الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْ لَيْسَ الْبَحْثُ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي هَذَا الْعِلْمِ اسْتِمْدَادًا لَهُ مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ (بَلْ) السَّبَبُ فِي تَوَارُدِ بَحْثِهِمَا عَنْهَا (تَدَاخُلُ مَوْضُوعَيْ عِلْمَيْنِ يُوجِبُ مِثْلَهُ) فَقَدْ عَرَفْت جَوَازَ تَدَاخُلِهِمَا بِاعْتِبَارِ عُمُومِ مَوْضُوعِ أَحَدِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ وَخُصُوصِ مَوْضُوعِ الْآخَرِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُوجِبُ الْتِقَاءَهُمَا بَحْثًا فِي بَعْضِ الْمَطَالِبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا عِيَالًا عَلَى الْآخَرِ فِي ذَلِكَ، وَمَوْضُوعَا هَذَيْنِ الْعِلْمَيْنِ كَذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالسَّمْعِيُّ) أَيْ الدَّلِيلُ الْكُلِّيُّ السَّمْعِيُّ مُطْلَقًا (مِنْ حَيْثُ يُوَصِّلُ) الْعِلْمُ بِأَحْوَالِهِ إلَى قُدْرَةِ إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ لِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ (يَنْدَرِجُ فِيهِ السَّمْعِيُّ النَّبَوِيُّ مِنْ حَيْثُ كَيْفِيَّةُ الثُّبُوتِ) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِكَوْنِ هَذَا جُزْئِيًّا مِنْ جُزْئِيَّاتِ ذَاكَ.
وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ ذَاكَ مَوْضُوعُ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَهَذَا مَوْضُوعُ عِلْمِ الْحَدِيثِ فَإِذَنْ عِلْمُ الْحَدِيثِ بَابٌ مِنْ الْأُصُولِ، وَكَوْنُ الْأُصُولِيِّ يَبْحَثُ عَنْ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ مِنْ حَيْثُ الْإِيصَالُ الْمُشَارُ إلَيْهِ لَا يَقْتَضِي نَفْيَ الْبَحْثِ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ كَيْفِيَّةُ الثُّبُوتِ، وَكَيْفَ يَقْتَضِيهِ وَالْبَحْثُ مِنْ حَيْثُ الْإِيصَالُ الْمَذْكُورُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ الثُّبُوتِ مِنْ صِحَّةٍ وَحُسْنٍ وَغَيْرِهِمَا، وَمِنْ ثَمَّةَ تَخْتَلِفُ صِفَاتُ إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ لِلْمُكَلَّفَيْنِ بِاخْتِلَافِ كَيْفِيَّةِ ثُبُوتِ الْأَدِلَّةِ قُوَّةً وَضَعْفًا فَلَا تَتَنَافَى بَيْنَ قَيْدَيْ الْمَوْضُوعَيْنِ فَظَهَرَ أَنَّ ذِكْرَ تَفَاصِيلِ مَبَاحِثِ السُّنَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأُصُولِ لَا يُوجِبُ اسْتِمْدَادَهُ إيَّاهَا مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ بَلْ هِيَ مِنْ مَبَاحِثِهِ بِالْأَصَالَةِ أَيْضًا (وَمَبَاحِثُ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَالنَّسْخِ ظَاهِرٌ) أَيْ، وَمَبَاحِثُ هَذِهِ، وَمَا يَتْبَعُهَا ظَاهِرٌ كَوْنُهَا مَبَاحِثَهُ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ وَلَا يُعْلَمُ عِلْمٌ مِنْ الْعُلُومِ الْمُدَوَّنَةِ كَفِيلٌ بِهَا سِوَاهُ، وَأَمَّا الْكَلَامُ فَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأُصُولِ مِنْهُ إلَّا مَسْأَلَةُ الْحَاكِمِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَأَنَّهَا مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ أَوْ مِنْ الْمَبَادِئِ بِالِاصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّ، وَأَمَّا الْفِقْهُ فَلَيْسَ فِي الْأُصُولِ مِنْهُ إلَّا مَا هُوَ إيضَاحٌ لِقَوَاعِدِهِ فِي صُورَةٍ جُزْئِيَّةٍ أَوْ اسْتِطْرَادٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله وَالْجَدَلُ الْمَذْكُورُ فِيهِ أَعْنِي كَيْفِيَّةَ الْإِيرَادِ عَلَى الْأَقْيِسَةِ الْفِقْهِيَّةِ ذَوَاتِ الْعِلَلِ الْجَعْلِيَّةِ مِنْهُ حَادِثٌ بِحُدُوثِهِ فَإِنْ أَفْرَدَ هَذَا الْجَدَلَ فَكَالْفَرَائِضِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفِقْهِ وَالْجَدَلِ الْقَدِيمِ جُمَلٌ قَلِيلَةٌ فِي بَيَانِ مَا عَلَى الْمَانِعِ وَالْمُعَلِّلِ مِنْ حِفْظِ وَضْعَيْهِمَا. وَكَذَا مَبَاحِثُ أَقْسَامِ اللَّفْظِ الْآتِي تَفْصِيلُهَا مِنْهُ لِظُهُورِ تَوَقُّفِ الْإِيصَالِ الْمَذْكُورِ عَلَى مَعْرِفَتِهَا، وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْمَبَادِئِ اللُّغَوِيَّةِ جُزْءًا مِنْ الْأُصُولِ وَاللَّازِمُ حَقٌّ فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ مُسْتَقِلٌّ بِرَأْسِهِ غَيْرُ مُسْتَمَدٍّ مِنْ عِلْمِ مُدَوَّنٍ قَبْلَهُ شَيْئًا يَكُونُ مِنْهُ جُزْءًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَهَذَا أَخِرُ الْكَلَامِ فِي الْمُقَدِّمَةِ.
[الْمَقَالَةُ الْأُولَى فِي الْمَبَادِئِ اللُّغَوِيَّةِ]
[الْمَقَامُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ مَعْنَى اللُّغَةِ]
(الْمَقَالَةُ الْأُولَى فِي الْمَبَادِئِ اللُّغَوِيَّةِ) الْمَبَادِئُ جَمْعُ مَبْدَإٍ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَكَانُ الْبُدَاءَةِ فِي الشَّيْءِ أَوْ زَمَانِهِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ مَا يَحِلُّ فِيهِ تَوَسُّعًا مَشْهُورًا كَمَا هُنَا فَإِنَّ الْمُرَادَ مَا يَبْدَأُ بِهِ قَبْلَ مَا سِوَاهُ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْعِلْمِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الْمُصْطَلَحُ الْمَنْطِقِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَبَاحِثَ الْمَقْصُودَةَ ذَاتًا لِلْمُصَنِّفِ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ مِنْ أَجْزَاءِ هَذَا الْعِلْمِ، وَمِنْ ثَمَّةَ تَرَاهُ يُنَبِّهُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِيهَا مِمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا، وَقَدْ عُرِفَ مِنْ هَذَا وَجْهُ تَقْدِيمِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ عَلَى الْمَقَالَتَيْنِ الْآتِيَتَيْنِ كَمَا عُرِفَ مِمَّا تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَجْهُ تَسْمِيَتِهَا لُغَوِيَّةً ثُمَّ حَاصِلُ مَا فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ بَيَانُ مَعْنَى اللُّغَةِ وَالْإِشَارَةُ إلَى سَبَبِ وَضْعِهَا، وَبَيَانُ الْوَاضِعِ، وَهَلْ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ اللَّفْظِ وَمَعْنَاهُ لَازِمَةٌ، وَأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي وُضِعَ اللَّفْظُ لَهُ ذِهْنِيٌّ أَوْ خَارِجِيٌّ أَوْ أَعَمُّ مِنْهُمَا وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْوَضْعِ، وَهَلْ يَجْرِي الْقِيَاسُ فِي اللُّغَةِ، وَانْقِسَامُ اللَّفْظِ إلَى أَقْسَامٍ مُتَعَدِّدَاتٍ مُتَبَايِنَاتٍ، وَمُتَدَاخِلَاتٍ بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَاتٍ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهَا بِحَذَافِيرِهَا مُفَصَّلَاتٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُفِيضُ الْجُودِ وَالْخَيْرَاتِ.
الْمَقَامُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ مَعْنَى اللُّغَةِ (اللُّغَاتُ الْأَلْفَاظُ الْمَوْضُوعَةُ) لِلْمَعَانِي، وَحَذَفَهَا لِشُهْرَةِ أَنَّ وَضْعَهَا إنَّمَا هُوَ لِمَعَانِيهَا كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ وَاللَّفْظُ صَوْتٌ مُعْتَمِدٌ عَلَى مَخْرَجِ حَرْفٍ فَصَاعِدًا، وَالْمُرَادُ بِالْوَضْعِ تَعْيِينُ اللَّفْظِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى فَيَعُمُّ مَا يَكُونُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِقَرِينَةٍ فَيَتَنَاوَلُ الْحَقَائِقَ وَالْمَجَازَاتِ وَالْمَعْنَى مَا يُقْصَدُ بِاللَّفْظِ ثُمَّ الْأَلْفَاظُ شَامِلَةٌ لِلْمُسْتَعْمَلَاتِ وَالْمُهْمَلَاتِ الْمُفْرَدَاتِ وَالْمُرَكَّبَاتِ، وَالْمَوْضُوعَةُ مُخْرِجَةٌ لِلْمُهْمَلَاتِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ تَفْسِيرًا لِلْجَمْعِ (ثُمَّ تُضَافُ