الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَبِمُبَاشَرَةِ الضَّرْبِ فِي الْجُمْلَةِ (يَكُونُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ حَالَ الِاتِّصَافِ بِوُجُودِ جُزْءٍ مِنْهُ (يُقَالُ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْحَالِ (إنَّهُ) أَيْ ذَلِكَ الْحَالَ (حَالُ اتِّصَافِهِ بِالْإِخْبَارِ وَالضَّرْبِ عُرْفًا وَإِذَا كَانَ) ذَلِكَ الْحَالُ.
(كَذَلِكَ) أَيْ يُقَالُ فِيهِ: إنَّهُ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ الْوَصْفِ (وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ) أَيْ الْمُطْلَقُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الْمُرَادِ خُصُوصًا (وَمِنْ الْمُسْتَبْعَدِ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ: لَفْظُ ضَارِبٍ فِي حَالِ الضَّرْبِ مَجَازٌ) لِعَدَمِ قِيَامِ جَمِيعِهِ بِهِ حِينَئِذٍ (وَأَنَّهُ) أَيْ الضَّارِبَ (لَمْ يُسْتَعْمَلْ قَطُّ حَقِيقَةً) كَمَا هُوَ لَازِمُ ظَاهِرِ إطْلَاقِ الِاشْتِرَاطِ كَمَا بَيَّنَّاهُ (وَكَثِيرٌ مِثْلُ هَذَا فِي كَلَامِ الْمُولَعِينَ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ الْمُغْرَيْنَ (بِإِثْبَاتِ الْخِلَافِ وَنَقْلِ الْأَقْوَالِ لِمَنْ تَتَبَّعَ) ذَلِكَ فَلَيْسَ هَذَا بِأَوَّلِ مَصْرُوفٍ عَنْ ظَاهِرِهِ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ -: وَلَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُطَابِقٍ لِلْمَذْهَبِ الْمُفَصَّلِ فَإِنَّ الْمُفَصَّلَ مُصَرِّحٌ بِاشْتِرَاطِ وُجُودِ بَقَاءِ كُلِّ الْمَعْنَى إذَا كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ وَجُزْءٌ مِنْهُ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقِيِّ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الشَّرْطَ وُجُودُ جُزْءٍ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ مُمْكِنَ الْبَقَاءِ أَوْ لَا كَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ شَارِحِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ
وَلَا يُقَالُ: لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُطْلِقِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُفَصِّلِ بَعْدَ إلْغَاءِ تَفْصِيلِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فِي حَالِ وُجُودِ بَعْضِهِ يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ مُتَّصِفٌ بِهِ عُرْفًا سَوَاءٌ كَانَ مُمْكِنَ الْبَقَاءِ أَوْ لَا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّارِحِينَ الْمَذْكُورِينَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا تَفْصِيلَ حِينَئِذٍ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُسَامَحَةِ الْمُشَارِ إلَيْهَا فِي الْمَصَادِرِ الزَّمَانِيَّةِ اعْتِبَارُهَا فِي الْآنِيَةِ أَيْضًا لِمَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ فِي الْأُولَى عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُسَامَحَةِ فِيهَا دُونَ الثَّانِيَةِ.
وَأَيْضًا مَذْهَبُ الْمُفَصِّلِ يُفِيدُ أَنَّ إطْلَاقَ مَا لَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ بَعْدَ انْقِضَائِهِ حَقِيقِيٌّ وَمَذْهَبُ مُطْلِقِ الِاشْتِرَاطِ يُفِيدُ أَنَّهُ مَجَازِيٌّ نَعَمْ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ وَلَا غَيْرِهِ لِيَتَنَاوَلَ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ وَالْآخِرَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَعْدَ حَمْلِهِ عَلَى مَا لَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ وَكَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِهِ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْآمِدِيُّ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ حَتَّى قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَمَنْ قَالَ: قَامَ زَيْدٌ مَثَلًا إنَّمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مُتَكَلِّمٌ حَقِيقَةً عِنْدَ مُقَارَنَةِ الدَّالِ فَقَطْ لَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا فَإِنَّ هَذِهِ مُضَايَقَةٌ وَمُشَاحَّةٌ لَا تَوْسِعَةً وَمُسَامَحَةٌ (ثُمَّ الْحَقُّ أَنَّ ضَارِبًا لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا يَدْخُلُ فِي الْوُجُودِ جُزْءُ مَعْنَاهُ كَمَا قِيلَ (لِأَنَّ الْمَوْجُودَ تَمَامُ الْمَعْنَى وَإِنْ انْقَضَى كَثِيرٌ مِنْ الْأَمْثَالِ) أَيْ بَلْ الدَّاخِلُ فِي الْوُجُودِ تَمَامُ مَعْنَاهُ لِأَنَّ تَمَامَ مَعْنَاهُ هُوَ كَوْنُهُ مُتَّصِفًا بِالتَّأْثِيرِ فِي الْغَيْرِ بِالْإِيلَامِ، وَتَمَامُ هَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ فِي الضَّرْبَةِ الْوَاحِدَةِ فَالْبَاقِي بَعْدَهَا، وَلَوْ ضَرْبَةً وَاحِدَةً بَعْدَ مِائَةِ ضَرْبَةٍ تَمَامُ مَعْنَاهُ أَيْضًا، وَمَا انْقَضَى قَبْلَ الْأَخِيرَةِ وَبَعْدَ الْأُولَى تَكْرَارٌ لِتَمَامِ الْمَعْنَى (لَا يُقَالُ فَالْوَجْهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ لَمْ يَسْلَمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَدِلَّةِ لِلْمَجَازِ (الْحَقِيقَةُ تَقْدِيمًا لِلتَّوَاطُؤِ عَلَى الْمَجَازِ) لِأَنَّهُ دَارَ اللَّفْظُ بَعْدَ الِانْقِضَاءِ بَيْنَ كَوْنِهِ مَجَازًا أَوْ مُتَوَاطِئًا أَيْ مَوْضُوعًا لِلذَّاتِ بِاعْتِبَارِ مَا قَامَ بِهَا أَوْ وَقَعَ عَلَيْهَا فِي الْوُجُودِ أَعَمُّ مِنْ قِيَامِهِ حَالَ الْإِطْلَاقِ أَوْ انْقِضَائِهِ.
وَالتَّوَاطُؤُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَجَازِ كَمَا أَنَّ الْمَجَازَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاشْتِرَاطِ اللَّفْظِيِّ (لَا) أَنَّ الْوَجْهَ (التَّوَقُّفُ) عَنْ الْجَزْمِ بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ (كَظَاهِرِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ) وَهُوَ الْآمِدِيُّ ثُمَّ ابْنُ الْحَاجِبِ بِنَاءً عَلَى تَعَارُضِ أَدِلَّتِهِمَا، وَزَعْمِ انْتِفَاءِ الْمُرَجِّحِ لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ كَذَلِكَ (لِعَدَمِ لَازِمِهِ) أَيْ التَّوَاطُؤِ (وَهُوَ) أَيْ لَازِمُهُ (سَبَقَ الْأَحَدَ الدَّائِرَ) فِي الثُّبُوتِ الْقَائِمِ وَالْمُنْقَضِي إلَى الْفَهْمِ (لِسَبْقِهِ) أَيْ الْمَعْنَى إلَى الْفَهْمِ (بِاعْتِبَارِ الْحَالِ مِنْ نَحْوِ: زَيْدٌ قَائِمٌ) وَإِذَا كَانَ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ فِي نَحْوِ إطْلَاقِ زَيْدٌ قَائِمٌ وَضَارِبٌ قِيَامَ قِيَامِهِ وَضَرْبَهُ فِي الْحَالِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ وَضْعُهُ لِلْمُحَالِ فَيَتَرَجَّحُ الْمَجَازُ حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ
[الْفَصْلُ الثَّانِي انْقِسَامِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ]
(الْفَصْلُ الثَّانِي) فِي انْقِسَامِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ (فِي الدَّلَالَةِ) لِلْمُفْرَدِ (وَظُهُورِهَا وَخَفَائِهَا تَقْسِيمَاتٍ) ثَلَاثَةً، وَالتَّقْسِيمُ إظْهَارُ الْوَاحِدِ الْكُلِّيِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَادِّ فَيَلْزَمُ مِنْهُ امْتِنَاعُ تَقْسِيمِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، وَكَوْنُ الْمُقَسَّمُ أَعَمَّ مِنْ كُلِّ قِسْمٍ
مُطْلَقًا (التَّقْسِيمُ الْأَوَّلُ) فِي اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ مِنْ حَيْثُ هِيَ (اللَّفْظُ الْمُفْرَدُ) الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى (إمَّا دَالٌّ) عَلَيْهِ (بِالْمُطَابَقَةِ) أَيْ بِسَبَبِ وَضْعِ اللَّفْظِ لَهُ بِتَمَامِهِ (أَوْ التَّضَمُّنِ) أَيْ بِسَبَبِ وَضْعِ اللَّفْظِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ مَعًا (أَوْ الِالْتِزَامِ) أَيْ بِسَبَبِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِمَلْزُومِهِ (وَالْعَادَةُ) الْعَمَلِيَّةُ لِلْمَنْطِقِيِّينَ (التَّقْسِيمُ فِيهَا) أَيْ فِي الدَّلَالَةِ (وَيَسْتَتْبِعُهُ) أَيْ، وَيَكُونُ اللَّفْظُ تَبَعًا لِلدَّلَالَةِ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ لِتَعَدِّيهِ مِنْهَا إلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَاهُ نَحْنُ فِي اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ فِي هَذَا الْفَصْلِ لِكَوْنِهِ بِالذَّاتِ لَهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَمَا أَنَّ سَائِرَ إخْوَتِهِ مِنْ الْفُصُولِ الْآتِيَةِ لَهُ بِالذَّاتِ بِاعْتِبَارَاتٍ أُخَرَ أَيْضًا ثُمَّ يَقَعُ التَّقْسِيمُ لَهُ أَوَّلًا، وَبِالذَّاتِ فِيهَا وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ (وَالدَّلَالَةُ كَوْنُ الشَّيْءِ مَتَى فُهِمَ فُهِمَ غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ التَّلَازُمُ) بَيْنَهُمَا (بِعِلَّةِ الْوَضْعِ) أَيْ بِسَبَبِ وَضْعِ الشَّيْءِ لِلْغَيْرِ أَيْ جَعْلِهِ بِإِزَائِهِ بِحَيْثُ إذَا فُهِمَ الشَّيْءُ فُهِمَ الْغَيْرُ (فَوَضْعِيَّةٌ) أَيْ فَدَلَالَةُ الشَّيْءِ عَلَى الْغَيْرِ وَضْعِيَّةٌ (أَوْ بِالْعَقْلِ) أَيْ أَوْ كَانَ التَّلَازُمُ بَيْنَهُمَا بِإِيجَابِ الْعَقْلِ الصِّرْفِ فِي ذَلِكَ (فَعَقْلِيَّةٌ) أَيْ فَدَلَالَةٌ الشَّيْءِ عَلَى الْغَيْرِ عَقْلِيَّةٌ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمِنْهَا) أَيْ الْعَقْلِيَّةِ (الطَّبِيعِيَّةُ) وَهِيَ مَا اقْتَضَى التَّلَفُّظُ بِمَلْزُومِهَا الَّذِي هُوَ اللَّفْظُ طَبْعَ اللَّافِظِ عِنْدَ عُرُوضِ الْمَعْنَى لَهُ كَدَلَالَةِ أَحْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى أَذَى الصَّدْرِ (إذْ دَلَالَةُ أَحْ عَلَى الْأَذَى دَلَالَةُ الْأَثَرِ عَلَى مُبْدِئِهِ) أَيْ مُؤَثِّرِهِ (كَالصَّوْتِ وَالْكِتَابَةِ وَالدُّخَانِ) أَيْ كَدَلَالَةِ الصَّوْتِ الْمَسْمُوعِ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ عَلَى وُجُودِ مُصَوِّتِهِ ثَمَّةَ وَالْكِتَابَةِ عَلَى كَاتِبِهَا وَالدُّخَانِ عَلَى النَّارِ فَإِنَّ هَذِهِ الدَّلَالَاتِ عَقْلِيَّةٌ لِأَنَّهَا دَلَالَةُ الْأَثَرِ عَلَى مُؤَثِّرِهِ فَكَذَا هَذِهِ؛ لِأَنَّ أَحْ أَثَرُ عُرُوضِ وَجَعِ صَدْرِ اللَّافِظِ، فَإِذَنْ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ قَسِيمَةً لِلْعَقْلِيَّةِ كَمَا فَعَلُوهُ عَنْ آخِرِهِمْ (وَالْوَضْعِيَّةُ) قِسْمَانِ (غَيْرُ لَفْظِيَّةٍ كَالْعُقُودِ) جَمْعُ عَقْدٍ وَهُوَ مَا يُعْقَدُ بِالْأَصَابِعِ عَلَى كَيْفِيَّاتٍ خَاصَّةٍ أَيْ كَدَلَالَتِهَا عَلَى كَمِّيَّاتٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الْعَدَدِ (وَالنُّصُبِ) جَمْعُ نَصْبَةٍ وَهِيَ الْعَلَامَةُ الْمَنْصُوبَةُ لِمَعْرِفَةِ الطَّرِيقِ أَيْ كَدَلَالَتِهَا عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ هَاتَيْنِ دَلَالَةٌ وَضْعِيَّةٌ غَيْرُ لَفْظِيَّةٍ (وَلَفْظِيَّةٌ) وَهِيَ الْمَخْصُوصَةُ بِالنَّظَرِ فِي الْعُلُومِ لِانْضِبَاطِهَا وَشُمُولِهَا لِمَا يُقْصَدُ إلَيْهِ مِنْ الْمَعَانِي وَهِيَ (كَوْنُ اللَّفْظِ بِحَيْثُ إذَا أُرْسِلَ فُهِمَ الْمَعْنَى لِلْعِلْمِ بِوَضْعِهِ) أَيْ كَوْنِ اللَّفْظِ كُلَّمَا أُطْلِقَ فُهِمَ مِنْهُ مَعْنَاهُ لِلْعِلْمِ بِتَعْيِينِهِ بِنَفْسِهِ بِإِزَاءِ مَعْنَاهُ الْمَفْهُومِ مِنْهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ جَمِيعَ مَا وُضِعَ اللَّفْظُ لَهُ أَوْ جُزْأَهُ أَوْ لَازِمَهُ.
وَمَا قِيلَ إنَّمَا قَالَ مَنْ قَالَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ هُوَ عَالِمٌ بِالْوَضْعِ وَلَمْ يَقُلْ بِوَضْعِهِ لَهُ لِئَلَّا يَخْرُجَ عَنْ التَّعْرِيفِ دَلَالَةُ التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ، فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يُقَالُ الْعِلْمُ بِالْوَضْعِ الَّذِي هُوَ نِسْبَةٌ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى يَتَوَقَّفُ عَلَى فَهْمِ الْمَعْنَى كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَهْمِ اللَّفْظِ وَقَدْ ذُكِرَ فِي التَّعْرِيفِ أَنَّ فَهْمَ الْمَعْنَى لِأَجْلِ الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ فَلَوْ صَحَّ هَذَا لَزِمَ تَوَقُّفُ كُلٍّ مِنْ فَهْمِ الْمَعْنَى وَالْعِلْمِ بِالْوَضْعِ عَلَى الْآخَرِ فِي الْوُجُودِ لِأَنَّا نَقُولُ: فَهْمُ الْمَعْنَى فِي حَالِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْعِلْمِ السَّابِقِ بِالْوَضْعِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ ذَلِكَ الْعِلْمَ السَّابِقَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَهْمِ الْمَعْنَى فِي الْحَالِ بَلْ عَلَى فَهْمِهِ فِي الزَّمَانِ السَّابِقِ، وَأَيْضًا فَهْمُ الْمَعْنَى مِنْ اللَّفْظِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ وَلَيْسَ الْعِلْمُ بِالْوَضْعِ مَوْقُوفًا عَلَى فَهْمِهِ مِنْ اللَّفْظِ بَلْ عَلَى فَهْمِهِ مُطْلَقًا فَظَهَرَ تَغَايُرُ الْفَهْمَيْنِ فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ بِحَسَبِ الزَّمَانِ، وَفِي الْجَوَابِ الثَّانِي بِحَسَبِ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فَلَا دَوْرَ ثَمَّ هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ الدَّلَالَةِ الْعَقْلِيَّةِ طَبِيعِيَّةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ طَبِيعِيَّةٍ؛ إذْ لَا وَضْعَ فِيهَا وَلِاسْتِوَاءِ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ فِي ذَلِكَ الْفَهْمِ إنْ كَانَ هُنَاكَ وَضْعٌ (وَأُورِدَ سَمَاعُهُ) أَيْ اللَّفْظِ الدَّالِّ بِالْوَضْعِ (حَالَ كَوْنِ الْمَعْنَى مُشَاهَدًا) قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَإِنَّ الدَّلَالَةَ الْوَضْعِيَّةَ ثَابِتَةٌ مَعَ انْتِفَاءِ الْحَدِّ إذَا أُطْلِقَ اللَّفْظُ وَلَمْ يُفْهَمْ الْمَعْنَى فَبَطَلَ عَكْسُ التَّعْرِيفِ اهـ لِأَنَّ فَهْمَ الْمَفْهُومِ مُحَالٌ؛ إذْ الْفَرْضُ أَنَّ الْمَعْنَى مُرْتَسِمٌ عِنْدَهُ بِوَاسِطَةِ الْمُشَاهَدَةِ.
(وَأُجِيبَ بِقِيَامِ الْحَيْثِيَّةِ) أَيْ بِمَنْعِ انْتِفَاءِ الْحَدِّ حَالَ كَوْنِ الْمَعْنَى مُشَاهَدًا لِبَقَاءِ قِيَامِ الْحَيْثِيَّةِ بِاللَّفْظِ حِينَئِذٍ أَيْضًا (وَهِيَ) أَيْ الْحَيْثِيَّةُ هِيَ (الدَّلَالَةُ) قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ لِاتِّجَاهِ تَسَلُّطِ الْمَنْعِ عَلَى كَوْنِهَا حَقِيقَةَ الدَّلَالَةِ بَلْ مِنْ الظَّاهِرِ أَنَّهَا شَرْطُ تَحَقُّقِهَا فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (وَالْحَقُّ الِانْقِطَاعُ
بِالسَّمَاعِ ثُمَّ التَّجَدُّدُ عَنْهُ) أَيْ وَالْجَوَابُ الْحَقُّ مَنْعُ انْتِفَاءِ الْحَدِّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَطْلَقَ اللَّفْظَ وَلَمْ يُفْهَمْ الْمَعْنَى، قُلْنَا: مَمْنُوعٌ
قَوْلُهُ: لِأَنَّ فَهْمَ الْمَفْهُومِ مُحَالٌ قُلْنَا مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ إنَّمَا يَلْزَمُ هَذَا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ فَهْمُ الْمَعْنَى، وَيَذْهَبُ انْتِقَاشُهُ مِنْ النَّفْسِ عِنْدَ سَمَاعِ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ وَضْعًا لَكِنَّهُ يَنْقَطِعُ حَالَتَئِذٍ لِلذُّهُولِ عَنْهُ بِالِالْتِفَاتِ إلَى الْمَسْمُوعِ ثُمَّ يَتَجَدَّدُ فَهْمُهُ ثَانِيًا عَنْ سَمَاعِ اللَّفْظِ فَيَكُونُ إدْرَاكًا ثَانِيًا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ الْأَوَّلِ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ هَذَا مِمَّا يُحَقِّقُ صِحَّةَ دَعْوَى قِيَامِ الْحَيْثِيَّةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَالْجَوَابُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ بِدَعْوَى قِيَامِهَا، وَهَذَا بَيَانٌ لِذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَلِلدَّلَالَاتِ) الْوَضْعِيَّةِ اللَّفْظِيَّةِ (إضَافَاتٌ) ثَلَاثٌ:
إضَافَةٌ (إلَى تَمَامِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ وَجُزْئِهِ) أَيْ وَإِضَافَةٌ إلَى جُزْءِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ (وَلَازِمِهِ) أَيْ وَإِضَافَةٌ إلَى لَازِمِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ (إنْ كَانَا) أَيْ إنْ وُجِدَ الْجُزْءُ وَاللَّازِمُ، وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُطَابَقَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ التَّضَمُّنَ وَالِالْتِزَامَ دَائِمًا، وَالْأَمْرُ عَلَى مَا أَشَارَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُسَمَّى اللَّفْظِ بَسِيطًا كَالْوَحْدَةِ وَالنُّقْطَةِ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً وَلَا تَضَمُّنَ لِانْتِفَاءِ الْجُزْءِ وَبِهَذَا يُعْرَفُ أَيْضًا أَنَّ الِالْتِزَامَ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّضَمُّنَ فَإِنَّ الْمَعْنَى الْبَسِيطَ إذَا كَانَ لَهُ لَازِمٌ ذِهْنِيٌّ كَانَ ثَمَّةَ الْتِزَامٌ بِلَا تَضَمُّنٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُسَمَّى لَازِمٌ بَيِّنٌ يُلْزِمُ فَهْمُهُ فَهْمَهُ، وَلِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِأَنَّا نَعْقِلُ كَثِيرًا مِنْ الْأَشْيَاءِ مَعَ الذُّهُولِ عَنْ جَمِيعِ الْأَغْيَارِ فَانْتَفَى زَعْمُ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ بِأَنَّ الْمُطَابَقَةَ تَسْتَلْزِمُهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، وَبِهَذَا يُعْرَفُ أَيْضًا أَنَّ التَّضَمُّنَ لَا يَسْتَلْزِمُ الِالْتِزَامَ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُسَمَّى الْمُرَكَّبِ لَازِمٌ كَذَلِكَ وَلِلْعِلْمِ بِأَنَّا نَعْقِلُ كَثِيرًا مِنْ الْمَعَانِي الْمُرَكَّبَةِ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ نَعَمْ التَّضَمُّنُ وَالِالْتِزَامُ مُسْتَلْزِمَانِ لِلْمُطَابَقَةِ لِأَنَّهُمَا لَا يُوجَدَانِ إلَّا مَعَهَا بِالِاتِّفَاقِ (وَلَهَا) أَيْ وَلِلدَّلَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ وَاللَّفْظِيَّةِ (مَعَ كُلٍّ) مِنْ هَذِهِ الْإِضَافَاتِ (اسْمٌ فَمَعَ الْأَوَّلِ) أَيْ فَلَهَا مُضَافَةً إلَى تَمَامِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَمَامُهُ اسْمٌ هُوَ (دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ) لِمُوَافَقَةِ الْمَعْنَى اللَّفْظَ (وَمَعَ الثَّانِي) أَيْ وَلَهَا مُضَافَةً إلَى جُزْءِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ هُوَ جُزْؤُهُ اسْمٌ هُوَ (دَلَالَةُ التَّضَمُّنِ) لِتَضَمُّنِ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ إيَّاهُ (وَكَذَا الِالْتِزَامُ) أَيْ وَكَذَا لَهَا مُضَافَةً إلَى اللَّازِمِ الْخَارِجِ عَنْ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ اللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَازِمُهُ اسْمٌ هُوَ دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ لِاسْتِلْزَامِهِ لَهُ.
(وَيَسْتَلْزِمُ اجْتِمَاعَهَا) أَيْ الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ (انْتِقَالَيْنِ وَاحِدٌ) مِنْ اللَّفْظِ (إلَى الْمَعْنَى الْمُطَابِقِيِّ وَالتَّضَمُّنِيِّ) مَعًا (لِأَنَّ فَهْمَهُ) أَيْ الْجُزْءِ الَّذِي هُوَ الدَّلَالَةُ التَّضَمُّنِيَّةُ (فِي ضِمْنِهِ) أَيْ فِي ضِمْنِ فَهْمِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ لِلْمَعْنَى الْمُرَكَّبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ يُلَاحَظُ مُلَاحَظَةً وَاحِدَةً إجْمَالِيَّةً فَلَيْسَ ثَمَّةَ إلَّا فَهْمٌ وَاحِدٌ لَهُمَا فَالدَّلَالَةُ عَلَى الْكُلِّ لَا تُغَايِرُ الدَّلَالَةَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَجْزَاءِ مُغَايَرَةً بِالذَّاتِ بَلْ بَيْنَهُمَا تَغَايُرٌ بِالْإِضَافَةِ وَالِاعْتِبَارِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْفَهْمَ الْوَاحِدَ إنْ أُضِيفَ إلَى الْكُلِّ وَاعْتُبِرَ بِالْقِيَاسِ إلَيْهِ سُمِّيَ فَهْمَ الْكُلِّ، وَدَلَالَةُ الْمُطَابِقَةِ إنْ أُضِيفَ إلَى أَحَدِ الْأَجْزَاءِ وَاعْتُبِرَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ سُمِّيَ فَهْمَ ذَلِكَ الْجُزْءِ، وَدَلَالَةَ التَّضَمُّنِ وَاسْتُوْضِحَ ذَلِكَ بِمَا إذَا وَقَعَ بَصَرُك عَلَى زَيْدٍ مِنْ رَأْسِهِ إلَى قَدِمَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَإِنَّك تَرَاهُ وَتَرَى أَجْزَاءً بِرُؤْيَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ نَسَبْت هَذِهِ الرُّؤْيَةَ إلَى زَيْدٍ تُسَمَّى رُؤْيَتَهُ وَإِنْ أُضِيفَتْ إلَى جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ تُسَمَّى رُؤْيَةُ ذَلِكَ الْجُزْءِ (لَا كَظَنِّ شَارِحِ الْمَطَالِعِ) قُطْبِ الدِّينِ الْفَاضِلِ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ مِنْ اللَّفْظِ إلَى جُزْءِ مَا وُضِعَ هُوَ لَهُ ثُمَّ مِنْهُ إلَى تَمَامِ مَا وُضِعَ هُوَ لَهُ وَأَنَّ الْمُطَابَقَةَ تَابِعَةٌ لِلتَّضَمُّنِ فِي الْفَهْمِ لِسَبْقِ الْجُزْءِ فِي الْوُجُودَيْنِ لِظُهُورِ مَنْعِ الْأَوَّلِ وَسَبْقِ الْجُزْءِ فِي الْوُجُودَيْنِ مُطْلَقَةً لَا دَائِمَةً؛ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ الْتِفَاتِ النَّفْسِ إلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ فِي تَذَكُّرِ الْمَعْنَى عِنْدَ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى فَهْمِهِ مِنْهُ وَالِالْتِفَاتِ إلَيْهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِعِلَّةِ سَمَاعِ اللَّفْظِ وَالْعِلْمِ بِوَضْعِهِ لَهُ وَذَلِكَ عِلَّةُ الِانْتِقَالِ لِلْمَجْمُوعِ فَيَثْبُتُ كَذَلِكَ.
ثُمَّ مُقْتَضَاهُ فَهْمُ الْجُزْءِ مَرَّتَيْنِ بِالِاسْتِقْلَالِ وَفِي ضِمْنِ الْكُلِّ لَكِنْ الْوِجْدَانُ يَنْفِي الْأَوَّلَ بِخِلَافِ ابْتِدَاءِ تَعَقُّلِ الْمُرَكَّبِ مِنْ مُفِيدِهِ تَفْصِيلًا حَيْثُ يَلْزَمُ فِيهِ سَبْقُ الْجُزْءِ كَذَا أَفَادَهُ
الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (يَلِيهِ) أَيْ هَذَا الِانْتِقَالَ انْتِقَالٌ (آخَرُ) مِنْ الْمُطَابِقِيِّ أَوْ التَّضَمُّنِيِّ إنْ كَانَ هُوَ الْمَلْزُومَ (إلَى الِالْتِزَامِيِّ) فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّفْظِ وَاسِطَةٌ بِخِلَافِهِمَا ثُمَّ هَذَا الِانْتِقَالُ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَيْهِ يَلْزَمُ (لُزُومًا) ذِهْنِيًّا لَا انْفِكَاكَ لَهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ اللُّزُومَ بَيْنَ أَحَدِهِمَا وَبَيْنَهُ مَشْرُوطٌ أَنْ يَكُونَ (بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ) وَهُوَ كَوْنُ اللَّازِمِ يَحْصُلُ فِي الذِّهْنِ كُلَّمَا حَصَلَ الْمُسَمَّى فِيهِ (فَانْتَفَى لُزُومُ الِالْتِزَامِيِّ مُطْلَقًا لِلُزُومِ تَعَقُّلِ أَنَّهُ لَيْسَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِلْأَعَمِّ) أَيْ فَتَفَرَّعَ عَلَى هَذَا انْتِفَاءُ كَوْنِ الْمُطَابَقَةِ تَسْتَلْزِمُ الِالْتِزَامَ دَائِمًا كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ الْمُطَابَقَةُ يَلْزَمُهَا الِالْتِزَامُ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ مَاهِيَّةٍ لَازِمًا بَيِّنًا، وَأَقَلُّهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ غَيْرَهَا وَالدَّالُّ عَلَى الْمَلْزُومِ دَالٌّ عَلَى اللَّازِمِ الْبَيِّنِ بِالِالْتِزَامِ، وَإِيضَاحُ الِانْتِفَاءِ أَنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ اللُّزُومِ فِي اللَّازِمِ الْبَيِّنِ فِي دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ لِلُّزُومِ، وَهُوَ مَا يُحْكَمُ بِهِ مِنْ اللُّزُومِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ كُلَّمَا تَعَقَّلَا سَوَاءٌ كَانَ حُصُولُ اللَّازِمِ فِي الذِّهْنِ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ حُصُولِ الْمَلْزُومِ فِيهِ أَوْ بَعْدَ التَّأَمُّلِ فِي الْقَرَائِنِ، وَسَوَاءٌ كَانَ اللُّزُومُ بَيْنَهُمَا مِمَّا يُثْبِتُهُ الْعَقْلُ أَوْ عُرْفٌ عَامٌّ أَوْ خَاصٌّ أَوْ مَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الْحُكْمُ بِاللُّزُومِ بَيْنَهُمَا يَقِينًا أَوْ ظَنًّا وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ اعْتِبَارَ اللُّزُومِ فِي اللَّازِمِ الْبَيِّنِ فِي دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ إنَّمَا هُوَ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ اللُّزُومُ الذِّهْنِيُّ.
وَأَمَّا الْخَارِجِيُّ وَهُوَ كَوْنُ اللَّازِمِ بِحَيْثُ يَلْزَمُ مِنْ تَحَقُّقِ الْمُسَمَّى فِي الْخَارِجِ تَحَقُّقُهُ أَيْضًا فِيهِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ كَالْعَمَى يَدُلُّ عَلَى الْمَلَكَةِ كَالْبَصَرِ دَلَالَةً الْتِزَامِيَّةً؛ لِأَنَّهُ عَدَمُ الْبَصَرِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا مَعَ عَدَمِ اللُّزُومِ بَيْنَهُمَا فِي الْخَارِجِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُعَانَدَةِ فِيهِ (هَذَا) كُلُّهُ (عَلَى) اصْطِلَاحِ (الْمَنْطِقِيِّينَ فَلَا دَلَالَةَ لِلْمَجَازَاتِ عَلَى الْمَجَازِيَّةِ) أَيْ فَلَا دَلَالَةَ مِنْ الدَّلَالَاتِ الثَّلَاثِ لِلْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي مَعَانِيهَا الْمَجَازِيَّةِ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ كَذَلِكَ (بَلْ يَنْتَقِلُ) مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَجَازِيَّةِ (إلَيْهَا) أَيْ إلَى مَعَانِيهَا الْمَجَازِيَّةِ (بِالْقَرِينَةِ) أَيْ بِسَبَبِ اسْتِعَانَةِ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ عَنْ الْمَعَانِي الْحَقِيقِيَّةِ إلَيْهَا (فَهِيَ) أَيْ الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةُ (مُرَادَاتٌ) مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَجَازِيَّةِ (لَا مَدْلُولَاتٌ لَهَا) أَيْ لِلْأَلْفَاظِ الْمَجَازِيَّةِ (فَلَا تُورَدُ) الْمَجَازَاتُ (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْمَنْطِقِيِّينَ كَمَا أَوْرَدَهَا الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ لِانْتِفَاءِ الْغَرَضِ مِنْ إيرَادِهَا حِينَئِذٍ (إذْ يَلْتَزِمُونَهُ) أَيْ عَدَمَ دَلَالَةِ الْمَجَازَاتِ عَلَى مَعَانِيهَا الْمَجَازِيَّةِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى تَعْرِيفِهِمْ الدَّلَالَةَ (وَلَا ضَرَرَ) عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ (إذْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ) نَفْيُ دَلَالَةِ الْمَجَازِ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ (نَفْيَ فَهْمِ الْمُرَادِ) الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ لِيَمْتَنِعَ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ لِحُصُولِ فَهْمِهِ بِالْقَرِينَةِ الْمُفِيدَةِ لَهُ ثُمَّ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا (فَلَيْسَ لِلْمَجَازِ فِي الْجُزْءِ وَاللَّازِمِ دَلَالَةٌ مُطَابِقَةٌ فِيهِمَا كَمَا قِيلَ) قَالَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ.
وَلَفْظُهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ فِي الْجُزْءِ أَوْ اللَّازِمِ مَعَ قَرِينَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ إرَادَةِ الْمُسَمَّى لَمْ يَكُنْ تَضَمُّنًا أَوْ الْتِزَامًا بَلْ مُطَابَقَةً لِكَوْنِهَا دَلَالَةً عَلَى تَمَامِ الْمَعْنَى أَيْ مَا عُنِيَ بِاللَّفْظِ وَقُصِدَ (بَلْ) إنَّمَا فِي الْمَجَازِ فِي الْجُزْءِ أَوْ اللَّازِمِ (اسْتِعْمَالٌ) لِلَّفْظِ فِي جُزْءِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوْ لَازِمِهِ (يُوجِبُ الِانْتِقَالَ مَعَهُ) أَيْ الِاسْتِعْمَالَ مِنْ الْمُطَابِقِيِّ الَّذِي هُوَ الْحَقِيقِيُّ (إلَى كُلٍّ) مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَجَازِيَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ (فَقَطْ الْقَرِينَةُ) الْمُفِيدَةُ لِذَلِكَ (وَدَلَالَةٌ تَضَمُّنِيَّةٌ وَالْتِزَامِيَّةٌ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْجُزْءِ وَاللَّازِمِ (تَبَعًا لِلْمُطَابِقِيَّةِ الَّتِي لَمْ يَرِدْ) فِيهِمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ كُلَّ مَجَازٍ لَهُ دَلَالَةٌ مُطَابِقَةٌ لِافْتِقَارِهِ إلَى الْوَضْعِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى حَقِيقَةٍ، وَالدَّلَالَةُ تَتْبَعُ الْوَضْعَ لَا الْإِرَادَةَ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ اهـ وَمِنْ ثَمَّةَ تَنَزَّلَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ إلَيْهِ عَقِبَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ آنِفًا (وَهَذَا لِأَنَّ بَعْدَ الْوَضْعِ لَا تَسْقُطُ الدَّلَالَةُ عَنْ الْوَضْعِيِّ فَكَذَا لَا تَسْقُطُ عَنْ لَازِمِهِ فَتَتَحَقَّقُ) الدَّلَالَةُ الْمُطَابِقِيَّةُ (لِتَحَقُّقِ عِلَّتِهَا وَهُوَ) أَيْ تَحَقُّقُ عِلَّتِهَا (الْعِلْمُ بِالْوَضْعِ) لِذَلِكَ الْمَعْنَى (وَالْمُرَادُ غَيْرُ مُتَعَلَّقِهَا) أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ الْمَجَازِيِّ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُتَعَلَّقِ تِلْكَ الدَّلَالَةِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لَهُ
وَحَاصِلُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى الْبَدِيعِ أَنَّ جَمِيعَ الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةِ إلَّا التَّضَمُّنِيَّ وَالِالْتِزَامِيَّ مُرَادَاتٌ بِاللَّفْظِ بِالْقَرِينَةِ لَا مَدْلُولَاتٌ لَهُ حَتَّى لَوْ اُسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى مُرَكَّبٍ
ذِي لَازِمٍ ذِهْنِيٍّ فِي مَجَازِيٍّ غَيْرِهِمَا مَعَ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنْ مَدْلُولَاتِهِ كَانَ لِهَذَا اللَّفْظِ ثَلَاثُ دَلَالَاتٍ عَلَى غَيْرِ الْمَقْصُودِ وَكَانَ الْمَقْصُودُ غَيْرَ مَدْلُولٍ لَهُ بَلْ مُرَادٍ بِهِ وَأَمَّا إذَا تَجَوَّزَ بِهِ فِي التَّضَمُّنِيِّ أَوْ الِالْتِزَامِيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُسْتَعْمَلٌ مَجَازًا فِيهِ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمِنْ حَيْثُ هُوَ مَوْضُوعٌ لِمَا هُمَا جُزْؤُهُ وَلَازِمُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرَادَاهُمَا مَدْلُولَانِ تَضَمُّنِيٌّ وَالْتِزَامِيٌّ فَتَقَرَّرَ أَنَّهُ إذَا تَجُوزُ بِهِ فِيهِمَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِمَا مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجَازٌ فِيهِمَا بَلْ مِنْ حَيْثُ هُمَا جُزْءٌ وَلَازِمٌ لِمَوْضُوعِهِ أَمَّا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا مُطَابَقَةً فَلَا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ دَلَالَاتٌ بَعْضُهَا مُرَادٌ وَبَعْضُهَا لَا اهـ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْوَجْهَ عَدَمُ تَقْيِيدِ قَوْلِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ وَيَرِدُ عَلَيْهِمْ أَنْوَاعُ الْمَجَازَاتِ بِاَلَّتِي لَيْسَ فِيهَا الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةُ لَوَازِمَ ذِهْنِيَّةً لِلْمُسَمَّيَاتِ لِيَخْرُجَ اسْتِعْمَالُ الْكُلِّ فِي الْجُزْءِ وَالْمَلْزُومِ فِي اللَّازِمِ الذِّهْنِيِّ كَمَا قَيَّدَهُ الْمُحَشُّونَ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَأَمَّا الْأُصُولِيُّونَ فَمَا لِلْوَضْعِ دَخْلٌ فِي الِانْتِقَالِ) أَيْ وَأَمَّا الدَّلَالَةُ الْوَضْعِيَّةُ عِنْدَهُمْ فَمَا لِلْوَضْعِ دَخْلٌ فِي الِانْتِقَالِ فِيهَا مِنْ الشَّيْءِ إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ (فَتَحَقَّقُ) الدَّلَالَةُ الْوَضْعِيَّةُ عِنْدَهُمْ (فِي الْمَجَازِ) أَيْضًا قَالَ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ لِلْوَضْعِ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ دَخْلًا فِي فَهْمِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ إذْ لَوْلَاهُ لَمْ يُتَصَوَّرْ (وَالِالْتِزَامِيَّة بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ) أَيْ وَتَتَحَقَّقُ الدَّلَالَةُ الْوَضْعِيَّةُ فِي الِالْتِزَامِيَّةِ أَيْضًا، وَاللُّزُومُ فِيهَا بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ السَّالِفِ بَيَانُهُ كَمَا هُوَ الشَّرْطُ عِنْدَهُمْ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ؛ لِأَنَّ لِلْوَضْعِ دَخْلًا فِيهَا وَأَمَّا تَحَقُّقُهَا فِي التَّضَمُّنِيَّةِ فَبِطَرِيقٍ أَوْلَى وَلَا خِلَافَ فِي تَحَقُّقِهَا فِي الْمُطَابَقَةِ وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَذْكُرْهُمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ بِحُجِّيَّةِ الْمَفَاهِيمِ الْمُخَالِفَةِ بِنَاءً عَلَى أَنْ لَا مُوجِبَ لِلِانْتِقَالِ لِعَدَمِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمُخَالِفِ وَعَدَمِ لُزُومِهِ لِلْمَوْضُوعِ (تَنْبِيهٌ) ثُمَّ هَذِهِ الدَّلَالَاتُ تَتَأَتَّى فِي اللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَظْهَرَ كَمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ دَلَالَةَ الْمُرَكَّبَاتِ عَلَى مَعَانِيهَا التَّرْكِيبِيَّةِ وَضْعِيَّةٌ بِحَسَبِ النَّوْعِ فَكُنْ مِنْهُ عَلَى ذِكْرٍ
(ثُمَّ اخْتَلَفَ الِاصْطِلَاحُ) لِلْأُصُولِيِّينَ فِي أَصْنَافِ الدَّلَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ وَأَسْمَائِهَا (وَفِي ثُبُوتِ بَعْضِهَا أَيْضًا فَالْحَنَفِيَّةُ، الدَّلَالَةُ) الْوَضْعِيَّةُ قِسْمَانِ (لَفْظِيَّةٌ وَغَيْرُ لَفْظِيَّةٍ وَهِيَ) أَيْ غَيْرُ اللَّفْظِيَّةِ (الضَّرُورِيَّةُ وَيُسَمُّونَهَا) أَيْ الضَّرُورِيَّةَ (بَيَانَ الضَّرُورَةِ) أَيْ الْحَاصِلَ بِسَبَبِهَا فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ كَأُجْرَةِ الْخِيَاطَةِ وَهَذَا أَحَدُ أَقْسَامِ الْبَيَانِ الْخَمْسَةِ الْآتِي ذِكْرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى (وَهُوَ) أَيْ بَيَانُ الضَّرُورَةِ (أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ كُلُّهَا دَلَالَةُ سُكُوتٍ مُلْحَقٌ بِاللَّفْظِيَّةِ) فِي الِاعْتِبَارِ، وَحَصْرُهُ فِيهَا اسْتِقْرَائِيٌّ قَالُوا: وَسُمِّيَ هَذَا الْقِسْمُ بِهَذَا الِاسْمُ؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ لِلْبَيَانِ فِي الْأَصْلِ هُوَ النُّطْقُ، وَهَذَا يَقَعُ بِمَا هُوَ ضِدُّهُ، وَهُوَ السُّكُوتُ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ الْآتِي تَفْصِيلُهَا
الْقِسْمُ (الْأَوَّلُ مَا يَلْزَمُ مَنْطُوقًا) أَيْ لَازِمُ مَسْكُوتٍ عَنْهُ لِمَلْزُومٍ مَذْكُورٍ وَلَهُ مُثُلٌ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11]{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] فَإِنَّ هَذَا نَاصٌّ عَلَى انْحِصَارِ إرْثُهُ فِيهِمَا، وَاخْتِصَاصُ الْأُمِّ بِالثُّلُثِ مِنْهُ، وَهُوَ مَلْزُومٌ مَنْطُوقٌ بِهِ وَلَهُ لَازِمٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ وَهُوَ لِأَبِيهِ الثُّلُثَانِ طَوَى ذِكْرَهُ إيجَازًا لِلْعِلْمِ وَبِهِ وَإِلَّا لَمْ يَنْحَصِرْ إرْثُهُ فِيهِمَا وَبَقِيَ نَصِيبُ الْأَبِ مَجْهُولًا، وَسِيَاقُ النَّصِّ يَأْبَاهُ فَلَا جَرَمَ أَنْ (دَلَّ سُكُوتُهُ) أَيْ النَّصِّ عَنْ ذِكْرِهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَلَى (أَنَّ لِلْأَبِ الْبَاقِيَ) لَا أَنَّ مُجَرَّدَ السُّكُوتِ، أَوْ تَخْصِيصَ الْأُمِّ بِالثُّلُثِ بَيَانٌ لِنَصِيبِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَبَيَّنَ نَصِيبُ الْأُمِّ مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِ الشَّرِكَةِ بِصَدْرِ الْكَلَامِ لَمْ يُعْرَفْ نَصِيبُ الْأَبِ بِالسُّكُوتِ بِوَجْهٍ (وَدَفَعْته مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَ الرِّبْحِ) أَيْ وَمِنْهَا قَوْلُ رَبِّ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ لِغَيْرِهِ دَفَعْت هَذَا النَّقْدَ إلَيْك مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَ رِبْحِهِ فَيَقْبَلُ الْغَيْرُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُفِيدُ اشْتِرَاكَهُمَا فِي الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ عَقْدُ شَرِكَةٍ فِي الرِّبْحِ الْحَاصِلِ بِعَمَلِ الْمُضَارِبِ، وَبَيَانُ مِقْدَارِ نَصِيبِ الْمُضَارِبِ وَهُوَ مَلْزُومٌ مَنْطُوقٌ بِهِ وَلَهُ لَازِمٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ وَهُوَ " وَلِي " نِصْفُهُ طَوَى ذِكْرَهُ اخْتِصَارًا لِلْعِلْمِ بِهِ لِعَدَمِ مُسْتَحِقٍّ آخَرَ مَعَ كَوْنِهِ نَمَا مِلْكُهُ فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ هَذَا الْعَقْدُ صَحِيحًا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَقَضَى فِيهِ بِأَنَّهُ (يُفِيدُ) السُّكُوتَ فِيهِ عَنْ ذِكْرِ نَصِيبِ الْمَالِكِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ (أَنَّ الْبَاقِيَ لِلْمَالِكِ وَكَذَا فِي قَلْبِهِ اسْتِحْسَانًا)
أَيْ وَمِنْهَا قَوْلُهُ لِغَيْرِهِ دَفَعْته إلَيْك مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَ الرِّبْحِ فَيَقْبَلُ الْغَيْرُ ذَلِكَ، فَالْقِيَاسُ فَسَادُ هَذَا الْعَقْدِ لِعَدَمِ بَيَانِ نَصِيبِ الْمُحْتَاجِ إلَى بَيَانِ نَصِيبِهِ، وَهُوَ الْمُضَارِبُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ فَلَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُ الْبَاقِي لَهُ، وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ: دَفَعْته إلَيْك مُضَارَبَةً وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ وَالِاسْتِحْسَانُ وَهُوَ الصَّحِيحُ صِحَّةُ هَذَا الْعَقْدِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُفِيدُ اشْتِرَاكَهُمَا فِي الرِّبْحِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَبَيَانَ نَصِيبِ الْمَالِكِ وَهُوَ مَلْزُومٌ مَنْطُوقٌ بِهِ وَلَهُ لَازِمٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ وَهُوَ وَلَك نِصْفُهُ طَوَى ذِكْرَهُ اخْتِصَارًا لِلْعِلْمِ بِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَنَّهُ إذَا بَيَّنَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَيَانًا لِكَوْنِ الْبَاقِي لِلْآخَرِ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِخِلَافِهِ كَمَا فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ دَلَّ السُّكُوتُ عَنْ بَيَانِ نَصِيبِ الْمُضَارِبِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ عَلَى أَنَّ الْبَاقِيَ نَصِيبُهُ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ كَقَوْلِهِ دَفَعْته إلَيْك مُضَارَبَةً مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ شَيْءٍ عَلَيْهِ
الْقِسْمُ (الثَّانِي دَلَالَةُ حَالِ السَّاكِتِ) الَّذِي وَظِيفَتُهُ الْبَيَانُ مُطْلَقًا أَوْ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بِسَبَبِ سُكُوتِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ (كَسُكُوتِهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ أَمْرٍ يُشَاهِدُهُ) مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ لَيْسَ مُعْتَقَدَ كَافِرٍ، وَلَا سَبَقَ تَحْرِيمُهُ كَالْمُعَامَلَاتِ الَّتِي كَانَ النَّاسُ يَتَعَامَلُونَهَا وَالْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ الَّتِي كَانُوا يَتَعَاطَوْنَهَا، وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ نَهْيٌ عَنْهَا وَلَا نَكِيرٌ عَلَى فَاعِلِيهَا فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ فِي الشَّرْعِ لِضَرُورَةِ حَالِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يُقِرَّ النَّاسَ عَلَى مُنْكَرٍ؛ لِأَنَّهُ دَاعٍ لِلْخَلْقِ إلَى الْحَقِّ، وَصَفَهُ اللَّهُ بِالْقِيَامِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فَقَالَ {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} [الأعراف: 157] (وَسَيَأْتِي فِي السُّنَّةِ) بَيَانٌ مُسْتَقْصًى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَسُكُوتُ الصَّحَابَةِ عَنْ تَقَوُّمِ مَنَافِعِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ) وَهُوَ وَلَدُ الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَةٍ مُعْتَمِدًا عَلَى مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ عَقْدِ نِكَاحٍ ثُمَّ تَسْتَحِقُّ الْمَرْأَةُ أَمَةً لِلْغَيْرِ فَإِنَّ سُكُوتَهُمْ عَنْ تَقَوُّمِ مَنَافِعِ بَدَنِ الْوَلَدِ بِوُجُوبِ قِيمَتِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْمَغْرُورِ مَعَ حُكْمُهُمْ بِرَدِّ الْجَارِيَةِ عَلَى مَوْلَاهَا وَبِوُجُوبِ الْعُقْرِ عَلَى الْمَغْرُورِ لِلْمَوْلَى وَبِكَوْنِ وَلَدِهِ مِنْهَا حُرًّا بِالْقِيمَةِ (يُفِيدُ عَدَمَ تَقَوُّمِ الْمَنَافِعِ) وَأَنَّهَا بِالْإِتْلَافِ فِي غَيْرِ عَقْدٍ، وَلَا شُبْهَتِهِ لَا تَضَمُّنٍ بِدَلَالَةِ حَالِهِمْ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ جَاءَ طَالِبًا لِحُكْمِ الْحَادِثَةِ غَيْرَ عَالَمٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَهُمْ عَالِمُونَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ بَيَانُهُ فَكَانَ السُّكُوتُ دَلِيلَ النَّفْيِ؛ إذْ لَا يُظَنُّ بِهِمْ السُّكُوتُ عَنْ وَاجِبٍ لِجَاهِلٍ بِهِ وَالْمُفِيدُ لِسُكُوتِهِمْ عَنْهُ عِدَّةُ آثَارٍ مُخْتَلِفَةِ الْأَلْفَاظِ أَخْرَجَ بَعْضَهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَبَعْضَهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهم طَوَيْنَا ذِكْرَهَا مَخَافَةَ التَّطْوِيلِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ مُخَالَفَةٌ فِي ذَلِكَ بَلْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ لَا خِلَافَ بَيْنَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّ وَلَدَ الْمَغْرُورِ حُرُّ الْأَصْلِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ السَّلَفِ أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْأَبِ إلَّا أَنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِهِ
وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَنَّ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَمِنْ هُنَا حُكِيَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ (وَمِنْهُ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ (سُكُوتُ الْبِكْرِ) عِنْدَ اسْتِئْذَانِ الْوَلِيِّ أَوْ رَسُولِهِ إلَيْهَا فِي تَزْوِيجِهَا مِنْ مُعَيَّنٍ مَعَ ذِكْرِ الْمَهْرِ أَوَّلًا عَلَى اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ أَوْ عِنْدَ بُلُوغِهَا ذَلِكَ عَنْ الْوَلِيِّ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ تَفْصِيلٍ فِي الْمَبْلَغِ بِعُرْفٍ فِي مَبَاحِثِ السُّنَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى فَإِنَّ سُكُوتَهَا فِي إحْدَى هَاتَيْنِ الْحَالَيْنِ يُفِيدُ الْإِجَازَةَ بِدَلَالَةِ حَالِهَا، وَهِيَ الْحَيَاءُ فَإِنَّهُ يَمْنَعُهَا مِنْ التَّصْرِيحِ بِالْإِجَازَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ الرَّغْبَةِ فِي الرِّجَالِ وَالْوَقَاحَةِ كَمَا أَشَارَتْ إلَيْهِ «عَائِشَةُ رضي الله عنهما فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ تُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ قَالَ نَعَمْ، قُلْت: إنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِيُ فَتَسْكُتُ قَالَ: سُكُوتُهَا إذْنُهَا» وَلَا تَمْتَنِعُ عَادَةً مِنْ التَّصْرِيحِ بِالرَّدِّ لَا سِيَّمَا وَغَالِبُ حَالِهِنَّ إظْهَارُ النَّفْرَةِ عِنْدَ فَجْأَةِ السَّمَاعِ.
وَمِنْ ثَمَّةَ اسْتَحْسَنَ الْمَشَايِخُ تَجْدِيدَ الْعَقْدِ عِنْدَ الزِّفَافِ فِيمَا إذَا زُوِّجَتْ قَبْلَ الِاسْتِئْذَانِ، وَإِنْ نُقِلَ عَنْهَا عَدَمُ الرَّدِّ هَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبِكْرِ مَنْ إذْنُهَا مُعْتَبَرٌ فِي ذَلِكَ شَرْعًا فَتَخْرُجُ الصَّغِيرَةُ وَالْمَرْقُوقَةُ وَالْمَجْنُونَةُ كَمَا أَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الثَّيِّبَ الْمُعْتَبَرَ إذْنُهَا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ سُكُوتُهَا إجَازَةً بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا
بِهِ كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ (وَفِي ادِّعَاءِ أَكْبَرِ وَلَدٍ مِنْ ثَلَاثَةِ بُطُونِ أَمَتِهِ نَفْيٌ لِغَيْرِهِ) وَحَقُّ الْعِبَارَةِ وَسُكُوتُهُ عَنْ دَعْوَةِ وَلَدَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي ثَلَاثَةِ بُطُونِ أَمَتِهِ بَعْدَ الدَّعْوَةِ الْأَكْبَرُ فَإِنَّهُ نَفْيٌ لَهُمَا أَيْ وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ أَيْضًا سُكُوتُ الْمَوْلَى عَنْ دَعْوَةِ وَلَدَيْنِ أَنَّهُمَا مِنْهُ فِيمَا إذَا أَتَتْ أَمَتُهُ بِثَلَاثَةِ أَوْلَادٍ فِي بُطُونٍ ثَلَاثَةٍ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بَعْدَ دَعْوَتِهِ أَكْبَرَهُمْ فَإِنَّ سُكُوتَهُ عَنْ دَعْوَتِهِمَا نَفْيٌ لِنَسَبِهِمَا بِدَلَالَةِ حَالِ الْمَوْلَى، وَهِيَ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِنَسَبِ وَلَدٍ هُوَ مِنْهُ فَرْضٌ كَمَا أَنَّ نَفْيَ نَسَبِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ عَنْ نَفْسِهِ فَرْضٌ أَيْضًا فَكَانَ سُكُوتُهُ عَنْ بَيَانِهِ بَعْدَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ مِنْهُ دَلِيلَ النَّفْيِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ مِنْهُ كَالتَّصْرِيحِ بِالنَّفْيِ (وَلَا يَلْزَمُ ثُبُوتُهُ) أَيْ نَسَبِ غَيْرِ الْأَكْبَرِ مِنْهُ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمَا وَلَدَا أُمِّ وَلَدِهِ بِدَعْوَةِ الْأَكْبَرِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ بِدَعْوَتِهِ أَنَّهَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَنَسَبُ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى دَعْوَةٍ لِكَوْنِهَا فِرَاشًا.
وَمِنْ هُنَا قَالَ زُفَرُ: يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا أَيْضًا (لِمُقَارَنَةِ النَّفْيِ الِاعْتِرَافَ بِالْأُمُومَةِ) أَيْ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا يَثْبُتُ نَسَبُ غَيْرِ الْأَكْبَرِ إذَا لَمْ يُقَارِنْ نَفْيَهُ ثُبُوتُ أُمُومَتِهَا لَكِنَّهُ مُقَارَنَةٌ بِسُكُوتِهِ عَنْ الِاعْتِرَافِ بِهِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ، وَدَعْوَتُهُ الْأَكْبَرَ لَمْ تَكُنْ قَبْلَ وِلَادَتِهِمَا بَلْ بَعْدَهَا فَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ وَقْتَ وِلَادَتِهِمَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفِرَاشَ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهَا مِنْ وَقْتِ الدَّعْوَةِ فَكَانَ انْفِصَالُهُمَا قَبْلَ ظُهُورِ الْفِرَاشِ فِيهَا فَيَكُونَانِ وَلَدَيْ الْأَمَةِ فَيَحْتَاجُ ثُبُوتُ نَسَبِهِمَا إلَى الدَّعْوَةِ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ دَعْوَةِ الْأَكْبَرِ بِلَفْظِ الْأَكْبَرِ ابْنِي أَوْ بِلَفْظِ هَذَا ابْنِي فَانْتَفَى تَوَهُّمُ أَنَّ نَفْيَ مَا سِوَاهُ بِالْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ ثُمَّ إيرَادُ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَا يَقُولُونَ بِهِ ثُمَّ أَقُولُ: لَعَلَّ الْوَضْعَ إنَّمَا كَانَ فِي دَعْوَةِ الْأَكْبَرِ وَالسُّكُوتِ عَنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ فِيمَا لَوْ ادَّعَى الْأَصْغَرَ وَسَكَتَ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ يَكُونُ نَفْيًا لِلْأَوَّلَيْنِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى عِنْدَ الْكُلِّ وَفِيمَا لَوْ ادَّعَى الْأَوْسَطَ وَسَكَتَ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ يَكُونُ نَفْيًا لِلْأَكْبَرِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى عِنْدَ الْكُلِّ وَلِلْأَصْغَرِ بِطَرِيقِ الْمُسَاوَاةِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ نَفْيًا لَهُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ زُفَرَ ثُمَّ إنَّمَا وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِثَلَاثَةِ بُطُونٍ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْهُمْ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَاعْتِرَافُهُ بِأَحَدِهِمْ اعْتِرَافٌ بِالثَّانِي ضَرُورَةً كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ
الْقِسْمُ (الثَّالِثُ: اعْتِبَارُهُ) أَيْ مَا اُعْتُبِرَ مِنْ سُكُوتِ السَّاكِتِ دَلَالَةً كَالنُّطْقِ (لِدَفْعِ التَّغْرِيرِ) أَيْ لِضَرُورَةِ دَفْعِ وُقُوعِ النَّاسِ فِي الْغُرُورِ (كَدَلَالَةِ سُكُوتِهِ) أَيْ الْمَوْلَى (عِنْدَ رُؤْيَةِ عَبْدِهِ يَبِيعُ) لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا أَوْ يَشْتَرِي مَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ الْحَاجَةُ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ (عَنْ النَّهْيِ) عَنْ ذَلِكَ (عَلَى الْإِذْنِ) فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُ إذْنًا فِيهَا أَفْضَى إلَى ضَرَرِ النَّاسِ لِاسْتِدْلَالِهِمْ بِهِ عَلَى إذْنِهِ فَلَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ مُعَامَلَتِهِ فَإِذَا لَحِقَهُ دَيْنٌ وَقَالَ الْمَوْلَى مَحْجُورٌ عَلَيْهِ يَتَأَخَّرُ إلَى وَقْتِ عِتْقِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَقَدْ لَا يَقَعُ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ وَالْغُرُورِ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَصِحَّ الْحَجْرُ الْخَاصُّ بَعْدَ الْإِذْنِ الْعَامِّ نَعَمْ لَا يَكُونُ السُّكُوتُ إجَازَةً لِبَيْعِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَالِكُهُ أَذِنَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ لِلْمَوْلَى أَوْ لِغَيْرِهِ ثُمَّ هَذَا مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَكُونُ إذْنًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لِفَرْطِ الْغَيْظِ وَقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَحْجُورٌ شَرْعًا، وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَكُونُ حُجَّةً. قُلْنَا تُرَجَّحُ الْعَادَةُ الْفَاشِيَةُ بِرَدِّ تَصَرُّفِهِ وَإِظْهَارِ نَهْيِهِ إذَا لَمْ يَرْضَ (وَسُكُوتُ الشَّفِيعِ) أَيْ وَكَدَلَالَةِ سُكُوتِ الشَّفِيعِ عَنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ عَلَى إسْقَاطِهَا لِضَرُورَةِ دَفْعِ الْغُرُورِ عَنْ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّصَرُّفِ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ سُكُوتُ الشَّفِيعِ إسْقَاطًا لَهَا لِنَقْضِهِ لَوْ وَقَعَ ظَنًّا مِنْهُ أَنْ لَا غَرَضَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا فَلَا جَرَمَ أَنْ جَعَلَ سُكُوتَهُ كَالتَّنْصِيصِ عَلَى إسْقَاطِهَا هَذَا مَا قَالُوهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّلَبَ فِي الشُّفْعَةِ ثَلَاثَةٌ:
طَلَبُ مُوَاثَبَةِ أَنْ يَطْلُبُهَا كَمَا عُلِمَ بِالْبَيْعِ سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ أَحَدٌ أَوْ لَا وَطَلَبَ تَقْرِيرَ أَنْ يَنْهَضَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَشْهَدَ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ
تَفْصِيلٍ وَطَلَبِ خُصُومَةٍ وَتَمَلُّكِ أَنْ يَرْفَعَ بَعْدَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي إلَى الْقَاضِي وَيَطْلُبَ قَضَاءَهُ لَهُ بِهَا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الثَّالِثَ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ بَلْ إنَّمَا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِتَرْكِ الْخُصُومَةِ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْقَاضِي حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَجْلِسٌ فَلَمْ يُخَاصِمْ حَتَّى مَضَى تَبْطُلُ وَالرِّوَايَةُ الظَّاهِرَةُ عَنْهُ لَا تَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ أَبَدًا كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْهِدَايَةِ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ تَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ شَهْرًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَعِنْدَ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ الْفَتْوَى عَلَيْهِ فَخَرَجَ هَذَا الطَّلَبُ عَنْ كَوْنِ مُجَرَّدِ السُّكُوتِ مُبْطِلًا لَهُ وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ مُدَّةَ الثَّانِي مُقَدَّرَةٌ بِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ، وَعَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ عَلَى الْفَوْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ فَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ أَنْ يَطْلُبَهَا عَلَى فَوْرِ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَآخَرُونَ أَنْ يَطْلُبَهَا فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ كَمَا فِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا وَاخْتِيَارُ الْكَرْخِيُّ وَجَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ يَكُونُ الْمُرَادُ السُّكُوتَ عَنْ الطَّلَبِ الثَّانِي مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ، وَعَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الطَّلَبِ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ مُرَادًا بِكَوْنِ السُّكُوتِ مُبْطِلَهُ، هَذَا وَفِي التَّلْوِيحِ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ مُنْدَرِجٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي أَعْنِي ثُبُوتَ الْبَيَانِ بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ اهـ وَلَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى سُكُوتِ الشَّفِيعِ عَنْ الطَّلَبِ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهِ طَلَبَ التَّقْرِيرِ ثُمَّ هُنَا تَنْبِيهَانِ مُتَعَلِّقَانِ بِسُكُوتِ الْبِكْرِ وَالشَّفِيعِ نَصُّوا عَلَى مَضْمُونِهِمَا أَحَدُهُمَا الْمُرَادُ بِسُكُوتِهِمَا السُّكُوتُ الِاخْتِيَارِيُّ حَتَّى لَوْ أَخَذَ فَهْمًا لَا يَكُونُ إجَازَةً إذَا رَدَّتْ وَطَلَبَ فِي فَوْرٍ زَوَالَ ذَلِكَ.
ثَانِيهُمَا: لَا فَرْقَ فِي كَوْنِ سُكُوتِهِمَا إجَازَةً فِي حَقِّهَا، وَإِسْقَاطًا لِلشُّفْعَةِ فِي حَقِّهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا عَالِمَيْنِ بِكَوْنِهِ إجَازَةً وَإِسْقَاطًا أَوْ لَا وَيَظْهَرُ جَرَيَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي سُكُوتِ الْمَوْلَى عِنْدَ رُؤْيَةِ عَبْدِهِ يَبِيعُ أَوْ يَشْتَرِي عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ قِيَاسًا عَلَيْهِمَا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
الْقِسْمُ (الرَّابِعُ الثَّابِتُ ضَرُورَةُ الطُّولِ فِيمَا تُعُورِفَ) أَيْ دَلَالَةُ السُّكُوتِ عَلَى تَعْيِينِ مَعْدُودٍ تُعُورِفَ حَذْفُهُ ضَرُورَةَ طُولِ الْكَلَامِ بِذِكْرِهِ مَعَ وُجُودِ مَعْطُوفٍ عَلَى عَدَدِهِ يُفِيدُهُ عُرْفًا وَهُوَ قِسْمَانِ مَا كَانَ مُبَيَّنًا بِنَفْسِهِ كَالدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ وَمَا كَانَ مِقْدَارًا شَرْعِيًّا كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ (كَمِائَةٍ وَدِرْهَمٍ أَوْ وَدِينَارٍ أَوْ وَقَفِيزٍ) مِنْ بُرٍّ مَثَلًا فَالسُّكُوتُ عَنْ مُمَيِّزِ الْمِائَةِ فِي هَذِهِ يَدُلُّ عُرْفًا عَلَى أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَفِي الثَّانِي مِنْ الدَّنَانِيرِ وَفِي الثَّالِثِ مِنْ الْقُفْزَانِ (بِخِلَافِ) لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ (وَعَبْدٌ) وَمِائَةٌ (وَثَوْبٌ) فَإِنَّ الْمَعْطُوفَ فِي هَذَيْنِ لَيْسَ بِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ وَلَا الْمُمَيِّزُ مِمَّا تُعُورِفَ حَذْفُهُ فَلَا يَدُلُّ السُّكُوتُ فِيهِمَا عُرْفًا عَلَى أَنَّهُ الْمِائَةُ مِنْ الْعَبِيدِ وَلَا مِنْ الثِّيَابِ فَيَلْزَمُهُ عَبْدٌ وَثَوْبٌ وَتَفْسِيرُ الْمِائَةِ إلَيْهِ، وَالشَّافِعِيُّ وَإِنْ لَمْ يُخَالِفْ فِي أَنَّ الْبَيَانَ قَدْ يَكُونُ بِالسُّكُوتِ لِضَرُورَةِ طُولِ الْكَلَامِ كَمَا فِي عَطْفِ الْجُمْلَةِ النَّاقِصَةِ عَلَى الْكَامِلَةِ نَحْوِ زَيْنَبُ طَالِقٌ وَعَمْرَةُ حَتَّى قَالَ: يُطَلَّقَانِ كَقَوْلِنَا: خَالَفَ فِي بِنَاءِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَيْهِ فَقَالَ فِي جَمِيعِهَا يَلْزَمُهُ مَا بَعْدَ الْمِائَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَتَفْسِيرُ الْمِائَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مُبْهَمَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَصْلُحُ مُبَيِّنًا لَهَا فَإِنَّ الْعَطْفَ لَا يَصْلُحُ بَيَانًا لَهَا لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى التَّغَايُرِ وَمَبْنَى التَّفْسِيرِ عَلَى الِاتِّحَادِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيَانًا فِي مِائَةٍ وَدِرْهَمٍ لَكَانَ بَيَانًا فِي مِائَةٍ وَعَبْدٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا هُنَا بِخِلَافِ مِائَةٍ وَثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ أَوْ وَثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ أَحَدَ الْمُبْهَمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِالدَّرَاهِمِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا لِحَاجَةِ كُلٍّ إلَيْهِ قُلْنَا: حَذْفُ تَمْيِيزِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مُتَعَارَفٌ فِي الْعَدَدِ إذَا عُطِفَ عَلَيْهِ مُفَسِّرٌ لَهُ ضَرُورَةَ طُولِ الْكَلَامِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَسْبَابِ التَّخْفِيفِ كَمَا فِي بِعْته بِمِائَةٍ وَدِرْهَمٍ وَهَلُمَّ جَرًّا يُرَادُ بِالْجَمِيعِ الدَّرَاهِمُ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِجَامِعِ الْعُرْفِ فِيهِمَا كَذَلِكَ وَلَا كَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالثَّوْبُ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِمَّا هُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَلَا مِقْدَارٌ شَرْعِيٌّ لِانْتِفَاءِ الْعُرْفِ فِيهِ كَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّخْفِيفِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ مُطْلَقًا كَثُبُوتِ مَا ذَكَرْنَا بَلْ إنَّمَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فِي عَقْدٍ خَاصٍّ وَهُوَ الْمُسْلِمُ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ الْبَيْعُ بِالثِّيَابِ الْمَوْصُوفَةِ مُؤَجَّلًا قُلْت: وَبِهَذَا يَضْعُفُ مَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِفُلَانٍ: عَلَيَّ أَلْفٌ
وَعَبْدٌ فَعَلَيْهِ عَبْدٌ وَأَلْفٌ مِمَّا يَشَاءُ، وَلَوْ قَالَ: وَشَاةٌ أَوْ وَبَعِيرٌ، أَوْ وَفَرَسٌ، أَوْ وَثَوْبٌ فَعَلَيْهِ الْأَلْفُ مِنْ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالثِّيَابِ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْعَبِيدَ؛ لِأَنَّ الْغَنَمَ وَالْإِبِلَ وَالْخَيْلَ وَالثِّيَابَ أُقَسِّمُهَا إذَا كَانَتْ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، وَلَا أُقَسِّمُ الرَّقِيقَ
(تَنْبِيهٌ) فَإِنْ قُلْت: ظَهَرَ أَنَّ الدَّلَالَةَ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ لَمْ تَحْصُلْ مِنْ مُجَرَّدِ السُّكُوتِ بَلْ مِنْهُ مَعَ مَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ مُشَاهَدَةِ فِعْلٍ فَمَا وَجْهُ نِسْبَتِهَا إلَى السُّكُوتِ حَتَّى كَانَتْ غَيْرَ لَفْظِيَّةٍ، قُلْت: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لِتَنْزِيلِ مَا أَفَادَهَا مِنْ مَجْمُوعِ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ مَعَ السُّكُوتِ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ عِلَّةٍ ذَاتِ أَجْزَاءٍ وَمِنْ شَأْنِ مَا كَانَ عِلَّتُهُ ذَاتَ أَجْزَاءٍ أَنْ يُنْسَبَ إلَى آخِرِهَا وُجُودًا، وَالسُّكُوتُ مَعَ غَيْرِهِ هُنَا كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ تَمْشِيَةَ هَذَا غَيْرُ ظَاهِرَةٍ فِي هَذَا الْمِثَالِ وَإِخْوَتِهِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ ثُمَّ ظَاهِرٌ أَنَّ جَمِيعَ أَقْسَامِ هَذِهِ الدَّلَالَةِ مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ الِالْتِزَامِيَّةِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَسَيَأْتِي عَدُّهَا مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ اللَّفْظِيَّةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَحِينَئِذٍ فَيَظْهَرُ كَوْنُهَا فِي الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ لَفْظِيَّةً أَيْضًا، وَإِلَّا فَكَوْنُهَا فِيهِمَا غَيْرَ لَفْظِيَّةٍ وَفِي الْمَوَاضِعِ الْآتِيَةِ لَفْظِيَّةً مَحْضُ اصْطِلَاحٍ فَلْيُتَأَمَّلْ
(وَاللَّفْظِيَّةُ عِبَارَةٌ وَإِشَارَةٌ وَدَلَالَةٌ وَاقْتِضَاءٌ) وَلَهُمْ فِي تَوْجِيهِ الْحَصْرِ فِيهَا وُجُوهٌ، وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي عَلَى مَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيهَا أَنَّ الدَّلَالَةَ اللَّفْظِيَّةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ ثَابِتَةً بِنَفْسِ اللَّفْظِ أَوْ لَا.
وَالْأُولَى إمَّا أَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً مِنْهُ وَهِيَ الْعِبَارَةُ أَوْ لَا وَهِيَ الْإِشَارَةُ، وَالثَّانِيَةُ إمَّا أَنْ تَكُونَ عَلَى مَسْكُوتٍ عَنْهُ يُفْهَمُ بِمُجَرَّدِ فَهْمِ اللُّغَةِ وَهِيَ الدَّلَالَةُ أَوْ يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ اللَّفْظِ أَوْ صِدْقُهُ عَلَيْهِ وَهِيَ الِاقْتِضَاءُ أَوْ لَا وَهِيَ التَّمَسُّكُ الْفَاسِدُ وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ لِلدَّلَالَةِ حَقِيقَةً وَيَتَعَدَّى بِوَاسِطَتِهَا إلَى اللَّفْظِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (وَبِاعْتِبَارِهِ) أَيْ هَذَا التَّقْسِيمِ فِي الدَّلَالَةِ (يَنْقَسِمُ اللَّفْظُ إلَى دَالٍّ بِالْعِبَارَةِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَدَالٍّ بِالْإِشَارَةِ وَدَالٍّ بِالدَّلَالَةِ وَدَالٍّ بِالِاقْتِضَاءِ (فَعِبَارَةُ النَّصِّ أَيْ اللَّفْظِ) الْمَفْهُومُ الْمَعْنَى سَوَاءٌ كَانَ بِالْمَعْنَى الْمُقَابِلِ لِلظَّاهِرِ أَوْ بِغَيْرِهِ مُفَسَّرًا أَوْ مُحْكَمًا، وَسَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا عَامًّا أَوْ خَاصًّا، وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُقَابِلُ الظَّاهِرَ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ إطْلَاقًا شَائِعًا ثُمَّ الْعِبَارَةُ لُغَةً تَفْسِيرُ الرُّؤْيَا وَسُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الدَّلَالَةِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يُفَسِّرُ مَا فِي الضَّمِيرِ الَّذِي هُوَ مَسْتُورٌ كَمَا أَنَّ عِبَارَةَ الرُّؤْيَا تُفَسِّرُ عَاقِبَتَهَا الْمَسْتُورَةَ فَظَهَرَ أَنَّ إضَافَتَهَا إلَى النَّصِّ لَيْسَتْ مِنْ قَبِيلِ عَيْنِ الشَّيْءِ وَكُلِّهِ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَوْصَافِ اللَّفْظِ بَلْ إضَافَتُهَا إلَيْهِ بِمَعْنَى اللَّامِ وَأَنَّهَا مِنْ أَوْصَافِ الدَّلَالَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ (دَلَالَتُهُ) أَيْ اللَّفْظِ (عَلَى الْمَعْنَى) حَالَ كَوْنِهِ (مَقْصُودًا أَصْلِيًّا) مِنْ ذِكْرِهِ (وَلَوْ لَازِمًا) أَيْ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا لِلَّفْظِ (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ الْمَعْنَى مَقْصُودًا أَصْلِيًّا مِنْ ذِكْرِ لَفْظِهِ هُوَ (الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي النَّصِّ) الْمُقَابِلِ لِلظَّاهِرِ (أَوْ) دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَعْنَى حَالَ كَوْنِهِ مَقْصُودًا (غَيْرَ أَصْلِيٍّ) مِنْ ذِكْرِهِ.
(وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ الْمَعْنَى مَقْصُودًا غَيْرَ أَصْلِيٍّ هُوَ (الْمُعْتَبَرُ) عِنْدَهُمْ (فِي الظَّاهِرِ) الْمُقَابِلِ لِلنَّصِّ (كَمَا سَيُذْكَرُ) كُلٌّ مِنْهُمَا فِي التَّقْسِيمِ الثَّانِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى (فَفُهِمَ إبَاحَةُ النِّكَاحِ وَالْقَصْرُ عَلَى الْعَدَدِ) أَيْ الْأَرْبَعِ بِشَرْطِ اجْتِمَاعِهِنَّ فِي حَقِّ الْحُرِّ (مِنْ آيَةِ فَانْكِحُوا) أَيْ مِنْ مَجْمُوعِ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وَإِلَّا قَالَ مِنْ فَانْكِحُوا (مِنْ الْعِبَارَةِ) لِأَنَّ لَفْظَهَا دَالٌّ عَلَى طَلَبِ نِكَاحِ مَنْ لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى حُرْمَتِهَا عَلَى النِّكَاحِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِبَاحَةُ كَمَا عُرِفَ وَعَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَرْبَعِ لِلْحُرِّ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ أَيْضًا (وَإِنْ كَانَتْ) الْآيَةُ (ظَاهِرًا فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي إبَاحَةِ نِكَاحِ مَنْ ذَكَرْنَا وَنَصًّا فِي الثَّانِي وَهُوَ قَصْرُ إبَاحَتِهِ عَلَى الْأَرْبَعِ مُجْتَمَعَاتٍ لِلْحُرِّ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ لَيْسَ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْهَا بَلْ الْحُكْمُ الثَّانِي وَذَكَرَ الْأَوَّلَ لِلثَّانِي وَسَتَقِفُ عَلَى تَوْجِيهِهِ فِي التَّقْسِيمِ الثَّانِي.
(وَكَذَا حُرْمَةُ الرِّبَا وَحِلُّ الْبَيْعِ وَالتَّفْرِقَةُ مِنْ آيَةِ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] أَيْ وَكَذَا فُهِمَ إبَاحَةُ الْبَيْعِ وَحُرْمَةُ الرِّبَا وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا بِحِلِّ الْبَيْعِ وَحُرْمَةِ الرِّبَا مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] مِنْ عِبَارَةِ النَّصِّ لِأَنَّ لَفْظَ هَذِهِ الْآيَةِ دَالٌّ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ كَانَتْ فِي كُلٍّ مِنْ إبَاحَةِ
الْبَيْعِ وَحُرْمَةِ الرِّبَا ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْهَا وَفِي التَّفْرِقَةِ الْمَذْكُورَةِ نَصًّا لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْهَا وَذِكْرُ لَا وَلِأَنَّ لَهَا (وَالتَّفْرِقَةُ) بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ (لَازِمٌ مُتَأَخِّرٌ) عَنْهُمَا بِخِلَافِ حِلِّ الْبَيْعِ وَحُرْمَةِ الرِّبَا فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَدْلُولٌ مُطَابِقِيٌّ لِلَّفْظِ الْمُفِيدِ لَهُ (وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْمَعْنَى الْعِبَارِيِّ يَكُونُ مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا لِلَّفْظِ (لَمْ يُقَيَّدْ) الْمَعْنَى (بِالْوَضْعِيِّ) فَيَخْرُجُ بَلْ قُلْنَا: وَلَوْ لَازِمًا لِيَكُونَ نَصًّا فِي دُخُولِهِ.
(وَيُقَالُ) فِي تَعْرِيفِهَا كَمَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَأَتْبَاعُهُ (مَا سِيقَ لَهُ الْكَلَامُ) قَالَ جَمْعٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَوَافَقَهُمْ الْمُصَنِّفُ (وَالْمُرَادُ) أَنْ يُسَاقَ لَهُ مُطْلَقًا أَيْ (سَوْقًا أَصْلِيًّا أَوْ غَيْرَ أَصْلِيٍّ وَهُوَ) أَيْ غَيْرُ أَصْلِيٍّ (مُجَرَّدُ قَصْدِ التَّكَلُّمِ بِهِ) أَيْ اللَّفْظِ (لِإِفَادَةِ مَعْنَاهُ) تَتْمِيمًا لِأَمْرٍ لَمْ يُسْقَ الْكَلَامُ لَهُ، وَالْأَصْلِيُّ مَا سِيقَ الْكَلَامُ لَهُ مَعَ الْقَصْدِ الْمَذْكُورِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْمُرَادِ السَّوْقَ الْمُطْلَقَ (عَمَّمْنَا الدَّلَالَةَ لِلْعِبَارَةِ فِي الْآيَتَيْنِ) آيَةَ {فَانْكِحُوا} [النساء: 3] وَآيَةَ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] مُوَافَقَةً لِصَدْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ، وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ جَعَلَ الدَّلَالَةَ عَلَى التَّفْرِقَةِ عِبَارَةً؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ بِالسَّوْقِ، وَعَلَى الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ إشَارَةً؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مَقْصُودَيْنِ بِهِ بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّوْقِ فِي تَعْرِيفِ الْعِبَارَةِ كَوْنُ الْمَعْنَى هُوَ الْمَقْصُودَ لَهُ فَتَكُونُ الْعِبَارَةُ وَالنَّصُّ وَاحِدًا عِنْدَهُ وَالْعِبَارَةُ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ النَّصِّ عِنْدَ غَيْرِهِ (وَدَلَالَتُهُ) أَيْ اللَّفْظِ (عَلَى مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ) أَيْ بِاللَّفْظِ (أَصْلًا إشَارَةٌ) وَهِيَ لُغَةً الدَّلَالَةُ عَلَى الْمَحْسُوسِ الْمُشَاهَدِ بِالْيَدِ أَوْ غَيْرِهَا وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الدَّلَالَةُ بِهَا لِأَنَّ السَّامِعَ لِإِقْبَالِهِ عَلَى مَا سِيقَ لَهُ الْكَلَامُ كَأَنَّهُ غَفَلَ عَمَّا فِي ضِمْنِهِ فَهُوَ يُشِيرُ إلَيْهِ قَالُوا وَنَظِيرُ الْعِبَارَةِ وَالْإِشَارَةِ مِنْ الْمَحْسُوسِ أَنْ يَنْظُرَ إنْسَانٌ إلَى مُقْبِلٍ عَلَيْهِ فَيُدْرِكَهُ وَيُدْرِكَ غَيْرَهُ بِلَحْظِهِ يَمْنَةً وَيَسَرَةً فَإِدْرَاكُهُ الْمُقْبِلَ كَالْعِبَارَةِ وَغَيْرُهُ كَالْإِشَارَةِ.
(وَقَدْ يُتَأَمَّلُ) أَيْ وَيَحْتَاجُ فِي الْوُقُوفِ عَلَى الْمَعْنَى الْإِشَارِيِّ إلَى تَأَمُّلٍ فُقِدَ لِلتَّحْقِيقِ فَإِنَّهُمْ مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّهَا لَا تُفْهَمُ مِنْ الْكَلَامِ أَوَّلَ مَا يَقْرَعُ السَّمْعَ حَتَّى قِيلَ الْإِشَارَةُ مِنْ الْعِبَارَةِ كَالْكِنَايَةِ مِنْ الصَّرِيحِ وَالظَّاهِرُ وَالْإِشَارَةُ وَإِنْ اسْتَوَيَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْكَلَامَ لَمْ يُسَقْ لَهُمَا قَدْ افْتَرَقَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الظَّاهِرَ يَعْرِفُهُ السَّامِعُ أَوَّلَ الْوَهْلَةِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ فِيهِ، وَالْإِشَارَةُ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِنَوْعِ تَأَمُّلٍ وَاسْتِدْلَالٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُزَادَ عَلَى الْكَلَامِ أَوْ يُنْقَضَ مِنْهُ ثُمَّ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِغُمُوضٍ يَزُولُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ فَهِيَ إشَارَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى زِيَادَةِ تَأَمُّلٍ فَهِيَ إشَارَةٌ غَامِضَةٌ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَغَيْرُهُ فَكَمَا أَنَّ إدْرَاكَ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بِالنَّظَرِ مَعَ إدْرَاكِ الْمَقْصُودِ بِهِ مِنْ كَمَالِ قُوَّةِ الْإِبْصَارِ كَذَا فَهْمُ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بِالْكَلَامِ فِي ضِمْنِ الْمَقْصُودِ بِهِ مِنْ كَمَالِ قُوَّةِ الذَّكَاءِ وَصَفَاءِ الْقَرِيحَةِ وَلِهَذَا يَخْتَصُّ بِفَهْمِ الْإِشَارَةِ الْخَوَاصُّ وَتُعَدُّ مِنْ مَحَاسِنِ الْكَلَامِ الْبَلِيغِ وَسَتَتَحَقَّقُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا الْتِزَامِيَّةً فَإِذَنْ هِيَ دَلَالَةٌ الْتِزَامِيَّةٌ لِمَعْنَى اللَّفْظِ لَمْ تُقْصَدْ بِسَوْقِهِ وَيَحْتَاجُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا إلَى تَأَمُّلٍ (كَالِاخْتِصَاصِ بِالْوَالِدِ نَسَبًا مِنْ آيَةِ {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} [البقرة: 233] دُونَ الْأُمِّ) أَيْ كَاخْتِصَاصِ الْأَبِ بِكَوْنِ الِانْتِسَابِ إلَيْهِ دُونَ الْأُمِّ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] لِأَنَّ اللَّامَ لِلِاخْتِصَاصِ فَيَجِبُ كَوْنُ الْوَالِدِ أَخَصَّ بِالْوَلَدِ مِمَّنْ سِوَاهُ، وَذَلِكَ بِالِانْتِسَابِ ثُمَّ هُوَ لَيْسَ الْمَقْصُودَ مِنْ سَوْقِ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْ سَوْقِهَا إيجَابُ نَفَقَةِ الْوَالِدَاتِ وَكِسْوَتِهِنَّ عَلَى الْوَالِدِ فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهَا الْعِبَارَةُ وَالْإِشَارَةُ.
(فَثَبَتَتْ أَحْكَامٌ مِنْ انْفِرَادِهِ بِنَفَقَتِهِ وَالْإِمَامَةُ وَالْكَفَاءَةُ وَعَدَمُهُمَا) أَيْ فَظَهَرَ أَثَرُ هَذَا الِاخْتِصَاصِ فِي انْفِرَادِ الْوَالِدِ بِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ عَلَيْهِ كَالْعَبْدِ لَمَّا كَانَ مُخْتَصًّا بِالْمَوْلَى لَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ فِي نَفَقَتِهِ، وَفِي تَعْدِيَةِ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ لِلْأَبِ مَعَ ثَمَرَاتِهَا إلَيْهِ إذَا كَانَ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَبُ مِنْ الصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ لِتِلْكَ الْأَحْكَامِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْأَبُ أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ الْكُبْرَى وَكُفْءً لِلْقُرَشِيَّةِ لِاسْتِجْمَاعِهِ شَرَائِطَهُمَا الَّتِي مِنْهَا كَوْنُهُ قُرَشِيًّا تَعَدَّى إلَى الِابْنِ كَوْنُهُ كَذَلِكَ إذَا تَوَفَّرَتْ فِيهِ بَقِيَّةُ شَرَائِطِهِمَا وَلَوْ كَانَ الْأَبُ غَيْرَ أَهْلٍ وَكُفْءٍ لَهُمَا لِكَوْنِهِ جَاهِلًا غَيْرَ قُرَشِيٍّ كَانَ الِابْنُ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الِابْنُ جَاهِلًا وَهَذَا مُطَّرِدٌ (مَا لَمْ يُخْرِجْهُ الدَّلِيلُ) أَيْ إلَّا مَا أَخْرَجَهُ
الدَّلِيلُ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي هِيَ مُقْتَضَى اخْتِصَاصِهِ بِالنَّسَبِ عَنْهَا كَالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ فَإِنَّ الِابْنَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِيهِمَا وَإِنْ اتَّصَفَ الْأَبُ بِضِدِّ مَا الْأُمُّ عَلَيْهِ مِنْهُمَا لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ بِالِاسْتِقْرَاءِ (وَزَوَالِ مِلْكِ الْمُهَاجِرِ عَنْ الْمُخَلَّفِ مِنْ لَفْظِ الْفُقَرَاءِ) أَيْ وَكَزَوَالِ مِلْكِ الْمُهَاجِرِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ عَمَّا خَلَّفَهُ ثَمَّةَ مِنْ الْأَمْوَالِ بِاسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَيْهَا وَإِحْرَازِهِمْ إيَّاهَا مِنْ التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِالْفَقِيرِ فِي قَوْله تَعَالَى {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: 8] مَعَ وُجُودِهَا بِمَكَّةَ وَانْتِفَاءِ كُلِّ مُزِيلٍ لِمِلْكِهَا مَا عَدَا اسْتِيلَاءَ الْكُفَّارِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ - حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً - مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ أَوْ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ لَا مَنْ بَعُدَتْ يَدُهُ عَنْ الْمَالِ كَمَا أَنَّ الْغَنِيَّ - حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً - مَنْ هُوَ مَالِكٌ لِلْمَالِ لَا مَنْ قَرُبَتْ يَدُهُ مِنْهُ أَلَا يَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَيْسَ بِغَنِيٍّ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ أَمْوَالٌ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَابْنُ السَّبِيلِ الْمَالِكُ لِلْمَالِ فِي وَطَنِهِ غَنِيٌّ، وَإِنْ بَعُدَتْ يَدُهُ عَنْهُ حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ.
وَهَذَا لَيْسَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ بِنَظْمِهَا بَلْ الْمَقْصُودُ بِهِ بَيَانُ اسْتِحْقَاقِ الْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ سَهْمًا مِنْ الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8] بَدَلٌ مِنْ {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ مِنْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبِ الْمِيزَانِ وَمَشَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَوْ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ حُذِفَ عَاطِفُهُ وَهُوَ الْوَاوُ كَمَا حَكَاهُ فِي التَّيْسِيرِ وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ بَابُهُ الشِّعْرَ فَقَدْ خُرِّجَتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْهَا {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ} [الغاشية: 8] كَمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فَهَذِهِ الْآيَةُ مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهَا الْعِبَارَةُ وَالْإِشَارَةُ عَلَى هَذَا أَيْضًا، هَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ (وَالْوَجْهُ أَنَّهُ) أَيْ زَوَالَ مِلْكِ الْمُهَاجِرِ عَنْ الْمُخَلَّفِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِاسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَيْهِ ثَمَّةَ مِنْ لَفْظِ الْفُقَرَاءِ فِي الْآيَةِ (اقْتِضَاءٌ) أَيْ مُقْتَضًى عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ لِلْفُقَرَاءِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّلْوِيحِ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لِهَذَا الْوَصْفِ مُتَقَدِّمٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ اقْتَضَاهُ صِحَّةُ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِمْ (لِأَنَّ صِحَّةَ إطْلَاقِ الْفَقِيرِ) عَلَى الْإِنْسَانِ (بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِ الْأَمْوَالِ) الَّتِي يَتَحَقَّقُ بِمِلْكِهَا الْغِنَى لَهُ فِي وَقْتٍ (مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الزَّوَالِ) أَيْ زَوَالِ مِلْكِهِ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ زَوَالُهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ سَابِقًا عَلَى صِحَّةِ إطْلَاقِ الْفَقِيرِ عَلَيْهِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْفَقْرُ بِدُونِهِ حِينَئِذٍ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَيْضًا انْتِفَاءُ جَعْلِهِ إشَارَةً مِنْ قَبِيلِ جُزْءِ الْمَوْضُوعِ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عَدَمَ مِلْكِ مَا خَلَّفُوهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ جُزْءٌ مِنْ مَعْنَى الْفَقْرِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُدَّعَى ثُبُوتُهُ إشَارَةً إنَّمَا هُوَ زَوَالُ مِلْكِهِمْ عَمَّا خَلَّفُوهُ، وَلَيْسَ هَذَا جُزْءًا مِنْ عَدَمِ مِلْكِهِمْ لِشَيْءٍ أَصْلًا أَوْ لِأَدْنَى شَيْءٍ بَلْ هُوَ لَازِمٌ مُتَقَدِّمٌ لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ لِمَا خَلَّفُوهُ وَمَا دُفِعَ بِهِ هَذَا مِنْ أَنَّ زَوَالَ مِلْكِهِمْ عَمَّا خَلَّفُوا لَيْسَ إلَّا كَوْنُهُمْ بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُونَهَا.
وَلَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَهُمْ بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُونَهَا جُزْءًا مِنْ كَوْنِهِمْ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا أَصْلًا، وَأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَازِمٌ مُتَقَدِّمٌ لِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ وَلَيْسَ زَوَالُ مِلْكِهِمْ عَمَّا خَلَّفُوا عِلَّةً لِكَوْنِهِمْ فُقَرَاءَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ غَيْرُهُمْ بَلْ كَوْنُهُمْ فُقَرَاءَ عِلَّةٌ لِزَوَالِ مِلْكِهِمْ عَمَّا كَانَ لَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْمُصَادَرَةِ وَالتَّعَسُّفِ الظَّاهِرِ (وَدَلَالَةُ لَفْظِ الثَّمَنِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى انْعِقَادِ بَيْعِ الْكَلْبِ) أَيْ وَكَدَلَالَتِهِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّ مَهْرَ الْبَغِيِّ وَثَمَنَ الْكَلْبِ وَكَسْبَ الْحَجَّامِ وَحُلْوَانَ الْكَاهِنِ مِنْ السُّحْتِ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ هَذَا عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ التَّلْوِيحِ وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ هَذَا يُفِيدُ الْمَنْعَ مِنْ تَنَاوُلِهِ وَهُوَ يَقْتَضِي تَصَوُّرَهُ، وَتَصَوُّرُهُ بِانْعِقَادِ بَيْعِهِ وَلَيْسَ هُوَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ مِنْ سِيَاقِهِ.
وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَنْعُ مِنْ تَنَاوُلِ الْعِوَضِ الْمَالِيِّ عَنْهُ بِطَرِيقِ الْمُبَادَلَةِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْعِبَارِيُّ لَهُ وَعِنْدَ الْعَبْدِ الضَّعِيفِ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ - فِي هَذَا نَظَرٌ فَإِنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ انْعِقَادَ الْبَيْعِ إنْ ثَبَتَ بِهَذَا إنَّمَا يَثْبُتُ مُقْتَضًى لَا إشَارَةً لِأَنَّ تَحَقُّقَ الثَّمَنِ عَنْهُ يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ تَحَقُّقِ بَيْعِهِ الَّذِي صَارَ بِهِ مَبِيعًا وَمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْعِوَضِ عَنْهُ ثَمَنًا فَهُوَ لَازِمٌ لِلثَّمَنِ مُتَقَدِّمٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ اسْتَدْعَى اعْتِبَارُهُ صِحَّةَ إطْلَاقِهِ ثُمَّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: إنْ قِيلَ يَدُلُّ عَلَى انْعِقَادِ بَيْعِهِ صَحِيحًا فَإِنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَاهُ
الْحَقِيقِيِّ شَرْعًا وَهُوَ الْمَالُ الْمُتَقَوِّمُ شَرْعًا الْمُعْتَاضُ بِهِ عَمَّا هُوَ كَذَلِكَ بِإِذْنِ الشَّارِعِ، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ ثُمَّ أَنَّى يَتِمُّ مَعَ قَوْلِهِ: سُحْتٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ خَبِيثٌ، وَإِشْرَاكُهُ مَعَ مَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ فِي هَذَا الْوَصْفِ، وَإِنْ قِيلَ: يَدُلُّ عَلَى انْعِقَادِهِ فَاسِدًا حَتَّى كَانَ مُفِيدًا لِلْمِلْكِ بِالْقَبْضِ مَطْلُوبَ التَّفَاسُخِ رَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى تَجْرِيدِ النَّظَرِ إلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي بَابِ النَّهْيِ كَمَا سَيُعْرَفُ ثَمَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فَهُوَ خِلَافُ الْمُصَرَّحِ بِهِ لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَكَوْنُ أَدِلَّةٍ خَارِجِيَّةٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ تُفِيدُ كَوْنَ بَيْعِهِ جَائِزًا مِنْ غَيْرِ فَسَادٍ لَا يُوجِبُ كَوْنَ لَفْظِ الثَّمَنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَشْبَاهِهِ مُشِيرًا أَوْ مُقْتَضِيًا ذَلِكَ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا بِالنَّظَرِ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(وَآيَةُ {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ} [البقرة: 187] عَلَى الْإِصْبَاحِ جُنُبًا) أَيْ وَكَدَلَالَةِ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] الْآيَةَ عَلَى جَوَازِ أَنْ يُصْبِحَ الْمُبَاشِرُ فِي لَيْلِ رَمَضَانَ جُنُبًا صَائِمًا لِإِبَاحَةِ هَذَا النَّصِّ الْمُبَاشَرَةَ لَهُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا فِي غَيْرِهِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ طُلُوعَ الْفَجْرِ عَلَيْهِ جُنُبًا لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِاغْتِسَالِ قَبْلَهُ حِينَئِذٍ ثُمَّ هُوَ مُكَلَّفٌ بِالصَّوْمِ مِنْ طُلُوعِهِ فَيَجْتَمِعُ لَهُ وَصْفَا الْجَنَابَةِ وَالصَّوْمِ، وَيَسْتَلْزِمُ هَذَا أَيْضًا عَدَمَ مُنَافَاتِهِمَا، وَهَذَا لَيْسَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ مِنْ سِيَاقِ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ إبَاحَةُ الْمُبَاشَرَةِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ اللَّيْلِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْعِبَارِيُّ ثُمَّ الصَّرِيحُ الصَّحِيحُ مِنْ السُّنَّةِ مُؤَكِّدٌ لِهَذِهِ الْإِشَارَةِ الْقُرْآنِيَّةِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ (وَظَهَرَ) مِنْ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ لِلْإِشَارَةِ السَّالِمَةِ مِنْ التَّعَقُّبِ (أَنَّهَا) أَيْ الْإِشَارَةَ الدَّالَّةَ (الِالْتِزَامِيَّةُ) لِلْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْ اللَّفْظِ الَّتِي لَمْ تُقْصَدْ بِسَوْقِهِ وَيَحْتَاجُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا إلَى تَأَمُّلٍ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ (وَإِنْ خَفِيَ) اللُّزُومُ حَتَّى احْتَاجَ إلَى تَأَمُّلٍ وَجَرَى فِيهِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ الْفُقَهَاءَ لَا يَشْرِطُونَ فِي الِالْتِزَامِيَّةِ اللَّازِمَ الْبَيِّنَ فَضْلًا عَنْهُ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ بَلْ الثُّبُوتُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ احْتَاجَ إلَى تَأَمُّلٍ وَفِكْرٍ أَوْ لَا، وَأَنَّ الْمَعْنَى الْإِشَارِيَّ لَازِمٌ مُتَأَخِّرٌ لِمَعْنَى اللَّفْظِ غَيْرُ مَسُوقٍ لَهُ يَحْتَاجُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ إلَى تَأَمُّلٍ فَحِينَئِذٍ لَا إشَارَةَ إلَّا مَعَ عِبَارَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(فَإِنْ لَمْ يُرِدْ) بِاللَّفْظِ (سِوَاهُ) أَيْ اللَّازِمِ (فَكَانَ) اللَّفْظُ فِي ذَلِكَ الْمُرَادِ (مَجَازًا) حِينَئِذٍ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ (لَزِمَ) أَنْ تَكُونَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى اللَّازِمِ (عِبَارَةً لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالسَّوْقِ) لَا إشَارَةً لِأَنَّ الْمَعْنَى الْإِشَارِيَّ لَا يَكُونُ مَقْصُودًا بِالسَّوْقِ أَصْلًا (وَكَذَا فِي الْجُزْءِ) أَيْ وَكَذَا اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي جُزْءِ مَعْنَاهُ الْمَوْضُوعِ لَهُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ سِوَاهُ حَتَّى كَانَ مَجَازًا فِيهِ لَا تَكُونُ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ إلَّا عِبَارَةً لِكَوْنِهِ الْمَقْصُودَ بِالسَّوْقِ، وَالْمَعْنَى الْإِشَارِيُّ لَا يَكُونُ مَقْصُودًا بِهِ أَصْلًا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَكَذَا كُلُّ مَعْنًى مَجَازِيٍّ وَلَوْ كَانَ مَدْلُولَ الْإِشَارَةِ إذَا اُسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ فِيهِ صَارَ عِبَارَةً فِيهِ لِصَيْرُورَتِهِ مَقْصُودًا بِاللَّفْظِ اهـ فَتَنْفَرِدُ الْعِبَارَةُ عَنْ الْإِشَارَةِ (وَإِنْ دَلَّ) اللَّفْظُ (عَلَى حُكْمٍ مَنْطُوقٍ) أَيْ عَلَى كَوْنِهِ (لِمَسْكُوتٍ لِفَهْمِ مَنَاطِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمِ (بِمُجَرَّدِ فَهْمِ اللُّغَةِ فَدَلَالَةٌ) أَيْ فَتِلْكَ الدَّلَالَةُ تُسَمَّى الدَّلَالَةَ، وَدَلَالَةَ النَّصِّ وَدَلَالَةَ مَعْنَى النَّصِّ لِفَهْمِهَا مِنْهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الدَّلَالَةُ مَا ثَبَتَ بِمَعْنَى النَّصِّ لُغَةً لَا اسْتِنْبَاطًا فَخَرَجَ بِمَعْنَى النَّصِّ الْعِبَارَةُ وَالْإِشَارَةُ لِثُبُوتِهِمَا بِالنَّظْمِ، وَالْمَحْذُوفُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَذْكُورِ وَبِلُغَةِ الْمُقْتَضَى لِثُبُوتِهِ بِمَعْنَاهُ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا وَبِ " لَا اسْتِنْبَاطًا ": الْقِيَاسُ إلَّا أَنَّ عِنْدِي لَا حَاجَةَ إلَيْهِ.
أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِتَغَايُرِ الدَّلَالَةِ وَالْقِيَاسِ كَمَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ مَشَايِخِنَا مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ فَلِخُرُوجِهِ بِلُغَةِ اللَّهُمَّ إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّصْرِيحِ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَذْكُرْهُ صَاحِبُ الْمَنَارِ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ لَهُ فِي الْمَنَارِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ الْقِيَاسِ كَمَا هُوَ قَوْلُ آخَرِينَ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي رِسَالَتِهِ وَاخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَفَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ وَسَمَّوْهَا قِيَاسًا جَلِيًّا فَظَاهِرٌ ثُمَّ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِلْقَطْعِ بِتَوَارُثِ ثُبُوتِ دَلَالَةِ النَّصِّ قَبْلَ شَرْعِيَّةِ الْقِيَاسِ حَتَّى قِيلَ: يَجِبُ حَمْلُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ صُورَتَهُ صُورَةُ قِيَاسٌ شَرْعِيٌّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَقْيِسَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَقِيسُ مَعْلُومًا لُغَةً بِخِلَافِهِ فِي بَقِيَّةِ الْأَقْيِسَةِ وَقِيلَ النِّزَاعُ لَفْظِيٌّ وَعِنْدِي فِيهِ
نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا عَلَيْهِ مَشَايِخُنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إثْبَاتُ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ بِالْقِيَاسِ.
وَيَصِحُّ بِدَلَالَةِ النَّصِّ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي تَحَقُّقِهَا بَيْنَ إنْ (كَانَ) الْمَسْكُوتُ (أَوْلَى) بِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ مَنَاطِهِ (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَسْكُوتُ أَوْلَى بِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ مَنَاطِهِ بَلْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِيهِ خِلَافًا لِمَنْ اشْتَرَطَ الْأَوْلَوِيَّةَ فِيهَا كَمَا سَيَأْتِي التَّعَرُّضُ لَهُ مَعَ رَدِّهِ (كَدَلَالَةِ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ عَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ) فَإِنَّ الْمَعْنَى الْعِبَارِيَّ لَهُ تَحْرِيمُ خِطَابِ الْوَلَدِ لِلْوَالِدَيْنِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الْمَوْضُوعَةِ لِلتَّبَرُّمِ وَالتَّضَجُّرِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِنْهُ إلَى الْمَقْصُودِ بِالنَّهْيِ الَّذِي لِأَجْلِهِ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، وَهُوَ الْأَذَى وَتَثْبُتُ بِدَلَالَتِهِ حُرْمَةُ ضَرْبِهِمَا أَوْ شَتْمِهِمَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى مِنْ حُرْمَةِ التَّأْفِيفِ لَهُمَا نَظَرًا إلَى عِلَّةِ تَحْرِيمِهِ الْمَفْهُومَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَعْرِفُ اللُّغَةَ، وَهُوَ الْإِيذَاءُ فَإِنَّ الْإِيذَاءَ فِيهِمَا فَوْقَ الْإِيذَاءِ بِالتَّأْفِيفِ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْنَى فِي قَوْلِهِمْ: مَا ثَبَتَ بِمَعْنَى النَّصِّ الْمَعْنَى الَّذِي يُنْتَقَلُ إلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ مَنْ هُوَ عَارِفٌ بِاللُّغَةِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى اجْتِهَادٍ، وَأَنَّ تَحْرِيمَ التَّلَفُّظِ بِأُفٍّ إنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَةِ الْأَذَى لَا لِعَيْنِ أُفٍّ حَتَّى لَوْ كَانَ قَوْمٌ يَسْتَعْمِلُونَهُ لِنَوْعِ إكْرَامٍ أَوْ تَرَحُّمٍ لَا لِلْكَرَاهَةِ وَالتَّضَجُّرِ لَمْ يَثْبُتْ تَحْرِيمُ قَوْلِهِ، وَلَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ.
وَسَيَأْتِي مِثَالُ مَا يَكُونُ السُّكُوتُ عَنْهُ مُسَاوِيًا لِلْمَنْطُوقِ بِهِ فِي حُكْمِهِ لِمُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي مَنَاطِهِ (وَأَمَّا) أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ (عَلَى مُجَرَّدِ لَازِمِ الْمَعْنَى كَدَلَالَةِ الضَّرْبِ عَلَى الْإِيلَامِ) مِنْ قَبِيلِ دَلَالَةِ مَعْنَى النَّصِّ كَمَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمَنْ وَافَقَهُ فَإِنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ بِصُورَةٍ مَعْقُولَةٍ وَهُوَ قَرْعُ جِسْمٍ بِآخَرَ وَمَعْنًى مَقْصُودٍ، وَهُوَ الْأَذَى (فَغَيْرُ مَشْهُورٍ) عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الضَّرْبِ قَدْ لَا يَكُونُ الْإِيلَامَ كَضَرْبِ الْيَدِ عَلَى الْيَدِ تَصْفِيقًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِيلَامَ إذَا اُسْتُعْمِلَ بِآلَةِ التَّأْدِيبِ فِي مَحَلٍّ صَالِحٍ لَهُ لِقَصْدِ التَّأْدِيبِ أَوْ التَّعْذِيبِ نَعَمْ هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِهِ عُرْفًا وَعَلَيْهِ تَتَخَرَّجُ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَمَدَّ شَعْرَهَا أَوْ خَنَقَهَا أَوْ عَضَّهَا حَنِثَ (وَعَلَى مَسْكُوتٍ يَتَوَقَّفُ صِدْقُهُ عَلَيْهِ كَرَفْعِ الْخَطَأِ أَوْ صِحَّتُهُ عَلَى مَا سَنَذْكُرُ اقْتِضَاءً) أَيْ وَإِنْ دَلَّ اللَّفْظُ عَلَى شَيْءٍ مَسْكُوتٍ عَنْهُ يَتَوَقَّفُ صِدْقُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ الْمَسْكُوتِ كَالْحَدِيثِ الْمُتَدَاوَلِ لِلْفُقَهَاءِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» فَإِنَّ صِدْقَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَدَّرٍ هُوَ حُكْمُ أَيْ رُفِعَ عَنْهُمْ حُكْمُ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ فِي الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ لَمْ يُرْفَعَا عَنْهُمْ لِوُقُوعِهِمَا مِنْهُمْ بِخِلَافِ حُكْمِهِمَا الْأُخْرَوِيِّ، وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ الْعُثُورِ بِرِوَايَتِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَإِنَّهُ رُوِيَ بِمَعْنَاهُ أَخْرَجَ أَبُو الْقَاسِمِ التَّمِيمِيُّ فِي فَوَائِدِهِ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُصَفَّى أَنْبَأَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنْبَأَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «رَفَعَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ فِيهِ تَسْوِيَةُ الْوَلِيدِ فَقَدْ رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ فَأَدْخَلَ بَيْنَ عَطَاءٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ اهـ. قُلْت وَلَا ضَيْرَ وَإِنْ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يُعْرَفُ تَفَرَّدَ عَنْهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ اهـ وَعَلَّمَ عَلَيْهِ لِأَبِي دَاوُد فَقَدْ قَالَ فِي تَرْجَمَةِ الْوَلِيدِ بَعْدَ أَنْ عَلَّمَ عَلَيْهِ لِلسِّتَّةِ قُلْت إذَا قَالَ الْوَلِيدُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَوْ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ فَلَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ؛ لِأَنَّهُ يُدَلِّسُ عَنْ كَذَا بَيَّنَ، فَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا فَهُوَ حُجَّةٌ اهـ فَإِنَّهُ هُنَا قَالَ: حَدَّثَنَا ثُمَّ عَلَى هَذَا لَمْ يَتِمَّ دَعْوَى تَفَرُّدِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَيْضًا فَتَنَبَّهْ لَهُ أَوْ يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْكَلَامِ شَرْعِيًّا عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ لِغَيْرِهِ:
أَعْتِقْ عَبْدَك عَنَى بِأَلْفٍ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي مَسْأَلَةٍ لِلْمُقْتَضَى وَأَحْكَامِهِ فَتِلْكَ الدَّلَالَةُ اقْتِضَاءٌ وَسُمِّيَتْ بِهِ لِطَلَبِ الْكَلَامِ لَهَا صِدْقًا أَوْ تَصْحِيحًا وَالِاقْتِضَاءُ الطَّلَبُ (وَالشَّافِعِيَّةُ قَسَّمُوهَا) أَيْ الدَّلَالَةَ الْوَضْعِيَّةَ (إلَى مَنْطُوقِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ عَلَى حُكْمٍ لِمَذْكُورٍ) سَوَاءٌ ذُكِرَ الْحُكْمُ كَفِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ، فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى حُكْمٍ مَذْكُورٍ، وَهُوَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ لِمَذْكُورٍ وَهُوَ الْغَنَمُ أَوَّلًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ) كَانَ الْحُكْمُ (غَيْرَ مَذْكُورٍ كَفِي السَّائِمَةِ مَعَ قَرِينَةِ الْحُكْمِ) الدَّالَّةِ عَلَيْهِ كَأَنْ يَقُولَ سَائِلٌ: أَفِي الْغَنَمِ الْمَعْلُوفَةِ الزَّكَاةُ أَمْ فِي السَّائِمَةِ؟ فَيَقُولُ الْمُجِيبُ: فِي