِالْمَنْطُوقِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ يَرْجِعُ إلَى تَفْسِيرِ الْعَامِّ فَمَنْ فَسَّرَهُ بِمَا يَسْتَغْرِقُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ لَمْ يَكُنْ لِلْمَفْهُومِ عُمُومٌ، وَمَنْ فَسَّرَهُ بِمَا يَسْتَغْرِقُ فِي الْجُمْلَةِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ أَوْ لَا كَانَ لَهُ عُمُومٌ (لَكِنْ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ) فِي الْمُسْتَصْفَى (مَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ قَدْ يَظُنُّ لِلْمَفْهُومِ عُمُومًا وَيَتَمَسَّكُ بِهِ) أَيْ بِعُمُومِهِ (وَفِيهِ) أَيْ وَفِي أَنَّ لَهُ عُمُومًا (نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ لَفْظٌ) تَتَشَابَهُ دَلَالَتُهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمُسَمَّيَاتِ، وَالنَّحْوِيُّ لَيْسَ يَتَمَسَّكُ بِلَفْظٍ بَلْ بِسُكُوتٍ وَقَدْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذَا مُخْتَصَرًا بِقَوْلِهِ:(وَالتَّمَسُّكُ بِالْمَفْهُومِ تَمَسُّكٌ بِسُكُوتٍ) فَإِذَا قَالَ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ فَنَفْيُ الزَّكَاةِ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ لَيْسَ بِلَفْظٍ حَتَّى يَعُمَّ اللَّفْظُ أَوْ يَخُصَّ وَقَوْلُهُ: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] دَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ لَا بِلَفْظِ الْمَنْطُوقِ بِهِ حَتَّى يُتَمَسَّكَ بِعُمُومِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْعُمُومَ لِلْأَلْفَاظِ لَا لِلْمَعَانِي. اهـ (ظَاهِرٌ فِي تَحَقُّقِهِ) أَيْ الْخِلَافِ (وَبِنَائِهِ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْعُمُومَ (مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ خَاصَّةً) فَلَا تَعُمُّ، وَهُوَ قَوْلُهُ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ (أَوَّلًا) مِنْ عَوَارِضِهَا خَاصَّةً فَتَعُمُّ خَاصَّةً كَمَا قَالَ غَيْرُهُ (وَحُقِّقَ تَحَقُّق الْعُمُومِ) فِي الْمَفْهُومِ.
(وَإِنَّ النِّزَاعَ فِي أَنَّهُ) أَيْ الْعُمُومَ (مَلْحُوظٌ لِلْمُتَكَلِّمِ) بِمَنْزِلَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ (فَيُقْبَلُ حُكْمُهُ) أَيْ الْعُمُومِ (مِنْ التَّخْصِيصِ) وَتُجْزِئُ الْإِرَادَةُ (أَوَّلًا) أَيْ أَوْ غَيْرُ مَلْحُوظٍ لَهُ (بَلْ هُوَ لَازِمٌ عَقْلِيٌّ ثَبَتَ تَبَعًا لِمَلْزُومِهِ) ، وَهُوَ الْمَنْطُوقُ (فَلَا يَقْبَلُهُ) أَيْ التَّخْصِيصُ وَالتَّجْزِئَةُ فِي الْإِرَادَةِ؛ لِأَنَّ اللَّازِمَ عَقْلًا لَا مَدْخَلَ لِلْإِرَادَةِ فِيهِ (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهُ لَازِمًا عَقْلِيًّا (مُرَادُ الْغَزَالِيِّ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ وَيُتَمَسَّكُ بِهِ إلَخْ أَيْ فِي إثْبَاتِ حُكْمِهِ ذَلِكَ) فَيَكُونُ الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ فِي بِهِ عَائِدًا عَلَى نَفْسِ الْمَفْهُومِ لَا عَلَى عُمُومِهِ، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا مُسْتَغْنٍ عَنْ قَوْلِهِ إلَى آخِرِهِ، وَإِنَّمَا حُقِّقَ هَذَا وَالْمُحَقِّقُ لَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (لِاسْتِبْعَادِ أَنْ لَا يَثْبُتَ نَقِيضُ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ لِكُلِّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْمَفْهُومُ) . قَالَ الْمُصَنِّفُ:(وَعَلِمَتْ أَنَّ لَفْظَ الْغَزَالِيِّ ظَاهِرٌ فِي خِلَافِهِ) أَيْ هَذَا الْمُحَقِّقِ (وَجَازَ أَنْ يَقُولَ) الْغَزَالِيُّ (بِثُبُوتِ النَّقِيضِ) أَيْ نَقِيضِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ لِمَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْمَفْهُومُ (عَلَى الْعُمُومِ وَيَنْسُبُهُ إلَى الْأَصْلِ لَا لِلْمَفْهُومِ كَطَرِيقِ الْحَنَفِيَّةِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَفْهُومِ (عَلَى مَا تَقَدَّمَ) فِي بَحْثِ الْمَفْهُومِ فَلَمْ يُوجِبْ الْإِثْبَاتَ لِكُلِّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْمَفْهُومُ تَأْوِيلُ لَفْظِهِ بِمَا ذُكِرَ فَيَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ قُلْتُ عَلَى أَنَّ حَمْلَ قَوْلِهِ وَيُتَمَسَّكُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ يَنْبُو عَنْهُ كُلَّ النُّبُوِّ قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ فَلْيُنْظَرْ.
(مَسْأَلَةٌ: قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ فَرْعًا فِقْهِيًّا مَعَ) عِلْمِهِمْ بِالْحَدِيثِ الْحَسَنِ الَّذِي فِي التَّارِيخِ الْأَوْسَطِ لِلْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد رِوَايَةُ أَبِي بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ (قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ
فِي عَهْدِهِ» فَاخْتُلِفَ فِي مَبْنَاهُ) أَيْ هَذَا الْفَرْعِ (فَالْآمِدِيُّ) وَالْغَزَالِيُّ (عُمُومُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الْمَعْطُوفِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ خِلَافًا لَهُمْ) أَيْ لِلشَّافِعِيَّةِ (وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ: بِكَافِرٍ مَعَ ذُو عَهْدٍ، وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُقَدَّرْ (بِكَافِرٍ) بَعْدَ (فِي عَهْدِهِ)(لَمْ يُقْتَلْ) ذُو عَهْدٍ (بِمُسْلِمٍ) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ نَفْيًا لِقَتْلِهِ مُطْلَقًا، وَهُوَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا، وَإِذْ كَانَ عُمُومُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الْمَعْطُوفِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (فَأَمَّا) يَكُونُ (لُغَةً عَلَى مَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ الْمَعْطُوفُ جُمْلَةٌ نَاقِصَةٌ فَيُقَدَّرُ خَبَرُ الْأَوَّلِ فِيهَا تَجَوُّزًا بِهِ) أَيْ بِالْخَبَرِ (عَنْ الْمُتَعَلِّقَاتِ) فَإِنَّ بِكَافِرٍ لَيْسَ بِخَبَرٍ لِمُبْتَدَأٍ بَلْ هُوَ جَارٌّ وَمَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ (فَنَحْو ضَرَبْتُ زَيْدًا يَوْمَ الْجُمُعَة وَعَمْرًا يَلْزَمُ تَقْيِيدَ عَمْرٍو بِهِ) أَيْ ضَرْبِهِ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ (ظَاهِرًا) فَلَا يَضُرُّ الْتِزَامُهُ إذَا أُورِدَ (وَوَجْهُهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِلْزَامِ لُغَةً (أَنَّ الْعَطْفَ لِتَشْرِيكِ الثَّانِي فِي الْمُتَعَلَّقِ) بِفَتْحِ اللَّامِ الْكَائِنِ لِلْعَامِلِ مَعَ الْعَامِلِ (وَهُوَ) أَيْ وَتَشْرِيكُهُ فِيهِ (عَدَمُ قَتْلِهِ) أَيْ ذِي عَهْدٍ (بِكَافِرٍ، وَإِنْ شَرَكَهُ النُّحَاةُ فِي الْعَامِلِ، وَلَمْ يَأْخُذُوا الْقَيْدَ) الْكَائِنَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمَعْطُوفِ أَيْضًا (لَكِنَّ هَذَا) أَيْ التَّشْرِيكَ فِي الْمُتَعَلَّقِ أَيْضًا (حَقٌّ، وَهُوَ لَازِمُهُمْ) أَيْ النُّحَاةِ (فَإِنَّ الْعَامِلَ مُقَيَّدٌ بِالْفَرْضِ فَشَرِكَتُهُ) أَيْ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْعَامِلِ (تُوجِبُ تَقَيُّدَهُ) أَيْ الثَّانِي بِذَلِكَ الْقَيْدِ (مِثْلُهُ) أَيْ الْأَوَّلِ (وَإِمَّا) يَكُونُ (بِمُنْفَصِلٍ شَرْعِيٍّ هُوَ لُزُومُ عَدَمِ قَتْلِ الذِّمِّيِّ بِمُسْلِمٍ لَوْلَاهُ) أَيْ شَرِكَتُهُ مَعَهُ فِي الْمُتَعَلَّقِ (ثُمَّ هُوَ) أَيْ الْكَافِرُ (مَخْصُوصٌ بِالْحَرْبِيِّ لِقَتْلِهِ) أَيْ ذِي الْعَهْدِ (بِالذِّمِّيِّ فَانْتَفَى اللَّازِمُ) ، وَهُوَ عُمُومُ الثَّانِي (فَيَنْتَفِي الْمَلْزُومُ، وَهُوَ عُمُومُ الْأَوَّلِ) فَلَا يُحْمَلُ عَلَى عَدَمِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِكَافِرٍ مُطْلَقًا.
(وَقِيلَ) قَالَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ بَلْ الْجُمْهُورُ عَلَى مَا قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ (تَخْصِيصُ الْمَعْطُوفِ يُوجِبُهُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (وَهَذَا) الْقَوْلُ (لَازِمٌ لِلْأَوَّلِ) الَّذِي قَالَهُ الْآمِدِيُّ (لِأَنَّ تَخْصِيصَهُ) أَيْ الْمَعْطُوفِ (نَفْيُ عُمُومِهِ، وَهُوَ) أَيْ نَفْيُ عُمُومِهِ (انْتِفَاءُ اللَّازِمِ فِي الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّ اللَّازِمَ فِي الْأَوَّلِ هُوَ عُمُومُ الْمَعْطُوفِ (وَنَفْيُ اللَّازِمِ مَلْزُومٌ لِنَفْيِ الْمَلْزُومِ) ، وَهُوَ عُمُومُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ فَيَنْتَفِي عُمُومُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ؛ لِانْتِفَاءِ عُمُومِ الْمَعْطُوفِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ تَخْصِيصَ الْمَعْطُوفِ يُخَصِّصُ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِالتَّعَقُّبِ لِقَوْلِ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذِهِ تِلْكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ بِرَأْسِهَا (وَقَدْ يُقَالُ) فِي تَقْرِيرِ هَذَا تَخْصِيصُ الثَّانِي (يَسْتَلْزِمُ تَخْصِيصَ الْأَوَّلِ بِمَا خُصَّ بِهِ) الثَّانِي (وَلَا شَكَّ أَنَّهُ) أَيْ تَخْصِيصَ الثَّانِي بِالْحَرْبِيِّ (مُرَادٌ) لِئَلَّا يَلْزَمَ مِنْهُ أَنْ لَا يُقْتَلَ ذِمِّيٌّ بِذِمِّيٍّ، وَحَيْثُ يُخَصَّصُ الثَّانِي بِالْحَرْبِيِّ فَالْأَوَّلُ كَذَلِكَ (فَيَصِيرُ الْحَدِيثُ دَلِيلًا لِلْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ الْمَعْنَى لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِحَرْبِيٍّ وَلَا ذِمِّيٌّ بِحَرْبِيٍّ وَيَلْزَمُهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِغَيْرِ حَرْبِيٍّ فَيَدْخُلُ فِي غَيْرِ الْحَرْبِيِّ الذِّمِّيُّ لَكِنْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ قَالُوا بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ) ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ فِي مِثْلِهِ (وَقِيلَ قَلْبُهُ) أَيْ يَسْتَلْزِمُ تَخْصِيصُ الْأَوَّلِ تَخْصِيصَ الثَّانِي (غَيْرَ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلَ (لَا يَصِحُّ مَبْنِيُّ الْفَرْعِ) الْمَذْكُورِ لِعَدَمِ دَلِيلِ الْخُصُوصِ فِي الْأَوَّلِ (نَعَمْ لَا تَلَازُمَ) بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ (فَقَدْ يَعُمَّانِ) أَيْ الْمَعْطُوفَ وَالْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ (وَقَدْ يَعُمُّ أَحَدُهُمَا لَا الْآخَرُ، وَكَوْنُ الْعَطْفِ لِلتَّشْرِيكِ يَصْدُقُ إذَا شَرَّكْت بَعْضَ أَفْرَادِ الْمَعْطُوفِ فِي الْمُقَيَّدِ الْمُتَعَلِّقِ بِكُلِّ الْأَوَّلِ) .
قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَعْنِي لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْعَطْفِ لِلتَّشْرِيكِ فِي الْعَامِلِ الْمُقَيَّدِ اسْتِوَاءُ الْمُتَعَاطِفَيْنِ فِي الْعُمُومِ الصِّرْفِ أَوْ التَّخْصِيصِ بَلْ يَصْدُقُ التَّشْرِيكُ إذَا كَانَ الْمَعْطُوفُ عَامًّا
مَخْصُوصًا تَعَلَّقَ بِهِ مَا تَعَلَّقَ بِالْعَامِّ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ الَّذِي لَمْ يُخَصَّصْ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ بِكُلِّ الْأَوَّلِ وَالْمُرَادُ بِبَعْضِ أَفْرَادِهِ الَّتِي شُرِّكَتْ هِيَ الْبَاقِيَةُ تَحْتَ الْعَامِّ الْمَعْطُوفِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْعَطْفُ مَعَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْطُوفِ شَارَكَ الْمُرَادَ بِالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِيمَا تَعَلَّقَ بِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْمُرَادُ بِالْمُتَعَاطِفِينَ نَفْسِهِمَا (فَظَهَرَ) بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ لَهُمْ (أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يُعَارِضُ آيَاتِ الْقِصَاصِ الْعَامَّةَ، وَإِنْ خُصَّ مِنْهَا الْحَرْبِيُّ لِتَخْصِيصِ كَافِرِ الْأَوَّلِ بِالْحَرْبِيِّ، وَالْمُحَقِّقُونَ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنُ) لَا الْحَرْبِيِّ مُطْلَقًا (لِيُفِيدَ) قَوْلُهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ (إذْ غَيْرُهُ) أَيْ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ، وَهُوَ الْحَرْبِيُّ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْتَأْمَنٍ (مِمَّا عُرِفَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الدِّينِ كَالصَّلَاةِ) أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بِهِ (فَلَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْتَأْمَنِ) كَمَا لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ كَافِرِ الْأَوَّلِ بِهِ مُوجِبٌ لِتَخْصِيصِ كَافِرِ الثَّانِي بِهِ أَيْضًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالظَّاهِرُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ تَخْصِيصَ الْأَوَّلِ بِدَلِيلٍ يُوجِبُهُ فِي الثَّانِي بِعَيْنِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ نَاقِصٌ فَيُقَدَّرُ مَا فِي الْأَوَّلِ فِيهِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ قَتْلِ الذِّمِّيِّ بِالذِّمِّيِّ وَتَخْصِيصُ الثَّانِي بِدَلِيلِهِ يَدُلُّ عَلَى مِثْلِهِ فِي الْأَوَّلِ دَلَالَةً قَرِيبَةً فَلَا يُوجِبُهُ لُغَةً، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ (وَاَلَّذِي فِي هَذِهِ) الْمَسْأَلَةِ (مِنْ مَبَاحِثِ الْعُمُومِ كَوْنُ الْعَطْفِ عَلَى عَامٍّ لِعَامِلِهِ مُتَعَلِّقَ عَامٍّ يُوجِبُ تَقْدِيرَ لَفْظِهِ) أَيْ لَفْظَ الْمُتَعَلِّقِ الْعَامِّ (فِي الْمَعْطُوفِ ثُمَّ يُخَصُّ أَحَدُهُمَا بِخُصُوصِ الْآخَرِ، وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُخَصَّ أَحَدُهُمَا بِخُصُوصِ الْآخَرِ (اخْتَلَفَ الْعَامِلُ وَفِيهِ) أَيْ لُزُومِ اخْتِلَافِهِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ (مَا سَمِعْت) مِنْ عَدَمِ لُزُومِ اتِّحَادِ كَمِّيَّتَيْ الْمُتَعَاطِفَيْنِ فِي الْأَفْرَادِ الْمُتَنَاوَلَةِ، وَأَنَّ اخْتِلَافَهَا لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّا فَرَضْنَا تَقْدِيرَ قَيْدِ الْعَامِلِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا يُنَافِيهِ اخْتِلَافُ كَمِّيَّتِهِمَا إذْ يَصْدُقُ أَنَّهُ شَرَكَ الْمُرَادَ بِأَحَدِهِمَا الْمُرَادَ بِالْآخَرِ فِي الْعَامِلِ الْمُقَيَّدِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا ثُمَّ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَزِيدُ كَلَامٍ لَمْ نُطَوِّلْ بِهِ إيثَارًا لِلِاقْتِصَارِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ مِنْ الْمَرَامِ.
(مَسْأَلَةٌ الْجَوَابُ غَيْرُ الْمُسْتَقِلِّ) عَنْ سُؤَالٍ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُفِيدًا بِدُونِهِ كَنَعَمْ وَلَا (يُسَاوِي السُّؤَالَ فِي الْعُمُومِ اتِّفَاقًا وَفِي الْخُصُوصِ قِيلَ كَذَلِكَ) أَيْ يُسَاوِيهِ فِي الْخُصُوصِ أَيْضًا اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ قِيلَ هَلْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ نَعَمْ كَانَ عَامًّا وَلَوْ قِيلَ هَلْ يَجُوزُ لِي الْوُضُوءُ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ نَعَمْ كَانَ خَاصًّا (وَقِيلَ يَعُمُّ) الْجَوَابُ فِيهِ (عِنْدَ الشَّافِعِيِّ) حَتَّى كَانَ الْجَوَابُ فِيهِ إلَّا عَلَى جَوَازِ التَّوَضُّؤِ بِمَاءِ الْبَحْرِ لِكُلِّ أَحَدٍ (لِتَرْكِ الِاسْتِفْصَالِ) أَيْ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ فِي حِكَايَةِ الْحَالِ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ كَمَا هُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَهَذَا صَرِيحُ كَلَامِ الْآمِدِيِّ وَشَارِحِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ لَكِنَّ الظَّاهِرَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْفَاضِلُ الْأَبْهَرِيُّ أَنَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ ذَهَبَ إلَيْهِ إنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ الْمَحْكِيِّ الْمَذْكُورِ عَنْهُ لِتَنَاوُلِهِ الْجَوَابَ غَيْرَ الْمُسْتَقِلِّ لَكِنَّهُ وَهْمٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ إلَّا فِيمَا هُوَ مُسْتَقِلٌّ وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يُورِدْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي أَمْثِلَتِهِ إلَّا مَا هُوَ مُسْتَقِلٌّ بَلْ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: الْعُمُومُ فَرْعُ اسْتِقْلَالِ الْكَلَامِ بِنَفْسِهِ بِحَيْثُ يُفْرَضُ الِابْتِدَاءُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ سُؤَالٍ فَإِذْ ذَاكَ يَسْتَمْسِكُ بَعْضٌ بِاللَّفْظِ وَآخَرُونَ بِالسَّبَبِ فَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَثْبُتُ الِاسْتِقْلَالُ دُونَ تَقَدُّمِ سُؤَالٍ، وَالسُّؤَالُ خَاصٌّ بِهِ فَالْجَوَابُ تَتِمَّةٌ لَهُ وَكَالْجُزْءِ مِنْهُ وَلَا سَبِيلَ إلَى ادِّعَاءِ الْعُمُومِ بِهِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ وَجْهُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ) أَيْ أَنَّ الْجَوَابَ غَيْرَ الْمُسْتَقِلِّ يَتْبَعُ السُّؤَالَ فِي الْخُصُوصِ (وَلَا مَعْنَى لِلُزُومِ الْعُمُومِ) فِي الْجَوَابِ (لِتَرْكِهِ) أَيْ الِاسْتِفْصَالِ (إلَّا فِي الْأَحْوَالِ وَالْأَوْقَاتِ وَالْمُرَادُ عُمُومُ الْمُكَلَّفِينَ) أَيْ
لَكِنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ الْمُرَادَ عُمُومُ الْجَوَابِ لِلْمُكَلَّفِينَ أَوْ خُصُوصُهُ بِبَعْضِهِمْ (وَالْقَطْعُ أَنَّهُ) أَيْ الْعُمُومَ لِلْمُكَلَّفِينَ (إنْ ثَبَتَ فِي نَحْوِ) نَعَمْ جَوَابًا لِقَوْلِهِ (أَيَحِلُّ لِي كَذَا فَبِقِيَاسٍ) لَهُمْ عَلَيْهِ لِوُجُودِ عِلَّتِهِ فِيهِمْ كَمَا فِيهِ (أَوْ بِنَحْوِ وَحُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ) حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ مِنْ النُّصُوصِ الْمُفِيدَةِ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا (لَا مِنْ نَعَمْ) فَقَطْ، وَهَذَا لَا يُنَافِي خُصُوصَهُ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْخُصُوصِ.
(وَأَمَّا) الْجَوَابُ (الْمُسْتَقِلُّ الْعَامُّ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ فَلِلْعُمُومِ) عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَالْمُرَادُ بِالْمُسْتَقِلِّ مَا يَكُونُ وَافِيًا بِالْمَقْصُودِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ السَّبَبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ سُؤَالًا، نَحْوَ مَا رَوَى أَحْمَدُ وَقَالَ صَحِيحٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ بِئْرٌ تُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَالنَّتْنُ وَلَحْمُ الْكِلَابِ فَقَالَ إنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ وَلَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» أَوْ حَادِثَةٌ كَمَا لَوْ شَاهَدَ مَنْ رَمَى إهَابَ شَاةٍ مَيِّتَةٍ فَقَالَ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) عَلَى مَا نَقَلَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ أَنَّهُ الَّذِي صَحَّ عِنْدِي مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لَكِنَّهُ مَرْدُودٌ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ بِنَصِّهِ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ لَا يَصْنَعُ شَيْئًا إنَّمَا يَصْنَعُهُ الْأَلْفَاظُ وَمَشَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَبَيَّنَ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ فِي مَنَاقِبِهِ، وَهْمَ نَاقِلِ الْأَوَّلِ عَنْهُ بِمَا يُعْرَفُ ثَمَّةَ نَعَمْ قَالَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُزَنِيّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْقَفَّالُ وَالدَّقَّاقُ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَأَبِي الْفَرَجِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ إلَيَّ كَانَ وُقُوعَ حَادِثَةٍ (لَنَا أَنَّ التَّمَسُّكَ بِاللَّفْظِ، وَهُوَ عَامٌّ) وَلَا مَانِعَ مِنْ إجْرَائِهِ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنْ قِيلَ بَلْ ثَمَّ مَانِعٌ، وَهُوَ خُصُوصُ السَّبَبِ قُلْنَا مَمْنُوعٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَخُصُوصُ السَّبَبِ لَا يَقْتَضِي إخْرَاجَ غَيْرِهِ) أَيْ ذِي السَّبَبِ بِالضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي عُمُومَهُ فَكَيْفَ يُخَرَّجُ غَيْرُهُ.
(وَتَمَسَّكَ أَصْحَابُهُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ بِهَا) أَيْ بِالْأَجْوِبَةِ الْعَامَّةِ الْوَارِدَةِ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ (كَآيَةِ السَّرِقَةِ، وَهِيَ فِي رِدَاءِ صَفْوَانَ أَوْ الْمِجَنِّ) كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ رحمه الله بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ التَّفَاسِيرِ أَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ وَجَمَاعَةٌ عَنْ ابْنِ الْكَلْبِيِّ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ابْنِ أُبَيْرِقٍ سَارِقِ الدِّرْعِ الَّذِي ذُكِرَتْ قِصَّتُهُ فِي الْآيَاتِ الَّتِي مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ فِيهَا {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ} [النساء: 108] بَلْ سِيَاقُ قِصَّةِ الْقَطْعِ فِي رِدَاءِ صَفْوَانَ عَلَى مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُوَطَّآتِ يُفِيدُ تَأَخُّرَ وُقُوعِهَا عَنْ نُزُولِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَطَعَ الْمَخْزُومِيَّةَ الَّتِي سَرَقَتْ وَذَلِكَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ كَمَا ثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ إنَّمَا أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ (وَآيَةُ الظِّهَارِ فِي سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيِّ) كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ أَيْضًا وَتَعَقَّبُوهُ بِأَنَّهَا إنَّمَا نَزَلَتْ فِي أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَزَوْجَتِهِ خَوْلَةَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ أَوَّلُ ظِهَارٍ فِي الْإِسْلَامِ بَيْنَ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَامْرَأَتِهِ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ: وَلَيْسَ يَبْعُدُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنْ سِيَاقِ حَدِيثِ «سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ ثُمَّ أُسْنِدَ إلَيْهِ قَالَ كُنْت امْرَأً أُصِيبُ مِنْ النِّسَاءِ مَا لَا يُصِيبُ غَيْرِي فَدَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فَخِفْت أَنْ يَقَعَ مِنِّي شَيْءٌ فِي لَيْلَتِي فَيُتَابَعَ بِي حَتَّى أُصْبِحَ فَظَاهَرْت مِنْ امْرَأَتِي حَتَّى يَنْسَلِخَ الشَّهْرُ فَبَيْنَمَا هِيَ تَخْدُمُنِي إذْ تَكَشَّفَ لِي مِنْهَا شَيْءٌ فَمَا لَبِثْت أَنْ نَزَوْت عَلَيْهَا فَلَمَّا أَصْبَحْتُ خَرَجْت إلَى قَوْمِي فَقَصَصْت عَلَيْهِمْ خَبَرِي وَقُلْت لَهُمْ امْشُوا مَعِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا لَا وَاَللَّهِ مَا نَمْشِي مَعَك إنَّا نَخَافُ أَنْ يَنْزِلَ فِيك الْقُرْآنُ أَوْ يَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيك بِمَقَالَةٍ يَلْزَمُنَا عَارُهَا فَانْطَلَقْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -
فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَنْتَ بِذَاكَ يَا سَلَمَةُ قُلْت أَنَا بِذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنْتَ بِذَاكَ يَا سَلَمَةُ قُلْت أَنَا بِذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنْتَ بِذَاكَ يَا سَلَمَةُ قُلْت أَنَا بِذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاحْكُمْ فِي بِمَا أَرَاك اللَّهُ فَهَا أَنَا ذَا صَابِرٌ نَفْسِي قَالَ أَعْتِقْ رَقَبَةً» ، الْحَدِيثَ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ ثُمَّ قَالَ فَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ قِصَّةُ سَلَمَةَ وَقَعَتْ عَقِبَ قِصَّةِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فِيهِمَا وَذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِ قَوْمِ سَلَمَةَ نَخْشَى أَنْ يَنْزِلَ فِيك قُرْآنٌ فَإِنَّ فِيهِ وَفِي سُؤَالِ سَلَمَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّ آيَةَ الظِّهَارِ لَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ. انْتَهَى.
قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يُبْعِدُهُ تَضَافُرُ الرِّوَايَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ عَلَى أَنَّ زَوْجَةَ أَوْسٍ لَمَّا ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَرِحَتْ أَوْ فَلَمْ تَرِمْ مَكَانَهَا حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَةُ، ثُمَّ الْآيَةُ نَفْسُهَا فَإِنَّهَا مُشِيرَةٌ إلَى أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا مُجَادَلَةُ زَوْجَةِ الْمُظَاهِرِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَشَكْوَاهَا إلَى اللَّهِ وَلَمْ يُنْقَلْ هَذَا كُلُّهُ إلَّا فِي زَوْجَةِ أَوْسٍ ثُمَّ لَيْسَ فِي قَوْلِ قَوْمِ سَلَمَةَ نَخْشَى أَنْ يَنْزِلَ فِيك قُرْآنٌ وَلَا فِي سُؤَالِ سَلَمَةَ إشَارَةٌ رَاجِحَةٌ إلَى أَنَّ آيَةَ الظِّهَارِ لَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ وَلَا بِظَاهِرٍ أَيْضًا أَنَّ الْمَخْشِيَّ وُقُوعَهُ مِنْ النُّزُولِ كَانَ بَيَانَ حُكْمِ الظِّهَارِ وَلَا مِنْ الْبَعِيدِ أَنْ يَكُونَ الْمَخْشِيُّ نُزُولَهُ فِيهِ هُوَ التَّوْبِيخَ لَهُ وَنَحْوَهُ، وَمِنْ ثَمَّةَ أَرْدَفُوهُ بِقَوْلِهِمْ أَوْ يَتَكَلَّمُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيك بِمَقَالَةٍ يَلْزَمُنَا عَارُهَا وَلَا أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ قَدْ نَزَلَتْ وَخَفِيَ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ حُكْمُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مُبَادَرَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَى بَيَانِ الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ انْتِظَارِ الْوَحْيِ وَلَا التَّوَقُّفِ فِيهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(وَآيَةُ اللِّعَانِ فِي هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَوْ عُوَيْمِرٍ) كَمَا كِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَسِيَاقُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى «عُوَيْمِرٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَاصِمٍ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ سَلْ لِي عَنْ ذَلِكَ يَا عَاصِمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّ عَاصِمًا سَأَلَهُ فَكَرِهَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْهُ وَأَنَّ عُوَيْمِرًا قَالَ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَجَاءَهُ فِي وَسَطِ النَّاسِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ قَدْ أُنْزِلَ فِيك وَفِي صَاحِبَتِكَ فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا قَالَ سَهْلٌ فَتَلَاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» فَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ عَاصِمًا لَمَّا سَأَلَ لِعُوَيْمِرٍ تَخَلَّلَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ عُوَيْمِرٍ بِنَفْسِهِ قِصَّةُ هِلَالٍ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فَلَمَّا جَاءَ عُوَيْمِرٌ قِيلَ لَهُ قَدْ أُنْزِلَ فِيك وَفِي صَاحِبَتِك بِاعْتِبَارِ شُمُولِ الْآيَةِ كُلَّ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ. اهـ.
قُلْت: وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا كُلٌّ مِنْهُمَا ثُمَّ قَوْلُ أَنَسٍ كَانَ أَوَّلُ مَنْ لَاعَنَ فِي الْإِسْلَامِ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ الْحَدِيثَ، يُفِيدُ أَنَّ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَى الْآيَةِ كَانَ فِي هِلَالٍ قَبْلَ عُوَيْمِرٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَالُوا: لَوْ كَانَ) الْجَوَابُ عَامًّا لِلسَّبَبِ وَغَيْرِهِ (لَجَازَ تَخْصِيصُ السَّبَبِ بِالِاجْتِهَادِ) مِنْ عُمُومِ الْجَوَابِ كَغَيْرِهِ مِنْ أَفْرَادِهِ لِتَسَاوِيهَا فِي الْعُمُومِ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ (وَأُجِيبَ) بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ (بِأَنَّهُ) أَيْ تَخْصِيصَ السَّبَبِ بِالِاجْتِهَادِ (خُصَّ مِنْ جَوَازِ التَّخْصِيصِ لِلْقَطْعِ بِدُخُولِهِ) أَيْ الْفَرْدِ السَّبَبِيِّ فِي إرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ قَطْعًا (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِيهَا (لَمْ يَكُنْ) الْجَوَابُ (جَوَابًا) لَهُ، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَا بُعْدَ أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ خَاصٍّ فَيَصِيرُ كَالنَّصِّ فِيهِ وَالظَّاهِرُ فِي غَيْرِهِ فَيُمْكِنُ إخْرَاجُ غَيْرِهِ دُونَهُ.
(وَأُجِيبَ أَيْضًا بِمَنْعِ بُطْلَانِ اللَّازِمِ) ، وَهُوَ جَوَازُ تَخْصِيصِ السَّبَبِ بِالِاجْتِهَادِ (فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَخْرَجَ وَلَدَ الْأَمَةِ) الْمَوْطُوءَةِ (مِنْ عُمُومِ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» ) فَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ إلَّا بِدَعْوَاهُ (مَعَ وُرُودِهِ) أَيْ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» (فِي وَلِيدَةِ زَمْعَةَ) وَكَانَتْ أَمَةً مَوْطُوءَةً لَهُ وَلَا بَأْسَ بِسَوْقِهِ إيضَاحًا لِلْمَرَامِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ إلَيْكَ فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدٌ فَقَالَ ابْنُ أَخِي عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ أَخِي وَابْنُ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَتَسَاوَقَا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ. ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةِ بِنْتِ زَمْعَةَ احْتَجِبِي مِنْهُ لَمَّا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ فَمَا رَآهَا حَتَّى لَحِقَ بِاَللَّهِ تَعَالَى» (وَلَيْسَ) هَذَا الْجَوَابُ (بِشَيْءٍ) دَافِعٌ لِدَلِيلِ الْمُخَصِّصِينَ (فَإِنَّ السَّبَبَ الْخَاصَّ وَلَدُ زَمْعَةَ وَلَمْ يُخْرِجْهُ) مِنْ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» (فَالْمُخْرِجُ نَوْعُ السَّبَبِ) ، وَهُوَ وَلَدُ الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ (مَخْصُوصًا مِنْهُ) أَيْ نَوْعِ السَّبَبِ (السَّبَبُ) الْخَاصُّ، وَهُوَ وَلَدُ زَمْعَةَ (وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ) أَيْ أَبَا حَنِيفَةَ (لَمْ يُخْرِجْ نَوْعَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا مَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةِ (لَيْسَتْ بِفِرَاشٍ فَالْفِرَاشُ الْمَنْكُوحَةُ) ، وَهِيَ الْفِرَاشُ الْقَوِيُّ يَثْبُتُ فِيهِ النَّسَبُ بِمُجَرَّدِ الْوِلَادَةِ وَلَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ (وَأُمُّ الْوَلَدِ) ، وَهِيَ فِرَاشٌ ضَعِيفٌ إنْ كَانَتْ حَائِلًا فَيَجُوزُ تَزْوِيجُهَا، وَفِرَاشٌ مُتَوَسِّطٌ إنْ كَانَتْ حَامِلًا فَيَمْتَنِعُ تَزْوِيجُهَا، وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا بِلَا دَعْوَةٍ وَيَنْتَفِي بِمُجَرَّدِ نَفْيِهِ فِي الْحَالَيْنِ، وَهَذَا أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْفُرُشُ ثَلَاثَةٌ: قَوِيٌّ، وَهِيَ الْمَنْكُوحَةُ. وَمُتَوَسِّطٌ، وَهِيَ أُمُّ الْوَلَدِ. وَضَعِيفٌ، وَهِيَ الْأَمَةُ الْمَوْطُوءَةُ الَّتِي لَمْ يَثْبُتْ لَهَا أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ (وَإِطْلَاقُ الْفِرَاشِ عَلَى وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ بَعْدَ قَوْلِ عَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْأَمَةِ مُطْلَقًا فِرَاشًا لِجَوَازِ كَوْنِهَا) أَيْ وَلِيدَةَ زَمْعَةَ (كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَقَدْ قِيلَ بِهِ) أَيْ بِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ (وَدَلَّ عَلَيْهِ بِلَفْظِ وَلِيدَةٍ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ عَلَى أَنَّهُ مُنِعَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَثْبَتَ نَسَبَهُ لِقَوْلِهِ هُوَ لَك) أَيْ مِيرَاثٌ مِنْ أَبِيك وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَقُلْ هُوَ أَخُوكَ وَمَا فِي رِوَايَةِ هُوَ أَخُوك يَا عَبْدُ فَمُعَارَضَةٌ بِهَذِهِ، وَهَذِهِ أَرْجَحُ؛ لِأَنَّهَا الْمَشْهُورَةُ الْمَعْرُوفَةُ.
(وَقَوْلُهُ: «احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ» ) إذْ لَوْ كَانَ أَخَاهَا شَرْعًا لَمْ يَجِبْ احْتِجَابُهَا مِنْهُ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ «وَأَمَّا أَنْتِ فَاحْتَجِبِي مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَك بِأَخٍ» (قَالُوا لَوْ عَمَّ) الْجَوَابُ فِي السَّبَبِ وَغَيْرِهِ (كَانَ نَقْلُ الصَّحَابَةِ السَّبَبَ بِلَا فَائِدَةٍ) إذْ لَا فَائِدَةَ لَهُ سِوَى التَّخْصِيصِ (وَهُوَ) أَيْ وَنَقْلُهُمْ السَّبَبَ بِلَا فَائِدَةٍ (بَعِيدٌ) ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُمْ لَا يَعْتَنِي بِنَقْلِ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ (أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ) أَيْ السَّبَبِ (لِيَمْنَعَ تَخْصِيصَهُ) بِالِاجْتِهَادِ (أَجَلُّ فَائِدَةً، وَنَفْسُ مَعْرِفَةِ الْأَسْبَابِ لِيَحْتَرِزَ عَنْ الْأَغَالِيطِ) . فَائِدَةٌ: أَيْضًا (قَالُوا لَوْ قَالَ لَا أَتَغَدَّى جَوَابُ تَغَدَّ عِنْدِي لَمْ يَعُمَّ) قَوْلُهُ " أَتَغَدَّى " كُلَّ تَغَدٍّ وَنُزِّلَ عَلَى التَّغَدِّي عِنْدَهُ (إذْ لَمْ يُعَدَّ كَاذِبًا بِتَغَدِّيهِ عِنْدَ غَيْرِهِ أُجِيبَ بِأَنَّ تَخْصِيصَهُ) لِعُمُومِ كُلَّ تَغَدٍّ (يُعْرَفُ فِيهِ) ، وَهُوَ عُرْفُ الْمُحَاوَرَةِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَغَدَّى عِنْدَهُ (لَا بِالسَّبَبِ) وَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْ الدَّلِيلِ لِمَانِعٍ لَا يَقْدَحُ فِيهِ فَانْتَفَى قَوْلُ زُفَرَ بِعُمُومِهِ، حَتَّى لَوْ كَانَ حَالِفًا عَلَى ذَلِكَ حَنِثَ، وَلَوْ زَادَ عَلَى الْجَوَابِ الْيَوْمَ ثُمَّ تَغَدَّى عِنْدَ غَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا إذَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَحْنَثُ لِظُهُورِ إرَادَةِ الِابْتِدَاءِ دُونَ الْجَوَابِ حَمْلًا لِلزِّيَادَةِ عَلَى الْإِفَادَةِ دُونَ الْإِلْغَاءِ نَعَمْ إنْ نَوَى الْجَوَابَ صُدِّقَ دِيَانَةً لِاحْتِمَالِهِ.
(قَالُوا: لَوْ عَمَّ) الْجَوَابُ السَّبَبَ الْمَسْئُولَ عَنْهُ وَغَيْرَهُ (لَمْ يَكُنْ) الْجَوَابُ (مُطَابِقًا) لِلسُّؤَالِ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ خَاصٌّ، وَالْجَوَابُ عَامٌّ، وَأَنَّهُ يَجِبُ نَفْيُ مِثْلِهِ عَنْ الشَّارِعِ (قُلْنَا) الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ بَلْ (طَابَقَ) الْجَوَابُ السُّؤَالَ بِكَشْفِهِ عَنْ مَعْنَاهُ وَتَبْيِينِ حُكْمِهِ (وَزَادَ) عَلَيْهِ مَا لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ، وَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ وَكَيْفَ لَا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: