المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة الخطاب الذي يعم العبيد لغة] - التقرير والتحبير على كتاب التحرير - جـ ١

[ابن أمير حاج]

فهرس الكتاب

- ‌[خِطْبَة الْكتاب]

- ‌[الْمُقَدِّمَةُ أَرْبَعَة أُمُور]

- ‌[الْأَمْرُ الْأَوَّل مَفْهُومُ اسْم هَذَا الْعِلْمِ وَهُوَ لَفْظُ أُصُولِ الْفِقْهِ]

- ‌[الْأَمْر الثَّانِي مَوْضُوع أُصُولِ الْفِقْهِ]

- ‌[الْأَمْر الثَّالِثُ الْمُقَدِّمَاتُ الْمَنْطِقِيَّةُ مَبَاحِثُ النَّظَرِ]

- ‌[الْأَمْرُ الرَّابِعُ اسْتِمْدَاد عِلْم أُصُولُ الْفِقْهِ]

- ‌[الْمَقَالَةُ الْأُولَى فِي الْمَبَادِئِ اللُّغَوِيَّةِ]

- ‌[الْمَقَامُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ مَعْنَى اللُّغَةِ]

- ‌[الْمَقَامُ الثَّانِي فِي بَيَانِ سَبَبِ وَضْعِ لُغَاتِ الْأَنَاسِيِّ]

- ‌[الْمَقَامُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ وَاضِعِ اللُّغَةُ]

- ‌[الْمَقَامُ الرَّابِعُ هَلْ يُحْكَمُ بِاعْتِبَارِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ اللَّفْظِ وَمَعْنَاهُ الْمَوْضُوعِ لَهُ]

- ‌[الْمَقَامُ الْخَامِسُ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعَ لَهُ اللَّفْظُ]

- ‌[الْمَقَامُ السَّادِسُ فِي بَيَانِ طُرُقِ مَعْرِفَةِ اللُّغَاتِ]

- ‌[الْمَقَامُ السَّابِعُ الْقِيَاسَ هَلْ يَجْرِي فِي اللُّغَةِ]

- ‌[الْمَقَامُ الثَّامِنُ فِي تَقْسِيمِ اللَّفْظِ إلَى مهمل ومستعمل]

- ‌[بَيَانِ الْأَقْسَامِ اللَّاحِقَةِ لِلَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ]

- ‌[أَقْسَام الْمُفْرَدِ وَالْمُرَكَّبِ]

- ‌[أَقِسَام اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي انْقِسَامِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي انْقِسَامِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ]

- ‌[انْقِسَامِ دَلَالَةُ اللَّفْظ إلَى الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ]

- ‌[أَقْسَام الْمَفْهُومُ]

- ‌[التَّقْسِيمُ الثَّانِي فِي اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ دَلَالَتِهِ]

- ‌[التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ لِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ الْخَفَاء فِي الدَّلَالَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ مُقَايَسَتِهِ إلَى مُفْرَدٍ آخَرَ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ مَدْلُولِهِ]

- ‌[التَّقْسِيمُ الْأَوَّلُ تَعَدَّى الْمُفْرَدِ إِلَيَّ كُلِّي وجزئي]

- ‌[التَّقْسِيمُ الثَّانِي مَدْلُولُ المفرد إمَّا لَفْظٌ كَالْجُمْلَةِ وَالْخَبَرِ أَوْ غَيْرُهُ]

- ‌[التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ تَقْسِيم اللَّفْظَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ وَالصِّيغَةِ]

- ‌[مباحث الْعَامُّ]

- ‌[الْبَحْثُ الْأَوَّلُ هَلْ يُوصَفُ بِالْعُمُومِ الْمَعَانِي الْمُسْتَقِلَّةُ كَالْمُقْتَضَى وَالْمَفْهُومِ]

- ‌[الْبَحْثُ الثَّانِي هَلْ الصِّيَغُ مِنْ أَسْمَاءِ الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ]

- ‌[الْبَحْثُ الثَّالِثُ لَيْسَ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ عَامًّا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَيْسَ الْعَامُّ مُجْمَلًا]

- ‌[الْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ صِيغَةِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ هَلْ يَشْمَلُ النِّسَاءَ وَضْعًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ الْمُشْتَرَكُ عَامٌّ اسْتِغْرَاقِيٌّ فِي مَفَاهِيمِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ خِطَابِ الْوَاحِدِ لَا يَعُمُّ غَيْرَهُ لُغَةً]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْخِطَابِ الَّذِي يَعُمُّ الْعَبِيدَ لُغَةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ عَلَى عُمُومِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ]

- ‌[الْبَحْثُ الرَّابِعُ الِاتِّفَاقُ عَلَى إطْلَاقِ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ عَلَى الْخَاصِّ وَعَلَى احْتِمَالِهِ]

- ‌[الْبَحْثُ الْخَامِسُ يَرِدُ عَلَى الْعَامِّ التَّخْصِيصُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَغْرِقُ]

- ‌[مَسْأَلَة شَرْطُ إخْرَاجِهِ أَيْ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَقَّبَ الِاسْتِثْنَاءُ جُمَلًا مُتَعَاطِفَةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا خُصَّ الْعَامُّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ بِمُجْمَلٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقَائِلُونَ بِالْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ خَصُّوا بِهِ الْعَامَّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعَادَةِ وَهِيَ الْأَمْرُ الْمُتَكَرِّرُ مِنْ غَيْرِ عَلَاقَةٍ عَقْلِيَّةٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ أَيْ الْعَامِّ]

- ‌[مَسْأَلَةُ رُجُوعِ الضَّمِيرِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْعَامِّ إلَى الْبَعْضِ مِنْ أَفْرَادِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ تَّخْصِيصُ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ مُنْتَهَى التَّخْصِيصِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ إذَا اخْتَلَفَ حُكْمُ مُطْلَقٍ وَمُقَيَّدِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ صِيغَةُ الْأَمْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْوُجُوبِ لِصِيغَةِ الْأَمْرِ حَقِيقَةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَبَادُرِ كَوْنِ الصِّيغَةِ فِي الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ مَجَازًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الصِّيغَة أَيْ الْمَادَّة بِاعْتِبَارِ الْهَيْئَة الْخَاصَّةِ لِمُطْلَقِ الطَّلَبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْفَوْر للأمر ضروري لِلْقَائِلِ بِالتَّكْرَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْآمِرُ لِشَخْصٍ بِالْأَمْرِ لِغَيْرِهِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ آمِرًا لِذَلِكَ الْمَأْمُورِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَاقَبَ أَمْرَانِ غَيْرُ مُتَعَاطِفَيْنِ بِمُتَمَاثِلَيْنِ فِي مَأْمُورٍ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالنَّفْسِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَلَّقَ النَّهْيُ بِالْفِعْلِ]

الفصل: ‌[مسألة الخطاب الذي يعم العبيد لغة]

عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمُهُ عَلَى الْجَمَاعَةِ (حَتَّى حَكَمُوا عَلَى غَيْرِ مَاعِزٍ بِمَا حَكَمَ بِهِ) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الرَّجْمِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَاعِزٍ حَتَّى قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه خَشِيتُ أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ حَتَّى يَقُولَ قَائِلٌ لَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ أَلَا وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى وَقَدْ أُحْصِنَ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ أَيْضًا «رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَرَجَمَ عَلِيٌّ رضي الله عنه أَيْضًا كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، وَحَكَوْا عَلَى ذَلِكَ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِإِجْمَاعِهِ (وَلِعُمُومِ الرِّسَالَةِ بِقَوْلِهِ) «صلى الله عليه وسلم بُعِثْت إلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَأَبُو دَاوُد لَكِنْ بِتَقْدِيمِ الْأَحْمَرِ عَلَى الْأَسْوَدِ أَيْ إلَى الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَقِيلَ إلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: 28] إذَا كَانَ هَذَا مُرَادَ الْحَنَابِلَةِ (فَكَلَامُ الْخِلَافِيِّينَ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (كَاَلَّتِي قَبْلَهَا) مِنْ حَيْثُ عَدَمِ التَّوَارُدِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ.

وَلِلشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيّ هُنَا كَلَامٌ يَزِيدُ هَذَا الْمَقَامَ وُضُوحًا لَا بَأْسَ بِذِكْرِهِ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ التَّعْمِيمَ مِنْ جِهَةِ وَضْعِ الصِّيغَةِ لُغَةً وَلَا أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَحْكُمْ بِالتَّعْمِيمِ حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ التَّخْصِيصُ بَلْ الْحَقُّ أَنَّ التَّعْمِيمَ مُنْتَفٍ لُغَةً ثَابِتٌ شَرْعًا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَلَا أَعْتَقِدُ أَنَّ أَحَدًا يُخَالِفُ فِي هَذَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَدَّ الْخِلَافُ إلَى أَنَّ الْعَادَةَ هَلْ تَقْضِي بِالِاشْتِرَاكِ بِحَيْثُ يَتَبَادَرُ فَهْمُ أَهْلِ الْعُرْفِ إلَيْهَا أَوَّلًا فَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ لَا قَضَاءَ لِلْعَادَةِ فِي ذَلِكَ كَمَا لَا قَضَاءَ لِلُّغَةِ، وَإِنَّمَا الْخَلْقُ فِي الشَّرْعِ شَرَعٌ، وَهُمْ يَقُولُونَ الْعَادَةُ تَقْضِي بِذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ أَنَّ الْمُخَالِفِينَ اسْتَدَلُّوا بِأَنَّ عَادَةَ أَهْلِ اللِّسَانِ يُخَاطِبُونَ الْوَاحِدَ وَيُرِيدُونَ الْجَمَاعَةَ، وَهُوَ يُرْشِدُ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْ يَرُدُّ إلَى أَنَّهُ هَلْ صَارَ عُرْفُ الشَّرْعِ أَنَّ الْوَاحِدَ إذَا خُوطِبَ فَالْمُرَادُ الْجَمَاعَةُ فَكَأَنَّهُ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ أَوْ لَا فَهُمْ يَقُولُونَ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَقَرَّ مِنْ الشَّرْعِ اسْتِوَاءُ النَّاسِ فِي شَرْعِهِ كَانَ خِطَابُ الْوَاحِدِ خِطَابًا مَعَ الْكُلِّ وَكَأَنَّهُ إذَا قَالَ يَا زَيْدُ قَائِلٌ يَا أَيُّهَا النَّاسُ وَيَكُونُ الدَّالُّ عَلَى مَعْنَى النَّاسِ لَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا النَّاسُ بِوَضْعِ اللُّغَةِ وَالثَّانِي زَيْدٌ إذَا تَقَدَّمَ مِنْ اللَّافِظِ بِهِ أَنَّهُ إذَا أَنْطَقَ بِهِ أَرَادَ بِهِ النَّاسَ كُلَّهُمْ.

وَإِذَا كَانَ الشَّارِعُ هُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْهُ هَذَا الْقَوْلُ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا صَارَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فَمَعْنَى النَّاسِ يَدُلُّ عَلَى لَفْظِهِ لُغَةً وَشَرْعًا، وَلَفْظُ يَا زَيْدُ شَرْعًا وَنَحْنُ نَقُولُ يَا زَيْدُ بَاقٍ عَلَى دَلَالَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ سَوَاءٌ سَبَقَ قَبْلَ ذِكْرِهِ مِنْ قَائِلِهِ أَنَّ حُكْمَ غَيْرِهِ حُكْمُهُ أَمْ لَا، وَهُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ لَمْ يَضَعْ يَا زَيْدُ لِلنَّاسِ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ صَيْرُورَتُهُمْ مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةُ الْخِطَابِ الَّذِي يَعُمُّ الْعَبِيدَ لُغَةً]

(مَسْأَلَةُ الْخِطَابِ الَّذِي يَعُمُّ الْعَبِيدَ لُغَةً) كَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 104](هَلْ يَتَنَاوَلُهُمْ شَرْعًا فَيَعُمُّهُمْ حُكْمُهُ؟ . الْأَكْثَرُ نَعَمْ وَقِيلَ لَا وَالرَّازِيُّ الْحَنَفِيُّ) يَتَنَاوَلُهُمْ شَرْعًا فَيَعُمُّهُمْ حُكْمُهُ (فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ) ثُمَّ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ لَا كَلَامَ فِي أَنَّ مِثْلَ النَّاسِ إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ حُكْمًا يَحْتَاجُ فِي قِيَامِهِ بِهِ إلَى صَرْفِ زَمَانٍ يَتَنَاوَلُهُمْ بَلْ فِيمَا إذَا تَضَمَّنَ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِقِيَامِ مُهِمَّاتِ السَّادَاتِ (وَحَاصِلُهُ) أَيْ هَذَا الْخِلَافِ (أَنَّ الْخِلَافَ فِي إرَادَتِهِمْ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ وَعَدَمِهَا) أَيْ إرَادَتِهِمْ بِهِ (وَاسْتِدْلَالِ النَّافِي) لِتَنَاوُلِهِمْ (بِمَا ثَبَتَ شَرْعًا مِنْ كَوْنِ مَنَافِعِهِ مَمْلُوكَةً لِسَيِّدِهِ فَلَوْ تَنَاوَلَهُمْ نَاقَضَ) أَحَدُهُمَا الْآخَرَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُكَلَّفًا بِصَرْفِهَا إلَى سَيِّدِهِ، وَإِلَى غَيْرِهِ (دَلِيلُ عَدَمِ الْإِرَادَةِ) أَيْ إرَادَتِهِمْ شَرْعًا بِهِ، وَهَذَا خَبَرُ اسْتِدْلَالِ النَّافِي (وَأَمَّا قَوْلُهُمْ) أَيْ النَّافِينَ (خَرَجَ) الْعَبْدُ (وَمِنْ نَحْوِ الْجِهَادِ وَالْجُمُعَةِ

ص: 226

وَالْحَجِّ) وَالتَّبَرُّعَاتِ وَبَعْضِ الْأَقَارِيرِ مَعَ صَلَاحِيَّةِ الْخِطَابِ بِمُفِيدِهَا لِتَنَاوُلِهِمْ (فَلَوْ كَانَ دَاخِلًا أَيْ مُرَادًا كَانَ تَخْصِيصًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ (فَتَجُوزُ بِالتَّخْصِيصِ عَنْ النَّسْخِ) إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنْ لَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ خَرَجَ مِنْ الْجِهَادِ إلَّا لَمْ يُرِدْ بِخِطَابِهِ فَلَوْ كَانَ دَاخِلًا فِيهِ وَعَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ لَوْ كَانَ مُرَادًا مِنْهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحْرَارِ كَانَ خُرُوجًا مِنْ هَذَا الْخِطَابِ نَسْخًا؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ بَعْدَ الْإِرَادَةِ فَقَوْلُهُمْ كَانَ تَخْصِيصًا أَخَفُّ الْأَحْوَالِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ تَجَوُّزًا أَوْ تَسَاهُلًا وَحِينَئِذٍ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْجَوَابُ بِأَنَّ خُرُوجَهُ بِدَلِيلٍ يَلْزَمُ أَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ يُرِدْ لِدَلِيلٍ فَضْلًا عَنْ إرَادَتِهِ ثُمَّ نَسْخُهُ) أَيْ الْحُكْمِ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْعَبْدِ (وَحَاصِلُهُ أَنَّ اللَّازِمَ التَّخْصِيصُ الِاصْطِلَاحِيُّ بِدَلِيلِهِ لَا النَّسْخُ) .

يَعْنِي أَنَّ اللَّازِمَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ دُخُولِهِمْ فِي الْإِرَادَةِ لَيْسَ إلَّا التَّخْصِيصُ الِاصْطِلَاحِيُّ، وَهُوَ بَيَانُ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ الْعَامِّ لَمْ يَكُنْ مُرَادًا مِنْهُ وَاللَّازِمُ مِنْ الدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرُوهُ حَيْثُ قَالُوا خَرَجَ فَلَوْ أُرِيدَ كَانَ تَخْصِيصًا غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُرِيدَ ثُمَّ أُخْرِجَ يَكُونُ نَسْخًا لَا تَخْصِيصًا فَقَوْلُ مَنْ قَالَ تَخْصِيصًا خَطَأٌ عَلَى مَا هُوَ تَرْكِيبُ الدَّلِيلِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ يُجَابُ بِأَنَّهُ إذَا قَامَ دَلِيلُ الْإِخْرَاجِ فَلَا مَحِيصَ عَنْ الْعَمَلِ بِهِ وَقَدْ قَامَ فَكَانَ خُرُوجُهُمْ تَخْصِيصًا لَهُمْ عَنْ الْعَامِّ بِدَلِيلِهِ وَبِهِ ثَبَتَ أَنَّهُمْ لَمْ يُرَادُوا بِالْعَامِّ ابْتِدَاءً فَضْلًا عَنْ أَنَّهُمْ أُرِيدُوا ثُمَّ نُسِخَ عَنْهُمْ كَمَا يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ الدَّلِيلُ أَوْ أَنَّهُمْ خَصُّوا وَالتَّخْصِيصُ خِلَافُ الْأَصْلِ بَلْ خُصُّوا وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَصْلِ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَقَدْ يُقَرَّرُ) الْوَجْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَكَذَا (دَلَّ)(عَلَى عَدَمِ إرَادَتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (فِي بَعْضِهَا) أَيْ الْأَحْكَامِ (وَعَلَيْهَا فِي بَعْضِهَا) أَيْ وَعَلَى إرَادَتِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ (فَالْمُثْبَتُ يُعْتَبَرُ بِالتَّنَاوُلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مُطَابَقَتُهُ) أَيْ التَّنَاوُلِ (الْإِرَادَةَ وَالنَّافِي عَرْضُ الِاشْتِرَاكِ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَتَوَقَّفَ دُخُولُهُمْ إلَى الدَّلِيلِ أَوْ قَامَ) الدَّلِيلُ (عَلَى عَدَمِهَا) أَيْ الْإِرَادَةِ (وَهُوَ) أَيْ الدَّلِيلُ الْقَائِمُ عَلَى عَدَمِهَا (مَالِكِيَّةُ السَّيِّدِ لَهَا) أَيْ مَنَافِعِهِ.

(وَالرَّازِيُّ يَمْنَعُهُ) أَيْ عَدَمَ إرَادَتِهِمْ (فِي حُقُوقِهِ) تَعَالَى (وَالدَّلِيلُ) عَلَى إرَادَتِهِمْ فِيهَا (الْأَكْثَرِيَّةُ) فَإِنَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْعَبْدِ مِنْ أَحْكَامِ الْخِطَابِ الَّتِي فِي حَقِّ اللَّهِ أَكْثَرُ مِمَّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ فِيهَا فَنِسْبَةُ دُخُولِهِ إلَى الْأَكْثَرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللُّغَةِ، وَخُرُوجُهُ إلَى الْأَقَلِّ كَمَا هُوَ خِلَافُ ظَاهِرِهَا أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْمُخَالَفَةِ الظَّاهِرَةِ (فَوَجَبَ التَّفْصِيلُ) بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ وَغَيْرِهِ (وَانْتَظَمَ مَنْعُ عُمُومِ مَمْلُوكِيَّةِ مَنَافِعِهِ) لِلسَّيِّدِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ بَلْ قَدْ اسْتَثْنَى وَقْتَ تَضَايُقِ الْعِبَادَاتِ حَتَّى لَوْ أَمَرَهُ السَّيِّدُ فِي آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ حِينَ تَضَايَقَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَطَاعَهُ لَفَاتَتْهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَعَدَمُ صَرْفِ مَنْفَعَتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى السَّيِّدِ وَلَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ اسْتِخْدَامُهُ فِيهِ (فَانْدَفَعَ الْأَوَّلُ) أَيْ التَّنَاقُضُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ مَنَافِعِهِ لِمَالِكِهِ، وَتَنَاوَلَ الْخِطَابُ لَهُ؛ لِاخْتِلَافِ الْوَقْتَيْنِ فَتَرَجَّحَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةُ خِطَابِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - الْعَامِّ كَيَا عِبَادِي يَا أَيُّهَا النَّاسُ شَمِلَهُ صلى الله عليه وسلم إرَادَتُهُ كَمَا تَنَاوَلَهُ لُغَةً عِنْدَ الْأَكْثَرِ) مُطْلَقًا أَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ مَصْدَرًا بِالْقَوْلِ صَرِيحًا أَوْ غَيْرَ صَرِيحٍ كَبَلِّغْ أَوَّلًا، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِشَمْلِهِ إرَادَتَهُ (وَقِيلَ لَا) يَشْمَلُهُ إرَادَتُهُ (لِأَنَّ كَوْنَهُ) صلى الله عليه وسلم (مُبَلِّغَهُ) أَيْ الْخِطَابِ لِلْأُمَّةِ (مَانِعٌ) مِنْ ذَلِكَ، وَإِلَّا كَانَ مُبَلِّغًا وَمُبَلَّغًا بِخِطَابٍ وَاحِدٍ (وَلِذَا) الْمَانِعُ مِنْ شُمُولِ إرَادَتِهِ بِالْخِطَابِ الْمَذْكُورِ (خَرَجَ) صلى الله عليه وسلم (مِنْ أَحْكَامٍ عَامَّةٍ) أَيْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا (كَسُنِّيَّةِ الضُّحَى) فَإِنَّهَا مَنْدُوبَةٌ لِلْأُمَّةِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَشْبَهِ وَقَدْ ذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ

ص: 227

أَعْيَانِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ إلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَالْأَوْجَهُ عَدَمُهُ فَإِنَّ الْخُصُوصِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ مَفْقُودٌ بَلْ وَجَاءَ مِمَّا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ مَا يُعَارِضُهُ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ وَقَدْ نَقَلَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يُدَاوِمُ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى مَخَافَةَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَى الْأُمَّةِ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا، وَكَانَ يَفْعَلُهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ.

(وَحِلُّ أَخْذِ الصَّدَقَةِ) فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ تَنْزِيهًا لَهُ وَتَشْرِيفًا فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ أَوْسَاخُ النَّاسِ وَأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» وَلَا يَقْدَحُ فِي الِاخْتِصَاصِ تَحْرِيمُهَا عَلَى آلِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ فَالْخَاصَّةُ عَائِدَةٌ إلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ مَانِعٌ مِنْ حِلِّ الْأَخْذِ (وَالزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ) أَيْ وَحِلُّ تَزَوُّجِهِ بِمَا فَوْقَ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى التِّسْعِ فَإِنَّهُ مَاتَ عَنْ تِسْعٍ كَمَا رَوَاهُ الْحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّينِ عَنْ أَنَسٍ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَارَةِ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَيْفَ لَا، وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ «مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ حَتَّى أُحِلَّ لَهُ مِنْ النِّسَاءِ مَا شَاءَ وَزَادَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ إلَّا ذَاتُ مَحْرَمٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ. (وَالْجَوَابُ الْمُبَلِّغُ جِبْرِيلُ عليه السلام لِلْأَحْكَامِ الْعَامَّةِ إلَى وَاحِدٍ مِنْ الْعِبَادِ مَشْمُولًا بِهَا لِيُسْمِعَهُمْ إيَّاهَا) ، وَهُوَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ حَاكٍ تَبْلِيغَ جِبْرِيلَ الْخِطَابَ الَّذِي هُوَ دَاخِلٌ فِيهِ (فَلَا مُوجِبَ لِخُرُوجِهِ، وَهُوَ مَشْمُولٌ بِهِ لُغَةً فَمَا تَحَقَّقَ خُرُوجُهُ مِنْهُ لَزِمَ كَوْنُهُ لِدَلِيلٍ خَاصٍّ فِيهِ، فَتَفْصِيلُ الْحَلِيمِيِّ) وَالصَّيْرَفِيِّ (بَيْنَ أَنْ يَكُونَ) الْخِطَابُ الْعَامُّ (مُتَعَلِّقَ قَوْلٍ كَقُلْ يَا عِبَادِي فَيَمْنَعُ) شُمُولُهُ إيَّاهُ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقَ قَوْلٍ (فَلَا) يَمْنَعُ (مُنْتَفٍ) لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَجَابَ فِي الْبَدِيعِ بِأَنَّ جَمِيعَ الْخِطَابَاتِ الْوَارِدَةِ مُقَدَّرَةٌ بِنَحْوِ قُلْ قَالَ الْفَاضِلُ الْكَرْمَانِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ بَحْثًا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَبْلِيغِ مَا أَنُزِلَ إلَيْهِ وَالْمُقَدَّرُ كَالْمَلْفُوظِ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ: وَرُدَّ بِالْمَنْعِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَيْسَ الْمُقَدَّرُ كَالْمَلْفُوظِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةُ الْخِطَابِ الشَّفَاهِيِّ كَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 104] لَيْسَ خِطَابًا لِمَنْ بَعْدَهُمْ) أَيْ لِلْمَعْدُومِينَ الَّذِينَ سَيُوجَدُونَ بَعْدَ الْمَوْجُودِينَ فِي زَمَانِ الْخِطَابِ (وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ) أَيْ الْخِطَابِ الشَّفَاهِيِّ (لَهُمْ) أَيْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ (بِخَارِجٍ) مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ (دَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ خِطَابٍ عُلِّقَ بِالْمَوْجُودِينَ حُكْمًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ وَأَبُو الْيُسْرِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: هُوَ) أَيْ الْخِطَابُ الشَّفَاهِيُّ (خِطَابٌ لَهُمْ) أَيْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ أَيْضًا (لَنَا الْقَطْعُ بِعَدَمِ التَّنَاوُلِ) أَيْ تَنَاوُلِ الْخِطَابِ الشَّفَاهِيِّ لَهُمْ (لُغَةً) قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: وَإِنْكَارُهُ مُكَابَرَةٌ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ: وَهُوَ حَقٌّ (قَالُوا لَمْ تَزَلْ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ فِي الْأَعْصَارِ يَسْتَدِلُّونَ بِهِ) أَيْ الْخِطَابِ الشَّفَاهِيِّ (عَلَى الْمَوْجُودِينَ) فِي أَعْصَارِهِمْ مَعَ كَوْنِهِمْ مَعْدُومِينَ فِي زَمَانِ الْخِطَابِ، وَهُوَ إجْمَاعٌ عَلَى الْعُمُومِ لَهُمْ (أُجِيبَ لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ) أَيْ اسْتِدْلَالِهِمْ بِهِ عَلَيْهِمْ (لِتَنَاوُلِهِمْ) أَيْ لِتَنَاوُلِ الْخِطَابِ الشَّفَاهِيِّ إيَّاهُمْ (لِجَوَازِ كَوْنِهِ) أَيْ اسْتِدْلَالِهِمْ بِهِ عَلَيْهِمْ (لِعِلْمِهِمْ) أَيْ الْعُلَمَاءِ (بِثُبُوتِ حُكْمِ مَا تَعَلَّقَ بِمَنْ قَبْلَهُمْ) أَيْ بِالْمَوْجُودِينَ وَقْتَ الْخِطَابِ (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ فَيُذْكَرُ لِبَيَانِ عُمُومِ الْحُكْمِ لَهُمْ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ لِأُولَئِكَ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى الْمُشَارَكَةِ فِي الْحُكْمِ وَالدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ فِي الْخِطَابِ.

(وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ) أَيْ الْحَنَابِلَةِ (لَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ) الْخِطَابُ الشَّفَاهِيُّ (بِهِمْ) أَيْ بِمَنْ بَعْدَ الْمَوْجُودِينَ وَقْتَئِذٍ (لَمْ يَكُنْ) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم -

ص: 228

(مُرْسَلًا إلَيْهِمْ) وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِرْسَالِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَهُ بَلِّغْ أَحْكَامِي وَلَا تَبْلِيغَ إلَّا بِهَذِهِ الْعُمُومَاتِ، وَأَمَّا انْتِفَاءُ اللَّازِمِ فَبِالْإِجْمَاعِ (فَظَاهِرُ الضَّعْفِ) لِلْمَنْعِ الظَّاهِرِ لِكَوْنِهِ لَا تَبْلِيغَ إلَّا بِهَذِهِ الْعُمُومَاتِ الَّتِي هِيَ خِطَابُ الْمُشَافَهَةِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي التَّبْلِيغِ الْمُشَافَهَةُ، وَأَنَّهُ يَحْصُلُ بِحُصُولِهِ لِلْبَعْضِ شِفَاهًا وَلِلْبَعْضِ بِنَصْبِ الدَّلَائِلِ وَالْأَمَارَاتِ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الَّذِينَ شَافَهَهُمْ.

(وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا نُصِرَ الْخِطَابُ فِي الْأَزَلِ لِلْمَعْدُومِ) ، وَهُوَ مَسْأَلَةُ تَكْلِيفِ الْمَعْدُومِ الْآتِيَةِ صَدَرَ الْفَصْلُ الرَّابِعُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي نَصْرُهُ فِيهَا كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَشَاعِرَةِ وَالْأَزَلُ مَا لَا أَوَّلَ لَهُ (وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّظْمَ الْقُرْآنِيَّ يُحَازِي دَلَالَةً) أَيْ مِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةِ الْمَعْنَى (الْقَائِمِ بِهِ تَعَالَى قَوِيَ قَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَابِلَةِ بَلْ قَالَ الْعَلَّامَةُ: ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْعُمُومَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ: وَهُوَ قَرِيبٌ (وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّعَلُّقَ فِي الْأَزَلِ يَدْخُلُهُ مَعْنَى التَّعْلِيقِ عَلَى مَا عُرِفَ) مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَعْدُومَ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يُوجَدُ بِشَرَائِطِ التَّكْلِيفِ يُوَجَّهُ عَلَيْهِ حُكْمٌ فِي الْأَزَلِ بِمَا يَفْهَمُهُ وَيَفْعَلُهُ فِيمَا لَا يَزَالُ. (وَالْكَلَامُ فِي النَّظْمِ الْخَالِي عَنْهُ) أَيْ عَنْ مَعْنَى التَّعْلِيقِ، وَهُوَ تَوْجِيهُ الْكَلَامِ اللَّفْظِيِّ إلَى الْغَيْرِ لِلتَّفْهِيمِ، وَهَذَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ وُجُودِ الْمُخَاطَبِ فَيَقْوَى قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَيَبْعُدُ كَوْنُ الْحَقِّ عُمُومَ التَّنَاوُلِ لَفْظًا بِالضَّرُورَةِ الدِّينِيَّةِ وَقُرْبِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةُ الْمُخَاطِبِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ (دَاخِلٌ فِي عُمُومِ مُتَعَلِّقِ خِطَابِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ مِثْلُ) قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام: 101] وَأَكْرِمْ مَنْ أَكْرَمَك وَلَا تُهِنْهُ) فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ عَالِمٌ بِذَاتِهِ وَالْآمِرُ النَّاهِي إذَا أَكْرَمَ غَيْرَهُ كَانَ الْغَيْرُ مَأْمُورًا بِإِكْرَامِهِ مَنْهِيًّا عَنْ إهَانَتِهِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ (وَقِيلَ كَوْنُهُ) أَيْ الْمُتَكَلِّمِ (الْمُخَاطَبَ يُخْرِجُهُ) مِنْ ذَلِكَ (وَالْجَوَابُ مَنْعُ الْمُلَازَمَةِ، وَأَمَّا اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَمَخْصُوصٌ بِالْعَقْلِ) ، وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ قَرَّرَ وَجْهًا لِلْمَانِعِينَ لِدُخُولِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ دَاخِلًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ تَعَالَى خَالِقًا لِنَفْسِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16] وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ وَكُلٌّ مِنْ وَجْهِ الْمُلَازَمَةِ وَبُطْلَانِ اللَّازِمِ ظَاهِرٌ، وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ مَخْصُوصًا بِمَا سِوَاهُ تَعَالَى لَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِهِ عَقْلًا؛ لِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى امْتِنَاعِ خَلْقِ الْقَدِيمِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنِ دُخُولِهِ فِي الْعُمُومِ بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ وَخُرُوجِهِ عَنْهُ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ.

قُلْتُ: عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْمُعِينِ النَّسَفِيَّ شَنَّعَ عَلَى الْقَائِلِ بِهَذَا وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ خُرُوجَ مَا يُوجِبُ ظَاهِرَ اللَّفْظِ بِقَضِيَّةِ اللُّغَةِ دُخُولُهُ فِيهِ هُوَ التَّخْصِيصُ دُونَ خُرُوجِ مَا لَا يَقْتَضِي ظَاهِرُ اللَّفْظِ دُخُولَهُ فِيهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا لَكِنْ عِنْدَ ذِكْرِ الْأَشْيَاءِ لَا يُفْهَمُ دُخُولُهُ فِيهِ ثُمَّ وَجَّهَ ذَلِكَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الشَّيْءَ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ، وَهُوَ لَا عُمُومَ لَهُ وَعِنْدَ تَعَيُّنِ الْبَعْضِ مُرَادًا يَخْرُجُ مَا وَرَاءَهُ مِنْ حُكْمِ الْخِطَابِ وَلَا يُعَدُّ تَخْصِيصًا وَقَدْ تَعَيَّنَ الْبَعْضُ الَّذِي هُوَ الْحَادِثُ وَقَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ: الشَّيْءُ يَخْتَصُّ بِالْمَوْجُودِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ شَاءَ أُطْلِقَ بِمَعْنَى شَاءَ تَارَةً وَحِينَئِذٍ يَتَنَاوَلُ الْبَارِي تَعَالَى كَمَا قَالَ {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ} [الأنعام: 19] وَبِمَعْنَى مُشِيءٍ أُخْرَى أَيْ مُشِيءٌ وُجُودَهُ وَمَا شَاءَ اللَّهُ وُجُودَهُ فَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْجُمْلَةِ وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 20]{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16] فَهُمَا عَلَى عُمُومِهِمَا بِلَا مَثْنَوِيَّةٍ وَالْمُعْتَزِلَةُ لَمَّا قَالُوا الشَّيْءُ مَا يَصِحُّ أَنْ يُوجَدَ، وَهُوَ يَعُمُّ الْوَاجِبَ وَالْمُمْكِنَ أَوْ مَا يَصِحُّ أَنْ يُعْلَمَ وَيُجْبَرَ عَنْهُ فَيَعُمُّ الْمُمْتَنِعَ أَيْضًا لَزِمَهُمْ التَّخْصِيصُ بِالْمُمْكِنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ انْتَهَى، وَحِينَئِذٍ فَالتَّشَبُّثُ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِلْمَانِعِينَ إنَّمَا يَتَّجِهُ

ص: 229

عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا غَيْرُ، وَحِينَئِذٍ يُجَابُونَ بِالْجَوَابِ الْمَذْكُورِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ.

(مَسْأَلَةُ الْعَامِّ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ كَ {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: 13] {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 14] (يَعُمُّ) اسْتِعْمَالًا كَمَا هُوَ عَامٌّ مَوْضِعًا (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ حَتَّى مَنَعَ بَعْضُهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ (الِاسْتِدْلَالَ بِ {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] الْآيَةَ (عَلَى وُجُوبِهَا) أَيْ الزَّكَاةِ (فِي الْحُلِيِّ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْآيَةِ إلْحَاقُ الذَّمِّ بِمَنْ يَكْنِزُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لَا بَيَانُ التَّعْمِيمِ، وَإِثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ الْمُتَنَاوَلَاتِ اللُّغَوِيَّةِ (لَنَا عَامٌّ بِصِيغَتِهِ) مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ (قَالُوا: عُهِدَ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَدْحِ وَالذَّمِّ (ذِكْرُ الْعَامِّ مَعَ عَدَمِ إرَادَتِهِ) أَيْ الْعُمُومِ (مُبَالَغَةً) فِي الْحَثِّ عَلَى الطَّاعَةِ وَالزَّجْرِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ. (وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا) أَيْ الْمُبَالَغَةَ (لَا تُنَافِيهِ) أَيْ الْعُمُومَ (إذَا كَانَتْ) الْمُبَالَغَةُ (لِلْحَثِّ بِخِلَافِ نَحْو قَتَلْتُ النَّاسَ كُلَّهُمْ) مِمَّا لَمْ يُقْصَدْ فِيهِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْحَثِّ بَلْ قُصِدَتْ مُطْلَقًا فَإِنَّ الْعُمُومَ قَدْ يُنَافِيهِ، هَذَا وَقَالَ السُّبْكِيُّ لَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ مَقْصُورَةً عَلَى مَا سِيقَ لِلْمَدْحِ أَوْ الذَّمِّ بَلْ هِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَا سَبَقَ لِغَرَضٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ مِثْلُ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] لَا يُوجِبُهُ) أَيْ الْأَخْذَ (مِنْ كُلِّ نَوْعٍ) مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ (عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَغَيْرِهِ) كَالْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ (خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ لَهُ) أَيْ الْكَرْخِيِّ (يَصْدُقُ بِأَخْذِ صَدَقَةٍ) وَاحِدَةٍ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِهِمْ (أَنَّهُ أَخَذَ صَدَقَةً مِنْ أَمْوَالِهِمْ) ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِأَخْذِهِ صَدَقَةٌ مَا، إذْ هِيَ نَكِرَةٌ مُثْبَتَةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْوَالِ وَمَهْمَا أَخَذَ مِنْ مَالٍ وَاحِدٍ ذَلِكَ صَدَقَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ الْأَمْوَالِ لِكَوْنِ الْمَالِ جُزْأَهَا، وَإِذَا صَدَقَ ذَلِكَ فَقَدْ امْتَثَلَ (وَهُمْ) أَيْ الْأَكْثَرُ (يَمْنَعُونَهُ) أَيْ صَدَقَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً بِأَخْذِ صَدَقَةٌ وَاحِدَةٍ مِنْهَا (لِأَنَّهُ) أَيْ لَفْظَ أَمْوَالٍ (جَمْعٌ مُضَافٌ فَالْمَعْنَى مِنْ كُلِّ مَالٍ) صَدَقَةٍ (فَيَعُمُّ) الْمَأْخُوذَ (بِعُمُومِهِ) أَيْ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ (أُجِيبَ عُمُومُ كُلٍّ تَفْصِيلِيٍّ) أَيْ لِاسْتِغْرَاقِ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدًا مُفَصَّلًا (بِخِلَافِ الْجَمْعِ) فَإِنَّ عُمُومَهُ اسْتِغْرَاقِيٌّ مِنْ غَيْرِ قَيْدِ التَّفْصِيلِ (لِلْفَرْقِ الضَّرُورِيِّ بَيْنَ لِلرِّجَالِ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِكُلِّ رَجُلٍ) عِنْدِي دِرْهَمٌ حَتَّى يَلْزَمَ فِي الْأَوَّلِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ لِلْجَمِيعِ وَفِي الثَّانِي دَرَاهِمُ بِعِدَّةِ الرِّجَالِ (وَهَذَا) الْجَوَابُ (يُشِيرُ إلَى أَنَّ اسْتِغْرَاقَ الْجَمْعِ الْمُحَلَّى لَيْسَ كَالْمُفْرَدِ) ، وَإِلَّا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا بِهَذَا الْفَرْقِ (وَهُوَ) أَيْ وَكَوْنُ اسْتِغْرَاقِهِ لَيْسَ كَالْمُفْرَدِ (خِلَافُ الْمَنْصُورِ بَلْ هُوَ) أَيْ الْجَمْعُ الْمُحَلَّى فِي الْعُمُومِ (كَالْمُفْرَدِ) كَمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ.

(وَإِنْ صَحَّ إرَادَةُ الْمَجْمُوعِ بِهِ) أَيْ بِالْجَمْعِ الْمُحَلَّى (لَا كُلُّ فَرْدٍ بِالْقَرِينَةِ) الْمُعَيَّنَةِ لَهَا كَهَذِهِ الدَّارُ لَا تَسَعُ الرِّجَالَ لِلْعِلْمِ بِاتِّسَاعِهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ لَا لِلْمَجْمُوعِ كَمَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْحَقِيقَةُ بِالْقَرِينَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَهَا كَفُلَانٍ يَرْكَبُ الْخَيْلَ وَيَا هِنْدُ لَا تُكَلِّمِي الرِّجَالَ فَقَوْلُهُ بِالْقَرِينَةِ مُتَعَلِّقٌ بِصَحَّ (وَقَدْ يُنْصَرُ) كَوْنُ اسْتِغْرَاقِ الْجَمْعِ الْمُحَلَّى لَيْسَ كَالْمُفْرَدِ (بِالْفَرْقِ بَيْنَ: لِلْمَسَاكِينِ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِلْمِسْكِينِ) عِنْدِي دِرْهَمٌ عِنْدَ قَصْدِ الِاسْتِغْرَاقِ بِهِ بِتَبَادُرِ إرَادَةِ الْمَجْمُوعِ فِي الْجَمْعِ وَكُلُّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ فِي الْمُفْرَدِ (قَبْلَ مُلَاحَظَةِ اسْتِحَالَةِ انْقِسَامِهِ) أَيْ الدِّرْهَمِ (عَلَى الْكُلِّ) الْمُوجِبَةِ لِانْتِفَاءِ إرَادَةِ اسْتِغْرَاقِ كُلِّ جَمْعٍ جَمْعٌ فِي الْجَمْعِ، وَمِنْ هُنَا قَالَ الْفَاضِلُ الْأَبْهَرِيُّ فِي تَقْرِيرِ الْفَرْقِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى: أَنَّهُ لَيْسَ لِأَجْلِ أَنَّ اسْتِغْرَاقَ كُلِّ وَاحِدٍ زَائِدٌ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ بَلْ لِأَجْلِ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِمَّا يَشْتَمِلُ عَلَى الْأَنْوَاعِ الْمُخْتَلِفَةِ الْحَقَائِقِ فَلَمْ يُقْصَدْ لِجَمْعِهِ الْأَنْوَاعَ، وَاللَّامُ الدَّاخِلَةُ فِيهِ لِجِنْسِ الْجَمْعِ لَا لِاسْتِغْرَاقِ الْمَجْمُوعِ لِمَا عَرَفْت أَنَّ اللَّامَ

ص: 230

مَوْضُوعَةٌ لِلْإِشَارَةِ إلَى الْحَقِيقَةِ، وَالِاسْتِغْرَاقُ إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ الْمَقَامِ، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَحُمِلَتْ اللَّامُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَلَمَّا لَمْ تَتَحَقَّقْ الْحَقِيقَةُ إلَّا فِي ضِمْنٍ جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهَا حُمِلَ الرِّجَالُ هُنَا عَلَى أَقَلِّ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ كَمَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] عَلَى مَرْتَبَةٍ تَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ كَمَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ فِي الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ. اهـ. وَقَدْ عَرَفْت مَا فِي بَعْضِ هَذَا فِيمَا تَقَدَّمَ.

(وَبِتَبَادُرِ صِدْقِ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ أَخْذِ صَدَقَةٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى أَخْذِ صَدَقَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهَا (فَالْحَقُّ أَنَّ عُمُومَهَا) أَيْ الْجُمُوعِ (مَجْمُوعِيٌّ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ إفْرَادَ الْجَمْعِ الْعَامِّ الْوُحْدَانُ) كَمَا سَلَفَ فِي أَوَائِلِ الْكَلَامِ فِي الْعَامِّ (فَإِنَّهُ) أَيْ ذَاكَ (لَا يُنَافِيهِ) أَيْ هَذَا (وَلُزُومُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ أَوْ مُطْلَقًا) أَيْ شَرْعِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (لِكُلٍّ) مِنْ الْآحَادِ فِيهِ (ضَرُورَةُ عَدَمِ تَجَزِّي الْمَطْلُوبِ وَغَيْرِهِ) مِنْ الْمَوَانِعِ (كَ {يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195] لِلْعِلْمِ بِحُبِّ كُلِّ مُحْسِنٍ. (وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ) أَيْ عُمُومَ الْجَمْعِ فِي الْآحَادِ عَلَى وَجْهِ الِانْفِرَادِ (مُقْتَضَى أَمْرٍ آخَرَ غَيْرِ اللُّغَةِ) مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ فَلَا يُنَافِي مَا سَلَفَ فِي الْكَلَامِ فِي تَعْرِيفِ الْعَامِّ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَ مِنْ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْجَمْعِ الْعَامِّ تَعَلُّقُهُ بِكُلِّ فَرْدٍ مَعَ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْكُلِّ لَا يَلْزَمُ فِي الْجُزْءِ لِلْعِلْمِ بِاللُّزُومِ لُغَةً فِي خُصُوصِ هَذَا الْجُزْءِ؛ لِأَنَّهُ جُزْئِيٌّ مِنْ وَجْهٍ (وَصُورَةُ هَذِهِ) الْمَسْأَلَةِ (عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْجَمْعُ الْمُضَافُ لِجَمْعٍ كَمِنْ أَمْوَالِهِمْ لَا يُوجِبُ الْجَمْعَ فِي كُلِّ فَرْدٍ خِلَافًا لِزُفَرَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ إيجَابَهُ فِي كُلِّ فَرْدٍ (وَجْهُ قَوْلِهِ: إنَّ الْمُضَافَ إلَى الْجَمْعِ مُضَافٌ إلَى كُلِّ فَرْدٍ، وَهُوَ) أَيْ الْمُضَافُ هُنَا (جَمْعٌ فَيَلْزَمُ فِي حَقِّ كُلٍّ فَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ مَالٍ لِكُلٍّ) مِنْ الْأَفْرَادِ.

(وَمَفْزَعُهُمْ) أَيْ مَلْجَأُ الْحَنَفِيَّةِ (فِي دَفْعِهِ) أَيْ وَجْهِهِ (الِاسْتِعْمَالُ الْمُسْتَمِرُّ نَحْوُ {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} [نوح: 7] وَكَرَكِبُوا دَوَابَّهُمْ يُفِيدُ نِسْبَةَ آحَادِهِ) أَيْ الْمُضَافِ (إلَى آحَادِهِ) أَيْ الْمُضَافِ إلَيْهِ (فَفِي الْآيَةِ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِ كُلٍّ لَا مِنْ كُلِّ مَالِ كُلٍّ وَيُدْفَعُ) هَذَا الدَّفْعُ (أَنَّهُ) أَيْ كَوْنَ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ يُفِيدُ انْقِسَامَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ فِيمَا ذُكِرَ (لِخُصُوصِ الْمَادَّةِ) أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ} [الأنعام: 31] إخْبَارٌ بِحَمْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْوِزْرِ لَا وِزْرًا وَاحِدًا وَأَنَّهُ يَصِحُّ: قَتَلَ الْمُسْلِمُونَ الْكَافِرِينَ، وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ كُلُّ مُسْلِمٍ كَافِرًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (لَكِنَّهُ) أَيْ هَذَا الدَّفْعَ لِلدَّفْعِ (إبْطَالُ دَلِيلٍ مُعَيَّنٍ لَا يَدْفَعُ الْمَطْلُوبَ وَقَدْ بَقِيَ مَا قُلْنَا) مِنْ كَوْنِ الْحَقِّ أَنَّ عُمُومَ الْجَمْعِ مَجْمُوعِيٌّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَلَيْهِ يُوجَدُ الِامْتِثَالُ بِأَخْذِ صَدَقَةٍ مِنْ مَالِ كُلٍّ (وَعَلَيْهِ) أَيْ أَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تُفِيدُ انْقِسَامَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ

(فَرْعٌ) مَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ (إذَا دَخَلْتُمَا هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ أَوْ وَلَدْتُمَا وَلَدَيْنِ فَطَالِقَتَانِ فَدَخَلَتْ كُلٌّ دَارًا وَوَلَدَتْ كُلٌّ وَلَدًا طَلُقَتْ) فِي نَظَائِرَ لِهَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ تُعْرَفُ ثَمَّةَ

(مَسْأَلَةٌ إذَا عَلَّلَ) الشَّارِعُ (حُكْمًا) فِي مَحَلٍّ بِعِلَّةٍ (عَمَّ) الْحُكْمُ (فِي مَحَالِّهَا) أَيْ الْعِلَّةِ شَرْعًا (بِالْقِيَاسِ) ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ الشَّافِعِيِّ (وَقِيلَ) عَنْهُ عَمَّ لُغَةً (بِالصِّيغَةِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ لَا يَعُمُّ) أَصْلًا، وَإِلَيْهِ مَالَ الْغَزَالِيُّ (لَنَا) تَعْلِيلُ الشَّارِعِ حُكْمًا بِعِلَّةٍ (ظَاهِرٌ فِي اسْتِقْلَالِ الْوَصْفِ) بِالْعِلِّيَّةِ فَوَجَبَ اتِّبَاعُهَا لِوُجُوبِ الْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ (فَتَجْوِيزُ كَوْنِ الْمَحَلِّ جُزْءًا) مِنْ الْعِلَّةِ الَّتِي عَلَّقَ الشَّارِعُ عَلَيْهَا الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ (فَلَا يَتَعَدَّى) ؛ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ حِينَئِذٍ (كَقَوْلِ الْقَاضِي احْتِمَالٌ) لَا يَقْدَحُ فِي الظُّهُورِ فَلَا يُتْرَكُ بِهِ الظَّاهِرُ، وَقَدْ يُقَالُ هُوَ لَا يُنْكِرُ الظُّهُورَ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِهِ هُنَا كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ فَإِنَّمَا يَنْهَضُ فِي دَفْعِهِ الْحُجَّةَ بِالْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ، وَالْجَوَابُ لَا ضَيْرَ فَإِنَّ الْحُجَّةَ بِالْعَمَلِ بِهِ قَائِمَةٌ كَمَا عُرِفَ (ثُمَّ لَا صِيغَةَ عُمُومٍ)

ص: 231